يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكن مكثارًا للعلم مهذارًا، فإن كثرة المنطق تشين العلماء، وتبدي مساوي السخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال وماطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعل الحكماء، وزين العلماء.
إذا شتمك الجاهل فاسكت عنه حلمًا، وجانبه حزمًا، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم، يا ابن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلًا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف.
يا ابن عمران: لا تفتحن بابًا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابًا لا تدري ما فتحه.
يا ابن عمران: من لا ينتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي منها رغبته، ومن يحقر حاله، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدًا. هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.
يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بواره، ولغيرك نوره.
يا موسى بن عمران: اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، واستكثر من الحسنات، فإنك مصيب السيئات، وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك يرضى ربك، واعمل خيرًا فإنك لا بد عامل سوء، قد وعظت إن حفظت. قال: فتولى الخضر، وبقي موسى محزونًا مكروبًا يبكي.
لا يصح هذا الحديث، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري، كذبه غير واحد من الأئمة، والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله قال لأصحابه: « ألا أحدثكم عن الخضر؟ ».
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: « بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب.
فقال: تصدق عليّ بارك الله فيك.
فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شيء أعطيكه.
فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت إلى السماء في وجهك ورجوت البركة عندك.
فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي من شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني.
فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟
قال: نعم الحق أقول لك، لقد سألتني بأمر عظيم، أما أني لا أخيبك بوجه ربي بعني.
قال: فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانًا لا يستعمله في شيء.
فقال له: إنك ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل. قال: أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف.
قال: ليس يشق علي.
قال: فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف، وقد نقل الحجارة في ساعة.
فقال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه، ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أمينًا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة.
قال: فأوصني بعمل.
قال: إني أكره أن أشق عليك.
قال: ليس تشق علي.
قال: فاضرب من اللبن لبيتي، حتى أقدم عليك، فمضى الرجل لسفره فرجع، وقد شيد بناؤه فقال: أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟
فقال: سألتني بوجه الله، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية، سأخبرك من أنا، أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي من شيء أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي، فباعني وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو بقدر، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له ولا عظم، يتقعقع.
فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله، ولم أعلم.
فقال: لا بأس أحسنت وأبقيت.
فقال الرجل: بأبي وأمي يا نبي الله، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله، أو أخيرك فأخلي سبيلك.
فقال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي، فخلى سبيله.
فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية، ثم نجاني منها ».
وهذا حديث رفعه خطأ، والأشبه أن يكون موقوفًا وفي رجاله من لا يعرف، فالله أعلم.
وقد رواه ابن الجوزي في كتابه (عجالة المنتظر في شرح حال الخضر) من طريق عبدالوهاب بن الضحاك وهو متروك، عن بقية.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بإسناده إلى السدي: أن الخضر وإلياس كانا أخوين.
وكان أبوهما ملكًا فقال إلياس لأبيه: إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك، فلو أنك زوجته لعله يجيء منه ولد يكون الملك له.
فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر.
فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء فإن شئت أطلقت سراحك، وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عز وجل وتكتمين علي سري؟
فقالت: نعم، وأقامت معه سنة، فلما مضت السنة دعاها الملك فقال: إنك شابة وابني شاب، فأين الولد؟
فقالت: إنما الولد من عند الله، إن شاء كان، وإن لم يشأ لم يكن. فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها، فأجابت إلى الإقامة عنده.
فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد فقالت: إن ابنك لا حاجة له بالنساء، فتطلبه أبوه فهرب، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه.
فيقال: إنه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره، فهرب من أجل ذلك، وأطلق سراح الأخرى، فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة، فمر بها رجل يومًا فسمعته يقول: بسم الله.
فقالت له: أنى لك هذا الاسم؟
فقال: إني من أصحاب الخضر، فتزوجته فولدت له أولادًا. ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون، فبينما هي يومًا تمشطها، إذ وقع المشط من يدها، فقالت: بسم الله.
فقالت ابنة فرعون: أبي؟
فقالت: لا، ربي وربك ورب أبيك، الله.
فأعلمت أباها، فأمر بنقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها فألقيت فيه، فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها، فقال لها ابن معها صغير: يا أمه اصبري فإنك على الحق فألقت نفسها في النار، فماتت رحمها الله.
وقد روى ابن عساكر، عن أبي داود الأعمى - نفيع وهو كذاب - وضاع عن أنس بن مالك، ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف - وهو كذاب أيضًا - عن أبيه، عن جده: أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي وهو يدعو ويقول: « اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه ».
فبعث إليه رسول الله أنس بن مالك فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: قل له: إن الله فضلك على الأنبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على غيره.
الحديث، وهو مكذوب لا يصح سندًا ولا متنًا.