غزوة بني قريظة
غزوة بني قريظة هي غزوة شنها رسول الله في السنة الخامسة للهجرة على يهود من بني قريظة في المدينة المنورة إنتهت بإستسلام بني قريظة بشرط التحكيم فحكم عليهم سعد بن معاذ بقتل المقاتلة وسبي الذراري والنساء وتقسيم الأموال بسبب الخيانة.
أسباب المعركة أن اليهود من بني قريظة كانوا يسكنون في ضواحي المدينة وكان بينهم وبين النبي عهد بأن لا يساعدوا العدو عليه فلما كانت معركة الخندق وكان من بين القبائل المعادية للمدينة بنو النظير الذين طردهم محمد بن عبد الله من المدينة صار حوار بين حيي بن أخطب زعيم بني النظير وبني قريظة يريد منهم ان ينقضوا عهدهم مع محمد ويساعدوهم في الاستيلاء على المدينة. يقول ابن اسحاق ان حيي تمكن من إقناع كعب بن أسد بن، زعيم بني قريظة، بمساعدتهم في احتلال المدينة. كان كعب، بحسب رواية ابن الوردي، متردد في بداية الامر وكان يقول ان محمد لم ينقض عهده معهم ولم يحرجهم لكنه قرر أن يساعد القريشيين بعد أن وعده حيي بأن ينضم إلى بني قريظة ويبقى في المدينة اذا انتهت المعركة دون ان يقتل المكيين محمد.
وصل خبر خيانة بني قريظة إلى محمد عن طريق سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقام محمد بارسال نُعبم من مسعود الذي كان قد اسلم بالسر أن يزرع الشك بين صفوف بني قريظة والغزاة، ونجح بهذا بابطال الاتفاقية التي كانت بينهم ولم يعد بني قريظة يثقوا بالغزاة ولم يقدموا لهم أي مساعدات إلى ان انتهت المعركة وانسحبوا عن المدينة.
روى البخاري عن عائشة أن رسول الله لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل فقال: قد وضعتَ السلاح! والله ما وضعناه (أي الملائكة)، قال: “فإلى أين؟” قال: ها هنا، وأومأ إلى بني قريظة، قالت: فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمر الرسول بالسير إلى بني قريظة فدخلوا حصنهم فأقام المسلمون في حصارهم 25 ليلة حتى استسلم اليهود على التحكيم فحكم فيهم سعد بن معاذ أمير الأوس، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس، فحكم عليهم سعد بأن تُقتَلَ مُقاتلَتُهم، وأن تُسبى ذراريهم، وأن تُقسَمَ أموالهم ، بسبب إنهم نقضوا العهد.
جاء في “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” لابن الجوزي:
” وقعت غزوة بني قريظة في ذي القعدة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق جاءه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل حصونهم.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا ابن مالك قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عفان قال: أخبرنا حماد يعني ابن سلمة عن هشام بن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل فجاءه جبريل فقال: أوقد وضعتم السلاح ما وضعنا أسلحتنا بعد انهض إلى بني قريظة قالت عائشة: كأني أنظر إلى جبريل من خلال الباب قد عصب رأسه من الغبار.
أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن بكر قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال: حدثنا محمد بن محمد المطرز قال: أخبرنا بشر بن المعمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق فبينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب وثبة منكرة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال: ورأيته قلت: نعم قال: ” ومن تشبهينه ” قلت: بدحية بن خليفة الكلبي قال: ذاك جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة.
قال علماء السير: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا رضي الله عنه فدفع إليه لواءه وبعث بلالًا فنادى في الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم سار في ثلاثة آلاف وكانت الخيل ستة وثلاثين فرسًا وذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة فحاصرهم خمسة عشر يومًا وقيل: خمسًا وعشرين ليلة أشد الحصار ورموا بالنبل والحجر فلم يطلع منهم أحد.
فلما اشتد الحصار عليهم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده أنه الذبح ثم ندم فاسترجع فقال: خنت الله ورسوله فانصرف فارتبط في المسجد ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنزل الله توبته ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فكتفوا ونحوا ناحية.
وأخرج النساء والذرية فكانوا ناحية وجمع أمتعتهم فكانوا ألفًا وخمسمائة سيف وثلاثمائة درع وألفي رمح وألفًا وخمسمائة ترس وحجفة وجمالًا كانت نواضح وماشية كثيرة.
وكان لهم خمر فأريق وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاد فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتسبى النساء والذراري وتقسم الأموال.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ”.
ونزل ثعلبة وأسيد ابنا شعبة وأسد بن عبيد ابن عمهم فقالوا: إنكم لتعلمون أنه نبي وان صفته عندنا فأسلموا فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهليهم وأموالهم.
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة وأمر بهم فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدودًا في السوق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أصحابه وأخرجوا إليه فضرب أعناقهم وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو لنفسه فأسلمت وبقيت في ماله حتى توفي عنها وأمر بالغنائم فجمعت فأخرج الخمس وأمر بالباقي فبيع فيمن يزيد وقسمه بين المسلمين وكانت السهمان على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهمًا للفرس سهمان ولصاحبه سهم.
وفي هذه الغزاة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها”.
وجاء في “البداية والنهاية” لابن كثير:
” وما أحل الله تعالى بهم من البأس الشديد، مع ما أعد الله لهم في الآخرة من العذاب الأليم، وذلك لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممالأتهم الأحزاب عليه، فما أجدى ذلك عنهم شيئاً، وباؤا بغضب من الله ورسوله، والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة.
وقد قال الله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} [الأحزاب: 25-27].
قال البخاري: حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا عبد الله، حدثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من الغزو والحج والعمرة، يبدأ فيكبر ثم يقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)).
قال محمد بن إسحاق رحمه الله: ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعاً إلى المدينة و المسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني الزهري معتجراً بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج فقال: أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟
قال: ((نعم)) فقال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً فأذن في الناس: ((من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة)).
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
وقال البخاري: حدثني عبد الله بن أبي شيبة، حدثنا ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل، أتاه جبريل فقال: قد وضعت السلاح والله ما وضعناه ! فاخرج إليهم.
قال: ((فإلى أين ؟)) قال: ها هنا، وأشار إلى بني قريظة. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أحمد: وحدثنا حسن، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل ليغتسل، وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قد عصب رأسه الغبار، فقال: يا محمد أوضعتم أسلحتكم؟
فقال: ((وضعنا أسلحتنا)) فقال: إنا لم نضع أسلحتنا بعد، انهد إلى بني قريظة.
ثم قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم موكب جبريل، حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)) فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي العصر حتى نأتيها.
وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم.
وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء به.
وقال الحافظ البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن خالد بن علي، حدثنا بشر بن حرب، عن أبيه، حدثنا الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عمه عبيد الله أخبره:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب، وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم، فتبدى له جبريل عليه السلام فقال: عذيرك من محارب إلا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد.
قال: فوثب النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بني قريظة، قال: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند غروب الشمس.