رسالة وداع : محمد على بكر

رسالة وداع000إلى زوجتي الوفيَّة




إليكِ حيثُ أنتِ يا حبيبتى الجميلة

إليكِ يا سعاد

إليكِ من محمدٍ رسالةٌ حزينة

يحوطُها البعاد

إليكِ قُبلةٌ و للعيالِ قُبلتان

إليكِ دمعةٌ و للعيالِ دمعتان

إليكِ بسمةٌ و لثمةٌ لهذه الجديلة

يا طالما نعمتُ تحت ظلِّها الوريف

هل تذكرين؟000أوف

و بعدُ يا سعاد

فمنذُ أن طُردتُ قبل أن أبوسَ منكمُ الخدود

لخارج الحدود

و منذُ أن رأيتُ صاحبى يموتُ كى نعيش

من يومها000عرفتُ أن ما يُقالُ عن كرامة الإنسان

ليس سوى بهتان

"يا صاحبى 000مياهُكُم قليلة"

"يا صاحبى000رحلتُكُم طويلة"

و لم يُردْ أن يقربَ المياهَ قبلنا, فمات

دفنتُهُ ثم نثرتُ فوق قبرِه بعضَ الورود

لو صح أن يُقالَ إنها ورود

فلم نجدْ فى ذلك النهار

أثناءَ مشينا سوى الصَّبَّار

لكننى حسدتُهُ أن مات فى الوطن

أتعرفين كم من السنين مر؟

و القلبُ ينتظر؟

فى أولِ المجىءِ كنتُ أحسبُ الأيام

مُصبِّرا هذا الفؤادَ أننا يوماً نعود

لكنَّ وقعَ أقدامِ الزمن

يُعلِّمُ الغريبَ نسيانَ العقود

فلى هنا فى كل يومٍ صاحبٌ يموت

و لى هنا فى كل يومٍ قصةٌ تفوت

أليمةٌ هى الحياةُ يا سعاد

فى دربها نتوه

هل تعرفين كيف ينظر الإنسان فى الوجوه

فلا يرى عيونَ من يُحبُّهم من أهلِه؟

سعادُ000ليس يعرفُ الغريبَ غيرُ ظلِّه

أخافُ أن يجىءَ يوم تُنكرُ الظلالُ فيه

أنَّها لنا

هل تذكرين صاحبى نبيل؟

نبيلُ لم يرضَ الرحيلَ مثلنا

قلنا له: هيا بنا

لكنَّهُ رفض

و قام فجأةً ثم انتفض

"أعيشُ ههنا مشرَّدا"

"ثم أموتُ ههنا مشرَّدا"

"و لن أُضيْعَ البلدا"

"و لن أُضيْعَ البلدا"

أتعرفين كيف راحَ صاحبى نبيل؟

أفاق ذاتَ ليلةٍ فأيقظَ النيام

و قبَّلَ الزوجةَ و العيالَ و الأحلام

و قال: إنى ذاهبٌ لأنشرَ السلام

بموتهم يعمُّنا السلام

يعمُّنا السلام

أخبرنى بذاك إبنُهُ الكبيرُ فى خطاب

ظننتُ أنَّ صاحبى القديم

اشتاقَ للأحباب

لكنَّ ذلك الخطابَ كان نعىَ صاحبى القديم

وجدتُهُ مذيَّلاً: يا عمىَ الكريم

أما تعودُ كى تنام؟

فى أرضنا000تنام؟

سعادُ يا حبيبتى000فى هذه الأيام

لا يحملُ النعىَ سوى خطاب

بكيتُ ما بكيتُ ثم قلت

يا ليتنى ظللتُ مثلَ صاحبى هناك

و لو أصابنى الهلاك

فما الذى هنا جَنَيْت؟


أُحسُّ يا حبيبتى بأنها النهاية

و كم وددتُ أن أموتَ جنبَ نخلتى القديمة

يا طالما نعمتُ تحتَ ظِلِّها الوريف

هل تذكرين؟000أوف

لكننى أموتُ مثلما قضيتُ عمرىَ الطويل

ممزَّقاً هنا و ضائعا

أموتُ قبل أن أؤدىَ الودائعا

تلك التى حملتُها فى قلبىَ الضعيف

إليكِ قُبلةٌ و للعيالِ قُبلتان

و دعوةٌ لوالدىَّ بالجنان

و بسمةٌ لأخوتى و صحبةِ الطفولة

فربَّما تكونُ هذه رسالتى الأخيرة

و ينتهى بىَ الزمن

حبيبتى سعاد

أخاف يا حبيبتى فى هذه البلاد

أن يدفنونى_إن دفنتُ_دونما كفن

فمن يُكفِّنُ الغريب؟

أوَّاهُ يا وطن

أوَّاهُ يا وطن


محمد علي بكر