موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
باكى - 67
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
الحربي - 36
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
زهرالورد - 30
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_rcapالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Voting_barالوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Vote_lcap 

 

 الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 11:31


الوادي الجميل

قصة واقعية مؤثرة

مقدمة

هذه القصة المؤثرة تدور حول بنت يتيمة لم يتجاوز سنها الثماني سنوات , كانت تخدم في بيت سيدة قاسية القلب لا ترق ليتيم ولا ترحم الشيخ الضعيف الذي هو والد زوجها المتوفى في حادثة أودت بحياته .

كانت هذه البنت السبب في تغيير مجرى حياة المقاطعة التي عاشت فيها : الكنيسة , والراعي , بل والسيدة القاسية . وكل من كانت تقابله هذه البنت كان يجد فيها بساطة منقطعة النظير وهى تستفسر عن الطريق المؤدي الي (( الوادي الجميل )) أي سماء الخلود , حيث ذهبت أمها , فكانوا جميعا يسلمون حياتهم للرب يسوع المخلص .

عندما قرأت هذه القصة باللغة الإنجليزية كانت سبب بركة كبيرة لنفسي , ولذلك رأيت أن أنقلها للغة العربية ,سائلا من الله أن يجعلها بركة لكل قاري كما كانت لي .

المعرب

الفصل الاول

الفصل الثانى

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

شخصيات القصة

روزا – البنت الصغيرة وبطلة القصة .

مسز جراي – واسمها سارة . امرأة قاسية القلب ثرثارة تخدم عندها روزا .

مسز براوننج – أم روزا , وتعيش مع مسز جراي .

الجد – والد زوج مسز جراى .

استر فرفانكس – بنت راعي الكنيسة .

الدكتور فرفانكس – راعي الكنيسة .

الدكتور ديل – طبيب , وعضو في كنيسة الدكتور فرفانكس .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 11:36

لفصل الأول

كم الأجرة ؟

- " روزا ! روزا ! "

- " نعم يامسز جراى , ها أنا آتية " .

- " أسرعي أيتها البنت الكسلانة . كنت أنادى عليك حتى بح صوتي . أنت دائما تكونين عند أرجلنا حينما لا نحتاج إليك , أما عند الحاجة تختفين . لو كنت ابنتي لعلمتك أكثر مما تعلمين الآن ...."0

ردت روزا المسكينة بتعثر وقالت : " يا سيدتي , أمي كانت في نوبة سعال فظيعة فلم أ تمكن من سمعك " .

- لست أدرى أي عذر تنتحلين عندما تمضى , أو ماذا سيكون حالك ؟ ولكنى أعلم شيئا واحدا هو أنى لا أريد وجودك , وهذا أكبر نعمة ".

- " لماذا , وأين ستمضى أمي يا سيدتي ؟ " , سألت روزا بعينين واسعتين عليهما علامات الخوف والحيرة .

- " كفى كفى يا سارة , لا تكلمي البنت هكذا . تعالى يا روزا العزيزة هنا ولا تخافي لأن سارة لا تقصد شيئا . وسارة امرأة طيبة , بل طيبة جدا ".

- بل أقصد ما أقول أيها الوالد , وأريد منك أن تحتفظ بسكوتك . أنت دائما تحامى عنها . نعم إني امرأة طيبة فعلا وإلا ما أبقيتك بعد موت توم . لقد نحلت أصابعي من الخياطة لكي نحصل على لقمة العيش والإيجار , ولازمني النحس من اليوم الذي تزوجت فيه توم جراي . وقد كان دائما يلح بضرورة وجودك . ولما مرضت الصيف الماضي لم يستطيع أن يواصل عمله . وكان يمشي اليوم كله لعله يجد شيئا في إمكانه أن يخفف عنك , بل كان يسهر الليل بطوله معك , مع إني أخبرته أن هذا غير لازم . كنت أغسل , وأخيط , وأعمل كل شيء , ومع هذا فقد ضاع منزلنا الصغير . ففكرت حينئذ أنه لولاك ما ضاع المنزل . وكل قرش كان يصل إلى يد توم كان يصرف في الدواء أو في طعامك . وبعد أن شفيت وجد عملا يمارسه , وكان يحاول أن يسترد المنزل . ولكنه خرج ,وفى هذه المرة ذهب ضحية في سبيل إنقاذ شحاذ لا يصلح لشيء من تحت عجلات عربة تمرق في الشارع , وتركني أرعاكم منذ اليوم الذي فيه أحضروه إلى المنزل والدم ينزف من جسمه الممزق . رباه ! هل من يشاركني في هذه الدنيا أو صعاب الحياة وبلاياها , ويعيش فيها مثلى ؟! وأظن أن معظم الكنات يخبرنك أن تمضي , ولكن كلا , فأنا سهرت عليك طيلة السنين الخمسة الماضية . ومن يدرى إلى متى تعيش ! وهذا الصباح لم تعرني التفاتة , مع أن أقدامى حفيت هنا وهناك " .

فانطلقت روزا تقول غير عابئة بالسيدة جراي ولسانها اللاذع :

- " يا جدي ماذا تعنى بقولها عن أمي أنها سوف تمضي ؟" .

- " لست أدري يا بنتي , ولم أسمع شيئا عن سفرها , والحق أن كل شيء مختلط على منذ وفاة توم ".

- " يا روزا براوننج , إني لم أناديك الآن لكي تسألي هذه الأسئلة الغبية . أريد منك أن توصلي هذه الحقيبة وبكل سرعة . لو لم تتكلمي كثيرا لكنت الآن في طريقك . سلميها إلي السيدة التي أرسلتك إليها مرة من قبل في شارع ليك ".

- " آه , في المكان الذي سمعت فيه الموسيقى الجميلة ".

- " نعم , ولكن لا تتلكئي في الطريق لأجل الموسيقى , لأن الموسيقى الجميلة ليست لأمثالنا نحن الذين نعيش في شارع برتون، يخجلني ألا أستطيع دفع أجرتك في العربة , ولكن أظن أنك لا تستطعين حمل هذه الحقيبة الكبيرة مسافة طويلة . ولو قضيت وقتا أطول في الشغل , وزمنا أقل في القعود بجوار أمك , لكانت لك قوة أكبر . ولا أريد أحدا يقول عنى أنى أشغل الناس بدون أجر , لذلك فهناك قرشان تشترين بهما قطعة من اللحم وأنا أطهيها لأمك لكي تتعشى بها . وأرجو الله ألا تسعل كل الليل وتقلقني" .

- " شكرا لك يامسز جراى على لطفك " . قالت روزا هذا وعلامات الرضا ظاهرة عليها , ووجهها الصغير الناحل تشرق عليه ومضة من الارتياح لأن أمها سوف تتناول أكلة طيبة في العشاء.

- اذهبي الآن في حال سبيلك ولا تضيعي الوقت في الكلام كفاني تعبا يكاد يفقدني صوابي , تارة منك . وطورا من الوالد ".

- " هاأنا ذاهبة يامسز جراي . مع السلامة يا عزيزي ". قالتها بحب حار وقبلت وجنة الرجل العجوز , لأن نزيلي هذا المسكن إحداهما ابنة ثماني سنوات والآخر تخطى الثمانين . ومع ذلك فقد كانا أوفى صديقين حميمين .

- " روزا " نادت مسز جراى مرة أخرى بصوتها العالي . عندما كانت الطفلة تشق طريقها في الصالة المظلمة , " تعالى هنا "

- " نعم يا مسز جراى , هاأنذا " .

- " أنت غاية في الإهمال . احترسي لئلا تضيعي النقود التي أعطيتك . إذا ضاعت فستندمين . لتأخذين أجرة شغلك . هيا أسرعي ولا تضيعي دقيقة واحدة . قفي , ألا تتمهلين على لكي أعرفك ما أريد ؟ أنت بنت متعبة ! و ضروري أن تخبري أمك أين أنت ذاهبة , لأنك ستستغرقين في هذه المأمورية ساعة ونصف , وأنا لا أريد أن تقلقيني بكثرة الأسئلة عنك وتستمر تنادى عليك , وترسل وراءك لتبحث عنك مثلما عملت في المرة التي تأخرت فيها إلى المغرب . لقد كانت في حالة رهيبة كأنك لن تعودي أبدا . وأنا مندهشة جدا علي تصرفاتها هذه !.ما الذي يجعلها مشغوفة عليك هكذا ! إنها غبية حقا , ولقد عرفتها بذلك في وقته . وأنا من رأيي أن العصا خير مصلح لتلكئك و بطؤك في قضاء المأموريات . ولكنها بالعكس كانت تغمرك بالقبلات وهى تبكى لما كلمتها عنك . اذهبي الآن وعرفيها أين أنت ذاهبة , واحترسي لئلا تسقط الحقيبة منك في الوحل " !.

وعندئذ هرولت روزا راكضة لئلا تنادي عليها ثانية. كانت تخاف من هذه الطاغية , وعبثا كانت تحاول أن تحبها لأجل خاطر جدها لأنه دائما وأبدا كان يخبرها أن " سارة امرأة طيبة , بل وطيبة جدا" .

" يا أماه "، قالت روزا وهى تدخل حجرة أمها الصغيرة التي يدل مظهرها علي الفقر والمسكنة :" أنا ماضية لأوصل حقيبة إلى شارع ليك لمسز جراي وسوف لا أعود إلا بعد ساعة ونصف , وعرفتني أن أخبرك بذلك , وقد أعطتني قرشين . أليس هذا جميلا ؟ وسوف أحضر بهما قطعة لحم لتطهيها لك شواء. ولكن يا ماما هي قالت شيئا عن رحيلك , وأنا لا أعلم ماذا يكون حالي . طبعا أنت لا تنتقلين من هنا إلا إذا أخذيتني معك ؟. وأنا لا أعرف ماذا تعني !. ماذا تقصد ؟ ولماذا تبكين يا أمي العزيزة ؟". سألت البنت والخوف يستبد بها وهي تندفع بدون ترو إلى جانب سرير أمها .

- " سنتكلم عن ذلك فيما بعد عندما تعودين يا بنتي العزيزة . قبليني يا غالية ".

ثم سقطت المريضة المتألمة إلى وراء على وسادتها , وأخذت تسعل بشدة والتنهدات المؤلمة تنم علي ما تعانيه من تباريح المرض العضال . وبقلب مثقل بحمل أثقل من الحقيبة التي تحملها , أسرعت روزا تنزل من السلم المنحدرة وغابت جو ديسمبر القارس .

" أواه" قلتها بصوت خفيض , " ما أشد هذا البرد ! لكن يسرني أن المسافة ليست بعيدة حتى أصل إلى موقف العربة ".

وأخذت تهرول بخفة , وفي لحظات قليلة كانت تتفرس في وجوه المسافرين معها . كانت تجلس قبالة روزا شابة هي الجمال بعينه والرشاقة مجسمة . وفيما هي مأخوذة بذلك الوجه الجميل والملابس المهندمة وهي في أشد العجب , إذ بها تدنو من روزا وتجلس بجانبها , والابتسامة العذبة والتحية الطيبة التي ألقتها عليها جعلت الطفلة تنسي إحجامها وتراجعها , وسرعان ما أخذت الاثنتان تتحدثان حديثا لا كلفة فيه .

- " إذا أنت ذاهبة لتوصلي هذه الحقيبة في شارع ليك , أليس كذلك ؟"

- " نعم , و مسز جراي أعطتني قرشين لأجل ذلك . وسأشتري قطعة من اللحم لتشويها لماما . أليس ذلك جميلا ؟ كنت أفتكر إني سأكون سعيدة . ولكن لا يوجد للسعادة أي أثر عندي . وأنا لا أفهم ماذا تعني بقولها إن أمي ستمضي. كما انها لم تعرفني ماذا يكون أمري من بعدها . عجبا أيتها السيدة . إن أمي لا تقدر أن تنتقل الآن . لأنها مريضة وعندها سعال فظيع ! كما أنها لم تر الجد و مسز جراى منذ مدة طويلة , علي أية حال سوف لا تمضي وتتركني . طبعا هي لا ترضي لأننا دائما أبدا لا نفترق . وهي لا تعيش بدوني . لأني أنا أعتني بها دائما . وأنا لا أعيش من غيرها . وعلي مسز جراى أن تفهم هذا لأننا عشنا معا مدة طويلة . تري ما هو فكرك وماذا تعني ؟ أنا لا أستطيع أن أفكر في أي شيء آخر عدا هذا " .

- " لماذا يا بنتي الصغيرة ". استطردت السيدة الغريبة . بينما كانت روزا في حيرة أشد من الماضي . لاسيما لما رأت عينيها الزرقاوات مغرورقتين بالدموع . " أحيانا عندما يمرض الناس يذهبون إلى وطن أفضل من هذا . هل تعرفين شيئا عن السماء ؟".

- " ليس كثيرا يا سيدتي. عندما تكون مسز جراي في الخارج . وماما تشتغل . يمسك جدي بالكمان ويرتل لي عن الوادي الجميل . ويقول لي إن هذا الوادي هو السماء . ولكنه لا يستطيع أن يوضح لي عنها كثيرا . ويقول انه لا يتمتع بذاكرة جيدة منذ أن قتل توم. واعلمي أن توم هذا هو ابنه . وجدي طيب جدا . وعندما تنتقل ماما أنا أعلم أنها ستأخذني , وأنا أود أن يذهب هو الآخر معنا . لكن يا سيدتي هل تظنين أن هذا هو المكان الذي ستمضي اليه ماما ؟".

- "أرجو ذلك يا عزيزتي , لأنها سوف لا تسعل فيما بعد هناك".

- " أصحيح ذلك ؟ سأخبرها عندما أعود . لكن كم الأجرة إلى هناك ؟ نحن فقراء كما ترين ".

- " سوف لا تدفعون أجرة للذهاب إلى الوادي الجميل لأن يسوع دفعها منذ زمان ".

- " آه ما أطيبه ! كم يجب أن يكون طيبا ! الليلة الماضية استيقظت , وماما قبلتني وقالت لي إن يسوع سيعتني بي . هل حقيقة دفع الأجرة من أجل كل واحد ؟".

- " نعم , أنا متأكدة من ذلك , لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ".

- " أليس هذا جميلا !. لكن من أين نبدأ للسفر حتى نصل إلى هناك ؟".

- " أمك يمكنها أن تذهب من منزلكم ".

- " لكنها لا تقوي علي الانتقال إلى أي مكان . وهي لا تقوي علي الجلوس كثيرا الآن . سأخبرها عن ذلك حتى عندما تتحسن نذهب معا . وهل يطول الوقت للوصول ؟".

- " لا , ليس طويلا ".

- " كنت أتمني أن نعرف هذا قبلما يشتد البرد . وربما يزداد مرضها ويشتد عليها السعال إذا سافرت الآن . هل هناك أناس كثيرون في تلك البلاد ؟".

- " نعم , كثيرا جدا ".

- " وهل سيذهب آخرون ؟".

- " نعم , في كل وقت ".

- " وهل الناس في هذه المدينة يعرفون ذلك ؟".

- " نعم ".

- " إذا لماذا لم يخبرني أحد قبلما تمرض ماما . لا أستطيع أن أحتمل رؤيتها وهي تتألم وكان بالإمكان الذهاب إلى هناك الآن . وأخاف أن الوقت يطول بها قبل أن تتمكن من البدء في الذهاب . آه لو كنت أعرف ! ياليتني أخبرت بذلك من قبل ! وهل الناس عندهم طعام كاف ؟ منذ أن مرضت ماما وهي لا تقوي علي الشغل ويستبد بنا الجوع في بعض الأحيان ".

- " هناك متوفر عندهم كل ما يحتاجون إليه ولا يجوعون أبدا "

- " نعم ".

- " وهل هناك برد ؟".

- " لا ".

- " وهل يدفعون الإيجار ".

- " لا , يسوع دفع كل شيء ".

- " يا للعجب ! أليس ذلك بديعا ؟! كم ستفرح ماما حين أخبرها بذلك . كانت شتوية صعبة علينا هذه السنة . والإيجار ميعاد دفعه يوم الاثنين , ولا يوجد عندنا ما ندفعه . لكن إن تحسنت ماما واستطاعت أن تمضي فلا يهم . لكن أحسن شيء أنها ستشفي من مرض السعال فلا تتألم فيما بعد !".

ثم صاحت روزا مذعورة :" أواه ! نسيت أن انزل من العربة , وقد تركنا ليك أفنيو مسافة محطة . ماذا تقول مسز جراي عني ؟".

ودون أن تتكلم كلمة أخري نزلت لأن العربة كانت علي وشك أن تتحرك . وظلت تركض وراء العربة دون أن تدري لماذا تفعل هذا . وكانت تلهث , وتذكرت أن البنت لم تخبرها عن الطريق إلى الوادي الجميل حيث يمكن أن تذهب ماما ولا تسعل فيما بعد .

كانت الحيرة وخيبة الأمل تستبدان بها حتى تثقل قلبها أكثر من أي وقت مضي , فسلمت الحقيبة , واشترت اللحم , وعادت في الوقت المناسب لتكون بجوار أمها المريضة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالثلاثاء 8 سبتمبر 2015 - 11:39







الفصل الثاني

حيرة أستير

كان النهار يميل ببطء نحو الغروب . وكانت أستير فيرفانكس تجلس أمام المدفأة وعلي وجهها المشرق ظل من ظلال الحزن , وهي تحاول عبثا أن تنكب على مطالعة كتاب جديد اشترته . وكانت حجرتها منسقة بالأثاث الوثير , وكل جزء فيها من السجاد الجميل إلي الصور التي تزين الجدران تشهد بثقافة هذه الشابة الجميلة.

وسرعان ما أغلقت الكتاب وطرحته جانبا بغير اكتراث , ومالت إلي الوراء علي أريكتها لكي تركز فكرها في التأمل , وقد تجمعت في عينيها الزرقاوات الدموع المحتبسة , وسرعان ما سالت الدموع على وجنتيها مدرارا .

ولبثت حينا تعيش أحداث العصر , وهى تسترجع تفاصيل الحديث الفذ مع تلك الطفلة الأمية الجذابة .

" آه " قالت في فكرها , " لن أنسى بأية حال تلك الكلمات : كم الأجرة ؟ نحن فقراء كما تنظرين . لو أعلم أين تسكن حتى أذهب إليها وأراها هناك وأشرف على خدمة وراحة تلك الأم المحتضرة ! تلك العينان المتشوقتان تضرمان أحشائي ".

" يا أبتاه , كم أنا مسرورة لأنك جئت الآن " . قالت أستير وهى تهم مسرعة عند سمع وقع أقدام والدها المألوفة في الردهة .

" لقد انتظرت طويلا مترقبة عودتك ".

- لماذا أنت تبكين يا أبنتى ؟ ماذا دهاك ؟ هل يؤلمك شيء أو وصلتك رسالة غير مفرحة ؟".

- " كلا يا والدي , ولكن ما يؤلمني هو حالة تلك البنت التي رأيتها في العربة عصر هذا اليوم , وبعدها اختفت على حين غرة ".

- " تعالى إلى مكتبي يا أستير , وقصي على كل ما يختص بها ".

- ومع أن الدكتور فيرفانكس كان راعيا لأكبر كنيسة في المدينة إلا أنه كان يخص ابنته اليتيمة من أمها بحبه ووقته .

قالت , " بينما كنت راجعة من المدينة عصر هذا اليوم إذا ببنت صغيرة جدا تركب العربة حاملة بين ذراعيها حقيبة كبيرة ثقيلة . كانت تقاطيع وجهها جميلة وعليها مسحة البراءة , ولكن كانت تعلوه غلالة من التعب والشقاء اللذين هما أثقل مما تتحمله سنو طفولتها القليلة . كانت لها عينان واسعتان سوداوان جذابتان , بينما يتدلى حول وجهها وعنقها شعر متموج كستنائي . وثيابها خفيفة قديمة , ولكنها أنيقة نظيفة , بل إن مظهرها عامة يستأثر بلب الناظر إليها لدرجة أنى قمت من مكاني وجلست بجوارها وأخذت يدها الباردة الصغيرة في يدي .

" لقد كان حديثها على السليقة , ينساب بدون تصنع , وعرفتني أن اسمها روزا بروا ننج . وبقدر ما تعي ذاكرتي لم أتبين من حديثها إلا القليل عن ظروفها , لكن لم أعرف موقع منزلها . وكانت بين الحين والآخر تتحدث بلطف عن " الجد " , وذكرت مرارا " مسز جراى " . وعلى ما أتصور إنها لم تكن تعاملها بالحسنى . لكن يا والدي ما أبدع ما أفاضت عند ذكر أمها في حديثها ! انه يخيل لي أن قلبها الصغير يكاد أن يتمزق حنانا ورقة وعذوبة , بل انه يكاد يتقطع ألما لمرضها , فكأنها في جسمها الغض كانت تحمل حملا يسحقها على أمها " .

كانت الدموع لا تزال تجرى من أستير وهى تروى حديث روزا عن انتقال أمها . ومحاولتها معرفة ما يعنيه هذا الانتقال . والوالد القوى , الذي تعود أن يعيش في عباب ويلات الشعب وبؤسه بحكم عمله في أوساط الفقراء والمنبوذين , أطرق رأسه وأخذ يبكى هو الآخر . وأسئلة البنت التي تقطر أسى ولوعة أخذت بمجامع قلب الراعي , كما أثرت من قبل في أستير.

فأخذ يردد : " لكن كم الأجرة ؟ كم الأجرة ؟ لحقا أجبت بالصواب يا ابنتي . ليس علينا أجرة ندفعها إذ إن يسوع دفع الكل ! لكن ياله من ثمن باهظ ! . حياة ابن الله العلى القدير , الذي إذ كان في صورة الله , لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله , لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد , صائرا في شبه الناس , وإذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب !".

أخذ الصمت يرن عليهما بضع دقائق , وهما تائهان في التأمل في ثمن الفداء .

" انه لا يستقصى يا أبتاه " . قالت أستير بصوت خافت , " وان مجرد التأمل في أن موته كان حتى من أجل روزا الصغيرة , وهى لا تدرك عنه شيئا !. لقد غطاني الخجل , ولبثت لا أحير جوابا لما سألتني لماذا لم يعرفها أحد ذلك من قبل , والواقع أنى لم أستطيع أن أعطيها جوابا عن هذا . وكم أتمنى لو قدر لي أن أصف الشغف الذي كان يلازمها حينما قالت : هل أنت متأكدة أنه دفع الأجرة من أجل كل واحد ؟!. حق مذهل لا يستطيع عقلها الصغير إدراك كنهه ".

- " نعم يا ابنتي , لقد شمل موته دفع الأجرة من أجلها ,من أجلك ومن أجلى , لأنه يرى في كل نفس بشرية لؤلؤة كثيرة الثمن ".

- " لكن روزا تركت العربة قبل أن أوضح لها شيئا عن طريق الخلاص . وقد لا تجد من يخبرها إذ إن والدتها في النزع الأخير . آه لو كنت أعرف أين تسكن !. إن كل ما تحتاج إليه هو أن يرشدها أحد , وبعدئذ قد تكون هي السبب في إرشاد أمها وجدها , وحتى مسز جراى , ليعرفوا الطريق إلى نور محبة يسوع . لكن لماذا يا والدي نجد القليل اليسير من المسيحيين يتكلمون عن يسوع مع من يقابلونهم ؟!. إنهم يتحدثون بطلاقة عن كل شيء آخر , لكن لدى ذكر اسمه تنعقد ألسنتهم . وهذه المدينة مليئة بالكنائس , وألوف يؤمونها ممن يدعون أنهم للرب , إلا أن روزا في الواقع لم تسمع عنه شيئا . وكل يوم من حياتها عندما تسير في الشارع , أو تكون في العربة , تتصل بالبعض ممن يستطيعون إرشاد نفسها الصغيرة إلى المسيح . بل إن لحظة واحدة كفيلة بأن تساعدها لمعرفته , لكن يبدو أن لا أحد يهتم بهذه النفوس . لماذا هذا ؟ كيف يهمل هذا من عرفوه ؟!".

- " انك تسأليني يا ابنتي سؤالا يعسر على إجابته . أنى أصرف الساعات الطويلة في الصلاة ودرس الكتاب لكي ألقى الموعظة , وأجتهد أن ألقيها مصحوبة بقوة الروح القدس وعندما أسلم ذاتي تسليما كليا له يؤلمني , بل يسحق قلبي , أنى أجد أخيرا أن الرسالة تلقى على أذن صماء . وموجة العالمية التي تكتسح الكنائس هي منبت الداء . و كثيرا ممن أعظ يخلصون . لكن القليل منهم يكرسون حياتهم . إنهم يريدون أكبر قسط من المسيح للمعونة في وقت الشدة ويتيقنون أن السماء هي جعالتهم القصوى . ثم يستأثرون بأوفر نصيب من هذا العالم بقدر ما يستطيعون حمله وجعل همهم أن يكونوا له طول الأبدية . أما في هذا الزمان فلا. يا ليت شعري . لو عرفوا الفرح الذي لا يعبر عنه النابع من الحياة المكرسة التي تربح النفوس للرب ! لو اختبروه مرة واحدة فان إغراءات هذا العالم تغدو بلا قيمة وحينئذ فان حقائق العالم الباقي تزداد وضوحا وثباتا أمام عيونهم .

" إن حمل مسئوليتي الباهظ يتصور لي أحيانا أنه يسحقني . ويعلم الرب أنى أرشد شعبه في الطريق القويم . وكم أتوق أن أتكرس تكريسا كليا أنا وكنيستي ! وعندما أتذكر كلمات المسيح أنه من فضلة القلب يتكلم الفم أخشى أن الكثير من هذا الجيل سيقولون عبثا في ذلك اليوم , يا رب يا رب ! وانه لأمر رهيب حقا أن يعترفون أنهم يعرفونه يذهبون هكذا إلى حضرته , تاركين وراءهم من يتلمسون في الظلام بسبب عدم أمانتهم للرب . وإذ جاز لنا أن نقول إن الرب غير مسرور . فالسبب هم المسيحيون الفاترون الذين يسببون له ألاما شديدة ".

- " يا أبتاه . أنى أرغب في العثور على روزا . ولو كنت أكثر غيرة على النفوس لمجد الله . لكنت تركت العربة وتبعتها على الفور . كيف ترى أبدأ في طريقة البحث عنها . إن الأمر يبدو مستحيلا ولكن ينبغي أن أبدأ " .

- " انه يبدو من الحماقة يا ابنتي أن تحاولي العثور على هذه البنت , ولكن دعينا نطلب من الله أن يرسلها إلينا. وهو يستطيع أن يرشدها بطريقة ما , لأنه يراها في هذه اللحظة كما يرانا نحن أيضا " وإذا بنور مشرق يغمر وجه أستير وهى تفيض فرحا عندما نهضا , بعد أن كانا جاثيين في الصلاة من أجل هذا الأمر .

- قالت : " أنى متيقنة أنه سيسمعنا يا والدي , لأن مقابلتي لها اليوم لم تحدث من قبيل الصدفة . إن يد الرب المرشدة قد تدخلت في الأمر , وهو سيغفر لي عدم أمانتي بكل تأكيد ويفتح لي باب فرصة أخرى . هلم نرنم معا يا والدي ترنيمة "موطن النفس " . لقد كانت أمي تحب هذه الترنيمة حينما أدركت أن وقتها اقترب لترى جمال المكان !".

فامتزج صوت الوالد مع صوت ابنته في الترنيمة القديمة الجميلة :

سأرنم لكم ترنيمة عن الوادي الجميل

هنا موطن النفس المفدية

حيث لا عواصف تضرب على الشاطئ المتألق

حينما تتابع سنو الأبدية

وفى ختام الترنيمة قبلت أستير والدها وتركت الحجرة بهدوء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 13:43


الفصل الثالث

أم روزا تنتقل

- " يا مسز برواننج , هاهنا الشواء الذي شويته لك مع بعض الخبز المقدد والشاي . وقد احتفظت لروزا بنصيبها أيضا لأنك غريبة الأطوار حقا , فأنا أعلم أنك لا تأكلين شيئا بدونها . والآن لا تحتمل نفسي الصرف عليها فيما بعد لأني أقاسى المر في الحصول على ما نعيش به بالجهد والتعب ".

- " شكرا يا مسز جراى على شفقتك " , ثم أردفت برفق لئلا تسمع روزا كلامها – وكانت قد ركضت لتكلم جدها – فقالت : " لو قدر لي أن أعرف مصيرها ! آه يا ابنتي المسكينة ! كيف أتحمل فراقها , وماذا يكون مستقبلها ؟".

وتأوهات الأم المعذبة المسكينة كانت تقطع نياط القلب وهى تدنو من الموت رويدا رويدا ,ثم استطردت مسز جراى قائلة : " يا مسز براوننج , هوني عليك , فالبنت كبرت الآن وتستطيع أن تشتغل وتعول نفسها . وطبعا لا تنتظري منى أن أحتفظ بها عندي . كفاية على الجد الآن لآن حالته تسوء كل يوم . وهذا اليوم لا أدرى ماذا أعمل في الخياطة , وأنا مشغولة جدا . أخذ الجردل وفيه الفحم , وما أن مشى خطوات قليلة حتى سقط منه على الأرض , وطبعا اضطرت أن أكنس وأمسح . وأردت أن أستريح منه دقائق فأرسلته إلى البقال , وطبعا أنا لا أطمئن أن أعطيه قرشا واحدا . وهو معروف لدى البقال فيعطيه ما يريد وأنا أحاسبه , ولست أدرى إلى متى أدفع ؟ . قد أخبرته ألا يغيب إلا ربع ساعة , ولكنه لما تأخر اضطررت أن أترك عملي وأذهب لأبحث عنه . ودائما أبدا يسبب لي المتاعب , مثلما حدث لما انزلقت على السلم وأنا ذاهبة لأبحث عنه . وهذا ما يزعجني دائما أنى عندما أذهب وراءه أراه راجعا . فلو رجع بسرعة لكان قد وفر على التعب . قال أنا تعبان . ولكن التعبان حقيقة هو أنا . أطلع السلم وأنزل السلم . وتصاب قدماي أيضا !.

" يا ألهى . أنت ترين يا مسز براوننج أنه عندي ما يكفيني ولا عجب أنك تريدين منى أن أعول روزا حتى تكبر . أستطيع أن أدربها جيد كي تعرف أن تعمل شيئا . وهى في سن تستطيع أن تشتعل , وسأفتح عيني عليها جيدا وأربيها دائما أبدا إذا لزم الأمر . وأفتكر أن هذا يطمئن نفسك عليها . وقليل من الناس من يرضي بهذه المتاعب , أن يربى بنتا يتيمة مثل روزا .

" تناولي عشاءك الآن , وسأستدعى روزا للحضور هنا . الشيء الذي أريد أن تكف عنه هو تضييع الوقت دائما . والشيء الذي تراه في الجد لا يحتمل لأنه غالبا ما يستيقظ في الليل وينادى ظنا منه أنه طفل يحتاج إلى رعاية أمه . لا يوجد أحد يستطيع أن يصبر مثلي !".

كل كلمة فاهت بها مسز جراى كانت كسكين تجوز في قلب هذه المرأة المريضة الحساسة , حتى لكان قلبها كان يقطر دما . ففكرت : " قد يكون في هذه المدينة المزدحمة من يحب صغيرتي العزيزة فلا تسقط بين يدي هذه المرأة الجبارة !".

- " يا مسز جراى " , سألت متضجرة ,و هي تحاول أن تحبس في نفسها أنات جافة تخنقها : " ألا تعدينني وعدا واحدا ؟ هل تقبلين روزا عندك على الأقل للربيع ؟ ماذا تفعل ابنتي بلا مأوى ولا أم في هذا البرد القارس ؟ إن مجرد التفكير في هذا يسوقني سوقا إلى الخوف والحزن والألم الذي يطير بلى تستطيع أن تقضى المأموريات التي تريدينها , والجد يحبها حبا جما . لا تخيبي طلبي هذا , خصوصا وأنا أسلم الأنفاس الأخيرة ".

ترنحت مسز جراى وكادت تفقد توازنها , لأنها لم يسبق لها أن سمعت مسز براوننج تستعطفها بهذه الكلمات النفاذة . والعينان السوداوات المتفرستان في عينيها تغلبت على القلب الذي لا يحس ولا يشعر , وقبل أن تعرف أهمية كلامها منحتها سؤلها , وأردفت تقول :" لا يوجد كثير من الناس من يفعلون مثلي أستطيع أن أقول لك ذلك ".

وإذ تصورت أن وعودا أخرى أشد تعقدا قد تتعرض لها أسرعت مسز جراى وتركت الحجرة حتى لا تتورط معها .

" الحمد لله , تمتمت الأم ومالت إلى الوراء على وسادتها , " سيكون لطفلتي طعام ومأوى , على الأقل إلى أن يحين فصل الربيع . ولكنها ستحرم من حبي ". وأخذت الدموع تنساب على وجنتيها مما جعل روزا تصرخ مستغيثة وهى تدنو من سريرها وتقول :" يا ماما . يا عزيزتي . هل تحسين بألم ؟ لماذا تبكين ؟".

- " يا عزيزتي . أمك تعبانة الآن ولا تستطيع الكلام . قربى الخوان قليلا نحو السرير . فإذا استطعت أن أكل شيئا للعشاء فسنتحدث فيما بعد . يوجد عندي كلام كثير أريد أن أقوله لك ".

- وبحركة آلية أطاعت روزا تحت ضغط أن شيئا خطيرا سيحدث . حينئذ رأت يدي أمها ترتعشان . وانتفاضة سريعة في تقاطيع وجهها . ولم تدرك البنت الصغيرة الغضة أن هذه أعراض أزمة قلبية أصابت أمها .

- أيقظت رائحة اللحم المشوي شهية روزا . لأن غذاءها لم يكن سوى قطع من البطاطس المسلوقة . والآن . وفى حالة الأم هذه . كان يبدو أن أية لقمة قد تسبب لها اختناقا . ولكنها تناولت شيئا قليلا منه . وبشعور من الراحة . وبعد رفع المأكولات . جلست روزا بجوار أمها وهى تمسك بيدها المحمومة .

- قالت : " لا حاجة بك أن تتحدثي إذا كنت تحسين بألم . لا أريد أن أعرف شيئا عن الانتقال . وأنك لا تقبلين أن تذهبي بدوني . أليس كذلك ؟ ولكن عندي أخبار سارة لابد أن أخبرك عنها , وربما هذا يستطيع أن يغير خططك ويسهل عليك ما تفعلين.

" لقد تقابلت هذا اليوم مع سيدة جميلة , وعرفتني عن الوادي الجميل حيث هناك الناس لا يعتريهم مرض , ولا سعال , ولا يدفعون إيجار , ويتوفر لهم كل ما يريدون من الطعام . كما أنها قالت لي أنهم لا يدفعون أجرة السفر هنا أوهناك , لأن يسوع دفع الأجرة منذ زمن بعيد . أ تمنى أن أعرف أين يوجد يسوع حتى يوضح لي كل ما يختص بهذه الأشياء الحلوة . ونزلت من العربة قبل أن تعرفني السيدة الطريق . لابد أنه طيب جدا مادام يدفع الأجرة لأجل كل واحد . لا يوجد خطأ في هذا الكلام , لأنها عرفتني شيئا أيضا عن محبة الله لكل العالم . أنا لا أعرف معنى كلامها , ولكنه كلام جميل جدا . وأنا أعلم أنه ينبغي أن أحب يسوع جدا . آه ! لو أمكنني أن أعرف مكانه لكنت أذهب وأقابله ليعرفنا كيف نذهب هناك . أنا متأكدة أنه يعرفنا الطريق .

" ماما . لماذا تبكين كثيرا ؟ لا تحزني , فأنا سأحاول بكل جهدي أن أعرف الطريق ونذهب سويا . سيكون الأمر لطيفا جدا . أليس كذلك , ولاسيما أنت لا تسعلين فيما بعد ؟ وربما نقدر أن نتدبر للذهاب بسرعة قبل أن يحل موعد دفع الإيجار مرة ثانية ".

وأخذت البنت الصغيرة الملتاعة على أمها تقبل جبينها البارد , وهى تؤكد لها أنها سوف لا تكف عن البحث عن الطريقة التي توصلها إلى ذلك الوادي الجميل .

" يا إلهي " . أخيرا تعثرت الكلمات على شفتيها بعد لحظات ساد فيها الصمت . " اغفر لي . وخذني إلى الوادي الجميل من أجل خاطر يسوع . واعتن بابنتي الصغيرة ". " يا روزا يا عزيزتي , إن أنفاسي تتقطع . لكن لابد أن أخبرك عن شيء . أنت أصغر من أن تعرفي المعنى الآن , لكن حاولي أن تتذكري ويوما ما ستفهمين . منذ عشر سنين تزوجت من والدك هارولد براوننج . وأنك شبيهة به يا عزيزتي .

" لقد تركك يتيمة في سن الرابعة , ومن ذلك الوقت إلى يوم الزواج كنت أكسب عيشي بمهنة الكتابة في أحد المحلات التجارية في أطراف المدينة . كما أن والدك كان وحيدا في هذه الحياة , ولكن كنا نحب بعضنا بعضا حبا جما . ولقد استأجرنا شقة صغيرة مفروشة كانت في نظري جنة . وكان والدك كاتب حسابات بمرتب طيب . وسارت الأمور سيرا حسنا فترة وفى ختام السنة الثانية ولدت أنت . ولا أستطيع أن أصف لك مقدار الفرح الذي غمرنا بمولدك . وفى مساء كل يوم , بينما كان يحملك بين ذراعيه , كنا نخطط للمستقبل , وأنت كنت محور كل شيء . ولم تقف سحابة في جو حياتنا إلى اليوم الذي لم يتمكن فيه من الذهاب إلى العمل . وفى ساعات قلائل استبد به المرض , وفى رعبي وذعري استدعيت الطبيب . مرت بعد ذلك أسابيع كنت معلقة بين الرجاء والخوف , حتى قطعت الأمل في شفائه . كانت مصيبتي تغالب الدموع , حتى بت مشدوهة محطمة , لا أدرى في أي دوامة أنا . ولكن والدك العزيز أراد أن يعزيني بكل طريقة , فأرشدني إلى يسوع الذي كان يحبه من كل قلبه . أما أنا فكنت أنسب له القسوة لأنه سمح لعشنا الصغير أن يتحطم ويتلاشى في لمح البصر .

" أما ما حدث له في الأيام الأخيرة من حياته فهو صفحة بيضاء , لأني أنا نفسي في أشد المرض . ولما شفيت سددت كل الديون المطلوبة منا , ولم يتبق بعد ذلك قرش واحد لنا . ولم أستطيع البقاء في الشقة , فانتقلت إلى شارع برتون لأجل أن نعيش يا حبيبتي كما تعلمين بالشغل اليومي . لقد كان هذا الشغل شاقا جدا لأني كثيرا ما كنت أشعر أنه ليس في إمكاني أن أترك السرير , ولكن كنت أتحمل على نفسي لكي لا تتألم روزا ".

أما فترات الراحة التي كانت توقف المريضة المسكينة عن الاسترسال في الكلام فقد كانت متقاربة جدا , وتزداد تقاربا بمرور الوقت .

استأنفت الحديث : " لكن , يا أعز من لي " . ثم نهضت جزئيا : " أردأ شيء كان عندما حاولت أن أحمل الحمل وحدي . والدك عرفني أن أقابل الموقف بشجاعة من أجلك , وأن يسوع سيقف معي معينا , لكنى لم أرض به المعين الوحيد . والليلة الماضية واليوم كنت أداوم على الصلاة , والآن كل شيء طيب والحمد لله"

وقفت روزا مأخوذة بتقاسيم السرور تفيض على وجه أمها مما جعلها تتعجب أولا , ثم تتأسف أخيرا .

انحنى إلى يا عزيزتي , لأن صوتي ضعف فلا تستطيعين سمعه . أنى متأسفة لأني لم أفعل كما قال والدك . ولم أعلمك قط شيئا عن يسوع .. والآن .. فات .. الوقت ! .. أنا مسرورة .. إن السيدة .. عرفتك عنه .. نعم .. لقد .. دفع .. الأجرة .. وأنا ماضية .. الآن .. إلى الوادي .. الجميل! " .

أخذت روزا تبكى . " آه يا ماما " . وقد بدأت تفهم أهمية كلامها : " من فضلك لا تتركني من فضلك ! ماذا أعمل بدونك ؟ لا يوجد أحد يحبني إلا أنت وجدي . وأنا لا أستطيع البقاء إذا ذهبت ".

وبالجهد استطاعت الأم المحتضرة أن تتحرك وتقبل بنتها وهى تهمس بهذه الكلمات التي استطاعت روزا أن تسمعها : " ابحثي عن واحد .. يخبرك .. عن الطريق .. وتعالى .. إلى ذلك .. الوادي الجميل .. حيث .. ستجدين .. يسوع .. وأمك ! " وبهدوء مالت إلى وراء . واستلقت على وسادتها . حتى ظنت روزا وهى في رعب أنها نعست . كانت لا تزال ممسكة بيدها النحيفة . فلاحظت أن البرودة قد سرت فيها . وبكل حذر , ولكي لا تزعجها في نومها , خلعت قميصها الصغير الذي صنعته لها أمها أخيرا ولفت يديها الباردتين في طياته . والأغطية الخفيفة التي تملكها رتبتها و نسقتها بحيث تغطيها , ثم وضعت آخر قطعة من الفحم في الموقد .

ظلت ساهرة بجوار سريرها حتى منتصف الليل , والعجب يستحوذ عليها كيف أن أمها استمرت ساكتة هذه المدة . ولماذا يزداد جسمها برودة ! . و أخيرا . ولما لم تستطع السكوت ., ركضت إلى الصالة ونادت مسز جراى .

- " يا بنت , لماذا لم تذهبي إلى فراشك في هذا الوقت من الليل ؟".

- " من فضلك يا مسز جراى , أريد أن أطلب منك معروفا لأن أمي سرى في جسمها برد فظيع ولا أستطيع أن أدفئها ".

- إن الواحدة مثلى لابد أن تتسبب لها المناكفات ليلا ونهارا في أي وقت . سأقوم وأنظر ماذا تريد أمك . أنا مبسوطة لشيء واحد وهو أنها لم تقلقني هذه الليلة بسعالها وأظن أن العشاء الطيب هو السبب في نومها مرتاحة ".

مشت مسز جراى نحو باب حجرة مسز براوننج , ولكن أمرا ما جعلها تقف مرة واحدة . واستولى عليها الفزع حينما أمسكت يد روزا التي كانت ترتعش .

لم يكن في الحجرة بصيص من النور إلا الآتي عبر الصالة , وكان يسقط على وجه الجسم الراقد على السرير بدون أية حركة . فقالت بحذر : " يا مسز براوننج , هل تردين أي شيء ؟ " .

فقالت روزا وهى تجهش في البكاء : " ماما لا تسمع يا مسز جراى " . قالت هذا وارتمت بشدة بين الذراعين الباردتين , وأخذت توسع شفتي أمها بالقبلات التي كانت فيما مضى تردها , بحرارة .

- " ماما العزيزة , ألست تسمعينني ؟ قومي من فضلك . قومي ! أنا محتاجة لك جدا . لا أعرف الطريق , وأتوه إذا مشيت وحدي " .

قالت مسز جراى برفق وحنان : " روزا , قومي واخرجي واذهبي عند الجد , وامكثي معه إلى أن أنادى عليك , ولا تأتى هنا إلا إذا ناديتك . وسأنزل السلم الآن لأحضر حانوتيا ".

- " ما هو الحانوتي يا مسز جراى , وماذا يعمل ؟ . هل يأخذون ماما إلى الوادي الجميل ؟ " .

- " ألم تسمعني وأنا أقول لك ادخلي عند الجد وامكثي معه ؟ اذهبي الآن ولا تسألي عن شيء . أنت بنت كثيرة الكلام كثيرة الأسئلة . يجب أن تطيعني الآن وكل وقت , مادمت تبقين معي إلى الربيع . أنا لست المرأة التي تتراجع في كلامها ".

وذلك القلب الصغير كاد ينسحق بإحساس الحيرة والخوف الرهيب الذي يفوق كل وصف . وأخيرا كان هناك بعض العزاء في انفرادها مع الجد.

انسلت خلسة برفق إلى حجرته فوجدته جالسا بجوار المدفأة فتسلقت إلى حجره , وتوسدت كتفه حيث مالت برأسها المتعبة عليه , وهناك أخذ يسلى الواحد الآخر ثم استسلما للنوم العميق .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 13:46

لفصل الرابع

الحياة مع مسز جراى

- كانت أحداث الأيام القليلة التالية كحلم مضطرب لروزا , إذ حاولت عبثا أن تفهم معنى الألغاز التي تدور أمامها وحولها . وقد سمح لها أن تلقى بنظرة على الراقدة الصامتة مرة واحدة . كان ذلك قبيل وصول العربة السوداء الكبيرة التي كانت تعرف بالتأكيد أنها ستأخذ أمها إلى الوادي الجميل .

- ثم قالت مسز جراى لأحدى جاراتها : " روزا لن تذهب إلى المدافن , أؤكد , وألا سيلازمها الخوف والرعب حتى في منامها طول الشتاء . لقد تسببت لي في متاعب كثيرة أقلقت نومي , ولا أريد أن أتعب نفسي معها منذ الآن بقدر ما يمكنني . وعدت أنها تبقى عندي حتى الربيع , وأستطيع أن أرسلها في مأموريات حتى لا تكون أمام عيني كل حين , ولا يوجد عندي حل لأمرها إلا هذا , و مسز براوننج لم تكن على صواب في هذا الطلب منى " .

- وقفت روزا مع الجد ممسكين أيدي بعضيهما وهما ينظران الموكب الصغير حتى غاب عن أنظارهما في منعطف الشارع.

- " يا جدي " , قالت روزا بنبرة تتخللها الدموع , " هل تعرف أين يوجد الوادي الجميل حيث الناس لا يتألمون من مرض السعال أبدا وحيث لا يدفعون إيجار المسكن ؟ هذا هو المكان الذي ذهبت إليه ماما , وأخبرتني أن أبحث عن الطريق حتى يمكنني الذهاب أنا الأخرى إلى هناك " .

- " أعتقد يا ابنتي " , قال الرجل الشيخ , " انه هو المكان حيث ذهب ابني توم ," لكن يا روزا " , ثم قربها أكثر إلى جواره , " لا أريد أن تذهبي وتتركني وحيدا . سارة امرأة طيبة , نعم هي طيبة جدا . لكنى أريد بقاءك أيضا أيتها العزيزة " .

- " يا جدي. إذا سرنا معا , إلا تظن أننا نجد الطريق . الناس هناك يجدون كل ما يشتهون من الطعام وأنا جوعانة الآن " .

- " كيف لا ! نعم يمكننا . وكثيرا ما أشتاق إلى ذلك الوطن . أنا لا أريد العيشة هنا فيما بعد في المدينة , ويبدو أنى كنت أعلم شيئا كثيرا عن ذلك الوطن أكثر من الآن . ومنذ قتل توم لا أستطيع أن أتذكر كيف . وأحيانا أشعر بالسعادة في الليل , ولكن إن بدرت منى ضجة صغيرة توقظني سارة لأن هذا يقض مضجعها , ولهذا يضيع كل شيء . يرجع إلى ذاكرتي الآن وكأني عدت إلى الريف مرة أخرى وجرس الكنيسة يرن صباح يوم الأحد . وأم توم تخرج معي من كوخنا الصغير وأنا أحمل توم فنسير في الحارة الثابتة فيها الحشائش الجميلة , حيث الجو الجميل , والجدول ينساب بمياهه الرائقة على جانب الطريق والأشجار تتمايل في النسيم العليل , والطيور تغرد , وأم توم تقف لتقطف الورود البرية . والمبنى الصغير الأبيض يرتفع عاليا بمنارته . يا روزا , أود أنك تنظرينه , والمتسلقات تكسوه . أستطيع أن أتذكر ذلك , ولكن سرعان ما يغيب عنى . آه لو أمكنني أن أكون داخل مكان ذلك الاجتماع مرة أخرى ! كان كل شيء يسر ببساطة لأنهم تعودوا أن يتحدثوا و يترنموا عن ذلك الوطن .. ويسوع " ..

- " نعم يا جدي , أنت تعلم أن يسوع هو الذي دفع الأجرة . أليس هذا عملا لطيفا منه ؟ ولولا ذلك ما كان الناس الفقراء يستطيعون أن يذهبوا ".

- " , انه لطيف , ولطيف جدا ! " .

- وبعد فترة سكون قال " يا روزا , تعالى قريبا منى " وهنا لمعت العينان الكليلتان بفكرة جديدة إذ قال : " أريد أن أهمس إليك بشيء حتى لا يسمعني أحد . في أول يوم تخرج سارة نبدأ نحن في سيرنا , وربما نجد من يعرفنا كيف نذهب . هل توافقين أيتها الطفلة ؟ " .

- " نعم يا جدي , هذا جميل , وحينئذ سنجد أمي " . وإذا بها تصفق من شدة الفرح لأجل هذه الفكرة .

- " اسكتي يا بنتي لئلا تسمع سارة فيتوقف كل شيء , ولو أن سارة امرأة طيبة , نعم وطيبة جدا . لا تخبري أحدا بذلك " .

- " سمعا وطاعة يا جدي , سيكون هذا سرا بيني وبينك . وأنا متأكدة أنه يوجد أناس كثيرون يخبروننا , لأن الأجرة مدفوعة لكل واحد ويوجد أناس كثيرون يذهبون في كل وقت . لكنى أتمنى أن أقابل تلك السيدة الجميلة التي رأيتها في العربة " .

- " نعم يا عزيزتي , وأنا أيضا , ولكن على أية حال سنعرف الطريق لأني مشتاق جدا للذهاب إلى الوادي الجميل ".

- " رنم عن ذلك الوطن يا جدي , هل تحب ؟ " .

- " حسنا , هاتى الكمان . هذه هي الترنيمة الوحيدة التي أتذكرها لقد تعودوا أن يرنموها في الاجتماع الذي به المنارة المرتفعة . أتمنى أن أعرف ترانيم غيرها , ولكن لا أتذكر " .

وبصوت مرتعش لكبر سنه أخذ يردد الترنيمة القديمة العظيمة

سأرنم لكم ترنيمة الوادي الجميل

هنالك موطن النفس المفدية

حيث لا عواصف تضرب الشاطئ المتألق

حينما تتابع سنو الأبدية

آه يا موطن النفس في رؤيا وأحلامي

أستطيع أبصر أسوارك اليشبية البهية

حتى يخيل لي أن حجابا رقيقا

يفصل بيني وبين المدينة الجميلة السماوية

ذلك الوطن غير المتغير هو لي ولك

حيث يسوع الناصري يقف

ملك الملوك إلى أبد الآبدين

ويمسك التيجان لنا بيده

لله ما أحلى السكنى في الوادي الجميل

متحريين من الأوصاب والأتعاب

الترانيم على شفاهنا والقيثارات في أيدينا

حيث التلاقي مع الأحباب

- " قطعا هو ذلك المكان البهيج يا جدي , لأن الترنيمة تقول إن يسوع هناك وإننا سنلقى بعضنا بعضا ثانية " .

- " نعم أيتها الطفلة , هو المكان . أنا متأكد جدا من ذلك ومسرور أننا مزمعون أن نجد الطريق إليه . أنى أحبه جدا أكثر من المدينة هنا , وربما أذهب أنا أولا " .

- أخذ الاثنان يترنمان ويتحدثان حتى أسدل الليل ستائره , فسمعا مسز جراى تصعد السلم وهى تجر أقدامها على درجاته . فهمس الجد في أذن روزا : " انتبهي لئلا تنسى وتخبري ".

- " نعم , وسنمضى في أول فرصة . ألا تكون ماما مسرورة عندما ترانا ذاهبين إليها ؟ " .

- " يا روزا , إلى متى تتصرفين كأنك فاقدة العقل ؟" , قالت مسز جراى , لقد سمعتك أنت والجد تترنمان على الكمان من وقت قبل أن أحضر . لكن من حسن حظك أن تستمري معي إلى فصل الربيع . والأولى بك أن تتعلمي شيئا وأنت معي لئلا أفقد صبري معك . لماذا لم توقدي النار لإعداد العشاء ؟ هيا بسرعة , في هذه الدقيقة . سيكون جديدا عليك أن تأكلي ثلاث وجبات طعاما شهيا مطهيا . لكن يجب أن تشتغلي بنفسك لكي تستحقي الأكل . ولا تفكري أنك تستمري معي بلا شيء . أسرعي الآن لأني أحس بالبرد , وقدمي تؤلمني , والتعب كله على بسبب الوالد " .

- وهكذا تحولت اللحظة السعيدة التي كانت روزا تتمتع بها إلى عناء ثقيل حيث ألقت السيدة جراى عليها الأوامر الصارمة فنزلت من سماء السعادة إلى وادي الشقاء الذي قدر لها أن تعيش فيه , وبالأخص مع هذه السيدة الغليظة القلب . فكرت أولا أن تركض إلى المنزل , ولكن الذكرى المريرة عادت بذاكرتها أن أمها ليست هناك.

- أخذت تكد بصبر نافذ حتى أوقدت النار , بينما كانت مسز جراى بجسمها الضخم تتأرجح في كرسيها الهزاز في شقتها المكونة من حجرتين , ولسانها الثرثار يقذف الكلام القاسي للبنت المسكينة .

- " اطبخي البطاطس , وأطهى الخضار , واعملي لي كوبا من الشاي وأنت والوالد اشربا الماء لأن الشاي غير نافع للأطفال بأية حال , هاها ! هذه النار تبعث الدفء في الجسم ! أنا مسرورة لأني لست هناك حيث ماما الليلة " .

- تنهدت روزا وقالت : " لماذا يا مسز جراى , أو ليست ماما هناك في الوادي الجميل ؟ " .

- " اصمتي وجهزي العشاء , ولا تسأليني أي سؤال ثانية ".

- " أي نعم يا عزيزتي , لا تبكى " . هنا ابتدأ الجد يكلمها : " بالطبع أمك هناك " .

- " أتعشم أن تعرف عنها يا والدي , وأنا أريد أن تصمت أنت الآخر " .

- انظري هناك , وانتبهي للطهي جيدا . أنا أؤمن بالأدب بالعصا على النظام القديم . وهناك واحدة بجوار الباب جاهزة انظري إليها " .

- وكم كانت خيبة أملها وحزنها إذ التفتت إلى الجهة التي أشارت إليها مسز جراى , وإذ بها تجد سوطا مرعبا كانت هي المقصودة به . فانتفض جسمها الصغير خوفا من أن يتحول التهديد إلى حقيقة . لكن الجد قال : " كفى كفى يا سارة . ليست روزا بالطفلة التي تحتاج إلى الضرب بالسوط . لا تخيفي هذه اليمامة المسكينة " .

- قال هذا ومد لها يده الهزيلة ,وأردف يقول : لا تخافي يا عزيزتي , سارة لا تقصد شيئا لأن سارة امرأة طيبة , نعم وطيبة جدا " .

- فردت بعنف : " يا أبت , أريد أن تتذكر الآن ألا تتداخل في أمر تربيتها . لا يوجد لهذا البيت إلا رئيس واحد هو أنا هل تفهم ؟ والعصا خرجت من الجنة "

- غمرت الدموع البنت المسكينة حتى غشي بصرها فلم تستطيع أن تتبين ما بيدها من شواء , حتى سقطت منها قطعة على الأرض من شدة ارتباكها .فصرخت مسز جراى :" هناك ! ألم أحذرك ؟ لابد أن أعاقبك على هذا الإهمال الشنيع وأعطيك درسا عمليا بالضرب المبرح ".

- " يا جدي " , قالت روزا وهى تحتمي بذراعي الشيخ المبسوطتين لها والدموع تنهمر مدرارا على وجنتيها الشاحبتين .

- حاولت مسز جراى أن تنهض مسرعة من كرسيها , فخرت عليه بغتة بصرخة ألم حادة .

- آه عقب رجلي يؤلمني , لا أستطيع أن أخطو خطوة واحدة لكنى لن أعفيك من العقاب ,فقط ليس الآن , والأيام بيننا .لا تنسى ذلك . أسرعي الآن ونظفي الأرض التي اتسخت , واحضري لي مقدارا من الماء الساخن لأضع فيه قدمي ".

- ولما نظرت روزا حالة تلك الطاغية ترددت طويلا قبل أن ترضخ لطلب جدها أن تقبله حتى يهمس بكلمة في أذنها مشجعا إياها بقوله :" لا تخافي أيتها العزيزة , ستحين أول فرصة ونذهب , وإذا لم نجد فرصة فسنهرب جريا ".

- تمالكت روزا أعصابها بالجهد , وواصلت عملها وهى غير مطمئنة إذ قد تعاقبها المرأة كما هددتها بذلك . ولما كانت مسز جراى تتناول العشاء كانت تقسم نظراتها بين الفريستين اللتين لا حول لهما ولا قوة وهى تتلمظ غيظا . فليس ألذي أصاب عقب رجلها إلا لأن الجد استغرق عشرين دقيقة بدلا من الوقت الذي حددته له وهو ربع ساعة . ثانيا هي تتباهى أنها هي وليس غيرها التي أشرفت على ترتيب ودفن مسز براوننج وأهملت مصالحها . فصارت تعتقد أن العالم لن يجود بامرأة ذات أريحية فذة مثلها .

- والدهن الذي تطاير من الشواء على أرضية الحجرة يسيء إلى سمعتها , إذ كيف تتركه طوال الشتاء ؟ وماذا يقول الغير عنها كربة من الطراز الأول في ذلك البناء المزدحم بالسكان , إنها لا تستطيع أن تتحمل القذارة وعدم النظام , ولو أن الفقر لازمها من اليوم الذي تزوجت فيه من توم جراى .

- وبالإجماع كانت روزا تحس بالشقاء والبؤس , فلم تلق بالا إلى نوع الطعام , إذ إن أي شيء كان مقبولا عندها . والفكر المستحوذ عليها أنها ستجد الطريق هي وجدها إلى الوادي الجميل حيث توجد هناك أمها , وهذا وحده كان يعطيها بصيصا من الرجاء . ثم أخذت تفكر بعقل راجح : لكنى متأكدة بأن أمي تود أن تعرفني أن أبقى وأعتني بمسز جراى حتى تشفى قدمها وتسير عليها . وماما كانت تقول لي ألا أهتم كثيرا بكلامها لأنها قوالة ولا فعالة , وربما لا تضربني بالسوط ".

- كان المساء حالك السواد , ويجر أذياله ببطء , وروزا لا تنتهي من عمل في المنزل حتى تخترع المرأة الكسيحة لها عملا آخر . كانت تدلك قدمها برفق , وتدأب على ذلك وقتا طويلا حتى أعيت يدها .

- وأخيرا تنفست الصعداء , ولفت نفسها في بطانية ونامت على البلاط وهى تحلم حتى مطلع الصباح عن أمها والوادي الجميل, وعن يسوع الذي دفع الأجرة.

- استمرت مسز جراى ثلاثة أسابيع لا تقوى على المشي إلا باستعمال عكاز تستند عليه , وكثيرا ما كان ينتابها ألم شديد فلا تستطيع أن تمارس الخياطة , ومدخراتها القليلة لم تكن لتغطى أي نفقات تستجد. وروزا كانت تضطر أن تقضى مأموريات أخرى في وقت فراغها , وتلاعب الأطفال الذين تضطر أمهاتهم للخروج للعمل , أو تعمل أي عمل آخر يعرض في طريقها .

- كان الطعام الذي تتناوله زهيدا , ومع هذا لم تكن تتذمر وكان كل يوم يمر عليها يزيدها نحولا وهزالا . أما عيناها الواسعتان المتلألئتان فكانتا في جسم مثقل بالهم , وقلب يكاد يتمزق ضنكا .

- وليلة بعد أخرى كانت تدلك قدم مسز جراى برفق , وبدون ذلك لم تكن تنام كما أن كلمة واحدة تنم على الرضا والحمد لم تخرج من تلك الشفتين القاسيتين , بل تقريع وتعنيف وتهديد بالضرب والسوط , كل ذلك من أجل نقطة دهن تطايرت على البلاط من العاملة المجدة المسكينة .

- لم يكن هنالك إلا واحد معهما , ولو أن عقله كان مبددا لكنه كان يرى ويفهم , وكان ذلك يزيد الطين بلة على جسمه الواهن , فلم يكن يقل ألما عن البنت . وبين الحين والآخر كانا يختلسان الفرصة لتبادل كلمة بينهما خوفا من مسز جراى الواقفة لهما بالمرصاد كأنها ديدبان تريد أن تكتشف السر الذي بينهما .

- " كوني شجاعة أيتها العزيزة " , كان الجد يقول هامسا : " في أول فرصة كما تعلمين !" فيضيء وجه روزا بإشراقة وابتسامة ملائكية تعكس شيئا من ذلك الجمال ذاته الذي ينشدانه بشوق في الوادي الجميل . وفى عصر يوم الخميس بينما كانت مسز جراى تتماثل نحو الشفاء , وعلى وشك أن تمشى على رجليها , إذا بساعي البريد يأتي ومعه خطاب , وكان ذلك نادر الحدوث.

- " ترى ممن هذا الخطاب ؟ " , وأخذت مسز جراى تتفرس في المظروف مدة طويلة كانت تكفى لقراءة محتوياته . وكانت الأفكار تدور حينئذ في مخيلتها وهى تقول : " كم يبرح بي الشوق , لكن أظن أنه ليس من المأمون أن أترك جدي وروزا وحيدين هنا . ليس بين الناس من هم مثلي يضحون كما أضحى , وأعتني بشيخ مهدم لا تجرى في عروقه نقطة واحدة من دمى , وزيادة على ذلك أحمل هم يتيمة هي مثل أبناء السبيل . لولاهما لكنت أفعلها !" .

- واستيقظ حب الاستطلاع في روزا , لكن الاختبار علمها عدم فائدة تقديم الأسئلة . ثم قالت المتحدثة بلغة الأمر : " يا روزا , هاتى العلبة الصفيح من هناك على الرف . أفتكر يمكنني تدبير أجرة العربة " , قالت ذلك بعد لحظات وهى تكرر في إحصاء دخل روزا من البنسات والقروش . " إن جارتي القديمة في الجانب الجنوبي من المدينة تريدني أن أذهب إليها غدا و أبقى معها إلى يوم الاثنين . ولا بد من تلبية طلبها , أما أنتما فيمكنكما التدبر معا . سأمضى غدا عصرا وأستمر غائبة طيلة يوم السبت والأحد إلى عصر يوم الاثنين , وساترك لكل منكما ثلاثة قروش مصروف الواحد منكما . وأفكر أنكما لن تموتا جوعا ".

- بدأ الجد وروزا يتبادلان النظرات , وأخيرا سنحت لهما الفرصة , وهى أفضل بكثير مما كان لهما ببال .

- والفترة بين تسلم مسز جراى للخطاب وسفرها صرفت معظمها في إلقاء الأوامر والتوجيهات للوديعتين بين يديها كما كان يلذ لها أن تسميهما .

- وبعد أن نزلت بضع درجات من السلم أخذت تنادى : " يا روزا , سأضربك بالتأكيد إذا سقطت منك نقطة من الدهون هناك على البلاط وأنا غائبة " . ولكن روزا لم تلق بالا لهذا التهديد , لأن غدا ستبدأ هي والجد في رحلتهما إلى الوادي الجميل إلى أمها , لأن يسوع دفع الأجرة .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالأربعاء 9 سبتمبر 2015 - 13:51


الفصل الخامس

البحث عن الطريق

باكرا في صباح اليوم التالي استيقظت روزا والجد والشوق يحدوهما استعدادا لحوادث اليوم الجديد , وكانت كل حركة تنم عن سرور عميق , وكان الفرح يشع من أعينهما .

- " سأصنع لك بعضا من الشاي يا جدي لأن الجو بارد , وأعتقد أنك ستشعر بدفء بعدما تشربه . مسز جراى أخبرتني ألا أمسه , لكن مادمنا سنذهب فلا يهم أبدا . وعلينا أن نسافر مدة طويلة كما تعلم . وماما كانت معتادة أن تشرب الشاي عندما كان لدينا نقود تسمح بشرائه , وذلك قبل أن تضطر للعمل بالأجر اليومي . يا ربى , كم أنا مسرورة حقا أن أجد أمي ! وأنها سوف لا تسعل فيما بعد . أريد أن أراها بسرعة . و مسز جراى عملت معي خيرا إذ آوتني في بيتها , ولكن مع هذا أريد أن أكون مع أمي , ذاك أفضل جدا . وربما تغيرت الآن , ولكني أحبها , ويبدو أن الوقت طويل منذ مضت " .

- " شكرا على هذا الشاي يا عزيزتي , انه منعش حقا , وأظن أنى لم أتناول مثله في الجودة . توم , رحمة الله عليه , كان يعمل لي الشاي , وأي شيء آخر أريده كان يسرع في إحضاره بلا توان .

- " أنا فرحان جدا أننا سنمضى . فرحان لأني مشتاق في كل وقت للذهاب . أفتكر أننا سنجد توم , ووالدته أيضا , وعندي الشيء الكثير لأقصه لهما . سارة مشغولة لدرجة أنها لا تجد وقتا لتكلمني .

- " ليلة البارحة حلمت مرة أخرى أنى في بيت العبادة الأبيض الذي ترتفع منارته عالية في الجو , والمتسلقات الخضراء التي تغطيه تتمايل في النسيم الجميل , وشذا الورود كان يعطر الجو , والرجل كان يقرأ من الكتاب . يا روزا , ياليتني أعرف القراءة فكنت أقرأ لنفسي !" .

- " وماذا كانت القراءة يا جدي ؟ ".

-" بقدر ما أتذكر أيتها البنت الصغيرة أشياء عن نهر , وشجرة بجوار النهر , وثمر , والناس لا يمرضون أبدا .... و .... حسنا أخبرك يا روزا , هيا أسرعي بنا لنبدأ في السير , ولما نصل إلى هناك سنعرف كل شيء " .

-" هنا يا جدي خبز ضعه في جيبك ربما نحتاج إليه " .

-" سآخذه لك يا روزا إذا رغبت , ولا أفتكر أننا سوف نحتاج إليه . وأتذكر أن الرجل كان يقول شيئا عن أنهم لا يجوعون فيما بعد ولا يعطشون هناك " .

- " لكن ربما نحتاج إليه في الطريق " .

- " حسنا حسنا يا روزا , هل أنت مستعدة تماما ؟ . يخيل إلى أنى لا أستطيع الانتظار " .

- " نعم , أنا مستعدة الآن , لكن أخاف لئلا تبرد يا جدي العزيز " .

- " لا لا يا بنتي , سنصل سريعا " .

نزل الاثنان السلم العالي , والبنت تقود الرجل الشيخ لئلا تزل قدمه فيسقط . كان الصبح متجهما , والرياح الباردة تهب عاتية , والثلج يتساقط كجزاز من الصوف . كانت ثيابهما رقيقة لا تدفع عنهما موجة البرد القاسية , وكانا يرتعشان في أول الطريق.

- " إن البرد قارص يا عزيزتي , أليس كذلك ؟ لا توجد عندي فكرة عن الطريق إلى هناك , لكن على أية حال لندع الأمور تسير حتى نصل إلى هناك " .

- " نعم يا جدي , ولكن أتمنى أن المسافة ليست بعيدة لأن الرياح الباردة شديدة جدا . كانت ماما إذا خرجت في الجو البارد مثل هذا تسعل . والعربة السوداء التي جاءت لتأخذها سارت حول هذا المنحنى , فدعنا نسر في هذا الطريق . أنا متأكدة أنه لا يوجد واحد في شارع برتون يعرف الطريق , وأتمنى أنهم يعرفون أن الأجرة مدفوعة , لكن ربما لم يعرفهم أحد عن ذلك .

- " و إذا قابلنا سيدة جميلة لابسة ثيابا فاخرة فلنسألها لأنها بكل تأكيد تعرف , مع أنها للفقراء أيضا ! . ولا أعرف لماذا لم يعرفني أحد من قبل عن يسوع ؟! سأكون سعيدة جدا لما أقابله " .

سار الاثنان معا يدا في يد مسافات طويلة , وقابلوا مئات الناس , ومع هذا لم تجد روزا ضالتها المنشودة . كانت تبحث عن البنت الجميلة ذات العينين الزرقاوات والرداء الأزرق , لتطل عليها بابتسامتها الرقيقة . وبدأت تحس بعدم الثقة تتطرق إليها , مما جعلها تضجر مع أنها لم تكف عن الحديث مع الجد بنبرة الأمل .

أخيرا تحققت أن الرجل الشيخ صار في شديد التعب , فصممت ألا تنتظر بعد , أن تسأل عن الطريق . و إذا بنظرها يستقر على امرأة من بين الجمع الحاشد , كانت أنيقة الملابس وعليها معطف من الفراء , فتقدمت روزا نحوها وقالت :

- " من فضلك يا سيدتي , أنا وجدي نريد أن نذهب إلى الوادي الجميل حيث لا يمرض سكانه ولا يسعلون . أمي ذهبت هناك , ويسوع دفع الأجرة , وهم لا يتكلفون شيئا في العيشة هناك . هل من فضلك ترشدينا السبيل ؟ " .

- " يا له من سؤال غريب ! " . كان هذا كل ما فاهت به المرأة وهى تسير دون أن تتوقف لحظة واحدة .

قالت البنت وعلامات خيبة الأمل تبدو عليها : " ربما لم تفهم يا جدي , ولكن سأحاول مرة أخرى . هناك سيدة في زى أزرق . أنا متأكدة أنها تعرف " .

كررت السؤال بصوت ممتزج بالخوف والتردد .

فقالت السيدة : " أيتها البنت الغريبة , هل تقصدين السماء ؟ " .

-" لا أعلم يا سيدتي سوى أن يسوع في ذلك المكان وأنه دفع الأجرة , وأنه لا يطالب أحدا هناك بدفع إيجار المنازل " .

- " في الواقع لا أدرى ما أقول سوى أن هذا الشيخ المسكين وأنت ينبغي ألا تخرجا من البيت في يوم برده قارص كهذا اليوم " .

- " كنا نفكر أننا سنصل هناك بسرعة يا سيدتي . لكن البرد شديد " .

كان هذا جوابها وجسمها النحيل يرتعش بشدة من هامة الرأس إلى أخمص القدم : " هل ترشدينا ؟ نحن نريد أن نذهب إلى هناك , وأنا أعتقد أنك تعرفين الطريق لأنه لكل واحد " .

- "الجو بارد جدا أيتها الطفلة , والمكان مزدحم وغير مناسب للوقوف والكلام هل تذهبين إلى مدرسة الأحد ؟".

- " لا يا سيدتي , وما هي مدرسة الأحد هذه ؟".

- " أيتها المسكينة ! ألا تعرفين ما هي مدرسة الأحد ؟ كل كنيسة فيها مدرسة أحد . ابحثي عن واحدة واذهبي هناك غدا . هناك يخبرونك كل شيء أفضل منى . خذي هذا المبلغ واشترى شيئا تأكلينه , وعودي أدراجك إلى البيت . سوف لا تقابلين أحدا في الشارع يستطيع أن يخبرك" .

وبهذا الكلام انصرفت هذه السيدة التي هي عضو في الكنيسة منذ سنين عديدة , وبذلك أراحت ضميرها واستأنفت سيرها لتكمل مشترياتها من المتاجر . إلا أن الأمور لم تسر حسنا بقية اليوم . فالوجه النحيف , والعينان العسليتان الحزينتان , والشغف في السؤال بإلحاح , كل هذا لم يبرح مخيلتها مما كان يبكت ضميرها .

وفى طريقها إلى البيت وقفت لتقابل أمين صندوق الكنيسة حيث تركت له خمسين دولارا لتستعمل في الكنيسة للتبشير لتشعر بالثقة أخيرا أن مسئوليتها في هذا الأمر قد انتهت عند هذا الحد .

كان الوقت قد قارب على الظهر , وروزا جاعت , قالت :

- " أفتكر يا جدي أنه بدلا من أكل الخبز اليابس الذي في جيبك فالأفضل أن نحضر بعض سندوتشات ساخنة . انتظر هنا حتى أحضرها لأني كنت في هذا المكان مرة من قبل مع أمي " . وسرعان مار جعت ومعها وليمتها .

- " هلم ندخل في هذه الحارة ونجلس على ذلك الصندوق . وأفتكر أن الشرطي لا يمنعنا " .

- " حسنا يا عزيزتي , لكن يخيل لي أن الطريق إلى الوادي الجميل بعيد علينا . أليس كذلك ؟ كنت أظن أننا سوف نصل إلى هناك حوالي هذا الوقت . لقد تعبت من المشي والبرد . وأعتقد أن توم لو عرف أننا قد بدأنا إليه لكان يجئ ويقابلنا " .

وبينما هما يتناولان الطعام فزعت روزا عندما سمعت بغتة صوتا يقول بعنف : " ماذا تفعلان هنا ؟". وإذا برجل الشرطة الضخم يقف أمامهما . وكعادة الأطفال الذين في سنها تملك عليها خوف غريزي من الشرطي , وكانت لا تجد أمامها إلا الجري لو لم يكن الجد معها .

أجابت وهى تريد أن تدفع الخوف بكل ما أوتيت من قوة : " نحن ذاهبون إلى الوادي الجميل , فقط جلسنا برهة لنأكل السندوتش ونحن لا نتكلف شيئا في الذهاب , لأنه هكذا أحب الله العالم , ويسوع دفع الأجرة . ماما ذهبت , والناس لا يسعلون هناك . أيضا لا يأخذون منك إيجار السكن , ويمكنك أن تجد أي شيء تريد " .

استولى العجب على رجل الشرطة لهذا الجواب الذي لم يتوقعه من البنت , حتى فاته أن يأمرهما بالقيام !..

أخيرا صاح الرجل وهو لا يقدر أن يفكر في أي شيء يناسب الموقف : " عجبا , لم أجد من يتحدث هكذا , ولكن دعيني أخبرك أيتها البنت الصغيرة أنه يجب عليك أن تعودي أنت وهذا الشيخ الطاعن من حيث أتيتما قل أن تغيب الشمس , و إلا فمن المحتمل أن تذهبا إلى قسم الشرطة بدلا من الوادي الجميل الذين تتكلمين عنه " .

قال هذا ومضى لمباشرة نوبته .

إن مجرد فكرة قضاء الليلة في قسم الشرطة جعل الفزع يدب في قلب روزا حتى كاد فؤادها ينخلع . وكان " بللى بروس " الغلام المجاور لمنزل مسز جراى , يخبرها عن القصص المخيفة عن اختباراته المتكررة في قضاء ليالي في قسم الشرطة وهو برئ لم يقترف ذنبا على حد تعبيره . وكان يخبرها أن الشيء المريع هو الوقوف أمام القاضي . ثم يفسر لها قائلا : " والقاضي هو الرجل الذي يؤدى بالناس إلى السجن ".

ماذا تفعل هي ؟ وعيناها البسيطتان تريان أن الجد فد نفذت قوته ولا يستطيع السير بعد , ومجرد التفكير في رجوعها إلى شارع برتون كان يملؤها إحساسا لا يقل عن الهول بذاته . ولكنها أخذت تزن الأمور فقالت : " إن مسز جراى لن تعود إلى البيت حتى يوم الاثنين , وربما الطريق إلى الوادي الجميل تكون طويلة فلا نصل هناك اليوم . وأنا أعرف أن ماما ستحزن إذا أخذونا إلى قسم البوليس ".

وحالا قالت : " يا جدي , لماذا لم نسأل رجل الشرطة عن الطريق ؟ هم موجودون لهذا الغرض ووظيفتهم أن يعرفوا الناس كيف يذهبون . أتمنى لو سألناه , ولكن أخاف أن أتكلم مع آخر " .

- " لست أعلم يا طفلتي ولكن كنت أنتظر أن نكون قد وصلنا هناك الآن. أنا متعب وأحس بقسوة البرد . أريد أن أرى توم !".

-" أخبرك يا جدي برأي : نرجع نستدفئ ونستريح . هناك قليل من الفحم الذي اشترته مسز جراى أول أمس . وغدا نحاول مرة أخرى . السيدة قالت لي شيئا عن الكنيسة ومدرسة الأحد , ولا أفهم ماذا تعنى . ربما نجد أحدا يخبرنا مادام الطريق لكل الناس " .

- " كما تقولين يا عزيزتي , ولابد أن نعرف الطريق , وأنا مشتاق للذهاب " .

أخذ الاثنان يعودان أدراجهما بخطوات متثاقلة . الشيخ منحن بيد على عصاه وبيده الأخرى ممسك بروزا . ثم واجها رجلا في ثياب فاخرة ظنت روزا أنه بالتأكيد يستطيع أن يخبرهما فركضت نحوه وقالت : " قل لي سيدي , ألا تتفضل ..." .

-" كلا , لا أريد أيتها الشحاذة الصغيرة , لا يوجد شيء لك معي " .

أصاب روزا الذهول , وامتلأت غيظا حتى لم تستطيع أن تجاوبه , ولكنها استجمعت قواها وصرخت وراءه : " نحن لسنا شحاذين , وأنا لا أريد نقودا , كل الذي أريده أن أعرف الطريق إلى الوادي الجميل " .

لكن الرجل ضاع في الزحام , والسائحان المجهدان المخذولان سارا في طريقهما . وكانا بين الفينة والأخرى ينتحيان جانبا في حارة أو بقعة منزوية لكي يستريح الجد قليلا , حتى ضاقت نفس روزا . ماذا يكون من أمرهما إذا ما داهمهما الظلام ويكون مآلهما مركز الشرطة كما عرفهما الرجل !. استبد بها التعب , وعض فيها البرد , وتثقل قلبها بخيبة الأمل مرات عديدة , حتى بدأت الدموع تجرى على وجنتيها الشاحبتين .

- " ماذا دهاك يا بنتي ؟ " , سألها رجل غريب برفق وحنان .

وفى دهشة بالغة رفعت وجهها فوجدت شرطيا آخر يبتسم لها بحنان .. وكم من قلب فياض بالعطف يتحرك بالمحبة تحت نجمة الشرطة ! وحزن روزا البادي على وجهها قد أيقظ الشفقة الخالصة نحوها , وقال : " تعالى هنا أنت والشيخ في خباء هذا المبنى المرتفع ليرد عنكما شدة البرد , ثم أخبرني ما يتعبك . هل أنت تائهة ؟ ".

- " لا يا سيدي , نحن لسنا تائهين , ولكن نعلم الطريق " .

-" لسنا تائهين ولكن لسنا نعلم الطريق !. كيف يكون ذلك؟ . لست أفهم . وضحى لي الأمر فربما يمكنني أن أساعدكما " .

وعندئذ انفجرت روزا وهى تجهش في البكاء , فبقيت بضع دقائق لا تستطيع الكلام . وأخيرا قصت القصة كاملة , ثم أردفت بالشوق المعهود : " هل يمكنك حقا أن ترشدنا ؟ من فضلك أرشدنا لأني لا أحتمل أن أبقى من غير ماما , وهى في انتظاري , لأن يسوع دفع الأجرة , ولابد أن أذهب !".

- " آه أيتها الطفلة الجميلة ", أخذ الشرطي يتكلم بصعوبة وجسمه الضخم يهتز عطفا : " أنا أيضا لي أم في الوادي الجميل , وهى في انتظاري كذلك , ومنذ سنين طويلة وعدتها أن أقابلها هناك , لكن لم أجد الطريق ولا أستطيع أن أخبرك " .

- " إذا كان الطريق صعبا فكيف يذهب الناس إلى هناك ؟!. و أناس كثيرون يذهبون . السيدة قالت لي . يا ليت ماما تجيء لي أنا وجدي!". وعندئذ انفجرت البنت تبكى .

- " لا تبكى أيتها الصغيرة . يقولون إن الطريق سهل . دعيني أفكر قليلا ربما أستطيع أن أساعدكما . هنا على الناصية كنيسة كبيرة وأنا أعرف أن الراعي يحب الفقراء . إذا ذهبتما هناك غدا فأنا متأكد أنه يدلكما على الطريق . سيرا , وتشجعا , وارجعا إلى بيتكما بسرعة جدا . الظلام خيم على الدنيا , والبرد اشتد , لئلا يتجمد جسماكما . وسأمشى معكما إلى الناصية و أشير على الكنيسة " .

ابتدأ الرجاء يعاود روزا , لكنها لما تطلعت إلى بناء الكنيسة الفخم أحست بضعف الأمل , فقالت : " هل أنت متأكد يا سيدي انه يمكننا معرفة الطريق إذا ذهبنا إلى الكنيسة ؟".

-" نعم , أنا متأكد , لأن الراعي مرارا أراد أن يعرفني الطريق وأنا رفضت ".

لم يكن لدى روزا أية فكرة إطلاقا عمن يكون الراعي ونسيت أن تسأل لشدة المفاجأة.كما أنها لم تفهم كيف يرفض أي واحد بمحض اختياره معرفة الطريق التي تتلهف هي والجد على معرفتها !.

- " يا مستر شرطي , لماذا لم ترغب أن تعرف الطريق ؟!". قالت وهى تلهث وقد أمسكت بيده القوية : " ألا تريد أن تعرفها الآن ؟".

- " نعم أيتها الصغيرة أريد , وبمعونة الله سأعرفها . إنما اسمعي كلامي واذهبي الآن . الليل جاء . وفى الصباح سأكون في انتظارك وآخذك حتى الباب . اذهبي ولا تخيبي أملى . مع السلامة !".

كانت تلك الليلة مليئة بالعجائب لهذا الشرطي وهو ينام في هجعة حجرته , إذ كان هناك كتاب مقدس في صندوق لوازمه , كانت أمه قد أهدته إياه منذ سنين عديدة حينما كان صبيا صغيرا . أخرجه وظل يقرأ محتوياته العجيبة إلى ساعة متأخرة . ثم جثا على ركبتيه , هذا الابن الضال مدة طويلة , وأخذ يتضرع ليسوع أن يكشف له في شخصه الطريق إلى الوادي الجميل, متمسكا بالوعد القائل : " من يقبل إلى لا أخرجه خارجا " , وحينئذ ملأ نفسه سلام لا يوصف .

الآن قد بدا لروزا والجد أن النصف ميل التي كان عليهما أن يقطعاها رجوعا وكأن لا نهاية لها . أخذ الظلام يخيم على الدنيا , فكان كل شبح يتراءى لها كأنه شرطي جاء للقبض عليهما وسجنهما . وبعد امتحانات اليوم الطويل رجعا أخيرا وهما يتنفسان الصعداء , وحطا رحالهما في الحجرة الكئيبة التي لم يكن في حسبانهما أن يرياها مرة أخرى .

وسرعان ما أضرمت روزا النار في الموقد وأعدت عشاء شحيحا أعقبته بكوب من الشاي للجد . ثم قربت فراشه إلى المدفأة ,وعملت كل ما في جهدها لراحته . جلست بجواره وهى تلاحظه بعطف , فبدأ يداخلها الخوف أنه لا يقوى على السير في الغد لأنه كان مجهدا للغاية . أخيرا بدأت الدموع تنهمر على وجهه حتى سقطت على يديه .

- " ماذا يا جدي ؟", قالت البنت والدموع تنساب من عينيها , " أنت لست مريضا . هل أنت ؟ ".

- " كلا كلا يا عزيزتي . لم يتحقق أملى . كنت أريد أن أكون هناك الليلة . أنا مشتاق للذهاب . رديء جدا !. رديء جدا !. أليس كذلك ؟ مادامت الأجرة مدفوعة , وهم في انتظارنا . لا نجوع ولا نبرد هناك , ولا نتعب أبدا " .

- " نعم يا جدي العزيز , الشرطي قال إننا سنعرف الطريق غدا في ذلك البناء الضخم العظيم . طبعا بالتأكيد هو يعرف أليس كذلك ؟ " .

فسأل منفعلا وهو لا يلاحظ سؤالها , ونهض قليلا بينما تلألأت عيناه بنور جديد للرجاء :" لا أستطيع أن أتذكر , لكن هل لها منارة عالية؟" .

- " نعم يا جدي , عالية جدا , حتى إنها تصل للسماء ".

- " حسنا يا بنتي . لابد أن يكون عليها متسلقات خضراء , وهل رأيت هناك ورودا جميلة ؟".

-" كلا يا جدي , لأن الوقت شتاء كما تعلم , والورد لا يزهر فى الخارج , ولو إني أراه في محلات الباعة ".

- " إذا سنصل هناك غدا يا روزا " , أردف الرجل كحلم جميل يراوده :" ولا يخيب أملنا ثانية . أنا مسرور جدا جدا ".

نعس الجد , ولكنه كان يتململ في فراشه .لم تكن يداه باردتين كما كانتا ,وكانت روزا تحكم الغطاء عليهما . والوجنتان المشرقتان , وحركة التنفس السريعة أقنعت الممرضة الأمينة الصغيرة أن تجلس بجواره حتى الصباح .

كانت الساعات طويلة مملة , وأعصابها المرهقة لا تتحمل أي صوت . أحيانا كان يتصور لها أن الشرطي يتعقبهما , وتارة مسز جراى داخله الحجرة ومعها سوط غليظ في يدها . كانت متأكدة أنها لدى سمعها نداء أمها سوف تقفز على رجليها ملبية النداء . وكانت تطوف أمامها رؤيا بنت جميلة متسربلة بثياب فاخرة زرقاء . تبتسم لها قائلة :" يسوع دفع الأجرة منذ زمن طويل ".

ونحو الصبح صار الجد في حالة أكثر هدوءا . والسهرانة الصغيرة أطرقت رأسها على وسادتها ونامت , وحلمت حلما أن أمها تحملها بين ذراعيها وترنم لها كسابق عهدها .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله   الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله I_icon_minitimeالسبت 12 سبتمبر 2015 - 3:38


الفصل الثالث

أم روزا تنتقل

- " يا مسز برواننج , هاهنا الشواء الذي شويته لك مع بعض الخبز المقدد والشاي . وقد احتفظت لروزا بنصيبها أيضا لأنك غريبة الأطوار حقا , فأنا أعلم أنك لا تأكلين شيئا بدونها . والآن لا تحتمل نفسي الصرف عليها فيما بعد لأني أقاسى المر في الحصول على ما نعيش به بالجهد والتعب ".

- " شكرا يا مسز جراى على شفقتك " , ثم أردفت برفق لئلا تسمع روزا كلامها – وكانت قد ركضت لتكلم جدها – فقالت : " لو قدر لي أن أعرف مصيرها ! آه يا ابنتي المسكينة ! كيف أتحمل فراقها , وماذا يكون مستقبلها ؟".

وتأوهات الأم المعذبة المسكينة كانت تقطع نياط القلب وهى تدنو من الموت رويدا رويدا ,ثم استطردت مسز جراى قائلة : " يا مسز براوننج , هوني عليك , فالبنت كبرت الآن وتستطيع أن تشتغل وتعول نفسها . وطبعا لا تنتظري منى أن أحتفظ بها عندي . كفاية على الجد الآن لآن حالته تسوء كل يوم . وهذا اليوم لا أدرى ماذا أعمل في الخياطة , وأنا مشغولة جدا . أخذ الجردل وفيه الفحم , وما أن مشى خطوات قليلة حتى سقط منه على الأرض , وطبعا اضطرت أن أكنس وأمسح . وأردت أن أستريح منه دقائق فأرسلته إلى البقال , وطبعا أنا لا أطمئن أن أعطيه قرشا واحدا . وهو معروف لدى البقال فيعطيه ما يريد وأنا أحاسبه , ولست أدرى إلى متى أدفع ؟ . قد أخبرته ألا يغيب إلا ربع ساعة , ولكنه لما تأخر اضطررت أن أترك عملي وأذهب لأبحث عنه . ودائما أبدا يسبب لي المتاعب , مثلما حدث لما انزلقت على السلم وأنا ذاهبة لأبحث عنه . وهذا ما يزعجني دائما أنى عندما أذهب وراءه أراه راجعا . فلو رجع بسرعة لكان قد وفر على التعب . قال أنا تعبان . ولكن التعبان حقيقة هو أنا . أطلع السلم وأنزل السلم . وتصاب قدماي أيضا !.

" يا ألهى . أنت ترين يا مسز براوننج أنه عندي ما يكفيني ولا عجب أنك تريدين منى أن أعول روزا حتى تكبر . أستطيع أن أدربها جيد كي تعرف أن تعمل شيئا . وهى في سن تستطيع أن تشتعل , وسأفتح عيني عليها جيدا وأربيها دائما أبدا إذا لزم الأمر . وأفتكر أن هذا يطمئن نفسك عليها . وقليل من الناس من يرضي بهذه المتاعب , أن يربى بنتا يتيمة مثل روزا .

" تناولي عشاءك الآن , وسأستدعى روزا للحضور هنا . الشيء الذي أريد أن تكف عنه هو تضييع الوقت دائما . والشيء الذي تراه في الجد لا يحتمل لأنه غالبا ما يستيقظ في الليل وينادى ظنا منه أنه طفل يحتاج إلى رعاية أمه . لا يوجد أحد يستطيع أن يصبر مثلي !".

كل كلمة فاهت بها مسز جراى كانت كسكين تجوز في قلب هذه المرأة المريضة الحساسة , حتى لكان قلبها كان يقطر دما . ففكرت : " قد يكون في هذه المدينة المزدحمة من يحب صغيرتي العزيزة فلا تسقط بين يدي هذه المرأة الجبارة !".

- " يا مسز جراى " , سألت متضجرة ,و هي تحاول أن تحبس في نفسها أنات جافة تخنقها : " ألا تعدينني وعدا واحدا ؟ هل تقبلين روزا عندك على الأقل للربيع ؟ ماذا تفعل ابنتي بلا مأوى ولا أم في هذا البرد القارس ؟ إن مجرد التفكير في هذا يسوقني سوقا إلى الخوف والحزن والألم الذي يطير بلى تستطيع أن تقضى المأموريات التي تريدينها , والجد يحبها حبا جما . لا تخيبي طلبي هذا , خصوصا وأنا أسلم الأنفاس الأخيرة ".

ترنحت مسز جراى وكادت تفقد توازنها , لأنها لم يسبق لها أن سمعت مسز براوننج تستعطفها بهذه الكلمات النفاذة . والعينان السوداوات المتفرستان في عينيها تغلبت على القلب الذي لا يحس ولا يشعر , وقبل أن تعرف أهمية كلامها منحتها سؤلها , وأردفت تقول :" لا يوجد كثير من الناس من يفعلون مثلي أستطيع أن أقول لك ذلك ".

وإذ تصورت أن وعودا أخرى أشد تعقدا قد تتعرض لها أسرعت مسز جراى وتركت الحجرة حتى لا تتورط معها .

" الحمد لله , تمتمت الأم ومالت إلى الوراء على وسادتها , " سيكون لطفلتي طعام ومأوى , على الأقل إلى أن يحين فصل الربيع . ولكنها ستحرم من حبي ". وأخذت الدموع تنساب على وجنتيها مما جعل روزا تصرخ مستغيثة وهى تدنو من سريرها وتقول :" يا ماما . يا عزيزتي . هل تحسين بألم ؟ لماذا تبكين ؟".

- " يا عزيزتي . أمك تعبانة الآن ولا تستطيع الكلام . قربى الخوان قليلا نحو السرير . فإذا استطعت أن أكل شيئا للعشاء فسنتحدث فيما بعد . يوجد عندي كلام كثير أريد أن أقوله لك ".

- وبحركة آلية أطاعت روزا تحت ضغط أن شيئا خطيرا سيحدث . حينئذ رأت يدي أمها ترتعشان . وانتفاضة سريعة في تقاطيع وجهها . ولم تدرك البنت الصغيرة الغضة أن هذه أعراض أزمة قلبية أصابت أمها .

- أيقظت رائحة اللحم المشوي شهية روزا . لأن غذاءها لم يكن سوى قطع من البطاطس المسلوقة . والآن . وفى حالة الأم هذه . كان يبدو أن أية لقمة قد تسبب لها اختناقا . ولكنها تناولت شيئا قليلا منه . وبشعور من الراحة . وبعد رفع المأكولات . جلست روزا بجوار أمها وهى تمسك بيدها المحمومة .

- قالت : " لا حاجة بك أن تتحدثي إذا كنت تحسين بألم . لا أريد أن أعرف شيئا عن الانتقال . وأنك لا تقبلين أن تذهبي بدوني . أليس كذلك ؟ ولكن عندي أخبار سارة لابد أن أخبرك عنها , وربما هذا يستطيع أن يغير خططك ويسهل عليك ما تفعلين.

" لقد تقابلت هذا اليوم مع سيدة جميلة , وعرفتني عن الوادي الجميل حيث هناك الناس لا يعتريهم مرض , ولا سعال , ولا يدفعون إيجار , ويتوفر لهم كل ما يريدون من الطعام . كما أنها قالت لي أنهم لا يدفعون أجرة السفر هنا أوهناك , لأن يسوع دفع الأجرة منذ زمن بعيد . أ تمنى أن أعرف أين يوجد يسوع حتى يوضح لي كل ما يختص بهذه الأشياء الحلوة . ونزلت من العربة قبل أن تعرفني السيدة الطريق . لابد أنه طيب جدا مادام يدفع الأجرة لأجل كل واحد . لا يوجد خطأ في هذا الكلام , لأنها عرفتني شيئا أيضا عن محبة الله لكل العالم . أنا لا أعرف معنى كلامها , ولكنه كلام جميل جدا . وأنا أعلم أنه ينبغي أن أحب يسوع جدا . آه ! لو أمكنني أن أعرف مكانه لكنت أذهب وأقابله ليعرفنا كيف نذهب هناك . أنا متأكدة أنه يعرفنا الطريق .

" ماما . لماذا تبكين كثيرا ؟ لا تحزني , فأنا سأحاول بكل جهدي أن أعرف الطريق ونذهب سويا . سيكون الأمر لطيفا جدا . أليس كذلك , ولاسيما أنت لا تسعلين فيما بعد ؟ وربما نقدر أن نتدبر للذهاب بسرعة قبل أن يحل موعد دفع الإيجار مرة ثانية ".

وأخذت البنت الصغيرة الملتاعة على أمها تقبل جبينها البارد , وهى تؤكد لها أنها سوف لا تكف عن البحث عن الطريقة التي توصلها إلى ذلك الوادي الجميل .

" يا إلهي " . أخيرا تعثرت الكلمات على شفتيها بعد لحظات ساد فيها الصمت . " اغفر لي . وخذني إلى الوادي الجميل من أجل خاطر يسوع . واعتن بابنتي الصغيرة ". " يا روزا يا عزيزتي , إن أنفاسي تتقطع . لكن لابد أن أخبرك عن شيء . أنت أصغر من أن تعرفي المعنى الآن , لكن حاولي أن تتذكري ويوما ما ستفهمين . منذ عشر سنين تزوجت من والدك هارولد براوننج . وأنك شبيهة به يا عزيزتي .

" لقد تركك يتيمة في سن الرابعة , ومن ذلك الوقت إلى يوم الزواج كنت أكسب عيشي بمهنة الكتابة في أحد المحلات التجارية في أطراف المدينة . كما أن والدك كان وحيدا في هذه الحياة , ولكن كنا نحب بعضنا بعضا حبا جما . ولقد استأجرنا شقة صغيرة مفروشة كانت في نظري جنة . وكان والدك كاتب حسابات بمرتب طيب . وسارت الأمور سيرا حسنا فترة وفى ختام السنة الثانية ولدت أنت . ولا أستطيع أن أصف لك مقدار الفرح الذي غمرنا بمولدك . وفى مساء كل يوم , بينما كان يحملك بين ذراعيه , كنا نخطط للمستقبل , وأنت كنت محور كل شيء . ولم تقف سحابة في جو حياتنا إلى اليوم الذي لم يتمكن فيه من الذهاب إلى العمل . وفى ساعات قلائل استبد به المرض , وفى رعبي وذعري استدعيت الطبيب . مرت بعد ذلك أسابيع كنت معلقة بين الرجاء والخوف , حتى قطعت الأمل في شفائه . كانت مصيبتي تغالب الدموع , حتى بت مشدوهة محطمة , لا أدرى في أي دوامة أنا . ولكن والدك العزيز أراد أن يعزيني بكل طريقة , فأرشدني إلى يسوع الذي كان يحبه من كل قلبه . أما أنا فكنت أنسب له القسوة لأنه سمح لعشنا الصغير أن يتحطم ويتلاشى في لمح البصر .

" أما ما حدث له في الأيام الأخيرة من حياته فهو صفحة بيضاء , لأني أنا نفسي في أشد المرض . ولما شفيت سددت كل الديون المطلوبة منا , ولم يتبق بعد ذلك قرش واحد لنا . ولم أستطيع البقاء في الشقة , فانتقلت إلى شارع برتون لأجل أن نعيش يا حبيبتي كما تعلمين بالشغل اليومي . لقد كان هذا الشغل شاقا جدا لأني كثيرا ما كنت أشعر أنه ليس في إمكاني أن أترك السرير , ولكن كنت أتحمل على نفسي لكي لا تتألم روزا ".

أما فترات الراحة التي كانت توقف المريضة المسكينة عن الاسترسال في الكلام فقد كانت متقاربة جدا , وتزداد تقاربا بمرور الوقت .

استأنفت الحديث : " لكن , يا أعز من لي " . ثم نهضت جزئيا : " أردأ شيء كان عندما حاولت أن أحمل الحمل وحدي . والدك عرفني أن أقابل الموقف بشجاعة من أجلك , وأن يسوع سيقف معي معينا , لكنى لم أرض به المعين الوحيد . والليلة الماضية واليوم كنت أداوم على الصلاة , والآن كل شيء طيب والحمد لله"

وقفت روزا مأخوذة بتقاسيم السرور تفيض على وجه أمها مما جعلها تتعجب أولا , ثم تتأسف أخيرا .

انحنى إلى يا عزيزتي , لأن صوتي ضعف فلا تستطيعين سمعه . أنى متأسفة لأني لم أفعل كما قال والدك . ولم أعلمك قط شيئا عن يسوع .. والآن .. فات .. الوقت ! .. أنا مسرورة .. إن السيدة .. عرفتك عنه .. نعم .. لقد .. دفع .. الأجرة .. وأنا ماضية .. الآن .. إلى الوادي .. الجميل! " .

أخذت روزا تبكى . " آه يا ماما " . وقد بدأت تفهم أهمية كلامها : " من فضلك لا تتركني من فضلك ! ماذا أعمل بدونك ؟ لا يوجد أحد يحبني إلا أنت وجدي . وأنا لا أستطيع البقاء إذا ذهبت ".

وبالجهد استطاعت الأم المحتضرة أن تتحرك وتقبل بنتها وهى تهمس بهذه الكلمات التي استطاعت روزا أن تسمعها : " ابحثي عن واحد .. يخبرك .. عن الطريق .. وتعالى .. إلى ذلك .. الوادي الجميل .. حيث .. ستجدين .. يسوع .. وأمك ! " وبهدوء مالت إلى وراء . واستلقت على وسادتها . حتى ظنت روزا وهى في رعب أنها نعست . كانت لا تزال ممسكة بيدها النحيفة . فلاحظت أن البرودة قد سرت فيها . وبكل حذر , ولكي لا تزعجها في نومها , خلعت قميصها الصغير الذي صنعته لها أمها أخيرا ولفت يديها الباردتين في طياته . والأغطية الخفيفة التي تملكها رتبتها و نسقتها بحيث تغطيها , ثم وضعت آخر قطعة من الفحم في الموقد .

ظلت ساهرة بجوار سريرها حتى منتصف الليل , والعجب يستحوذ عليها كيف أن أمها استمرت ساكتة هذه المدة . ولماذا يزداد جسمها برودة ! . و أخيرا . ولما لم تستطع السكوت ., ركضت إلى الصالة ونادت مسز جراى .

- " يا بنت , لماذا لم تذهبي إلى فراشك في هذا الوقت من الليل ؟".

- " من فضلك يا مسز جراى , أريد أن أطلب منك معروفا لأن أمي سرى في جسمها برد فظيع ولا أستطيع أن أدفئها ".

- إن الواحدة مثلى لابد أن تتسبب لها المناكفات ليلا ونهارا في أي وقت . سأقوم وأنظر ماذا تريد أمك . أنا مبسوطة لشيء واحد وهو أنها لم تقلقني هذه الليلة بسعالها وأظن أن العشاء الطيب هو السبب في نومها مرتاحة ".

مشت مسز جراى نحو باب حجرة مسز براوننج , ولكن أمرا ما جعلها تقف مرة واحدة . واستولى عليها الفزع حينما أمسكت يد روزا التي كانت ترتعش .

لم يكن في الحجرة بصيص من النور إلا الآتي عبر الصالة , وكان يسقط على وجه الجسم الراقد على السرير بدون أية حركة . فقالت بحذر : " يا مسز براوننج , هل تردين أي شيء ؟ " .

فقالت روزا وهى تجهش في البكاء : " ماما لا تسمع يا مسز جراى " . قالت هذا وارتمت بشدة بين الذراعين الباردتين , وأخذت توسع شفتي أمها بالقبلات التي كانت فيما مضى تردها , بحرارة .

- " ماما العزيزة , ألست تسمعينني ؟ قومي من فضلك . قومي ! أنا محتاجة لك جدا . لا أعرف الطريق , وأتوه إذا مشيت وحدي " .

قالت مسز جراى برفق وحنان : " روزا , قومي واخرجي واذهبي عند الجد , وامكثي معه إلى أن أنادى عليك , ولا تأتى هنا إلا إذا ناديتك . وسأنزل السلم الآن لأحضر حانوتيا ".

- " ما هو الحانوتي يا مسز جراى , وماذا يعمل ؟ . هل يأخذون ماما إلى الوادي الجميل ؟ " .

- " ألم تسمعني وأنا أقول لك ادخلي عند الجد وامكثي معه ؟ اذهبي الآن ولا تسألي عن شيء . أنت بنت كثيرة الكلام كثيرة الأسئلة . يجب أن تطيعني الآن وكل وقت , مادمت تبقين معي إلى الربيع . أنا لست المرأة التي تتراجع في كلامها ".

وذلك القلب الصغير كاد ينسحق بإحساس الحيرة والخوف الرهيب الذي يفوق كل وصف . وأخيرا كان هناك بعض العزاء في انفرادها مع الجد.

انسلت خلسة برفق إلى حجرته فوجدته جالسا بجوار المدفأة فتسلقت إلى حجره , وتوسدت كتفه حيث مالت برأسها المتعبة عليه , وهناك أخذ يسلى الواحد الآخر ثم استسلما للنوم العميق .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
الوادي الجميلقصة واقعية مؤثرة منقوله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» في الربيع الأزرق : منقوله
»  قلبي مات رواية قصيرة مضحكة جدا و مؤثرة جدا
» قصص واقعية تحولت الى أفلام رعب في هوليوود!
» قصيده منقوله
» الأخطبوط المنسى! دراما واقعية ترصد تاريخ مصر فى 50 عاما

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: