موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
باكى - 67
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
الحربي - 36
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
زهرالورد - 30
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Vote_lcap 

 

 (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:45

المبحث الأول: أشهر الأئمة

لقد يسر الله تعالى لحفظ دينه رجالاً وهبوا أنفسهم لخدمة هذه العقيدة المباركة ويسر لهم الأمور ورزقهم الذكاء والإخلاص فنبغ منهم العلماء الفطاحل أصحاب البيان والسحر الحلال فكانوا جنوداً أوفياء لدينهم ما إن تظهر فتنة إلا ودفنوها ولا صاحب بدعة أو هوى إلا وحذروا منه فأقام الله بهم حجته على الناس، ومن الصعوبة بمكان حصرهم هنا وإنما نذكر ما يتيسر ذكره منهم كمثال على الثراء الفكري عند علماء السلف ومن هؤلاء:
أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري.
سفيان بن عيينة.
مسلم بن الحجاج.
ابن عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
أحمد بن حنبل.
علي بن المديني.
أبو ثور إبراهيم بن خالد.
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم.
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري.
الأئمة الأربعة (أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل (مكرر)).
ابن كثير.
ابن خزيمة.
ابن القيم.
ابن تيمية.
وغيرهم الكثير ممن أثروا المكتبات الإسلامية بمؤلفاتهم القيّمة التي تشهد بإخلاصهم وتوفيق الله وعونه لهم ولا نزكي على الله أحداً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:46

المبحث الثاني: أهم مؤلفات علماء السنة في بيان العقيدة السلفية والرد على المخالفين

وقد ألّف علماء السلف في بيان عقيدتهم وإيضاحها والرد على المخالفين، المؤلفات الكثيرة مدعومة بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهي من الكثرة بحيث لا يكاد أحد يستطيع حصرها.
ومن أجلّ علماء السلف ومؤلفيهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله وله مؤلفات في بيان عقيدة السلف والذب عنها، منها ما دونه بنفسه ومنها ما دونه تلامذته في مؤلفاتهم. ومن كتبه في الحديث المسند وقد جمع فيه أحاديث كثيرة بيّن فيها عقيدة السلف ضمن تلك الأحاديث التي أوردها، وكتب في بيان العقيدة الكتب الآتية:
(السنة)، (الإيمان)، (الرد على الزنادقة)، (فضائل الصحابة).
ومنهم الإمام البخاري رحمه الله وقد أودع في (صحيحه) كثيراً من بيان عقيدة السلف وكذا كتابه (خلق أفعال العباد) و(الأدب المفرد) ومنهم الإمام مسلم رحمه الله وقد أودع في (صحيحه) أيضاً كثيراً من أبواب العقيدة، ومنهم:
ابن ماجه في (سننه).
أبو بكر بن الأثرم في كتابه (السنة).
عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه (الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية).
عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه (الرد على الجهمية) وكتابه (الرد على بشر المريسي).
ابن أبي عاصم في كتابه (السنة).
عبد الله ابن الإمام أحمد في كتابه (السنة).
محمد بن نصر المروزي في كتابه (السنة).
الإمام الطبري في كتابه (صريح السنة).
الخلال في كتابه (السنة).
ابن خزيمة في كتابه (التوحيد وإثبات صفات الرب عزّ وجلّ).
الطحاوي في كتابه (العقيدة الطحاوية).
الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) والمقالات.
عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه (الرد على الجهمية).
الحسن بن علي البربهاري في كتابه (السنة).
الآجري في كتابه (الشريعة) وكتابه (التصديق بالنظر إلى الله تعالى).
أبو حمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني في كتابه (العظمة).
الدارقطني في كتابه (أحاديث النزول) كتاب (الصفات).
ابن بطه – عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري في كتابه (الإبانة – الصغرى والكبرى).
ابن منده أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده في كتابه (الرد على الجهمية)، (الإيمان)، (التوحيد) بتحقيق د. علي ناصر فقيهي.
ابن أبي زمنين في كتابه (أصول السنة).
اللالكائي أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) بتحقيق زميلي د. أحمد سعد حمدان الغامدي.
قوّام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصفهاني في كتابه (الحجة في بيان المحجة) بتحقيق الزميل د. محمد ربيع و د. محمد أبو رحيم.
أبو المظفر السمعاني في (تفسيره).
الإمام مالك.
ربيعة الرأي.
سفيان الثوري.
شيخ الإسلام ابن تيمية صاحب الباع الطويل في بيان عقيدة السلف وكتبه كثيرة مشهورة وقد احتوت الفتاوي على كثير منها.
ابن قيم الجوزية وله عدة مؤلفات مشهورة.
الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأهم مؤلفاته كتاب (التوحيد) المتداول بين طلبة العلم وكتاب (كشف الشبهات) وغيرهما من الرسائل التي كتبها وكذا الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله.
وفي عصرنا الحاضر كتب كثير من الفضلاء في بيان السنة والرد على المخالفين مثل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وكذا الألباني رحمه الله وما ذكر سابقاً فإنما هو من باب التمثيل إذ أن حصر كتب السلف يكاد أن يكون مستحيلاً جمعه في هذه العجالة فالمكتبة الإسلامية ثرية بمؤلفات متنوعة بين الضخم والمختصر والنثر والنظم والأسئلة والأجوبة ولا يزال الخير في أهل السنة إن شاء الله إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
رحم الله جميع علماء السلف ونفع بمؤلفاتهم جميع أهل الأرض إنه على كل شيء قدير. ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:48

الفصل الحادي عشر: تنبيهات مهمة على مسائل في العقيدة

وفي الختام ننبه إلى ما وقع فيه بعض الناس من إطلاق عبارات ومفاهيم لا تتفق مع عقيدة السلف ومنهجهم بزعم أنها هي العقيدة الصحيحة السلفية.
متأثرين فيها بشتى المذاهب المخالفة ومؤثرين في غيرهم ممن قلت معرفتهم بحقيقة مذهب السلف وكل ذلك ناتج عن جهل بحقيقة معاني تلك الكلمات وتلك المفاهيم وهي كثيرة بحيث لا يستوعبها وقت كتابة هذه العجالة ولكن أشير إلى أهمها ولأهميتها وخفائها أيضاً أحببت أن أنبه إليها إخواني طلاب العلم وكل من يراها نصيحة لهم ودفاعاً عن العقيدة تتمة لدراسة فرقة السلف الطائفة المنصورة جمعتها من شتى المصادر. ومن الملاحظ أن بعض هؤلاء الذين يخطئون في جوانب من العقيدة بعضهم على مستوى من المعرفة والثقافة ولكن الكمال لله تعالى والتذكير ينفعهم وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[الذاريات:55] فقد يكون للشخص أخطاء في جوانب ولكنه في جوانب أخرى لا يشق له غبار.
والمشكلة ليس الوقوع في الخطأ – فهذا شأن الإنسان – ولكن الخطأ هو الإصرار على الخطأ لأن الإصرار على الخطأ ليس من سمة طلاب العلم بل علامتهم وشعارهم دائماً وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طه:114] والحكمة ضالة المؤمن فإن من طلب الزيادة في العلم زاده الله ومن أصر على ما عنده من المعرفة فقط فكأنه يقول بلسان حاله لا أريد زيادة على ما عندي والله تعالى يقول :وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً  [الإسراء:85] وفيما يلي بيان ما تقدمت الإشارة إليه:
- الزعم بأن التفويض في الصفات هو مذهب السلف وذلك أن عقيدة السلف في هذا هي الالتزام التام بما جاء في كتاب الله تعالى أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الوحيين كل النصوص تؤكد على الإثبات في الصفات لا على التفويض وهو ما كان عليه الصحابة في اعتقادهم في باب الصفات وما كان عليه سائر التابعين ومن تبعهم بإحسان وسائر من كتب من السلف في العقيدة من المتقدمين والمتأخرين لم يخالف إلا من خرج عن هديهم.
- ومن المزاعم الباطلة أيضاً قول البعض أن السلف يمرون الصفات كما جاءت دون فهم معانيها وهذا غير صحيح فإن السلف إنما يريدون بإمرارها كما جاءت في الكيفيات لا في معانيها فإن كيفية الصفات من الأمور المجهولة والسؤال عنها بدعة أما المعاني فواضحة ومعقولة.
- الزعم بأن الله تعالى في كل مكان واستدلالهم بآيات معية الله لخلقه وتفسيرهم لها بأنها المعية الذاتية لله تعالى عن ذلك, فإن السلف فسروا هذه المعية من الله تعالى بأنها إحاطة علمه عزّ وجلّ بجميع ما يجري فلا يخفى عليه شيء وذاته تعالى فوق عرشه وهو مع كل مخلوق بعلمه وإحاطته.
- الزعم بأن السلف يعتقدون أن الله في السماء أي في داخلها أو أنها تحيط به أو أنه بإحدى السماوات تحوزه تعالى الله عن ذلك فإن هذا ليس من أقوال السلف بل هو من أقوال أهل البدع لأن معنى أن الله في السماء أي في مطلق العلو فوق عباده وفوق عرشه هكذا عقيدة السلف كما قال تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ[الأنعام:18].
- الزعم بأن السلف مجسمة أو حشوية أو مشبهة أو جبرية أو قدرية أو نابتة أو غثاء أو غثراء أو غير ذلك من الألقاب التي أطلقت على السلف نبزاً لهم فإن مذهب السلف هو بخلاف ذلك كله كما اتضح في دراستنا السابقة.
- الزعم بأن آيات الصفات من المتشابه قول لأهل البدع لا لأهل السنة الذين يعتقدون أنها من المحكم المعروف المعنى.
- القول بأن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة أو أنه لا فرق بينهم وبين أهل السنة هذا قول من يجهل الفرق بينهم في قضية الصفات وغيرها من القضايا التي خالفوا فيها السلف.
لأن أهل السنة يثبتون كل الصفات من غير تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل والأشاعرة لا يثبتون الصفات كلها كما هو معلوم من مذهبهم بل يؤولون أكثرها بحجة التنزيه وهو اعتقاد فاسد لا يقره أهل السنة والجماعة.
- القول بأن الأشاعرة هم المتمسكون بمذهب الأشعري رحمه الله، وهذا الخطأ نشأ من عدم اعتراف هذه الطائفة برجوع الأشعري رحمه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة كما صح عنه ذلك وكما قرره في كتبه كالإبانة والمقالات وغيرها وقد صرح بما لا خفاء به بأنه على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله تعالى.
- قول بعض أهل البدع ننزه الله عن التشبيه والتمثيل والتركيب والتبعيض وحلول الحوادث والجسم وتعدد القدماء .. إلخ. كلها من كلمات أهل البدع ولا شك أن السلف ينفون عن الله تعالى كل صفة لم ترد في الكتاب أو في السنة وبالنسبة لإطلاق بعض العبارات المجملة فإنهم يستفسرون من قائلها وماذا يقصده من كلامه مثل الجسم وغيره من الألفاظ المجملة ثم يحكمون عليه تبعاً لذلك.
- تقسيم أهل السنة والجماعة إلى سلف وخلف وإن جميعهم يسمون بالسلف وبأهل السنة والجماعة. هذا خلط غير صحيح وجمع بين نقيضين فإن الخلف مؤولة الصفات وليسوا هم السلف المثبتة لها ويلتحق بهذا أيضاً ما أصله أهل البدع بقولهم مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم وهو تقسيم باطل وتفضيل للمؤولة والمحرفة على السلف أصحاب السنة والجماعة الذين مذهبهم أسلم وأعلم وأحكم.
- الزعم بأنه يجب التأويل خصوصاً في بعض النصوص وأن من لم يؤولها وقع في الخطأ وأن من منع التأويل فإنه سيضطر هنا إليه وإلا كان كلامه باطلاً بزعمهم، وكذلك فإن من منع التأويل مطلقاً وقال به هنا كان دليلاً على تناقضه فيما يزعم هؤلاء الخلف ومن أمثلة ذلك :
1- قوله تعالى: مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ[المجادلة:7].
2- وقوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ[ق: 16].
3- وقوله تعالى: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ[القمر:13-14]
4- وقوله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[الفجر:22].
5- وقوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ[الأنعام:158].
كما استدل المخالفون للسلف على وجوب التأويل بأحاديث من السنة النبوية زاعمين أن من لم يؤولها فإنه لا يكون سلفياً.
1- مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: ((ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه))((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
2- ومثله الحديث الآخر أن الله تعالى قال: ((ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة))((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
3- ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض))((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip وقد زعم المخالفون للسلف أننا لو لم نؤول هنا لأصبحنا ملاحدة نؤمن بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود كما يزعمون.
4- حديث نزول الله تعالى في ثلث الليل الأخير إلى السماء الدنيا ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقد زعم المخالفون للسلف أن تلك الآيات والأحاديث مما يتوجب فيها التأويل فقوله تعالى:إِلا هُوَ مَعَهُمْ[المجادلة:7] أي بعلمه لا بذاته وهذا المعنى للمعية هو الذي سماه المخالفون تأويلاً وهي تسمية غير صحيحة فإن معنى وهو معكم أي مطلع عليكم شهيد عليكم ومهيمن وعالم بكل ما تأتون وما تذرون ولا يمكن أن تفسر المعية في هذه الآية بغير هذا التفسير والمنزه الله تعالى لا يمكن أن يفهم منها معية ذاته جل وعلا إلا إذا أراد التعطيل أو التشبيه أو القول بوحدة الوجود.
وأما الآية الثانية: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ[ق:16] أي وملائكتنا وقدرتنا وعلمنا أقرب إليه من حبل وريده وقد وصف المخالفون هذا المعنى بأنه لجوء إلى التأويل وهو فهم غير صحيح فإنه ليس بتأويل بل هو على ظاهره صحيح فإن الملائكة يعملون بقدرته وإرادته وهم جنود له تعالى مطيعون ولهذا عبر بكلمة (نحن) المفيدة للتعظيم وإحاطة علمه تعالى بكل شخص ومخلوق صغيراً كان أو كبيراً.
وأما الآية الثالثة تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا[القمر:14] أي بحفظنا ورعايتنا لها وبمرأى منا وليس هذا من قبيل التأويل كما زعم المخالف بل هو المعنى الحقيقي ولهذا قال تعالى: بِأَعْيُنِنَا ولم يقل في أعيننا أي تجري على مرآه عزّ وجلّ وحفظه.
وأما قوله تعالى :وَجَاءَ رَبُّكَ[الفجر:22] فهو مجيء حقيقي ولا نحتاج إلى أي تأويل له للأدلة الأخرى من القرآن الكريم والسنة النبوية فمن أوله إلى مجيء أمره أو مجيء ملك كبير ونحو ذلك فقد خالف الحق ومذهب السلف إذ لا مانع من مجيء الله تعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:49

وأما الآية : أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] فإن الجواب عنها هو كالجواب في وَجَاءَ رَبُّكَ فالإتيان والمجيء والنزول كلها صفات حقيقية نعرف معانيها ونتوقف في معرفة كيفياتها ولا نحتاج إلى أي تأويل لها.
أما بالنسبة لما استدلوا به من السنة النبوية وأنه لابد فيه من التأويل وإلا لما كنا على السلفية بزعمهم فهو تكلف منهم وتقوية لمذهبهم في حب التأويل :
1- أما الحديث الأول : فمعناه كما يفيده كلام العلماء أن العبد إذا أحب الله تعالى من خالص قلبه فإن عمله كله لا يكون إلا لله فلا يستعمل أعضاءه كلها إلا لله وفي مرضاته عزّ وجلّ فلا يسمع ولا يبصر ولا يبطش بيده ولا يمشي برجله إلا وفق ما أراده الله منه وبالتأويل يوفقه الله ويستجيب له وهذا هو المعنى الحقيقي وليس بتأويل كما يدعي غير السلف ولا حاجة إلى ركوب التأويل ما دام المعنى في غاية الوضوح.
2- وأما الحديث الثاني: وهو قرب الله تعالى فقد وصف الله نفسه بالقرب فقال: فإني قريب وقربه صفة لا نعرف كيفيتها ولكنها ثابتة لمن تقرب إلى الله تعالى ومع أن الكون كله في قبضة الله تعالى ليس فيه قريب ولا بعيد لكنه عزّ وجلّ يكون إلى أوليائه أكثر قرباً وعناية وهو فوق عرشه ويقرب من عبده حسب مشيئته وإرادته عزّ وجلّ في زيادة العناية به. وإذا تصورنا هذا المفهوم فإنه لا حاجة بنا إلى التأويل فراراً من إثبات هذا القرب إذ لا يعقل أن يتصور أن الله يكون قريباً من كل خلقه بذاته عزّ وجلّ.
3- وأما الحديث الثالث : فقد أراح الله منه فإنه حديث غير صحيح كما ذكره علماء الحديث وعلى فرض صحته فإنه لا يحتاج إلى تأويل إذ معناه يتضح في تمام الحديث بقوله :"فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه".
والمعنى واضح في قوله "فكأنما" أي ليس المراد أن الحجر الأسود هو صفة لله تعالى أو يد له عزّ وجلّ بل من قبله فله من الأجر مثل الذي يقبل يد الله تعالى وهذا المفهوم لا يحتاج معه إلى التأويل إذ لا محذور فيه فهو افتراض المقصود به حصول الأجر العظيم وما دام الحديث غير صحيح فلا حاجة إلى تكلف الجواب عنه.
4- وأما حديث النزول: فمعناه ينزل جل وعلا حقيقة على صفة لا نعرفها ولا نكيفها مهما اختلفت الأوقات من بلد لبلد فكما أننا لا نعرف كيفية الصفات فكذلك كيفية النزول ولهذا فلسنا بحاجة إلى تأويل نزول الله تعالى بنزول أمره وقدرة الله عزّ وجلّ فوق ما يتصوره العقل فهو يرزق خلقه ويميتهم بمشيئته ويحاسبهم في وقت واحد كما أنه لا يمر وقت إلا وأمره وقضاؤه عزّ وجلّ نازل فلماذا نقصر نزول أمره على تلك الأوقات فقط لو لم يكن نزولاً حقيقياً لا يعلم كيفيته إلا هو عزّ وجلّ.
- من الأخطاء في العقيدة كذلك قولهم عن الله تعالى: أنه الموجود الحق" لأن الموجود ليس من أسماء الله تعالى, أو قولهم :"المنفرد بالوجود الحقيقي" لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة أنهما من صفاته تعالى.
وقولهم "واجب الوجود" أو العقل الأول أو الهيولى على إنما أسماء الله تعالى لأنها أسماء مبتدعة لله تعالى لم ترد في الشرع الشريف فلا نطلقها لا نفياً ولا إثباتاً وفي غيرها من أسماء الله تعالى ما يغني عنها.
- "لا معبود سوى الله" جملة ناقصة صوابها "لا معبود بحق إلا الله" لأنه قد عبد غير الله وإله.
- فلان شهيد. لفظ لا يجوز الجزم به لأن الشهادة علمها إلى الله تعالى ولا يشهد لأحد بجنة أو بنار إلا من ورد النص فيه.
وقد تساهل الناس في أمر الشهادة حتى صاروا يقولون شهيد الحب شهيد الوطن شهيد الواجب شهيد الكرة... إلخ. وهو تساهل يدل على جهل عظيم بمنزلة الشهداء عند الله تعالى.
- بعضهم يعبر عن توحيد الله عزّ وجلّ بأنه خالق الكون ومدبره.. إلخ.
والحقيقة أن هذا هو توحيد الربوبية الذي لا يدخل الشخص بالإقرار به في توحيد الألوهية حتى يقر بتوحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بعبادته لا شريك له الذي بعث الله رسله من أجله لا من أجل تقرير توحيد الربوبية الذي تقر به الفطر والعقول السليمة على مر الدهور.
- الزعم بأن السلفية ليست مذهباً معروفاً كلام باطل وتجاهل لطائفة أهل السنة والجماعة كما ذكرنا سابقاً.
- رد أخبار الآحاد في مسائل الاعتقاد هو مذهب أهل البدع أما أهل السنة والجماعة فيتقبلون أخبار الآحاد ويعملون بها في كل أمر ما دامت قد ثبتت صحتها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
- التوسل بالجاه أو بالذات لأي كائن – غير الله تعالى – يعتبر شركاً لا يجوز فعله ومن نسب إلى السلف جواز التوسل بالجاه أو بالذات فقد أخطأ فهم عقيدتهم.
- القول بأن رؤية الله تعالى في الآخرة تستلزم التحيز لله عزّ وجلّ كلام باطل وهو ليس من أقوال السلف الذين يؤمنون برؤية الله تعالى على كيفية لا نحيط بها استناداً إلى نصوص رؤيته تعالى حقيقة إذ لا مانع من رؤيته لا نصاً ولا عقلاً.
- نفي الجهة عن الله تعالى مطلقاً أو إثبات أنه في كل جهة بذاته هو معتقد فاسد فإن الله تعالى أخبر عن نفسه أنه في جهة الفوقية المطلقة ولا يلزم منه التحيز أو كونه بذاته في كل مكان فإنه مما يتنزه الله عنه.
- تجويز التوسل بذات أحد من البشر سواء أكانوا من الرسل عليهم الصلاة والسلام أو غيرهم بدعة منكرة لم يجوزها السلف اتباعاً للنصوص الناهية عن ذلك.
- القول بالتفريق بين الحقيقة والشريعة ليس من أقوال السلف بل هو من اختراعات غلاة الصوفية وذلك أن أي شيء يخالف الشريعة يجب نبذه وعدم الالتفات إليه فضلاً عن قبول معارضته.
- اعتقاد أنه لا فرق بين الإرادة والمشيئة الإلهية خطأ لأن الإرادة تنقسم إلى إرادة كونية: تتعلق بكل شيء مما يحبه الله أو لا يحبه وإرادة شرعية: تتعلق بما يحبه الله ويرضاه بينما المشيئة تتعلق فقط بالإرادة الكونية من حيث العموم.
- تنشر بعض الصحف بين آونة وأخرى أخباراً كاذبة فيها تهويل يجذب القراء مثل ما تزعمه بعض الصحف عن علماء الآثار من أنهم يجدون أحياناً جماجم تدل على أن الإنسان كان يشبه القرد تماماً وهذه تقوية لنظرية الملحد داروين أو أن القيامة ستقوم في وقت كذا وكذا من السنين، أو أنه وجد في بلد كذا جنين يقرأ القرآن بصوت مسموع وهو في بطن أمه أو أن الدابة ستخرج وقت كذا وغير ذلك من الأخبار التي تدل على أن مصدرها ملاحدة يريدون ترويع الناس لمصالح لهم ومعلوم أن من ادعى علم الغيب فإنه كاذب وكافر بجميع الأديان حاشا الأنبياء الذين يطلعهم الله على ما يشاء من المغيبات.
- قول بعض الناس بالله وبك أو على الله وعليك أو غير ذلك من الألفاظ التي فيها التشريك بين الله وبين غيره هي من الأمور المنهي عنها والتي لا يقرها السلف وأما إذا أدخلت "ثم" مكان "الواو" فلا حرج.
قول علماء الكلام الكلام غير المتكلم به"، أو القول غير القائل أو "العلم غير العالم" أو "القدرة غير القادر" إلى غير ذلك من العبارات التي نسجوها على هذا النحو كل ذلك كلام باطل ليس من مذهب السلف فإن مراد هؤلاء أن تلك الصفات مباينة لله تعالى ومنفصلة عنه وأنه لا يصح وصفه بأية صفة لأن الصفات مغايرة له حسب زعمهم ومن هنا تسلطوا على نفي كل صفات الله تعالى واعتبروها تركيباً لا يجوز على الله تعالى ففرقوا بين الله تعالى وبين صفاته بتعمقهم في علم الكلام المذموم ظانين أنه علم غزير.
- القول بوجوب الموازنة قول يخالف طريقة السلف ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip وذكر الموازنة فيه محاذير كثيرة فإن المخالف لا ينظر إلى ما يذكر عن أهل البدع من المساوئ بل يقف عند ذكر المحاسن ويضخم أمرها ويستدل بها على صحة ما هو عليه من المبادئ والعقائد كما أن السلف لم يكونوا يستجيزون الثناء على أهل البدع ولهذا فإن ترك ذكر المحاسن يعتبر عقوبة جيدة لأهل البدع.
فإنه قد يكون لهم أخطاء تذهب بجميع حسناتهم فلا فائدة من ذكر الحسنات بعد ذلك وقد يكون ما نذكره عنهم من الحسنات ليست هي حسنات حقيقية بل قد تكون سيئات عند الله تعالى .
ثم إن في الثناء على الفساق تغرير بمن لا يعرفهم ولم يذكر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم أي حسنات أو ثناء على الكفار بل ذم كفرهم وأعمالهم المخالفة.
أما إذا كان الشخص من أهل السنة والجماعة ولكنه أخطأ في بعض الأمور الاجتهادية فلا حرج من مدحه والثناء عليه مع التنبيه على خطئه إن أخطأ وكذا ذكر الآراء التي يخالفون فيها مع تفنيدها لا حرج فيه.
- السلف لا يفرقون بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ومن فرق بينهما فقد جانب الصواب والمفرق إما أن يكون جاهلاً أو في قلبه شيء من بغض السلف وكيف تكون منصورة وهي غير ناجية وكيف تكون ناجية وهي غير منصورة لأن الله تعالى لا يجعل النصر في النهاية إلا لجنده الذين رضي عنهم أما الباطل فله صولة ثم يضمحل وصاحبه لا يكون ناجياً ولا منصوراً.
- السلف لا يحبون إطلاق كلمة (الصحوة الإسلامية) مع أن هذه العبارة قد انتشرت كثيراً على ألسنة الناس وسبب كراهتهم لها أنها تشعر السامع أن المسلمين كانوا في غفوة تامة وليس لهم دعوة إلى الله ولا جهاد في سبيله ولم يعرفوا الإسلام إلا بعد أن نبغ دعاة هذه العبارة وحركتهم التي يزعمون أنها صحوة جديدة في الإسلام.
- ليس من عقيدة السلف الاحتفاء بأعياد الميلاد ولا رأس السنة الميلادية أو الهجرية ولا يعترفون إلا بعيدين كبيرين هما عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد ثان صغير هو يوم الجمعة ومن نسب إليهم غير ذلك فقد جانب الصواب.
- ليس من عقيدة السلف الاعتراف بما يسمى (تقارب الأديان) لأن هذه خدعة جديدة ويهدفون من ورائها الإيحاء للناس بصحة أديان الطوائف المعادية للإسلام وبالتالي الهجوم على الإسلام وأهله.
- كلمة الأديان السماوية إطلاق غير دقيق فإن السماء ليس لها أديان ولا ترسل رسلاً ولا تنزل كتباً ولا يوجد بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين إلهي واحد فيجب إسناد الكتب وإنزالها ثم نسبة الدين الصحيح إلى الله تعالى وإن كان بعضهم يتجوز ذلك بحجة أن المقصود واضح وهو الله تعالى.
ليس من عقيدة السلف الزعم بأن الإكثار من قراءة سورة (تبت يدا) غير مناسب لأن فيها تعريضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو أن هذه الخرافة صدرت عن العوام والجهال لما كان لذكرها ضرورة ولكني سمعت بعض أهل العلم ممن نقرأ لهم بعض مؤلفاتهم والله المستعان يحذر من تعمد القراءة بسورة تبت يدا مراعاة لخاطر النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقولون بل ويزعمون في تخويفهم لمن يتعمد ذلك أنه يصاب بالشلل وهو كلام باطل يجب التوبة منه والاستغفار من اعتقاده وكذا الزعم بأن من قرأ سورة (قريش) دائماً فإنه يصبح غنياً وإن كان جائعاً يصبح شبعاناً وهي خرافات تنافي الاعتقاد الصحيح.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:50

المبحث الأول: تعريف الأشاعرة

الأشاعرة فرقة كلامية كبرى, تنسب لأبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) ظهرت في القرن الرابع وما بعده.
بدأت أصولها بنزعات كلامية خفيفة, أخذها الأشعري عن ابن كلاب تدور على مسألة كلام الله تعالى وأفعاله الاختيارية, مع القول بالكسب الذي نشأت عنه نزعة الجبر والإرجاء, ثم تطورت وتعمقت وتوسعت في المناهج الكلامية حتى أصبحت من القرن الثامن وما بعده فرقة كلامية, عقلانية, فلسفية, مقابرية, مرجئة جبرية.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:51

المبحث الثاني: التعريف بأبي الحسن الأشعري
[*]المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري.
[*]المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري.
[*]المطلب الثالث: الرد على ما أورده نفاة المرحلة الأخيرة.
[*]المطلب الرابع: أسباب انتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:52

المطلب الأول: المراحل الاعتقادية التي مر بها أبو الحسن الأشعري

المرحلة الأول: المرحلة الاعتزالية:
وهذه المرحلة كان سببها ملازمته لشيخه أبي علي الجبائي زوج أمه, واستمر على الاعتزال إلى سن الأربعين، ثم فارقه لما لم يجد إجابات كافية في مسألة الصلاح والإصلاح على الله تعالى، وقيل إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مناماً, وأمره أن يروي العقائد المروية عنه لأنها الحق، ولهذا اعتمد الأدلة النقلية في تقرير العقائد ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
المرحلة الثانية: المرحلة الكلابية:
عاش أبو الحسن الأشعري في آخر المرحلة الاعتزالية حيرة كبيرة، وقد اختفى مدة عن الناس خالياً بنفسه ليعرف الحق، ومال إلى طريقة ابن كلاب, وابن كلاب جاء في زمان كان الناس فيه صنفين: فأهل السنة والجماعة يثبتون الصفات كلها الذاتية والفعلية، والجهمية ينكرونها، فجاء ابن كلاب وأثبت الصفات الذاتية, ونفى ما يتعلق منها بالمشيئة، فلذلك قرر الأشعري هذه العقيدة. وقد يمثل هذه المرحلة كتابة (اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
والأشعرية تعد هذه المرحلة آخر مراحل أبي الحسن الأشعري، وسيأتي بعد قليل بيان خطأ هذا الادعاء إن شاء الله تعالى.
المرحلة الثالثة: المرحلة السنية:
هذه المرحلة يمثلها كتاب (الإبانة) الذي بين في مقدمته مؤلفه أبو الحسن الأشعري أنه ينتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل في الاعتقاد. ويمثله كذلك رسالته إلى أهل الثغر ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip و(مقالات الإسلاميين).((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:53

المطلب الثاني: سياق الأدلة على إثبات المرحلة الثالثة الأخيرة للأشعري

هذه المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة العودة إلى السنة وترك الطريقة الكلابية، يدل على ثبوتها أمور:
أولا: أنها مرحلة قد أثبتها المؤرخون وعلى رأسهم الحافظ ابن كثير وهو من هو في التاريخ وسعة الاطلاع.
فقال: "ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال:
أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة.
الحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبع وهي: الحياة, والعلم, والقدرة, والإرادة, والسمع, والبصر, والكلام. وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق ونحو ذلك.
الحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف, ولا تشبيه, جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في (الإبانة) التي صنفها آخراً" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وأشار إليها الذهبي في (السير) فقال: "قلت: رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول، يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات، وقال فيها: تمر كما جاءت، ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
بل ونص عليها في كتابه (العرش) قائلاً: "ولد الأشعري سنة ستين ومائتين، ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بالبصرة رحمه الله، وكان معتزليا ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما ذكرناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض دون البعض، وحال كان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وأشار إلى هذا قبلهما شيخ الإسلام ابن تيمية  فقال: "إن الأشعري وإن كان من تلامذة المعتزلة ثم تاب، فإنه تلميذ الجبائي، ومال إلى طريقة ابن كلاب، وأخذ عن زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة.
ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وقال العلامة الآلوسي: "فقلت: يا مولاي يشهد لحقية مذهب السلف في المتشابهات، وهو إجراؤها على ظواهرها مع التنزيه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشورى: 11] إجماع القرون الثلاثة الذين شهد بخيريتهم خير البشر صلى الله عليه وسلم.
ولجلالة شأن ذلك المذهب ذهب إليه غير واحد من أجلة الخلف... ومنهم: الإمام أبو الحسن الأشعري، فإن آخر أمره الرجوع إلى ذلك المذهب الجليل، بل الرجوع إلى ما عليه السلف في جميع المعتقدات.
قال في كتابه (الإبانة) الذي هو آخر مؤلفاته بعد كلام طويل: "الذي نقول به, وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل نضر الله تعالى وجهه قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون" ا هـ.
وهو ظاهر في أنه سلفي العقيدة. وكيف لا؟! والإمام أحمد علم في ذلك، ولهذا (نعص لميه) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip من بين أئمة الحديث. ويعلم من هذا أن ما عليه الأشاعرة غير ما رجع إليه إمامهم في آخر أمره من أتباع السلف الصالح، فليتهم رجعوا كما رجع، واتبعوا ما اتبع" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
ثانياً: أن ما قرره أبو الحسن الأشعري في (الإبانة) و(مقالات الإسلاميين) و(رسالة إلى أهل الثغر) من مسائل المعتقد ومنه صفات الله تعالى موافق لمعتقد السلف، ومخالف لما عليه الأشاعرة؛ إذ أنه قد أثبت الصفات لله تعالى على ظاهرها، ومنع من تأويلها، وعد من تأولها مبتدعة وجهمية، كما سبق نقل كثير من كلامه في ثنايا هذا الكتاب، وهذا يمنع تماماً أن يكون قد قرر فيه التفويض الذي يزعمه الأشعرية، بل إنه صرح بأن الصفات حقيقة، وأوجب الأخذ بالظاهر، وبين أن آيات الصفات مفهومة معلومة، ورد على من تأولها وأخرجها عن حقيقتها. وهذا يؤكد أنها تمثل مرحلة مغايرة عن مرحلته الكلابية.
ومما يؤكد هذا: قول بعض الطاعنين في أبي الحسن الأشعري أنه إنما ألف (الإبانة) وقاية لأهل السنة...!!
فقد قال أبو علي الأزهري: "وللأشعري كتاب في السنة قد جعله أصحابه وقاية لهم من أهل السنة، يتولون به العوام من أصحابنا، سماه كتاب (الإبانة) صنفه ببغداد لما دخلها، فلم يقبل ذلك منه الحنابلة وهجروه.
وسمعت أبا عبدالله الحمراني يقول: لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري، فجعل يقول: "رددت على الجبائي، وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى وعلى المجوس، فقلت وقالوا"، وأكثر الكلام في ذلك، فما سكت، قال البربهاري: "ما أدري مما قلت قليلاً ولا كثيراً، ما نعرف إلا ما قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل".
فخرج من عنده وصنف كتاب (الإبانة)، فلم يقبلوه منه، ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وظاهر هذا يدل على أن كتاب (الإبانة) ليس على طريقة الأشاعرة، ولذلك ظن بعض الطاعنين فيه أنه إما ألفه إرضاءاً لهم، ووقاية لنفسه من إنكارهم عليه، وهذا الظن وإن لم يكن صحيحاً، إلا أنه يثبت أن منهج الأشعري في (الإبانة) موافق لأهل السنة، ومخالف للكلابية والأشعرية، وهو بيت القصيد.
والعجيب هنا أن الكوثري على شدة تعصبه وحقده على السنة والجماعة، وعلى شدة مجازفاته وافتراءاته الكثيرة، اعترف بأن كتاب (الإبانة) للأشعري ينقض مذهب الاشاعرة، ولهذا ادعى أن الأشعري ألفه محاباة لأهل السنة ولإمامهم البربهاري حينئذ. فقال في مقدمته لكتاب (الإنصاف) للباقلاني: "وأما (الإبانة) التي كان قدمها إلى البربهاري في أوائل انتقاله إلى معتقد السنة، فتحتوي على بعض آراء غير مبرهنة، جارى فيها النقلة ليتدرج بهم إلى الحق، لكنه لم ينفع ذلك – على تلاعب الأقلام فيها -، فاستقر رأيه – بعد عهدي الإفراط والتفريط – على ما نقله هؤلاء عنه من الآراء المعتدلة على خلاف مزاعم ابن كثير" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وقال الإمام القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن درباس المصري الشافعي (659هـ) في رسالته (الذب عن أبي الحسن الأشعري): "فاعلموا معشر الإخوان... بأن كتاب (الإبانة عن أصول الديانة) الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده، وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه عن الاعتزال بمن الله ولطفه وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه، فقد رجع عنها، وتبرأ إلى الله سبحانه وتعالى منها.
كيف، وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها، وروى وأثبت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضي، وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله.
فهل يسوغ أن يقال: إنه رجع إلى غيره؟ فإلى ماذا يرجع تراه! يرجع عن كتاب الله وسنة نبي الله، خلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الحديث الماضين، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم!! هذا لعمري ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين، كيف بأئمة الدين...!!"، إلى أن قال: "وقد ذكر هذا الكتاب، واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله، وأثنى عليه لما ذكره فيه، وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه: جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام، وأئمة القراء، وحفاظ الحديث وغيرهم" ثم ذكر جماعة منهم ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
ثالثاً: أنه قد بين في (مقالات الإسلاميين) أن الكلابية فرقة مباينة لأهل الحديث، ونقل أقوالهم، في كثير من المسائل، ولم يجعلهم في جملة أهل الحديث، وقد سبق نقل أقواله، ولو كان كلابياً لما فرق بينهم وبين أهل الحديث، ولجمعهم في مصطلح واحد، إما أن يدخلهم تحت مصطلح أهل الحديث، أو تحت الكلابية.
رابعاً: مما يؤكد هذا أن الأشاعرة المتأخرين لا ينقلون في كتبهم شيئاً مما ذكره الأشعري في كتبه الموجودة وهي (مقالات الإسلاميين) و(رسالة إلى أهل الثغر) و(الإبانة)، وحاولوا عبثاً أن ينكروا نسبة كتاب (الإبانة) المطبوع المتداول إليه، وما ذاك إلا لعلمهم أنه ينقض عليهم أصولهم، وقد سبق إثبات كونه كلامه غير محرف ولا معبوث به.
بل يكفي في إبطال دعواهم ما سطره في (مقالات الإسلاميين) و(رسالة إلى أهل الثغر)، وما نقله ابن عساكر في (تبيين كذب المفتري) والبيهقي في (الأسماء والصفات)، والذهبي في (العلو) من كتاب (الإبانة) فضلاً عما نقله ابن تيمية وابن القيم منه في كتبهم التي سبق الإشارة إليها.
خامساً: أن أبا الحسن الأشعري ذكر في أول كتاب (الإبانة): أنه سائر على درب الإمام أحمد, ووصفه بأنه إمام أهل السنة، ولم ينتسب قط لابن كلاب, ولا اعتزى إليه في شيء من كتبه الموجودة. ومعلوم أن ابن كلاب كان مبايناً لطريق الإمام أحمد، وأن الإمام أحمد كان ينهى عن الكلابية وعن كبارهم كالحارث المحاسبي وأصحابه، ويصفهم بالجهمية، كما سبق تقريره، وهذا مشهور مستفيض عنه، فلو كان الأشعري على طريق ابن كلاب لما انتسب إلى الإمام أحمد، مع علمه بنهيه عن ابن كلاب وتحذيره من طريقته.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:54

المطلب الثالث: الرد على ما أورده نفاة المرحلة الأخيرة

أما ما أورده المؤلفان ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip على هذا من أن كثيراً ممن ترجم لأبي الحسن لم يذكروا المرحلة الأخيرة.
فالجواب أن يقال: إن هذا قد يكون بسبب جهلهم بذلك.
والقاعدة تقول: إن المثبت مقدم على النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا: "فإن قيل إن ابن فورك وأتباعه لم يذكروا هذا، قيل: له سببان:
أحدهما: أن هذا الكتاب – أي: (الإبانة) للأشعري – ونحوه، صنفه ببغداد في آخر عمره، لما زاد استبصاره بالسنة، ولعله لم يفصح في بعض الكتب القديمة بما أفصح فيه وفي أمثاله، وإن كان لم ينف فيها ما ذكره هنا في الكتب المتأخرة، ففرق بين عدم القول، وبين القول بالعدم. وابن فورك قد ذكر فيما صنفه من أخبار الأشعري تصانيفه قبل ذلك، فقال – أي: ابن فورك -: "... وبقي إلى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة"، قال: "فأما أسامي كتبه إلى سنة عشرين وثلاثمائة، فإنه ذكر في كتابه الذي سماه (العمد في الرؤية) أسامي أكثر كتبه"... ثم قال: "وقد عاش بعد ذلك إلى سنة أربع وعشرين وصنف فيها كتباً" ذكر منها أشياء.
قال ابن عساكر بعد أن ذكر كلام ابن فورك: "وهذا آخر ما ذكره ابن فورك من تصانيفه، وقد وقع إلى أشياء لم يذكرها في تسمية تواليفه، فمنها..." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:55

المطلب الرابع: أسباب انتقال الأشعري لمذهب أهل السنة وتركه للطريقة الكلابية

كان من أسباب انتقاله إلى السنة، وتركه للمذهب الكلابي التقاؤه بمحدث البصرة الحافظ زكريا الساجي، وهو الذي أخذ عنه معتقد أهل السنة.
قال الذهبي في ترجمة الساجي: "وكان من أئمة الحديث، أخذ عنه أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات، واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وقال في (العلو): "وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها، وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري الحديث ومقالات أهل السنة" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.
وقد سبق نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وقوله: "وأخذ زكريا الساجي أصول الحديث بالبصرة، ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى، وذلك آخر أمره كما ذكره هو وأصحابه في كتبهم" ا هـ.
وقال أيضاً في موضع آخر: "ومذهب أهل السنة الذي يحكيه الأشعري في مقالاته عن أهل السنة والحديث، أخذ جملته عن زكريا بن يحيى الساجي الإمام الفقيه عالم البصرة في وقته، وهو أخذ عن أصحاب حماد وغيرهم، فيه ألفاظ معروفة من ألفاظ حماد بن زيد كقوله: "يدنو من خلقه كيف شاء"، ثم أخذ الأشعري تمام ذلك عن أصحاب الإمام أحمد لما قدم بغداد، وإن كان زكريا بن يحيى وطبقته هم أيضاً من أصحاب أحمد كذلك.
وقد ذكر أبو عبدالله ابن بطة في (إبانته الكبرى) عن زكريا بن يحيى الساجي جمل مقالات أهل السنة، وهي تشبه ما ذكره الأشعري في (مقالاته)، وكان الساجي شيخ الأشعري الذي أخذ عنه الفقه والحديث والسنة، وكذلك ذكر أصحابه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ا هـ.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:57

المبحث الثالث: ظهور علم الكلام

للحديث عن نشأة الأشاعرة وكيف ظهرت هذه الطائفة، لابد من الحديث أولاً عن الظروف والملابسات التي أدت إلى ظهور هذا المذهب على خشبة تاريخ الفرق الإسلامية، إذ أنها من أكثر الفرق الكلامية انتشاراً إلى يومنا هذا، رغم اندثار واندراس كثير من الفرق القديمة وللوقوف على معالم هذه الطائفة لابد من الوقوف على عوامل نشأتها وسنبدأ من علم الكلام.
تعريف علم الكلام:
علم الكلام: "علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
قال ابن خلدون: "هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وعرف أيضاً بأنه: "علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وكذلك عرفه طاش كبري زاده، بأنه "علم يقتدر معه على إثبات الحقائق الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ومثله تعريف صديق خان. "انظر (أبجد العلوم) 2/589".
وعرف أيضاً بأنه: "باب من الاعتبار في أصول الدين يدور النظر منه على محض العقل في التحسين, والتقبيح, والإحالة, والتصحيح, والإيجاب, والتجويز, والاقتدار, والتعديل, والتحوير, والتوحيد, والتفكير" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وسمي علم الكلام بهذا الاسم لعدة أسباب منها:
- أن مسألة الكلام هي من أشهر مباحثه التي وقع فيها نزاع وجدل بين المتكلمين، والمقصود من مسألة الكلام هي مسألة خلق القرآن التي تبنتها المعتزلة، ونفوا صفة الكلام عن الله تعالى وأكثروا فيها القيل والقال.
- وقيل لأن العادة جرت عند المتكلمين الباحثين في أصول الدين أن يعنونوا لأبحاثهم بـ"الكلام في كذا... إلخ".
- وقيل لأن الكلام والمجادلة والقيل، والقال قد كثر فيه وأصبح سمة لأهله ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
نشأة علم الكلام:
من خلال استعراض كتب العقيدة والفرق الإسلامية، يتضح أن الكلام في العقيدة ظهر في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن بعد قد اتضحت معالمه، وأصبح هو الأصل في تقرير العقيدة، ولكن ضل الكلام في هذه الحقبة في بعض جوانب العقيدة دون البعض, وموافقة أغلب المتكلمين لأهل السنة في سائر أبواب العقيدة، حتى إذا اجتمعت هذه الأصول التي تكلم فيها المتكلمون ولملم شتاتها ظهر علم الكلام الذي يمثل الشق والطرف المخالف لأهل السنة في إثبات وتقرير العقائد ابتداء على أيدي المعتزلة.
وأول ما يطلعنا في كتب العقائد والفرق، الكلام في القدر.
فقد روى مسلم، بسنده عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة، معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبدالرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوافق لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: يا أبا عبدالرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن, ويتقفرون العلم, وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبدالله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم ساق حديث جبريل الطويل المعروف المشهور, وسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان, والإسلام, والإحسان, والساعة.
يقول الشهرستاني: "أما الاختلافات في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد الجهني وغيلان الدمشقي، ويونس الأسواري، في القول بالقدر، وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ثم ظهر القول بخلق القرآن ونفي الصفات على يد الجعد بن درهم، قال بن كثير: "كان الجعد بن درهم من أهل الشام وهو مؤدب مروان الحمار – مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية – ولهذا يقال له: مروان الجعدي – فنسب إليه -، وهو شيخ الجهم بن صفوان، الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون أن الله في كل مكان بذاته" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقد روى الإمام البخاري – رحمه الله – في (خلق أفعال العباد) أن خالد بن عبدالله القسري، قام بواسط في يوم أضحى وقال: "ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد بن درهم زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الجعد بن درهم ثم نزل فذبحه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وكان ذلك عام 188هـ تقريباً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وفي مقابل غلو الخوارج برز قرن المرجئة والكلام في الإيمان, وظهر الكلام في الإرجاء، وإخراج العمل عن مسمى الإيمان، وأول من أظهر هذا القول، ذر ابن عبدالله الهمداني.
روى أن إبراهيم النخعي أنه كان يقول لذر: ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به، قال ذر: ما هو إلا رأي رأيته.
قال: ثم سمعت ذراً يقول: إنه لدين الله الذي بعث به نوح ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقيل أول من أحدث الإرجاء وتكلم في مسألة الإيمان قيس الماصر، نقل الحافظ ابن حجر ذلك عن الأوزاعي قال: أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له قيس الماصر.
وقيل أول من أحدثه حماد بن أبي سليمان، شيخ أبي حنيفة، وتلميذ إبراهيم النخعي، ثم تبعه أهل الكوفة وغيرهم، ذكر ذلك شيخ الإسلام بن تيمية.
قال البغدادي: ثم حدث في زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية في القدر والاستطاعة من معبد الجهني، وغيلان الدمشقي، والجعد بن درهم، وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبدالله بن عمر، وجابر بن عبدالله، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبدالله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر الجهني، وأقرانهم، وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية, ولا يصلوا على جنائزهم، ولا يعودوا مرضاهم، ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ثم تأتي البدايات الأولى لوعيدية المعتزلة، والقول بالمنزلة بين المنزلتين، يقول البغدادي: ثم حدث في أيام الحسن البصري خلاف واصل بن عطاء الغزالي، في القدر وفي المنزلة  بين المنزلتين, وانضم إليه عمر بن عبيد بن باب في بدعته, فطردهما الحسن من مجلسه, فاعتزلا إلى سارية من سواري مسجد البصرة, فقيل لهما ولأتباعهما "معتزلة" لاعتزالهم قول الأمة في دعواهم أن الفاسق من أمة الإسلام لا مؤمن ولا كافر ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال الشهرستاني في معرض الحديث عن البدع والمحدثات التي كانت في أواخر عصر الصحابة أولها بدعة القدر كما مر معنا قال: "ونسج على منوالهم واصل بن عطاء الغزال, وكان تلميذ الحسن البصري، وتلمذ له عمر بن عبيد، وزاد عليه في مسائل القدر... والوعيدية من الخوارج، والمرجئة من الجبرية، والقدرية، ابتدءوا بدعتهم في زمان الحسن, واعتزل واصل عنهم، وعن أستاذه بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين، فسمي هو وأصحابه معتزلة، وقد تلمذ له زيد بن علي, وأخذ الأصول, فلذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة".
وهكذا بدأ الكلام في مسائل الاعتقاد, وإن كان مفرق لكنه أشبه ما يكون بالسيل, يبدأ قطرات ثم ما يلبث أن يتجمع ثم يطبق بعد ذلك الأرض.
وهكذا انتقل علم الكلام إلى طور جديد أكثر تطوراً وأكثر فاعلية ووضوح، على يد الجهم بن صفوان الذي جمع شتات الأقوال السابقة، وأخرجها من مخرج واحد، وصبها في بوتقة واحدة.
قال الذهبي – رحمه الله -: "عن الجهم أبو محرز الراسبي مولاهم السمرقندي الكاتب رأس الضلالة ورأس الجهمية كان صاحب ذكاء وجدل... وكان ينكر الصفات وينزه الباري عنها بزعمه ويقول بخلق القرآن ويقول بأن الله في كل مكان" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 19:58

يقول الدكتور سفر الحوالي: "أما الجهم بن صفوان فهو رأس الضلالات وأس البليات جعله الله فتنة الناس، وسبباً للإضلال، كما جعل السامري في بني إسرائيل، وحسبنا أن نعلم أن هذا الرجل الذي كان من شواذ المبتدعة في مطلع القرن الثاني قد ترك من الأثر في الفرق الإسلامية الاثنين والسبعين، ما لا يعادله أثر أحد غيره، هذا مع أنه ليس بإمام يحتج بقوله ولا عالم يعتد بخلافة ولا شهد له أحد بخير" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
روى اللالكائي، بسنده عن أحدهم: "قرأت في دواوين هشام بن عبدالملك، إلى عامله بخرسان نصر بن سيار، أما بعد فقد نجم قبلك رجل من الدهرية من الزنادقة يقال له جهم بن صفوان, فإن أنت ظفرت به فاقتله, وإلا فادسس إليه من الرجال غيلة ليقتلوه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ونقل الحافظ بن حجر عن ابن أبي حاتم، أن سلم بن أحواز، عامل نصر بن سيار على مرو، لما قبض على جهم قال: "يا جهم, إني لست أقتلك لأنك قاتلتني، أنت عندي أحقر من ذلك، ولكن سمعتك تتكلم بكلام باطل أعطيت لله عهداً أن لا أملك إلا قتلك. فقتله" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وبظهور الجهم بن صفوان، تحول علم الكلام من طور الإنشاء إلى طور أكثر تناسقاً، بل إلى طور الظاهرة، وذلك للأثر السيىء الذي تركه الجهم بن صفوان في الفرق الإسلامية المختلفة، حتى تأثرت هذه الفرق به في قليل أو كثير من أصوله، ولا سيما في الصفات حتى المنتسبون للسنة من أهل الكلام، فهم على أصوله في كثير من أصول الاعتقاد.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
تطور الظاهرة الكلامية
إن الظواهر المختلفة لا تستقر ولا تترعرع إلا بعد أن تمر بمراحل مختلفة، وأطوار عديدة متغيرة، وأزمان متباعدة.
ولقد انتقل علم الكلام بهذه المراحل، والأطوار جميعاً حتى صار ظاهرة تحمل العامة على مقتضاه، وتمثل هذه المرحلة منعطفاً خطيراً في عقيدة الأمة، وذلك لاضطلاع الخلافة الإسلامية عليها، وهو سبق خطير ليس له نظير قبله في تاريخ خلفاء الأمة، وكان ذلك في زمن المأمون العباسي، وهذه هي مرحلة الاستقرار الأول لعلم الكلام.
يقول الشهرستاني: "ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت أيام المأمون، فخلطت مناهجها بمناهج علم الكلام، وأفردتها فناً من فنون العلم، وسمتها علم الكلام، إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتقاتلوا عليها هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فناً من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
يقول شيخ الإسلام – ملاحظاً هذا التطور-: في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة.
ومر علم الكلام بمراحل مختلفة يمكن ذكرها فيما يلي:
المرحلة الأولى – وهي مرحلة قدامى المتكلمين، كواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام، وغيرهم.
وقد تميزت هذه المرحلة بالتأثر بالمصطلحات اليونانية، وخاصة عند المتأخرين منهم كالعلاف، حيث ترجمت كتب الفلسفة اليونانية، وقد كانت المباحث الكلامية في هذه المرحلة متناثرة حسب موضوعاتها التي يتفق الكلام فيها دون وضع قواعد صريحة لهذا العلم، كما خلت هذه المرحلة من الاستعانة بعلم المنطق الأرسطي.
المرحلة الثانية – وهي المرحلة التي دخل فيها الأشاعرة معترك الكلام في مقابل المعتزلة، وتعد هذه المرحلة أكثر تطوراً، نظراً لوضع قواعد علم الكلام ومقدماته التي يحتاج إليها الدارس مثل إثبات الجوهر – الفرد وغيره -.
المرحلة الثالثة – حيث تتميز هذه المرحلة بمناقشة كلام الفلاسفة وإدخال ذلك في علم الكلام كما تتميز أيضاً باستعمال المنطق الأرسطي في مقدمات علم الكلام ودراسة أدلته وبراهينه.
المرحلة الرابعة – تتميز بالخلط بين مذاهب الفلسفة والكلام واشتباه الأمر فيها على الكاتب والقارئ جميعاً. ثم التقليد المحض لتلك الآراء من غير نظر في أصولها ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وهناك أسباب كامنة وراء تفش الظاهرة الكلامية منها:
- تسامح المسلمين: فلقد كانت شروط الفتح الإسلامي تسمح ببقاء بذور الحضارات المختلفة عند طوائف كبيرة من الأهالي الذين واصلوا التمتع بعاداتهم وقوانينهم على شريطة أن يعطوا الجزية، وكان طبيعياً أن تتأسس الروابط والعلاقات بين الفاتحين وأهل البلاد في وقت مبكر سواء أكان ذلك بسبب الحوار أم بسبب اعتناق الإسلام، وكان قد التحق بالإسلام طوائف وفئام من كل ملة، دخلوا حاملين لما كان عندهم من فلسفات وديانات راغبين أن يصلوا بين الإسلام وبين تلك الأديان والفلسفات، فثارت الشبهات بعد ما هبت على الناس أعاصير الفتن ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ولاشك أن هذا التمازج والاختلاط والتوسع في الفتوحات مع السماح ببقاء بذور ورواسب الحضارات السابقة كان له الأثر في نشأة علم الكلام ولم يستطع المصلحون أن يواجهوا تلك الفتنة وإخمادها بل على العكس من ذلك.
- ما إن فتحت البلدان على المسلمين، وتوسعت الرقعة التي يظلها الإسلام بظله، حتى تأثر المسلمون بما وفد عليهم من عوامل ومؤثرات، وحتى اختلطوا بأبناء الأمم المفتوحة الذين كانوا متأثرين بسابق حضارتهم، وما تحمله ثقافتهم ودياناتهم من أفكار ومعتقدات بل ومناهج نظر وبحث، تختلف باختلاف تلك الأمم، إلى جانب أن الكثير من أبناء الأمم قد دخلوا الإسلام حاملين ذلك التراث المثقل بركام التصورات القديمة، والمناهج الضالة, فكانوا كبذور فتنة ألقيت في تربة الإسلام ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، فتأثر بهم من تأثر من أبناء المسلمين, وركبوا من المناهج مراكب الوافدين، فجاءت الثمار تحمل مناهج استدلال غير المنهج الذي عرفه السلف من الصحابة والتابعين، ولا يغيب عن أذهاننا أن بعض من دخل في الإسلام لم يدخل إلا لبث الشبهات, وزلزلة العقائد, ودس المناهج الضالة، والمتأمل في رؤوس الضلالة ورواد البدعة سيجد أن أغلبهم من بقايا الديانات والفلسفات التي سحقها الإسلام, مثل اليهودية, والنصرانية, والمجوسية.
- وهناك سبب آخر من أهم أسباب انتشار الظاهرة الكلامية، ذلك السبب هو حركة التعريب – الترجمة – لكتب الفلسفة والمنطق، وهي من أعظم أبواب الشر التي فتحت في زمن المأمون، فكثر تعريب كتب فلاسفة اليونان الأوائل, مما كان له أسوأ الأثر في تكدير صفو العقيدة، وبلبلة الناس وشغلهم بالمنطق الإغريقي عن الكتاب والسنة, حيث ترجمت العديد من الكتب مثل كتاب (الطبيعة), وكتاب (ما بعد الطبيعة) لأرسطو، وترجم كتاب (كليلة ودمنة), وكثير من كتب الكيمياء, والطب, والنجوم مثل (المجسطي)، وكتاب (الحكم الذهبية) لفيثاغورث، ومصنفات أبقراط, وجالينوس, وكتاب (طيماوس) لأفلاطون، و(السياسة) له أيضاً، وكتاب (النواميس)، و(جوامع المحاورات) له أيضاً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ولعل السر يكمن في أن أغلب المترجمين كانوا غير المسلمين، مثل يحيى البطريق، وجورجس بن جبرائيل، وتيادورس، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي، وقسطا ابن لوقا البعلبكي، وحنين بن إسحاق وغيرهم.
قال الإمام السفاريني: "قال العلماء إن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى أظنه صاحب قبرص، طلب منه خزانة كتب اليونان، وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك, فكلهم أشاروا بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال: جهزها إليهم, فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها، وحدثني من أثق به أن شيخ الإسلام ابن تيمية – روح الله روحه – كان يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون, ولابد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال هذه العلوم الفلسفية بين أهلها" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وفي هذه الأثناء مد أهل البدعة رواق بدعتهم, وتنفذوا على البلاد والعباد, وصارت المنابر والحلق والقضاء حكراً عليهم, وضيق على أهل السنة, ونالهم العنت الشديد ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وهكذا ظل علم الكلام يترقى في مراحله المذكورة سابقاً حتى صارت مباحثه مختلطة بالمباحث الفلسفية البحتة, وصار هو الطريق المعبر عن عقيدة المسلمين على ما فيه من أغماض وتعقيد وتكلف يصعب على العلماء أنفسهم فهم أغلب مباحثه ومصطلحاته، هذا عابه السلف وإن لهم منه موقف.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
موقف السلف الصالح من علم الكلام:
لقد كان موقف السلف الصالح من علم الكلام موقفاً حازماً هو المنع من تعاطي هذا العلم والاشتغال به ومجالسة أصحابه أو حتى الرد عليهم, وذلك أنهم نظروا إلى منهج الرسالة من الكتاب والسنة، فوجدوه قد انتهج منهجاً خاصاً في تقرير العقيدة الإسلامية، فاتجه إلى العقل الإنساني والفطرة البشرية يخاطب ما جبلت عليه من حقائق تجعل الإيمان بوجود الخالق وضرورة عبادته وحده أمراً بديهياً، لا حاجة فيه إلى الجدل والسفسطة، وأن الإسلام مبناه على الخضوع والاستسلام.
ثم نظروا إلى الأصول والمحاضن التي نشأ فيها علم الكلام، فوجدوا أن علم الكلام ترعرع في بيئة وثنية خالية من التوحيد، أساسه الفلسفة اليونانية، وبيئة المجتمع الإغريقي الإباحي المنحل، فأطلقوا صيحات الإنذار إشفاقاً على هذه الأمة من أن تأخذ مأخذ الأمم السابقة فكثرت أقوالهم في التحذير من علم الكلام، وهذه الورقات مع ما سبق طرحه من الأمر بلزوم السنة تعطينا صورة واضحة متكاملة عن حرص السلف الصالح الكرام على هذه الأمة، وإليك نماذج من أقوالهم المحذرة من علم الكلام.
يقول الإمام أحمد في رسالته للخليفة المتوكل في أمر القرآن: "ولست بصاحب كلام ولا أرى الكلام في شيء من هذا، إلا ما كان في كتاب الله – عز وجل – أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم, أو عن أصحابه, أو عن التابعين. فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وعن صالح بن أحمد بن حنبل قال: كتب رجل إلى أبي فسأله عن مناظرة أهل الكلام والجلوس معهم فأملى علي جوابه:
"أحسن الله عاقبتك, ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل الزيغ, وإنما الأمر بالتسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله – جل وعلا" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال: "لا يفلح صاحب كلام أبداً, ولا أرى أحداً نظر في الكلام إلا في قلبه دغل" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وعن الإمام الشافعي – رحمه الله – قال: "إياكم والنظر في الكلام فإن الرجل لو سئل عن مسألة الفقه فأخطأ فيه كان أكثر شيء أن يضحك منه عليه، ولو سئل عن مسألة في الكلام فأخطأ فيها نسب إلى البدعة, لقد رأيت أهل الكلام يكفر بعضهم بعضاً، ورأيت أهل الحديث يخطئ بعضهم بعضاً، والتخطئة أهون من الكفر" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أيضاً: "لأن يبتلى المرء بكل ذنب نهى الله عنه ما عدا الشرك، خير له من الكلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أيضاً: "لقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلماً يقول ذلك" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أيضاً: "حكمي على أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، فيقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال الإمام مالك: "إياكم والبدع، قيل: يا أبا عبدالله ما البدع؟، قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته، وكلامه، وعلمه، وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة وتابعيهم" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أيضاً: "كلما جاءنا رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أبو يوسف – من الحنفية -: "من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالكلام تزندق" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أبو محمد البربهاري: "واعلم أنها لم تكن زندقة، ولا كفر، ولا شكوك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين، إلا من الكلام، وأهل الكلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال أيضاً: "وإذا أردت الاستقامة على الحق، وطريق السنة قبلك، فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وقال الإمام الدارمي – بعد ذكره لمقتل الجعد بن درهم، عن أهل الكلام -: "ثم لم يزالوا بعد ذلك مقموعين، أذلة مدحورين، حتى كان الآن بأخرى، حيث قلت الفقهاء، وقبض العلماء، ودعا إلى البدع دعاة الضلال، فشد ذلك طمع كل متعوذ في الإسلام من أبناء اليهود والنصارى وأنباط العراق، ووجدوا فرصة للكلام فحدوا في هدم الإسلام، وتعطيل ذي الجلال والإكرام، وإنكار صفاته وتكذيب رسله وإبطال وحيه، إذ وجدوا فرصتهم وأحسوا من الرعاع جهلاً، ومن العلماء قلة، فنصبوا عندها الكفر للناس إماماً، بدعوتهم إليه وأظهروا لهم أغلوطات من المسائل، وعمايات من الكلام ليغالطوا بها أهل الإسلام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
هذا كلام أهل العلم الأساطين الأثبات، أخذنا منه قطرة من فيض عطائهم، وكلامهم في التحذير من علم الكلام والاشتغال به.
فيا ترى ما هو قول أصحاب هذا الفن ممن اشتغل حياته بتحصيله, والنظر فيه, والاستدلال بموجبه, إليك بعضاً من كلامهم.
يقول أبو حامد الغزالي: فإن قلت: فعلم الجدل والكلام مذموم كعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه؟ فاعلم أن الناس في هذا غلواً وإسرافاً في أطراف, فمن قائل إنه بدعة وحرام, وأن العبد إن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام، ومن قائل إنه فرض إما على الكفاية, وإما على الأعيان, وأنه أفضل الأعمال وأعلى القربات، فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله، وإلى التحريم ذهب الشافعي, ومالك, وأحمد بن حنبل, وسفيان, وجميع أئمة الحديث من السلف.. وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا، لا ينحصر ما نقل عنهم من التشديد فيه؛ قالوا ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح في ترتيب الألفاظ من غيرهم – إلا لما يتولد من الشر -.
وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطعون)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، أي المتعمقون في البحث والاستقصاء واحتجوا أيضاً بأن ذلك لو كان من الدين لكان أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني على أربابه... فإن قلت فما المختار عندك؟ فأجاب: فيه منفعة وفيه مضرة, فهو في وقت الانتفاع حلال أو مندوب أو واجب كما يقتضيه الحال, وهو باعتبار مضرته في وقت الاستقرار ومحله حرام، فأما مضرته فإثارة الشبهات, وتحريف العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم, وذلك مما يحصل بالابتداء, ورجوعها بالدليل مشكوك فيه, ويختلف فيه الأشخاص, فهذا ضرورة في اعتقاد الحق, وله ضرر في تأكيد اعتقاد البدعة وتثبيتها في صدورهم. بحيث تنبعث دواعيهم, ويشتد حرصهم على الإصرار عليه, لكن هذا الضرر بواسطة التعب الذي يثور من الجدل، أما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيئتها, فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف, ولعل التخبيط والتضليل أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا, فاسمع هذا ممن خبر الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة, وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين, وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخرى سوى نوع الكلام, وتحقق أن الطريق إلى المعرفة في هذا الوجه مسدود, ولعمري لا ينفعك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ولكن على الندور ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
أما كبير المتكلمين الذي يدور على مقالاته مذاهبهم, أوحد زمانه في المعقول والمنقول, أبو عبدالله الفخر الرازي، فقد أوصى عند موته كما في كتاب (عيون الأنباء) فقال: "وكنت أكتب في كل شيء شيئاً، لا أقف على كميه وكيفيه سواء كان حقاً أو باطلاً, غثاً أو سميناً.. ولقد اختبرت الطرق الكلامية, والمناهج الفلسفية, فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن العظيم، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال بالكلية لله تعالى, ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقصات، وماذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشي، وتضمحل في تلك المضايق العميقة, والمناهج الخفية.. وأقول ديني متابعة محمد سيد المرسلين, وكتابي هو القرآن العظيم, وتعويلي في طلب الدين عليهما" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وأما الإمام الجويني، فإنه ندم على ما كان منه من تضييع عمره في تحصيل علم الكلام, ونهى أصحابه عن الخوض فيه فقال: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام, فلو عرفت أن الكلام يبلغ إلى ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم, وخليت أهل الإسلام وعلومهم, ودخلت في الذي نهوني عنه, والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني, ها أنا أموت على عقيدة أمي – أو قال – على عقيدة عجائز نيسابور ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وقال: اشهدوا علي أني رجعت عن كل مقالة يخالف فيها السلف" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ولقد اقتصرنا في سرد أقوال بعض المتكلمين وتركنا آخرين لكفاية ما ذكرنا، فرجوع هؤلاء الأكابر وقضاؤهم على النظر المتعمق فيه بما سمعت، بعد أن أفنوا فيه أعمارهم من أوضح الحجج على من دونهم ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip , وبطلان مأخذهم, واشتغالهم بعلم الكلام, واستدلالهم بموجبه.
ومن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه, حجبه مرامه عن خالص التوحيد, وصافي المعرفة, وصحيح الإيمان, فيتذبذب بين الكفر والإيمان, والتصديق والتكذيب, والإقرار والإنكار, موسوساً, تائهاً, شاكاً, لا مؤمناً مصدقاً, ولا جاحداً مكذباً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 20:00

المبحث الرابع: نشأة المذهب الأشعري وانتشاره

لتحديد نشأة الأشعرية لا ينفك الأمر من حالين:
الحالة الأولى: النظر إلى حقيقة المذهب الذي تميز به الأشاعرة عن غيرهم، فهنا لا ترتبط النشأة بأبي الحسن الأشعري، وإنما ترتبط بابن كلاب ومدرسته الكلابية.
الحالة الثانية: النظر إلى التسمية، فلا شك أن التسمية بالأشاعرة أو المذهب الأشعري مرتبطة بأبي الحسن الأشعري وتلامذته من بعده.
ويتضح الفرق بالنسبة لمن كان معاصراً للأشعري وتتلمذ على ابن كلاب أو تلامذته دون الأشعري وتلامذته, مع أنه يقول بقول ابن كلاب الذي هو قول الأشعري، فمثل هذا أشعري الاعتقاد لكنه لا ينسب إلا إلى ابن كلاب، وفي خراسان وغيرها من بلاد الإسلام النائية قد توجد مثل هذه النماذج، ولذلك لما عرض شيخ الإسلام ابن تيمية لنشأة المذهب الكلابي في كلام الله ربطه بابن كلاب ومدرسته، فقال: "وكان... قد نبغ في أواخر عصر أبي عبدالله (أحمد ابن حنبل) من الكلابية ونحوهم؛ أتباع أبي محمد عبدالله بن سعيد ابن كلاب البصري، الذي صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم، وهو من متكلمة الصفاتية، وطريقته يميل فيها إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن فيها نوع من البدع، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله, ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته، ولكن له في الرد على الجهمية – نفاة الصفات والعلو – من الدلائل والحجج وبسط القول ما بين به فضله في هذا الباب، وإفساده لمذاهب نفاة الصفات بأنواع من الأدلة والخطاب، وصار ما ذكره معونة ونصيراً وتخليصاً من شبههم لكثير من أولي الألباب، حتى صار قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات، وناقضوا نفاتها، وإن كانوا قد شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة، التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول".
"وكان ممن اتبعه الحارث المحاسبي, وأبو العباس القلانسي، ثم أبو الحسن الأشعري، وأبو الحسن بن مهدي الطبري، وأبو العباس الصبغي، وأبو سليمان الدمشقي، وأبو حاتم البستي، وغير هؤلاء، المثبتين للصفات, المنتسبين إلى السنة, والحديث، المتلقبين بنظار أهل الحديث".
"وسلك طريقة ابن كلاب – في الفرق بين الصفات اللازمة كالحياة، والصفات الاختيارية، وأن الرب يقوم به الأول دون الثاني – كثير من المتأخرين، من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، كالتميميين أبي الحسن التميمي، وابنه أبي الفضل التميمي، وابن ابنه رزق الله التميمي، وعلى عقيدة الفضل التي ذكر أنها عقيدة أحمد اعتمد أبو بكر البيهقي فيما ذكره من مناقب أحمد من الاعتقاد".
"وكذلك سلك طريقة ابن كلاب هذه أبو الحسن بن سالم وأتباعه "السالمية" والقاضي أبو يعلى وأتباعه كابن عقيل وأبي الحسن بن الزاغوني، وهي طريقة أبي المعالي الجويني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي أبي بكر بن العربي، وغيرهم، لكنهم افترقوا في القرآن، وفي بعض المسائل على قولين – بعد اشتراكهم في الفرق الذي قرره ابن كلاب –" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
فالأصل الذي قرره ابن كلاب قال به هؤلاء كلهم، وفيهم الأشاعرة وغيرهم ممن لا ينسب إليهم كالسالمية وبعض الحنابلة.
ومع مرور الزمن بدأت تنقرض النسبة إلى ابن كلاب لتحل محلها النسبة إلى الأشعري، والسؤال الذي يطرح هنا هو: إذا كان قول ابن كلاب هو الأصل فلماذا لم ينسب إليه مذهب الأشاعرة وإنما نسب إلى أبي الحسن الأشعري؟
ويمكن الجواب عن هذا السؤال من خلال الأمور التالية:
1- أن أبا الحسن الأشعري لم يكن صورة طبق الأصل لابن كلاب ومدرسته، وأتباعه له في أصل معين لا يعني أنه في جميع آرائه وأقواله كان متابعاً له، فمثلاً مع أن الأشعري قال بنفي حلول الحوادث بذات الله وهو ما يسمى بالصفات الاختيارية القائمة بالله، وهذا هو الأصل الذي قال به ابن كلاب ومدرسته، إلا أن الأشعري خالف ابن كلاب في جوانب من مسألة الكلام التي هي أهم المسائل، فإنه قال بأزلية الأمر والنهي، أما ابن كلاب فقال بحدوث ذلك، وعدم التطابق بين آراء الرجلين له دلالته في تحديد نسبة المذهب إلى أحدهما، خاصة وأن مسألة الكلام من أهم المسائل التي تميز المذهب الأشعري, لأن غيرها من المسائل قد شارك غير الأشاعرة القول فيها.
2- أن ابن كلاب جاء في وقت محنة أهل السنة من جانب المعتزلة، ولما زالت المحنة برز في مجتمع الإسلام كعلم من أعلام أهل السنة الإمام أحمد ابن حنبل، أما ابن كلاب ومن اتبعه فردودهم على المعتزلة والجهمية وإن كانت قوية إلا أنهم شابوها بشيء من البدع، فإذا أضيف إلى ذلك تحذير أئمة أهل السنة كالإمام أحمد وغيره من هؤلاء، فلا شك أن قدرة ابن كلاب في التأثير على الناس ستكون محصورة في نطاق معين لا تتعداه، وهذا ما حدث ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
أما أبو الحسن الأشعري فقد جاء بعد هدوء العاصفة، وركون الناس إلى أن مذهب أهل السنة هو الغالب المسيطر، لذلك لما قام الأشعري في الرد على المعتزلة كانت الأوضاع مهيأة لاشتهاره وتبني مجموعة من الأعلام لمذهبه.
3- من الأمور المهمة قصة انتقال الأشعري عن الاعتزال إلى مذهب السلف, فمن المعلوم أنه قد بلغ مكانة ومنزلة في مذهب المعتزلة حتى صار صنواً لأحد أعلامها، ينوب عنه في الدروس والمناقشات الاعتزالية، وحتى صار يؤلف الكتب لدعم مذهبهم، وهي كتب صارت معتمدة في مذهبهم حتى قال الأشعري عن أحدها بعد أن نقضه ورد عليه: "إنه لم يرق لهم كتاب مثله" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وفي ظل هذه الأوضاع التي تنبئ عن وجود نهضة اعتزالية – تعيد إليها سابق عزها – إذا بالعالم الإسلامي يفاجأ بهذا القرار الخطير يتخذه أشهر أعلام المعتزلة معلناً رجوعه التام عن جميع أقوال المعتزلة، ويتبع ذلك بكشف ضلالاتهم، والرد عليم بأسلوب كلامي قوي يوازي ما عند المعتزلة من قدرة وأساليب.
والمفاجأة إذا وقعت بهذا المستوى ينسى الناس معها تفاصيل الأمور، من مثل أن الأشعري لم يكن رجوعه إلى مذهب السلف كاملاً، وأن لديه بعض البقايا من أصول المعتزلة – وتنحصر القضية في رد العدو الأكبر "المعتزلة" ولا شك أن الرد عليهم وكشف ضلالاتهم في ذلك الوقت جهاد وأي جهاد، يقول ابن عساكر - فيما رواه عن ابن عذرة – في قصة رجوع الأشعري وصعوده المنبر وإعلان ذلك على الملأ: "ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب (اللمع) وكتاب أظهر فيها عوار المعتزلة سماه بكتاب (كشف الأسرار وهتك الأستار) وغيرهما، فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها، وانتحلوه، واعتقدوا تقدمه، واتخذوه إماماً، حتى نسب مذهبهم إليه، قال لي أبو بكر – أي ابن عذرة – فصار عند المعتزلة ككتابي أسلم وأظهر عوار ما تركه فهو أعدى الخلق إلى أهل الذمة، وكذلك الأشعري أعدى الخلق على المعتزلة، فهم يشنعون عليه من الأشانيع وينسبون إليه الأباطيل" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
4- ومن أسباب نسبة المذهب إلى الأشعري كثرة مؤلفاته، ورسائله، فمؤلفاته قد تزيد على ثلاثمائة كتاب، وكما أن الأسئلة كانت تأتيه من الآفاق ويكتب في ذلك رسائل مختلفة، وسرعان ما تشتهر وتنتشر بين الناس، وهذا بخلاف ابن كلاب الذي كانت مؤلفاته قليلة، ولم تكن تلقى قبولاً بسبب موقف أئمة أهل السنة منه، بل وصل الأمر إلى أن يتستر الكلابية بما عندهم, كما حدث لتلامذة ابن خزيمة الموافقين لابن كلاب، فإنهم لم يستطيعوا أن يظهروا ما عندهم فضلاً عن أن ينشروه أو يدرِّسوه.
5- وأخيرا يأتي دور تلاميذ الأشعري، ومن جاء بعدهم من تلامذتهم في ترسيخ نسبة المذهب إليه في دروسهم وكتبهم، إضافة إلى دورهم في نشره والدفاع عنه، يقول القاضي عياض عن الأشعري: "فلما كثرت تواليفه، وانتفع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذبه عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة وأخذوا عنه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه لتعلم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبسط الحجج والأدلة في نصر الملة، فسموا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم فعرفوا بذلك، وإنما كانوا يعرفون قبل ذلك بالمثبتة، سمة عرفتهم بها المعتزلة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نفوه، فبهذه السمة أولا كان يصرف أئمة الذب عن السنة من أهل الحديث كالمحاسبي، وابن كلاب، وعبدالعزيز بن عبدالملك المكي، والكراسي، إلى أن جاء أبو الحسن، وأشهر نفسه، فنسب طلبته والمتفقهة عليه في علمه ونسبه، كما نسب أصحاب الشافعي على نسبه وأصحاب مالك وأبي حنيفة وغيرهم من الأئمة إلى أسماء أئمتهم الذين درسوا كتبهم، وتفقهوا بطرقهم في الشريعة، - وهم لم يحدثوا فيها ما ليس منها – فكذلك أبو الحسن، فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون، وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنوا على مذهبه وطريقه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 20:01

المبحث الخامس: أسباب انتشار المذهب الأشعري

لا شك أن مذهب الأشاعرة انتشر في أنحاء العالم الإسلامي، حتى كاد يستقر في بعض الأزمنة أن مذهبهم هو مذهب أهل السنة والجماعة، ومع أن هناك مواقف لكثير من العلماء من المذهب الأشعري إلا أن هذه المواقف كثيراً ما تأخذ شكل صراعي مذهبي تنتقل بسببه القضية إلى إطار آخر، ومن ثم يكثر الخصام وتتعدد الاتهامات، ويحمل كل فريق على الآخر، ثم قد يصاحب البعض الهوى والتعصب المذهبي، فيزاد في الكلام وينقص، ويحمل على غير محامله، ويسيىء كل طرف الظن بالطرف الآخر، ولذلك قلما تنتهي مناقشة من هذه المناقشات إلى اتفاق على رأي واحد يكون مبنيا على أسس سليمة من مذهب ومنهج أهل السنة والجماعة حيث يدعي الطرفان أنهم لا يخالفونه.
وهذا تفسير لما حدث، وإلا فالواجب أن يكون رائد كل مسلم الوصول إلى الحق بالأدلة الصحيحة. ومذهب أهل السنة والجماعة إنما هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان، ومن ثم فعلى كل عالم أن لا يجعل الانتساب إلى طائفة أو جماعة - غير أهل السنة – شعارا له يفاصل عليه ويوالي ويعادي من أجله.
وقد يقول القائل: إذا كان مذهب الأشاعرة فيه ما فيه من هنات وعليه ما عليه من ملاحظات فلماذا انتشر في العالم الإسلامي؟ ولماذا تبناه جمهرة من جلة العلماء من أهل الفقه والحديث؟ يجيب على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية من وجوه:
"أحدها: كثرة الحق الذي يقولونه، وظهور الآثار النبوية عندهم.
الثاني: لبسهم ذلك بمقاييس عقلية، بعضها موروث عن الصابئة، وبعضها مما ابتدع في الإسلام، واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم، وظنهم أنه لم يمكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم إلا على هذا الوجه.
الثالث: ضعف الأثارة  النبوية الدافعة لهذه الشبهات، والموضحة لسبيل الهدى عندهم.
الرابع: العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث، تارة يروون مالا يعلمون صحته، وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
أما أهم أسباب انتشار مذهب الأشاعرة في العالم الإسلامي فيمكن تلخيصها في الأمور التالية:
1- أفول نجم المعتزلة، مع ظهور المذهب الأشعري كخصم لمذهبهم ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
2- نشأة المذهب في حاضرة الخلافة العباسية "بغداد"، ولا شك أن أنظار الناس في شتى الأقطار تتجه في الغالب إلى دار الخلافة، ففيها الفقهاء, والمحدثون, والمقرئون، كما أنها من أهم البلدان التي يرحل إليها العلماء ليسمعوا الروايات أو يحدثوا فيها بمروياتهم، فلما نشأ المذهب الأشعري في بغداد وهي على هذه الحالة كثر المتلقون لهذا المذهب، الناقلون له إلى كل مكان، وهذا – مثلاً – بخلاف مذهب الماتريدي الذي نشأ في زمن الأشعري لكنه كان في بلاد ما وراء النهر فلم ينتشر كانتشار المذهب الأشعري ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
3- تبني بعض الأمراء والوزراء لمذهب الأشاعرة واحتضان رجالهم له، ومن أبرز هؤلاء:
أ- الوزير نظام الملك الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة، فتولى الوزارة لألب أرسلان وملكشاة مدة ثلاثين سنة، من سنة 455-485هـ والسلاجقة جاءوا على أثر البويهيين الشيعة الذين كانوا يوالون الدولة الفاطمية الباطنية، ولما استولى السلاجقة على بغداد وقضوا عليهم سنة 447هـ لم تمض سنوات قليلة حتى حدثت فتنة البساسيري – أحد القواد الأتراك الموالين لبني بويه – وكان ذلك سنة 450هـ، وكان من آثارها أن احتل بغداد وأعلن الخطبة للخليفة المستنصر بالله العلوي العبيدي، وأمر بأن يؤذن بحي على خير العمل، وعزل الخليفة العباسي القائم بأمر الله وكتب عليه عهداً أن لا حق له في الخلافة ولا لبني العباس, وأرسل العهد إلى الخليفة الفاطمي في القاهرة، وقد استمرت فتنة البساسيري سنة كاملة حتى قضى عليها السلاجقة وأعيد الخليفة العباسي. لذلك جاءت دولة السلاجقة لتنصر أهل السنة ضد أهل الرفض والبدعة، والوزير نظام الملك من أعظم وزرائهم أثراً وخطراً, وكانت له جهود عظيمة في حرب الحركات الباطنية والإسماعيلية, وتحدث عنها طويلاً في كتابه المشهور (سياست نامة) أو (سير الملوك) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ومن أهم آثاره المدارس النظامية التي أنشئت في مدن عديدة منها: البصرة، وأصفهان، وبلخ، وهراة، ومرو، والموصل، وأهمها وأكبرها المدرسة النظامية في نيسابور وفي بغداد، وقد جعلهما مع أوقافهما وقفاً على أصحاب الشافعي أصلاً وفرعاً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وكان نظام الملك معظماً للصوفية وللقشيري والجويني وغيرهما من أعلام الأشعرية، وقد كان هؤلاء يلقون دروسهم في هذه المدارس على المذهب الشافعي، ويدرسون أصول العقيدة الأشعرية، فكان لذلك دور عظيم في نشرها ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ب- المهدي بن تومرت، مهدي الموحدين، توفي سنة 524هـ، فقد دعا إلى المذهب الأشعري وتبناه وكان له دور عظيم في نشره ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ج- نور الدين محمود بن زنكي، الذي جاهد الصليبيين، وقد ولد سنة 511هـ وتوفي سنة 569هـ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وكان من آثاره أنه بنى أكبر دار للحديث في دمشق ووكل مشيختها إلى ابن عساكر صاحب (تبيين كذب المفتري) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، كذلك أنشأ في حلب سنة 544هـ المدرسة النفرية النورية، وكانت للشافعية، وتولى التدريس فيها قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip وكان أحد أساتذة المدرسة النظامية في نيسابور، وكان أحد أعلام أهل الكلام على المذهب الأشعري، وفي عهد نور الدين بدأت صلة قطب الدين مسعود بصلاح الدين الأيوبي، وتوثقت فيما بعد – كما سيأتي -.
ولا شك أن لهذه المدارس، والمدارس النظامية، متمثلة بأولئك العلماء الذين درسوا فيها أثراً عظيماً في مقاومة التيار الباطني الإسماعيلي، ومعلوم أن من أعظم آثار نور الدين وصلاح الدين القضاء على الدولة الفاطمية الباطنية في مصر، حيث حلت محلها دولة سنية حكمها صلاح الدين الأيوبي نائباً لنور الدين ثم مستقلاً بعد وفاته – رحمهم الله -.
د- صلاح الدين الأيوبي:، يقول المقريزي: "وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري تلميذ أبي علي الجبائي، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعي من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عرفت بالشريفية" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip . ثم يقول عن المذهب الأشعري: "فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبدالملك بن عيسى بن درباس الماراني على هذا المذهب قد نشآ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظها صغار أولاده، فلذلك عقدوا الخناصر وشدوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على إلتزامه، فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وإذا كان قطب الدين مسعود قد ألف لصلاح الدين عقيدة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، فإن الفخر الرازي قد ألف كتابه المشهور (أساس التقديس) – الذي نقضه شيخ الإسلام ابن تيمية – للملك العادل محمد بن أيوب بن شادي أخو صلاح الدين. المتوفى سنة 615هـ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip . أما ابنه الأشرف بن العادل فقد مال إلى الحنابلة وأهل السنة في العقيدة، وجرت بينه وبين العز بن عبدالسلام – وهو أشعري – مناقشة ومحنة طويلة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
4- ومن أسباب انتشار المذهب الأشعري أن جمهرة من العلماء اعتمدوه ونصروه، وخاصة فقهاء الشافعية, والمالكية المتأخرين، والأعلام الذين تبنوه: الباقلاني، وابن فورك، والبيهقي، والإسفراييني، والشيرازي، والجويني، والقشيري، والبغدادي، والغزالي، والرازي، والآمدي، والعز ابن عبدالسلام، وبدر الدين ابن جماعة، والسبكي، وغيرهم كثير، ولم يكن هؤلاء أشاعرة فقط، بل كانوا مؤلفين ودعاة إلى هذا المذهب، ولذلك ألفوا الكتب العديدة، وتخرج على أيديهم عدد كبير من التلاميذ.
كما انتشر في أنحاء عديدة بواسطة هؤلاء، ففي الحجاز انتقل إليه المذهب الأشعري بواسطة أبي ذر الهروي ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، كما انتقل عن طريقه إلى المغرب عن طريق المغازبة الذين كانوا يأتون إلى الحج، وكان ممن له أثر في نشره في المغرب بين المالكية أبو بكر الأبهري، والباقلاني وتلامذته ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، والباجي, وابن العربي ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip وغيرهم، كما دافع كل من ابن أبي زيد القيرواني، وأبي الحسن القابس عن الأشعري ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
ويذكر المقريزي أنه قد انتشر في العراق نحو سنة 380هـ، وانتقل منه إلى الشام ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، وممن انتشر على يديه في الشام أبو الحسن عبدالعزيز بن محمد الطبري المعروف بالدمل ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وفي العصور المتأخرة كان لتبني كثير من دور العلم والجامعات عقيدة ومذهب الأشاعرة دور في نشره، ومن أهمها الجامع الأزهر في مصر مع ما له من مكانة علمية في العالم الإسلامي.
هذه أهم أسباب انتشار المذهب الأشعري، وهي تدل على مدى تغلغل هذا المذهب بين الناس، وإن كانت الجمهرة الغالبة للمسلمين تؤمن بهذا الدين وعقيدته بإجمال, وتعظم السلف ومنهجهم، لأنها لا تعرف المداخل الكلامية والقضايا العقلية التي يعتمدها أهل الكلام.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 20:03

المبحث السادس: تطور مذهب الأشاعرة

من الأمور المسلمة لدى الأشاعرة وغيرهم أن أقوال الأشاعرة تعددت واختلفت في مسائل عديدة من مسائل العقيدة، وكل علم من أعلامهم حوت مؤلفاته ورسائله آراء توصل إليها إما باجتهاده أو تقليداً لأحد أعلام عصره أو مدرسته ممن تلقى على يديه العلوم والمعارف، فأصبح ذا منهج مستقل، ثم قد يرجع عن بعض أقواله في مؤلف أومؤلفات أخرى فتكثر الأقوال وتتعدد المناهج.
ويعتبر الأشاعرة مثل هذا الاختلاف أو التعدد في الأقوال اجتهاداً داخل المذهب لا يؤثر عليه، ويجددون التفسير المناسب لمثل ذلك، فيقولون مثلاً في بعض الصفات الخبرية، قال قدماء أصحابنا أو شيوخنا بإثباتها مع التفويض ونفي التشبيه، ثم يذكرون القول الثاني بالتأويل تنزيهاً لله عن مشابهة المخلوقات، والقولان - عندهم - صحيحان ولا تعارض بينهما، والعجيب أن يتلقى الأشاعرة بعضهم عن بعض مثل هذا، لا يتوقفون عنده، ولا يثيرهم ما فيه من تناقض.
والحق أن التطور في المذهب الأشعري لم يكن في مسألة من المسائل بحيث لا يؤبه له، ولا يلفت النظر، بل كان تطوراً في الأصول والمناهج، ويتعدى ذلك إلى مسائل عديدة في العقيدة، وقد كان أبرز مظاهر التطور في المذهب الأشعري ما يلي:
أ - القرب من أهل الكلام والاعتزال.
ب - الدخول في التصوف، والتصاق المذهب الأشعري به.
جـ- الدخول في الفلسفة، وجعلها جزءا من المذهب.
هذه أهم الخطوط العامة لما وقع من التطور فيه، وقد تكون هناك تطورات جزئية، لكنها تدخل ضمن أحد هذه الأمور، وهناك بعض الظواهر في المذهب الأشعري قد تلفت نظر المطلع، وذلك مثل ظاهرة ارتباط المذهب الشافعي الفقهي بالمذهب الأشعري، ومثله المالكي، ولكن هذه لا تعدو أن تكون دعوى يدعيها بعض المتحمسين للمذهب الأشعري، وأقرب الأمثلة على ذلك السبكي في (طبقات الشافعية)، فقد حاول أن يجعل من كتابه هذا ما يمكن أن يسمى بـ (طبقات الأشعرية)، ويلاحظ ذلك من يطلع على التراجم في هذا الكتاب وأسلوبه في عرض كل ترجمة، ولا شك أن المدارس النظامية وبعض أعلام الشافعية كان لهم أثر فيما يلمس من تبني جمهرة كبيرة من فقهاء الشافعية للمذهب الأشعري، ولكن ليس بهذه الصورة التي يدعيها هؤلاء، كما أنه ليس كل الحنابلة مثبتة على وفق مذهب السلف، بل فيهم أعداد مالت إلى مذهب الأشاعرة أو إلى ما هو أشد غلوا منه.
1- إن الانحراف يبدأ في الغالب صغيرا، ثم يكبر، والمتتبع لأغلب المقالات، يجدها تبدأ صغيرة ثم يزداد انحرافها وغلوها مع الزمن، والمذهب الأشعري لما أن حوى منذ البداية انحرافاً معيناً سواء كان بالدخول في علم الكلام، أو تبني بعض آراء المعتزلة - وهذا كله مما يخالف مذهب السلف ومنهجهم - أصبح قابلاً للزيادة في هذا الانحراف من خلال التمادي في علم الكلام, والتزام لوازم الأقوال الفاسدة، والاستسلام لبعض شبهات أهل الضلال، وعدم القدرة على رد باطلهم إلا بالتزام بعض الأقوال الفاسدة.
2- كثرة مؤلفات مؤسسه أبي الحسن الأشعري، مع ما صاحب ذلك من كونه نشأ وعاش زمنا طويلا في ظل مذهب المعتزلة، وكان من آثار ذلك عدم استطاعته التخلص من المنهج الكلامي في عرض العقيدة، بل زاد على ذلك بأن التزم بعض أصولهم، وهذا كله بعد رجوعه، وقد كان من المفترض أن يكون رجوعه كاملاً عن منهجهم وعقيدتهم إلى منهج وعقيدة السلف، لكن الذي وقع أنه ترك الاعتزال وتبنى مذهب الكلابية، فإذا أَضيف إلى ذلك كثرة مؤلفاته ورسائله التي ألفها بعد رجوعه واستخدامه في غالبها الأسلوب العقلي الكلامي، كما هو واضح في مثل كتابه (اللمع), وفي ما حواه كتاب ابن فورك (مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري)، مع تأخر كتابه (الإبانة)، وكونه كتابا واحدا في مقابل عشرات الكتب المنتشرة، فهذا يفسر ما وقع من تطور في مذهب الأشاعرة، مع قناعة أعلامهم بأنهم لم يخالفوا أقوال شيخهم الأشعري مخالفة أصولية.
3- إن المذهب لم يبن منذ البداية على منهج مؤصل؛ حيث لم يحدد له أصول واضحة في الاعتقاد, أو كيفية التعامل مع النصوص، والأشعري في (الإبانة) كان صاحب منهج يختلف عن منهجه في كثير من كتبه، لذلك فالمذهب منذ البداية نشأ على التذبذب بين موافقة مذهب السلف، والرد على المعتزلة، وتأييد العقيدة بعلم الكلام، ولو نشأ المذهب واضح المعالم في الاستدلال للعقيدة أو الرد على المخالفين لكان ذلك مانعاً من اجتهاد يأتي فيما بعد يؤدي إلى الانحراف، وهذا ما حدث بالنسبة لما كتبه أعلام السلف في ردودهم على الجهمية والمعتزلة، فعلى الرغم من المناقشات العقلية، والإلزامات القوية للخصوم، في مؤلفات الأئمة مثل الإمام أحمد، والكناني، والدارمي، وابن قتيبة، وغيرهم، لم تؤد هذه الردود- التي بقيت وحفظت - إلى شيء من الانحراف، بل على العكس كان لها دور في دعم مذهب السلف وإسكات خصومهم.
4- رفض أهل السنة للمذهب الأشعري منذ البداية مما كان سببا في جعله مذهبا منعزلا عنهم، ولقد كان رفض أئمة الحديث والسنة له الأثر النفسي والواقعي في حياة الناس، حرص المتأخرون على الدفاع عن مذهبهم وعقيدتهم الأشعرية ودعمها بالأدلة، وبيان بعدها عن التشبيه والتجسيم الذي قد يصمون به أهل الإثبات، والمعارضة القوية من جانب علماء السلف لمذهب الأشاعرة ورمي معتنقيه - أحياناً - بأنهم نفاة ومعتزلة، يؤدي إلى ردود فعل نفسية من جانب هؤلاء فيؤدي إلى اتساع دائرة البعد بين الفريقين.
5- ومن الأسباب أيضاً فشو التقليد في أصول العقيدة وفروع الأحكام, فقد يقلد شيخه في إحدى المسائل؛ ظناً منه أنه - وهو العالم المشهور- ما قال بها إلا هي حق، ثم يضطر في النهاية إلى التزام لوازم هذه المسألة، وقد تكون لوازم باطلة، لكنه التزمها التزاماً لأصلها الذي أخذه تقليداً، وقد يكون شيخه قال بهذه المسألة بناء على وجه معين وهو يرفض لوازمها لو ألزمها.
6- وهناك أسباب أخرى مثل الهوى، والتعصب لطائفة أو لمذهب، وحرص أهل الباطل على التفريق بين المسلمين بإثارة الفتن بينهم، وغيرها.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالسبت 20 سبتمبر 2014 - 20:04

المبحث السابع: بيان درجات التجهم ومنزلة الأشعرية فيه

درجات التجهم، ومنزلة الأشاعرة في التجهم، ومعرفة أصنافهم:
فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجهمية على ثلاث درجات فذكرهم... ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip وفيما يلي ملخص ما ذكره:
الدرجة الأولى: الجهمية الغلاة، وهم الذين ينفون أسماء الله وصفاته ويجعلون إطلاق الأسماء من باب المجاز.
الدرجة الثانية: الجهمية الذين يقرون بأسماء الله الحسنى في الجملة ويجعلون كثيراً منها على المجاز، وينفون صفات الله، وهذا النوع من التجهم هو تجهم المعتزلة ونحوهم، وهم الجهمية المشهورون.
ولا خلاف بيننا وبين الأشاعرة في عدم عد هؤلاء من أهل السنة والجماعة.
الدرجة الثالثة: طائفة من الصفاتية المثبتين المخالفين للجهمية، ولكن فيهم نوع من التجهم، وأطلق عليهم: الجهمية لاشتراكهم في رد طائفة من الصفات، وأهل هذه الدرجة على مراتب ثلاث:
أهل المرتبة الأولى منهم: من يقر بالصفات الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث.
وأهل المرتبة الثانية منهم: الذين يقرون بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة مع نفيهم وتعطيلهم لبعض ما ثبت بالنصوص، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن تبعه بعد ذلك كأبي الحسن الأشعري.
وأهل المرتبة الثالثة: تنتسب إلى أهل المرتبة الثانية إلا أنهم قاربوا المعتزلة الجهمية أكثر في النفي وخالفوا من انتسبوا إليه، وفيهم من يتقارب نفيه وإثباته مع كثرة تناقضهم، ومنهم الرازي والغزالي.
ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر في بيان مخالفة كثير من الأشعرية لمذهب أبي الحسن الأشعري فقال: "ولا ريب أن أئمة الأشعرية وهم الذين كانوا أهل العراق: كأبي الحسن الكبير, وأبي الحسن الباهلي, وأبي عبدالله بن مجاهد, وصاحبه القاضي أبي بكر، وأبي علي بن شاذان، ونحوهم، لم يكونوا في النفي كأشعرية خراسان مثل أبي بكر بن فورك ونحوه، بل زاد أولئك في النفي أشياء على مذهب أبي الحسن ونقصوا من إثباته أشياء" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip . وهذا ما سيأتي بيانه عند ذكر قاعدتي الإثبات والنفي عند الأشاعرة إن شاء الله.
ومصداق ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ما ذكره إمام الحرمين عبد الملك الجويني الخراساني حيث قال: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين والعين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة, وحمل العين على البصر, وحمل الوجه على الوجود" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .
وإذا تتبعنا ما قاله الأشعري والباقلاني وجدناهما قد أثبتا هذه الصفات لله تعالى، وذلك كما في (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري, و(التمهيد) للقاضي أبي بكر الباقلاني ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip , ولذلك قال الجويني في مطلع حديثه: "ذهب بعض أئمتنا".
والمقصودون بالحكم في هذا الكتاب هم أهل المرتبتين الثانية والثالثة من الدرجة الثالثة من درجات الجهمية.
فبالنظر إلى معنى اصطلاح أهل السنة العام – أي ما يقابل الشيعة – فالأشاعرة من أهل السنة والجماعة لقولهم بخلافة الأربعة رضي الله عنهم. وأما بالنظر إلى المعنى الأخص – أي السنة المحضة – فهم على ثلاث مراتب: فمن كان منهم على اعتقاد الأشعري في مرحلته الأخيرة السنية فمعدود في أهل السنة والجماعة.
ومن كان أكثر إثباتاً وإنما أثر عنه نفي يسير كالبيهقي مثلاً فهو أقرب إلى أهل السنة.
ومن لم يقل بذلك وأظهر مع ذلك مقالة تناقض اعتقاد الأشعري في آخر مراحله فهو إلى الجهمية أقرب منه إلى أهل السنة المحضة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أقرب هؤلاء الجهمية: الأشعرية... وكانوا (أي السلف) يقولون: إن المعتزلة مخانيث الفلاسفة، والأشعرية مخانيث المعتزلة، وكان يحيى بن عمار يقول: المعتزلة الجهمية: الذكور، والأشعرية الجهمية: الإناث. ومرادهم: الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية.... وأما من قال منهم بكتاب (الإبانة) الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة. ولكن الانتساب إلى الأشعرية بدعة لا سيما وذلك يوهم حسن الظن بكل من انتسب هذه النسبة، وينفتح بذلك أبواب شر" ا هـ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:05

الفصل الثاني: ترجمة لأهم أعلام الأشاعرة مع بيان منهجهم

أبو الحسن الطبري: توفي بحدود سنة 380هـ.
قال عنه السبكي: " كان من المبرزين في علم الكلام، والقوامين بتحقيقه، ... وكان مفتناً في أصناف العلوم"، وذكر الأسنوي عن أبي عبد الله الأسدي أنه قال في كتاب (مناقب الشافعي):" كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي حافظاً للفقه, والكلام, والتفاسير, والمعاني, وأيام العرب، فصيحاً مبارزاً في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفاً للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة"، ولم يؤرخ ولادته ولا وفاته، إلا أن الصفدي ذكر أنه توفي في حدود سنة 380هـ.
عقيدته:
بما أن علي بن محمد الطبري يعتبر من تلامذة الأشعري فهو يمثل مرحلة متوسطة بين الأشعري والباقلاني، وعرض عقيدته وآرائه يفيد في بيان مستوى النقلة من المؤسس الأول إلى أتباعه من بعده، وكيف تلقى تلاميذ الأشعري أقواله، وهل تابعوه فيها من خلال المرحلة الأولى من رجوعه أم المرحلة الأخيرة؟
1- كتب أبو الحسن الطبري في بداية كتابه ما يبين سبب تأليفه حين قال: " أما بعد فإنك كتبت إليّ شكوى ما فشا بالناحية من معتقد الفرقة المنتسبة إلى الحديث، المنتحلة الأثر، حتى مالوا إلى قوم من ضعفة المسلمين بمعاهدتهم بالتلبيس والتمويه"، ثم يصف هؤلاء الذين يوردون الأخبار فقط بأنهم: "تقصر معرفتهم عن استخراج تأويلها ... لقلة عنايتهم بمعرفة مصادر الكلام وموارده، وظاهره وباطنه، ومجازه وحقيقته واستعارته، وما يجوز إطلاقه في القديم ومالا يجوز إطلاقه" ، ثم يقول عنهم:" قد قنع الواحد منهم من العلم برسمه، ومن الحديث بجمعه واسمه، فأبعد غاية هذه الطائفة أن يكتبوا أجزاء من الحديث وأجلاداً من القصص ثم يقبلوا على تفسيرها بغير ما أذن الله بها".
ثم يذكر تأثير هؤلاء بأنهم: " يتقربون إلى الرعاع والهمج من أهل الحديث بذلك، وإن من عدل عن هذا المنهج والسير فقد خالف المشايخ والقدماء والأسلاف من العلماء".
ثم يذكر نماذج من الأحاديث التي يوردونها، ويبين أنه لابد من تفسيرها بـ : " ما يوافق المعقول من الأصول، والمعمول به من اللغات".
فأبو الحسن الطبري في هذه المقدمات يعرض بأهل الحديث ويستخدم المنهج العقلي في تأويل النصوص الدالة على الإثبات دون أن يفرق بين الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة والأحاديث الثابتة، بل واضح من كلامه أن حذره من التشبيه أكثر من حذره من التعطيل.
2- يحتج على إثبات الصانع بخلق الإنسان من نطفة ثم من علقة، ثم يحتج على الوحدانية بدليل التمانع، وهذه نفسها أدلة الأشعري، ويقول: إن الله ليس بجسم, ويحتج لذلك بأن الله لم يسم نفسه به, ولا اتفق المسلمون عليه، ويعلل منع إطلاقه بأن حقيقة منع إطلاقه بأن حقيقة الجسم أن يكون طويلاً, عريضاً, عميقاً, وهذا يخالف وصف الله بأنه واحد.
3- أما مذهب أبي الحسن الطبري في الصفات فقد فصله في كتابه، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
أ - بالنسبة للصفات الخبرية فهو يثبتها مع نفي أي دلالة فيها على التجسيم أو التبعيض - على حد زعمه - فمثلاً حين يتكلم على صفة اليدين وقوله تعالى: وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ[الزمر: 67]، إن الطي أريد به الفناء والذهاب، ويذكر أدلة ذلك من الشعر ثم يقول: " ومن الناس من يقول: مطويات بيمينه أي ذاهبات بقسمه لأنه أقسم ليفنيها" .
ويقول: إن الله راء بلا عين، ويرد على أدلة من يسميهم بالمشبهة الذين أثبتوا لله عيناً, ويتأول النصوص الواردة في ذلك من الكتاب والسنة، كما يتأول " القدم" ويذكر له عدة تأويلات ولا يثبت هذه الصفة كما يليق بالله تعالى.
ب - يثبت أبو الحسن الطبري صفة الاستواء والعلو لله تعالى، يقول: " اعلم عصمنا الله وإياك من الزيغ برحمته أن الله سبحانه في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، وبمعنى الاستواء الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح يعني علوته، واستوت الشمس على رأسي, واستوى الطير على قمة رأسي, بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد, ولا قايم, ولا مماس له ولا مباين، والعرش ما تعقله العرب وهو السرير، يريد بذلك أيضاً على أنه في السماء عال على عرشه قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ[الملك: 16] ، وقوله تعالى: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ[آل عمران: 55]، وقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ[النحل: 50]، وقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ[فاطر:10]، وقوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ[السجدة: 5]"، ثم رد على البلخي وغيره من المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء واحتجاجهم بقولهم: استوى بشر على العراق - وغيره - فقال: " فيقال لهم: ما أنكرتم أن يكون عرش الله جسماً مجسماً، خلقه وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه كما خلق في الأرض بيتاً وامتحن بني آدم بالطواف - حوله وبقصده من الآفاق، ويدل على ذلك قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ[الزمر: 75] ، وقال في موضع آخر: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ[الحاقة: 17]، ففي كل هذا دلالة أن العرش ليس بالملك وأنه سرير" ، ثم قال: "ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما (وصفت)"، فبان بذلك فساد قوله، ثم يقال له أيضاً: "إن الاستواء ليس هو بالاستيلاء في قول العرب: استوى فلان على كذا أي استولى عليه، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً، فلما  كان الباري سبحانه لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكناً لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وحدثنا الشيخ أبو عبد الله الأزدي الملقب بنفطويه قال: حدثنا أبو سليمان، قال كنا عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]، قال: إنه مستو على عرشه كما أخبر، فقال له الرجل: إنما معنى استوى استولى فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول استوى على العرش حتى يكون فيه مضاد له، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله سبحانه لا مضاد له، وهو مستو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء يكون بعد المغالبة" ثم يقول: " فإن قيل فما تقول في قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ[الملك: 16]، قيل له معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ[التوبة: 2]، أي على الأرض...". وكلامه في ذلك طويل حيث رد على الذين يقولون: إن الله في كل مكان، كما رد على من تأول رفع المسلمين أيديهم إلى السماء عند الدعاء بأن ذلك لأن أرزاقهم في السماء أو لأن الملائكة الحفظة في السماء، فقال: "بأن ذلك لو جاز لجاز أن تخفض أيدينا في الأرض نحو الأرض من أجل أن الله تعالى يحدث فيها النبات والأقوات والمعايش وأنها قرار، ومنها خلقوا وإليها يرجعون، ولأنه يحدث فيها آيات كالزلازل والرجف والخسف، ولأن الملائكة معهم في الأرض، الذين يكتبون أعمالهم، فإذا لم يجب خفض الأيدي نحو الأرض لما وصفنا لم تكن العلة في رفعها نحو السماء ما وصفه البلخي، وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه برفعهما نحو العرش الذي هو مستو عليه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]".
هذا رأي الطبري في مسألة العلو والاستواء، وهذه النصوص تدل على استقرار هذه المسألة وفق مذهب السلف عند تلامذة الأشعري، وهذا ما سنجده أيضاً عند الباقلاني - كما سيأتي -.
جـ- يتأول أبو الحسن الطبري النصوص الواردة في الضحك والعجب، والفرح، ففي صفة الضحك الواردة في الأحاديث يذكر المعاني المجازية للضحك مثل قول العرب ضحكت الأرض إذا تبدى نباتها، وضحك طلع النخل إذا بدا كافوره، ويقال هذا طريق ضاحك أي ظاهر واضح، ثم يقول: "فمرجع الضحك في هذا كله إلى البيان، ومعنى الخبر والله أعلم بالمراد: يضحك الله أي يبين الله ثواب هذين الرجلين المقتولين... فإذا وجدنا للضحك معنى صحيحاً تعرفه العرب في لغتها غير الكشر عن الأسنان عند حلول التعجب منه كانت إضافة ذلك إلى ربنا سبحانه أولى مما أضافت إليه المشبهة، نعوذ بالله من الحيرة في الدين وهو ولي المعونة"، وهذا تأويل واضح لهذه الصفة، وفي صفة العجب يذكر عدة تأويلات منها: أن معنى عجب ربك أي عظم عنده، وقيل معناه رضي وأثاب، وقيل: جازاه على عجبه، ولا يذكر إثبات هذه الصفة كما يليق بجلال الله وعظمته، كما يؤول الفرح بالرضا .
د- أما الصفات الاختيارية التي تقوم بالله تعالى كالنزول, والمجيء, والإتيان, فيتأولها ولا يثبتها كما يليق لله وعظمته، وهذا بناء على نفي حلول الحوادث، يقول عن النزول: "ولا يجوز حمل ذلك على النزول والنقلة... لما فيه من تفريغ مكان وشغل آخر، والقديم قد جل أن يكون موصوفاً بشيء من ذلك، كذلك وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ[الأنعام: 76]"، واحتجاجه بهذه الآية هنا هو احتجاج جمهور الأشاعرة الذين يزعمون أن إبراهيم عليه السلام استدل بتغير وتحرك النجم على أنه لا يصلح أن يكون إلهاً، وبنوا على ذلك نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى. ويقول أبو الحسن الطبري عن الإتيان والمجيء "فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ[النحل: 26]، وفي قوله تعالى : وَجَاءَ رَبُّكَ[الفجر: ]2 وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ[البقرة: 210]،  وفي قوله تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ[النحل:26]، وفي قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ[الفجر: 22]، وفي قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ[البقرة: 210]، قيل له: إن الله سبحانه قد صح أنه لا يجوز وصفه بالإتيان والمجيء الذي بمعنى الانتقال والزوال، إذ كان ذلك من صفات الأجسام تعالى الله أن يكون جسماً أو عرضاً، وكلام العرب واسع له ظهر وبطن لاتباع العرب في المجازات وطرق الكلام. ومعنى البيان في قوله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ[النحل: 26]، الاستئصال في الهلاك والدمار بإرساك العذاب... وأما قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ ،فمعناه جاء حكم ربك وأمر ربك، ألا ترى أن الخاص والعام يقول: ضرب الأمير زيداً، وإن كان الأمير لم يباشر زيداً بالضرب، بل كان ذلك بأمره وحكمه عليه، وقد قال الله تعالى في قصة لوط فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ[القمر: 37]، وإن كان الطمس للأعين للملائكة بأمر الله، وأما قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ[البقرة:210]، فمعناه هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالحساب في ظلل من الغمام، يراد به بظلل من الغمام، وأن الفاء بمعنى الباء..."، هذا هو مذهبه في تأويل هذه الصفات.
4- يثبت أبو الحسن الطبري الرؤية ويرد على المعتزلة المنكرين لها، لكن الملاحظ أنه أورد سؤالاً حولها يتعلق بأنه يلزم من إثباتها المقابلة، فأجاب بما يدل على أنه يقول بأنه لا يلزم من الرؤية المقابلة، ومما قاله - وهو يرد على المعتزلة - "وقد زعمتم أن معنى ترون ربكم: تعلمون ربكم، ولم تلزموا أنفسكم أنكم تعلمونه مقابلاً لكم".
5- هذه أقوال أحد تلامذة الأشعري، ممن جاء قبل الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري، وهذه النصوص التي نقلت من كلام أبي الحسن الطبري تمثل مرحلة جاءت بين علمين مهمين من أعلام الأشاعرة.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:08

الباقلاني: ت 403 هـ.
حياته: هو الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني ، لم يعرف تاريخ ولادته، كان من أهل البصرة، وسكن بغداد، وقد كانت وفاته سنة 403 هـ.
مجمل عقيدته ومنهجه، ودوره في تطوير المذهب الأشعري:
1ـ يبتدئ الباقلاني كتبه بالحديث عن المقدمات حول حقيقة العلم ومعناه، فيذكر أن حده "معرفة المعلوم على ما هو به" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ثم يقسم العلوم إلى قسمين: علم الله القديم، وعلم الخلق، ويقسم علم الخلق إلى علم اضطرار وعلم نظر واستدلال، ثم يشرح ذلك، ثم يذكر الاستدلال فيعرفه، ثم يعرف الدليل ويقسمه إلى ثلاثة أقسام: عقلي، وسمعي شرعي، ولغوي. ثم يذكر أقسام المعلومات وأنها قسمان: معدوم وموجود ولا ثالث لهما.
ثم يقسم الموجودات ويقول: إنها ضربين: قديم لم يزل ومحدث لوجوده على أول، ثم يقسم المحدثات إلى ثلاثة أقسام: جسم مؤلف، وجوهر منفرد، وعرض موجود بالأجسام والجواهر.
فالباقلاني يقول بالجوهر الفرد ويدلل على إثباته بـ "علمنا بأن الفيل أكبر من الذرة، فلو كان لا غاية لمقادير الفيل ولا لمقادير الذرة لم يكن أحدهما أكثر مقادير من الآخر، ولو كان كذلك لم يكن أحدهما أكبر من الآخر".
كما يرى الباقلاني أن الأعراض لا يصح بقاؤها فهي لا تبقى زمانين.
2ـ ويرى أن أول الواجبات النظر فيقول: "أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد: النظر في آياته, والاعتبار بمقدوراته, والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته؛ لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار، ولا مشاهد بالحواس، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة، والبراهين الباهرة".
3ـ يذكر دليل حدوث العالم، ويستدل لذلك بدليل حدوث الأجسام, ويبنيه على دليل ثبوت الأعراض، فيذكر دليل ثبوت الأعراض، ثم يذكر أنها حادثة، ويستدل على ذلك ببطلان الحركة عند مجيء السكون، ثم يذكر دليل حدوث الأجسام وهو أنها لم تسبق الحوادث، ولم توجد قبلها، وما لم يسبق المحدث، ويفصل القول في ذلك.
والباقلاني يرى ضرورة دليل حدوث الأجسام، وأن الأشعري لا يرى هذا الدليل ضرورياً وأن الرسل لم تدع إليه، وذلك في (رسالته إلى أهل الثغر)، لكن الباقلاني في شرحه لـ(اللمع) - للأشعري - يفسر كلامه في إثبات الصانع واستدلاله على ذلك بالنطفة وتغيرها, وانتقالها من حال إلى حال فيقول: "اعلم أن هذا الذي ذكره هو المعول عليه في الاستدلال على حدوث الأجسام..." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ويرى الباقلاني أن الخليل عليه السلام احتج بهذا الدليل في قوله: هَذَا رَبِّي [الأنعام:76]، والآيات بعدها.
4ـ ويحتج لإثبات الصانع بأن الكتابة لا بد لها من كاتب، ولا بد للصورة من مصور، وللبناء من بان، ويستدل أيضاً بوجود المحدثات متقدمة ومتأخرة, مع صحة تأخر المتقدم وتقدم المتأخر ، كما يحتج لإثبات وحدانيته بدليل التمانع ويحتج له بقوله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء: 22].
5ـ أما رأيه في الصفات فيمكن توضيحه كما يلي:
أ ـ يثبت الباقلاني الصفات عموماً ولا يقتصر على إثبات الصفات السبع، ويقسم الصفات إلى صفات ذات وصفات فعل فيقول: " صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي الحياة, والعلم, والقدرة, والسمع, والبصر, والكلام, والإرادة, والبقاء, والوجه, والعينان, واليدان، والغضب, والرضى، وهما الإرادة على ما وصفناه - وهي الرحمة, والسخط, والولاية, والعداوة, والحب, والإيثار, والمشيئة - وإدراكه تعالى لكل جنس يدركه الخلق من الطعوم, والروائح, والحرارة, والبرودة, وغير ذلك من المدركات، وصفات فعله هي الخلق, والرزق، والعدل، والإحسان, والتفضل والإنعام، والثواب والعقاب، والحشر والنشر، وكل صفة كان موجوداً قبل فعله لها، غير أن وصفه لنفسه بجميع ذلك قديم، لأنه كلامه الذي هو قوله: إني خالق, رازق, باسط، وهو تعالى لم يزل متكلماً بكلام غير محدث ولا مخلوق".
ويتبين من ذلك أنه يثبت الصفات لله تعالى، ولا يفرق بين الصفات العقلية والصفات الخبرية.
ب ـ يستدل للصفات السبع وهي: الحياة, والعلم, والقدرة, والسمع, والبصر, والكلام, والإرادة بأدلة نقلية وعقليه؛ ففي (التمهيد) يقتصر على الأدلة العقلية لهذه الصفات، أما في (رسالة الحرة) فيحتج بالأدلة من القرآن وبأدلة العقول.
جـ ـ يؤول صفات الغضب والرضى بأن المقصود بهما: إرادته لإثابة المرضي عنه, وعقوبة المغضوب عليه، وهو بذلك يقول بقول الأشعري - كما سبق -.
د ـ يرى أن صفة البقاء من صفات الذات لله، وأنه ليس باقياً ببقاء، فهي صفة نفسية وليست صفة زائدة على الذات.
هـ ـ يثبت الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه, واليدين, والعينين، يقول: "وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عز وجل:كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27]، واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن في قوله عز وجل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة: 64] ، وقوله: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وإنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن، وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عز وجل: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39]، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر: 14]،وإن عينه ليست بحاسة من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس"، وفي (التمهيد) يستدل ببعض هذه الأدلة، ثم يرد على من أول اليدين بالقدرة أو النعمة فيقول: " يقال لهم: هذا باطل، لأنه قوله: " بيدي" يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة، لوجب أن يكون له قدرتان, وأنتم فلا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة، فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟ وقد أجمع المسلمون، من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان، فبطل ما قلتم، وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين؛ لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لا تحصى..." ، وكلام الباقلاني يدل على أنه في زمنه لم يكن أحد يؤول اليدين بالقدرة إلا المعتزلة، ولهذا قال لهم: "وأنتم لا تزعمون أن للباري قدرة واحدة" ، وعلى ذلك فالتأويل لهذه الصفات - أعني صفة الوجه واليدين والعين - عند الأشعرية جاء بعد الباقلاني.
و كما يثبت الباقلاني صفة العلو والاستواء لله تعالى، ويرد على الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء، وعلى الذين يقولون إن الله في كل مكان، يقول: " فإن قالوا: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستو على العرش، كما أخبرّ في كتابه فقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]، وقال تعالى:إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] ، وقال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ [الملك: 16] ، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها تعالى عن ذلك، وأوجب أن يزيد بزيادة الأماكن إذا خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى وراء ظهورنا, وعن أيماننا وشمائلنا، وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله" ، ثم يرد على من اعترض بالنصوص الدالة على أن الله في السماء إله وفي الأرض إله، وأنه مع المؤمنين وغيرها من النصوص الدالة على المعية، ويبين أنه لا دلالة فيها. ثم يقول: " ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه، كما قال الشاعر:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:09


قد استوى بشر على العراق





من غير سيف أو دم مهراق

لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً، عزيزاً مقتدراً، وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[لأعراف: 54] ، يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن فبطل ما قالوه".
والباقلاني وإن كان يثبت الاستواء والعلو إلا أنه يرى عدم إطلاق الجهة على الله تعالى، يقول: "يجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[الشورى: 11] ، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[الاخلاص: 4] ، ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى تقدس عن ذلك، فإن قيل: أليس قد قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]، قلنا: بلى، قد قال ذلك، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في الكتاب والسنة, لكن ننفي عنه أمارة الحدوث، ونقول: استواؤه لا يشبه استواء الخلق، ولا نقول: إن العرش له قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغير عما كان" ، ثم ينقل عن أبي عثمان المغربي أنه قال: " كنت أعتقد شيئاً من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد وزال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا: إني قد أسلمت جديداً". ولفظ الجهة -كما سيأتي - لفظ مجمل.
زـ أما رأيه في كلام الله تعالى فهو يقول: " اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم، ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث، بل كلامه قديم، صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك من صفات الذات، ولا يجوز أن يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية ..." ، ويقول: " ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة"،  و"مسموع لنا على الحقيقة لكن بواسطة وهو القاري" ، وحقيقة الكلام عنده - على الإطلاق في حق الخالق والمخلوق - " إنما هو المعنى القائم بالنفس، لكن جعل لنا دلالة عليه تارة بالصوت والحروف نطقاً، وتارة بجمع الحروف بعضها إلى بعض كتابة دون الصوت ووجوده، وتارة إشارة ورمزاً دون الحرف والأصوات ووجودهما " ، وكلام الله عنده ليس بحروف ولا أصوات، ولا يحل في شيء من المخلوقات.
هذه خلاصة أقوال الباقلاني في كلام الله، ولكن إذا كان الكلام هو المعنى القائم في النفس، فالكلام النازل علينا كلام من؟ ، سبق قبل قليل أن الباقلاني يقول: إن كلام الله مكتوب في المصاحف على الحقيقة، ومتلو بالألسن على الحقيقة، لكنه بعد ذلك يقول كلاماً خطيراً حيث يزعم... إن كلام النازل كلام جبريل، يقول الباقلاني: " ويجب أن يعلم أن كلام الله تعالى منزل على قلب النبي نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال"، ثم يقول بعد كلام: "والنازل على الحقيقة المنتقل من قطر إلى قطر قول جبريل عليه السلام، يدل على ذلك قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأيات: [الحاقة 38-43]، وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ... الآيات: [التكوير:15-29]، يقول الباقلاني معلقاً على هذا: "هذا إخبار من الله تعالى بأن النظم العربي الذي هو قراءة كلام الله تعالى قول جبريل لا قول شاعر ولا قول كاهن"، ثم يقول - بعد كلام- "فحاصل هذا الكلام أن الصفة القديمة كالعلم والكلام ونحو ذلك من صفات الذات، لا يجوز أن تفارق الموصوف، لأن الصفة إذا فارقت الموصوف اتصف بضدها، والله تعالى متنزه عن الصفة وضدها، فافهم ذلك، فجاء من ذلك أن جبريل عليه السلام علم كلام الله وفهمه، وعلمه الله النظم العربي الذي هو قراءته، وعلم هو القراءة نبينا، وعلم النبي أصحابه... لكن المقروء والمتلو هو كلام الله القديم الذي ليس بمخلوق ولا يشبه كلام الخلق ".
وهذا كلام عجيب، ولا شك أن الباقلاني متابع في هذا الأصل لشيوخه الأشاعرة.
ح ـ أما مسألة الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، وهي المسماة بمسألة حلول الحوداث، فالباقلاني ينفيها بقوة، ويدل على ذلك:
1ـ قوله في النص السابق لما ذكر الصفات الفعلية قال: غير أن وصفه لنفسه بجميع ذلك قديم، لأنه كلامه الذي هو قوله: إني خالق، رازق، باسط، وهو تعالى لم يزل متكلماً بكلام غير محدث ولا مخلوق", فهو لا يرى أن الصفات الفعلية تقوم بالله، بل يجعل أمر الله وقوله أزلياً، وهو كلامه، أما المخلوق فهو منفصل عن الله لا يقوم به.
2ـ قوله عن صفات الله: "إنه لا يجوز حدوثها له، لأن ذلك يوجب أن تكون من جنس صفات المخلوقين، وأن تكون ذات أضداد كصفات المخلوقين، وأن يكون الباري سبحانه قبل حدوثها موصوفاً بما يضادها وينافيها من الأوصاف، ولو كان ذلك كذلك، لوجب قدم إضدادها، ولاستحال أن يكون القديم سبحانه موصوفاً بها في هذه الحال، وأن يوجد منه من ضروب الأفعال ما يدل على كونه عالماً قادراً حياً، وفي بطلان ذلك دليل على قدم هذه الصفات, وأن الله سبحانه لا يجوز أن يتغير بها ويصير له حكم لم يكن قبل وجودها، إذ لا أول لوجودها" ويقول في كلامه عن نفي السنة والنوم عن الله عز وجل: "والمعتمد في هذا أنه سبحانه ذكر السنة والنوم تنبيهاً على أن جميع الأعراض ودلالات الحدوث لا تجوز عليه".
3ـ ويقطع في هذه المسألة عند كلامه عن كلام الله والرد على القول بخلق القرآن فيقول: "ويستحيل من قولنا جميعاً أن يفعله في نفسه تعالى لأنه ليس بمحل للحوادث".
4ـ ومن ذلك قوله في صفة المجيء والإتيان فقد ذكر فيهما عدة أقوال، وكلها ذكر فيها ما يدعم قوله في نفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، يقول عن المخالفين المعترضين على آيات القرآن: "واعترضوا أيضاً (بـ) قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً[الفجر: 22] ، وقوله: يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ[البقرة:210]، قالوا: والمجيء والإتيان حركة وزوال, وذلك عندهم محال في صفته، فالجواب عن هذا عند بعض الأمة: أنه يجيء ويأتي بغير زوال ولا انتقال ولا تكييف، بل يجب تسليم ذلك على ما ورد وجاء به القرآن، والجواب الآخر أنه يفعل معنى يسميه مجيئاً وإتياناً، فيقال: جاء الله، بمعنى أنه فعل فعلاً كأنه جائياً ، كما يقال: أحسن الله وأنعم وتفضل، على معنى أنه فعل فعلاً استوجب به هذه الأسماء، ويمكن أن يكون أراد بذلك إتيان أمره وحكمه والأهوال الشديدة التي توعدهم بها وحذرهم من نزولها، ويكون ذلك نظيراً لقوله عز وجل: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا[الحشر: 2]، ولا خلاف في أن معنى هذه الآية: أنها أمره وحكمه إياهم ، وعقوبته ونكاله، وكذلك قوله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ[النحل: 26].
فهذه ثلاثة أقوال في معنى المجيء والإتيان: أحدهما: التسليم بهاتين الصفتين بشرط نفي ما يدل على قيام الحوادث بالله بحيث تكون بغير زوال ولا انتقال.
والثاني: جعلهما من صفات الفعل المنفصلة عن الله لا تقوم به مثل خلقه الخلق وإحسانه إليهم، وهذا يوافق ما نسب إليه من قوله عن الاستواء: إنه فعل فعله الله في العرش سماه استواء، وقد سبقت الإشارة إليه، والثالث: التأويل كما هو مذهب متأخري الأشعرية.
5ـ والباقلاني ممن يقول بالأحوال، ولكنه يخالف أبا هاشم الجبائي المعتزلي - أول من قال بالحال - في قوله: إن الحال لا موجودة, ولا معدومة, ولا معلومة, ولا مجهولة، بل يرى أنها معلومة، ويرد ردوداً طويلة على الجبائي، ويقول بعد تقريره أن الحال لابد أن تكون معلومة: "وإن كانت هذه الحال معلومة، وجب أن تكون إما موجودة أو معدومة، فإن كانت معدومة استحال أن توجب حكماً, وأن تتعلق بزيد دون عمرو، وبالقديم دون المحدث، وإن كانت موجودة وجب أن تكون شيئاً وصفة متعلقة بالعالم، وهذا قولنا الذي نذهب إليه إنما يحصل الخلاف في العبارة وفي تسمية هذا الشيء علماً أو حالاً، وليس هذا بخلاف في المعنى فوجب صحة ما نذهب إليه في إثبات الصفات" ، وقد عرف الشهرستاني الحال عند القاضي بأنها: " كل صفة لموجود لا تتصف بالوجود فهي حال، سواء كان المعنى الموجب مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ككون الحي حياً, وعالماً, وقادراً, وكون المتحرك متحركاً, والساكن ساكناً, والأسود والأبيض إلى غير ذلك ".
والباقلاني بذلك يعتبر من أوائل من قال بالحال من الأشاعرة، ومن المعلوم أن أبا الحسن الأشعري ممن ينكر الأحوال، والباقلاني يثبت الصفات ويقول بالأحوال إلا أنه يخص الأحوال بالأمور التي تتصف بالوجود كالعرضية, واللونية, والاجتماع, والافتراق, والقادرية, والعالمية, وغيرها مما به تتفق المتماثلات، وتختلف المختلفات، على أنه قد ذكر رجوعه عن القول بها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:10

6ـ أما رأيه في القدر فهو لا يختلف عن رأي الأشاعرة فهو يثبت القدر من الله تعالى وأن الله خالق كل شيء، كما أنه يقول بالموافاة وأن الله رضي في الأزل عمن علم أنه يموت مؤمناً وإن عاش أكثر عمره كافراً، وسخط في الأزل عمن علم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً ، وهذا بناء على أنه ينفي حلول الحوادث بذات الله تعالى، أما الاستطاعة والقدرة فلا تكون إلا مع الفعل، لكن الباقلاني خالف شيخه الأشعري بأن قال: إن قدرة العبد مؤثرة، يقول: "فإن قالوا: إن قلتم إن القادر منا على الفعل لا يقدر عليه إلا في حال حدوثه، ولا يقدر على تركه وفعل ضده، لزمكم أن يكون في حكم المطبوع المضطر إلى الفعل، قيل لهم: لا يجب ما قلتم لأنه ليس ها هنا مطبوع على كون شيء أو تولد عنه، أما المضطر إلى الشيء فهو المكره المحمول على الشيء الذي يوجد به، شاء أم أبى، والقدر على الفعل يؤثره ويهواه ولا يستنزل عنه برغبة ولا رهبة, فلم يجز أن يكون مضطراً مع كونه مؤثراً مختاراً..." ، وهذا يوافق ما ذكره عنه الشهرستاني، كما أنه ينفي تعليل أفعال الله كقول الأشاعرة ، ويقول بالكسب ، كما أنه يقول بإنكار الضرورة بين العلة والمعلول، ويرى إنكار السببية، وربط الأمر كله بالله، فالإحراق لا يكون بالنار وإنما يقع عندها لا بها، وهذا مبدأ السببية الذي اشتهر إنكاره عند الأشاعرة.
7ـ يثبت الرؤية بالنصوص الواردة، والله يرى لأنه موجود، ولكنه مع أنه يقول بالعلو والاستواء إلا أنه يلمح إلى أن الله تعالى يرى وليس حالاً في مكان, أو مقابلاً أو خلفاً، أو عن يمين, أو عن شمال، وهذه عبارات استخدمها نفاة العلو ممن يقول بالرؤية.
8 ـ أما الإيمان فهو عنده التصديق بالله تعالى، وهو العلم. والتصديق يوجد بالقلب، ويستدل لذلك بإجماع أهل اللغة قاطبة، وبأن الإيمان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو التصديق، كما يستدل بقوله تعالى: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [يوسف: 17] وبقولهم: فلان يؤمن بالشفاعة أي يصدق ، ويرى أن "ما يوجد من اللسان وهو الإقرار، وما يوجد من الجوارح وهو العمل، فإنما ذلك عبارة في القلب ودليل عليه".
ولا ينكر الباقلاني أن يطلق القول على الإيمان بأنه عقد بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان، ويفسر ذلك بأن المقصود به الإيمان الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ، كما أنه لا ينكر أن يطلق على الإيمان أنه يزيد وينقص على أن يرجع ذلك إما إلى القول والعمل دون التصديق، أو إلى الثواب والجزاء والمدح والثناء دون التصديق الذي إذا انخرم منه شيء بطل الإيمان.
9ـ أما الإمامة فيذهب فيها إلى ما يذهب إليه السلف، وله في (التمهيد) بحوث طويلة في الدفاع عن الصحابة، وخاصة عثمان وعلياً رضي الله عنهما، كما أنه يثبت إمامة الخلفاء الأربعة على الترتيب، ويرد على الرافضة ودعاواهم الباطلة.
10ـ ومن الأمور التي ركز عليها الباقلاني مسألة المعجزات، والفرق بينها وبين الكرامات والسحر، وقد فصل رأيه في ذلك في كتابه المتعلق بهذا الموضوع.
ويمكن تلخيص رأيه فيها بما يلي:
أـ أن الدلالة على صدق الرسول لا تتم إلا بالمعجزة، "فمتى أهله الله لهذه المنزلة, وأحلّه في هذه الرتبة, وألزم الأمم العلم بنبوته, والتصديق بخبره، لم يكن بد له من آية تظهر على يده ما يفصل بها المكلفون لصدقه بينه وبين الكاذب المتنبئ، وإلا لم يكن لهم إلا فعل العلم بما كلفوه من صدقه وتعظيمه، والقطع على ثبوت نبوته وطهارة سريرته سبيل... وقد اتفق على أنه لا دليل يفصل بين الصادق والكاذب في إدعاء الرسالة إلا الآيات المعجزة "، ومعنى هذا إن الدلائل الأخرى العديدة للنبوات - غير المعجز الخارق للعادة - لا يثبت بها صدق الأنبياء.
ب ـ والمعجز لا يكون معجزاً "حتى يكون مما ينفرد الله عز وجل بالقدرة عليه ولا يصح دخوله تحت قدر الخلق من الملائكة والبشر والجن، ولابد أن يكون ذلك من حقه وشرطه " ، ويعرض الباقلاني للرأي الآخر لبعض أصحابه الأشاعرة وجمهور القدرية وهو جواز أن يكون المعجز مما ينفرد الله بالقدرة عليه، كما يجوز أن يكون مما يدخل جنسه تحت قدر العباد، ومثال الأول: اختراع الأجسام, وإبداع الجوارح, والأسماع, والأبصار، ورفع العمى، والزمانة وغيرهما من العاهات. والضرب الآخر: شيء يقع مثله وما هو من جنسه تحت قدرة العباد، غير أنه يقع من الله على وجه يتعذر على العباد مثله، وذلك نحو تفريق أجزاء الجبال الصم، ورفعها إلى السماء، وتغييض ماء البحار، وحنين الجذع، ونظم القرآن... ، ويرى الباقلاني أن هذا القول ليس ببعيد ، لكنه يقيد ذلك بأن يمنعوا, وأن يرفع عنهم القدرة على فعل مثل ذلك الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويمثل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لو قال: "آيتي وحجتي أنني أقوم من مكاني وأحرك يدي، وأنكم لا تستطيعون مثل ذلك، فإذا منعوا من فعل مثل ما فعله، كانت الآية له خرق العادة بخلق المنع لهم من القيام وتحريك الجوارح ورفع قدرهم على ذلك مع كونه معتاداً من أفعالهم".
جـ ـ أما شروط المعجزة عنده فهي :
1ـ أن تكون مما ينفرد الله بالقدرة عليه.
2ـ أن يكون ذلك الذي يظهر على أيديهم خارقاً للعادة.
3ـ أن يكون غير النبي صلى الله عليه وسلم ( ممنوعاً من إظهار ذلك على يده).
4ـ أن يقع عند تحدي النبي صلى الله عليه وسلم وادعائه النبوة وأن ذلك آية له.
د ـ ولكن كيف يفرق بين المعجزة وبين حيل المشعوذين وأصحاب الخوارق الشيطانية؟ يجيب الباقلاني بما أجاب به سابقاً، من أن معجزات الرسل لا يصح أن يقدر عليها إلا الله تعالى مثل إحياء الموتى, واختراع الأجسام.
وكذلك بالنسبة لما يأتي به الساحر، ولكنه يقول: "إن الساحر إذا احتج بالسحر وادعى به النبوة أبطله الله تعالى عليه بوجهين: أحدهما: أنه إذا علم ذلك في حال الساحر, وأنه سيدعي به النبوة أنساه عمل السحر جملة. والثاني: أن يجند خلق من السحرة يفعلون مثل فعله, ويعارضونه بأدق مما أورده, فينتقض بذلك ما ادعاه، أما الفرق بين المعجزة والكرامة فليس موجوداً في المطبوعة الناقصة من البيان، ولكن الباقلاني، ذكر ذلك في رسالته لأحد العلماء، وذكر فيها أن الفرق هو أن الأمر الخارق للنبي صلى الله عليه وسلم مقرون بالتحدي والاحتجاج، وأن صاحب الكرامة لا يدعي النبوة بكرامته, ولو علم الله أنه يدعي بها النبوة لما أجراها على يديه".
دور الباقلاني في تطور المذهب الأشعري:
يعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري؛ والباقلاني تلميذ لتلامذة الأشعري فهو قريب العهد به، وعلى الرغم من أن تلامذة الأشعري كانوا أقوياء وذوي تأثير واسع إلا أن أحداً منهم لم يبلغ ما وصل إليه الباقلاني، ولعل الفترة التي عاشها الأشعري وتلامذته كان السائد فيها المذهب الكلابي، فكان المذهبان متداخلين، والأشعري وغيره من معاصريه كانوا تلامذة لابن كلاب، وتلامذة هؤلاء لم يتميزوا كأشاعرة وإنما كانوا كلابية, لأن تتلمذهم لم يكن مقتصراً على الأشعري، وإنما كان عليه وعلى غيره من الكلابية، وهذا حسب الأغلب فقط.
فلما جاء الباقلاني جرد نفسه لنصرة أبي الحسن الأشعري ومذهبه، والعمل على دعمه بأوجه جديدة من الحجاج والمناظرات، وقد تمثل ذلك بعدة طرق أهمها:
1ـ أن الباقلاني ربط اسمه بالأشعري، فصار علماً عليه يذكر في نسبه فيقال: أبو بكر بن الطيب الباقلاني الأشعري ، وهذا موجود في الكتب التي ترجمت له، وفي صور عناوين مخطوطات كتبه، ولحماسته في الانتساب إلى الأشعري ونصرة مذهبه عده الأشاعرة المجدد على رأس المئة الرابعة بعد الأشعري الذي يعتبرونه مجدد المئة الثالثة.
2ـ مع انتسابه إلى الأشعري وطد علاقته بالحنابلة، تبعاً لأبي الحسن الأشعري الذي أعلن في (الإبانة) رجوعه إلى قول الإمام أحمد، وقد وصل الأمر بالباقلاني إلى أنه كان يكتب أحياناً في أجوبته: محمد بن الطيب الحنبلي، كما كان يكتب: الأشعري؛ لأن الأشعري وأصحابه كانوا منتسبين إلى الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة.
وكانت علاقة الباقلاني بالتميميين الحنابلة قوية، ويذكر ابن عساكر وغيره نماذج لهذه العلاقات الوطيدة بينهم، وقد استفاد الباقلاني من ذلك سمعة طيبة عند الحنابلة مع أنه أشعري جلد، كما أن بعض الحنابلة كالتميميين مالوا إلى بعض أقوال الأشاعرة، ولا شك أن علاقتهم بالباقلاني صاحب البلاغة والفصاحة والحجج المنطقية كان لها تأثير في ذلك.
3ـ حرص الباقلاني على مناقشة المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، ومناظرتهم مناظرة علنية أمام السلاطين، ولذلك لما جاء خطاب عضد الدولة يدعوه إلى مجلسه في شيراز قال شيخ الباقلاني أبو الحسن الباهلي - وفي رواية أبو بكر بن مجاهد - وبعض أصحابه: هؤلاء قوم كفرة، فسقة، لأن الديلم كانوا روافض، لا يحل لنا أن نطأ بساطهم وليس غرض الملك من هذا إلا أن يقال: إن مجلسه مشتمل على أصحاب المحابر كلهم، ولو كان خالصاً لله لنهضت، قال القاضي ( الباقلاني) : فقلت لهم: كذا قال ابن كلاب، والمحاسبي، ومن في عصرهم: إن المأمون فاسق، لا يحضر مجلسه، حتى ساق أحمد بن حنبل إلى طرسوس، وجرى عليه بعده ما عرف، ولو ناظروه لكفوه عن هذا الأمر، وتبين لهم ما هم عليه من الحجة، وأنت أيضاً أيها الشيخ تسلك سبيلهم حتى يجري على الفقهاء ما جرى على أحمد، ويقولون بخلق القرآن، ونفي الرؤية، وها أنا خارج إن لم تخرج، فقال الشيخ: إذا شرح الله صدرك لهذا فاخرج، فخرجت مع الرسول إلى شيراز ، وكان من نتيجة ذلك تلك المناظرات مع المعتزلة في مجلس عضد الدولة، ولما انتصر عليهم قربه الملك وأمره أن يعلم ولده، فألف له (التمهيد) ، كما أن عضد الدولة أرسله إلى ملك الروم وجرت له مناظرات عديدة مع النصارى اشتهرت حكاياتها عند الناس.
فالباقلاني حين عزم على مناقشة المعتزلة، ومناظراتهم كان ذلك بناء على منهج اختطه لنفسه، ورأى أنه وسيلة لازمة لمقاومة مخالفيه من أهل البدع، ولذلك نعى على شيوخه كابن كلاب والمحاسبي حين تركوا المأمون ومن معه من أهل الاعتزال يفرضون على الناس مقالتهم الاعتزالية، وحين يضرب الباقلاني المثل بهذين كان يقصد أن تمكنهما من علم الكلام يعطيهما قدرة على مناقشة المعتزلة أصحاب الكلام والجدل العقلي, فهو يرى أن الواجب عليهما أكبر من غيرهما.
4ـ كان للباقلاني دور واضح في تطوير المذهب الأشعري، ويكاد يجمع جميع الباحثين على أن له دوراً في ذلك، يقول ابن خلدون: "وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري، واقتفى طريقته من بعده تلميذه، كابن مجاهد وغيره، وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني، فتصدر للإمامة في طريقتهم، وهذبها، ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد، والخلاء، وإن العرض لا يقوم بالعرض، وأنه لا يبقى زمانين، وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم، وجعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها، وأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول" ثم يعقب ابن خلدون مشيراً إلى الظروف التاريخية للقول بهذه الأمور، فيقول: "وجملت هذه الطريقة, وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية، إلا أن صور الأدلة فيها جاءت بعض الأحيان على غير الوجه القناعي لسذاجة القوم، ولأن صناعة المنطق التي تسير بها الأدلة وتعتبر بها الأقيسة لم تكن حينئذ ظاهرة في الملة، ولو ظهر منها بعض الشيء، لم يأخذ به المتكلمون لملابستها للعلوم الفلسفية المباينة لعقائد الشرع بالجملة, فكانت مهجورة عندهم لذلك" ، ويرى الدكتور إبراهيم مدكور أنه يعتبر: "الخليفة للأشعري، وأنه تأثر بالمعتزلة، فاعتنق نظرية الجوهر الفرد كما اعتنقها الأشعري، ودعمها وعمقها، وقال بفكرة الأحوال، وحاول أن يسوي بين الحال والصفة، ولا شك في أنه يعد أول من ثبت دعائم المذهب الأشعري، وأضاف إليه أسساً عقلية، وإن قال بمبدأ له خطره وهو: إن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول".
ويشير محققا (التمهيد) - أبو ريدة ومحمود الخضيري - إلى جوانب من دور الباقلاني في تطوير مذهب الأشاعرة، فيقولان: "أما القيمة الكبرى لعمل الباقلاني فهي.. كانت في التنهيج وفي بناء مذهب الأشاعرة الكلامي والاعتقادي بناء منظماً لا من حيث الطريقة المنطقية الجدل فحسب، بل من حيث وضع المقدمات التي تبنى عليها الأدلة، ومن حيث ترتيب هذه المقدمات بعضها بعد بعض على نحو يدل على امتلاك ناصية الجدل وعلى طول اعتبار في أصول الاستدلال" ، ثم يذكران قول ابن خلدون، وقبل ذلك ذكرا أن الباقلاني لم يكن "مجرد مواصل لحمل تراث الأشاعرة المتقدمين عليه، بل قد تم على يديه توضيح بعض النقط، وتحديد بعض المفهومات، مما أدى إلى تعديل مذهب الأشعري من بعض الوجوه وإلى تقريبه من رأي المعتزلة، وهذا ما لم يغفله بعض العلماء المتقدمين" ، ثم ذكرا نماذج لتعليقات الغزالي والشهرستاني على مخالفة الباقلاني لشيخ الأشاعرة في مسائل: صفة البقاء، والحال، وتأثير القدرة الحادثة، وقد سبق ذكر ذلك عند شرح عقيدة الباقلاني وأقواله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:12

ويذكر أحمد صبحي أن الأشعري كان يعتمد على النقل كثيراً، لكن أتباعه عدلوا " ابتداء من الباقلاني عن الاستشهاد بدليل النقل إلا فيما ندر، مغلبين أدلة العقل.. وجاء الباقلاني ليختط منهجاً مغايراً لمنهج الأشعري دفاعاً عن المذهب، إذ وضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة كالحديث عن العلم وأقسامه، وعن الموجود قديمه وحديثه، وعن الجوهر والعرض والجسم".
وهذا ما سار عليه الأشاعرة من بعده، وواضح أن الباقلاني يستشهد بالأدلة النقلية في كتبه ولكن مناقشاته العقلية تطغى عليه كثيراً، حتى وهو يعرض أن يستشهد بالنصوص.
ويرى بروكلمان أن الباقلاني أتى بآراء جديدة أخذها عن الفلسفة اليونانية، أما مكارثي فيرى أنه يتصف ببعض الأصالة في مناقشته للبيان والمعجز، وأنه عمل كثيراً على نشر المذهب الأشعري، كما يرى فتح الله خليف أنه أدخل بعض التعديلات على مذهب الأشعري.
والمسألة التي اشتهر بها الباقلاني وهي أن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول لم نجد لها نصاً صريحاً فيما وصل من كتب الباقلاني، ولكن ابن خلدون ذكرها، ثم تناقلها عنه الباحثون، وقد حاول النشار، وتبعه محمد عبد الستار نصار أن يوجدا ما يدعم هذا القول في بعض مقدمات (التمهيد)، والذي يترجح أنها بنيت على قوله بوجوب المعجزات لثبوت نبوة الأنبياء, لأن بطلان المعجزة يؤدي إلى بطلان نبوة الأنبياء، أو أنها بنيت على قوله بالجوهر الفرد, وأن بطلانه يؤدي إلى بطلان دليل حدوث الأجسام.
ويتضح من خلال عرض عقيدة وأقوال الباقلاني، وأقوال الباحثين في ذلك أن الباقلاني قد طور المذهب الأشعري من خلال:
1ـ الميل في المناقشات إلى العقل، وضعف الاعتماد على النقل، وإن كان الأمر لم يصل إلى إهماله.
2ـ وضع المقدمات العقلية لمباحث العقيدة وعلم الكلام، مثل مباحث الجوهر والعرض، وأقسام العلوم، والاستدلال، والكلام عن الموجودات وأنواعها.
3ـ الميل إلى بعض أقوال المعتزلة وخاصة في بعض الصفات، وإذا كان الأشعري أخذ يبعد عن الاعتزال في آخر كتبه، فالباقلاني أعاد المنهج الأشعري ليقرب من أهل الكلام.
4ـ تقعيد بعض القواعد الكلامية، التي أصبحت فيما بعد أصول الأشاعرة, مثل القول بالجوهر الفرد، وأن العرض لا يبقى زمانين، وأنه لا يقول بالعرض.
5 ـ التركيز على مبدأ إنكار العلة والسببية التي جعلها الله في الأشياء. كذلك القول في مسألة المعجزات والفرق بينها وبين السحر والكرامات والحيل.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book

ابن فورك: ت 406 هـ:

هو محمد بن الحسن بن فورك، أبو بكر الأنصاري، الأصبهاني، ولا يعرف تاريخ ولادته، لكن المعروف عنه أنه أقام أولاً بالعراق, ودرس بها مذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي - تلميذ أبي الحسن الأشعري، ثم ذهب إلى الري فسعت به الكرامية، ثم راسله أهل نيسابور فبنيت له فيها دار ومدرسة، وصار يدرس فيها وتخرج عليه جمهرة كبيرة من الفقهاء، وقد ذكر قصة له في سبب اشتغاله بعلم الكلام.
وفي آواخر عمره أنهي إلى السلطان محمود بن سبكتكين أنه يعتقد أن نبينا محمداً ليس نبياً اليوم، وأن رسالته انقطعت بموته، وقد امتحن وجرت له مناظرات مع محمود بن سبكتكين، وممن نسب إليه هذا القول ابن حزم حيث قال في الفصل: " حدثت فرقة مبتدعة تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (ليس هو الآن رسول الله) ولكنه كان رسول الله، وهذا قول ذهب إليه الأشعرية، وأخبرني سليمان بن خلف الباجي - وهو من مقدميهم اليوم - أن محمد بن الحسن ابن فورك الأصبهاني على هذه المسألة قتله بالسم محمود بن سبكتكين، صاحب ما دون وراء النهر من خراسان - رحمه الله-" ، ثم ذكر ابن حزم السبب الذي أدى إلى هذه المقالة ، وقد نفى السبكي بشدة نسبة هذه المقالة وشنع على ابن حزم والذهبي بسببها، وقال إن ابن فورك لما سأله ابن سبكتكين كذب الناقل، وإن السلطان عندما وضح له الأمر أمر بإعزازه وإكرامه، فلما أيست الكرامية دست له السم ، وقول ابن حزم سبق نقله قريباً وقد نسبه إلى الباجي، أما الذهبي فقال: "ونقل أبو الوليد الباجي أن السلطان محموداً سأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله، وأما اليوم فلا، فأمر بقتله بالسم" ، وهذه المسألة من المسائل التي كانت سبباً في محنة الأشعرية زمن القشيري والجويني، وقد رد القشيري نسبتها إلى الأشعرية وبين بطلان نسبتها إليهم.
والذي يظهر أنه قد وقعت بين ابن فورك وابن سبكتكين مناظرات في موضوعات متعددة, ولذلك ذكر ابن رجب مناظرة بينهما حول العلو، فروى في أثناء ترجمته لأبي الحسن العكبري أنه قال: "سمعت أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فتناظرا، قال ابن فورك لمحمود، لا يجوز أن تصف الله بالفوقية، لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية، لأنه من جاز أن يكون له فوق جاز أن يكون له تحت. فقال محمود: ليس أنا وصفته بالفوقية، فتلزمني أن أصفه بالتحتية، وإنما هو وصف نفسه بذلك، قال: فبهت".
ومن أبرز شيوخ ابن فورك إضافة إلى أبي الحسن الباهلي: عبد الله بن جعفر الأصبهاني الذي سمع منه مسند أبي داود الطيالسي، وابن خرزاد الأهوازي.
منهج ابن فورك ودوره في تطور المذهب الأشعري:
 يعتبر ابن فورك من المعاصرين للباقلاني المتوفى سنة 403هـ، وكلاهما تتلمذ على يد أبي الحسن الباهلي، تلميذ أبي الحسن الأشعري، ولكن شيوخ الباقلاني في مسائل الكلام أكثر، كما أن عناية ابن فورك بالحديث أكثر، ويكفي أن أحد تلامذته الإمام البيهقي.
وإذا كان قد مضى تفصيل مذهب وأقوال الباقلاني، فسيقتصر البحث هنا في عقيدة ومنهج ابن فورك على عرض مقارنة بينه وبين الباقلاني، إذ هما يمثلان مرحلة واحدة في مسيرة مذهب الأشاعرة.
فمن المسائل التي يوافق فيها ابن فورك الباقلاني:
1ـ الاستدلال بدليل حدوث الأجسام المسمى دليل الأعراض، وهو دليل المتكلمين المشهور، وقد أشار إليه ابن فورك عرضاً في كتابه (مشكل الحديث) فقال: "إن الخلق عرفوا الله سبحانه وتعالى بدلالاته المنصوبة، وآياته التي ركبها في الصور، وهي الأعراض الدالة على حدوث الأجسام، واقتضائها محدثاً لها من حيث كانا محدثين".
2ـ نفي الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، وهي المسألة المسماة بحلول الحوادث، وقد جاءت الإشارة إلى هذه المسألة عند ابن فورك في عدة مواضع.
3ـ يثبت ابن فورك من الصفات الخبرية: الوجه ، واليدين ، والعين ، ويمنع من تأويلها، وينفي عنها أن تكون جارحة أو دالة على تجسيم أو أجزاء، وهذا ما يقوله الباقلاني - إلا أننا نرى ابن فورك يتأول ما عدا هذه الصفات الخبرية، فيتأول ما ورد من اليد، ويمين الرحمن، والكف، والقبضة، والقدم، والأصابع، والساق، ولم يجعلها مع اليدين والوجه والعين نسقاً واحداً في الإثبات مع عدم التمثيل، بل أوّل هذه ومنع تأويل تلك، وكأن ابن فورك شعر بالتناقض هنا فأورد سؤالاً وأجاب عليه حيث قال بعد إثباته صفة الوجه لله تعالى، ورده على المعتزلة الذين يتأولونه بأن معناه: أنه هو، وإن وجه الشيء قد يكون نفسه - قال: "فإن قال قائل: فإنه لا يعقل وجه، الجارحة أو بعض، أو نفس الشيء؟ قيل: في هذا جوابان: أحدهما: أنه إثبات وجه بخلاف معقول الشاهد، كما أن إثبات من أضيف إليه الوجه إثبات موجود بخلاف معقول الشاهد، والثاني: أن الوجه على الحقيقة لا يكون نفس الشيء، لما بينا أن ذلك لا يوجد في اللغة حقيقة أيضاً، وأما إطلاق البعض على الوجه الذي هو جارحة فتوسع عندنا، وإن كان حقيقة أيضاً... واعلم أن أحد أصولنا في هذا الباب أنه كلما أطلق على الله عز وجل من هذه الأوصاف والأسماء التي قد تجري على الجوارح فينا، فإنما يجري ذلك في وصفه على طريق الصفة، إذا لم يكن وجه آخر يحمل عليه، مما يسوغ فيه التأويل، وذلك لصحة قيام الصفة بذاته، فإن قيامها مما لا يقتضي انتقاض توحيده وخروجه عما يستحقه من القدم والإلهية، فأما وصفه بذلك على الحد الذي يتوهمه المشبهة الممثلة لربها بالخلق في إثبات الجوارح والآلات، فخلاف الدين والتوحيد، وحملها على ما ذهبت إليه المعتزلة فيه إبطال فائدتها، وإخراجها عن كونها معقولة مفيدة على وجه الحق..." ، ثم يورد سؤالاً آخر فيقول: "فإن قيل: فلم لا تقولون على هذا الوصف:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:13

"قدم" صفة و"صورة" صفة، لأن الإضافة قد حصلت في الخبر إليه على هذا الوجه؟ فقيل: "على صورته" وقيل: "قدمه" ؟ قيل: إنما لم يحمل ذلك على الصفة لامتناع المعنى فيه، وإن الصفة ليست مما يوصف بالوضع في الأماكن، وقد وجدنا لذلك تأويلاً صحيحاً قريباً، يمنع هذه الشبهة، وهو ما ذكرنا قبل أن قدم المتجبر على الله عز وجل، يضعها على النار على استحقاق العقوبة على عتوه على الله.. و إنما حملنا ما أطلق من ذكر الوجه, واليدين, والعين, على الصفة من حيث لم يوجد في واحد منها ما يستحيل ويمتنع، وليس كل ما أضيف إليه فهو عن طريق الصفة، بل ذلك ينقسم على أقسام: منها بمعنى الملك، ومنها بمعنى الفعل، ومنها بمعنى الصفة، وإنما يكشف الدليل، ويميز القرائن مواقعها على حسب ما بينا ورتبنا، فاعلمه إن شاء الله"، وواضح من منهجه هذا أن الصفة إذا كان لها وجه آخر تحمل عليه وجب حملها، بحيث لا تكون صفة لله تعالى، ومن تأمل تأويلاته لبعض الصفات الخبرية لا يجد بينها وبين تأويلات مخالفي ابن فورك لصفة اليدين والوجه والعين كبير فرق.
4ـ يؤول ابن فورك صفات النزول، والإتيان، والمجيء، والضحك، والعجب، والغضب، والفرح، وغيرها، وهذا ما نجده مماثلاً له عند الباقلاني، وهذا كله بناءً على أصلهما الذي هو أصل الأشاعرة وهو نفي ما يقوم بالله من الصفات الاختيارية.
5ـ يثبت صفة الكلام على مذهب الأشاعرة، ويشرح بعض الأمور المتعلقة به، فيقول: "فأما كلام الله الذي هو صفة من صفات ذاته، غير بائن منه: فكلام واحد، شيء واحد، يفهم منه ويسمع مالا يحصى ولا يعد من الفوائد والمعاني، ونظير ذلك ما نقول: إن علمه واحد، ولكنه يحيط بمعلومات لا تتناهى، والذي تقع عليه الكثرة والقلة من المعلومات دون العلم..."، وما نسمعه من كلام الله هو عبارة عنه، وكلام الله ليس بحرف ولا صوت، يقول: "اعلم أن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت عندنا، وإنما العبارات عنه تارة تكون بالصوت والعبارات هي الدالة عليه، وأمارات له تظهر للخلق، ويسمعون عنها كلام الله فيفهمون المراد، فيكون ما سمع موسى عليه السلام من الأصوات مما سمع يسمى كلام الله عز وجل، ويكون ذلك في نفسه غير الكلام، ويحتمل أن يكون معناه: أن يسمي العبارة كلام الله، كما يسمي الدلالة على الشيء باسمه، وكما يسمي الواقع عن القدرة قدرة، والكائن عن الرحمة رحمة" ، ويقول في موضع آخر "وقد بينا فيما قبل أن معنى ذلك راجع إلى العبارات والدلالات، التي هي الطريق إلى الكلام وبها يفهم مراده منه، لا أنه تعالى قوله إذا تكلم الله بالوحي، أنه يتجدد له كلام، ولكنه يتجدد إسماع وإفهام بخلق عبارات ونصب دلالات، بها يفهم الكلام، ثم يقال على طريق السعة والمجاز لهذه العبارات كلام من حيث أنها دلالات عليه... واعلم أنه لا يصح على أصلنا في قولنا: إن كلام الله غير مخلوق ولا حادث بوجه أن يقول: إن الله يتكلم كلاماً بعد كلام، لأن ذلك يوجب حدوث الكلام، وإنما يتجدد الإسماع والإفهام، ونصب العبارات, وإقامة الدلالات على الكلام الذي لم يزل موجوداً, وحدوث الدلالة والعبارة لا يقتضي حدوث المدلول المعبر عنه، كما أن حدوث الذكر والدعاء لا يقتضي حدوث المذكور والمدعو".
هذه بعض المسائل التي اتفق فيها الباقلاني وابن فورك، على أن ابن فورك تميز عن الباقلاني بما يلي:
1ـ الاستدلال بالسنة في دقائق مسائل الأسماء والصفات، مع أن له رأياً في أخبار الآحاد, وأنها لا تفيد اليقين والعلم، لكنه يرى جواز ذكرها لإفادتها غلبة الظن، فهي من باب الجائز الممكن، يقول: "وأما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة، وعدالة الرواة، واتصال نقلهم، فإن ذلك - وإن لم يوجب العلم والقطع - فإنه يقتضي غالب ظن, وتجويز حكم، حتى يصح أن يحكم أنه من باب الجائز الممكن، دون المستحيل الممتنع، والسبيل الأمثل فيها تخريجها وتأويلها، وليس إنكارها كما فعلت المعتزلة، ولا اعتقاد التشبيه بها كما فعلت المشبهة".
والمطلع على كتاب ابن فورك في مشكل الحديث يلحظ أمرين عجيبين:
أحدهما: البحث عن أوجه التأويل لكل حديث، والتكلف في ذلك، وهو يعتقد أن هذه مهمة طائفة من أهل الحديث، فقد قسمهم إلى فرقتين: فرقة هم أهل النقلة والرواية، وحصر أسانيدها، وتمييز صحيحها من سقيمها، وفرقة منهم يغلب عليهم تحقيق طرق النظر والمقاييس، والإبانة عن ترتيب الفروع على الأصول ونفي شبه الملبسين عنها، فالفرقة الأولى للدين كالخزنة للملك, والفرقة الأخرى كالحرس الذين يذبون عن خزائن الملك، وواضح أن ابن فورك في كتابه جعل مهمته هدف الفرقة الثانية، ولذلك ذكر فيه ما يراه من مشكل الحديث.
والأمر الآخر: خلطه فيما يورده بين الأحاديث الصحيحة، والضعيفة, والموضوعة، حيث جعلها نسقاً واحداً في الدلالة وضرورة التأويل، وإذا أشار إلى ضعف بعض الروايات لا يكتفي بذلك في ردها وبيان عدم الحاجة إلى بحث ما دلت عليه من الصفة لله تعالى، وإنما يشير إلى ضعفها - إن أشار - بكلمات ثم يجلب بخيله ورجله في تأويلها.
ومن الأمثلة على ذلك - وهي كثيرة - تأويله لرواية ((الحجر الأسود يمين الله في أرضه، يصافح بها من شاء من خلقه)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، فإنه قال - دون أن يتعرض لإسناده، وهل هو مرفوع أو موقوف - : "وقد تأول أهل العلم ذلك على وجهين من التأويل: أحدهما: أن المراد بذلك الحجر أنه من نعم الله على عباده، بأن جعله سبباً يثابون على التقرب إلى الله تعالى بمصافحته، فيؤجرون على ذلك، وقد بينا أن العرب تعبر عن النعم باليمين واليد.. وزعم بعضهم: أن هذا تمثيل وأصله أن الملك إذا صافح رجلاً، قبل الرجل يده، فكان الحجر لله تعالى بمنزلة اليمين للملك ليستلم ويلثم، وقد روى في الخبر أن الله عز وجل لما أوجده أخذ الميثاق من بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، جعل ذلك في الحجر الأسود، فلذلك يقال عنده: إيماناً بك ووفاءً بعهدك.
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن يكون قوله (( الحجر يمين الله في أرضه))، إنما إضافة إليه على طريق التعظيم للحجر، وهو فعل من أفعال الله عز وجل سماه يميناً، ونَسَبهُ إلى نفسه, وأمر الناس باستلامه ومصافحته، ليظهر طاعتهم بالائتمار وتقربهم إلى الله عز وجل، فيحصل لهم بذلك البركة والسعادة". ولو أن ابن فورك بين درجته وضعفه - أو ضعف المرفوع منه - ثم بين وضوح دلالته, وأن نص الحديث يدل على أن الحجر ليس يمين الله حقيقة والتي هي صفته القائمة به لأنه قال: "في الأرض"، لما احتاج إلى هذه التأويلات.
وأحياناً يستعين ببعض الروايات الشاذة أو الضعيفة، فمثلاً حين أوّلَ أحاديث النزول بعدة تأويلات قال: "وقد روى لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم, بما يؤيد هذا الباب، وهو بضم الياء من "ينزل" وذكر أنه قد ضبطه عمن سمعه عنه من الثقات الضابطين" ، والروايات المتواترة جاءت بما هو مشهور، فكيف تمسك بهذه الرواية الشاذة، والمجهول رواتها؟ وفي تأويله للإتيان في قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة: 210] ، ذكر رواية عن مجاهد أنه قال: يأتيهم بوعده ووعيده. مع أن المأثور عن مجاهد عكس هذا.
2ـ وابن فورك يؤول الاستواء والعلو، خلافاً للباقلاني الذي يثبتهما، وقد سبق نقل كلامه في ذلك، ولأهمية قول ابن فورك في هذه المسألة في تتبع تطور المذهب الأشعري نعرض لأقواله فيها، يقول عن الاستواء في معرض رده على ابن خزيمة في كتابه (التوحيد): "ثم ذكر صاحب التصنيف باباً ترجمه باستوائه على العرش، وأوهم معنى التمكين والاستقرار، وذلك منه خطأ، لأن استواءه على العرش سبحانه ليس على معنى التمكين والاستقرار، بل هو في معنى العلو بالقهر والتدبير، وارتفاع الدرجة بالصفة على الوجه الذي يقتضي مباينة الخلق" ، وفي موضع آخر حين رد على أحمد بن إسحاق الصبغي - صاحب ابن خزيمة - أحال على تأويله للاستواء فيما سبق - والذي نقلناه قبل قليل - .
أما العلو: فله في تأويله أقوال كثيرة:
أ ـ يقول في حديث الجارية حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أين الله؟ قالت في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip .، يقول ابن فورك: "إن ظاهر اللغة تدل من لفظة أين أنها موضوعة للسؤال عن المكان، ويستخبر بها عن مكان المسؤول عنه بأين.. غير أنهم قد استعملوها عن مكان المسؤول عنه في غير هذا المعنى توسعاً أيضاً تشبيهاً بما وضع له، وذلك أنهم يقولون - عند استعلام منزلة المستعلم عند من يستعمله -: أين منزلة فلان منك، وابن فلان من الأمير، واستعملوه في استعلام الفرق بين الرتبتين بأن يقولوا: أين فلان من فلان، وليس يريدون المكان والمحل من طريق التجاوز في البقاع، بل يريدون الاستفهام عن الرتبة والمنزلة، وكذلك يقولون: لفلان عند فلان مكان ومنزلة، ومكان فلان في قلب فلان حسن، ويريدون بذلك المرتبة والدرجة في التقريب والتبعيد، والإكرام والإهانة، فإذا كان ذلك مشهوراً في اللغة احتمل أن يقال: إن معنى قوله ((أين الله))؟ استعلام لمنزلته وقدره عندها وفي قلبها، وأشارت إلى السماء، ودلت بإشارتها على أنه في السماء عندها على قول القائل - إذا أراد أن يخبر عن رفعة وعلو منزلة - : فلان في السماء، أي هو رفيع الشأن، عظيم المقدار، كذلك قولها في السماء على طريقة الإشارة إليها، تنبيهاً عن محله في قلبها ومعرفتها به وإنما أشارت إلى السماء لأنها كانت خرساء، فدلت بإشارتها على مثل دلالة العبارة، على نحو هذا المعنى، وإذا كان كذلك لم يجز أن يحمل على غيره مما يقتضي الحد والتشبيه والتمكين في المكان والتكييف"، وبعد أن يقرر ابن فورك مذهبه هذا وتأويله - العجيب - لهذا الحديث، يذكر قولاً آخر لبعض الأشاعرة فيقول: "ومن أصحابنا من قال: إن القائل إذا قال: إن الله في السماء، ويريد بذلك أنه فوقها من طريق الصفة، لا من طريق الجهة، على نحو قوله سبحانه أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 17]، لم ينكر ذلك" ، وقد يكون قصد ببعض أصحابه: الباقلاني، الذي صرح بنفي الجهة - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
ب ـ قال في معرض رده على المعتزلة الذين يذهبون إلى أن الله في كل مكان، وبيانه أن المسلمين يطلقون أن الله فوق خلقه، وأن "في" في قوله تعالى: أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ بمعنى "على" غير أنه يعقب قائلاً: "واعلم أنا إذا قلنا: إن الله عز وجل فوق ما خلق، لم يرجع به إلى فوقية المكان، والارتفاع على الأمكنة بالمسافة، والإشراف عليها بالممارسة منها، بل قولنا إنه فوقها يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يراد به أنه قاهر لها، مسؤول عليها، إثباتاً لإحاطة قدرته بها، وشمول قهره لها، وكونها تحت تدبيره، جارية على حسب علمه ومشيئته.
والوجه الثاني: أن يراد أنه فوقها على معنى أنه مباين لها بالصفة والنعت، وأن ما يجوز على المحدثات من العيب, والنقص, والعجز, والآفة, والحاجة، لا يصح شيء من ذلك عليه، ولا يجوز وصفه به، وهذا أيضاً متعارف في اللغة أن يقال: فلان فوق فلان، ويراد بذلك رفعة المرتبة والمنزلة، والله عز وجل فوق خلقه على الوجهين جميعاً".
وإنما يمتنع الوجه الثالث: وهو أن يكون على معنى التحيز في جهة الاختصاص ببقعة دون بقعة، وإذا قلنا: إنه فوق الأشياء على هذا الوجه قلنا أيضاً في تأويل إطلاق القول بأنه فيها على مثل هذا المعنى".
جـ ـ ويقول في رده على ابن خزيمة: "واعلم أنه ليس ينكر قول من قال: إن الله في السماء، لأجل أن لفظ الكتاب قد ورد به وهو قوله: أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16]، ومعنى ذلك: أنه فوق السماء لا على معنى فوقية المتمكن في المكان، لأن ذلك صفة الجسم المحدود المحدث، ولكن بمعنى ما وصف به أنه فوق من طريق الرتبة, والمنزلة, والعظمة, والقدرة، ثم ذكر هذا القائل (ابن خزيمة) في ذلك قوله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10]، وقوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158] وهذا منه غلط، من قبل ( أن ) صعود الكلم الطيب إليه على معنى صعود من سفل إلى علو، لاستحالة ذلك في الكلام لكونه عرضاً لا يبقى، وكذلك العمل الصالح وإنما معنى صعود الكلام إليه قبوله، ووقوعه منه موضع الجزاء والثواب، وقوله: (يرفعه) لا على معنى رفع من مكان إلى مكان، ولكن رفع له على معنى أنه قد تقبل، وأن الكلام إذا اقترن به العمل الصالح قُبلا دون أن ينفرد الكلام من العمل. وأما قوله تعالى في قصة عيسى بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، فمعناه: رفعه إلى الموضع الذي لا يعبد فيه إلا الله، ولا يذكر فيه غيره، لا على معنى أنه ارتفاع إليه كما يرتفع الجسم من سفل إلى جسم في علو، بأن تقرب منه بالمسافة والمساحة".
د ـ ويشير في مواضع أخرى إلى تأويله للعلو والفوقية.
هذا في كتابه الذي وصل إلينا كاملاً، وقد ذكر شيخ الإسلام - نقلاً عن كتابه في أصول الدين - ما يدل على إثبات العلو والاستواء، وأنه قال فيه: "وإن سألت أين هو فجوابنا: أنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك فقال - عز من قائل – أأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك: 16]، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا: إنه في السماء ولم ينكروا لفظ السؤال بأين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت: في السماء: مشيرة بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعتقها فإنها مؤمنة)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها، ومعنى ذلك أنه فوق السماء، لأن في معنى فوق، قال الله تعالى: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ [التوبة: 2] أي فوقها ، وقال عن الاستواء"فإن قال: فعلى ما هو اليوم؟ قيل له: مستو على العرش كما قال سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]".
قال ابن تيمية معلقاً: "فيشبه - والله أعلم - أن يكون اجتهاده مختلفاً في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل ثم حرمه، وحكى إجماع السلف على تحريمه...".
ومما سبق يمكن تلخيص دور ابن فورك في تطور المذهب الأشعري بما يلي:
1ـ العناية بالحديث والاهتمام به، مع البقاء على منهج وطريقة أهل الكلام وتأويلاتهم، وبذلك خف الحاجز الذي كان يفصل بين أهل السنة من أهل الحديث الذين يثبتون ما دلت عليه النصوص، وأهل الكلام الذين كانوا بعيدين عن الاهتمام بعلم الحديث رواية ودراية، وهذا المنهج الذي سلكه ابن فورك هو ما سنجده بشكل أقوى وأوضح عند البيهقي.
2ـ الغلو في التأويل، وكأنه صار هو الأصل، والإثبات هو القليل.
3ـ تأويل صفة الاستواء والعلو، وهذا تطور خطير وكبير في المذهب الأشعري، وإن كان - كغيره من الأشاعرة - قد أثر عنه المنع من تأويلها.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:15

عبد القاهر البغدادي - ت 429هـ
هو عبد بن طاهر بن عبد الله، أبو منصور البغدادي، التميمي ، لم يحدد تاريخ ولادته، لكن المعروف عنه أنه ولد في بغداد ونشأ بها، ثم رحل مع أبيه إلى نيسابور، حيث تتلمذ على يد أبي إسحاق الإسفراييني، وكان من أبرز شيوخه، ومنهم أيضاً، إسماعيل بن نجيد، وأبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو أحمد بن عدي وغيرهم.
وقد مدحه العلماء - خاصة علماء الأشاعرة - كابن عساكر  والرازي والسبكي ، وقال فيه شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني: "كان من أئمة الأصول، وصدور الإسلام، بإجماع أهل الفضل والتحصيل، بديع الترتيب، غريب التأليف والتهذيب، تراه الجلة صدراً مقدماً، وتدعوه الأئمة إماماً مُفخّماً، ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها" ، قال السبكي " قلت: فارق نيسابور بسبب فتنة وقعت بها من التركمان" ، وكان استقراره آخر أمره في إسفراين حيث لم يبق فيها إلا يسيرا، فمات بها سنة 429هـ ودفن بجانب شيخه أبي إسحاق الإسفراييني.
منهج البغدادي ودوره في تطور المذهب الأشعري:
البغدادي أحد أعلام الأشاعرة في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس حيث كانت وفاته سنة 429هـ، وهو يمثل تقريباً مرحلة كل من الباقلاني - ت 403هـ- وابن فورك - ت 406هـ- وإن تأخر عنهما قليلاً، لكنه مثلاً يلتقي مع ابن فورك بكونهما شيخين للبيهقي، كما أنه يذكره في كتابه (أصول الدين) ، ويذكر الباقلاني أيضاً، ويصفه بقوله: "قال قاضينا" ، كما أن البغدادي ذكر أنه أدرك أبا عبد الله بن مجاهد، تلميذ أبي الحسن الأشعري.
والبغدادي يميزه كتبه خاصة "أصول الدين" إنه ينقل أقوال أصحابه من الكلابية والأشعرية، ويذكر الخلاف بينهم إن وجد، لذلك فقد يتبادر إلى الناظر أنه مقلد للأشاعرة، وممن رأى هذا الرأي عبد الرحمن بدوي الذي قال: "لقد كان عبد القاهر البغدادي - بحسب ما لدينا من مؤلفاته - عارضاً لآراء الأشاعرة أكثر من مفكراً أصيلاً، ذا آراء انفرد بها، أو براهين جديدة ساقها" ، وهذا الكلام فيه شيء من الحق لكن البغدادي - كما سيأتي - له ترجيحات خاصة تعتبر بمثابة منعطف في تطور المذهب الأشعري، صحيح أنه في غالب المسائل مقلد لشيوخه، لكن ليس فيها كلها.
والبغدادي لا يخالف من سبقه من الأشاعرة في مسائل العقيدة والكلام، فيرى أن أول الواجبات النظر، وأخبار الآحاد - إذا رواها الثقات - تقبل إذا كانت تحتمل تأويلاً يوافق المعقول، كما أنه يقول بالجزء الذي لا يتجزأ، وهو الجوهر الفرد، ويستدل له، كما يقول بأن الأعراض لا تبقى زمانين، كما أنه يحتج بدليل الأعراض وحدوث الأجسام ويحتج له, ويطيل الكلام حوله، كما أنه ينفي ما يقوم بالله من الصفات الاختيارية، وهي مسألة حلول الحوادث، ولذلك تأوّل صفات المحبة، والرحمة، والغضب، والفرح، والضحك، كما أنه قال بكلام الله الأزلي, وأنه قائم بالله, وأنه أمره, ونهيه, وخبره, ووعده, ووعيده، ويربط ذلك بمسألة حلول الحوادث، لكنه لما ذكر ما وقع من الخلاف بين الكلابية والأشعرية في أزلية الأمر والنهي، ذكر قوليهما دون ترجيح، أما الإيمان فهو عنده الطاعات فرضها ونفلها كما هو قول أهل الحديث والسنة، ويرجح هذا بعد ذكره لأقوال كل من الأشعري وابن كلاب، أما الاستثناء في الإيمان، فقد رتب الخلاف فيه ترتيباً حسناً على الخلاف في حقيقة الإيمان، وبما أنه رجح مذهب أهل الحديث فقد قال: "وكل من وافى ربه على الإيمان فهو مؤمن، ومن وافاه بغير الإيمان الذي أظهره في الدنيا، علم في عاقبته أنه لم يكن قط مؤمناً" ، وهذا الكلام ليس هو قول أهل الحديث الذين يجيزون الاستثناء في الإيمان إذا لم يكن شقا، أما الموافاة فهي من مسائل مذهب الأشاعرة بناءً على قولهم في منع حلول الحوادث، وأن غضب الله أو رضاه أزلي، فالكافر إذا مات على الكفر فهو مغضوب عليه غير مرضي عنه ولو عاش أغلب عمره مؤمناً، وعكسه المؤمن، أما مسألة القدر، فقد قال بالكسب وسار فيه على خطأ شيوخه في ذلك مع التجديد في العرض والاستدلال ، أما ما يتعلق بالمعجزات وشروطها، فأقواله فيها جاءت على وفق ما ذهب إليه الباقلاني.
هذه خلاصة سريعة لبعض رؤوس المسائل التي وافق فيها شيوخه الأشاعرة أما الجوانب البارزة في منهجه، كمعالم على تطور المذهب الأشعري فأهمها:
1ـ مخالفته صراحة لبعض أقوال شيخ الأشاعرة أبي الحسن الأشعري، فهو يعرض الأقوال ومنها قول الأشعري، ثم يرجح قولاً آخر قال به غيره كابن كلاب أو القلانسي، أو غيرهما، ومن ذلك مسألة إيمان المقلد، ومعنى "الإله" ، والوقف على قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] ، ومخالفة البغدادي - في هذه المسائل أو غيرها - للأشعري له أهمية في تصور مدى المتابعة والتقليد لشيخهم في ذلك الزمن القريب من الأشعري، إذ أن الفرق بين وفاتيهما يتجاوز القرن بقليل، وهذه مدة زمنية قليلة نسبياً.
2ـ تبني دليل حدوث الأجسام بقوة، وهو من أدلة المعتزلة، وقد قال به بعض الأشاعرة قبل البغدادي، لكن شيخهم أبا الحسن الأشعري رأى أنه دليل لم تدع إليه الرسل - كما سبق شرح ذلك - فالبغدادي لما عرض هذا الدليل عرضه وكأنه دليل مسلم لا يجوز الاعتراض عليه، بل قال: "وكل قول لا يصح معه الاستدلال على حدوث الأجسام وعلى حدوث الجواهر فهو فاسد" ، وهذا الجزم بالقول بصحة هذا الدليل هو ما نجده إحدى مسلمات مذهب الأشاعرة فيما بعد.
3ـ تأييد القول بتجانس الأجسام كلها، وأن اختلافها في الصورة، وهذا قد قال به بعض المعتزلة، وبنوا عليه نفي صفات الله حين قالوا: إثبات الصفات تجسيم, والأجسام متماثلة.
4ـ أما مسألة الاستواء، فقد سبق بيان أن الباقلاني ومن قبله قالوا بإثباته بلا تأويل، وردوا على من أوّله بالاستيلاء، وأن ابن فورك مال فيه إلى التأويل، أما البغدادي فقد قال بالتأويل، مع أنه رد على المعتزلة الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء وقال: "زعمت المعتزلة أنه بمعنى استولى كقول الشاعر: قد استوى بشر على العراق، أي استولى، وهذا تأويل باطل؛ لأنه يوجب أنه لم يكن مستولياً عليه قبل استوائه عليه" ، ثم عرض أقوال أصحابه الأشاعرة فقال: "واختلف أصحابنا في هذا، فمنهم من قال: إن آية الاستواء من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وهذا قول مالك بن أنس وفقهاء المدينة والأصمعي... ومنهم من قال: إن استواءه على العرش فعل أحدثه في العرش ثم سماه استواء، كما أحدث في بنيان قوم سماه إتياناً، ولم يكن ذلك نزولاً ولا حركة، وهذا قول أبي الحسن الأشعري... ومنهم من قال: إن استواءه على العرش كونه فوق العرش بلا مماسة، وهذا قول القلانسي وعبد الله بن سعيد، ذكره في كتاب (الصفات)" ، وبعد عرضه لهذه الأقوال يرجح فيقول: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب: ثّلّ عرشُ فلان إذا ذهب ملكه... فصح بهذا تأويل العرش على الملك في آية الاستواء على ما بيناه" ، ويقول في موضع آخر حول معنى آية الاستواء: " معناه عندنا على الملك استوى، أي استوى الملك للإله، والعرش هاهنا بمعنى الملك...".
أما مسألة العلو فهو من نفاته، ولذلك بوب لإحدى المسائل بقوله: "المسألة السابعة من الأصل الثالث في إحالة كون الإله في مكان دون مكان " ، ثم ذكر أقوال الكرامية والمعتزلة والحلولية، ثم قال: "ودليلنا على أنه ليس في مكان بمعنى المماسة قيام الدلالة على أنه ليس بجوهر, ولا جسم, ولا ذي حد ونهاية، والمماسة لا تصح إلا من الأجسام والجواهر التي لها حدود" ، ثم ذكر أنه أفرد هذه المسألة في كتاب مفرد ، وفي موضع آخر يذكر أن الله كان ولا مكان وهو الآن على ما كان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:16

فالبغدادي من نفاة العلو ومؤولة الاستواء، وبهذا يتبين أن القول بذلك في المذهب الأشعري جاء قبل الجويني.
5ـ وأبرز تطور جاء على يد البغدادي هو قوله في الصفات الخبرية، وقد سبق ذكر أن الباقلاني وابن فورك ومن قبلهما أثبتوا لله الوجه, واليدين, والعين, ومنعوا من تأويلها، وابن فورك - مثلاً - وإن قال بتأويل بعض الصفات الخبرية، كالقدم, والإصبع, واليمين - كما مر - إلا أن هذه الصفات - صفات الوجه, واليدين, والعين- لم يؤولها ولم يسلك فيها ما سلكه في غيرها,
 بل نص على القول بالإثبات والمنع من التأويل، أما البغدادي فإنه قال: "المسألة الثالثة عشرة من هذا الأصل في تأويل الوجه والعين من صفاته"، ثم ذكر قول المشبهة ثم قال: "وزعم بعض الصفاتية أن الوجه والعين المضافين إلى الله تعالى صفات له، والصحيح عندنا أن وجهه ذاته، وعينه رؤيته للأشياء، وقوله: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 27]، معناه ويبقى ربك، ولذلك قال: ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ ، بالرفع لأنه نعت الوجه، ولو أراد الإضافة لقال ذي الجلال والإكرام، بالخفض..." ، ثم ذكر المسألة الرابعة عشرة في تأويل اليد المضافة إلى الله تعالى، وبعد أن أبطل مذهب المشبهة قال: "وزعم بعض القدرية أن اليد المضافة إليه بمعنى القدرة، وهذا التأويل لا يصح على مذهبه مع قوله: إن الله تعالى قادر بنفسه بلا قدرة، وقد تأول بعض أصحابنا هذا التأويل، وذلك صحيح على المذهب، إذا أثبتنا لله القدرة، وبها خلق كل شيء، ولذلك قال في آدم عليه السلام خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75]، ووجه تخصيصه آدم بذلك أن خلقه بقدرته لا على مثال له سبق، ولا من نطفة، ولا نقل من الأصلاب إلى الأرحام، كما نقل ذريته من الأصلاب إلى الأرحام، وزعم بعض أصحابنا أن يديه صفتان، وزعم القلانسي أنهما صفة واحدة " ، وكلامه هذا يدل على تأويل صريح لهذه الصفات، وقد بنى تأويله هذا على أن الله واحد فقال بعد ذكر بعض الصفات الخبرية ناسياً إثباتها إلى المشبهة: " ودليلنا على أن الله واحد في ذاته، ليس بذي أجزاء وأبعاض أنه قد صح أنه حي، قادر، عالم، مريد فلو كان ذا أجزاء وأبعاض لم يخل أن يكون في كل جزء منه حياة وقدرة وعلم وإرادة، أو تكون هذه الصفات في بعض أجزائه ..." ، ثم قال: "وأما قوله :وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 27]، فمعناه ويبقى ربك... ( ثم ذكر التعليل السابق، ثم قال: "واليد المضافة إلى الله تعالى صفة له خاصة وقدرة له بها فعله" ، كما أنه أوّل القدم والإصبع.
وبهذا يتبين أن البغدادي قال بتأويل الصفات الخبرية في وقت مبكر، وأن الجويني - المولود سنة 419 هـ والمتوفى سنة 478هـ - الذي اشتهر عنه أنه أول من أوّل الصفات الخبرية قد سبق إلى ذلك من جانب بعض أعلام الأشاعرة، مع أن البغدادي يشير في مسألة تأويل اليد بالقدرة إلى أن بعض أصحابهم قد قال به، ولم يحدد القائل، وهذا يدل على أنها مسألة مطروحة عند الأشاعرة في ذلك الوقت.
6ـ ومن المعالم البارزة في منهج البغدادي، مما كان له أثر فيمن أتى بعده: صياغته لمذهب الأشاعرة على أنه مذهب أهل السنة والجماعة، حتى أنه كاد يستقر في أذهان كثير ممن ينتسب إلى الفقه والعلم أن أقوال الأشاعرة تمثل المذهب الصحيح الذي هو مذهب السلف، ومحاولة البغدادي جاءت على النحو التالي:
أـ تأليفه لكتاب في (الملل والنحل)، ثم في الفرق، والأشعري وإن سبقه إلى ذلك في تأليف مقالات الإسلاميين، إلا أن أسلوبه في العرض لم يكن مرتباً بشكل واضح، وحتى ذكره لمذهب أهل الحديث كان مختصراً ، ولما ذكره أشار إلى أنه به يقول وإليه يذهب، أما البغدادي فقد عرض أقوال الفرق بمنهج واضح ومرتب، واعتمد على حديث الافتراق الوارد، وساق بعض رواياته بأسانيده هو، ثم ذكر أنه مروي عن جمع من الصحابة ، ثم حصر أعداد الفرق لتوافق ما في الحديث، فذكر اثنتين وسبعين فرقة، ثم الفرقة الثالثة والسبعين وجعلها فرقة أهل السنة والجماعة على أنهم الفرقة الناجية، الواردة في الحديث.
ولما شرح اعتقاد هذه الطائفة ذكر عقائد الأشعرية مختصرة، وفصلها في كتابه (أصول الدين)، ولما كان هذا الكتاب أول كتاب في الفرق بعد مرحلة الأشعري، وجاء مرتباً على هذه الطريقة، توهم الكثيرون أن ما عرضه من عقائد الفرقة الناجية في كتابه هذا هو عقيدة أهل السنة والجماعة الذي يجب اتباعه.
ب ـ حين ذكر أصناف أهل السنة والجماعة أدخل فيهم مختلف فئات الناس على أنهم على هذا الاعتقاد الأشعري، فذكر أن منهم سالكي طرق الصفاتية من المتكلمين، الذين تبرؤا من التشبيه والتعطيل، كما ذكر أن منهم أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث وأدخل فيهم أصحاب المذاهب الأربعة وأهل الظاهر وغيرهم، كما ذكر أن منهم أهل الأدب والنحو والتصريف واللغة، فذكر أعلامهم، كما ذكر أن منهم علماء القراءات والتفسير، كما ذكر أن منهم الزهاد والصوفية، والمرابطين في الثغور، وعامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة، وبذكر هذه الأصناف كلها، ونسبتها في الاعتقاد إلى مذهب الأشاعرة يكون البغدادي قد ادعى أن انتشار المذهب الأشعري عند هؤلاء دليل على أنه الحق.
جـ ـ ولما كان مذهب الأشاعرة اعتمد على مناهج أهل الكلام، فإن البغدادي حرص على أن ينسب لأعلام الصحابة والسلف أنهم من المتكلمين، فذكر أن منهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأنه ناظر الخوارج، وعبد الله ابن عمر لكلامه في القدرية وبراءته منهم، وعمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وأن له رسالة في الرد على القدرية، وزيد بن علي بن الحسين، والحسن البصري، والزهري، والشعبي، وجعفر الصادق، وأبا حنيفة، والشافعي، وأبا يوسف صاحب أبي حنيفة, ثم ذكر أعلام الكلابية والأشعرية الذين سبقوه أو عاصروه.
بهذا المنهج المتميز الذي لم يكن معهوداً في مؤلفات ذلك العصر - مع حسن العرض والترتيب والتبويب - استطاع البغدادي أن ينشر بين الناس أن المذهب الأشعري هو المذهب الصحيح، وأنه المذهب الذي يتبناه أعلام الإسلام على مختلف تخصصاتهم وميولهم، وعلى ذلك فليس الأشاعرة فرقة من فرق المسلمين، وإنما عقيدتهم هي عقيدة جمهور أهل السنة من المسلمين.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:17

البيهقي: ت 458 هـ
إذا كان الباقلاني، وابن فورك، والبغدادي، يمثلون مرحلة زمنية معينة بالنسبة للمذهب الأشعري - وقد سبق عرض دور كل واحد منهم في تطوره - فإن البيهقي المتوفى سنة 458هـ ، والقشيري المتوفى سنة 465هـ، والجويني المتوفى سنة 478هـ، يمثلون مرحلة تالية، وقد أخذ التطور في هذه المرحلة أبعاداً أخرى:
أ ـ فالبيهقي: مجدد المذهب الشافعي في الفقه، وأحد أعلام المحدثين، كان له دور في ربط المذهب الأشعري بالفقه الشافعي، ثم في دعم الأشاعرة من خلال حرصه على الحديث وروايته، ولبيان أن ذلك لا يخالف منهج الأشاعرة الكلامي.
ب ـ والقشيري أدخل التصوف في منهج وعقائد الأشاعرة.
جـ ـ والجويني خطا خطوات بالمذهب نحو الاعتزال.
والبيهقي هو أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، الخسروجردي، البيهقي  أبو بكر، الإمام، الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام ، ولد سنة 384هـ ، وتتلمذ على يد عدد كبير من الشيوخ، منهم أبو عبد الله الحاكم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابن فورك، وأبو الفتح العمري - شيخه في الفقه - وأبو محمد الجويني، وأبو ذر الهروي، وعبد القاهر البغدادي، وأبو عبد الله الحليمي، وغيرهم، وكان واسع الرحلة كثير الرواية، له التصانيف المتعددة، فكان كما قال الذهبي "ممن بورك له في علمه، وصنف التصانيف النافعة" ، وقال: "تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جوّد تواليفه مثل الإمام أبي بكر" ، وقال فيه إمام الحرمين: "ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه" ، قال الذهبي معلقاً: "قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهباً يجتهد فيه لكان قادراً على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيه الحديث". أما تلاميذه فمنهم ابنه إسماعيل، وحفيده عبيد الله بن محمد بن أحمد، وأبو عبد الله الفراوي، وأبو زكريا بن منده، وغيرهم.
عقيدة البيهقي ومنهجه:
1ـ إذا كان البيهقي من المبرزين في الحديث والفقه فلماذا اهتم بالعقيدة، والتأليف فيها، ثم تأويل النصوص الواردة في الصفات؟ وإذا كان قد ألف في إثبات عذاب القبر، والرؤية، وما يتعلق بالبعث من الشفاعة, والميزان, والحوض، وهذه الأمور مما أنكرته أو أوّلته المعتزلة - والرد عليهم من سمات أهل السنة -، فلماذا حرص على التأليف في الأسماء والصفات واستقصاء جميع ما ورد في ذلك من الألفاظ والروايات وغالبها مما يؤول الأشاعرة؟ لقد ذكر البيهقي في ثنايا كتابه (الأسماء والصفات) إشارة إلى سبب تأليفه إذ قال:- في معرض تأويله الصورة- "ومعنى هذا فيما كتب إليّ الأستاذ أبو منصور محمد بن الحسن ابن أيوب الأصولي - رحمه الله - الذي كان يحثني على تصنيف هذا الكتاب، لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة، ولم يقدر في أيام حياته لاشتغاله بتخريج الأحاديث في الفقهيات على مبسوط أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - الذي أخرجه على ترتيب مختصر أبي إبراهيم المزني - رحمه الله - ولكل أجل كتاب" ، وهذا الذي أوصى البيهقي بتأليف كتاب في الأسماء والصفات هو أحد أعلام الأشاعرة، كان من أخص تلاميذ ابن فورك حتى أنه زوجه من ابنته الكبرى ومما قيل في ترجمته أنه: "الأستاذ الإمام، حجة الدين، صاحب البيان، والحجة والبرهان، واللسان الفصيح، والنظر الصحيح، أنظر من كان في عصره، ومن تقدمه، ومن بعده على مذهب الأشعري، واتفق له أعداد من التصانيف المشهورة المقبولة عند أئمة الأصول مثل تخليص الدلائل، تتلمذ للأستاذ أبي بكر بن فورك في صباه، وتخرج به، ولزم طريقته، وجد واجتهد في فقر وقلة من ذات اليد... وكان أنفذ من الأستاذ وأشجع منه، توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة " ، وعلى هذا فالبيهقي ألف كتابه استجابة لطلب أستاذه خدمة للمذهب الأشعري - الذي كان أحد أعلامه - ولذلك حشاه بالنقول
من أقوالهم وتأويلاتهم إضافة إلى تأويلاته هو، وما أدري ما قصد البيهقي بقوله السابق: "لما في الأحاديث المخرجة فيه من العون على ما كان فيه من نصرة السنة وقمع البدعة" ، هل يقصد بدعة التعطيل، أو بدعة الإثبات ورفض التأويل التي يسمونها تجسيماً أو تشبيهاً؟! الذي يترجح من خلال معرفة حال شيخ الجميع ابن فورك، وتلميذه - أبي منصور الأيوبي - وحال البيهقي في تأويلاته في كتابه هذا أنه قصد قمع بدعة الإثبات التي يزعمون أن فيها تشبيهاً، والله أعلم.
والخلاصة أن البيهقي بهذا المنهج الذي سلكه تحولت معرفته في الحديث وإمامته فيه إلى خدمة أهل التأويل لا إلى خدمة مذهب أهل الحديث والسنة، وهذا من باب العقائد دون الأحكام.
2ـ نقد البيهقي بعض الروايات والأحاديث نقداً لا يتفق مع منهج المحدثين في قبول الروايات أو ردِّها ومن ذلك ما ذكره البيهقي من أن "الصوت" لم يرد في صفة كلام الله عز وجل فقد قال بعد ذكر رواية البخاري: " ثم يناديهم بصوت..": "هذا حديث تفرد به القاسم بن عبد الواحد عن ابن عقيل .. (ثم ذكر أن القاسم وابن عقيل لم يحتج بهما الشيخان، وأن ابن عقيل أيضاً متهم بسوء الحفظ ثم قالSmile ولم يثبت صفة الصوت في كلام الله عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته، وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتاً راجعاً إلى غيره.." ، ثم شرع في ذكر الروايات الدالة على الصوت وتضعيفها، وهذا من مثل البيهقي المحدث كبير لا يحتمل، لأن فيه محاولة لتضعيف الأحاديث الثابتة لأجل أن تسلم الأصول الكلامية والعقلية التي يؤمن بها، وهذا منهج المتكلمين وليس منهج المحدثين، ولهذا كان تعليق الحافظ ابن حجر على كلام البيهقي بعد نقله له أقرب إلى منهج أهل الحديث من منهج البيهقي فقد قال - وهو الذي يميل إلى مذهب الأشاعرة - : "هذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج، ولا يخفى ما فيه، إذ الصوت قد يكون من غير مخارج، كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة ..." ، لكن تمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة  وجب الإيمان به، ثم إما التفويض وإما التأويل ، وهذا بناءً على منهج ابن حجر المخالف لمنهج أهل السنة، لأن منهجهم ليس التفويض أو التأويل، بل الإثبات للنصوص على ما دلت عليه مع نفي التشبيه والتكييف لها، والشاهد من كلام ابن حجر قوله: "وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به" فأين هو من كلام البيهقي الذي حاول تضعيف الروايات الواردة فيه؟.
وقد وقع للبيهقي ما هو شبيه بهذا في مواضع أخرى، مثل حديث ((لا شخص أغير من الله)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، فقد نقل عن الخطابي ترجيحه أن هذه اللفظة مصحفة، ثم قال البيهقي معلقاً: "ولو ثبتت هذه اللفظة لم يكن فيها ما يوجب أن يكون الله سبحانه شخصاً .." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 4 Tip ، ثم فصل القول في تأويلها، وهذه اللفظة رواها مسلم، والبخاري تعليقاً بصيغة الجزم، كما رواها غيرهما، والحري بالبيهقي المحدث أن يرد على الخطابي دعواه أنها مصحفة ويبين ثبوتها، ثم يشرحها، ويبين مذهبه فيها.
ومثله ما ذكره في باب ما ذكر في الأصابع، فإنه نقل كلاماً للخطابي حول حجية السنة إذا عارضها المعقول، كما نقل نفيه ورود الأصابع لا في كتاب ولا سنة، ولم يرد البيهقي على الخطابي في أقواله تلك، بل أورد تأويلاته وتأويلات أبي الحسن الطبري وغيره للأحاديث الواردة في ذلك، وعبارة الخطابي: إنها لم ترد في كتاب ولا سنة, ولا يجوز السكوت عنها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
(( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 5انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» سرحية عربية تسيء للإسلام
» (( موسوعة الأخلاق الإسلامية ))
» موسوعة الشعراء
» موسوعة الاساطير
» بيان للأزهر يدين نشر رسوم مسيئة للإسلام والرسول بصحيفة فرنسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى الركن الاســـــــلامي-
انتقل الى: