جيل الكتيبة 103

جيل الكتيبة103

طالما دقت طبول الانتقاد على رأس هذا الجيل ممن سبقه من أجيال.. لم تنعم أوطاننا بسلام حقيقى منذ عقود.. ومنذ عقود كذلك.. لم يزل جلد الذات نقمتنا الباعثة على القنوط فى كل الاتجاهات لا دافعنا للإصلاح وتغيير النفس والوصول إلى الأفضل.. ولم يزل اختلاف رؤانا باعثا على الخلاف لا الحوار البناء.. بين رؤية تنظر إلى مستقبل وأخرى تتشبث بما بقى من ماضي.

والواقع أننا شديدو القسوة بانتقاد أنفسنا إلى حد مخيف.. سريعة أحكامنا الصبيانية بين الأبيض والأسود بما يجافى الحقيقة.. بين وطنى وخائن.. ثورى وخانع.. بين مرتفع الهامة ومنبطح الكرامة.. بينما نحن، فى مجملنا، لسنا سيئين إلى هذه الدرجة.. والحق أقول، دون مبالغة، إن ما أنجزه جيل مصر الشاب مدعاة للفخر.. وليس صب اللعنات. والواقع أن أهلينا ممن ذاقوا مرارة النكسة وقسوة الحزام المشدود لتجهيز جيش أكتوبر ثم لهجوا بالدعاء لآبائنا المقاتلين بحرب الخليج.. هم الأولى بالحكم الصادق على مانشهده اليوم من أحداث لا تقل قسوة وعنفوانا وثقل وطأة بين ثورات وحروب.. ولو أمعنوا الرؤية.. لوجدوا فى كل عهد مما سبق معارضيه وغاضبيه ومتذمريه وثائريه.. غير أن الجيل برمته يقترن بما أنجز.. وإن جيلنا الحالي، بكل إنصاف، أنجز الكثير.. ولم يزل يفعل.

والحق أن ما يجرى فى مصر اليوم، وما سبقه من 7 سنوات ماضية، وما شهده فى 4 سنوات متصلة من الحرب على الإرهاب.. كاشف عن إنجاز جيل واع على أرقى درجات التحضر، رغم كل ما جرى؟.. نعم.. رغم كل الخوف والفوضى والحرق والسلب والنهب والوجوه التى افتضحت والرموز التى احترقت والمؤسسات التى تعطلت والمليارات التى طارت والحكومات التى تداعت والدساتير التى كتبت؟.. نعم.. رغم ما كنا فيه من سعة تبدلت لضيق حال؟ أقسم لك أن هذا الأمر بالذات.. هو سبب إجابتى بنعم.

نحن شعب مصر الشاب فى أغلبه، ذلك تبيان بعض ما فعلناه فى سنوات سبع، نجونا بوطننا من مصير شهده جل ما حولنا، بنينا فى خضم الحروب المحيطة جيشنا حتى صار من أقوى جيوش العالم العشرة، حفرنا قناة من حر مالنا، حملنا اقتصادنا من هوة مجهولة لحافة الاستقرار وأعتاب النمو، ثرنا ثم بنينا، تحت قسوة ظروف طاحنة وتقلبات عاصفة وفساد حتى النخاع صبرنا.. بل ومضينا قدما، ودفعنا من رفاهتنا واحتياجاتنا الأساسية ثمنا باهظا أطاح بملايين منا إلى شفير الفقر، ولم نزل نصبر.. ولم نزل نمضي.. ولم تزل أعيننا معلقة بما هو خارج عنق الزجاجة.

إن اختزال الجيل المعاصر فى مناضلى فيس بوك لهو ظلم مبين، كما اختزالهم فى المتصالحين المنبطحين البائعين المتسلقين.. الأمر أكثر عمقا من سطحية التصنيف المعلب.. ما أظهره هذا الجيل، فى مجمله، من وعى وسرعة إدراك ورد فعل وانتقال بالثورة إلى الدولة ومن الهدم إلى البناء، أمر سيحكيه تاريخ أبنائنا.. وإن الفترة القريبة الماضية خير شاهد على ما صار إليه تأثير الفضاء المرئى والإلكترونى الحقيقي، حيث الميديا على غالب منصاتها تصرخ فى واد.. والمواطن فى الشارع يسير فى واد آخر.. بينما الشباب هو المكون الأساسى على الجانبين.. ما تغير سوى مستوى من الوعى تطور فى سرعة مدهشة.. أسرع من نظريات المحللين وتصنيفات المؤدلجين.

إن ما خطه مقاتلو كتيبة الصاعقة 103 ومن سبقوهم من جنود شهداء أبرار فى جبين الوطن من شرف.. فى القلب منه حاضنة من الأهل والبشر.. جنود كل فى موقعه، ملايين الشباب بين معلم وطبيب ومهندس ومحام وصحفى وبناء ومزارع وصاحب حرفة وسائق ميكروباص.. فى سبيل الله جميعا ما صبروا وجاهدوا وأخلصوا حتى يعودون.. وفى سبيل الله يرحلون.. وإن كل من بات ليلته صابرا مرابطا فى حماية رجال مثل الشهيد العقيد أركان حرب أحمد منسي، إنما يستمد الأمل من مستقبل يعلو وجه حمزة.. ابن الشهيد أحمد منسي.

ولعل أكثر ما نحتاجه فى خندقنا الراهن التشبث بكل أمل.. فى أيام الحرب لا نجاة سوى فى التسلح بالسلام.. سلام من اليأس والبغضاء والتخوين.. سلام مع النفس نستعين به على ظروف لن تغيرها شكوى ولن يفلح معها صراخ ولن يدفع ضررها غضب.. ونستقى منه جلدا لأجل حلقة أخرى من مسلسل كفاح بدأه جيل افترش الأسفلت ثائرا ثم افترشه يمد طريقا جديدا لمدينة ومصنع جديدين.. رغم جنيهات ساكنة بجيبه تتضاءل قيمتها باطراد.

» الشهيد البطل أحمد منسى قائد الكتيبة (103 صاعقة)،