((( حكاية )))

كان وما كان على الله التكلان، كل من عليه ذنب يقول التوبة واستغفر الله. كان في قديم الزمان ملك وزوجته الملكة التي يحبها حباً لا يوصف، وكانت هي أيضاً تحبه، ولكنها كانت حزينة دائماً لأنها لم تنجب أولاداً، ومع ذلك لم يبدلها الملك بملكة أخرى لأنه كان يحبها. ذاع الخبر في أنحاء المملكة، فسمعت به امرأة عجوز، وكان في مقدورها أن تشفي الملكة وأن تجعلها تنجب.
اقتربت العجوز من قصر الملك واستأذنت الحراس بالوصول إلى الملكة، فأذنوا لها بعد إخبار الملكة، فدخلت ووقفت أمامها وحيتها أحسن تحية، وقالت لها: لم أنت حزينة يا ملكة الزمان ؟ فأخبرتها الملكة عن سبب حزنها، فابتسمت العجوز وقالت للملكة: لك عندي هذا الدواء يا ملكة الزمان وأعطتها الدواء. فرحت الملكة وقالت للعجوز إذا تحقق هذا الأمر فسوف أمشّي لك وللناس ساقية من الذهب وساقية من الفضة، ففرحت العجوز بهذا النذر وأخذت تتردد على القصر كل مدة لتطمئن على الملكة وتعطيها الدواء.
وبعد شهرين حملت الملكة فعمّ الفرح أرجاء المملكة، وبعد تسعة أشهر ولدت الملكة ولداً جميلاً سمته محمد. أقام الملك الأفراح وعزم أهالي البلدة والمرأة العجوز. كبر محمد وأصبح عمره خمس سنوات، ونسيت الملكة نذرها فجاءت العجوز إلى القصر ووجدت محمد يلعب في حديقته، فقالت له: أبني محمد أوفي نذرك قبل أن ينقصف عمرك. أسرع محمد إلى القصر وأخبر أبيه وأمه بما قالته العجوز.
تذكر الملك النذر فأمر بتمشية ساقية من ذهب وساقية من فضة إيفاء به، وجاء الناس يأخذون أوعيتهم ويملؤونها ذهباً وفضة. سمعت العجوز من جارتها بالأمر فأسرعت وأخذت معها جرّة إلى المكان، وأخذت تجمع ما تبقى من فضلات الذهب والفضة على جوانب الساقية. مرّ محمد مع صديقه وكان عمره أكثر من خمسة عشر سنة فرأى العجوز وهي تملأ الجرة، فقال له صديقه هل تستطيع إصابة هذه الجرّة بالمصيادة ؟ فقال محمد نعم أستطيع ذلك، ورمى محمد الجرّة بحصاة فكسرها، فرفعت العجوز رأسها وانهمرت دموعها ودعت على محمد قائلة: الله يرميك بحب بدر البدور.
عاد الأمير إلى القصر وهو يفكر في بدر البدور، وقال لأبيه وأمه سأذهب للبحث عنها مهما كلف الأمر، فحاول الملك ثنيه عن عزمه لخطورة الطريق وكونه ولده الوحيد فلم يوافق محمد. فودع أبيه وأمه وسار يقطع الوديان والجبال والسهول إلى أن وصل إلى قرية، فرأى عجوزاً سألها عن بدر البدور، فقالت له العجوز: أنصحك يا ولدي ألاّ تذهب لأن هذا طريق الصد ما رد طويل وشاق وملئ بالأخطار، قال محمد: لا أقدر إني أحبها كثيراً. فأعطته العجوز بكرة من الغزل وقالت له أمش إلى حيث ينتهي الخيط وسوف تجد دامية (سعلوة) فارضع من ثديها فوراً ومشّط لها شعرها، وعند ذلك ستدلك على الطريق إلى بدر البدور.

مشى محمد عدة أيام حتى انتهى خيط البكرة، فرأى دامية تجلس تحت شجرة فجاء إليها ورضع بسرعة من ثديها ومشط شعرها. فقالت له: لولا أن رضعت من حليبي لكنك أكلتك ومزقتك أطلب وتمنى. قال محمد: أريد أن أذهب إلى بدر البدور. فقالت له الدامية: يا ابني مالك وبدر البدور إن الطريق إليها طويل وصعب وملئ بالأخطار، فأصر محمد على الذهاب مهما كلف الأمر. فأعطته الدامية بكرة من الخيوط وقالت له تعقب هذا الطريق وعندما ينتهي الخيط تجد ديو (عملاق ضخم وهو زوج الدامية) يجلس وسط الطريق فسلّم عليه وقص أظافره وأغسل وجهه وأيديه ورجليه وهو سيدلك على قصر بدر البدور.
مشي محمد مسافة طويلة حتى انتهى خيط البكرة، فرأى الديو يجلس على الطريق فسلم عليه وقص أظافره وغسل وجهه وأيديه وأرجله. فقال له الديو: لولا سلامك سبق كلامك لكنت أكلتك أطلب وتمنى، قال له محمد: إني أريد الوصول إلى قصر بدر البدور. فحاول الديو ثنيه عن مقصده ولما رآه مصراً على ذلك قال له: تمشي في هذا الطريق ثلاثة أيام فيلاقيك باب أسود كبير يحرسه اثنان من الأسود فإذا رأيت أعينهما مفتوحة فإنهما نائمين، وإذا وجدتها مغلقة فهما يقظين، وعندما تدخل الباب تجد أمامك قصر بدر البدور ومعها الدامية فأنت تعرف ما تعمله.
شكر محمد الديو واتجه في طريقه نحو قصر بدر البدور، حتى وصل الباب الأسود وشاهد الأسدين في بابه وعيونهما مفتوحة. فعلم أنهما نائمين ودخل من الباب فرأى أمامه قصر عالي جداً وبدون باب وعلم أنه قصر بدر البدور. فاختفى وراء شجرة وشاهد الدامية تأتي إلى القصر، ونادت بدر البدور قائلة: بدر البدور أرخي شعرك لتطلع عليه أمك المنهكة. فأرخت البنت شعرها الطويل الأصفر، وتعلقت الدامية به حتى وصلت إلى الأعلى وأعطت بدر البدور طعاماً وما تحتاج إليه وانصرفت.
فوقف محمد تحت القصر ونادى: بدر البدور أرخي لي شعرك الطويل ليطلع محمد التعبان عليه. نظرت البنت من النافذة فرأت شاباً جميلاً يبهر الأنفاس والعقول، ورآها محمد فوجدها من أجمل ما خلق الله ببياض بشرتها وجمال وجهها وأسنانها المتلألئة وشعرها الأصفر وقدها الجميل. فدلت له شعرها الطويل، وتسلق محمد وضم بدر البدور إلى صدره وقال لها متعجباً: من أتى بك إلى هنا ؟ فقالت بدر البدور: أنا بنت ملك وقد خطفتني الدامية لتأكلني فلما وجدتني جميلة سجنتني في هذا القصر كي لا أهرب. وقص محمد قصته عليها وما لاقاه في الطريق من تعب ومخاطر حتى وصل إليها، وقال لها: أريد أن أتزوجك وآخذك إلى مملكة أبي.
عادت الدامية ونادت بدر البدور لتدلي بشعرها واختفى محمد في القصر، وعند وصولها قالت لها: إني أشم رائحة أنسي، فقالت لها البنت: ومن أين يأتي الإنسي وكيف يصعد إلى هنا ؟ فأكلت الدامية ووضعت رأسها في حضن بدر البدور ونامت، فخرج محمد من مخبئه وضربها بالسيف ضربة قطعت رأسها، فقالت له: كرر الضربة. فقال لها محمد: إن أمي وأبي لم يعلماني أن أكرر. وكانت تحثّه على ذلك فإذا كرر محمد الضربة فإنها تعود إلى الحياة.
ماتت الدامية ونزل محمد مع بدر البدور بالحبل الذي معه، واجتازا الباب والأسدان نائمان وركبا الفرس متجهين إلى مملكة الأمير محمد. وبعد مسيرة طويلة شاقة وصل محمد مع بدر البدور، وفرح الملك والملكة بعودة ابنهم وزوجته الجميلة، وأمر الملك بأن تقام الأفراح والزينات لمدة سبعة أيام في جميع أنحاء المملكة احتفاء بزواج ابنه محمد على بدر البدور. وعاش الجميع بسعادة ورفاهية. وكنا عندكم وجينا.

» حكاية حب
» «حكاية جمهورية زفتى»..
» حكاية أبي قير وأبي صير
» حكاية الصياد مع العفريت
» حكاية «طروادة»