موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
باكى - 67
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
الحربي - 36
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
زهرالورد - 30
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_rcap((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Voting_bar((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Vote_lcap 

 

 (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:19


3ـ اعتمد البيهقي في شرح نصوص الصفات أو تأويلها، بعد سياقه لأسانيدها اعتمد على أقوال مجموعة من علماء الأشاعرة ومنهم:
أ ـ الحليمي، وهو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم، المعروف بالحليمي الجرجاني، المتوفى سنة 403هـ، وهو أحد أعلام الأشاعرة في الحديث, والفقه, والكلام، نقل عنه البيهقي كثيراً في (الجامع لشعب الإيمان)، وفي (الأسماء والصفات).
ب - أبو سليمان الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم، المتوفى سنة 388هـ، وقد نقل البيهقي عنه كثيراً جداً في الأسماء والصفات، واعتمد على أقواله وتأولاته.
جـ ـ أبو الحسن الطبري - وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في ترجمته -.
د ـ وغيرهم من الأشاعرة، كالأشعري، وأبي إسحاق الإسفراييني، وأبي بكر الصبغي، والمحاسبي، وابن فورك، وغيرهم.
وكان اعتماد البيهقي على هؤلاء يتم غالباً بالنقل الحرفي من كلامهم، بذلك امتزجت كتبه الحديثية - في العقيدة - بمقولات هؤلاء، فمثلاً في كتابه (الجامع لشعب الإيمان) لما تحدث عن الشعبة الأولى وهي الإيمان بالله عز وجل، ذكر أن دليل معرفة الله تعالى هو دليل حدوث الأجسام، ثم شرحه وأطال فيه، ونقل عن الحليمي أقواله فيه، وفي مناسبة أخرى لما ذكر البيهقي حديث الجارية: أين الله؟ قالت في السماء، تكلم في تأويله بكلام عجيب, وأوّله بما يدل على أنه لا يقول بإثبات العلو لله تعالى.
4ـ دافع البيهقي عن علم الكلام، ولما ذكر أقوال الشافعي المشهورة في ذم الكلام وأهله، علق البيهقي على ذلك مبرراً ما فعله العلماء من الأخذ بالعقل أو علم الكلام، وفي مناقب الإمام أحمد له نقل عن الإمام أحمد أنه قال بتأويل بعض نصوص الصفات، ولما ذم الشافعي الصوفية دافع البيهقي عنهم، بل ونقل إباحة أنواع من السماع.
ومما ينبغي ملاحظته أن البيهقي مع أقواله الموافقة لمذهب الأشاعرة في مسائل حدوث الأجسام، وحلول الحوادث، وتأويل الاستواء, والنزول, والمجيء، والضحك, والعجب، ونفيه العلو (الجهة)، وتأويله للقدم والأصابع، وغيرها - إلا أن قال بإثبات الوجه, واليدين, والعين بلا تأويل، فهو بذلك قد خالف شيخه البغدادي.
5ـ قام البيهقي بدور عملي في الفتنة التي وقعت على الأشاعرة، المعروفة بفتنة القشيري، والتي وقعت سنة 445هـ، واستمرت سنوات، وفيها لعنت المبتدعة وفيهم الأشعرية، حتى اضطر كثير من الأشاعرة إلى الهجرة من خراسان، وكان منهم القشيري والجويني وغيرهما، وفي سنة 450هـ، حج هؤلاء ومعهم البيهقي، وفي سنة 456هـ قتل الوزير الكندري - صاحب الفتنة - وكان قد تولى ألب أرسلان واستوزر نظام الملك الذي قام بنصرة الأشاعرة وبنى لهم المدارس المعروفة.
وكان البيهقي من القلائل الذين دافعوا عن الأشعري والأشاعرة، وكتب من بلدته بيهق رسالة إلى العميد يشرح له الحال, ويمدح الأشعري وأسرته، بل ويجعله أحد المجددين، وبعد ذكر فضل أبي موسى الأشعري وقومه الأشعريين الذين انفردوا من بين الوفود بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن علم الأصول وحدوث العالم - كما يقول البيهقي - يقول: "فمن تأمل هذه الأحاديث وعرف مذهب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه في علم الأصول، وعلم تبحره فيه أبصر صنع الله عزت قدرته في تقديم هذا الأصل الشريف لما ذخر لعباده من هذا الفرع المنيف الذي أحيا به السنة, وأمات به البدعة, وجعله خلف حق لسلف صدق" ، ثم يأمره في آخر الرسالة بالسعي لإطفاء الفتنة، وأن يستدرك ما وقع من هذه المحنة.
فهذه الجهود العظيمة التي قام بها البيهقي في خدمة ودعم المذهب الأشعري - وهو الإمام الفقيه المحدث - توضح دوره في إعادة الثقة بهذا المذهب.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book


القشيري: ت 465هـ

هو عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد، أبو القاسم القشيري النيسابوري، ولد سنة 375هـ، تتلمذ على يد مجموعة من العلماء منهم الحاكم، وابن فورك، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم، وتتلمذ في التصوف على شيخه أبي علي الدقاق وتزوج من ابنته.
ولما وقعت الفتنة على الأشاعرة ترك القشيري بلده واتجه إلى بغداد ثم إلى الحج بصحبة الجويني -إمام الحرمين- والبيهقي- ثم عاد بعد نهاية الفتنة إلى نيسابور حيث تولى ألب أرسلان واستوزر نظام الملك الذي كان يقدر القشيري والجويني كثيراً، فعاش القشيري بقية عمره محترماً مقدراً ذا مكانة ومنزلة عالية إلى أن توفي سنة 465هـ، ومن أبرز تلاميذه أولاده ومنهم: عبد الله، وعبد الواحد، وأبو نصر عبد الرحيم، كما تتلمذ عليه زاهر الشحامي، ومحمد بن الفضل الفراوي، وغيرهم
عقيدة القشيري ودوره في تطور المذهب الأشعري:
لم يؤلف القشيري كتاباً خاصاً في العقيدة ومسائلها، حتى كتابه (شرح أسماء الله الحسنى)، يدور على التصوف و "علم التذكير" و "الاتعاظ" كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه حين بين سبب تأليفه ، وكذلك رسالته (الشكاية) هي في الدفاع عن الأشعري وما اتهم به من أمور كانت سبباً في المحنة التي جرت على القشيري وأصحابه، أما غالب كتبه - حتى كتابه في التفسير - فهي في التصوف، ولذلك اشتهر القشيري بالتصوف أكثر من شهرته كعلم من أعلام الأشاعرة.
ومع ذلك فليس من العسير استخلاص مذهبه وآرائه في العقيدة، - التي وافق فيها المشهور من مذهب الأشاعرة - من خلال ما يشير إليه في ثنايا كتبه المختلفة.
فالقشيري ممن ينكر قيام الصفات الاختيارية بالله -وهي مسألة حلول الحوادث - ولذلك فهو يقول بأزلية المحبة، والرضا والغضب، كما أنه ينكر العلو، وينقل عن غيره من الصوفية تأويلاتهم للاستواء وأنه لا يدل على العلو، ويقول: إن الله يرى بلا مقابلة، وهو يثبت الصفات السبع مع صفة البقاء، ويستدل لبعضها بالعقل، ويتأول صفة المحبة، والضحك، وفي القدر مع إثباته له ينكر التعليل، ويقول: إن القدرة مع الفعل فقط، كما هو مذهب الأشاعرة، وحين يتحدث عن معنى "التوحيد" يرى أنه يشمل الأقسام الثلاثة المشهورة عند أهل الكلام وهو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له، كما أنه يرى أن الواجب الاشتغال بالتأويل الصحيح، ويرد على من يسميهم بالحشوية، ويرى أن كثيراً ممن يناظره في زمنه ليس له تحقيق ولا تحصيل، وفي مسألة النبوة والمعجزات ينقل عن الباقلاني.
أما دور القشيري في المذهب الأشعري وتطويره فتتمثل في جانبين:
أحدهما: دفاعه عن الأشاعرة وقت المحنة التي مروا بها، وقد فاق في دفاعه عنهم أقطاب الأشاعرة في زمنه، وكتب رسالته " الشكاية " يبث فيها أشجانه, ويدافع عن الأشعري وعن الأشاعرة, ويرد على التهم الموجهة إليهم، ويصور الأمر وكأنه ليس في الأمة الإسلامية إلا الأشاعرة، والمعتزلة، وأن قول الأشاعرة إذا بطل لا يبقى إلا قول المعتزلة فهل يكون هو المعتمد؟! يقول القشيري بعد كلام طويل: " وإذا لم يكن في مسألة لأهل القبلة غير قول المعتزلة، وقول الأشعري قول زائد، فإذا بطل قول الأشعري فهل يتعين بالصحة أقوال المعتزلة، وإذا بطل القولان فهل هذا إلا تصريح بأن الحق مع غير أهل القبلة؟! وإذا لعن المعتزلة والأشعري في مسألة لا يخرج قول الأمة عن قوليهما، فهل هذا إلا لعن جميع أهل القبلة؟! ، ثم يذكر المسائل التي نقمت على الأشعري ولعن من أجلها، ويناقشها واحدة واحدة وأهم هذه المسائل:
أ ـ اتهامه مع أصحابه أنهم يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بنبيٍّ في قبره ولا رسول بعد موته، ويرد هذه التهمة ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حيٌ في قبره ويذكر الأدلة على ذلك ، وهذه أيضاً أوقعت الأشاعرة في مشكلة أخرى وهي كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حياً في قبره، وما معنى هذه الحياة وما مداها، والإجابة عن هذه الأسئلة مما يثير التساؤل حقاً، خاصة في ظل التصاق التصوف بالمذهب الأشعري، ومن المعلوم أن البيهقي ألف رسالة في حياة الأنبياء في قبورهم ولا شك أنه ألفها بسبب ما أثير في هذه المحنة.
ب ـ أن الأشعري يقول: إن الله لا يجازي المطيعين على إيمانهم وطاعتهم، ولا يعذب الكفار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم، ويرد على ذلك موضحاً مذهب الأشاعرة في القدر.
جـ ـ في مسألة كلام الله وأن موسى لم يسمع كلام الله، وأنه ليس القرآن في المصحف وقد أجاب القشيري عن ذلك موضحاً مذهب الأشاعرة.
د ـ أن الأشعري يكفر العوام الذين لا يملكون النظر والاستدلال، وقد رد القشيري على ذلك.
هـ ـ أن الاشتغال بعلم الكلام بدعة، وقد دافع القشيري عن علم الكلام، وأن القول بأنه بدعة صفة الحشوية الذين لا تحصيل لهم.
وبهذا الدفاع الذي جاء بأسلوب بث الشكوى برز القشيري كعلم من أعلام الأشاعرة، وكان لذلك دوره في تبني ما كان عنده من تصوف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:21

الجانب الآخر: إدخال التصوف في المذهب الأشعري، وربطه به، وذلك حين ألف القشيري رسالته المشهورة في التصوف وأحواله وتراجم رجاله المشهورين، فذكر في أحد فصول الرسالة، وفي ثناياها أن عقيدة أعلام التصوف هي عقيدة الأشاعرة فنسب إليهم أنهم يقولون: "إنه أحدي الذات، ليس يشبه شيئاً من المصنوعات، ولا يشبه شيء من المخلوقات ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان، ولا يجوز في وصفه زيادة ولا نقصان، ولا يخصه هيئة وقد، ولا يقطعه نهاية وحد، ولا يحله حادث، ولا يحمله على الفعل باعث... ولا يُقال له: أين، ولا حيث, ولا كيف... يُرى لا عن مقابلة... خالق أكساب العباد" ، ويركز على نفي أن الله في جهة العلو، ثم يقول في أواخر الرسالة: "فإذا كان أصول هذه الطائفة أصح الأصول، ومشايخهم أكبر الناس، وعلماؤهم أعلم الناس، فالمريد الذي له إيمان بهم: إن كان من أهل السلوك والتدرج إلى مقاصدهم فهو يساهمهم فيما خصوا به من مكاشفات الغيب، فلا يحتاج إلى التطفل على من هو خارج عن هذه الطائفة، وإن كان مريداً طريقة الأتباع وليس بمستقل بحاله، ويريد أن يعرج في أوطان التقليد إلى أن يصل إلى التحقيق فليقلد سلفه وليجر على طريقة هذه الطبقة فإنهم أولى به من غيرهم" ، فهو يرى أن من أراد دخول طريقة التصوف كوشف مع شيوخه، ومن لم يرد دخول طريقة التصوف فعليه بتقليدهم في العقائد لأنهم أولى من غيرهم.
ودعوى القشيري أن هذه عقائد شيوخ الصوفية ليست مسلمة، وليس هذا موضع مناقشة ذلك، ولكن الذي حدث هو تبني أعلام الأشاعرة للتصوف وتمثل ذلك بشكل واضح في الغزالي ومن جاء بعده.
على أنه يجب أن لا يغيب عن البال هنا أن هناك من الأشاعرة من سبق القشيري إلى نوع من الارتباط بالتصوف، فالمحاسبي الكلابي تصوفه مشهور، وكذلك كان من أخص تلاميذ أبي الحسن الأشعري بندار خادمه، وعبد الله ابن خفيف, وكانا من المتصوفة المشهورين، وعبد القاهر البغدادي ذكر أنه: "قد اشتمل كتاب (تاريخ الصوفية) لأبي عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من الصوفية ما فيهم واحد من أهل الأهواء، بل كلهم من أهل السنة سوى ثلاثة" ، والبغدادي يقصد بأهل السنة الأشاعرة، ولكن الذي تميز به القشيري أنه ذكر قواعد التصوف وأصوله، وأحوال المريدين، وآداب الصوفية، ودعا إلى سلوك طريقتهم، وفي أثناء ذلك نسب إليهم العقائد الأشعرية، وأنهم يخالفون المعتزلة والمشبهة.
وقد يظن البعض أن تصوف القشيري كان تصوفاً سنياً، بعيداً عن شطحات وبدع الصوفية، ولكن المتمعن في كتبه يجد غير ذلك، وقد كتبت دراسات عن القشيري وتصوفه ، ويمكن الإشارة باختصار إلى القضايا التالية في تصوفه:
أ ـ صلته بطائفة الملامتية، التي انتشرت في بلده نيسابور، وقد ترجم لبعض أعلامها، ويربط بعض الدراسين بين ما عند هذه الطائفة من كتمان لأحوالهم وما عند الرافضة من التقية، ويشير إلى أمر مستغرب وهو أن القشيري لم يرد على طائفة الملامتية الذين عظم شأنهم في زمنه.
ب ـ إيمانه بوجود القطب، والأوتاد، والأبدال، والغوث، وتفسير القرآن بما يوافق ذلك، فمثلاً يقول في قوله تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ [الكهف: 47]، "كما تقتلع الأرض يوم القيامة بأوتادها، تسير اليوم بموت الأبدال الذين هم والقطب كجبال الأرض، إذ هم في الحقيقة أوتاد العالم" ، ويقول في قوله تعالى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ [النحل: 15]، "في الظاهر الجبال، وفي الإشارة الأولياء الذين هم غياث الخلق، وبهم يرحم ربهم عباده، ومنهم أبدال ومنهم أوتاد، ومنهم القطب".
جـ ـ إقراره لما يقع للمتصوفة في حال فنائهم بربهم إلى حد أن يقول أحدهم: أنا الحق أو سبحاني، يبرر ذلك.
د ـ قوله أن "هو" اسم موضوع للإشارة، وأنه عند الصوفية إخبار عن نهاية التحقيق، وينقل عن ابن فورك أنه قال: "هو: حرفان، هاء وواو، فالهاء تخرج من أقصى الحلق، وهو آخر المخارج، والواو تخرج من الفم، وهو أول المخارج، فكأنه يشير إلى ابتداء كل حادث منه وانتهاء كل حادث إليه" ، ويقول: إن أهل الإشارة يقولون: "إن الله كاشف الأسرار يقول هو وكاشف القلوب بما عداه من الأسماء".
هـ ـ دعوته إلى أدب المريد مع الشيخ، وأنه يجب عليه أن يكون بره بشيخه أكثر من بره بوالديه، ويروي عن أبي عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت الأستاذ أبا سهل الصعلوكي يقول: "من قال لأستاذ: لم، لا يفلح أبداً"، ويقول بعد ذكر قصص الصوفية الغريبة: "اعلم أن هذه الألفاظ توهم ظواهرها، وإنما يقف على معانيها ومرمى القول فيها من جمع بين حقائق الأصول وبين شيء من علوم هذه الطائفة، وتحقق ولو بشظية من معانيه، وإلا وقع في الاعتراض على السادة، ونعوذ بالله من تلك العقوبة" ، ويقول بعد ذكر قصة لهم: "وهكذا سنة الله في أوليائه أن يسترهم عمن لا يبلغ مرتبتهم".
و ـ يذكر القشيري الخلاف في الولي: هل يجوز أن يعلم أنه ولي أم لا فيقول: "كان الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله يقول: لا يجوز ذلك، لأنه يسلبه الخوف ويوجب له الأمن، وكان الأستاذ أبو علي الدقاق رحمه الله يقول بجوازه" ، قال القشيري: "وهو الذي نؤثره ونقول به، وليس ذلك بواجب في جميع الأولياء".
ز ـ ينصح المريدين بسلوك طريق الصوفية، ويفضلهم على أهل النقل والأثر وأرباب العقل والفكر، ويرى أن الصوفية أهل الوصال، والناس أهل الاستدلال، ويرى ليس هناك عصر من العصور إلا وفيه شيخ من شيوخ هذه الطائفة، وأن علماء الوقت يخضعون له ويتبركون به، ويذكر قصة لأحمد بن حنبل والشافعي مع شيبان أحد الصوفية، ويرى على المريد إذا لم يجد من يتأدب معه في بلده أن يهاجر إلى من هو منصوب في وقته لإرشاد المريدين، ثم يقيم عليه ولا يبرح عن سدته - أي داره - إلى وقت أن يأذن له الشيخ، ثم يعقب القشيري بكلام خطير حين يقول: "إن تقديم معرفة رب البيت - سبحانه - على زيارة البيت واجب، فلولا معرفة رب البيت ما وجبت زيارة البيت" ، وينعى على الشبان الذين يحجون من غير إشارة الشيوخ.
ح ـ إباحته للسماع، وذكره للأدلة في ذلك، ومناقشته للمخالفين.
هذه مقتطفات من منهج وأصول القشيري أحد أعلام الأشاعرة، وهي تبين مدى صلته بالصوفية وتمكنه فيها حتى صار شيخاً فيها، ومدى ثقته بعقيدة الأشاعرة حتى نسب إلى شيوخ الصوفية أنهم لا يخالفونها، ولا شك أن القشيري يمثل مدرسة كان لها الأثر الكبير في عقائد ومنهج الأشاعرة.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:22

الجويني: ت 478هـ.
أحد الأعلام المشهورين، وهو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية، الجويني، النيسابوري، أبو المعالي، إمام الحرمين، ولد سنة 419هـ، وتتلمذ على يد والده أبي محمد الجويني، وجماعة منهم أبو القاسم الإسفراييني الإسكاف واسمه عبد الجبار بن علي، وأبو عبد الله الخبازي: محمد بن علي بن محمد بن حسن، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني وأبو القاسم الفوراني، وابن الزكي أبو حسان محمد بن أحمد، وغيرهم، كما تتلمذ عليه مجموعة منهم أبو حامد الغزالي، وأبو طاهر إبراهيم بن المطهر الجرجاني، وإسماعيل بن أحمد أبو سعد بن أبي صالح المؤذن، وأبو القاسم الأنصاري - شارح الإرشاد - وعبد الرحيم بن عبد الكريم أبو نصر القشيري، وعلي بن محمد الطبري المعروف بالكيا الهراسي، وغيرهم.
اشتهر الجويني - خاصة بعد فتنة الأشاعرة والتي بسببها جاور في الحرمين وسمي إمام الحرمين - كأحد أعلام الشافعية والأشعرية بعد تدريسه في نظامية نيسابور قرابة ثلاثين عاماً إلى أن توفي سنة 478هـ,......
منهج الجويني وأثره في تطور المذهب الأشعري:
يعتبر الجويني إمام الحرمين من أعظم أعلام الأشاعرة، ولا يكاد يذكر المذهب الأشعري إلا ويسبق إلى الذهن هذا الإمام المشهور كأحد من يتمثل هذا المذهب في أقواله وكتبه، ولذلك فاستعراض عقيدته وأقواله تدل على أشعريته وموافقته لشيوخه الأشاعرة مما لا داعي لبسطه هنا، وإنما المقصود الإشارة إلى عموم منهجه الذي طور فيه هذا المذهب، ويمكن عرض ذلك من خلال ما يلي:
أ ـ تجديده في داخل المذهب الأشعري، فالجويني وإن تبنى أقوال شيوخه السابقين ونقلها إلا أنه رد أو ناقش منها ما يرى أنه يستحق الرد والمناقشة بل إمام الأشاعرة أبو الحسن الأشعري الذي يذكره الجويني غالباً بقوله: قال شيخنا أو ذهب شيخنا، ودافع عن كتابه (اللمع) فيما وجه إليه من المطاعن من قبل المعتزلة وغيرهم؛ لم يسلم من تضعيف أقواله، ومن الأشاعرة - بعد الأشعري - الذين نقل أقوالهم الجويني وناقش بعضها: الباقلاني، وأبو إسحاق الإسفراييني، وابن فورك، ومن ثم فيلاحظ في منهج الجويني بهذا الخصوص ما يلي:
1 ـ إن الجويني ضعف التأويل المشهور - والمنسوب للأشعري - لبعض الصفات الفعلية مثل الاستواء, والنزول, والمجيء, من أنه فعل فعله الله في العرش سماه استواء، أو فعل يفعله كل ليلة، أو يوم القيامة سماه نزولاً أو مجيئاً، وترجيحه التأويل بالملك والغلبة بالنسبة للاستواء، وبنزول أو مجيء أمره أو بعض ملائكته.
2ـ نقده لمذهب الأشعري في مسألة تكليف مالا يطاق، يقول: "نقل الرواة عن الشيخ أبي الحسن الأشعري - رضي الله عنه - أنه كان يجوز تكليف مالا يطاق، ثم نقلوا اختلافاً عنه في وقوع ما جوزه من ذلك، وهذا سوء معرفة بمذهب الرجل، فإن مقتضى مذهبه أن التكاليف كلها واقعة على خلاف الاستطاعة، وهذا يتقرر من وجهين: أحدهما: أن الاستطاعة عنده لا تتقدم على الفعل، والأمر بالفعل يتوجه على المكلف قبل وقوعه، وهو إذ ذاك غير مستطيع... والثاني: أن فعل العبد عنده واقع بقدرة الله تعالى، والعبد مطالب بما هو من فعل ربه ولا ينجى من ذلك تمويه المموه بذكر الكسب، فإنا سنذكر سر ما نعتقده في خلق الأعمال" ، ثم رجح منع تكليف مالا يطاق، ورجح جواز ورود الصيغة به دون الطلب كقوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: 65]، وخلاصة قوله: "إنه يكلف المتمكن، ويقع التكليف بالممكن، ولا نظر إلى الاستصلاح ونقيضه" ، فالجويني بهذا القول يكون قد بعد عن مذهب الأشاعرة في هذه المسألة، ويزيدها إيضاحاً قوله في مسألة " قدرة العبد " هل تقارن المقدور أو تسبقه.
3ـ وفي مسألة الاستطاعة، أو القدرة الحادثة للعبد، ذكر مذهب أبي الحسن الأشعري أن القدرة الحادثة تقارن حدوث المقدور ولا تسبقه ثم قال بعد شرحه: "ومذهب أبي الحسن - رحمه الله - مختبط عندي في هذه المسألة" ، ثم قال: "ومن أنصف من نفسه علم أنه معنى القدرة التمكن من الفعل، وهذا إنما يعقل قبل الفعل وهو غير مستحيل في واقع حادث في حالة الحدوث".
4- وفي مسألة أزلية كلام الله تعالى والخلاف الواقع بين الكلابية والأشعرية في أزلية الأمر والنهي- وهما من أجزاء الكلام عندهم- قال: "اشتهر من مذهب شيخنا أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- رضي الله عنه- مصيره إلى أن المعدوم وقع في العلم وجوده واستجماعه شرائط التكليف فهو مأمور- معدوماً- بالأمر الأزلي، وقد تمادى المشغبون عليه، وانتهى الأمر إلى انكفاف طائفة من الأصحاب عن هذا المذهب، وقد سبق القلانسي  رحمه الله من قدماء الأصحاب- إلى هذا، وقال: كلام الباري تعالى في الأزل لايتصف بكونه أمراً ونهيا ووعدا ووعيدا وإنما يثبت له هذه الصفات فيما لايزال عند وجود المخاطبين" ، ثم رد الجويني على القلانسي- الذي يمثل مذهبه مذهب الكلابية، ثم ذكر مسلكين لأئمة الأشاعرة في إثبات أن المعدوم مأمور، ثم ذكر طريقة أبي الحسن الأشعري في ذلك، ثم قال معلقاً: "هذا منتهى مذهب الشيخ (الأشعري) - رضي الله عنه- فأقول: إن ظن ظان أن المعدوم مأمور فقد خرج عن حد المعقول، وقول القائل: إنه مأمور على تقدير الوجود تلبيس، فإنه إذا وجد، ليس معدوماً، ولاشك أن الوجود شرط في كون المأمور مأمورا"- ثم قال بعد هذا الكلام مباشرة- معلناً حيرته في هذه المسألة العظيمة المتعلقة بكلام الله تعالى: "وإذا لاح ذلك بقي النظر في أمر بلا مأمور، وهذا معضل الأرب، فإن الأمر من الصفات المتعلقة بالنفس، وفرض متعلق لا متعلق له محال، والذي ذكره  في قيام الأمر بنا في غيبة المأمور تمويه، ولا أرى ذلك أمرا حاقاً، وإنما هو فرض تقدير- وما أرى الأمر لو كان كيف يكون- إذا حضر المٌخَاطَب قام بنفس الأمر إلحاق المتعلق به، والكلام الأزلي ليس تقديراً، فهذا مما نستخير الله تعالى فيه، وإن ساعف الزمان أملينا مجموعاً من الكلام ما فيه شفاء الغليل إن شاء الله تعالى" ، هذا منتهاه في مسألة من أهم المسائل التي تميز بها المذهب الأشعري.
4- ويرى الجويني أن الأشاعرة وضعوا بعض الأصول مثل: نفي التجسيم عن الله ومثل نفي العلو (الجهة)، ثم ذكر أن المعتزلة عجزوا عن نصب الأدلة على استحالة كون القديم جسماً ، كما أن نفى الجهة لا يستقيم على أصولهم أيضاً ، والجويني بهذا الأسلوب يبرز مذهب الأشاعرة على أنه أكثر أصالة وأقوى أدلة في نفي بعض الصفات، ونفى العلو عن الله تعالى- من المعتزلة - الذين هم أهل التجهم والتعطيل، وهذا منهج للجويني في إعلاء المذهب الأشعري يعتمد على أسلوب غريب؛ إذ لو أنه ذكر أن أصول المعتزلة لا تستقيم على نفي الصفات السبع، أو الرؤية أو أن القرآن كلام الله غير مخلوق لكان هذا معتادا غير مستغرب، أما أن يذكر أن أصولهم لا تستقيم على نفي العلو, وإنما تستقيم الأدلة على أصولنا نحن الأشاعرة فهذا هو الذي يلفت الانتباه0
5-وفي مسألة أخبار الآحاد- وإفادتها للعلم ثم حجيتها في العقيدة- يسير الجويني في ركب غالب شيوخه في أنها لا تفيد العلم، وفي أحد المواضع في الشامل ذكر قولين أحدهما قول الباقلاني: إنه لا يقطع بها في القطعيات، الآخر قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني الذي ذكره قائلاً: "وذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أن الحديث المدون في الصحاح الذي لم يعترض عليه أحد من أهل الجرح والتعديل، هو مما يقضي به في القطعيات، وليس من أصله أنه يبلغ مبلغ التواتر، إذ لو بلغه لأوجب العلم الضروري، ولكنه مما يتوجب العلم استدلالاً ونظراً" ، ثم قال الجويني: "والصحيح في ذلك طريقة القاضي" ،وفي البرهان كانت عبارة قاسية جداً فيمن يقول إن خبر الواحد العدل يفيد العلم، يقول: "ذهبت الحشوية من الحنابلة، وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على ذي لب".
ب- تأويله للاستواء وللصفات الخبرية:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:23

في العرض السابق لأقوال شيوخ الأشاعرة- قبل الجويني- تبين أن تأويل هذه الصفات كان موجودا قبل الجويني، وليس كما اشتهر من أنه أول من تأولها، ومع ذلك فللجويني مذهب متميز فيها، قرب فيه من مذهب المعتزلة0
ويوضح ذلك أن السابقين كابن فورك ومن بعده قالوا بنفي الجهة، ثم قالوا في الاستواء: إنه بمعنى العلو بالقهر والتدبير - كما يقول ابن فورك- أو على معنى الملك - كما يقول البغدادي - لكنهم أبطلوا تأويل المعتزلة استوى باستولى، فلما جاء الجويني ذكر أن الاستواء بمعنى الاستيلاء فقال: "لم يمتنع منا حمل الاستواء على القهر والغلبة، وذلك شائع في اللغة، إذ العرب تقول: استوى فلان على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك، واستعلى على الرقاب، وفائدة تخصيص العرش بالذكر أنه أعظم المخلوقات في ظن البرية، فنص تعالى عليه تنبيهاً بذكره على ما دونه، فإنه قيل: الاستواء بمعنى الغلبة ينبئ عن سبق مطامحة ومحاولة؟ قلنا: هذا باطل، إذ لو أنبأ الاستواء عن ذلك لأنبأ عنه القهر، ثم الاستواء بمعنى الاستقرار بالذات ينبئ عن اضطراب واعوجاج سابق، والتزام ذلك كفر" ، ثم ذكر أنه لا يبعد تفسير الاستواء بالقصد، ثم ذكر التفويض ورده. أما في الشامل فذكر عدة أقوال فيه: منها التفويض مع القطع بنفي الجهات والمحاذيات، بحيث يكون الاستواء من الأسرار التي لا يطلع عليها الخلائق، والله تعالى مستأثر بعلمها، ثم قال: "ذهب بعضهم إلى أن المراد بالاستواء: الاقتدار والقهر والغلبة، وذلك سائغ في اللغة، شائع فيها، إذ القائل يقول: استوى المالك على الإقليم، إذا احتوى على مقاليد الملك فيه، ومنه قول القائل:


قد استوى بشر على العراق






من غير سيف أو دم مهراق


وقول آخر:


ولما علونا واستوينا عليهم






 تركناهم صرعى لنسر وكاسر


ثم ذكر الاعتراض الذي أورده في الإرشاد وأجاب عنه بمثل ما أجاب به هناك ، ثم ذكر القول الآخر أنه بمعنى القصد والإرادة، وقول الأشعري أنه فعل فعله في العرش واستبعده، أما في (لمع الأدلة) - المختصر في العقائد - فلم يذكر سوى التأويل: حيث قال: "المراد بالاستواء القهر والغلبة والعلو، ومنه قول العرب: استوى فلان على المملكة - أي استعلى عليها واطردت له" ومنه قول الشاعر:
"قد استوى بشر...." ، وفي النظامية - وهي من آخر مؤلفاته - قطع بتنزيه الله عن الاختصاص ببعض الجهات، ثم ذكر أن مذهب السلف إجراؤها على الظاهر دون تأويل، وهو ما رجحه.
هذه خلاصة أقوال الجويني في الاستواء، ومنه يتبين أن ما اختاره في (لمع الأدلة) وقال بجواز القول به في الإرشاد والشامل هو قول المعتزلة، الذي رده شيوخ الجويني، كابن كلاب والأشعري والباقلاني والبيهقي وغيرهم، وبذلك يصبح الجويني أول من ارتضى هذا التأويل الاعتزالي المشهور.
أما الصفات الخبرية فقسمان: ما عدا صفة الوجه والعين واليدين، فقد تأوّله غالب الأشاعرة ومنهم أبو الحسن الطبري، والبغدادي والبيهقي وغيرهم ومشى على طريقتهم الجويني ، وذلك مثل صفة القدم، والساق، والأصابع وغيرها، فالجويني ليس في مذهبه جديد في هذا، أما صفة الوجه والعين واليدين فجمهور شيوخ الجويني من الأشاعرة على إثباتها بلا تأويل، والذي أثر عنه تأويلها عبد القاهر البغدادي - كما سبق تفصيل ذلك - ولم يقل بقول البغدادي في تأويلها أحد من تلامذته، ومنهم البيهقي الذي أثبتها بلا تأويل، فلما جاء الجويني قطع بتأويلها، وإن كان قد رجع عن ذلك عن النظامية، يقول الجويني في الإرشاد: "ذهب بعض أئمتنا إلى أن اليدين, والعينين, والوجه صفات ثابتة للرب تعالى، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل، والذي يصح عندنا حمل اليدين على القدرة، وحمل العينين على البصر، وحمل الوجه على الوجود" ، ثم شرح ذلك ورد على الذين يعتقدون أنها صفات لله تعالى لورود النصوص الصريحة بذلك ، ثم يسوق الجويني كلاماً في الرد على شيوخه الأشاعرة المثبتين لهذه الصفات نهج فيه منهج المعتزلة الذين يصفون الأشاعرة حين يثبتون بعض الصفات دون بعض بأنهم متناقضون لأن مساق الصفات واحد فإما أن تثبت جميعاً أو تؤول جميعاً، يقول الجويني هنا: "ومن سلك من أصحابنا سبيل إثبات هذه الصفات (أي صفات اليدين والعين والوجه) بظواهر هذه الآيات ألزمه سوق كلامه أن يجعل الاستواء, والمجيء, والنزول, والجنب من الصفات، تمسكاً بالظاهر، فإن ساق تأويلها فيما يتفق عليه، لم يبعد أيضاً طريق التأويل فيما ذكرناه " ، و لاشك أن الجويني معه الحق فيما يقول، لأن تأويل شيوخه لصفات الاستواء, والنزول, والمجيء ليس بأولى من تأويل الصفات الخبرية، ودلالات النصوص واحدة.
وفي الشامل تأوّل الجويني النصوص الواردة في العين، أما في النظامية فقد رجع عن التأويل فيها كلها إلى التفويض.
ومما سبق يتبين أن الجويني وإن كان قد سبق إلى تأويل الاستواء, والوجه, واليدين, والعين - إلا أن مذهبه فيها تميز بأمرين:
الأول: اختيار تأويل الاستواء بالاستيلاء والملك - كقول المعتزلة - وهذا التأويل بالذات رده شيوخ الأشاعرة ومنهم عبد القاهر البغدادي الذي قال بعد أن رد تأويل المعتزلة بأن الصحيح تأويل العرش على معنى الملك أي أن الملك ما استوى لأحد غيره ، وهذا القول للبغدادي ليس ببعيد من قول المعتزلة، ومع ذلك فلم يجسر على مخالفة شيوخه الذين ردوا تأويل المعتزلة للاستواء، فلما جاء الجويني أزال هذا الحاجز، ورأى أنه لا فرق بين التأويلين، ولذلك نص على تأويل المعتزلة واختاره.
الثاني: التأويل الصريح لصفة الوجه واليدين والعين، مع إلزام الأشاعرة أن تأويلها لازمهم كتأويل الاستواء والنزول.
جـ ـ قربه من المعتزلة ومذهبهم:
يجمع الباحثون على تأثر الجويني بالمعتزلة أكثر ممن سبقه من الأشاعرة، وما تقدم - في الفقرة السابقة - دليل واضح على قربه منهم وتأثره بهم، ومن الأدلة والشواهد على ذلك ما يلي:
1ـ إن الجويني في مسألة كلام الله والقرآن، لما شرح مذهب الأشاعرة، ورد على المعتزلة قال: "واعلموا بعدها أن الكلام مع المعتزلة وسائر المخالفين في هذه المسألة يتعلق بالنفي والإثبات، فإن ما أثبتوه وقدّروه كلاماً فهو في نفسه ثابت، إنه كلام الله تعالى إذ (لعل صوابها إذا) رد إلى التحصيل آل الكلام إلى اللغات والتسميات فإن معنى قولهم: هذه العبارات كلام الله، أنها خلقه، ونحن لا ننكر أنها خلق الله، ولكن نمتنع من تسمية خالق الكلام متكلماً به، فقد أطبقنا على المعنى، وتنازعنا بعد الاتفاق في تسميته، والكلام الذي يقضي أهل الحق بقدمه هو الكلام القائم بالنفس، والمخالفون ينكرون أصله ولا يثبتونه" ، والجويني لم يخالف في هذا بقية الأشاعرة لأنهم يفرقون بين كلام الله القائم بالنفس، وبين القرآن المتلو، فالأول قائم بالله لا يجوز انفصاله عن الله بحال، كما لا يجوز حدوثه، بل هو أزلي كأزلية الحياة والعلم كما أنه واحد ليس بحروف ولا أصوات أما الكلام المتلو فهم وإن صرحوا أنه كلام الله إلا أنهم عند التحقيق يقولون: إن هذا الكلام - بعباراته - فهمه جبريل أو غيره من الله، ولذلك فهو حكاية لكلام الله أو عبارة عنه، فالقرآن المتلو على هذا القائل به هو جبريل أو غيره - وقد ذكر ما يدل على ذلك من قوله الباقلاني - لكن الجديد في قول الجويني تصريحه بأنه لا ينكر أن تكون العبارات - أي القرآن المتلو - خلق الله، وهذا مذهب المعتزلة، وإن خالفهم في أن الكلام هو الكلام القائم بالنفس، ولتوضيح قول الجويني هذا ننقل ما ذكره الإيجي في الموقف - الذي يعتبر من أهم كتب الأشاعرة التي استقر عليها مذهبهم في القرون المتأخرة، يقول - حول صفة الكلام -: "وقالت المعتزلة: أصوات وحروف يخلقها الله في غيره، كاللوح المحفوظ، وجبريل أو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حادث. وهذا لا ننكره، لكننا نثبت أمراً وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس... ثم نزعم أنه قديم، لامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى، ولو قالت المعتزلة: إنه هو إرادة فعل يصير سبباً لاعتقاد المخاطب علم المتكلم بما أخبره به، أو إرادته لما أمر به لم يكن بعيداً - لكني لم أجده في كلامهم - إذا عرفت هذا فاعلم أن ما يقوله المعتزلة: وهو خلق الأصوات والحروف، وكونها حادثة قائمة، فنحن نقول به، ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك، وما نقوله من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته".
فالجويني في نصه السابق يخفف من حدة المعركة بين الأشعرية والمعتزلة في مسألة خلق القرآن، ويصرح بأن المذهب الأشعري لا يعارض قول المعتزلة، ومن ثم فالخلاف معهم في أنهم لا يثبتون الكلام النفسي.
2ـ دفاعه عن المعتزلة فيما نقل من مذاهبهم، فمثلاً في مسألة التحسين والتقبيح العقلي الذي قال به المعتزلة يقول الجويني: "واضطرب النقلة عنهم في قولهم يقبح الشيء لعينه أو يحسن، فنقل عنهم أن القبح والحسن في المعقولات من صفات أنفسها, ونقل عنهم أن القبح صفة النفس، وأن الحسن ليس كذلك، ونقل ضد هذا عن الجبائي، وكل ذلك جهل بمذهبهم، فمعنى قولهم يقبح ويحسن الشيء لعينه أنه يدرك ذلك عقلاً من غير إخبار مخبر" ، ثم رد على المعتزلة في قولهم هذا وهذا يدل على إطلاعه على كتبهم، ومعرفته بأقوالهم.
3ـ وفي مسألة المخاطب إذا خص بالخطاب ووجه الأمر إليه وهو في حالة اتصال الخطاب به هل يعلم أنه مأمور، رجح الأشاعرة أنه يعلم، وقالت المعتزلة: إنه لا يعلم إلا بعد مضي زمان الإمكان الذي يسعه فعل المأمور به، وقد رجح الجويني مذهب المعتزلة وقال: "المختار ما عزى إلى المعتزلة في ذلك".
4ـ وللجويني صلة خاصة بكتب أبي هاشم الجبائي ، الذي يرد في كتبه كثيراً، وأقرب مثال على ذلك قول الجويني بالأحوال، وتأكيده على ذلك بعد أن ذكر تردد الباقلاني في القول بها، ومما يلاحظ أن الباقلاني لما قال بالأحوال لم يوافق أبا هاشم الجبائي في أن الحال لا معدومة, ولا موجودة، ولا معلومة, ولا مجهولة - كما سبق بيان قوله - لكن الجويني وافق الجبائي في عدم اتصاف الحال بالوجود والعدم ، ولإن قطع بأنها معلومة مقدورة مرادة، مع تفسير معين لهذه المعاني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:26

ومن الأدلة على صلة الجويني بأبي هاشم دفاعه عنه فيما نسب إليه في مسألة تعريف العلم، وأن علم المقلد هل يعتبر علماً أم لا، يقول: "نقول: عقد المقلد إذا لم يكن له مستند عقلي فهو على القطع من جنس الجهل، وبيان ذلك بالمثال: إن من سبق إلى عقده أن زيداً في الدار، ولم يكن فيها، ثم استمر العقد، فدخلها زيد، فحال المعتقد لا يختلف وإن اختلف المعتقد، وعن ذلك نقل النقلة عن عبد السلام بن الجبائي - وهو أبو هاشم - أنه كان يقول: العلم بالشيء والجهل به مثلان، وأطال المحققون ألسنتهم فيه، وهذا عندي غلط عظيم في النقل، فالذي نص عليه الرجل في كتاب (الأبواب): إن العقد الصحيح مماثل للجهل، وعنى بالعقد اعتقاد المقلد".
وفي مسألة الصلاة في الدار المغصوبة ذكر قول أبي هاشم الجبائي: أنها لا تصح، وبعد كلام ذكر معارضة المعترضين لكلامه ثم قال: "وأبو هاشم لا يسلم ذلك ولا أمثاله، وليس هو، ممن تزعه التهاويل" ، ويذكر في إحدى المسائل أنه طلع على مصنفاته.
د ـ صلته بالفلسفة وعلوم الأوائل:
لم يكن الجويني فيلسوفاً، أو متبنياً لأفكار الفلاسفة، وإنما اطلع على كتبهم واستفاد منها في تأصيل المذهب الأشعري في بحوثه الكلامية ولذلك جاء تفكيره - كما عبر البعض - متسماً بنزعة فلسفية عميقة، وتأثر الجويني بِكتب الأوائل من الفلاسفة تمثل فيما يلي:
1ـ نقوله عنهم، يقول في مسألة إحاطة الإنسان بأحكام الإلهيات وحقائقها: "أقصى إفضاء العقل إلى أمور جميلة منها، والدليل القاطع في ذلك على رأي الإسلاميين: إن ما يتصف به حادث، وموسوم بحكم النهاية، يستحيل أن يدرك حقيقة مالا يتناهى، وعبر الأوائل عن ذلك بأن قالوا: تصرف الإنسان في المعقولات بفيض ما يحتمله من العقل عليه، ويستحيل أن يدرك الجزء الكل، ويحيط جزء طبيعي له حكم عقلي بما وراء عالم الطبائع، وهذه العبارات وإن كانت مستنكرة في الإسلام، فهي محومة على الحقائق".
2ـ مسألة علم الله بالجزئيات، التي أثارت جدلاً بالنسبة للجويني، وهل وافق الفلاسفة في قولهم: إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات، والحق أن عبارة الجويني موهمة وذلك حين يقول: "وبالجملة علم الله تعالى إذا تعلق بجواهر لا تتناهى فمعنى تعلقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد" ، وقد شنع عليه من العلماء الإمام المازري ، وقال: "إنما سهل عليه ركوب هذا المذهب إدمانه النظر في مذهب أولئك" ، والجويني الذي قال العبارة الموهمة السابقة هو الذي يقول في نفس الكتاب "إن الرب تعالى كان عالماً في أزله تفاصيل ما يقع فيما لا يزال" ، وهذا نص في إثبات علم الله بالجزئيات، ولذلك دافع السبكي - بحق - في طبقاته عن الجويني وأطال الكلام حول هذه المسألة وأتى بالنقول من كتب الجويني الأخرى كالشامل والإرشاد، كما نبه إلى النص الذي نقلناه آنفاً من البرهان وهي نقول تدل على إثباته لعلم الله بالجزئيات.
3ـ ومن معالم تأثره بالكتب الفلسفية ما هو واضح في منهجه من التحديد الدقيق للمصطلحات في كتبه، فهو قبل أن يبدأ في الكلام في أي باب يبدأ بتعريف المصطلحات والتعريفات، وتأخذ هذه المقدمات - أحياناً - قسطاً كبيراً من كتبه، وهذا المنهج الذي سلكه الجويني ظهر جلياً في كتب متأخري الأشعرية، حيث يصل الأمر أن تبلغ المقدمات أكثر من ثلثي الكتاب قبل أن يدخل المؤلف في المقصود من الكتاب وهو البحث في الإلهيات، ومن الأمثلة على ذلك كتاب (شرح المقاصد)، و(المواقف وشروحه).
هـ ـ الفقه وأصوله عند الجويني وعلاقة ذلك بمذهبه الكلامي:
يعتبر الجويني من أئمة الشافعية، وقد سبقت الإشارة إلى أنه كتب كتاباً يفضل فيه مذهب الشافعي ويرى أنه الأحق بالاتباع، وهو ما صرح به أيضاً في البرهان.
ومن الأمور الملفتة والبارزة في منهجه إدخاله مسائل المنطق والكلام في أصول الفقه، ولما كان كتابه من الكتب الأصولية المتقدمة فقد تأثر بمنهجه هذا من جاء بعده من الأشاعرة وغيرهم, مثل الغزالي, والرازي, والآمدي وغيرهم.
يقول النشار في عرضه لمسألة إدخال المنطق الأرسطي في أصول الفقه: "أما الأشاعرة فقد احترزوا بأصولهم عن منطق أرسطوا، ونجد هذا واضحاً لدى عدو ممتاز للتراث اليوناني - أبي بكر الباقلاني - وهو شخصية ضخمة لم تبحث بعد، ولم يصل إلينا إنتاجها الأصولي إلا خلال كتب المتأخرين أيضاً".
ولكن ما لبث علم الأصول أن اتجه وجهة أخرى على يد إمام الحرمين (478هـ)، وقد كان المظنون أن إمام الحرمين سار على منهج المدرسة الكلامية الأصولية الأولى، إلا أنه تسنى لي بحث مخطوطة نادرة لكتاب (البرهان) فتبين لي أنه وإن كان إمام الحرمين خالف المنطق الأرسططاليسي في نقاط كثيرة إلا أنه تأثر به إلى حد ما، بل قد تجد عنده أول محاولة لمزج منطق أرسطو بأصول الفقه، فكما أنه خالف متكلمي أهل السنة في القول بالواسطة أولاً، ثم وافق أبا هاشم الجبائي في أقوال له كثيرة... تراه يخالفهم أيضاً في محاولته مزج المنطق الأرسططاليسي في الأصول، ويمهد الطريق بذلك لتلميذه أبي حامد الغزالي، وقد أدخل الجويني مسائل كلامية كثيرة في أصول الفقه ومنه صيغ الأمر، والكلام النفسي، وعلم الله، وتكليف ما لا يطاق، والاستطاعة، والمعجزة، والتحسين والتقبيح  وغيرها.
وـ حيرة الجويني ورجوعه:
لما كان الجويني ممن خاض في مسائل علم الكلام أكثر ممن سبقه، وما تميزت به شخصيته من استقلال واعتداد، بحيث لا يرى غضاضة في مخالفة شيوخه وتزييف أقوالهم أحياناً ولو كانوا أعلاماً كالأشعري، والباقلاني، وابن فورك، وأبي إسحاق الإسفراييني وغيرهم، لهذا ولما يحسب من قصده الحق وتجرده فقد برز في كتبه ما يدل على تراجعه عن بعض أقواله، وانتهاء الأمر عنده إلى الحيرة ويمكن عرض الشواهد التالية من كتبه.
1ـ في أثناء جواب الجويني عن المطاعن التي وجهت إلى اللمع للأشعري، ومنها استدلاله في إثبات حدث العالم بالنطفة وأنه لم يوضح الدلالة على حدثها القائم على إثبات الأعراض، وبعد مناقشات يقول الجويني: "ثم نقول: لا يتوقف ثبوت حدث العالم على إثبات الأعراض، ولكن من علم تعاقب الأحوال المتناقضة على بعض الذوات، علم استحالة عروه منها، فهذا يفضي به إلى العلم بحدث الذات، وإن لم يتعرض لكون الأحوال موجودات، وكونها أغياراً للذات، فلم يتوقف إذاً إثبات حدث الجواهر على إثبات الأعراض، هكذا قال ابن مجاهد والقاضي - رضي الله عنهما - فاستبان بما قلناه أنه لا يتوقف العلم بحدث العالم على العلم بثبوت الأعراض، فإن المقصد يثبت دون ذلك" ، فالجويني يصرح هنا بأن دليل حدوث العالم لا يتوقف على دليل حدوث الأعراض، ولكنه لما أخذ يرد على الكرامية في مسألة القول بأن الله جسم قال: "وسبيل الكلام أن يسألوا عن دلالة حدث العالم، فإن ترددوا فيها، ولم يستقلوا بإيرادها بأن عجزهم عن قاعدة الدين، وأصل المعارف، فإن السبيل الذي به تتوصل إلى معرفة المحدث ثبوت الحدث، وإن راموا ذكر الدلالة على حدث الأجسام، لم يطردوا دلالة إلا تقرر عليهم مثلها في الجسم الذي حكموا بقدمه" ، ومن أصول أدلة حدوث العالم عند الجويني أن الجواهر لا تخلو من الأعراض.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:27

فالجويني في رده على الكرامية سد طرق إثبات حدث العالم إلا بطريق حدوث الأجسام والأعراض، وهو هناك في رده على خصوم الأشعري يصرح بأنه لا يتوقف إثبات حدوث الجواهر على حدوث الأعراض؟.
وقد رجح الجويني في إثبات الصانع إدعاء الضرورة في أن هذا العالم لابد له من خالق دون الدخول في طرائق الاستدلال، يقول الجويني بعد كلام ومناقشات حول ما ذكره الأشعري من أدلة إثبات الصانع وأن هذا الكون لابد له من خالق كما أن البناء لا بد له من بانٍ والكتابة لا بد لها من كاتب: "قال عبد الملك بن عبد الله: أسد الطرق عندي في المسألة ادعاء الضرورة، ومن لم يسلك هذا المسلك أولاً اضطرته الحاجة إلى سلوكه آخرا" ، وهذا الذي يدعي فيه الجويني الضرورة كتب حول الاستدلال له كلاماً طويلاً.
2ـ حيرته في مسألة هل المعدوم مأمور؟ وقد تقدم كلامه في ذلك حين قال: وهذا مما نستخير الله تعالى فيه.
3ـ في مسألة قدرة العبد ذكر في (الشامل), و(الإرشاد), و(لمع الأدلة) ، أنه لا تأثير لها كما هو مذهب جمهور الأشاعرة ثم رجع في النظامية إلى أن لها تأثيراً.
4ـ ومن الأمور المهمة رجوعه في نظرته إلى السلف، فإنه قال في كتابه - الكافية في الجدل - في الجواب عن الاعتراض الذي يقول: إن السلف لم يستخدموا بعض أنواع القياس في الرد على الخصم - فقال بعد ذكر عدة أجوبة: "وأيضاً فإنهم (أي السلف) لما علموا أنه قد يكون بعدهم مَن لعلَّ الله سبحانه يخصه بجودة قريحة، وزيادة فهم، وفطنة وذكاء... لم يطولوا واقتصروا على النبذة والإشارة" ، فهذه عبارات توحي بتجهيل وسلبية للسلف، لكنه يقول عنهم في الغياثي - الذي ألفه بعد النظامية - فهو في آخر كتبه، موصياً مغيث الدولة الذي هو نظام الملك - قائلاً: "والذي أذكره لائقاً بمقصود هذا الكتاب أن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين، قبل أن نبغت الأهواء، وزاغت الآراء وكانوا - رضي الله عنهم- ينهون عن التعرض للغوامض, والتعمق في المشكلات، والإمعان في ملابسة المعضلات، والاعتناء بجمع الشبهات، وتكلف الأجوبة عما لم يقع من السؤالات، ويرون صرف العناية إلى الاستحثاث على البر والتقوى، وكف الأذى، والقيام بالطاعة حسب الاستطاعة، وما كانوا ينكفون - رضي الله عنهم - عما تعرض له المتأخرون عن عي وحصر، وتبلد في القرائح، هيهات، قد كانوا أذكى الخلائق أذهاناً، وأرجحهم بياناً...".
5ـ حيرته في مسألة العلو - وقصته مع الهمذاني مشهورة - وقد صرح بالحيرة في هذه المسألة في النظامية بعد كلام طويل.
6ـ رجوعه عن علم الكلام، وهو من الأمور المشهورة التي لا ينازع فيها إلا من يحمل في قلبه تعصباً أعمى للأشاعرة وعلومهم الكلامية، ومن أقواله في رجوعه:
أ ـ ما رواه الفقيه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام".
ب ـ ما حكاه أبو الفتح الطبري الفقيه قال: "دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور".
جـ ـ وروى عنه أنه قال: "قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها, وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني".
د ـ وقال أبو الحسن الشقيرواني الأديب -وهو من تلاميذ الجويني - : سمعت أبا المعالي يقول: "يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به".
وقد حاول السبكي رد هذه الأقوال المروية عن الجويني بأساليب معهودة عند السبكي حين يتعلق الأمر بالطعن على الأشاعرة.
7 ـ رجوع الجويني في النظامية.
اشتهر عن الجويني أنه رجع في النظامية وأبرز ما رجع فيه مسألتان:
أ ـ مسألة القدرة الحادثة وقوله: إنها مؤثرة بعد أن كان يرى أنها غير مؤثرة.
ب ـ مسألة الصفات الخبرية، فإنه قال: " اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبتدره أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب وما يصح من سنن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقلاً اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة.
وقد درج أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة.." ، ورجوع الجويني في النظامية لم يكن رجوعاً كاملاً إلى مذهب السلف في جميع المسائل العقيدة وعلم الكلام، والدليل على ذلك:
1 ـ أن رجوعه بالنسبة للصفات كان إلى التفويض، وليس هذا مذهب السلف.
2ـ أن الجويني أبقى على بعض المسائل وعرضها كما هي في مذهبه الأول, ومنها مسألة حدوث الأجسام، وكلام الله، ومنع حلول الحوادث التي هي مسألة الصفات الاختيارية، والرؤية بلا مقابلة، كما أنه أوّل بعض الصفات مثل المحبة أوّلها بالإرادة، وفي الإيمان ذكر أولاً أنه التصديق، ثم ذكر عند الكلام على زيادة الإيمان ونقصانه قول السلف: إنه معرفة بالجنان, وإقرار باللسان, وعمل بالأركان، وقال: "هذا غير بعيد في التسمية"، لكنه ذكر بعده القول الآخر؛ إنه التصديق، ولم يرجح بينهما.
هذا هو الجويني في أحواله وأقواله، ومما سبق يتبين كيف خطا بالمذهب الأشعري نحو الاعتزال، والتأصيل الكلامي.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:28


أبو حامد الغزالي: ت 505هـ
هو الشيخ أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغزالي، ولد بمدينة طوس سنة 450هـ، توفي والده وهو صغير، وكان قد أوصى إلى صديق له صوفي بكفالة ولده محمد وأخيه أحمد، وأن يعنى بتعليمهما، وبقيا تحت رعاية هذا الرجل - وكان فقيراً- حتى نفد المال الذي تركه والدهما، فطلب منهما أن يذهبا إلى إحدى دور العلم، فبدأ الغزالي بالدراسة على الفقيه علي بن أحمد الراذكاني بطوس، وكان ذلك سنة 465هـ ثم رحل إلى جرجان حيث طلب العلم على الشيخ الإسماعيلي - إسماعيل بن مسعدة -  فلما  كان عام 473هـ، اتجه أبو حامد إلى نيسابور يطلب العلم على أبي المعالي الجويني - رئيس المدرسة النظامية فيها - وأصبح أشهر تلاميذه وأكثرهم نبوغاً، ولما توفي الجويني سنة 478هـ، رحل إلى عسكر نيسابور واتصل بنظام الملك هناك وناظر العلماء وبهرهم واعترفوا بمكانته، فولاه نظام الملك التدريس في نظامية بغداد، فقدم الغزالي بغداد سنة 484هـ, وصار يدرس فيها الفقه, والأصول, وعلم الكلام، فتكونت له بذلك شهرة عالية, وجاه عريض, ومنزلة رفيعة، وفي أثناء ذلك أخذ يعيش صراعاً باطنياً بينه وبين نفسه, مما أدى إلى عزوفه عما هو فيه, وميله إلى العزلة والتصوف، فرحل سنة 488هـ عن بغداد - وترك أخاه أحمد يتولى التدريس مكانه - وتوجه إلى الشام فنزل دمشق، ثم ذهب إلى بيت المقدس، واستمرت عزلته هناك قرابة عشر سنين، حيث رجع إلى بغداد وأقام زمناً يسيراً ثم ارتحل سنة 499هـ إلى نيسابور - بأمر من بعض سلاطينها - ليتولى الإمامة والتدريس في نظاميتها، ثم لم يلبث زمناً قصيراً حتى رجع إلى بلده طوس حيث بنى بجوار بيته مدرسة وخانقاه للصوفية، وأقبل على علوم الآخرة والحديث حتى توفي سنة 505هـ.....
منهج الغزالي ودوره في تطور المذهب الأشعري:
أولاً: يعتبر الغزالي أحد أعلام الأشاعرة والذين دافعوا عن المذهب الأشعري ضد مناوئيه من مختلف الطوائف، ولذلك سمى أحد أشهر كتبه الأشعرية بالاقتصاد في الاعتقاد ليكون مقتصداً ووسطاً كما يقول بين الحشوية من جهة, والمعتزلة والفلاسفة من جهة أخرى، والغزالي لم يأتِ بجديد فيما يتعلق بمذهب الأشاعرة، بل جاءت كتبه واستدلالاته ملخصة عمن سبقه من أعلام الأشاعرة مع صياغة جديدة وأسلوب سهل، والملاحظ في مذهبه تركيزه على:
1ـ قوله بصحة إيمان المقلد - خلافاً للمشهور من مذهب جمهور الأشاعرة - بل يرى أن فئات من الناس آمنوا بالله, وصدقوا برسله, واعتقدوا الحق, واشتغلوا بالعبادة أو الصناعة "فهؤلاء ينبغي أن يتركوا وما هم عليه، ولا تحرك عقائدهم بالاستحثاث على تعلم هذا العلم (أي علم الكلام بأدلته)، فإن صاحب الشرع صلوات الله عليه لم يطالب العرب في مخاطبته إياهم بأكثر من التصديق، ولم يفرق بين أن يكون ذلك بإيمان وعقد تقليدي أو بيقين برهاني" ، وفي الأربعين يقول بعد ذكره عشرة أصول على وفق مذهب الأشاعرة: "ووراء هذه العقيدة الظاهرة رتبتان: إحداهما: معرفة أدلة هذه العقيدة الظاهرة من غير خوض على أسرارها، والثانية: معرفة أسرارها، ولباب معانيها، وحقيقة ظواهرها. والرتبتان جميعاً ليستا واجبتين على جميع العوام، أعني أن نجاتهم في الآخرة غير موقوفة عليهما، ولا فوزهم موقوف عليهما" ، وكتاب (الأربعين) من كتب الغزالي المتأخرة التي جمعت بين إيضاح المذهب الأشعري مع آرائه الأخيرة في مسائل التصوف والكشف والذوق.
2ـ تأكيده لإنكار السببية، وهي مسألة مشهورة في المذهب الأشعري، وقد قال بها الأشاعرة وأكدوها لأمرين:
الأول: إثبات المعجزات، التي هي في الحقيقة خوارق للعادات المعهودة، فحتى تربط هذه المعجزات بالله وقدرته بحيث يقلب العصا حيّة، ويشق القمر وغيرها من الأمور الخارقة لابد من ربط هذا بإنكار التلازم الذي يدعيه الفلاسفة وغيرهم بين السبب والمسبب.
والثاني: إثبات قدرة الله الشاملة، وإبطال التولد الذي قال به المعتزلة، فالفاعل والخالق لكل شيء هو الله تعالى, وهذا بناء على مذهبهم في القدر الذي يميل إلى الجبر.
وقد شرح الغزالي هذه النظرية في معرض رده على الفلاسفة، وأطال فيها ، فلما ألف معيار العلم - وهو متأخر عن مقاصد الفلاسفة والتهافت - ذكر دليل المجريات - كجزء من الأدلة اليقينية الصادقة - قال: "فإن قال قائل: كيف تعتقدون هذا يقيناً، والمتكلمون شكوا فيه وقالوا: ليس الجز سبباً للموت، ولا الأكل سبباً للشبع، ولا النار علة للإحراق، ولكن الله تعالى يخلق الاحتراق والموت والشبع عند جريان هذه الأمور؟ قلنا: قد نبهنا على غور هذا الفصل وحقيقته في كتاب (تهافت الفلاسفة) والقدر المحتاج إليه الآن، إن المتكلم إذا أخبره بأن ولده جزت رقبته لم يشك في موته وليس في العقلاء من يشك فيه، وهو معترف بحصول الموت، وباحث عن وجه الاقتران، وأما النظر في أنه هل لزوم ضروري، ليس في الإمكان تغييره؟ أو هو يحكم جريان سنة الله تعالى لنفوذ مشيئته الأزلية التي لا تحتمل التبديل والتغيير، فهو نظر في وجه الاقتران، لا في نفس الاقتران، فليفهم هذا، وليعلم أن التشكك في موت من جزت رقبته وسواس مجرد، وأن اعتقاد موته يقين لا يستراب فيه" ، وفي التهافت قال في جواب اعتراض "ولم ندع أن هذه الأمور واجبة، بل هي ممكنة، يجوز أن تقع، ويجوز أن لا تقع، واستمرار العادة بها، مرة بعد أخرى، يرسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسيخاً لا تنفك منه " ، وهذا النصوص تدل على أن فهم الغزالي للسببية ليس كما يتصوره بعض من ينتصر للفلسفة اليونانية ، وليس أيضاً كما فهمه بعض أتباع الأشاعرة الذين أخذوا يشككون في حقائق الأشياء حتى إن بعضهم يقول: هذا ثوب إن شاء الله، ومع ذلك فالغزالي وإن استدرك على نفسه ما يبعد عنها تهمة إنكار السببية، إلا أن تأصيل هذه النظرية وشرحها كان له - على ما أظن - تأثير كبير في الفكر الصوفي - بعد الغزالي - حين أصبحت الكرامات والخوارق المزعومة للأولياء مقبولة مهما كان فيها من مخالفة للشرع والعقل.
3ـ مجيئه بقانون التأويل الكلامي حين يتعارض - وبالأصح حين يتوهم التعارض - بين العقل والنقل، والغزالي وإن كان مسبوقاً إلى هذا القانون، إلا أنه ألف فيه رسالة مستقلة كانت على إثر أسئلة سألها أحد تلاميذه، وفي هذه الرسالة ذكر فرق الناس في هذه المسألة، ورجح قول الفرقة الخامسة التي قال عنها: "هي الفرقة المتوسطة الجامعة بين البحث عن المعقول والمنقول الجاعلة كل واحد منهما أصلاً مهماً، المنكرة لتعارض العقل والشرع، وكونه حقاً، ومن كذب العقل فقد كذب الشرع إذ بالعقل عرف صدق الشرع، ولولا صدق دليل العقل لما عرفنا الفرق بين النبي والمتنبي، والصادق والكاذب، وكيف يكذب العقل بالشرع، وما ثبت الشرع إلا بالعقل، وهؤلاء هم الفرقة المحقة، وقد نهجوا منهجاً قويماً.." ، وبعد أن يذكر صعوبة هذا المسلك أوصى بعدة وصايا منها: "الوصية الثانية أن لا يكذب برهان العقل أصلاً، فإن العقل لا يكذب، ولو كذب العقل فلعله كذب في إثبات الشرع، فكيف يعرف صدق الشاهد بتزكية المزكي الكاذب، والشرع شاهد بالتفاصيل، والعقل مزكي الشرع" ، وقد تأثر بهذا القانون جمهرة الأشاعرة بعد الغزالي، ومن أبرزهم تلميذه، أبو بكر بن العربي ، والرازي، وغيرهم، وهذا القانون أصبح فيما بعد أحد ركائز العقيدة الأشعرية وأخطرها وأعظمها أثراً، ولذلك أفرده شيخ الإسلام ابن تيمية بمؤلفه الكبير (درء تعارض العقل والنقل).
4ـ ومن أهم سمات منهج الغزالي أنه حول المعركة - التي كانت تدور فيما سبق بين الأشاعرة والمعتزلة - إلى معركة بين الأشاعرة والفلاسفة، وكتاب (تهافت الفلاسفة) يعتبره الأشاعرة بدءاً من الغزالي نفسه أحد الكتب المؤيدة لمذهبهم، وقد ألفه الغزالي في المرحلة التي كان فيها أستاذ المدرسة النظامية -الأشعرية- دون منازع، والذي ينبغي أن يلاحظ أمران:
أحدهما: أن الغزالي ناقش الفلاسفة بمختلف المناهج، ولذلك قال في المقدمة الثالثة في كتابه: "ليعلم أن المقصود تنبيه من حسن اعتقاده في الفلاسفة، وظن أن مسالكهم نقية من التناقض، ببيان وجوه تهافتهم، فلذلك أنا لا أدخل في الاعتراض عليهم إلا دخول مطالب منكر، لا دخول مدع مثبت، فأبطل عليهم ما اعتقدوه مقطوعاً بإلزامات مختلفة، فإلزمهم تارة مذهب المعتزلة، وأخرى مذهب الكرامية، وطوراً مذهب الواقفية، ولا أتنهض ذاباً عن مذهب مخصوص، بل أجعل الجميع ألباً واحداً عليهم، فإن سائر الفرق ربما خالفونا في التفصيل، وهؤلاء يتعرضون لأصول الدين، فلنتظاهر عليهم فعند الشدائد تذهب الأحقاد" ، ومع ذلك فالغزالي غلب منهج الأشاعرة، واستفاد من منهجه السابق في الهروب من تحديد مذهبه الذي يؤمن به في القضايا المطروحة ولذلك قال في جواب أحد الاعتراضات عليه: "نقول: نحن لم نخض في هذا الكتاب خوض الممهدين، بل خوض الهادمين المعترضين، ولذلك سمينا الكتاب (تهافت الفلاسفة) لا تمهيداً لحق، فليس يلزمنا الجواب عن هذا".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:30

والثاني: أن الغزالي ألف هذا الكتاب بعد دراسته للفلسفة ليستفيد منها, ولا شك أنه تأثر بها أيما تأثر، أما رده عليها فبناء على العقيدة التي يظهرها للعوام -كما هو مذهبه في أن للإنسان ثلاث عقائد - ولذلك قال في مقدمة التهافت بعد ذكره لانتشار أقوال الفلاسفة وإعجابهم بأنفسهم: "فلما رأيت هذا العرق من الحماقة نابضاً على هؤلاء الأغبياء, انتدبت لتحرير هذا الكتاب، رداً على الفلاسفة القدماء" ، وهذا يشبه موقفه من الباطنية -الذين انتشرت دعوتهم في زمنه انتشاراً عظيماً - يقول عنهم: "وكان قد نبغت نابغة التعليمية ، وشاع بين الخلق تحدثهم بمعرفة معنى الأمور من جهة الإمام المعصوم القائم بالحق، فعنَّ لي أن أبحث في مقالاتهم، لأطلع على ما في كنانتهم، ثم اتفق أن ورد عليَّ أمر جازم من حضرة الخلافة بتصنيف كتاب يكشف حقيقة مذهبهم، فلم يسعني مدافعته"، ثم بين أن هذا الأمر جاء موافقاً لما في نفسه من معرفة مذهبهم - ليستفيد منه - فقال: "وصار ذلك مستحثاً من خارج ضميمة للباعث الأصلي من الباطن" ، وهذا يوافق قوله في فضائح الباطنية: "فكانت المفاتحة بالاستخدام في هذا المهم في الظاهر نعمة أجابت قبل الدعاء، ولبت قبل النداء، وإن كانت في الحقيقة ضالة كنت أنشدها، وبغية كنت أقصدها".
فدراسة الغزالي لمذهب الباطنية جاء عن رغبة باطنة في الاستفادة مما قد يكون عندهم من معارف، وهذا يشبه ما فعله مع الفلاسفة، ومما يلاحظ أنه في رده على الباطنية انطلق من منطلق أشعري، وهذا واضح في كتابيه (فضائح الباطنية) ، و(القسطاس المستقيم) - الذي هو عبارة عن مناقشة ومحاورة بينه وبين أحد دعاة التعليم من الباطنية -، وهو بهذا الكتاب يحيل على كتابيه المنطقيين (محك النظر) و (معيار العلم).
فالغزالي ينطلق في ذلك من منطلق عقيدة العوام التي هي عقيدة الأشاعرة، ولذلك يقول في جواهر القرآن عن علم محاجة الكفار ومجادلتهم: "ومنه يتشعب علم الكلام المقصود لرد الضلالات والبدع وإزالة الشبهات، ويتكفل به المتكلمون، وهذا العلم شرحناه على طبقتين: سمينا الطبقة القريبة منهما الرسالة القدسية، والطبقة التي فوقها الاقتصاد في الاعتقاد، ومقصود هذا العلم حراسة عقيدة العوام من تشويش المبتدعة، ولا يكون هذا العلم ملياً  بكشف الحقائق، وبجنسه يتعلق الكتاب الذي صنفناه في (تهافت الفلاسفة)، والذي أوردناه في الرد على الباطنية في الكتاب الملقب بـ (المستظهري), وفي كتاب (حجة الحق)، و(قواصم الباطنية)، وكتاب (مفصل الخلاف في أصول الدين)، ولهذا العلم آلة يعرف بها طريق المجادلة، بل طرق المحاجة بالبرهان الحقيقي، وقد أودعناه كتاب (محك النظر)، وكتاب (معيار العلم) على وجه لا يلفي مثله للفقهاء والمتكلمين, ولا يثق بحقيقة الحجة والشبهة من لم يحظ بهما علماً"
ثانياً: هناك مشكلة تتعلق بحقيقة مذهب الغزالي، هل هو المذهب الأشعري الذي تبناه ظاهراً ودافع عنه كثيرا، أم له مذهب آخر يذكره لخاصته وأومأ إليه في كثير من كتبه؟ يقول الغزالي في كتابه (ميزان العمل) الذي ألفه بعد (معيار العلم)، لأن السعادة عنده إنما تكون بالعلم والعمل - (ميزان العمل) من كتب الغزالي الصوفية - يقول في آخره: " لعلك تقول: كلامك في هذا الكتاب انقسم إلى ما يطابق مذهب الصوفية، وإلى ما يطابق مذهب الأشعرية وبعض المتكلمين، ولا يفهم الكلام إلا على مذهب واحد، فما الحق من هذه المذاهب؟ فإن كان الكل حقاً فكيف يتصور هذا؟ وإن كان بعضه حقاً فما ذلك الحق؟ فيقال لك: إذا عرفت حقيقة المذهب لا تنفعك قط، إذ الناس فيه فريقان:
فريق يقول: المذهب اسم مشترك لثلاث مراتب:
أحدهما: ما يتعصب له في المباهاة والمناظرات.
والأخرى: ما يسار به في التعليمات والإرشادات.
والثالثة: ما يعتقده الإنسان في نفسه مما انكشف له من النظريات" .
ثم شرح هذه المراتب بقوله: " ولكل كامل ثلاثة مذاهب بهذا الاعتبار: فأما المذهب بالاعتبار الأول: هو نمط الآباء والأجداد، ومذهب المعلم، ومذهب البلد الذي فيه النشوء، وذلك يختلف بالبلاد والأقطار، ويختلف بالمعلمين، فمن ولد في بلد المعتزلة أو الأشعرية أو الشفعوية أو الحنفية، انغرس في نفسه منذ صباه التعصب له، والذب دونه، والذم لما سواه ... المذهب الثاني: ما ينطبق في الإرشاد والتعليم على من جاء مستفيداً مسترشداً، وهذا لا يتعين على وجه واحد بل يختلف بحسب المسترشد، فيناظر كل مسترشد بما يحتمله فهمه.. المذهب الثالث: ما يعتقد الرجل سراً بينه وبين الله عز وجل لا يطلع عليه غير الله تعالى ولا يذكره إلا مع من هو شريكه في الإطلاع على ما اطلع، أو بلغ رتبة يقبل الاطلاع عليه ويفهمه " ، ثم ذكر قول الفريق الثاني الذين يقولون المذهب واحد، ثم ذكر أن الأولين يوافقون هؤلاء على أنهم لو سئلوا عن المذهب لم يجز أن يذكروا إلا مذهباً واحداً.
إن هذا الكلام يفيد في معرفة وتحليل ذلك التناقض العجيب في كتبه.
ثالثاً: الشك عند الغزالي.
وقد احتلت هذه المسألة مكاناً بارزاً لدارسي الغزالي، بل وكثرت المقارانات بينه وبين ديكارت ، صاحب الفلسفة المعروفة التي قال فيها: " أنا أفكر، إذاً فأنا موجود " ، بل أثبت أحد الباحثين أن ديكارت قد اطلع على كتاب الغزالي (المنقذ من الضلال) وأنه اقتبس منه فكرة الشك، والكلام حول شك الغزالي وكنهه وإلى أي مدى كان يطول، ولكن الثابت أن منهج الشك عند الغزالي تمثل في أمرين:
أحدهما: عملي، وهو ما عايشه وسطره بوضوح في كتابه (المنقذ من الضلال)، ويلاحظ هنا أن الغزالي يشرح ما جرى له، ولذلك سماه داءً ومرضاً.
والثاني: شك منهجي، وهو الذي أشار إليه في بعض كتبه، ومن ذلك قوله: " ولو لم يكن في مجاري هذه الكلمات إلا ما يشكك في اعتقادك الموروث، لتنتدب للطلب، فناهيك به نفعاً، إذ الشكوك هي الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال، نعوذ بالله من ذلك " ، وهذا الشك هو الذي يذكر في أول واجب على المكلف، هل هو النظر أو القصد إلى النظر أو الشك، وإذا كان الأول والثاني قد أخذ به بعض الأشاعرة فإن الثالث - وهو الشك- إنما يؤثر القول به عن أبي هاشم الجبائي المعتزلي.
رابعاً: تصوف الغزالي وفلسفته.
بقدر اشتهار الغزالي بأشعريته، اشتهر بتصوفه، ولذلك فهو يمثل مرحلة خطيرة من مراحل امتزاج التصوف بالمذهب الأشعري حتى كاد أن يكون جزءاً منه، ولكن ما نوعية التصوف الذي اعتنقه الغزالي بقوة حتى قال فيه في المنقذ - بعد شرح مطول لمحنته ورحلته وعزلته -: " ودمت على ذلك مقدار عشر سنين، وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطريق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به " ثم يشرح ويوضح فيقول: " وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها - وهي أول شروطها - تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة، استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله؟ وهذا آخرها، بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها، وهي على التحقيق أول الطريقة، وما قبل ذلك إلا كالدهليز للسالك إليه " - ثم يوضح أكثر فيقول: " ومن أول الطريقة تبتدي المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة، وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً، ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق، فلا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز منه.." ، ما نوع تصوف الغزالي الذي يقول فيه هذا الكلام - خاصة المقطع الأخير منه -؟.
لقد كان التصوف قبله متمثلاً بتصوف المحاسبي، ثم القشيري، وقد سبق حقيقة تصوفهما، وما يحمله من بدع مخالفة للسنة، فهل كان تصوف الغزالي من هذا النوع، أم كان تصوفاً من نوع آخر.
إن هناك من يدافع عن الغزالي، ويرى أن تصوفه تصوف سني، وأنه هاجم الفلاسفة والمتكلمين لنصرة طريق الصوفية، ولكن المطلع على كتبه - وما ألفه منها للخاصة – كـ(مشكاة الأنوار)، و(المعارف العقلية)، و(ميزان العمل)، و(معارج القدس)، و(روضة الطالبين)، و(المقصد الأسنى)، و(جواهر القرآن)، و(المضنون به على غير أهله)، يرى شيئاً آخر غير التصوف المعروف.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:31


إن مفتاح معرفة شخصية الغزالي أمران:
أولهما: ما سبق نقله عنه من أن لكل رجل كامل ثلاث عقائد، إحداها ما يتظاهر به أمام العوام ويتعصب، والثانية: ما يسار به في التعليم والإرشاد - وهو يختلف بحسب حال المسترشد الطالب - ،والثالثة: ما يعتقده الإنسان في نفسه ولا يطلع عليه إلا من هو شريكه في المعرفة، إذاً الغزالي -حتماً - يخفي جوانب خاصة وسرية من عقيدته.
والثاني: جمع أقواله ولمحاته - التي يشير دائماً إلى سريتها والضن بها - ثم مقارنتها بأقوال من سبقه من الفلاسفة - المائلين إلى الإشراق والتصوف - كابن سينا وغيره، وقد تنبه إلى هذا المنهج بعض الباحثين ، ونحن هنا نذكر نماذج فقط من أقواله التي تدل على أن تصوفه كان تصوفاً فلسفياً إشراقياً، وإن هجومه على الفلاسفة في التهافت لم يكن إلا بمنهج النوع الأول من العقيدة -لكل إنسان - وهي العقيدة التي يتعصب لها ويذب عنها:
1ـ يقول الغزالي في كتابه: (إحياء علوم الدين) عن علم المكاشفة: " هو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها، فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذاك، حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه، وبصفاته الباقيات التامات، وبأفعاله, وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة، ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا، والمعرفة بمعنى النبوة والنبي، ومعنى الوحي، ومعنى الشيطان، ومعنى لفظ الملائكة والشياطين، وكيفية معاداة الشياطين للإنسان، وكيفية ظهور الملك للأنبياء، وكيفية وصول الوحي إليهم، والمعرفة بملكوت السموات والأرض..الخ" ثم يقول عن هذه الكشوفات التي تحصل: " وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب، ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله، وهو المشارك فيه، على سبيل المذاكرة، وبطريق الإسرار وهذا هو العلم الخفي ..." ، إن هذا الكلام الخطير يقوله الغزالي في أهم وأشهر كتاب من كتبه، وقد ألفه في أواخر عمره بعد عزلته ورجوعه إلى بغداد، ومما يلاحظ أن لفتات كثيرة تشبه هذا الكلام جاءت متفرقة في هذا الكتاب الكبير.
2ـ ويقول في كتابه (مشكاة الأنوار) وهو من كتبه التي ألفها للمخاصة ولذلك يقول في مقدمته: " أما بعد فقد سألتني أيها الأخ الكريم.. أن أثبت إليك أسرار الأنوار الإلهية، مقرونة بتأويل ما يشير إليه ظواهر الآيات المتلوة والأخبار المروية " ، ثم يقول: " ولقد ارتقيت بسؤالك مرتقى صعباً تنخفض دون أعاليه أعين الناظرين، وقرعت باباً مغلقاً لا يفتح إلا للعلماء الراسخين، ثم ليس كل سر يكشف ويفشى، ولا كل حقيقة تعرض وتجلى، بل صدور الأحرار قبور الأسرار، ولقد قال بعض العارفين: إفشاء سر الربوبية كفر ..." ، وبعد أن يذكر تأويلات باطنية وفلسفية عجيبة يقسم الناس - في آخر الكتاب - إلى أصناف، ومنهم المحجوبون بمحض الأنوار، وهؤلاء أيضاً أصناف وبعد أن يذكر الصنف الأول والثاني يقول: " والصنف الثالث ترقوا عن هؤلاء وقالوا: إن تحريك الأجسام بطريق المباشرة ينبغي أن يكون خدمة لرب العالمين، وعبادة له, وطاعة من عبد من عباده يسمى: ملكاً، نسبته إلى الأنوار الإلهية المحضة نسبة القمر في الأنوار المحسوسة، فزعموا أن الرب هو المطاع من جهة هذا المحرك، ويكون الرب تعالى محركاً للكل بطريق الأمر، لا بطريق المباشرة، ثم في تقسيم ذلك الأمر وماهيته غموض يقصر عنه أكثر الأفهام, ولا يحتمله هذا الكتاب"، ثم يقول: " فهؤلاء الأصناف كلهم محجوبون بالأنوار المحضة، وإنما الواصلون صنف رابع تجلى لهم أن هذا " المطاع " موصوف بصفة تنافي الوحدانية المحضة والكمال البالغ لسر لا يحتمل هذا الكتاب كشفه، وإن نسبة هذا المطاع نسبة الشمس في الأنوار..." ، وهذا المطاع هو العقل الأول عند الفلاسفة.
3ـ وفي معارج القدس - وهو من كتبه الفلسفية الخاصة - ينهج فيه نهج الفلاسفة في بحوثهم عن النفس الإنسانية، ويذكر خصائص النبوة، وأنها ثلاث: قوة التخيل, وقوة العقل، وقوة النفس - وهذا نفسه هو كلام الفلاسفة الذين يقولون: إن النبوة مكتسبة -، ويفسر الغزالي آية النور اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ [النور: 35]، بقوله: " فالمشكاة مثل العقل الهيولاني، فكما أن المشكاة مستعدة لأن يوضع فيها النور فكذلك النفس بالفطرة مستعدة لأن يفيض عليها نور العقل... ثم إذا حصلت له المعقولات فهو نور على نور، نور العقل المستفاد على نور العقل الفطري، ثم هذه الأنوار مستفادة من سبب هذه الأنوار بالنسبة إليه كالسراج بالنسبة إلى نار عظيمة طبقت الأرض، فتلك النار هي العقل الفعال المفيض لأنوار المعقولات على الأنفس البشرية " ، وهذا لا يحتاج إلى تعليق، ومنها يتضح ما يقصده الغزالي بالأسرار، والتي يقول فيها في كتابه (المعارف العقلية): " وهذا القدر الذي كتبنا وذكرنا في هذه الأوراق نخبة أسرار غير مكتوبة، وإشارات مكنونة, ورموز مستورة.. ولا يحل أن يوضع الورد بين الحمير، ويطرح الدر في فم الخنزير" ، وقد صرح في كتابه هذا بأمور غريبة وعجيبة حقاً.
4ـ ويقول الغزالي في كتابه – (جواهر القرآن) - " وهذه العلوم الأربعة أعني علم الذات, والصفات, والأفعال, وعلم المعاد, أودعنا من أوائله ومجامعه القدر الذي رزقنا منه مع قصر العمر, وكثرة الشواغل والآفات, وقلة الأعوان والرفقاء, بعضَ التصانيف، لكنا لم نظهره، فإنه يكل عنه أكثر الأفهام، ويستضر به الضعفاء، وهم أكثر المترسمين بالعلم، بل لا يصلح إظهاره إلا على من أتقن علم الظاهر، وسلك في قمع الصفات المذمومة من النفس وطرق المجاهدة حتى ارتضت نفسه, واستقامت على سواء السبيل "، ثم يقول محذراً: " وحرام على من يقع ذلك الكتاب بيده أن يظهره إلا على من استجمع هذه الصفات ".
وفي (إلجام العوام عن علم الكلام)، مع أنه كتاب في المنع من علم الكلام أن يدرس للعامة إشارات عديدة إلى مثل هذه العلوم المستورة.
5ـ وفي (روضة الطالبين): يشرح بشكل واضح كيف تتم الكشوف، والعقبات التي تحول دونها، وهي ست عقبات، وماذا يحصل لكل من تجاوز عقبة من العقبات وكيف يصل إلى السكر والفناء، وفي كلامه عن الروح ولماذا منع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من إفشاء سر الروح، قسم الناس إلى أعوام وخواص، ثم ذكر من ترقى عن العامية قليلاً من المعتزلة والأشعرية, ثم قال: " فإن قيل لمَ لا يجوز كشف السر مع هؤلاء؟ فيقال: لأنهم أحالوا أن تكون هذه الصفة لغير الله تعالى، فإذا ذكرت هذا معهم كفروك، وقالوا هذا تشبيه لأنك تصف نفسك بما هو صفة الإله تعالى على الخصوص " ، والغزالي في (المقصد الأسني) وإن رد على الاتحادية أو أصحاب وحدة الوجود، إلا أنه ذكر أموراً فلسفية وأشار إلى سريتها، فصرح بأن الله معشوق - كما يقوله الفلاسفة - ولما أشار إلى أبدية الإنسان وأنه لا سبيل عليه للعدم قال: " وكشف ذلك بالحقيقة مما لا يحتمله هذا الكتاب ".
6ـ وهذا الذي ذكره الغزالي في كتبه هو ما يؤكده تلاميذه ومنهم ابن العربي الذي يقول عنه -بعد أن لقيه وتتلمذ عليه - " ولا ينكر أحد من الإسلاميين، لا من الفقهاء، ولا من المتكلمين، أن صفاء القلب وطهارته مقصود شرعي، إنما المستنكر أن صفاءه يوجب تجلي العلوم فيه بذاته " ، ثم يقول - بعد ذكر الطائفة الثانية من المتصوفة كالمحاسبي والقشيري -: " ونجمت في آثارهما أمم انتسبت إلى الصوفية، وكان منها من غلا وطفف، وكاد الشريعة وحرف، وقالوا - كما تقدم - لا ينال العلم إلا بطهارة النفس، وتزكية القلب، وقطع العلائق بينه وبين البدن، وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال، والخلطة بالجنس، والإقبال على الله بالكلية، علماً دائماً مستمراً حتى تنكشف له الغيوب، فيرى الملائكة ويسمع أقوالها، ويطلع على أرواح الأنبياء ويسمع كلامهم، ووراء هذا علو ينتهي بمشاهدة الله، يدخلونه في باب الكرامات إذ كان من المجوزات " ، ثم قال: " ولقد فاوضت فيها أبا حامد الغزالي حين لقائي له بمدينة السلام في جمادى الآخر سنة تسعين وأربعمائة، وقد كان راضَ نفسه بالطريقة الصوفية من سنة ست وثمانين... فسألته سؤال المسترشد عن عقيدته, المستكشف عن طريقته، لأقف من سر تلك الرموز التي أومأ إليها في كتبه، مرتبته، وسمو منزلته، وما ثبت له في النفوس من تكرمته؛ فقال لي من لفظه، وكتبه لي بخطه: إن القلب إذا تطهر عن علاقة البدن المحسوس، وتجرد للمعقول انكشفت الحقائق، وهذه أمور لا تدرك إلا بالتجربة لها عند أربابها، بالكون معهم والصحبة لهم، ويرشد إليه طريق من النظر وهو: أن القلب جوهر صقيل، مستعد لتجلي المعلومات فيه، عند مقابلتها عرياً عن الحجب، كالمرآة في ترائي المحسوسات عند زوال الحجب "، ثم يقول ابن العربي: " قال لي: وقد تقوى النفس، ويصفو القلب حتى يؤثر في العوالم، فإن للنفس قوة تأثيرية موجدة .. "، وهذه الأقوال موجودة في كتبه ، وقد نقلنا ما
يشبهها سابقاً.
7ـ ومن الأمور الخطيرة في مذهب الغزالي ميله إلى تأويل عذاب القبر، وعذاب النار ونعيم الجنة، بتأويلات قرمطية باطنية، حتى ذكر في المضنون به على غير أهله: أن نصوص النعيم " مما خوطب به جماعة يعظم ذلك في أعينهم، ويشتهونه غاية الشهوة " ، ويقول: " والرحمة الإلهية ألقت بواسطة النبوة إلى كافة الخلق القدر الذي احتملته أفهامهم " ، ولا يقول قائل: إن هذا في كتاب (المضنون) - وهو مشكوك في صحة نسبته إلى الغزالي - لأن الغزالي صرح بشيء من ذلك في كتابه (الأربعين) - الذي لا يشك أحد في نسبته إليه - فقال: " أما قولك: إن المشهور من عذاب القبر التألم بالنيران والعقارب والحيات، فهذا صحيح، وهو كذلك، ولكني أراك عاجزاً عن فهمه ودرك سره وحقيقته، إلا أني أنبهك على أنموذج منه تشويقاً لك إلى معرفة الحقائق، والتشمر للاستعداد لأمر الآخرة، فإنه نبأ عظيم أنتم عنه معرضون " ، ثم يضرب مثالاً، ويؤوله ثم يقول: " لعلك تقول: قد أبدعت قولاً مخالفاً للمشهور، منكراً عند الجمهور، إن زعمت أن أنواع عذاب الآخرة يدرك بنور البصيرة والمشاهدة إدراكاً مجاوزاً حد تقليد الشرائع، فهل يمكنك -إن كان كذلك - حصر أصناف العذاب وتفاصيله؟ فاعلم أن مخالفتي للجمهور لا أنكره، وكيف تنكر مخالفة المسافر للجمهور، فإن الجمهور يستقرون في البلد الذي هو مسقط رؤوسهم، ومحل ولادتهم، وهو المنزل الأول من منازل وجودهم وإنما يسافر منهم الآحاد " ، ثم يذكر كيف يترقى الإنسان حتى " يفتح له باب الملكوت, فيشاهد الأرواح المجردة عن كسوة التلبيس، وغشاوة الأشكال، وهذا العالم لا نهاية له " ، ولا شك أن مذهب الغزالي الفلسفي الصوفي قاده إلى مثل هذه التأويلات الخطيرة - نعوذ بالله من الخذلان -.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:33

هذا هو أبو حامد الغزالي - من خلال لمحات سريعة عن منهجه وعقيدته - الذي تأثر به من جاء بعده، ويمكن تلخيص هذا التأثير بما يلي:
1ـ التأكيد على إنكار السببية، فقد تأثر به من جاء بعده، دون الانتباه إلى تحفظاته التي أوردها.
2ـ تكريس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري، وقد جاءت صياغة هذا القانون بشكل مركز على يد الرازي.
3ـ تحويل المعركة من معركة مع المعتزلة - والفلاسفة من باب أولى - إلى معركة مع الفلاسفة، وهذا ما نشاهده لدى كثير من الأشاعرة لكنه هجوم من منطلق صوفي.
4ـ إنه لا مانع أن يحمل الإنسان أكثر من عقيدة - حسب الأحوال - وهذا ما نشاهد نموذجاً له عند الرازي، الذي ظهر في بعض كتبه فيلسوفاً وبعضها أشعرياً.
5ـ نقله التصوف من التصوف المعروف قبله - على ما فيه من بدع تصغر أو تكبر -إلى تصوف فلسفي إشراقي، وإذا كان هذا المذهب جاء عند الغزالي على شكل عقيدة مخفية لا يصرح بها للعوام، فإن الأشاعرة من بعده صرحوا بتبنيهم للفلسفة- أحياناً - أو لبعض آراء الفلاسفة.
6ـ كما أن المنطق الأرسطي - بقي بعد الغزالي - على ما صرح به الغزالي من أنه آلة، وأنه لا علاقة له بالعقيدة.
7ـ وأخيراً بقي الغزالي - في كتابه (الإحياء خاصة) - مرجعاً يرجع إليه فئات كثيرة من الناس على مختلف مشاربهم وعقائدهم، لأن كلاً منهم يجد في هذا الكتاب ما يوافق هواه.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book

أعلام الأشاعرة في الفترة بين الغزالي والرازي

ـ ابن تومرت ت 524هـ.
ـ أبو بكر بن العربي ت 534هـ.
ـ الشهرستاني ت 548هـ.
ـ ابن عساكر ت 571هـ.
أما ابن تومرت فشهرته جاءت كمؤسس لدولة الموحدين، التي قامت على أنقاض دولة المرابطين - التي كانت دولة سنية -، وحادثة إحراق كتب الغزالي، وعلى رأسها الإحياء - مشهورة ، وسبب إحراقها ما حوته من تأويل وأقوال مخالفة لمذهب السلف، فلما جاء ابن تومرت- الذي ذكر أنه لقي بعض الأشاعرة في رحلته إلى المشرق ومنهم الغزالي - وبدأ ثورته ضد المرابطين أخذ يستخدم في حربهم أساليب متعددة منها رميهم بالتجسيم، وألف عقيدته المسماة المرشدة، ونجح في تأسيس دولة الموحدين فاشتهر على أنه أحد أعلام الأشاعرة، والظاهر أن تصنيفه كأحد الأعلام الذين نشروا المذهب الأشعري جاء لسببين:
أحدهما: حربه للمرابطين السنة، وكان من الأشياء التي حاربهم بها اتهامه لهم بالتجسيم والتشبيه، فهو بهذا فتح الباب لدخول التأويل الكلامي لبلاد المغرب، ولم يقتصر الأمر على هذا بل تبنى - بصفته إماماً مطاعاً - هذا الجانب، فكان لسلطته الدور الأكبر في انحسار مذهب السلف، وفشو مذاهب المتكلمين.
الثاني: تأليفه لـ(المرشدة) ، وهي عقيدة - مختصرة - مستقاة من مذهب الأشاعرة، ولم يقتصر الأمر على هذا بل كان يفرض هذه العقيدة على الناس، بحيث تدرس للعوام، مما جعلها تشتهر بسرعة.
وفيما عدا ذلك فابن تومرت يبدو أقرب ما يكون إلى مذهب المعتزلة، ومذهب الشيعة، وقد كان أحد أتباعه لما كتب تاريخ ابن تومرت لا يسميه إلا الإمام المعصوم, وليس قربه من هؤلاء بأقل من قربه من الأشاعرة.
أما أبو بكر بن العربي المعافري الأشبيلي، فقد تتلمذ على الغزالي بلا شك وتأثر به وإن كان قد نقده في بعض المواضع، بل ونقد بعض شيوخ الأشاعرة كالأشعري, والباقلاني, والجويني ، لكنه مع ذلك بقي ملتزماً بمذهب الأشاعرة في الصفات وغيرها، بل ودافع عن منهجهم فقال: " فإن قيل فما عذر علمائكم في الإفراط بالتعلق بأدلة العقول دون الشرع المنقول في معرفة الرب، واستوغلوا في ذلك؟ قلنا: لم يكن هذا لأنه خفي عليهم أن كتاب الله مفتاح المعارف ومعدن الأدلة، لقد علموا أنه ليس إلى غيره سبيل ولا بعده دليل، ولا وراءه للمعرفة معرس ولا مقيل، وإنما أرادوا وجهين: أحدهما: أن الأدلة العقلية وقعت في كتاب الله مختصرة بالفصاحة، مشاراً إليها بالبلاغة مذكوراً في مساقها الأصول، دون التوابع والمتعلقات من الفروع، فكمل العلماء ذلك الاختصار، وعبروا عن تلك الإشارة بتتمة البيان، واستوفوا الفروع والمتعلقات بالإيراد... الثاني: أنهم أرادوا أن يبصروا الملاحدة ويعرفوا المبتدعة أن مجرد العقول التي يدعونها لأنفسهم، ويعتقدون أنها معيارهم لاحظ لهم فيها.." ، وهذا الكلام - بما فيه من لمز خفي بكتاب الله وكمال بيانه - استقاه ابن العربي من شيوخه الذين أمر بالاقتداء بهم في التأويل حين قال حول صفات اليد، والقدم، والأصابع، والنزول: " اسرد الأقوال في ذلك بقدر حفظك، وأبطل المستحيل عقلاً بأدلة العقل، والممتنع لغة بأدلة اللغة، والممتنع شرعاً بأدلة الشرع، وأبق الجائز من ذلك كله بأدلته المذكورة، ورجح بين الجائزات من ذلك كله إن لم يمكن اجتماعها في التأويل، ولا تخرج في ذلك عن منهاج العلماء، فقد اهتدى من اقتدى، ولن يأت أحد بأحسن مما أتى به من سبق أبداً " ، وما منهجه في كتابه (قانون التأويل) وغيره  إلا أكبر دليل على أشعريته.
وابن العربي - مع أشعريته - تميز بأمور:
1ـ منها حياته الخاصة وجهوده الكبيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى جرى له لما تولى القضاء أمور كثيرة سببت عداء كثير من الناس له.
2ـ تحقيقات أصولية, وحديثية, وفقهية, أودعها كتبه المختلفة في الحديث, والتفسير, والأصول.
3ـ دوره العظيم في الدفاع عن الصحابة وما جرى بينهم، والرد على مختلف الطوائف المنحرفة عن مذهب السلف في هذا الباب، وقد جاء ذلك في قسم من كتابه (العواصم من القواصم).
أما الشهرستاني فقد اشتهر بكتابيه (الملل والنحل) و(نهاية الإقدام)، كما كانت له ردود على الفلاسفة في كتابه (مصارعة الفلاسفة) وأكثر ما يميز مذهبه ومنهجه:
1ـ العناية بنقل أقوال الناس، وقد تمثل هذا بوضوح في كتابه (الملل والنحل) حيث اشتهر كأحد مؤرخي الفرق في ملّية وغيرها، كما تمثل هذا أيضاً في بقية كتبه، فهو في مصارعة الفلاسفة ينقل أقوال الفلاسفة - وعلى رأسهم ابن سينا - بحروفها ثم يعقبها بالنقض والمناقشة، وكذلك فعل في كتابه نهاية الإقدام فإنه نقل أقوال أئمة الأشاعرة والمعتزلة.
2ـ عرض المذهب الأشعري - بأقوال أئمته - وقد كان عنوان كتابه (نهاية الإقدام في علم الكلام)، يحمل دلالة معينة، فيها الانتصار للأشاعرة ومذهبهم الكلامي، ولم يكن الشهرستاني صاحب منهج محدد، بل كان ناقلاً لأقوال من سبقه، حاكماً بينها في بعض الأحيان ، وفي الكتاب ردود على من يسميهم أهل التشبيه من الكرامية وغيرهم مع قسوته عليهم ، كما أن فيه ردوداً على المعتزلة وسماهم مرة بالخناثي لأنهم ليسوا مع الفلاسفة ولا الأشاعرة.
3ـ الإقرار بالحيرة حتى وهو يؤلف كتابه في علم الكلام، ولذلك قال في أول صفحة من (نهاية الإقدام)، مستشهداً.
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلا واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نادم
ولم يخل الكتاب من عبارات الحيرة.
4ـ رد على الفلاسفة ردوداً قوية، لكنه مع ذلك تأثر بأقوالهم، ومن أبشع الأمور التي تأثر فيها بهم قوله بجواز وجود الجواهر العقلية, والنفوس الفلكية المجردة.
وابن عساكر  اشتهر كمدافع عن المذهب الأشعري في كتابه المشهور شهرة واسعة: " (تبيين كذب المفتري) فيما نسب إلى الإمام الأشعري، وقد كان لخلفيته الحديثية والتاريخية أثر في منهج الكتاب وقدرته على الدفاع عن أبي الحسن الأشعري، كما أن هذا الكتاب يصح أن يسمى: (طبقات الأشاعرة)، لأنه ترجم لأعلامهم منذ الأشعري وإلى عصره.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:36


فخر الدين الرازي: ت 606هـ.
هو محمد بن عمر بن الحسن بن علي، فخر الدين أبو عبد الله، القرشي البكري، الطبرستاني، الرازي، ولد سنة 544هـ، تتلمذ على والده ضياء الدين المعروف بخطيب الري، ولذلك اشتهر ولده الفخر بابن خطيب الري، ولما توفي والده تتلمذ على الكمال السمناني، ومجد الدين الجيلي الذي لازمه الفخر حتى في أسفاره وقد أخذ عنه الفلسفة كما أخذ عن أبيه ضياء الدين الفقه وعلم الكلام.
وحياة الرازي برز فيها جانبان:
الأول: رحلاته المتكررة، إلى كل من خوارزم، وطوس، وبلاد ما وراء النهر، وهراة التي استقر ومات بها، وقد جرت له في رحلاته مناظرات عديدة مع المعتزلة والكرامية وغيرهم، وكثيراً ما تشتد الخصومة بينه وبين معارضيه فيضطر إلى مغادرة المكان الذي هو فيه.
الثاني: اتصاله بالملوك والسلاطين، وتأليفه أغلب كتبه لهم، وقد استفاد من صلته بهم - خاصة خوارزم شاه وولده محمداً - مالاً وجاهاً عريضاً، وقد توفي الرازي سنة 606هـ.
أما تلاميذ الرازي فهم كثيرون - بخلاف شيوخه- ومن أبرزهم: أفضل الدين الخونجي - صاحب المنطق - وأثير الدين الأبهري ، وتاج الدين الأرموي وغيرهم....
منهج الرازي وأثره في تطور المذهب الأشعري
أولاً: يمثل الرازي مرحلة خطيرة في مسيرة المذهب الأشعري، فهذا الإمام الشافعي الأشعري  ترك مؤلفات عديدة دافع فيها عن المذهب الأشعري بكل ما يملكه من حجج عقلية، كما أنه أفاض في بعضها في دراسة الفلسفة فوافق أصحابها حيناً وخالفهم حيناً آخر، بل وصل الأمر به إلى أن يؤلف في السحر والشرك ومخاطبة النجوم. وقد اختلفت آراء الناس فيه بين مادح وقادح، ومدافع عنه منافح، وناقد له جارح، وقد انتهى في آخر عمره إلى أن الحق في الرجوع إلى مذهب أهل الحديث وهو الاستدلال بالكتاب والسنة، ولكن بقيت المشكلة في مؤلفاته الكلامية والفلسفية التي انتشرت وتلقفها المهتمون بهذه الأمور، لذلك اختلفت أقوال الناس فيه وفي مؤلفاته:
فالسبكي - على عادته في أمثاله - كال له المدح كيلاً بلا حساب، حتى وصل الأمر إلى أن يقول فيه " وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد، واعتزال المعتزلي علماً أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، وفي معيد النعم لما هاجم الفلسفة وأعلامها كابن سينا والفارابي ونصير الدين الطوسي وهاجم الذين حاولوا مزج الفلسفة بكلام علماء الإسلام أورد على نفسه هذا الاعتراض قائلاً: " فإن قلت: فقد خاض حجة الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازي في علوم الفلسفة ودونوها، وخلطوها بكلام المتكلمين فهلا تنكر عليهما؟ " - ثم أجاب قائلاً -:" قلت: إن هذين إمامان جليلان، ولم يخض واحد منهما في هذه العلوم حتى صار قدوة في الدين، وضربت الأمثال باسمهما في معرفة الكلام على طريقة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، فإياك أن تسمع شيئاً غير ذلك، فتضل ضلالاً مبيناً، فهذان إمامان عظيمان وكان حقاً عليهما نصر المؤمنين وإعزاز هذا الدين بدفع ترهات أولئك المبطلين، فمن وصل إلى مقامهما لا ملام عليه بالنظر في الكتب الفلسفية، بل هو مثاب مأجور " ، وليس هذا موضع مناقشة هذه الفكرة التي يطرحها السبكي مدافعاً فيها عن شيوخه من الأشاعرة، وإنما القصد الاستشهاد بأقوال الذين دافعوا عن الرازي وفلسفته، وكان منهم ابن خلكان الذي قال عنه بعد تعداده لمؤلفاته: " وكل كتبه ممتعة، وانتشرت تصانيفه في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه: وأتى فيه بما لم يسبق إليه " ، كما دافع عنه أبو حيان والصفدي وأبو شامة.
أما الذين انتقدوه فكثيرون جداً، منهم ابن جبير الذي قال عنه في رحلته - كما نقل الصفدي -: " دخلت الري فوجدت ابن خطيبها قد التفت عن السنة وشغلهم بكتب ابن سينا وأرسطو " ، ونقل أبو شامة أن الشناعات عليه قائمة بأشياء منها " أنه كان يقول: قال محمد التازي  يعني العربي: يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال محمد الرازي، يعني نفسه، ومنها أنه كان يقرر في مسائل كثيرة مذاهب الخصوم وشبههم بأتم عبارة فإذا جاء إلى الأجوبة اقتنع بالإشارة " ، ثم مدحه ودافع عنه، وقال في بعض المغاربة: " يورد الشبه نقداً، ويحلها نسيئة " ، وقال الطوفي الصرصري المتوفى سنة 716هـ: " وأجمع ما رأيته من التفاسير لغالب علم التفسير كتاب القرطبي، وكتاب (مفاتيح الغيب)، ولعمري كم فيه من زلة وعيب، وحكى لي الشيخ شرف الدين النصيبي  المالكي أن شيخه الإمام الفاضل سراج الدين المغربي السرمساحي، المالكي صنف كتاب (المآخذ على مفاتيح الغيب) ، وبين ما فيه من البهرج والزيف في نحو مجلدين، وكان ينقم عليه كثيراً، خصوصاً إيراده شبه المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من القوة وإيراد جواب أهل الحق منها على غاية ما يكون من الوحي، ولعمري إن هذا لدأبه في غالب كتبه الكلامية والحكمية، كالأربعين، والمحصل، والنهاية، والمعالم، والمباحث المشرقية، ونحوها، وبعض الناس يتهمه في هذا وينسبه إلى أنه ينصر بهذا الطريق ما يعتقده ولا يجسر على التصريح به، ولعمري إن هذا ممكن، لكنه خلاف ظاهر حاله، فإنه ما كان يخاف من قول يذهب إليه، أو اختيار ينصره، ولهذا تناقضت آراؤه في سائر كتبه، وإنما سببه عندي، أنه كان شديد الاشتياق إلى الوقوف على الحق كما صرح به في وصيته التي أملاها عند موته، فلهذا كان يستفرغ وسعه ويكد قريحته في تقرير شبه الخصوم، حتى لا يبقى لهم بعد ذلك مقال، فتضعف قريحته عن جوابها على الوجه، لاستفراغه قوتها في تقرير الشبه..." ،
وقال الذهبي عنه - وقد ترجم له في الميزان في حرف الفاء باسم الفخر - : " رأس في الذكاء والعقليات لكنه عرى عن الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث الحيرة نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وله كتاب (السر المكتوم في مخاطبة النجوم)، سحر صريح، فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى ".
أما الشهرزوري المتوفى سنة 387هـ، تقريباً - فقد نقده نقداً لاذعاً - من منطلق فلسفي إشراقي  وقال عنه " له مصنفات في أكثر العلوم إلا أنه لا يذكر في زمرة الحكماء المحققين، ولا يعد في الرعيل الأول من المدققين، أورد على الحكماء شكوكاً وشبهاً كثيرة وما قدر أن يتخلص منها، وأكثر من جاء بعده ضل بسببها، وما قدر على التخلص منها"، ويقول عنه أيضاً: " هو شيخ مسكين، متحير في مذاهبه التي يخبط فيها خبط عشواء".
هذه أقوال الناس فيه مدحاً وذماً، ومنها يتبين كيف كان الرازي - بمؤلفاته العديدة ذا أثر واضح فيمن جاء بعده من الأشاعرة الذين رأوا فيه علماً من أعلامهم المنافحين عن مذهبهم ضد مخالفيهم من مختلف الطوائف.
ثانياً: هناك مسألة تحتاج إلى بيان، وهي أن الرازي بلا شك خاض في علم الكلام والفلسفة، فعلى أي وجه كان خوضه فيهما؟ وما خلاصة منهجه وعقيدته؟
هل كان فيلسوفاً مثل ابن سينا والفارابي وغيرهما؟ أم كان متكلماً مناهضاً للفلسفة؟ أم أنه متكلم متفلسف يؤيد الفلاسفة حيناً ويؤيد المتكلمين حيناً آخر؟ أم أنه مر بمراحل في حياته، يميل إلى الفلسفة في مرحلة ثم يتخلى عنها إلى علم الكلام في مرحلة لاحقة؟.
هذه أهم الأقوال في حقيقة منهج الرازي وعقيدته التي سطرها في كتبه، والأقوال الثلاثة الأولى منها لا تعارض بينها، لأن من وصفه بأنه فيلسوف فقد بنى قوله على كتبه الفلسفية الواضحة كـ(المباحث المشرقية) و(شرح الإشارات)، و(شرح عيون الحكمة)، وهذه كتب نهج فيها الرازي نهج الفلاسفة, وهو وإن ناقشهم فيها أحياناً, أو جعل فيها قسماً للإلهيات فذلك لأن كتب فلاسفة الإسلام نفسها فيها أشياء من هذا, ولم تخرج كتبهم عن أن تكون كتباً فلسفية، ومن قال إنه متكلم - أشعري - فقد بنى ذلك على كتب الرازي التي تبنى فيها - بقوة- مذهب الأشاعرة كـ(الأربعين) و(أساس التقديس) و(نهاية العقول) و(المعالم) وغيرها وهؤلاء جعلوا خوضه في الفلسفة مثل خوض الغزالي فيها وإنما هو للرد على الفلاسفة, ونقض أقوالهم, ومن قال إنه متكلم متفلسف فقد عبر فعلاً عن ما تحويه كتبه من موافقة لأهل الفلسفة وأهل الكلام.......
ثالثاً: من القضايا المتعلقة بمنهج الرازي أنه يعتبر من الذين خلطوا الكلام بالفلسفة، وقد انتقده في ذلك بعض متأخري الأشعرية حتى قال السنوسي في شرح السنوسية الكبرى عنه "وقد يحتمل أن يكون سبب دعائه بهذا ما علم من حاله من الولوع بحفظ آراء الفلاسفة, وأصحاب الأهواء, وتكثير الشبه لهم، وتقوية إيرادها، ومع ضعفه عن تحقيق الجواب عن كثير منها على ما يظهر من تآليفه، ولقد استرقوه في بعض العقائد فخرج إلى قريب من شنيع أهوائهم، ولهذا يحذر الشيوخ من النظر في كثير من تآليفه " ، وقال أيضاً في شرحه لعقيدته الأخرى "أم البراهين" : " وليحذر المبتدي جهده أن يأخذ أصول دينه من الكتب التي حشيت بكلام الفلاسفة وأولع مؤلفوها بنقل هوسهم وما هو كفر صراح من عقائدهم التي ستروا نجاستها بما ينبههم على كثير من اصطلاحاتهم وعباراتهم التي أكثرها أسماء بلا مسميات، وذلك ككتب الإمام الفخر في علم الكلام، وطوالع البيضاوي, ومن حذا حذوهما في ذلك، وقل أن يفلح من أولع بصحبة الفلاسفة "، وأشعرية الرازي لا يتطرق إليها أي شك، وهو وإن خالفهم أحياناً, أو ردّ على بعض أعلام الأشاعرة إلا أنه وضع بعض التآليف التي أصبحت فيما بعد عمدة يعتمد عليها الأشاعرة، وذلك مثل كتابه (المحصل)، والمعالم، والأربعين، والخمسين، وأساس التقديس، وهذا الأخير يعتبر من أقوى كتبه الأشعرية وأهمها, ولذلك أفرد له شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً من أهم كتبه وأكبرها - وهو وإن كان لم يصل إلينا كاملاً - إلا أن الذين ذكروه تحدثوا عنه بما يفيد أنه أكبر من (درء تعارض العقل والنقل)، وما وجد من هذا الكتاب - مطبوعاً ومخطوطاً - يدل على أن شيخ الإسلام تتبع أقوال الرازي كلمة كلمة وعبارة عبارة ونقضها وبين ما فيها من مخالفة لمذهب السلف، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة رده على الرازي مكانته ومنزلته بين أتباعه فقال: " فلهذا ذكرت ما ذكره أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي، المعروف بابن خطيب الري، الإمام المطلق في اصطلاح المقتدين به من أهل الفلسفة والكلام، المقدم عندهم يجعلونه في زمنه ثاني الصديق في هذا المقام لما رده في ظنهم من أقاويل الفلاسفة بالحجج العظام، والمعتزلة ونحوهم، ويقولون: إن أبا حامد ونحوه لم يصل إلى تحقيق ما بلغه هذا الإمام، فضلاً عن أبي المعالي ونحوه ممن عندهم فيما يعظمونه من العلم والجدل بالوقوف على نهاية الإقدام، وأن الرازي أتى في ذلك منتهى نهاية العقول والمطالب العالية بما يعجز عنه غيره من ذوي الإقدام، حتى كان فهم ما يقوله عندهم هو غاية المرام، وإن كان فضلاؤهم مع ذلك معترفين بما في كلامه من كثرة التشكيك في الحقائق، وكثرة التناقض في الآراء والطرائق، وأنه موقع لأصحابه في الحيرة والاضطراب، غير موصل إلى تحقيق الحق الذي تسكن إليه النفوس وتطمئن إليه الألباب، لكنهم لم يروا أكمل منه في هذا الباب، فكان معهم كالملك مع الحجاب، وكان له من العظمة والمهابة في قلوب الموافقين له والمخالفين ما قد سارت به الركبان، لما له من القدرة على تركيب الاحتجاج والاعتراض في الخطاب ".
أما ما يدل على دخوله في الفلسفة فأمور:
أ ـ اهتمامه بكتب ابن سينا وغيره، ففي المباحث المشرقية اعتمد كثيراً على أقوال ابن سينا ونقلها، كما أنه شرح الإشارات، واختصرها، وشرح عيون الحكمة - وكلها لابن سينا - وقد سبق نقل كلام الرازي في مدحه وأنه قال عنه أنه أحسن من نقل كتب الأقدمين من الفلاسفة، واهتمام الرازي بهذه الكتب بحد ذاته يدل على إعجابه بها، وهو وإن نقد بعض فصولها إلا أنه في نفس الوقت وافقهم على ما في الفصول الأخرى.
ب ـ لم يقتصر الأمر على شرح كتب الفلاسفة، بل دافع عنها، حتى أنه لما ورد بخارى وسمع أن أحداً من أهلها أورد إشكالات على إشارات ابن سينا، رد عليه وناقشه في قصة ذكرها القزويني ، كما أنه دافع عن عموم الفلاسفة فقال في إحدى المناسبات: " وإذا أمكن تأويل كلام القوم على الوجه الذي فصلناه فأي حاجة بنا إلى التشنيع عليهم, وتقبيح صورة كلامهم ".
جـ ـ لما ذكر الأقوال في المعاد وهل يكون للروح أو للجسد والروح ذكر قول القائلين بالمعاد الروحاني والجسماني معاً - وقال بعد ذكر عنوان هذا الفصل - : " اعلم أن كثيراً من المحققين قالوا بهذا القول، وذلك لأنهم أرادوا الجمع بين الحكمة والشريعة" ، ثم قال بعد شرح قولهم: " فهذا المعنى لم يقم على امتناعه برهان عقلي، وهو جمع بين الحكمة النبوية والقوانين الفلسفية فوجب المصير إليه" ، ونصوص المعاد من أوضح ما ورد بيانه في القرآن، ومع ذلك فالرازي يرى وجوب المصير إلى هذا القول لموافقته للقوانين الفلسفية.
د ـ موافقته لأقوال الفلاسفة في بعض المسائل التي اختصوا بها، وهو وإن رجع عن بعضها إلا أن أقواله وترجيحاته بقيت مدونة في كتبه، ومن أهم الأمثلة على ذلك:
1ـ قوله بالعقول المجردة، وأن لكل ملك نفساً، ويرى أن دليل المتكلمين على إبطال ما قاله الفلاسفة من وجود العقول المجردة دليل ضعيف.
2ـ قوله بالمثل الأفلاطونية في بعض كتبه، فقد أثبتها في الملخص في الحكمة والمنطق، وقال في شرح الإشارات: " ما قامت الدلالة القاطعة على فسادها " ، ولكنه في المباحث المشرقية أبطلها.
3ـ وأخطر قضية قال بها ووافق فيها الفلاسفة قوله بالتنجيم وأن الكواكب أرواحاً تؤثر في الحوادث الأرضية، وكذلك قوله في السحر، وتأليفه في ذلك كتاباً مستقلاً سماه (السر المكتوم في مخاطبة النجوم) وقد أثار هذا الكتاب جدلاً حول صحة نسبته إليه، واختلف حوله، بين نافٍ، وشاكٍ، ومثبتٍ، وقد عرض الزركان الخلاف حوله، واستقصى أقوال العلماء في ذلك، ثم رجح صحة نسبته إليه، وممن رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع متفرقة من كتبه، وكتاب (السر المكتوم) أشار إليه الرازي وأحال عليه في بعض كتبه، وقد وصل إلينا وطبع في الهند، إلا أن الذي يدل دلالة قاطعة على صحة نسبة هذا الكتاب إليه أنه ذكر هذه المسألة في كتاب من أواخر كتبه وأشهرها - ولم يتمه - وهو كتاب (المطالب العالية)، وقد قال فيه - عند حديثه عن السحر وأقسامه وهو القسم الثالث في كتاب (النبوات) - "اعلم أنا ما رأينا إنساناً عنده في هذا العلم شيء معتبر، وما رأينا كتاباً مشتملاً على أصول معتبرة في هذا الباب إلا أنا لما تأملنا حصلنا فيه أصولاً وجملاً، فمن جاء بعدنا وفاز بالفوائد والزوائد في هذا الباب فليكن شاكراً لنا, حيث رتبنا له هذه الأصول المضبوطة, والقواعد المعلومة " ، ثم يقول: " ثبت بالدلائل الفلسفية أن مبادئ حدوث الحوادث في هذا العالم هو الأشكال الفلكية, والاتصالات الكوكبية، ثم إن التجارب المعتبرة في علم الأحكام (أي أحكام النجوم) انضافت إلى تلك الدلائل، فقويت تلك المقدمة جداً " ، ثم ذكر الأدلة على صحة هذا العلم وأن منها إطباق من قديم الدهر على التمسك بعلم النجوم، ثم قال بعد ذكره لوجوه صعوبة هذا العلم: " فهذا ضبط الوجوه المذكورة في بيان أن الوقوف على أحوال هذا العلم بالتمام والكمال صعب، إلا أن العقلاء اتفقوا على أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فهذا العلم وإن كان صعب المرام من هذه الوجوه إلا أن الاستقراء يدل على حصول
النفع العظيم فيه، وإذا كان كذلك وجب الاشتغال بتحصيله والاعتناء بشأنه، فإن القليل منه كثير بالنسبة لمصالح البشر " ، وله بعد ذلك كلام غريب وخطير في هذا الباب.
وقد كان من آثار هذا الشرك الصريح، أنه ذكر أن من الأنواع المعتبرة في هذا الباب اتخاذ القرابين وإراقة الدماء، فقال: " إنه لما دلت التجارب عليها وجب المصير إليها" ، بل قال بتعظيم المزارات والقبور وأن الدعاء عندها فيه فائدة فقال في معرض ذكره لحجج القائلين بأن النفس جوهر روحي مفارق - وهو ما رجحه في كتابه هذا- : " الحجة الثالثة: جرت عادة العقلاء بأنهم يذهبون إلى المزارات المشرفة، ويصلون ويتصدقون عندها، ويدعون في بعض المهمات, فيجدون آثار النفع ظاهرة، ونتائج القول لائحة، حكى أن أصحاب أرسطو كانوا كلما صعبت عليهم مسألة ذهبوا إلى قبره وبحثوا فيها كانت تنكشف لهم تلك المسألة، وقد يتفق أمثال هذا كثيراً عند قبور الأكابر من العلماء والزهاد في زماننا، ولولا أن النفوس باقية بعد البدن، وإلا لكانت تلك الاستعانة بالميت الخالي من الحس والشعور عبثاً، وذلك باطل ".
هذه أقوال هذا الإمام الذي يقتدي به الكثيرون، ولعل الرازي قد تاب من ذلك قبل وفاته ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونعوذ به من زيغ القلوب، ونسأله الثبات على دينه الحق إلى أن نلقاه.
4ـ ومن المسائل التي كان قوله فيها مضرباً، وكثيراً ما يميل فيها إلى أقوال الفلاسفة، مسألة النبوة، وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:37

رابعاً: تصوف الرازي.
تصوف الرازي قريب مما انتهى إليه تصوف الغزالي، فهو تصوف فلسفي، يقوم على أن التجرد بالرياضة مع العلم والفلسفة يقودان إلى الكشوفات المباشرة ، ولذلك حين يدلل على مذهبه في بقاء النفس الذي وافق فيه الفلاسفة يذكر منها: " أن عند الرياضيات الشديدة يحصل للنفس كمالات عظيمة وتلوح لها الأنوار وتنكشف لها المغيبات " ، ولما وصل إلى النمط التاسع في الإشارات والتنبيهات وهو في "مقامات العارفين"، قال الرازي في شرحه: " هذا الباب أجل ما في هذا الكتاب، فإنه رتب علوم الصوفية ترتيباً ما سبقه إليه من قبله ولا لحقه من بعده" ، وقال معلقاً على كلامه في التفريق والجمع - وهما من اصطلاحات الصوفية-: " لقد وفق المصنف في هذا الفصل حتى جمع في هذه الألفاظ القليلة جميع مقامات السالكين إلى الله، واعلم أن السالكين إلى الله تعالى لا بد وأن يتكلفوا الإعراض عن لذات الدنيا وشهواتها، ولا يزالون في كلفة وتكلف من ذلك إلى أن يزول عن قلبهم حبها والميل إليها، وهو الدرجة الثانية إلا أن منتهى سعيهم وثمرة اجتهادهم ليس إلا محو ما سوى الله عن القلب، ..(ثم يذكر الدرجة الثالثة والرابعة، ثم يقول) فهذه درجات التخلية وهي في لسان الحكمة درجات الرياضات السلبية، وفي لسان محققي الصوفية درجات التخلق بنعوت، وأما درجات الرياضات الإيجابية المسماة عند المحققين بالترقي في مدارج الكمال فهي التخلق بأخلاق الله بقدر الطاقة البشرية.. وقد اتفقت كلمة العارفين على أن مقامات السالكين إلى الله لا تخلو عن الفرق والجمع، وأما الفرق ففيما سوى الله، وأما الجمع ففي الله .." ، ويرى الرازي أن المريد إذا لم يكن عالماً فلا بد له من شيخ محقق، كما يرى أن السماع له آثار في تحريك القلب ورياضته.
وأبرز الكتب التي ذكر فيها أموراً كثيرة تتعلق بالتصوف كتابه في (شرح أسماء الله الحسنى) الذي سار فيه على طريقة القشيري والغزالي في كتابيهما عن أسماء الله، وذلك في الاسم ومعناه ثم ذكر حال الصوفية والشيوخ مع هذا الاسم ودلالته عندهم، ولما ذكر الدعاء وأنه أعظم مقامات العبودية دلل على ذلك بأدلة منها " أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولاً بغير الله فإنه لا يكون دعاؤه خالصاً لوجه الله، فإذا فنى عن الكل وصار مستغرقاً في معرفة الأحد امتنع أن يبقى بينه وبين الحق وساطة" ، وأطال القول في تفسير " هو" وذكر أن له هيبة عظيمة عند أرباب المكاشفات، ويقول: "إن لفظ هو.. نصيب المقربين السابقين الذين هم أرباب النفوس المطمئنة وذلك لأن لفظ هو إشارة، والإشارة تفيد تعين المشار إليه بشرط أن لا يحضر هناك شيء سوى ذلك الواحد" ، ويقول عن موسى والخضر، ومعلوم اعتقاد الصوفية في الخضر -: " ثم إن موسى عليه السلام لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم ليعلم موسى عليه السلام أن كمال الدرجة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتقطع على حقائق الأمور".
وإذا أضيف إلى كلامه هنا ما سبق أن ذكره حول النفوس المجردة يتبين أن تصوفه بناه على جوانب فلسفية قريبة مما ذكره ابن سينا وقد سبقت الإشارة إلى مدى إعجاب الرازي بأقواله في ذلك.
على أن مما يلفت الانتباه في تصوف الرازي - والصوفية تقول بالجبر في القدر لاستغراقهم في توحيد الربوبية - أنه صرح بالقول بالجبر فقال: " فثبت بهذا أن أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الإنسان مضطر باختيار، وأنه ليس في الوجود إلا الجبر " ، وقال: " إن صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت تلك الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازماً، بل قال في (شرح الإشارات): "إن العارف لا يكون له همة في البحث عن أحوال الخلق، ولا يغضب عند مشاهدة المنكر لعلمه بسر الله في القدر" ، وبذلك يلتقي مع غلاة الصوفية في مقالاتهم الخطيرة، وأحوالهم المبطلة للشرائع.
خامساً: حيرته, وتناقضه، ورجوعه.
يعتبر الرازي من أكثر الأشاعرة اضطراباً في أقواله، وهذا بالنظر إلى مجمل أقواله في جميع كتبه، ومن يتتبع الدراسة التي قام بها الزركان يرى ذلك واضحاً في كل مسألة من المسائل التي ذكرها، وهي كثيرة جداً، كما أنه في بعض المسائل أعلن حيرته أو شكه، وفي آخر أمره رجع إلى طريقة القرآن وفضلها، ولعل من أسباب هذه الأمور في منهجه خوضه في المسائل الفلسفية والكلامية، وتقريره لكل مسألة بالأدلة التي أوردها أصحابها, وزيادته على ذلك بأدلة من عنده يرى أنها تصلح أن تكون دليلاً لهم، ولذلك قال في مقدمة المباحث المشرقية بعد أن بين أنه لخص أقوال الفلاسفة واجتهد في تحريرها: " ثم نضم إليه أصولاً وفقنا الله إلى تحريرها, وتحصيلها, وتفصيلها مما لم يقف عليه أحد من المتقدمين, ولم يقدر على الوصول إليه أحد من السالكين" ، ويقول في نهاية العقول عن سبب تأليفه: " وكثر إلحاحهم عليّ بتصنيف كتاب في (أصول الدين) مشتمل على نهاية الأفكار العقلية، وغاية المباحث العلمية، صنفت هذا الكتاب بتوفيق الله تعالى لي بحق ملتمسهم، وأوردت فيه من الحقائق والدقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين، والسابقين واللاحقين، من المحالفين والمخالفين، والمرافقين والمفارقين"، ثم ذكر كيف أنه يستقصي أدلة كل مذهب, ويورد الأسئلة والجوابات, ويتعمق في بحار المشكلات " على وجه يكون انتفاع صاحب كل مذهب بكتابي هذا ربما كان أكثر من انتفاعه بالكتب التي صنفها أصحاب ذلك المذهب " ، بل إنه ذكر أنه إذا لم يجد دليلاً لأصحاب ذلك المذهب استنبط أقصى ما يمكن أن يقال في تقريره.
وهذه الأمور - في منهجه - لا شك في تأثيرها على أسلوبه في الوصول إلى الحقائق في كل مسألة، وهي مفسرة لهذا التناقض والشك والحيرة في كتبه، وقد تكون هناك أسباب أخرى.
وبروز هذه الجوانب في كتبه ومنهجه واضح، ومع ذلك فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
أ ـ كثيراً ما يأتي الرازي بعبارات الشك والإشكال والحيرة، فمثلاً يقول في مسألة حدوث العالم وأنه ليس من شرطه أن يكون مسبوقاً بالعدم قال بعد ذكر الأدلة " وعلى هذه الطريقة إشكال" ثم ذكره وقال: " فقد بطلت هذه الحجة، فهذا شك لابد وأن يتفكر في حله" ، ويقول في مسألة أخرى: " ولكن لابد من فرق بين البابين، وهو مشكل جداً " ، وفي الأربعين قال حول دليل حدوث العالم: " هذا مما نستخير الله فيه " ، وقال: " هذا سؤال صعب وهو ما نستخير الله فيه " ، وقال: " الحيلة ترك الحيلة " ، وفي (نهاية العقول) ذكر إشكالات حول منع حلول الحوادث، وتوقف في مسألة الجوهر الفرد، بل توقف في كتابه (المباحث المشرقية حول مسألة فلسفية).
ب ـ أما تناقضه فكثير، فمثلاً في أساس التقديس قال بتماثل الأجسام، محتجاً به على نفي العلو والصفات الخبرية، ولكنه في المباحث المشرقية، وشرح الإشارات رد ذلك وقال بعدم تماثلها، وفي صفة المحبة قال بتأويلها بالإرادة كما فعل الأشاعرة، ولكنه في أحد مواضع من التفسير قال: " ثبت أن جزم المتكلمين بأنه لا معنى لمحبة الله إلا إرادة إيصال الثواب ليس لهم على هذا الحصر دليل قاطع، بل أقصى ما في الباب أن يقال لا دليل على إثبات صفة أخرى سوى الإرادة فوجب نفيها، لكنا بينا في كتاب( نهاية العقول) أن هذه الطريقة ضعيفة ساقطة"  وهذه المسألة التي ذكرها في (نهاية العقول) أشار فيها أولاً إلى أن القول بأن كل مالا دليل عليه يجب نفيه، مردود، ثم ذكر في موضع آخر - في مسألة أدلة الأشاعرة على وجوب حصر الصفات بالسبع - أن هذه القاعدة من أدلتهم فقال: " أقوى ما قيل فيه أن الله تعالى كلفنا بمعرفته فلا بد من طريق إلى ذلك، وإلا وقع التكليف بالمحال، والطريق لنا إلى ذلك ليس إلا أفعال الله تعالى، وأفعال الله تعالى لا تدل على هذا العدد من الصفات، بدليل أنا لو قدرنا ذاتاً موصوفة بهذا القدر من الصفات، فإنه يصح منه الإلهية، فثبت أن ما وراء هذه الصفات لم يوجد عليه دلالة أصلاً فوجب نفيها " - ثم قال معقباً- : " وقد عرفت ما يمكن أن يقال على هذه الطريقة وما فيها".
ومن أبرز الأمثلة على تناقض الرازي أنه في جميع كتبه قرر أن الأدلة النقلية لا تفيد القطع واليقين فلا يحتج بها في العقائد، ومن هذه الكتب (نهاية العقول) حيث فصل الكلام وأطال فيه، فلما وصل في هذا الكتاب إلى مسألة صفة السمع والبصر ضعف دليل الأشاعرة العقلي في إثباتهما، ثم رجح أن الأولى الاستدلال لها بنصوص السمع، لكنه أورد هذا الاعتراض: " لئن سلمنا إمكان حملها على حقائقها، لكنكم قلتم في أول الكتاب: إن التمسك في المسائل القطعية لظواهر الآيات غير جائز" ثم أجاب بقوله: " نحن ما ذكرنا ذلك السؤال هناك لاعتقادنا أنه لا يمكن الجواب عنه، بل الجواب عنه إجماع الأمة على جواز التمسك بنصوص الكتاب والسنة في المسائل القطعية، وفي هذا الموضوع كلام طويل " ، يقول الزركان معقباً على كلام الرازي هذا: " على أن قوله الأخير لن يغني فتيلاً، بل هو مجرد مخلص لا أقل ولا أكثر، وذلك بدليل أني لم أرَ له في كافة كتبه إلا القول بأن النصوص ظنية الدلالة، وأنها لا تتقدم على العقليات، والدليل على أنه مخلص أيضاً أنه قال: " وفي هذا الموضع كلام طويل" مع أنه لم يبين شيئاً من هذا الكلام الطويل ولو مختصراً، رغم أن الموقف يحتاج إلى البت في هذه المسألة" ، وأقول ماذا سيكون تعليق الرازي لو أنه وجد مثل هذه الطريقة المتناقضة في الاحتجاج استخدمها أحد مخالفيه خاصة المثبتة؟.
جـ رجوعه:
لم يكن الرازي بعيداً عن مذهب السلف، فهو يشير إليه أحياناً لكن ضمن مناقشاته الكلامية والفلسفية، والملاحظ أن عرضه له كثيراً ما يأتي مشوهاً ، فلما كان آخر حياته صرح بترجيحه لمذهب السلف وذلك في كتابيه المتأخرين (المطالب العالية) و(أقسام اللذات)، ثم في وصيته قبل وفاته:
1ـ ففي المطالب العالية لما ذكر أدلة وجود الله رجح طريقة القرآن ثم قال: " ونختم هذه الفصول بخاتمة عظيمة النفع، وهي أن الدلائل التي ذكرها الحكماء والمتكلمون وإن كانت كاملة قوية، إلا أن هذه الطريقة المذكورة في القرآن عندي أنها أقرب إلى الحق والصواب، وذلك أن تلك الدلائل دقيقة ولسبب ما فيها من الدقة انفتحت أبواب الشبهات، وكثرت السؤالات، وأما الطريق الوارد في القرآن فحاصله راجع إلى طريق واحد، وهو المنع من التعمق، والاحتراز عن فتح باب القيل والقال، وحمل الفهم والعقل على الاستكثار من دلائل العالم الأعلى والأسفل، ومن ترك التعصب وجرب مثل تجربتي علم أن الحق ما ذكرته".
2ـ وفي أقسام اللذات - آخر كتبه - قال: " وأما اللذة العقلية فلا سبيل إلى الوصول إليها والتعلق بها، فلهذا السبب نقول ياليتنا بقينا على العدم الأول, وليتنا ما شهدنا هذا العالم، وليت النفس لم تتعلق بهذا البدن، وفي هذا المعنى قلت:


نهاية إقدام العقول عقال




وغاية سعي العالمين ضلال

 - ثم قال- " واعلم أن بعد التوغل في هذه المضايق، والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق رأيت الأصوب والأصلح في هذا الباب طريقة القرآن العظيم والفرقان الكريم، وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام أجسام السموات والأرضين على وجود رب العالمين، ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل ..".
3ـ وفي وصيته المشهورة قال فيها: " لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن " ثم قال: " ديني متابعة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما ".
سادساً: أثره فيمن جاء بعده
ويمكن أن يلاحظ ذلك فيما يلي:
أ ـ أن من جاء بعده من الأشاعرة اعتمد - في تقرير أصول المذهب الأشعري- على ما كتبه الرازي، لأنه استقصى ما يمكن أن يقال مما جاء له المتقدمون من الأشاعرة وزاد على ذلك، ومن ثم أصبحت كتبه مصادر ميسرة ومستوعبة لأدلة الأشاعرة في تقرير مذهبهم, والرد على خصومهم.
ب ـ كانت للرازي اجتهادات في المذهب الأشعري، وصلت إلى حد القرب من المعتزلة أحياناً، والرد على أدلة الأشاعرة وتضعيفها أحياناً أخرى، مع النقد لأعلام الأشاعرة في مناسبات مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك.
1 ـ نقده للغزالي، وللبغدادي، وللشهرستاني، وقد جاء نقده لهؤلاء في مناظراته في بلاد ما وراء النهر.
2ـ وفي مسألة الرؤية ضعف دليل الأشاعرة العقلي، واقتصر في إثباتها على السمع - وقد سبقت الإشارة إلى هذا عند الحديث عن الماتريدية - .
3ـ كما نقد دليل الأشاعرة على إثبات صفة السمع والبصر - وقد مرَّ قريباً-.
4ـ وكذا في صفة المحبة بين - كما تقدم - أنه لا دليل لهم على تأويلها بالإرادة.
5ـ وفي حصرهم الصفات الثابتة بسبع نقدهم نقداً قوياً  كما سلف.
6ـ أما في صفة الكلام، فيعتبر الرازي من الذين ناقشوا حقيقة الخلاف بين الأشعرية والمعتزلة، وقد ضعف أدلة الأشاعرة العقلية لإثبات هذه الصفة، بل بين أن منازعة الأشاعرة للمعتزلة في هذه المسألة ضعيفة، وصرح بأن الحروف والأصوات محدثة.
7ـ اعتذاره لنفاة الصفات بأنهم أرادوا بنفيها إثبات كمال الوحدانية لله تعالى، بل مال إلى مذهب المعتزلة في الصفات حين رد صفتي الإرادة والقدرة إلى صفة العلم.
8 ـ كما نقد الاستدلال بالإحكام والإتقان على العلم، وهو من أدلة الأشاعرة المشهورة.
9ـ دافع عن تكفير المعتزلة والخوارج والروافض، وناقش الأوجه التي كفر بها بعضهم بعضاً، ومن ذلك تكفير الأشاعرة لغيرهم، وفي مسألة الجهل بصفات الله رجح أنه لا يكفر الجاهل بها، وعلل ذلك بأنه يلزم منه تكفير كثير من أئمة الأشعرية بسبب خلافهم في إثبات الصفات، كما رجح أن أهل التقليد ناجون خلافاً لكثير من الأشعرية، وليس المقصود هنا تصويب الرازي أو تخطئته في هذه الأمور التي قرب فيها من منهج أهل السنة، وإنما المقصود أنه خالف فيها كثيراً من شيوخه الأشاعرة.
10ـ تصريحه بالجبر في مسألة القدر - كما تقدم - وذلك خلافاً لشيوخه الذين ينكرون أن يكون قولهم بالكسب يؤدي إلى الجبر.
إلى غيرها من المسائل، التي كان للرازي فيها تأثير فيمن جاء بعده، وذلك بالبعد عن منهج السلف والقرب من بعض فرق الضلال كالمعتزلة وغيرهم كما كان له أيضاً تأثير في وجود الترجيحات المخالفة لمذهب الأشاعرة.
جـ ـ ومن الآثار البارزة في المنهج متابعة من جاء بعده له في خلط علوم الفلسفة بعلم الكلام، يقول ابن خلدون: " ولما وضع المتأخرون في علوم القوم ((أي الفلاسفة)) ودونوا فيها، ورد عليهم الغزالي ما رد منها، ثم خلط المتأخرون من المتكلمين مسائل علم الكلام بمسائل الفلسفة، لعروضها في مباحثهم وتشابه موضوع علم الكلام بموضوع الإلهيات، ومسائله بمسائلها، فصارت كأنها فن واحد، ثم غيروا ترتيب الحكماء في مسائل الطبيعيات والإلهيات، وخلطوهما فناً واحداً، قدموا الكلام في الأمور العامة، ثم أتبعوه بالجسمانيات وتوابعها، ثم بالروحانيات وتوابعها إلى آخر العلم، كما فعله ابن الخطيب في المباحث المشرقية، وجميع من بعده من علماء الكلام "، والمتتبع لكتب البيضاوي والتفتازاني والإيجي وغيرهم يلاحظ هذا المنهج واضحاً، حتى إن مباحث الإلهيات - وهي المقصودة - لا تأخذ من الكتاب الواحد منها إلا جزءاً صغيراً في آخر الكتاب، والباقي كله مقدمات منطقية وطبيعية وفلسفية، وقد علل هؤلاء المتأخرون هذا الخلط بمثل قول التفتازاني المتوفى سنة 791هـ،: " لما كان من الباحث الحكمية مالا يقدح في العقائد الدينية ولم يناسب غير الكلام من العلوم الإسلامية خلطها بمسائل الكلام إفاضة للحقائق، وإفادة لما عسى أن يستعان به التقصي عن المضائق وإلا فلا نزاع في أن أصل الكلام لا يتجاوز مباحث الذات, والصفات, والنبوة, والإمامة, والمعاد, وما يتعلق بذلك من أحوال الممكنات" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:38


أبو الحسن الآمدي : المتوفى  سنة 631هـ.
وقد اشتهر بكتابه الكبير الذي لا يزال مخطوطاً وهو (أبكار الأفكار)، وقد اختصره في كتابه الآخر (غاية المرام في علم الكلام)، وهو مطبوع، ومنهج الآمدي يقرب من منهج الرازي في بعض الأمور ومنها:
1ـ خلطه علم الكلام بالفلسفة، وهو يُعنى كثيراً بالمصطلحات وبيانها.
2ـ نقده لأدلة الأشاعرة في المسائل المختلفة وتضعيفها، فهو مثلاً يقول عن دليل الشهرستاني على حدوث العالم بعد أن نقله بطوله: " وهو عند التحقيق سراب غير حقيقي " ، كما أنه في مسألة حلول الحوادث يستعرض جميع أدلة الأشاعرة على نفيها ثم يضعفها واحداً واحداً ، وإن كان رجح نفيها بدليل اختاره، وكذلك أيضاً اعترض على جواب الأشاعرة عن الاعتراض الموجه لهم حين نفوا الجهة بأن الرؤية لا تكون إلا في جهة فأجابوا عن ذلك بمثال المرآة وأن الإنسان يرى نفسه فيها لا في وجهه، فالآمدي قال عن هذا الجواب " لكن فيه نظر، وهو مما لا يكاد يقوى ".
3ـ ميله إلى التصوف الفلسفي، حتى أنه قال في الأبكار في معرض بيانه أن المعرفة قد تحصل بعدة أمور فذكر منها " طريق السلوك والرياضة، وتصفية النفس وتكميل جوهرها حتى تصير متصلة بالعوالم العلوية، عالمة بها مطلعة على ما ظهر وبطن من غير احتياج إلى دليل ولا تعلم ولا تعليم ".
4ـ الحيرة وإيراد الإشكالات، ومن الأمثلة على ذلك قوله في دليل إثبات الصانع الذي أتى به المتكلمون: " وإن أمكن بيان ذلك فهو مما يطول ويصعب تحقيقه جداً على أرباب العقول " ، وقال عن مسألة خلق الأعمال وقول المعتزلة فيها: " وهو موضع غمرة ومحز إشكال " ، وفي مسألة من أهم المسائل في مذهب الأشاعرة وهي القول بأن كلام الله واحد، أورد الاعتراض الذي يقول: لم لا يقال: إن الصفات كالسمع والبصر والكلام والحياة لا ترجع إلى الذات، مثل القول بأن الكلام واحد مع أنه متنوع، فأجاب الآمدي بقوله: " وما أوردوه من الإشكال على القول باتحاد الكلام وعود الاختلاف إلى التعلقات والمتعلقات فَمُشْكِل، وعسى أن يكون عند غيري حله، ولعسر جوابه فر بعض أصحابنا إلى القول بأن كلام الله تعالى القائم بذاته خمس وصفات مختلفة وهي الأمر والنهي والخبر والاستخبار والنداء ".
5ـ ومما يلاحظ على الآمدي - مثل الرازي - التقرب إلى سلاطين زمانه - ومن حولهم - بإهداء كتبه إليهم ، ولعل مرد ذلك إلى نوع من طلب الحماية من اعتراض عموم علماء المسلمين وفقهائهم عليه.
ـ أما ما خالف فيه الآمدي الرازي فأمور:
1 ـ منها: أنه مع غلبة الحيرة عليه حتى في الأصول الكبار إلا أن تناقضه أقل من تناقض الرازي، والآمدي يورد أدلة من سبقه بخلاف الرازي الذي يوردها ويستنبط من عنده أدلة أخرى جديدة، مما يوقعه في التناقض.
2ـ والآمدي كثيراً ما يرد على الرازي، بل له كتاب لا يزال مخطوطاً اسمه (المآخذ على الإمام الرازي) أو (تلخيص المطالب العالية ونقده) ، كما رد عليه في مسألة حلول الحوادث وقول الرازي: إنها لازمة لجميع الطوائف.
3ـ والآمدي لا يتزعزع يقينه في أن أدلة السمع ظنية لا تفيد اليقين، بخلاف الرازي الذي يشكك أحياناً في أدلة العقل, فيحيل على أدلة السمع، وقد رد الآمدي عليه في هذه المسائل، فرد عليه في تعويله على إثبات صفة الكلام على أدلة السمع، وكذلك في إثبات صفة السمع والبصر، وفي إثبات الرؤية، وبين صحة الدليل العقلي لها.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book

عز الدين بن عبد السلام: ت 660هـ.

الإمام العلم المشهور، وهو أحد تلامذة الآمدي، ويلاحظ أن وفاته كانت قبل ولادة شيخ الإسلام ابن تيمية بسنة واحدة تقريباً، وقد تميز العز بن عبد السلام بكونه من أعلام العلماء العاملين المجاهدين، الذين يقتدى بهم فئات عظيمة من الناس من العلماء وغيرهم، ولذلك فدفاعه عن مذهب الأشاعرة وتقريره له في كتبه له أثره في الناس، وقد كانت إحدى محنة الكبار بسبب مسألة الحرف والصوت، وقد ألف في ذلك عقيدته المسماة "الملحة في اعتقاد أهل الحق" قرر فيها مذهب الأشاعرة في كلام الله وإنكار الحرف والصوت وشنع على مخالفيه من الحنابلة، ووصفهم بالحشو وأغلظ عليهم، وقد أفرد ولده عبد اللطيف ما جرى له في رسالة، ونقلها السبكي، الذي نقل أيضاً " الملحة " بكاملها، ومما تجدر ملاحظته أن شيخ الإسلام رد على العز في رسالته هذه -وأغلظ عليه أحياناً - مع أنه مدحه في أول الجواب عن الفتوى.
والأدلة على أشعرية العز واضحة، وقد سجل خلاصة لعقيدته في كتابه المشهور (قواعد الأحكام)، أما تأويله لبعض الصفات، فواضح في كتابه (الإشارة) إلى الإيجاز فقد أول صفات المجيء، والقبضة، واليدين، والنزول، والضحك، والفرح، والعجب، والاستواء، والمحبة، والغضب، والسخط وغيرها، وهو ممن ينفي العلو والفوقية ويتأولهما، كما أن الشيخ له ميل إلى التصوف، فقد ذكر في كتابه (القواعد) أنواع العلوم التي يمنحها الأنبياء والأولياء فذكر منها: " الضرب الثاني: علوم إلهامية، يكشف بها عما في القلوب، فيرى أحدهم من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله.. ومنهم من يرى الملائكة, والشياطين, والبلاد النائية، بل ينظر إلى ما تحت الثرى، ومنهم من يرى السموات, وأفلاكها, وكواكبها, وشمسها, وقمرها على ما هي عليه، ومنهم من يرى اللوح المحفوظ ويقرأ ما فيه، وكذلك يسمع أحدهم صرير الأقلام, وأصوات الملائكة والجان، ويفهم أحدهم منطق الطير، فسبحان من أعزهم وأدناهم" ، وهذا تصوف غالٍ، وقد أباح في فتاويه السمع وذكر أنواعه، ومنع من الرقص المصاحب له.
والملاحظ في منهج العز - رحمه الله - أنه مع قسوته على مخالفيه في مسألة كلام الله إلا أنه ذكر في بعض كتبه وفتاويه وجوهاً من الأعذار لهم، فذكر في الفتاوى مثلاً أن معتقد الجهة لا يكفر، كما ذكر أن من قال بالحرف والصوت مسلم ويجب رد السلام عليه، أما في القواعد فقد ذكر أن مسائل قدم كلام الله، والصفات الخبرية كالوجه واليدين، والجهة، وغيرها" مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه، بل الحق مع واحد منهم، والباقون مخطئون خطأ معفواً عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه ولا سيما قول معتقد الجهة ..."((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book

الأشاعرة المعاصرون لشيخ الإسلام ابن تيمية

عاصر شيخ الإسلام عدد كبير من علماء الأشاعرة، وجرت بينه وبينهم جولات ومناظرات أدت إلى سجنه مرات عديدة، كما أنها كانت سبباً في تأليفه لعدد كبير من رسائله وكتبه، والملاحظ أنه - رحمه الله - ركز في مواقفه العلمية - أما العملية فسبق شرحها في ترجمته - على الرد على شيوخ أشاعرة عصره، والسبب أن هؤلاء المعاصرين له إنما كانوا يرددون أقوال وحجج من سبقهم، ولم يكن أحد منهم ذا تميز مؤثر بحيث يصبح في منزلة الغزالي أو الرازي أو الآمدي أو غيرهم, من الذين كانت لهم شخصيات مستقلة.
ولهذا السبب سيقتصر العرض هنا على ذكر من وصل إلينا شيء من كتبهم العقدية، وسيكون العرض مختصراً جداً، مع محاولة التركيز على من كانت بينه وبين شيخ الإسلام مناظرة كصفي الدين الهندي، أو جاء له ذكر في بعض أحداث محنته كبدر الدين بن جماعة، مع عدم إغفال من كان لهم تأثير فيمن جاء بعدهم كالبيضاوي والإيجي.
ـ صفي الدين الهندي: ت 715هـ
وقد سمى كتابه (الرسالة التسعينية في الأصول الدينية) لأنها مشتملة على تسعين مسألة، وقد أشار في أولها إلى ما جرى بين ابن تيمية والأشاعرة ، وقد حذا في رسالته هذه حذو الرازي، وذكر القانون الكلي الذي يقدم فيه العقل على النقل عند التعارض، كما أوّل حديث الجارية " أين الله " بتأويل عجيب، وفي مسألة حلول الحوادث رد على الرازي حين قال إن أكثر العقلاء قالوا به، وفي مسألة حوادث لا أول لها ناقشها وكأنه يعرض بشيخ الإسلام ابن تيمية، كما أنه رد على الرازي في قوله في الرؤية: وإنها حالة انكشاف بنوع من العلم، وفي الجملة فليس في هذه الرسالة جديد لا في الأدلة ولا في العرض، ويغلب عليه فيها المنهج العقلي.
ـ بدر الدين بن جماعة: ت 733هـ
وله مؤلفات كثيرة في الحديث وعلوم القرآن وغيرها، أما كتبه في العقيدة فلم يصل إلينا إلا كتابه الذي سماه: (كتاب إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل)، ولا يزال مخطوطاً، وقد نحا فيه منحى الأشاعرة، وذكر في أوله انتشار مذهب المعطلة (المعتزلة) والمشبهة، ثم ذكر أن مذهب المعتزلة " قد محى في بلادنا رسمه، ولم يبقَ فيها إلا ذكره واسمه، وأما مذهب التشبيه فإن جماعات من الأغوام  المجانبين للعلماء الأعلام أحسنوا الظن في بعض من ينسب ذلك إليهم، واعتمدوا في تقليد دينهم عليهم، إذ كان هذا المذهب أقرب إلى ذهن العامي وفهمه"، ثم ذكر أنه أورد ما تمسكوا به من الآيات والأخبار، وما يتعين عليه حملها مما يوافق مذهب الأشاعرة، وقد سار على طريقتهم فأوّل العلو والاستواء، وبقية الصفات الفعلية والخبرية كالمجيء, والوجه، واليدين، والعين، والساق، والقدم، والنزول، والضحك، والفرح، والعجب، وغيرها، ومما يلاحظ في منهجه أنه ذكر أن العلماء قسمان: أهل تأويل وأهل تفويض، ثم رجح التأويل لعدة وجوه، وذكر منها أنه لو قيل بالتفويض لتعطل معنى النصوص، وصار الخطاب بلفظ مهمل، وهذا الكلام مما يركز عليه شيخ الإسلام ابن تيمية كثيراً في الرد على المفوضة، لكن ابن جماعة ذكره لترجيح القول بالتأويل على القول بالتفويض، وفي معرض إنكاره للعلو ذكر القانون العقلي المشهور عند الأشاعرة، كما أنه قال بأن العقلاء اتفقوا على وجود ما ليس في حيز ولا جهة, كالعقول والنفوس، وهو في هذا متأثر بالرازي والآمدي.
كما يلاحظ في منهجه أنه ذكر أولاً الآيات الدالة على الصفات وأوّلها، ثم ذكر الأخبار الصحيحة وأوّلها، ثم ذكر في القسم الثالث الأحاديث الضعيفة، ولم يكتفِ ببيان ضعفها بل أكثر القول في تأويلها، وكأنه في هذا سار على منهج أبي الحسن الطبري، تلميذ الأشعري، وقد سبق الكلام عنه وعن كتابه المشابه لكتاب ابن جماعة، ومن أعجب ما أورده ابن جماعة في كتابه هذا أنه قال عن حديث النار وأن الله يضع عليها قدمه - أو رجله، بعد أن ردَّ على ابن خزيمة بشدة: " واعلم أن من العلماء من جزم بضعف هذا الحديث, وإن خرجه الإمامان لأنهما ومن روياه عنه غير معصومين" ، وموطن العجب في هذا الكلام - وكله عجب- أن المعهود عند هؤلاء المؤولة أن يقول الواحد منهم: إن هذه الأحاديث آحاد لا تفيد اليقين فلا يحتج بها في العقائد، أما أن يقول قائل: إن ما اتفق عليه الشيخان وروياه من عدة طرق، حديث ضعيف لأن البخاري ومسلماً ومن رويا عنهم غير معصومين، فهذا غريب حقاً، خاصة إذا جاء من عالم مهتم بالحديث له مثل كتاب (تذكرة السامع والمتكلم) ، و(المنهل الروي)، وغيرهما، ويشبه هذا ما ذكره - نقلاً عن غيره - من احتمال التصحيف في حديث " ولا شخص أغير من الله " ، وغيره.
وليس في منهج ابن جماعة جديد -إذ هو مقلد لمن سبقه، وكأنه اعتمد على من سلك هذا المنهج في إيراد نصوص الصفات من الآيات والأحاديث والكلام في تأويلها، وذلك مثل أبي الحسن الطبري، وابن فورك، والبيهقي، وقد نص في بعض المواضع على نقله من الأخير.
ـ ناصر الدين البيضاوي: ت 685هـ على الراجح.
وهناك أقوال أخرى في وفاته منها أنه توفي سنة 691هـ ، وقيل أنها كانت سنة 719هـ ، ولكن الراجح أنه سنة 685هـ، وهو الذي ذكره أغلب مترجميه، أما ولادته فلم يذكر لها تاريخ لكن من المحتمل أنها كانت في أوائل القرن السابع أو قبله بقليل، والبيضاوي عاش أغلب عمره بين شيراز وتبريز في بلاد فارس، والغرض من ذكر ما سبق بيان مدى معاصرته لابن تيمية، وأنه لم يقدم إلى الشام ولا إلى مصر، ومع ذلك اشتهرت مؤلفاته خاصة التنزيل، وكتابه (طوالع في الأصول)، في أصول الفقه، وتفسيره المسمى (أنوار التنزيل)، وكتابه (طوالع الأنوار) في علم الكلام، وكل هذه الكتب عني بها العلماء فشرحوها, ووضعوا عليها حواشي عديدة، غالبها مطبوع، والذي يعنينا هنا كتابه الأخير الذي قال فيه السبكي: " أما الطوالع فهو عندي أجل مختصر ألف في علم الكلام" ، وأبرز من شرحه شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن الأصبهاني المتوفى سنة 749هـ، والذي قدم دمشق سنة 725هـ، وصار يتردد على شيخ الإسلام ابن تيمية ولازمه.
الطوالع يعتبر من كتب الأشاعرة التي نهجها متأخرو الأشعرية في الاعتماد على المقدمات الطويلة ثم ذكر ما يتعلق بالإلهيات، وقد استغرقت الإلهيات عند البيضاوي ما يقارب ثلث الكتاب فقط، والباقي في المقدمات العقلية والطبيعية وما شابهها، وليس هناك جديد فيما عرضه في مسائل الإلهيات، سوى أنه قال في مسألة كلام الله " والإطناب في ذلك قليل الجدوى " ، وكأنه ضاق بتناقضات من سبقه في ذلك، ولما عرض لصفات الاستواء واليدين والوجه والعين، ذكر خلاف الأشاعرة فيها ثم قال: " والأولى اتباع السلف في الإيمان بها والرد إلى الله تعالى" ، وفي مسألة القدر والكسب عند الأشاعرة قال: " وهو أيضاً مشكل، ولصعوبة هذا المقام أنكر السلف على المناظرين فيه " ، وقد تابعه الأصفهاني في شرحه, وأحال على مذهب السلف في القدر، وأن يترك المناظرة فيه ويفوض علمه إلى الله تعالى. والملاحظ عموماً على شرح الأصفهاني لمتن الطوالع متابعة صاحبه، وتكرار عبارته، والإضافات التي يوردها قليلة.
ـ عضد الدين الإيجي: ت 756هـ.
أما ولادته فقيل: إنها بعد سنة 680هـ ، وقيل بعد 700هـ ، ومن كتبه: العقائد العضدية، متن مختصر وضعت عليه شروح وحواش عديدة، والكتاب الثاني (المواقف في علم الكلام) وهو كتاب متوسط يقع في 430 صفحة، فقد قسمه إلى ستة مواقف، الأربعة الأولى منها في المقدمات المنطقية, والمباحث الفلسفية، والموقف الخامس والسادس في الإلهيات التي بدأت في ص: 266، والكتاب له شروح، عليها حواشٍ بلغت في طبعته الثانية ثمانية مجلدات كبار، وقد جاءت الإلهيات في الجزء الثامن فقط، وأكبر ما يميز كتاب (المواقف) ذلك التقسيم الجيد للمسائل حيث أنه يقسم الموقف إلى مراصد، وكل مرصد إلى مقاصد - وكل مقصد - إن احتاج - إلى مسالك، كما أن أسلوبه وعبارته قوية سلسة, مع البعد عن التطويل في المناقشات، كما أنه اعتمد على أقوال كبار رجال الأشاعرة والترجيح بينها إن كان بينهم خلاف، وهو كثيراً ما يورد أقوال المعتزلة أو الفلاسفة ويناقشها.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:40


موسوعة الفرق »

 الباب الثالث: فرقة الأشاعرة »

 الفصل الثالث: توحيد الربوبية عند الأشاعرة


المبحث الأول: حقيقة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

يطلق الأشاعرة على هذا النوع من التوحيد: توحيد الذات والأفعال – وسيأتي بعد قليل إن شاء الله شرح مرادهم بعد بيان المراد بكلمة الرب ومعنى الربوبية....
المسألة الأولى: مدلول كلمة الرب من حيث هي اسم لله تعالى:
قال إبراهيم الباجوري في شرحه لبيت من (جوهرة التوحيد): "قوله: (ربه): أي خالقه أو مالكه أو نحو ذلك من معاني الرب المنظومة في قول الشيخ السجاعي:


قريب محيط مالك ومدبر






مرب كثير الخير والمول للنعم


وخالقنا المعبود جابر كسرنا


 


ومصلحنا والصاحب الثابت القدم


وجامعنا والسيد احفظ فهذه




معان أتت للرب فادع لمن نظم
((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip


وهذه المعاني واضحة، ومرادهم بالقديم هنا الإخبار عن الله تعالى بأنه موجود وجوداً أزلياً، وليس مقصودهم القدم النسبي الذي بمعنى طول مدة الوجود التي لا تستلزم الأزلية ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
المسألة الثانية: عموم وخصوص ربوبية الله لخلقه:
والمقصود بالربوبية العامة: خلق الله عز وجل لمخلوقاته, وهدايتهم لما يصلحهم في حياتهم مع بقائهم تحت قهره وملكه، وهذه واضحة في النظم السابق.
وأما الربوبية الخاصة: وهي التي تتعلق بدلالة المكلفين وإرشادهم للدين الحق مع توفيقهم للعمل الصالح – فهذه أيضاً معلومة عند الأشاعرة، وقد نصوا عليها عند كلامهم في مسألة خلق أفعال العباد، فمن أقوالهم في الهداية الخاصة قول الرازي: "واعلم أنه سبحانه هادٍ من حيث إنه خص من أراد من عباده بمعرفته وأكرمه بنور توحيده كما قال: وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ[يونس: 25]" ا هـ.
المسألة الثالثة: تعريف توحيد الربوبية:
كما تقدم فإن الأشاعرة اصطلحوا على تسمية هذا التوحيد بتوحيد الذات والأفعال، فإنهم يثبتون وحدانية في الذات والصفات والأفعال، والوحدانية الأولى والثالثة هما المرداتان هنا، فقالوا عن وحدانية الذات إنها تنفي عن الذات "تركبها من أجزاء... وتعددها بحيث يكون هناك إله ثان فأكثر" فهذا ما تنفيه وحدانية الذات. قالوا: "ووحدة الأفعال بمعنى: أنه لا تأثير لغيره في فعل من الأفعال" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip فيستحيل: "أن يكون لغير الله فعل من الأفعال على وجه الإيجاد" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وقد وضح مقصودهم بتوحيد الذات والأفعال، إلا أن تعبيرهم بكلمة (لا تأثير) فيه شيء من الإجمال ومبالغة ستأتي مناقشتهم فيها إن شاء الله في مسألة الأسباب والمسببات. وكذلك تعبيرهم بكلمة: "تركبها من أجزاء" فيه إجمال متضمن لباطل وحق، فلزم الاستفصال؛ فنفيهم للصفات الذاتية كالوجه واليدين – بدعوى التركيب – نفي باطل لأنه معارض لأدلة من الكتاب والسنة تثبتها، ولا يجوز أن يقال في ما ثبت لله بالأدلة من الصفات إنه تركيب. وأما نفيهم لأن يكون الله متركباً من أجزاء منفردة, أو يقبل التقسيم والتفريق المستلزمين للحاجة والافتقار فهذا نفي صحيح، إذ يجب نفي هذه الأمور عن الله، إذ هو الحي القيوم الغني بذاته عمن سواه ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:41

المبحث الثاني: مقتضيات الإقرار لله تعالى بالربوبية عند الأشاعرة

المراد هنا: الإشارة إلى موقف الأشاعرة من تلك المقتضيات:
فالأول من تلك المقتضيات، وهو أن يعتقد العبد انفراد الله تعالى بالنفع, والضر, والرزق, والإحياء, والإماتة, وجميع أفعاله وألا يشرك في ذلك بالله أحداً، فهذا كله يقر به الأشعرية ولا يخالفونه وكتبهم مليئة بهذا الكلام عند ذكر توحيد الأفعال. إلا أنه ظهر في المتأخرين منهم ما يقدح في هذا الذي يقولونه، وقد فشا في العصور المتأخرة الشرك بالله تعالى في توحيد الربوبية, لاعتقاد كثيرين أن غير الله تعالى يملك الضر والنفع حتى الأموات، فأوجب لهم ذلك الشرك في عبادته, فصاروا يستغيثون بهم, ويلجأون إليهم, ويطلبون منهم الذرية وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله، فجمعوا بين الشرك في الربوبية, والشرك في العبادة – وهذا أمر واضح جلي, يعرفه القاصي والداني في كثير من بلاد المسلمين، وزين لهم بعض الأكابر هذا الأمر بشبهات وتلبيسات بتسمية الأمور بغير أسمائها, كتسميتهم الاستغاثة بالتوسل، ويسمون شبهاتهم بشواهد الحق, وإنما هي شواهد الباطل، وهذا كله يقع مع كثرة كتبهم المبينة لإفراد الله تعالى في ربوبيته وأفعاله.!! مع ملاحظة أخرى، وهي أن الأشاعرة يجعلون الأفعال من تعلقات القدرة والإرادة دون قيامها بالله!، والواجب إثبات قيام هذه الأفعال بالله لأنها من مقتضيات الربوبية، ولذلك قال ابن القيم: "فإن قيام الأفعال به هو معنى الربوبية وحقيقتها، ونافي هذه المسألة نافٍ لأصل الربوبية، جاحد لها رأساً" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ا هـ
وأما الثاني من تلك المقتضيات وهو إثبات رب مباين للعالم، وذلك بإثبات العلو لله رب العالمين، فهذا مما خالف فيه الأشاعرة، وهذه المسألة من أكبر المسائل التي خالفوا فيها أهل السنة والجماعة بدعوى تنزيه الله تعالى عن الجهة والتحيز! حتى غلا بعضهم فقال: "يستحيل على الله تعالى أن يكون في جهة للجرم, بأن يكون فوق العرش مثلاً, أو تحته, أو يمينه, أو شماله, أو أمامه, أو خلفه... (و) يستحيل على الله تعالى أن تكون له جهة في نفسه بأن يكون له يمين, أو شمال, أو فوق, أو تحت, أو قدام, أو خلف!" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip وهذا الكلام لازمه أن لا يوجد الرب سبحانه وتعالى وتقدس لولا أنهم يثبتون وجوده سبحانه، والسلف لا يرون لازم المذهب لازماً. وستأتي مناقشتهم في شبهتهم التي ذكروها لنفي العلو إن شاء الله تعالى.
وأما الثالث من مقتضيات الربوبية وهو التوصل بالإقرار بها إلى إفراد الله تعالى في الألوهية، فهذا النوع – وهو توحيد العبادة – يسلمون به في الجملة، إلا أن الملاحظ خلو كتبهم من تقرير هذا النوع من التوحيد، بل وجد من المتأخرين من يخالف في توحيد العبادة على ما سبق بيانه((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:43

المبحث الثالث: منزلة توحيد الربوبية عند الأشاعرة

أما الأشاعرة فقد اختلفت عباراتهم في أول واجب على المكلف بعد أن اتفقوا على أن الأمر بعبادته ليس أول واجب.
فحكى الأشاعرة عن الأشعري القول بأن أول واجب على المكلف هو المعرفة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .  والمعرفة عندهم معناها معرفة وجود الله وتفرده بخلق العالم.
وعند الباقلاني أول واجب: النظر ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip فقال: "أول ما فرض الله عز وجل على جميع العباد النظر في آياته... والثاني من فرائض الله عز وجل على جميع العباد الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله".. الخ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وأول واجب على المكلف عند الجويني القصد إلى النظر فقال: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحلم شرعاً، القصد إلى النظر الصحيح..." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وقال شارح الجوهرة محاولاً الجمع بين هذه الأقوال: "والأصح أن أول واجب قصداً: المعرفة، وأول واجب وسيلةً قريبةً: النظر، ووسيلةً بعيدة: القصد إلى النظر" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فظهر من هذا أن النزاع بينهم لفظي.
والمراد بالنظر عندهم: "ترتيب أمرين معلومين ليتوصل بترتيبهما على علم مجهول" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وواضح أن هذا من المقاييس العقلية، وليس المراد مجرد النظر في آيات الله المستلزم معرفة المراد دون توسط أي حد وسط، كما هو في القياس، وسيأتي بحث إثبات وجود الله تعالى وبيان صعوبته والإشكالات الواردة عليه، وما فيه من لوازم باطلة – إن شاء الله -.
ولما عدد شارح الجوهرة المطالب السبعة التي يتوصل بها إلى إثبات وجود الله تعالى قال: "وهذه المطالب السبعة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم!" ثم قال :"قال السنوسي: وبها ينجو المكلف من أبواب جنهم السبعة!" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ا هـ ولم يتعقبه بشيء!، كأنه يقره على مقالته.
فانظر كيف جعل السنوسي عاقبة ترك هذه المطالب على المكلف سواء كان من العوام أو من العلماء الراسخين في العلم!، وانظر اعتراف الباجوري بأنه لا يعلمها إلا الراسخون في العلم!، فيكونون على هذا هم الناجين فقط دون سواهم!، ويكون العوام، وهم أكثر المسلمين ليسوا بناجين من النار، بل حتى العلماء الذين ليسوا براسخين في العلم!. وفي هذا تحجير لواسع وتضييق لرحمة الله، وابتداع لقول لم يسبقوا إليه.
المناقشة:
1- قولهم إن أول واجب على المكلف هو النظر الصحيح المفضي إلى معرفة الله يناقض أمرين:
أولهما: أن الإقرار بمعرفة الله أمر مركوز في الفطر.
وثانيهما: الأمر بعبادة الله أولاً.
أما كون الإقرار بالله مركوزاً في الفطر فقد تقدم دليله في الفصل السابق.
وتقدمت الإجابة عن اعتراضاتهم كذلك.
وهنا لابد من الإشارة إلى اعتراف بعض حذاق علماء الأشاعرة بهذا الإقرار الفطري وهو: الشهرستاني حيث قال في كتابه (نهاية الإقدام في علم الكلام): "وأنا أقول: ما شهد به الحدوث أو دل عليه دليل الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى الحاجات, فيرغب إليه ولا يرغب عنه، ويستغني به ولا يستغني عنه، ويتوجه إليه ولا يعرض عنه، ويفزع إليه في الشدائد والمهمات فإن احتياج نفسه أوضح له من احتياج الممكن الخارج إلى الواجب، والحادث إلى المحدث" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فاعتراف الشهرستاني بدليل الفطرة, وأن منزلته في الاستدلال فوق الاستدلال بدليل الحدوث والإمكان، وعلل ذلك بأن أصل دليل الفطرة مركوز في النفس لذلك كان أقوى من الدليل الذي يطلب من خارج – وهو واضح – وسيأتي ذكر اعترافات أخرى من غيره في الباب الرابع إن شاء الله.
وأما الأمر الثاني الذي ناقضوه بقولهم هذا فهو أن المعروف بالكتاب السنة والإجماع أن أول ما يجب على المكلفين هو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وقد مضى تحقيق هذه المسألة في الباب الأول – ولكن لا بأس من الإشارة هنا إلى بعض الأدلة:
فمن الكتاب قول الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: 36] وقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]، وهذا صريح في أن الرسل ما بعثوا إلا لعبادة الله وحده، وأفاد هذا الحصر الآية الثانية.
وأما من السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى أهل اليمن: ((فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وقد وردت في حديث معاذ جملة وهي: ((فإذا عرفوا الله)) فتمسك بها من قال إن أول واجب هو المعرفة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، والجواب كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إن الأكثر رووه بلفظ: ((فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ومنهم من رواه بلفظ: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ومنهم من رواه بلفظ: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، .... ووجه الجمع بينهما أن المراد بالعبادة: التوحيد، والمراد بالتوحيد: الإقرار بالشهادتين، والإشارة بقوله "ذلك" إلى التوحيد: وقوله ((فإذا عرفوا الله)) أي عرفوا توحيد الله، والمراد بالمعرفة: الإقرار والطواعية ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فبذلك يجمع بين الألفاظ المختلفة في القصة الواحدة.." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ا هـ.
وعلى هذا فإن دلالة هذا الحديث على المطلوب واضحة، فلو كانت المعرفة هي أول واجب على المكلف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها أولاً، ولما أمر بتوحيد الله في عبادته أولاً، لأنه لا يعقل أن يؤمر بعبادة الله من لا يقر به، وقد تقدم أن الإقرار به ومعرفته فطرية.
وأما الحديث الثاني فدلالته أيضاً واضحة، ولكن أنقل هنا كلاماً لأبي المظفر السمعاني رحمه الله فقال بعد ذكره لهذا الحديث: "ومثل هذا كثير، ولم يرد أن دعائهم إلى النظر والاستدلال، وإنما يكون حكم الكافر في الشرع أن يدعى إلى الإسلام، فإن أبى وسأل النظرة والإمهال لا يجاب إلى ذلك، ولكنه إما أن يسلم أو يعطى الجزية أو يقتل، وفي المرتد إما أن يسلم وإما أن يقتل، وفي مشركي العرب على ما عرف. وإذا جعلنا الأمر على ما قاله أهل الكلام لم يكن الأمر على هذا الوجه، ولكن ينبغي أن يقال له -  أعني الكافر – عليك النظر والاستدلال لتعرف الصانع بهذا الطريق، ثم تعرف الصفات بدلائلها، وطرقها، ثم مسائل كثيرة إلى أن يصل الأمر إلى النبوات، ولا يجوز على طريقهم الإقدام على هذا الكافر بالقتل والسبي إلا بعد أن يذكر له هذا ويمهل، لأن النظر لا يكون إلا بمهلة، خصوصاً إذا طلب الكافر ذلك، وربما لا يتفق النظر والاستدلال في مدة يسيرة فيحتاج إلى إمهال الكافر مدة طويلة تأتي على سنين ليتمكنوا من النظر على التمام والكمال، وهو خلاف إجماع المسلمين" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . .((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:43


2- ويقال للأشعرية ثانياً: قولكم إن النظر أول ما يجب على المكلف فيه مناقشة أيضاً من جهتين أخريين:
أولاهما: في نوع هذا النظر.
وثانيتهما: في إيجابه على كل المكلفين.
أما الجهة الأولى: فقد تقدم مرادهم بهذا النظر – وسيأتي إيضاح طريقه إن شاء الله، وقد صرحوا هم بأن طريقة النظر طريقة معتاصة على الفهم حيث لا يعلمها إلا الراسخون في العلم! وهنا لابد من وقفات:
الأولى: إن هذه الطريقة لم تنقل عن السلف مع اشتمالها على طرق محرمة كما قال الإمام أبو المظفر السمعاني: "وإنما أنكرنا طريقة أهل الكلام فيما أسسوا فإنهم قالوا: أول ما يجب على الإنسان النظر المؤدي إلى معرفة الباري عز وجل. وهذا قول مخترع لم يسبقهم إليه أحد من السلف وأئمة الدين." ا هـ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فتراه أنكر عليهم طريقتهم لاشتمالها على ما لم ينقل عن السلف من أن أول واجب على المكلف النظر، وهي كذلك تستلزم لوازم باطلة كنفي صفات الباري الاختيارية – وقد التزموا ذلك – بدعوى أنها لو ثبتت للزم قيام الحوادث به، وهذا يؤدي إلى تعطيل إثبات وجوده، الذي تم بإثبات أن كل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث!
الثانية: وطريقتهم هذه في الأصل قد أخذوها من المعتزلة كما قال أبو جعفر السمناني وهو من رؤوس الأشاعرة: "إن هذه المسألة بقيت في مقالة الأشعري من مسائل المعتزلة وتفرع عليها أن الواجب على كل أحد معرفة الله بالأدلة الدالة عليه، وأنه لا يكفي التقليد في ذلك. ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip " فإنهم قد أخذوها عنهم وحاولوا أن يخالفوهم في أصول أخرى كإثبات صفات المعاني فتناقضوا وحاولوا أن يخرجوا من هذا المضيق فأثبتوها كلها أو جلها – بطريقة لا تخلوا من مخالفة لأهل السنة كما سيأتي إن شاء الله.
الثالثة: إن النظر الذي ذكر في القرآن ليس هو النظر الذي تواضع عليه هؤلاء المتكلمون، وإنما النظر فيه بذكر الآيات التي هي العلامات الدالة على ما هي آيات له، من غير حاجة إلى توسط حد كما هو في المقاييس العقلية، وقد تخلص بعضهم فقال إنه يصح الاستدلال بالدليل الإجمالي، "وهو المعجوز عن تقريره وحل شبهه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ومرادهم أن يعجز الإنسان بذكره على الوجه المعتبر عند المنطقيين ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وقد ترتب على إيجابهم النظر على جميع المكلفين اختلافهم في حكم التقليد في معرفة العقائد على ستة أقوال:-
أولها: الحكم بكفر المقلد مطلقاً.
وثانيها: الحكم بعصيانه مطلقاً.
وثالثهما: الحكم بعصيان من قلد وفيه أهلية للنظر.
ورابعها: صحة إيمان من قلد القرآن والسنة القطعية!!- فيما عدا الصفات النقلية.
وخامسها: صحة إيمان المقلد مطلقاً، لأن النظر شرط كمال.
وسادسها: صحة إيمان المقلد مع تحريم النظر، وحملوه على المخلوط بالفلسفة. وأقوى هذه الأقوال عند المتأخرين القول الثالث ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
ويلاحظ أن كل تلك الأقوال مبنية على أساس منهار وهو أن المعرفة نظرية لا فطرية!. وزعمهم بأن من تابع القرآن والسنة في المعرفة يكون مقلداً ناشئ من ظنهم أنهما دليلان لفظيان خبريان لا يتضمنان براهين عقلية وهذا ظن باطل – والتحقيق هو أن النظر يجب على من لم يحصل العلم والإيمان إلا به، على أن يكون هذا النظر صحيحاً غير ملتزم لباطلً.
الجهة الثانية من المناقشة: في إيجابهم النظر على كل مكلف من ذكر وأنثى:
1- فإنا نسلم بأن النظر الوارد الأمر به في الآيات القرآنية واجب، فأما إيجابه على كل أحد فلا نسلم به, بل ولا نسلم بأنه أول الواجبات، مع التفريق بين النظر الصحيح – فهو المأمور به -، وبين النظر المفضي إلى الباطل – فلا تدل عليه الآية. فالذي يلاحظ من القرآن هو أن النظر يجب على من لم يحصل له الإيمان إلا به، فمثال ذلك قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 185]، فهذه الآية والتي قبلها جاءت بعد قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف: 182-183].
ومثل هذه الآية قوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم: 8]، فهذه جاءت بعد قوله: وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 5-6].
فمن آيتي الأعراف والروم السابقتين يعلم أن النظر واجب على المكذبين والذين لا يعلمون وكل من كان لا يقوم بالواجب عليه من عبادة الله إلا بعد النظر، فظهر من هذا أن هذا الوجوب جاء من جهة أنه واجب على كل من لا يؤدي واجباً إلا به، وعلق شيخ الإسلام على هذا القول بأنه: "أصح الأقوال" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
2- وقولهم عن أول واجب على المكلف هو النظر يشمل كل المكلفين، وبما أنه واجب فيلزم أن الشخص حال الاشتغال به يكون مقيماً على الطاعة ولو كان على غير ملة الإسلام! ولهذا ألزمهم أبو المظفر السمعاني قوله: "وينبغي على قولهم: إذا مات في مدة النظرة والمهلة قبل قبول الإسلام أنه ما مطيعاً له مقيماً على أمره، لابد من إدخاله الجنة كما يدخل المسلمين، وقد جعلوا غير المسلم مطيعاً لله, مؤتمراً بأمره في باب الدين, وأوجبوا إدخاله الجنة، وقد قال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [عمران: 85]." ا هـ ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:45


موسوعة الفرق » الباب الثالث: فرقة الأشاعرة » الفصل الرابع:


المبحث الأول: التوحيد عند الأشاعرة

هذا من أهم الأبواب التي غلط فيها أهل الكلام – وفيهم الأشاعرة – وصار كلامهم فيه مشتملاً على قليل من الحق وكثير من الباطل، ولاشك أن أسس الإسلام وقاعدته توحيد الله وحده لا شريك له.
والتوحيد والواحد والأحد عند الأشاعرة يشمل ثلاثة أمور:
1- أن الله واحد في ذاته لا قسيم له.
2- وأنه واحد في صفاته لا شبيه له.
3- وأنه واحد في أفعاله لا شريك له ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وأشهرها عندهم وأقواها دلالة على التوحد النوع الثالث، وبه يفسرون معنى "لا إله إلا الله". والألوهية – عندهم – هي القدرة على الاختراع والخلق، فمعنى لا إله إلا الله لا خالق إلا الله ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ......
فسر الأشاعرة معنى التوحيد والواحد بهذه الأصول الثلاثة، وقد بين شيخ الإسلام ما في قولهم من الحق والباطل كما يلي:
1- قولهم: إن الله واحد في ذاته لا قسيم له:
ويفسرونه بأن معناه أنه لا ينقسم, ولا يتجزأ, ولا يتبعض, ولا يتعدد, ولا يتركب، وهذا الكلام مجمل، فإن قصد به أن الله تعالى أحد, فرد, صمد, لم يلد ولم يولد، وأنه يمتنع أن يتفرق أو يتجزأ, أو يكون قد ركب من أجزاء فهذا حق، لكن إن قصد به نفي علوه ومباينته لخلقه، وأنه لا يشار إليه ولا ينزل كما يشاء فهذا باطل ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فأي الأمرين يقصد هؤلاء، يقول شيخ الإسلام عنهم: "ليس مرادهم بأنه لا ينقسم ولا يتبعض أنه لا ينفصل بعضه عن بعض، وأنه لا يكون إلهين اثنين، ونحو ذلك مما يقول نحواً منه النصارى والمشركون، فإن هذا مما لا ينازعهم فيه المسلمون، وهو حق لا ريب فيه، وكذلك كان علماء السلف ينفون التبعيض عن الله بهذا المعنى، وإنما مرادهم بذلك أنه لا يشهد ولا يرى منه شيء دون شيء، ولا يدرك منه شيء دون شيء، بحيث إنه ليس له في نفسه حقيقة عندهم قائمة بنفسها, يمكنه هو أن يشير منها إلى شيء دون شيء، أو يرى عباده منها شيئاً دون شيء، بحيث إذا تجلى لعباده يريهم من نفسه المقدسة ما شاء، فإن ذلك غير ممكن عندهم، ولا يتصور عندهم أن يكون العباد محجوبين عنه بحجاب منفصل عنهم يمنع أبصارهم عن رؤيته، فإن الحجاب لا يحجب إلا ما هو جسم منقسم، ولا يتصور عندهم أن الله يكشف عن وجهه الحجاب ليراه المؤمنون، ولا أن يكون على وجهه حجاب أصلاً، ولا أن يكون بحيث يلقاه العبد, أو يصل إليه, أو يدنو منه, أو يقرب إليه في الحقيقة، فهذا ونحوه هو المراد عندهم بكونه لا ينقسم، ويسمون ذلك نفي التجسيم، إذ كل ما ثبت له ذلك كان مجسماً منقسماً مركباً، والبارئ منزه عندهم عن هذه المعاني" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وجماع المعاني التي قصدوها بقولهم هذا أنه تعالى عن قولهم ليس قائماً بنفسه، ولا بائناً من خلقه ولا على العرش استوى، وأنه لا يشار إليه في جهة العلو. وهذا ما يعبرون عنه بنفي الجسمية، والتحيز، والجهة، والرازي صرح بأن كل متحيز فهو منقسم، وكل منقسم فهو ليس بأحد ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وهكذا صار حقيقة التوحيد والواحد والأحد عند هؤلاء نفي صفات الله الخبرية، ونفي علوه على عرشه.
2- أما قولهم في تفسير التوحيد بأن معناه – أيضاً – أنه واحد في صفاته لا شبيه له، فيرى شيخ الإسلام أن هذه الكلمة أقرب إلى الإسلام، لكنهم أجملوها، حيث جعلوا في مسمى التشبيه، وهذا من بدع أهل الكلام، إذ لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقوال السلف أن يجعل نفي الصفات أو بعضها من التوحيد ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، مع أن أهل الكلام مضطربون في هذا، لأن كل طائفة تجعل ما تنفيه من الأسماء أو الصفات من التشبيه الذي يجب تنزيه الله عنه، فالأشاعرة أدخلوا في مسمى التوحيد هذا نفي كثير من الصفات – أي ما عدا الصفات السبع التي لم يثبت غيرها متأخروهم – والمعتزلة أدرجوا في ذلك نفي جميع الصفات، والجهمية نفوا الأسماء والصفات جميعاً، وزاد الغلاة من القرامطة والباطنية فقالوا لا يوصف بالنفي والإثبات، لأن القول بأحدهما يقتضي تشبيهاً، وهكذا ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
3- أما الثالث فقولهم: إن من معاني التوحيد أنه تعالى: واحد في أفعاله لا شريك له، وأن الله رب كل شيء وخالقه، ويقول شيخ الإسلام عن هذا المعنى: "وهذا معنى صحيح، وهو حق، وهو أجود ما اعتصموا به من الإسلام في أصولهم، حيث اعترفوا فيها بأن الله خالق كل شيء ومربيه ومدبره" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، والخطأ الذي وقع فيه الأشاعرة هنا هو أنهم فهموا أن هذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأنه المقصود بشهادة أن لا إله إلا الله، ومن المعلوم أن هذا التوحيد  أقر به المشركون، ولم ينكره أحد من بني آدم "ولكن غاية ما يقال: إن المعتزلة وغيرهم جعلوا بعض الموجودات خلقاً لغير الله، كأفعال العباد، ولكنهم يقرون بأن الله خالق العباد, وخالق قدرتهم وإن قالوا: إنهم خالقوا أفعالهم" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
هذه معاني التوحيد عند الأشاعرة، ومما سبق يتبين ما في ظاهر العبارات من الحق، وما قصدوه من الباطل، مع ما وقعوا فيه من التقصير.
ب- اتباعهم لمن سبقهم من الجهمية والمعتزلة في تعريف التوحيد:
وهذا من منهج شيخ الإسلام العام في ردوده على الأشاعرة، حيث إنه كثيراً ما يرجع أقوال هؤلاء إلى أصولها الفلسفية والاعتزالية، ولذلك فهو هنا حين رد على الرازي الذي نفى الصفات بناء على أن الله أحد، واحد، أرجع أقواله إلى أقوال المعتزلة فقال: "هذا الاستدلال هو معروف قديماً من استدلال الجهمية النافية، فإنهم يزعمون أن إثبات الصفات ينافي التوحيد, ويزعمون أنهم هم الموحدون، فإن من أثبت الصفات فهو مشبه ليس بموحد، وأنه يثبت تعدد القدماء، ولا يجعل القديم واحداً، فالجهمية من المتفلسفة والمعتزلة وغيرهم يبنون على هذا، وقد يسمون أنفسهم الموحدين، ويجعلون نفي الصفات داخلاً في مسمى التوحيد" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم ذكر شيخ الإسلام أن أئمة السلف كالإمام أحمد وغيره ردوا على هؤلاء، وبينوا ما في أقوالهم من التلبيس والباطل، يقول الإمام أحمد – رحمه الله -: "فقالت الجهمية لنا لما وصفنا هذه الصفات: إن زعمتم أن الله ونوره، والله وقدرته، والله وعظمته، فقد قلتم بقول النصارى حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره, ولم يزل وقدرته؟ قلنا: لا نقول: إن الله لم يزل وقدرته، ولا نقول ولم يزل ونوره، ولكن نقول: لم يزل بقدرته، ونوره، لا متى قدر، ولا كيف قدر. فقالوا: لا تكونون موحدين أبداً حتى تقولوا: قد كان الله ولا شيء، قلنا نحن نقول: قد كان الله ولا شيء, ولكن إذا قلنا: إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته، وضربنا لهم مثلاً في ذلك قولنا: أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع, وكرب, وليف, وسعف, وخوص, وجمار، واسمها اسم شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها؟ فكذلك الله – وله المثل الأعلى – بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا قدرة حتى خلق قدرته، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل الله عالماً, قادراً, مالكاً، لا متى, ولا كيف. قال: وسمى الله رجلاً  كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا[المدثر: 11]، وقد كان الذي سماه وحيداً له عينان, وأذنان, ولسان, وشفتان, ويدان, ورجلان, وجوارح كثيرة، وقد سماه وحيداً بجميع صفاته وكذلك الله – وله المثل الأعلى – بجميع صفاته واحد" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فهؤلاء الذين واجههم الإمام أحمد – رحمه الله – هم شيوخ لمن جاء بعدهم، من الجهمية, والمعتزلة, والفلاسفة, الذين يزعمون أن الواحد هو الذي لا صفة له ولا قدرة، وابن سينا الفيلسوف يعبر عن ذلك بقوله: "إن واجب الوجود واحد من كل وجه، ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاء كم، أو يقال: ليس فيه كثرة حد, ولا كثرة كم، ويقال: ليس فيه تركيب المحدود من الجن والفصل، ولا تركيب الأجسام، ومقصود هذه العبارات أنه ليس لله صفة ولا له قدرة" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، والمعتزلة يسمون أنفسهم أهل العدل والتوحيد، وجعلوا التوحيد أحد أصولهم الخمسة، ويبنون ذلك على أن القديم ليس معه في القدم غيره، فلو كان له صفات، للزم تعدد القدماء مع الله تعالى. فجعلوا حقيقة التوحيد نفي الصفات ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فلما جاءت الأشعرية تلقفوا هذا الأصل عن هؤلاء، وجعلوا من مقتضيات التوحيد نفي ما ينفونه من الصفات, كالعلو, والاستواء، والوجه, واليدين, وغيرها.
وكل طائفة تجعل ما تنفيه من الصفات من مقتضيات التوحيد، وهذا اضطراب وتناقض ظاهر.
ج- الرد على الأشاعرة في قولهم في مسمى التوحيد:
وقد جاءت ردود شيخ الإسلام عليهم في ذلك كما يلي:
1- بيان ما في أقوالهم من الحق والباطل – وقد تقدم بيان ذلك قريباً -.
2- أن هؤلاء الأشاعرة اتبعوا المعتزلة والجهمية في ذلك، مع أن شيخهم ابن كلاب ينكر قول من يقول: إن الواحد لا صفة له، فإنه قال بعد بيانه: أن الله بائن من خلقه، ليس داخلاً في خلقه، ولا خلقه داخلون فيه: "فإن قالوا: فيعتقبه الطول والعرض؟ قيل لهم: هذا محال، لأنه واحد لا كالآحاد، عظيم لا تقاس عظمته بالمخلوقات، كما أنه كبير عليم، لا كالعلماء، كذلك هو واحد عظيم لا كآحاد العظماء، فإن قلت: العظيم لا يكون إلا متحيزا؟ قيل لك: والعليم لا يكون إلا متحيزا، وكذلك السميع والبصير، لأنك تقيس على المخلوقات" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، يقول شيخ الإسلام معقباً: "وكان كثير من متكلمة الصفاتية من أصحاب الأشعري ونحوهم فسروا الواحد، والتوحيد، بنحو تفسير المعتزلة وغيرهم من الجهمية، ولم يفسروه بما ذكره ابن كلاب ولا بغير ذلك" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ولاشك أن أئمة الأشاعرة المتقدمين كالأشعري وغيره يثبتون لله صفات العلو, والاستواء, والصفات الخبرية، ولا تقتضي عندهم تشبيهاً، كما أن إثباتها لا يعارض ما يقولون به من التوحيد لله تعالى.
3- أن قولهم: إن الواحد هو الذي لا ينقسم ولا يتجزأ وليس بجسم، ليس معروفاً في لغة العرب، بل المعروف في لغة العرب أنهم يطلقون على كثير من المخلوقات أنه واحد وهو جسم، بل "لا يوجد في لغة العرب، بل ولا غيرهم من الأمم استعمال الواحد، الأحد، الوحيد إلا فيما يسمونه هم جسماً ومنقسماً, كقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا[المدثر: 11]، وقوله تعالى: وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ[النساء: 11]، وقوله وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ[الكهف: 32] – إلى قوله - قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ[الكهف: 37]، وقوله: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ[البقرة: 266]، وقوله تعالى: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[الكهف: 49]..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:46

والعرب وغيرهم من الأمم يقولون: رجل, ورجلان اثنان، وثلاثة رجال، وفرس واحد, وجمل واحد، ودرهم واحد، وثوب واحد... فلفظ الواحد وما يتصرف منه في لغة العرب وغيرهم من الأمم لا يطلق إلا على ما يسمونه هم جسماً منقسماً, لأن ما لا يسمونه هم جسماً منقسماً ليس هو شيئاً يعقله الناس، ولا يعلمون وجوده حتى يعبروا عنه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وفي موضع آخر يذكر شيخ الإسلام نصوصاً عديدة من الكتاب والسنة، ويعلق عليها. فيقول في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء: 1]: "ومعلوم أن النفس الواحدة التي خلق منها زوجها هو آدم، وحواء خلقت من ضلع آدم القصيراء، من جسده خلقت، لم تخلق من روحه، حتى يقول القائل الوحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها. وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام، وقد سماها الله نفساً واحدة، علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ويقول معلقاً على استدلال الإمام أحمد – وقد سبق نقله قريباً -: "وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر: 11]، فإن الوحيد مبالغة في الواحد، فإذا وصف البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد أولى، ومع هذا فهو جسم من الأجسام" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم يذكر بعد ذكر نصوص القرآن نصوص عديدة من السنة، منها أحاديث الصلاة في الثوب الواحد، مثل ما ورد في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ((سئل: أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ فقال: أو لكلكم ثوبان)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وحديث نهى أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في واحد ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وحديث مروره- صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip وغيرها من الأحاديث كثير ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وهي تدل على استخدام لفظ الواحد فيما هو جسم, خلافاً لما يزعمه هؤلاء.
وإذا كان الأمر كذلك من أن الغالب في اللغة أن اسم الواحد يتناول ما ليس هو الواحد في اصطلاحهم "لم يجز أن يحتج بقوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة: 163] وقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، ونحو ذلك مما أنزله الله بلغة العرب، وأخبرنا فيه أنه واحد، وأنه إله واحد – على أن المراد ما سموه هم في اصطلاحهم واحداً مما ليس معروفاً في لغة العرب، بل إذا قال القائل: دلالة القرآن على نقيض مطلوبهم أظهر، كان قد قال الحق، فإن القرآن نزل بلغة العرب، وهم لا يعرفون الواحد في الأعيان إلا ما كان قديماً بنفسه، متصفاً بالصفات، مبايناً لغيره، مشاراً إليه. وما لم يكن مشاراً إليه أصلاً، ولا مبايناً لغيره، ولا مداخلاً له، فالعرب لا تسميه واحداً ولا أحداً، بل ولا تعرفه، فيكون الاسم الواحد والأحد دل على نقيض مطلوبهم منه، لا على مطلوبهم" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وشيخ الإسلام بهذه الأدلة الكثيرة إنما يقرر قاعدة من القواعد المهمة في باب الصفات وغيرها، وهي أن تفسير النصوص – في الصفات وغيرها – إنما يرجع فيه إلى لغة الذين خوطبوا به أول مرة، وماذا فهموا من النصوص، أما أن تنشأ مصطلحات جديدة, وتحمل النصوص عليها فهذا مخالف لما هو متواتر من أن القرآن هدى للناس, وفيه البيان التام. وهذه من المسائل الكبرى في الخلاف بين مذهب السلف وغيرهم من أهل البدع، لأنه إذا وقع خلاف حول نص من النصوص، فقال قائل: هذا يدل على إثبات الصفات لله، وقال الآخر: لا يدل، فمن الذي يفصل في المسألة، ويبين الحق فيها، وكل يدعي أن الحق معه؟ أهل البدع من النفاة يرجعون في ذلك إلى عقولهم، أو على أقوال شيوخهم، أو إلى شواذ اللغة، أو إلى مصطلحات أهل الفلسفة التي تلقوها عن غير المسلمين. أما السلف فيرجعون إلى النصوص الأخرى, من الكتاب, والسنة التي تبين هذا النص وتوضحه، ويرجعون إلى لغة العرب, وفهم الصحابة والسلف من خير القرون، وما قالوه في بيان معنى هذا النص، ولذلك يقول شيخ الإسلام – في معرض رده على الرازي حول استدلاله بالواحد والأحد على نفي الصفات-: "إن الاستدلال بالقرآن إنما يكون على لغة العرب التي أنزل بها، وقد نزل بلغة قريش كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: 4] وقال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: 195] فليس لأحد أن يحمل ألفاظ القرآن على غير ذلك من عرف عام واصطلاح خاص – بل ولا يحمله إلا على معاني عنوها بها، إما (أخص) من المعنى اللغوي أو أعم، أو مغايراً له، لم يكن له أن يضع القرآن على ما وضعه هو، بل يضع القرآن على مواضعه التي بينها الله لمن خاطبه بالقرآن بلغته، ومتى فعل غير ذلك كان ذلك تحريفاً للكلام عن مواضعه، ومن المعلوم أنه ما من طائفة إلا وقد تصطلح على ألفاظ يتخاطبون بها، كما أن من المتكلمين من يقول: الأحد هو الذي لا ينقسم، وكل جسم منقسم، ويقول: الجسم هو مطلق المتحيز, القابل للقسمة، حتى يدخل في ذلك الهواء وغيره، لكن ليس له أن يحمل كلام الله, وكلام رسوله إلا على اللغة التي كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يخاطب بها أمته، وهي لغة العرب عموماً, ولغة قريش خصوصاً"، ثم يطبق هذا على المثال المطروح فيقول: "ومن المعلوم المتواتر في اللغة، الشائع بين الخاص والعام أنهم يقولون: درهم واحد، ودينار واحد، ورجل واحد، وامرأة واحدة، وشجرة واحدة، وقرية واحدة، وثوب واحد، وشهرة هذا عند أهل اللغة شهرة سائر ألفاظ العدد، فيقولون: رجل واحد، ورجلان اثنان، وثلاثة رجال، وأربعة رجال. وهذا من أظهر اللغة, وأشهرها, وأعرفها، فكيف يجوز أن يقال: إن الوحدة لا يوصف بها شيء من الأجسام، وعامة ما يوصف بالوحدة في لغة العرب إنما هو جسم من الأجسام؟" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فهذه الاصطلاحات الحادثة، التي يحدثها الناس, أو أرباب العلوم المختلفة في كل عصر، هي اصطلاحات لهم – ولا مشاحة في أن يتفق أهل فن أو علم على اصطلاح معين يتعارفون عليه – ولكن الخطأ أن يجعل هذا المصطلح الحادث هو المرجع في تفسير النصوص التي نزلت, وتلاها الناس, وفسروها, وفهموها في زمن سابق قبل أن تنشأ تلك المصطلحات الحادثة، فكيف إذا كانت هذه المصطلحات تصادم المعنى الحق الذي دلت عليه النصوص، وقد أورد شيخ الإسلام اعتراضاً حول موضوع الواحد مضمونه: أنه قد يقال: إنه يجوز أن يستعمل لفظ الواحد فيما قصده المتكلمون عن طريق المجاز, أو المشترك اللفظي, أو غيره وقد أجاب بقوله: "هب أنه يجوز لمن بعدهم أن يستعمل ذلك، لكن نحن نعلم أنهم (أي العرب الذين نزل بلغتهم القرآن) لم يستعملوه في ذلك، لأنهم لم يكونوا يثبتون هذا المعنى" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم يحسم شيخ الإسلام بيان انتفاء دلالة النص على ما ادعاه هؤلاء في مسمى التوحيد من وجوه عشرة مهمة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip قال في آخرها: "فتبين أن لفظ التوحيد, والواحد, والأحد في وضعهم واصطلاحهم غير التوحيد, والواحد, والأحد في القرآن, والسنة, والإجماع, وفي اللغة التي جاء بها القرآن، وحينئذ فلا يمكنهم الاستدلال بما جاء في كلام الله
ورسله وفي لفظ التوحيد على ما يدعونه هم، لأن دلالة الخطاب إنما تكون بلغة المتكلم وعادته المعروفة في خطابه، لا بلغة وعادة واصطلاح أحدثه قوم آخرون، بعد انقراض عصره, وعصر الذين خاطبهم بلغته وعادته..." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . وهذا ينطبق على مسألة الواحد, والتوحيد, وعلى غيرها مما جاء به القرآن الكريم مما يتعلق بأسماء الله وصفاته.
4- أن لفظ "الأحد" لم يجئ اسماً في الإثبات إلا لله تعالى، أما في حق غيره فلم يستعمل إلا مع الإضافة، أو في غير الموجب، كالنفي, والشرط, والاستفهام، فاستعماله في الإثبات لله كقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، أما استخدامه في حق غير الله مضافاً فكقوله تعالى: قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف: 36]، وفي النفي كقوله: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، والشرط كقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ [التوبة: 6]، والاستفهام كما تقدم قريباً في حديث: أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟ ويقال: هل عندك أحد؟. ونكتة الرد هنا أن لفظ الأحد لم يستعمل فيما ادعاه هؤلاء لا في النفي, ولا في الإثبات، ولو فرض أن معناه – ما ليس بجسم كما يزعم هؤلاء – لوقع تناقض عظيم؛ فإنه يقال: إذا كان في الإثبات معناه إن الله أحد أي ليس بجسم، فهل يكون في النفي كذلك؟ هل يقال: إن معنى قوله تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4] لم يكن ما ليس بجسم كفواً له، ومعنى قوله تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 26]: لا يشرك في حكمه ما ليس بجسم، ومعنى قوله: لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [الجن: 22] أي لن يجيرني من الله ما ليس بجسم؟ هل يكون مفهوم هذه النصوص أنه قد يكون ما هو جسماً كفواً له، وقد يشرك في حكمه ما هو جسم وهكذا؟. هل يقول هذا عاقل، وهل يمكن أن تكون النصوص قد جاءت بمثل هذا التناقض والباطل ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
5- أن قولهم باطل من جهة العقل أيضاً، يقول شيخ الإسلام: "أما العقل فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء, وأهل الفطر السليمة: إنه أمر لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن لا يرى, ولا يدرك, ولا يحاط به, وإن سماه المسمى جسماً، وأيضاً فإن التوحيد إثبات لشيء واحد، فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها، ويتميز بها عما سواه، حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية، ومجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم، فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحداً" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فهؤلاء ظنوا أن ما يتصورونه في أذهانهم موجود في الخارج، وهذا من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها أهل الكلام, والتصوف, والفلسفة, ونبه شيخ الإسلام عليها كثيراً، مثل قول غلاة الصوفية إن الوجود واحد، وإن وجود الله هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، ومثل قول الفلاسفة, بالجواهر, والمجردات العقلية، حيث يزعمون أن الحقائق الموجودة في الخارج كالإنسان, والفرس, مكونة من المادة الكلية, والصورة الجوهرية، ويزعمون أنهما جوهران عقليان، وهذا كله في الذهن، لأن الموجود لا يوجد إلا معيناً، فيقال وجود الواجب, وهو الله, ووجود الممكن, كفلان وفلان، وكذلك هذه العقليات المجردة إنما تتصور في الأذهان، أما في الحقيقة والواقع فليس إلا الموجودات بأعيانها ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:48

- كما أن قول هؤلاء معارض للشرع، يقول شيخ الإسلام في بيان بطلان قولهم لغة, وعقلاً, وشرعاً: "وأما الشرع فنقول: مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن, والسنة, وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم تعرف مسميات تلك الأسماء، حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات, وسلب إدراكه بالحواس, ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم, ولا يوجد نفيها في كتاب, ولا سنة, ولا عن صاحب, ولا أئمة المسلمين" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . وبعد أن ينقل شيخ الإسلام نصاً للدارمي في نقضه على المريسي يقول: "وهذا النفي الذي يذكره النفاة ويفسرون به اسم الله "الواحد" وغير ذلك هو عند أهل السنة والجماعة مستلزم العدم، مناف لما وصف به نفسه في كتابه من أنه الأحد، الصمد، وأنه العلي، العظيم، وأنه الكبير المتعال، وأنه استوى على العرش، وأنه يصعد إليه، ويوقف عليه، وأنه يرى في الآخرة كما ترى الشمس والقمر، وأنه يكلم عباده، وأنه السميع البصير" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فمصادمة قولهم لهذه النصوص الشرعية الكثيرة – مع أنه أيضاً لا يقوم على دليل صحيح – دليل على فساد قولهم.
7- تأصيل القول في مسألة الفرق بين التشبيه والتمثيل ومدلولهما عند الإطلاق، يقول شيخ الإسلام: "وقد تنازع الناس هل لفظ "الشبه" و"المثل" بمعنى واحد أو معنيين، على قولين:
أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقاً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه، وهذا قول طائفة من النظار.
والثاني: أن معناهما مختلف عند الإطلاق, لغة, وشرعاً, وعقلاً، وإن كان مع التقييد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر, وهذا قول أكثر الناس.
وهذا الاختلاف مبني على مسألة عقلية (وهي) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip : أنه هل يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه؟ وللناس في ذلك قولان، فمن منع أن يشبه من وجه دون وجه قال: المثل والشبه واحد، ومن قال: إنه قد يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه، فرق بينهما عند الإطلاق" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وقد رجح شيخ الإسلام الثاني بقوله: "وهذا قول جمهور الناس؛ فإن العقل يعلم أن الأعراض مثل الألوان، تشتبه في كونها ألواناً مع أن السواد ليس مثل البياض، وكذلك الأجسام والجواهر عند جمهور العقلاء تشتبه في مسمى الجسم والجوهر، وإن كانت حقائقها ليست متماثلة، فليست حقيقة الماء مماثلة لحقيقة التراب، ولا حقيقة النبات مماثلة لحقيقة الحيوان، ولا حقيقة النار مماثلة لحقيقة الماء، وإن اشتركا في أن كلًّا منهما جوهر, وجسم, وقائم بنفسه، وأيضاً فمعلوم في اللغة أنه يقال: هذا يشبه هذا، وفيه شبه من هذا، إذا أشبهه من بعض الوجود, وإن كان مخالفاً له في الحقيقة. قال الله تعالى: وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً [البقرة: 25]، وقوله: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7]، وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة: 118] فوصف القولين بالتماثل، والقلوب بالتشابه لا بالتماثل؛ فإن القلوب وإن اشتركت في هذا القول فهي مختلفة لا متماثلة، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فدل على أنه يعلمها بعض الناس، وهي في نفس الأمر ليست متماثلة، بل بعضها حرام، وبعضها حلال" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام من أن هناك فرقاً بين التشبيه والتمثيل، وأنه يجوز أن يشبه الشيء الشيء من وجه دون وجه كثيراً ما يقرره في كتبه، ويذكر له بعض الأدلة ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ويذكر أن لفظ التماثل أخص من لفظ التشابه وذلك في معرض رده على الرازي حول تعريف المتشابه ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ويرى أن سبب اضطراب أهل الكلام في مسألة الصفات ما يثبت منها وما ينفي، مرجعه إلى أنهم جعلوا مسمى التشبيه والتمثيل واحداً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
8- أن التشبيه على قول بعض المتكلمين: إن التشبيه هو التمثيل، ثم تعريفهم للمتماثلين بأنهما: "ما سد أحدهما مسد صاحبه، وقام مقامه، وناب منابه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وقد يفسرونه بأنه "يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه، ويجب له ما يجب له" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، التشبيه بهذا المعنى لا يقول به عاقل، لأنه يعلم بضرورة العقل امتناعه ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ولأن "كل موجودين فلابد أن يكون بينهما نوع مشابهة، ولو من بعض الوجوه البعيدة، ورفع ذلك من كل وجه رفع للوجود" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . وفي موضع آخر يعلل شيخ الإسلام الفرق بقوله: "التشابه الذي هو التماثل لا يكون بالموافقة في بعض الصفات، بل الموافقة في جميع الصفات الذاتية التي يقوم بها أحدهما مقام الآخر، وأما التشابه في اللغة فإنه قد يقال بدون التماثل في شيء من الحقيقة، كما يقال للصورة المرسومة في الحائط: إنها تشبه الحيوان، ويقال: هذا يشبه هذا في كذا وكذا، وإن كانت الحقيقتان مختلفتين، ولهذا كان أئمة أهل السنة, ومحققوا أهل الكلام يمنعون من أن يقال: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه؛ فإن مقتضى هذا كونه معدوماً" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، "وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
ومع تقرير شيخ الإسلام لهذه المسألة، إلا أنه يبين أن المتكلمين الذي يصرحون بنفي التشبيه مطلقاً طائفتان:
طائفة: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون أن الله لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه – وهذا الذي صرح به النفاة من الجهمية – فهؤلاء يقتضي قولهم أن يكون معدوماً لأنه ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر مميز.
وطائفة أخرى: يطلقون القول بنفي التشبيه، ويقصدون به التمثيل، فهؤلاء متفقون على نفي التماثل بوجه من الوجوه، وهو قول صحيح قد دل عليه القرآن، والعقل أيضاً، فالخلاف مع هؤلاء لفظي حيث سموا التمثيل تشبيهاً ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وعلى قول هاتين الطائفتين يكون لفظ "التشبيه" من الألفاظ المجملة، التي قد تحتمل أكثر من معنى، ومن ثم فقبل الإثبات والنفي لابد من الاستفصال عن المعنى الذي يقصده القائل.
ولكن "لفظ" "الشبه" فيه إجمال وإبهام، فما من شيئين إلا وهما متفقان في أمر من الأمور، ولو في كونهما موجودين، وذلك الذي اتفقا فيه لا يمكن نفيه إلا بنفي كل منهما، فإذا قيل: هذا لا يوافق هذا بوجه من الوجوه، ولا يواطئه بوجه من الوجوه، كان هذا ممتنعاً، وكذلك إذا أريد بقول القائل: "لا يشبهه بوجه من الوجوه" هذا المعنى، بخلاف ما إذا أراد المماثلة, والمساواة, والمكافأة، أو أراد ذلك بلفظ المشاركة, والموافقة, والمواطأة، فإنه سبحانه لا يماثله شيء بوجه من الوجوه، ولا شريك له بوجه من الوجوه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . ويقول أيضاً: "إن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، ونفي ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ذلك القدر المشترك ليس هو نفس ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip التمثيل والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه، وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى، إذ هو سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وهذه المسألة مرتبطة بمسألة ما بين أسماء الله وصفاته, وأسماء المخلوقين وصفاتهم من الاتفاق: هل هو من قبيل المشترك اللفظي أو المتواطئ؟ وهي مسألة اهتم بها شيخ الإسلام كثيرا. وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لها في المبحث التالي عند الكلام على الأسماء والصفات.
9- أن القرآن الكريم ورد بنفي التمثيل وما في معناه كالند, والشريك, والكفو، أما التشبيه فلم يرد نفيه ولا ذمه في الكتاب والسنة، ويرى شيخ الإسلام أن السبب ما في لفظ التشبيه من الإجمال, والاشتراك, والإبهام, بخلاف لفظ التمثيل ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ،  ويشرح ذلك بشكل مفصل فيقول: "إن نفي التشبيه من كل وجه هو التعطيل, والجحود لرب العالمين، كما عليه المسلمون متفقون، كما أن إثباته مطلقاً هو الأنداد لرب العالمين، لكن من الناس من لا يفهم هذا, ولا يعتقد أن لفظ التشبيه يدل على التمثيل المنفي عن الله؛ إذ لفظ التشبيه فيه عموم وخصوص... ومن هنا ضل فيه أكثر الناس؛ إذ ليس له حد محدود. وما هو ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip منتف بالاتفاق بين المسلمين، بل بين أهل الملل كلهم، بل بين جميع العقلاء المقرين بالله، معلوم بضرورة العقل، ومنه ما هو ثابت بالاتفاق بين المسلمين، بل بين أهل الملل كلهم، بل بين جميع العقلاء (المقرين) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip بالصانع، فلما كان لفظ التشبيه يقال على ما يجب انتفاؤه وعلى ما يجب إثباته لم يرد الكتاب والسنة به مطلقاً، لا في نفي ولا إثبات، ولكن جاءت النصوص في النفي بلفظ المثل, والكفو, والند, والسمي،... و ... الله ليس كمثله شيء , بوجه من الوجوه، فيجب أن ينفي عنه المثل مطلقاً, ومقيداً، وكذلك الند, والكفو, والشريك، ونحو ذلك من الأسماء التي جاء القرآن بنفيها، و...  من أدلة ذلك أن الله تعالى لما نفى المثل عن نفسه بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، والسمي بقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65]، والند بقوله: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً [البقرة: 22]، والكفو بقوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]، والشريك, والعديل, والمساوي, بقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18]، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ [الأنعام: 1]، إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97-98]، فلا يخلو أما أن يكون النفي من ذلك مختصاً بالمماثل من كل وجه، وهو المكافئ له من كل وجه فقط, والمساوي, والمعادل, والمكافئ له من كل وجه، أو يكون النفي عامًّا في المماثل ولو من بعض الوجوه، والمكافئ ولو من بعض الوجوه، ولا يجوز أن يكون النفي مختصاً بالقسم الأول, لأن هذا لم يعتقده أحد من البشر، وهو سبحانه ذم ونهى عما هو موجود في البشر، ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- ((قال له رجل ما شاء وشئت. فقال: أجعلتني لله ندًّا، بل ما شاء الله وحده)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فثبت أن هذه الأسماء المنفية تعم المثل, والكفو, والند, والشريك, والعديل, ولو من بعض الوجوه، وهذا هو الحق؛ وذلك لأن المخلوقات وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه في مثل معنى الوجود, والحي, والعليم, والقدير، فليس مماثلة بوجه من الوجوه ولا مكافئة، بل هو سبحانه له المثل الأعلى في كل ما يثبت له ولغيره، ولما ينفي عنه وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء, ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله، التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفتها ما لا يعلمه إلا الله مما لا نسبة إلى ما علموه من الأمر المشتبه المشترك إليه. والمنفي عنه لابد أن يستلزم وصفاً ثبوتياً كما قررنا هذا في غير هذا الموضع ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ومنافاته لذلك المنفي وبعده عنه، ومنافاة صفاته الوجودية، له فيه من الاختصاص الذي لا يشركه فيه أحد ما لا يعلمه أيضاً إلا هو، بخلاف لفظ التشبيه، فإنه يقال على ما يشبه غيره ولو من بعض الوجوه البعيدة، ومما يجب القول به شرعاً, وعقلاً بالاتفاق، ولهذا (لما) عرف الأئمة ذلك، وعرفوا حقيقة قول الجهمية، وأن نفيهم لذلك من كل وجه مستلزم لتعطيل الصانع وجحوده، كانوا يبينون ما في كلامهم من النفاق والتعطيل، ويمتنعون عن إطلاق لفظهم العليل لما فهموه من مقصودهم، وإن لم يفهمه أهل الجهل والتضليل" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
ومع أن التشبيه لم يرد نفيه في الكتاب والسنة إلا أن السلف رحمهم الله كانوا ينظرون إلى المعاني لا إلى الألفاظ، ولذلك لما وجدت بعض الفئات التي بالغت في الإثبات فشبهت الله بخلقه، - وسموا مشبهة – بادر السلف على ذم المشبهة, وقرنوا الذم لهم بذم المعطلة، ولم يمنع السلف من هذا ما وصفهم به أعداؤهم النفاة من أن إثباتهم للصفات يجعلهم مشبهة، لأن مذهبهم في الصفات وسط بين تعطيل هؤلاء, وتشبيه أولئك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:50

وشيخ الإسلام لما قرر أن لفظ التشبيه لم يرد نفيه في القرآن والسنة وإنما قصد بيان أن ما ادعاه هؤلاء – في تعريفهم للتوحيد من أن من معانيه أن الله واحد في صفاته لا شبيه له، وأدخلوا في ذلك نفي علوه, واستوائه, وصفاته الخبرية – غير صحيح، لأن القرآن والسنة وردا بإثبات ذلك، والقول بأن إثبات هذه الصفات يقتضي تشبيهاً ينسحب إلى غيرها من الصفات التي يثبتها هؤلاء، كالعلم, والقدرة, والحياة, والسمع, والبصر، بل ينسحب إلى الأسماء الثابتة لله سبحانه وتعالى، فالأخذ بظاهر هذه العبارة – أنه واحد في صفاته لا شبيه له – يؤدي إلى نفي جميع الصفات والأسماء عن الله تعالى، لأن ما من موجودين إلا وبينهما قدر مشترك, وقدر مميز، وأقرب مثال على ذلك الوجود، فالله موجود, والمخلوق موجود، والوجود له معنى مشترك يصدق على وجود الله, ووجود المخلوق، وإن كان وجود المخلوق ليس كوجود الله, لأن المخلوق ممكن، حادث، قابل للعدم. فهل يمكن القول بأن الله موجود بدون فهم معنى الوجود؟ إلا أن يقال بأننا خوطبنا بألغاز لها معاني أخر لا نفهمها، ولم يدل عليها الخطاب، وهو ما آل إليه أمر غلاة الصوفية, والباطنية, والقرامطة, وغيرهم من الملاحدة.
فما قرره شيخ الإسلام في هذا الباب من أن لفظ الشبه والتشبيه لفظ مجمل، ولذلك لم يرد نفيه في الكتاب والسنة، إنما هو دفاع عن الصفاتية – من هؤلاء الأشاعرة وغيرهم – في مقابل المعتزلة, والجهمية, والقرامطة, وغيرهم.
10- ومذهب السلف – رحمهم الله تعالى – مشهور في الرد على نفاة الصفات أو بعضها، يقول شيخ الإسلام عن الأشاعرة بعد كلامه عن المعتزلة الذين جعلوا نفي الصفات كالعلم, والقدرة, من التوحيد, والتنزيه عن التشبيه والتجسيم-: "ثم هؤلاء مضطربون فيما ينفونه من ذلك، لكن وافقوا أولئك على أن ما نفوه من التشبيه وما نفوه من المعنى الذي سموه تجسيماً هو التوحيد الذي لا يتم الدين إلا به، وهو أصل الدين عندهم، وكل من سمع ما جاءت به الرسل يعلم بالاضطرار أن هذه الأمور ليست مما بعث الله به رسوله، ولم يكن الرسول يعلم أمته هذه الأمور ولا كان أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عليها، فكيف يكون هذا التوحيد الذي هو أصل الدين لم يدع إليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون، بل يعلم بالاضطرار أن الذي جاء به الرسول من الكتاب والسنة يخالف هذا المعنى الذي سماه هؤلاء الجهمية توحيداً، ولهذا ما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون ذلك" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم ساق شيخ الإسلام عدداً من الروايات المشهورة عند أئمة السلف في ذمهم لأهل الكلام, وأهل البدع, الذين يخوضون في أسماء الله وصفاته, ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة, والتابعون ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
أما مسألة نفي التشبيه بإطلاق، فإمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – بين ذلك في الرد على الزنادقة – كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عنه معلقاً على بعض أقواله، قال شيخ الإسلام: "ولهذا قال الإمام أحمد: "فقلنا إن الشيء لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء، فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئاً" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فبين الإمام أحمد أنه يعلم بالمعقول الصريح الذي يشترك فيه العقلاء أن ما لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه لا شيء، كما نقل الناس أن جهماً يقوله، ولهذا قال: فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئاً, أي لجميع العقلاء، فإن هذا لا يختص أهل السمع والكتاب، بل يشترك فيه العقلاء كلهم. فهذا سؤال عن كونه موجوداً، ثم سألهم عن كونه معبوداً, فإن هذا يختص به من يوجب عبادة الله، وهم المسلمون قديماً وحديثاً، قال: "فإذا قيل له: فمن تعبدون؟ قالوا نعبد من يدبر أمر هذا الخلق، فقلنا: هذا الذي يدبر أمر الخلق هو مجهول لا يعرف بصفة؟ قالوا: نعم، قلنا: قد عرف المسلمون أنكم لا تثبتون شيئاً، إنما تدفعون عن أنفسكم الشنعة بما تظهرون" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، فهنا جعل الكلام من المسلمين الذين يعبدون الله تعالى, والعبادة متضمنة لقصد المعبود وإرادته، والقصد والإرادة مستلزم لمعرفته والعلم به. فلما قالوا: نعبد من يدبر أمر هذا الخلق ثم قالوا: هو مجهول لا يعرف بصفة، كان قولهم هو مجهول لا يعرف بصفة تبين للمسلمين الذين يعبدون، أنهم لا يثبتون شيئا يعبدونه، وإنما هم منافقون في ذلك، لأن ما لا يعرف بصفة يمتنع أن يقصد فيعبد، فعرف المسلمون بطلان قولهم: يعبدون الله ويثبتونه، كما عرف أهل العقل بطلان كونهم يقرون بوجوده ويثبتونه، وهم الذين أنكروا أن يعرف بصفة، فأنكروا صفاته مطلقاً, وأنكروا أن يشبه بالأشياء بوجه من الوجوه، فأنكروا بذلك وجوده" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
وكلام الإمام أحمد يدل على مبلغ علم ووعي أئمة السلف رحمهم الله، ومعرفتهم بمداخل أئمة البدع الذين يزخرفون أقوالهم بعبارات التنزيه، وهم يقصدون من وراء ذلك أن يصلوا إلى ما يهدفون إليه من نشر البدع والتعطيل.
والإمام أحمد لما قرئ عليه كتاب (المحنة) – زمن المأمون – وبلغ قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، وهو خالق كل شيء، قال الإمام أحمد عند قوله ليس كمثله شيء: وهو السميع البصير. فقال إسحاق ابن إبراهيم – عامل الخليفة – ما أردت بهذا؟ فقلت: كتاب الله عز وجل ولم أزد في كتابه شيئاً,كما قال ووصف تبارك وتعالى ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip . قال أحد مترجمي الإمام أحمد معلقاً: "قلت: انظر كيف فتح الله على الإمام أحمد بإقامة حجته في إثبات الصفات من الآية التي احتجوا عليه بها، فكان الذي استدلوا به دليلاً له لا عليه رضي الله عنه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فالإمام أحمد كان يحذر من التعطيل, ومن التشبيه معاً، وقد نقل شيخ الإسلام عن الطبري أنه ذكر في تاريخه – قال شيخ الإسلام: لكن أرسل ذلك والله أعلم بحقيقته ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip – ("أنه لما قرأ على علماء بغداد من المحنة كتاب المأمون الذي دعا الناس فيه إلى التجهم، فيه: (لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه). أقر بذلك من أقر به، وأما أحمد فقال: لا أقول: لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، وهذا يبين كمال علمه ومعرفته بالأقوال المنافية لدين الإسلام، واحترازه منها، مع أن كثيراً من الناس يطلق هذه العبارة، ويريد بذلك نفي المماثلة، ومقصوده صحيح، وقد يريد ما يجمع الحق والباطل، أو يريد تنزيهاً مطلقاً لا يحصل معناه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))   ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 I_icon_minitimeالأحد 21 سبتمبر 2014 - 9:51


وقد أعاد شيخ الإسلام في (درء التعارض) ذكر رواية الطبري حول المحنة – ولم يذكر أنها مرسلة – وقال معلقاً: "والمقصود أنه ذكر في كتابه: (لا يشبه الأشياء بوجه من الوجوه)، فوافقه من لم يعرف حقيقة هذه الكلمة، وذكر عن أحمد أنه قال: لا يشبه الأشياء، وليس كمثله شيء، ونحو ذلك، أو كما قال، وأما قوله: "بوجه من الوجوه" فامتنع منها، وذلك لأنه عرف أنه مضمون ذلك التعطيل المحض، فإنه يقتضي أنه ليس بموجود, ولا شيء, ولا حي, ولا عليم، ولا قدير، ويقتضي إبطال جميع أسمائه الحسنى، وهذا النفي حقيقة قول القرامطة، والله تعالى ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، بل هو سبحانه في كل ما هو موصوف به مختص بما لا يماثله فيه غيره, وله المثل الأعلى" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فهذه الملاحظات الدقيقة التي يبديها أئمة السلف, معلقين على مثل هذه العبارات لأجل ما فيها من الإيهام – تدل على حرصهم الشديد على تصفية العقيدة من أكدار التعطيل والتشبيه، وهذا يدل على ما في مثل عبارة الأشاعرة – حين يقولون: إن الله واحد في صفاته لا شبيه له، وخاصة إذا أبانوا عن مقصودهم بها, وأنه إنكار علو الله واستوائه, وتأويل بقية صفاته, عدا الصفات السبع التي أثبتوها – من الإجمال, والإيهام, والضلال.
11- وأئمة الأشاعرة أقروا بأن إطلاق مثل هذه العبارات غير دقيق، وأن القول بنفي التشبيه مطلقاً يؤدي إلى إنكار صفات الله تعالى، يقول الجويني في نفي أن الله يشبه الحوادث أو يشبهه شيء منها: "والكلام في هذا الباب من أعظم أركان الدين، فقد غلطت طائفة في النفي فعطلت، وغلت طائفة في الإثبات فشبهت، فأما الغلاة في النفي فقالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه، وقالوا عن هذا: القديم سبحانه لا يوصف بالوجود، بل يقال: ليس بمعدوم، وكذلك لا يوصف بأنه قادر، عالم، حي، بل يقال: ليس بعاجز، ولا جاهل، ولا ميت، قال: وهذا مذهب الفلاسفة, والباطنية، فأما الغلاة في الإثبات فاعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم الحوادث" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم قال الجويني: "فأما الرد على الفلاسفة فمن أوجه: أحدها: الاتفاق على أن السواد يشارك البياض في بعض صفات الإثبات من الوجود، والعرضية، واللونية، ثم هما مختلفان، وكذلك الجوهر والعرض، والقديم والحادث، لا يمتنع اشتراكهما في صفة واحدة مع اختلافهما في سائر الصفات، ويقال لهم: أتثبتون الصانع المدبر أم لا تثبتونه؟، فإن أثبتوه لزمهم من الحكم بإثباته ما حاذروه, فإن الحادث ثابت، فاستويا في الثبوت" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فالجويني مع أنه يقول بتماثل الأجسام، وأن الاختلاف إنما هو في الأعراض، ومع ما في القول بتماثل الأجسام, وأن الثلج مماثل للنار من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، من مخالفة الحس والعقل ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، إلا أن قوله بأن القديم والحادث يستويان في الثبوت، ورده على الغلاة الذين قالوا: الاشتراك في صفة من صفات الإثبات يوجب الاشتباه: "تصريح بأن المختلفين يستويان ويشتركان في بعض الصفات، فكيف يمكن أن يقال مع هذا: إن المختلفين لا يشتبهان من بعض الوجوه، وقد صرح بتساويهما في بعض الأشياء؟..." ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فالجويني هنا يرد على نفسه وعلى إخوانه الأشاعرة الذين قالوا: إن القول بإثبات علو الله واستوائه على العرش يقتضي أن يكون جسماً والأجسام متماثلة. ومن ثم فسروا التوحيد بنفي التشبيه عن الله, وفسروه بتلك التفسيرات الباطلة، فهم بين أمرين، إما أن يقولوا بأن إثبات السمع, والبصر, والحياة, والقدرة لله تعالى يقتضي تشبيهاً مثل العلو واليدين، أو يقولوا بأن إثبات العلو, والاستواء, واليدين, والوجه لله لا يقتضي تشبيهاً مثل السمع, والبصر, والحياة.
ويقول الرازي عن هذا الموضوع: "فإن قيل المشاركة في صفات الكمال يقتضي المشاركة في الإلهية. قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة لا تقتضي المشاركة في الإلهية. قال: ولهذا المعنى قال الله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، وقال –صلى الله عليه وسلم- ((تخلقوا بأخلاق الله)) ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، قال شيخ الإسلام معلقاً على هذا الكلام: "ومن المعلوم أن المشابهة هي المشاركة في صفات الكمال – التي هي العلم والقدرة – أعظم من المشابهة والمشاركة في مجرد مسمى الوجه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
ثم ينقل شيخ الإسلام عن الرازي أنه قال في نهاية العقول، في مسألة تكفير المخالفين من أهل القبلة في حجة من كفر المشبهة، قال: "ورابعها: أن الأمة مجمعة على أن المشبه كافر, ثم (إن) المشبه لا يخلو إما أن يكون هو الذي يذهب إلى كون الله مشبها بخلقه من كل الوجوه، أو ليس (كذلك). والأول باطل؛ لأن أحداً من العقلاء لم يذهب إلى ذلك ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له، بل المشبه الذي يثبت الإله على صفة بشر بها معها بخلقه ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، والمجسم كذلك لأنه إذا أثبت جسماً (بحيز) معين فإنه يشبهه بالأجسام المحدثة، فثبت أن المجسم مشبه، وكل مشبه كافر بالإجماع، فالمجسم كافر" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip ، ثم قال الرازي في الجواب عن ذلك لأنه – أي الرازي – نصر عدم تكفير أهل القبلة: "قوله: المجسم مشبه، والمشبه كافر، قلنا: إن عنيتم بالمشبه من يكون قائلاً بكون الله تشبهياً بخلقه من كل الوجوه، فلا شك في كفره، لكن المجسمة لا يقولون بذلك، فلا يلزم قولهم بالتجسيم قولهم بذلك، ألا ترى أن الشمس, والقمر, والنمل, والبق, أجسام، ولا يلزمنا اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس, والقمر, والنمل, والبق، وإن عنيتم بالمشبه من يقول بكون الله شبيهاً بخلقه من بعض الوجوه فهذا لا يقتضي الكفر لأن المسلمين اتفقوا على أنه موجود وشيء, وعالم, وقادر، والحيوانات أيضاً كذلك، وذلك لا يوجب الكفر، وإن عنيتم بالمشبه من يقول الإله جسم مختص بالمكان، فلا نسلم انعقاد الإجماع على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى للإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
قال شيخ الإسلام معلقاً على كلام الرازي السابق بعد نقله: "وهذا تصريح منه بأن القول بكون الله شبيهاً بخلقه من بعض الوجوه داخل في قول كل المسلمين، ولا ريب أن كل موجودين فلابد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى به من الآخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلاً ولا يشتركان فيه لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها" ((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Tip .
فهؤلاء أئمة الأشاعرة يعترفون بهذه الحقيقة البدهية، والعجب أنهم ينسون ذلك حين يتعرضون لبعض مسلماتهم الأخرى – كنفي العلو، أو بعض الصفات – فيصمون من يقول بها ويثبتها بالتشبيه والتجسيم، ويجعلون مذهبهم النافي لها هو التوحيد!.((  موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام  )) - صفحة 5 Book
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
(( موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام ))
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 5 من اصل 5انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5
 مواضيع مماثلة
-
» سرحية عربية تسيء للإسلام
» (( موسوعة الأخلاق الإسلامية ))
» موسوعة الشعراء
» موسوعة الاساطير
» بيان للأزهر يدين نشر رسوم مسيئة للإسلام والرسول بصحيفة فرنسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى الركن الاســـــــلامي-
انتقل الى: