وقد رواه البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن حجاج وهو ابن أرطأة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رجلاً من المشركين قتل يوم الأحزاب، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ابعث إلينا بجسده ونعطيهم اثني عشر ألفاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا خير في جسده ولا في ثمنه)).
وقد رواه الترمذي، من حديث سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وقال غريب.
وقد ذكر موسى بن عقبة: أن المشركين إنما بعثوا يطلبون جسد نوفل بن عبد الله المخزومي حين قتل، وعرضوا عليه الدية، فقال: ((إنه خبيث خبيث الدية، فلعنه الله ولعن ديته، فلا أرب لنا في ديته، ولسنا نمنعكم أن تدفنوه)).
وذكر يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فسأل المبارزة فخرج إليه الزبير بن العوام، فضربه فشقه باثنتين حتى فلَّ في سيفه فلاً، وانصرف وهو يقول:
إني امرؤ أحمي وأحتمي * عن النبي المصطفى الأمي
وقد ذكر ابن جرير: أن نوفلاً لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة، فجعل يقول قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه علي فقتله وطلب المشركون رمته من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن، فأبى عليهم أن يأخذ منهم شيئاً، ومكنهم من أخذه إليهم.
وهذا غريب من وجهين.
وقد روى البيهقي: من طريق حماد بن يزيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: جعلت يوم الخندق مع النساء والصبيان في الأطم، ومعي عمر بن أبي سلمة، فجعل يطأطئ لي، فأصعد على ظهره فأنظر إليهم كيف يقتتلون، وأطأطئ له فيصعد فوق ظهري فينظر.
قال: فنظرت إلى أبي وهو يحمل مرة ها هنا ومرة ها هنا، فما يرتفع له شيء إلا أتاه، فلما أمسى جاءنا إلى الأطم.
قلت: يا أبة رأيتك اليوم وما تصنع.
قال: ورأيتني يا بني ؟
قلت: نعم.
قال: فدى لك أبي وأمي.
قال ابن إسحاق: وحدثني أبو ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري، أخو بني حارثة: أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة.
قال: وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن.
قالت عائشة: وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب. قالت: فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربته يرفل بها ويقول:
لبّثْ قليلاً يشهد الهيجا جمَل * لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فقالت له أمه: الحق بني فقد والله أخرت.
قالت عائشة: فقلت لها يا أم سعد، والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي.
قالت: وخفت عليه، حيث أصاب السهم منه، فرُمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل.
قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: رماه حيان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي، فلما أصابه قال: خذها مني وأنا ابن العرقة، فقال له سعد: عرق الله وجهك في النار، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول: ما أصاب سعداً يومئذ إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم.
وقد قال أبو أسامة في ذلك شعراً قاله لعكرمة بن أبي جهل:
أعكرم هلاّ لمتني إذ تقول لي * فداك بآطام المدينة خالدَ
ألست الذي ألزمت سعداً مريشة * لها بين أثناء المرافق عاند
قضى نحبه منها سعيد فأعولت * عليه مع الشمط العذارى النواهد
وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا * عبيدة جمعاً منهم إذ يكابد
على حين ما هم جائر عن طريقه * وآخر مرعوبٌ عن القصد قاصد
قال ابن إسحاق: والله أعلم أي ذلك كان.
قال ابن هشام: ويقال إن الذي رمى سعداً خفاجة بن عاصم بن حبان.
قلت: وقد استجاب الله دعوة وليه سعد بن معاذ في بني قريظة، أقر الله عينه فحكم فيهم بقدرته وتيسيره، وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك كما سيأتي بيانه، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله فوق سبع أرقعة.
قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، قالت: وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان، فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إذ أتانا آت.
فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما أمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله.
قال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا.
قالت: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً احتجزت، ثم أخذت عموداً، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل.
قال: مالي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب.
قال موسى بن عقبة: وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم قريباً من عشرين ليلة، وأخذوا بكل ناحية حتى لا يدرى أتم أم لا.
قال: ووجهوا نحو منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة غليظة، فقاتلوهم يوماً إلى الليل، فلما حانت صلاة العصر دنت الكتيبة، فلم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على نحو ما أرادوا، فانكفأت الكتيبة مع الليل، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم وقلوبهم)) وفي رواية ((وقبورهم ناراً)).
فلما اشتد البلاء نافق ناس كثير، وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بالناس من البلاء والكرب، جعل يبشرهم ويقول: ((والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق أمناً، وأن يدفع الله إلي مفاتيح الكعبة، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)).
وقد قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا روح، حدثنا هشام، عن محمد، عن عبيدة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق: ((ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس)).
وهكذا رواه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي به.
ورواه مسلم والترمذي، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن عبيدة، عن علي به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
ثم قال البخاري: حدثنا المكي بن إبراهيم، حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله ما صليتها)) فنزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
وقد رواه البخاري أيضاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي من طرق، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا ثابت، حدثنا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم عدواً، فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال: ((اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى فاملأ بيوتهم ناراً، واملأ قبورهم ناراً)) ونحو ذلك تفرد به أحمد، وهو من رواية هلال بن خباب العبدي الكوفي، وهو ثقة يصحح له الترمذي وغيره.
وقد استدل طائفة من العلماء بهذه الأحاديث على كون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، كما هو منصوص عليه في هذه الأحاديث، وألزم القاضي الماوردي مذهب الشافعي بهذا لصحة الحديث.
وقد حررنا ذلك نقلاً واستدلالاً عند قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238}
وقد استدل طائفة بهذا الصنيع على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال، كما هو مذهب مكحول والأوزاعي.
وقد بوب البخاري ذلك، واستدل بهذا الحديث، وبقوله صلى الله عليه وسلم يوم أمرهم بالذهاب إلى بني قريظة – كما سيأتي – ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) وكان من الناس من صلى العصر في الطريق، ومنهم من لم يصل إلا في بني قريظة بعد الغروب، ولم يعنف واحداً من الفريقين.
واستدل بما ذكره عن الصحابة ومن معهم في حصار تستر، سنة عشرين في زمن عمر، حيث صلوا الصبح بعد طلوع الشمس لعذر القتال، واقتراب فتح الحصن.
وقال آخرون من العلماء وهم الجمهور منهم الشافعي: هذا الصنيع يوم الخندق منسوخ بشرعية صلاة الخوف بعد ذلك، فإنها لم تكن مشروعة إذ ذاك، فلهذا أخروها يومئذ، وهو مشكل.
قال ابن إسحاق وجماعة: ذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان.
وقد ذكرها ابن إسحاق – وهو إمام في المغازي – قبل الخندق، وكذلك ذات الرقاع ذكرها قبل الخندق، فالله أعلم.
وأما الذين قالوا: إن تأخير الصلاة يوم الخندق وقع نسياناً كما حكاه شراح مسلم عن بعض الناس، فهو مشكل إذ يبعد أن يقع هذا من جمع كبير مع شدة حرصهم على محافظة الصلاة، كيف وقد روي أنهم تركوا يومئذ الظهر والعصر والمغرب حتى صلوا الجميع في وقت العشاء، من رواية أبي هريرة وأبي سعيد.
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد وحجاج قالا: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هَويٌ من الليل حتى كفينا، وذلك قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25].
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأمره، فأقام فصلى الظهر كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كذلك، ثم أقام المغرب فصلاها كذلك، ثم أقام العشاء فصلاها كذلك، وذلك قبل أن ينزل.
قال حجاج في صلاة الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة: 239].
وقد رواه النسائي عن الفلاس، عن يحيى القطان، عن ابن أبي ذئب به.
قال: شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس فذكره.
وقال أحمد: حدثنا هشيم، حدثنا أبو الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله.
قال: فأمر بلالاً فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا مؤمل – يعني ابن إسماعيل- حدثنا حماد – يعني ابن سلمة – عن عبد الكريم – يعني ابن أبي المخارق- عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله:
أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر، ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء، ثم قال: ((ما على وجه الأرض قوم يذكرون الله في هذه الساعة غيركم)).
تفرد به البزار وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد رواه بعضهم، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن أبي عبيدة، عن عبد الله.
فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، حدثنا الزبير – يعني ابن عبد الله – حدثنا ربيح بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر ؟
قال: ((نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)).
قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح.
وقد رواه ابن أبي حاتم في (تفسيره) عن أبيه، عن أبي عامر – وهو العقدي – عن الزبير بن عبد الله مولى عثمان بن عفان، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي سعيد، فذكره وهذا هو الصواب.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين، عن ابن أبي ذئب، عن رجل من بني سلمة، عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد الأحزاب فوضع رداءه، وقام ورفع يديه مداً يدعو عليهم ولم يصل.
قال: ثم جاء ودعا عليهم وصلى.
وثبت في الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال: ((اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)) وفي الرواية: ((اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم)).
وروى البخاري، عن قتيبة، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده)).
وقال ابن إسحاق: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة، لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
قال: ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة)) فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية فقال: يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم، وخاصة ما بيني وبينكم.
قالوا: صدقت لست عندنا بمتهم.
فقال لهم: إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، وإن قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها.
وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم، يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه.
قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب، ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت علي حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني.
قالوا: نفعل.
قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم؟
فأرسل إليهم: أن نعم، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهموني.
قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم.
قال: فاكتموا عني.
قالوا: نفعل، ثم قال لهم ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنيع الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان، إلى بني قريظة: عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان.
فقال لهم: إنا لسنا بدار مقام، هلك الخف والحافر، فأعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه.
فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثاً، فأصابهم ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا، حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك منه.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا ولله لا ندفع إليكم رجلاً من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً، فأبوا عليهم، وخذل الله بينهم، وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم.
وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة نعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة.
وقد أورده عنه البيهقي في (الدلائل) فإنه ذكر ما حاصله: أن نعيم بن مسعود كان يذيع ما يسمعه من الحديث، فاتفق أنه مر برسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم عشاء، فأشار إليه أن تعال، فجاء فقال: ((ما وراءك ؟)).
فقال: إنه قد بعثت قريش وغطفان إلى بني قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا إليهم فيناجزوك، فقالت قريظة: نعم، فأرسلوا إلينا بالرهن، وقد ذكر فيما تقدم: أنهم إنما نقضوا العهد على يدي حيي بن أخطب، بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة.
قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني مسر إليك شيئاً فلا تذكره)) قال: ((إنهم قد أرسلوا إلي يدعونني إلى الصلح، وأرد بني النضير إلى دورهم وأموالهم)).
فخرج نعيم بن مسعود عامداً إلى غطفان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحرب خدعة، وعسى أن يصنع الله لنا)).
فأتى نعيم غطفان وقريشاً فأعلمهم، فبادر القوم وأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة وجماعة معه، واتفق ذلك ليلة السبت، يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم، فاعتلت اليهود بالسبت، ثم أيضاً طلبوا الرهن توثقة، فأوقع الله بينهم واختلفوا.
قلت: وقد يحتمل أن تكون قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون منه الصلح على أن يرد بني النضير إلى المدينة، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جمعهم، دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟
قال: نعم يا ابن أخي.
قال: فكيف كنتم تصنعون ؟
قال: والله لقد كنا نجتهد.
قال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا.
قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوياً من الليل، ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقول فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع – فشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة – أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة ؟
فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد، فلما لم يقم أحد دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: ((يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون، ولا تحدثن شيئاً حتى تأتينا)).
قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟
قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت ؟
قال: فلان ابن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل.
ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي لا تحدث شيئاً حتى تأتيني لقتلته بسهم.
قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحل، فلما رآني أدخلني إلى رجليه، وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه، فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم، وهذا منقطع من هذا الوجه. (ج/ص: 4/ 131)
وقد روى هذا الحديث مسلم بن الحجاج في صحيحه: من حديث الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال له رجل: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك؟
لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب، في ليلة ذات ريح شديدة وقر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل يأتيني بخبر القوم، يكون معي يوم القيامة ؟)) فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله.
ثم قال: ((يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم)) فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: ((اذهب ائتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليَّ)).
قال: فمضيت، كأنما أمشي في حمام، حتى أتيتهم، فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار، فوضعت سهماً في كبد قوسي وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذعرهم علي)) ولو رميته لأصبته.
فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصابني برد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائماً حتى الصبح، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قم يا نومان)).
وقد روى الحاكم والحافظ البيهقي في (الدلائل) هذا الحديث مبسوطاً من حديث عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، قال: ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه: أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا.
فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، وأبو سفيان ومن معه فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا، نخافهم على
ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة، ولا أشد ريحاً منها في أصوات ريحها، أمثال الصواعق وهي ظلمة، ما يرى أحدنا أصبعه.
فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة وما هي بعورة، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم ويتسللون، ونحن ثلاثمائة ونحو ذلك إذا استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً.
حتى أتى عليَّ وما علي جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي، ما يجاوز ركبتي، قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي، فقال: ((من هذا ؟)) فقلت: حذيفة، فقال: ((حذيفة !)) فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم، فقمت فقال: ((إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم)) قال: وأنا من أشد الناس فزعاً، وأشدهم قراً.
قال: فخرجت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته)).
قال: فوالله ما خلق الله فزعاً، ولا قراً في جوفي، إلا خرج من جوفي فما أجد فيه شيئاً.
قال: فلما وليت، قال: ((يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني)).
قال: فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم، نظرت في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم، يقول بيديه على النار، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك.
فانتزعت سهماً من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه به في ضوء النار، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحدثن فيهم شيئاً حتى تأتيني)) فأمسكت، ورددت سهمي إلى كنانتي.
ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبراً، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم، الريح تضرب بها.
ثم إني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتصفت بي الطريق أو نحو من ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً أو نحو ذلك معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن الله قد كفاه.
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل علي شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم، أخبرته أني تركتهم يرحلون.
قال: وأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} [الأحزاب: 9] يعني الآيات كلها، إلى قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} [الأحزاب: 25].
أي: صرف الله عنهم عدوهم، بالريح التي أرسلها عليهم والجنود من الملائكة وغيرهم، التي بعثها الله إليهم، وكفى الله المؤمنين القتال أي: لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم، بل صرفهم القوي العزيز بحوله وقوته.
لهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده)).
وفي قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال} إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبينهم، وهكذا وقع ولم ترجع قريش بعدها إلى حرب المسلمين، كما قال محمد بن إسحاق رحمه الله.
فلما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: ((لن تغزوكم قريش بعد عامكم، ولكنكم تغزونهم)) قال: فلم تغز قريش بعد ذلك، وكان يغزوهم بعد ذلك، حتى فتح الله عليه مكة، وهذا بلاغ من ابن إسحاق.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني أبو إسحاق، سمعت سليمان بن صرد رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا)).
وهكذا رواه البخاري من حديث إسرائيل، وسفيان الثوري، كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي، عن سليمان بن صرد به.
قال ابن إسحاق: واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثلاثة من بني عبد الأشهل، وهم: سعد بن معاذ – وستأتي وفاته مبسوطة – وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنمة الجشميان السلميان، وكعب بن زيد النجاري، أصابه سهم غرب فقتله.
قال: وقُتل من المشركين ثلاثة وهم: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، اقتحم الخندق بفرسه فتورط فيه فقتل هناك، وطلبوا جسده بثمن كبير كما تقدم، وعمرو بن عبد ود العامري، قتله علي بن أبي طالب.
قال ابن هشام: وحدثني الثقة أنه حدث عن الزهري أنه قال: قتل علي يومئذ عمرو بن عبد ود، وابنه حسل بن عمرو.
قال ابن هشام: ويقال عمرو بن عبد ود، ويقال عمرو بن عبد.”
inShare