عندما استيقظت من نومي، تجوّلت في الجزيرة، فوجدتها طيّبة الهواء، عذبة الماء، فيها فاكهة كثيرة، وطيور متنوّعة الأشكال والألوان. فحمدتُ الله على السّلامة، وتابعتُ سيري. وإذا بي أسمعُ صوت حيوانٍ يُشبه الزّئير. فتقدّمتُ صوب الصّوت بحذرٍ، فوجدتُ فهداً أصفر اللّون قد أصابته سهامٌ والدّماء تنزف من جراحه، والشّرر يتطايرُ من عينيه. فتناولت حجرًا كبيرًا وضربته به، وقضيتُ عليه.
تابعتُ سيري، وإذا بي أرى على بُعدِ قليلٍ فتاةً رائعة الجمال قد سقطت عن حصانها فأُغميَ عليها، وحصانها بجوارها يصهل في اضطراب.
تقدّمت منها ورحتُ أحاول إسعافها. فإذا بِعَدَدٍ من الفرسان يحيطون بنا ويحملون الفتاة ويأخذوني معهم شاكرين لي ما قمتُ به نحو أميرتهم، حتّى وصلنا إلى مخيمٍ كبيرٍ مجهّزٍ بوسائل الرّاحة. فأنزلوني في خيمةٍ خاصّةٍ وقدّموا لي ما أحتاجه من طعامٍ وشراب.
أخبرني رجال الحرس أنّ هذه الجزيرة تابعة للملك “مهرجان”، وهذه الفتاةُ هي ابنته “جُمان”، وقد جاءت مع زوجها الأمير “بسطام” في رحلةٍ للصّيد في هذا العام. فرأت هذا الفهد وأُعجِبَت بجمال جلده فحاولت اصطياده ورمته بالسّهام، فارتدّ إليها محاولاً افتراسها، ولكن عناية الله أحاطت بها في اللّحظة الأخيرة ونجّتها من الهلاك.
تماثلت الأميرة للشّفاء، فاستقبلتني هي وزوجها بالتّكريم والتّرحاب وسألاني عن إسمي وبلدي، وسبب مجيئي إلى هذه الجزيرة المهجورة. فرويْتُ لهم قصّتي، وما قاسيتُ من متاعب وأهوالٍ، فتعجّبا غاية العَجب، وطلبا إليّ أن أرافقهما في عودتهما إلى بلدهما ليتعرّف إليّ الملك “مهرجان”.
مَثَلتُ بين يديّ الملك، وقبّلت يديه احترامًا، ورويتُ له قصّتي، وقدّمت له جلد الفهد الذي حاول افتراس ابنته. فكان ما ذكرته مُفاجأةً لطيفةً سُرّ لها الملك وأمر بتعييني أمينًا لشؤون البحر، وتحصيل الضّرائب عن بضائع كل سفينةٍ تصل إلى ميناء المملكة. سررتُ بهذه الوظيفة جدًا لأنّها تُتيح لي التّعرف بالسّفن القاصدة بلادي. وقد تُتاح لي العودة على إحداها إلى وطني الحبيب. وكثيرًا ما كنتُ أسأل المسافرين والتّجار عن بلدي بغداد فلا أجد بينهم من يعرفها.
وكم كانت دُهشتي شديدةً ذات يومٍ عندما لمحتُ ربان السّفينة التي كنتُ مسافرًا عليها، وقد تقدّم مني لدفع الضّريبة عن بضائعه فعرفته فورًا، ولكنه لم يعرفني لأنّ هيئتي وملابسي تغيّرت كثيرًا خلال تلك المدّة الحافلة بالأحداث.
سألتُ الرّبان: هل بقي في مركبك شيء من البضائع؟
فأجاب: نعم يا سيدي، معي بضاعة في مستودع المركب، ولكن صاحبها غرق في البحر عند إحدى الجُزُر، فصارت بضاعته أمانةً لديّ، فقرّرت بيعها، وتسليم ثمنها إلى أهله في بغداد.
فسألته: وما إسم ذلك الرّجل الذي غرق في البحر؟
فأجاب: اسمه “السندباد البحري”.
عندئذٍ لم أتمالك نفسي من الفرح والسّرور. فوقفتُ واحتضنتُ الرّبان وقبّلته وأنا أقول له: أُنظر إليّ جيدًا ألستُ أنا السّندباد !؟
لم يصدّق الرّجل عينيه. ولكنّه لم يكد يتأمّلني حتّى صاح يقول: نعم أنت هو السّندباد! فالحمد لله على السّلامة.
ثم نادى رفاقه التّجار فأقبلوا عليّ يقبّلونني وهُم في دهشةٍ وابتهاجٍ.
شعرتُ بالفخر والاعتزاز وأنا أتسلّم بضاعتي من هذا الرّبان الأمين، والرّفاق الأوفياء. ثم اخترت من بينها مجموعةً من الهدايا الثّمينة وقدّمتها للملك والأميرة والأمير، وأخبرتهم بما حصل، واستأذنتهم بالعودة إلى بلدي، فأذنوا لي، آسفين لفراقي.
ركبتُ السّفينة، وعدت إلى بغداد. فلقيتُ الأهل والأصدقاء والأحباب، وأخبرتهم بقصّتي العجيبة. فقاموا يهنّئونني بالسّلامة، ويحمدون الله على نجاتي من المهالك، ويتحدّثون بإعجابٍ عن بطولة السّندباد ووفاء ربّان السّفينة وأمانته.