الإيرانى المجهول وراء وعد بلفور

مرت قبل أيام الذكرى المئة لما سُمى وعد بلفور، الذى اُقتطع بموجبه جزء عزيز من الأرض العربية، ومُنح لشرذمة من شتات يهود العالم ، ليؤسسوا دويلة على حساب الشعب الفلسطيني، تكون خنجرًا مسمومًا فى ظهر العرب. ففكرة الصهيونية ابتدعها طبيب يهودى روسى يدعى ليو بنسكر، كان زعيمًا لجماعة «أحباء صهيون» وروج لها فى كتابه «الانعتاق الذاتي: تحذير روسى يهودى إلى شعبه» وتشاء الأقدار أن يقرأ الكتاب قس من أب ألمانى وأم إنجليزية يدعى ويليام هنرى هيشلر، كان قسيسًا للسفارة البريطانية فى فيينا، ويتأثر بفكر بنسكر ودعوته إلى إقامة وطن قومى لليهود، وتتملكه الفكرة بعد لقاء جمعه مع بنسكر، وتتعمق لديه بقراءته كتاب «الدولة اليهودية» لثيودور هرتزل، فيسعى إلى طلب لقاء الأخير، حتى إذا ما ألتقيا عام 1896م، قال هيشلر لهرتزل: «أعددنا الأرض لقدومك منتصرًا» وأطلعه على خريطة الوطن البديل: فلسطين. وجاءت الخطوة الأولى لتنفيذ مخطط وطن الشتات، بلقاء يهودى إيرانى من أصل أرمنى يدعى جيمس مالكوم بهرتزل فى فيينا، إذ تحمس مالكوم للفكرة الصهيونية والوطن البديل فى فلسطين، فيما كان غالبية يهود أوروبا معارضين لها من أساسها، فيهود ألمانيا - على سبيل المثال - كانوا تحت حكم القيصر فيلهلم الثانى يتبوأون أرفع المناصب ويعيشون حياة رغدة، وكذلك الحال بالنسبة لباقى اليهود فى أوروبا، عدا يهود روسيا الذين كانوا وحدهم يعانون، كما كان اليهود التلموديون معارضين أيضًا، لإيمانهم بإن إقامة وطن لليهود فى فلسطين قبل ظهور المسيح المنتظر، يمثل مخالفة للإرادة الآلهية، ومن هنا عملت الحركة الصهيونية فى اتجاهين: الأول لتغيير رأى اليهود، والثانى لإقناع الحلفاء بأهمية إقامة الدولة اليهودية. وانتهز مالكوم حاجة الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى إلى دخول أمريكا الحرب لصالحهم، ونصح مارك سايكس وكيل وزارة الحرب البريطانية (أحد طرفى اتفاقية سايكس بيكو)، بإصدار وعد بإعطاء فلسطين لليهود، بإعتباره يسهل دخول أمريكا الحرب لصالح الحلفاء، نظرا لنفوذهم فيها، وفى مقدمتهم القاضى اليهودى لويس برانديز مستشار الرئيس ويلسون وصديقه المقرب، وبجهود سايكس أرسلت وزارة الحرب البريطانية تستطلع رأى 8 شخصيات فى المسألة هم : حاييم وايزمان وروتشيلد وسولوكوف وكبير الحاخامات وستيوارت صموئيل وليونارد كوهن وفيليب ماغنس وكلود مونتيفري، ورفض الثلاثة الأخيرين الفكرة فيما لم يتحمس صموئيل وإن لم يعارض، وعلى أثر ذلك وعبر سايكس نجح مالكولم فى الحصول على موافقة النافذين فى الحكومة البريطانية، وعلى رأسهم لويد جورج رئيس الوزراء وأرثر بلفور وزير الخارجية، وصدر الوعد فى 2 نوفمبر 1917م عن مجلس الوزراء البريطانى وإن حمل اسم بلفور وحده لأن الرسالة إلى روتشيلد ممهورة بإمضائه.

ويظهرنا هذا على أن الوعد لم يصدر عن بلفور وحده، بل شاركته الحكومة البريطانية والحلفاء كلهم، حيث باركته ودعمته حكومات أوروبا وأمريكا فضلاً عن دعم غير مباشر لبابا روما، فكان ترجمة لنظرتها الاستعمارية إلى البلدان العربية.

ويطلعنا مالكوم طومسون فى كتابه «تاريخ حياة لويد جورج» على دور مالكوم مشيرًا إلي: أن سايكس اهتم بالفكرة، وقام جيمس مالكوم بتقديمه إلى زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وفى مقدمتهم حاييم وايزمان، وكانت بداية أول خطوة عملية لإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين. ولسبب مجهول طمست الحركة الصهيونية دور مالكوم، والقصة الحقيقية لصدور «وعد بلفور» لتنسب الأمر كله إلى جهود حاييم وايزمان، الذى صار أول رئيس لما يسمى «إسرائيل».

» وعد بلفور
» المجهول الجميل
» المصير المجهول في انتظار" تيران وصنافير "!
» مأساة وعد بلفور..« 100 عام» والوضع يزداد سوءًا
» فيلم موعد مع المجهول