مصر والسعودية لا تحتاجان إلى وسيط

التحالف المصرى السعودى على حد تعبير أهل اللغة «تحالف لازم لازب»، أى أنه ضرورى فى كل الأحوال، ومهم فى كل الحالات.. وهذا التحالف على حد تعبير أهل الدبلوماسية والسياسة «تحالف استراتيجى من الدرجة الأولى»، فهى ليست علاقات جوار، إذ قد يتجاور الأعداء، وليست علاقات صداقة وود، إذ قد يتقارب الشتيتان، وتوحد المتفرقات نتيجة مصلحة عابرة أو مستمرة.. وهذا التحالف ليس ضرورة لاعتبارات الأمن القومى للبلدين ، فهى بديهية لا تحتاج إلى دليل ، وهى مقولة لا تحتاج إلى إثبات.. وليس التحالف المصرى السعودى توسيعاً للعمق الجغرافى للبلدين، ولا تعميقاً للجوانب الجيوبوليتيكية للدولتين .. فالتحالف المصرى السعودى هو كل هذا وأكثر.. هو تحالف «وجود»، وشرط «فعالية»، وضمان «استقرار»، وعامل «حسم«، ومصدر للشعور بالأمان لكلا الشعبين.. ولذلك، يقول التاريخ إنه لا ازدهار للسعودية بدون أن تكون مصر شريكة فيه، ولا انتصار لمصر دون أن تكون السعودية فى الخلف تأييداً ومساندة، ولا ازدهار وانتصار لكليهما بدون تنسيق على أعلى مستوى بينهما.

لا تجد شعباً مسلماً وعربياً يحب السعودية وشعبها، وتهفو نفسه إليها باستمرار، كما يحبها الشعب المصرى، وكما تهفو أفئدته إليها.. المصريون يقدسون «الحجاز» وأهلها، وحب السعودية وأرضها «نقطة ضعف» فى البنيان الشعورى المصرى.. المصرى يولد على الفطرة محباً للسعودية، ويميل إليها.. ورغم أن المصريين هم أول من اخترعوا المثل القائل «ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع»، فإنهم لم يطبقوه على السعودية وأهلها فى أى وقت من الأوقات.. كانت مصر طوال تاريخها «زاداً وزواداً» لأرض بيت الله ، ولأهل السعودية، وكانت «الرصيد الذى لا ينفد» الذى يعتمد عليه السعوديون وقت الشدائد والأزمات.. وكانت مصر عند حسن الظن بها للسعودية وأهلها..

وكانت السعودية وشعبها عند توقع المصريين دائماً.. كانت السعودية حائط صد، ومصدر سند وعكاز تعتمد عليها مصر فى وقت أزماتها.. عندما سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل السد العالى فى عام 1956، خصصت الملك الأب «عبد العزيز آل سعود» مائة مليون جنيه كمساهمة من السعودية فى تمويل السد العالى.. وهو مبلغ يساوى عشرات المليارات من الجنيهات حالياً، بدون قيد أو شرط.. وعندما قامت حرب أكتوبر 1973، كانت السعودية سباقة فى دعم الجيش المصرى، وكانت الصيحة العربية الصادقة التى تبناها الملك فيصل رحمه الله «البترول العربى ليس أغلى من الدم العربى» ، وكان قرار قطع البترول عن الدول التى تساند إسرائيل، ولا تساند القرار العربى.. وهو ما كان له أثر كبير فى تهيئة الأجواء لقبول معاهدة السلام، وعودة سيناء إلى مصر..

وفى 30 يونيو، وهو المشهد القريب زماناً وشعوراً ، كانت وقفة الملك عبد الله التاريخية ، وكانت جهوده لتوضيح الصورة الحقيقية لما حدث فى مصر، ودعمه اللانهائى لمصر سياسياً واقتصادياً فى وقت كانت مصر تحتاج إلى هذا الدعم، وتلك المساندة أشد الاحتياج.. وجاء الملك سلمان (حفظه الله)، وقدم مساعدات سخية غير مسبوقة، وأكمل ما بدأه الملك عبد العزيز آل سعود، ومن بعده أولاده.

علاقات الأخوة والتحالف الوجودى قد يطرأ عليها بعض سحب الخلاف الصيفية، غير أنها سريعة الزوال.. علاقات الاعتماد المتبادل، والتساند المزدوج قد ترخو أحياناً وقد تفتر، غير أنها تظل هى الأساس لأى جهود حقيقية لتنمية البلدين ..

السعودية قد تختلف مع مصر، ومصر قد تختلف مع السعودية، غير أن خلافهما فى جوهره «عابر ومؤقت»، ولا يحتاج البلدان إلى «وسيط»، أو مساعدة صديق للتغلب على هذه الاختلافات.. مهما كان حجم هذا الوسيط، ومهما كانت ضغوط هذا الصديق.. فالعلاقات المصرية السعودية أبقى، وأكبر، وأكثر رسوخاً من أى خلافات طارئة.

ليطمئن المصريون والسعوديون.. فما «يجمعه الرب لا يفرقه إنسان»، وما بنى فى قرون لا يتلاشى فى ثوان.. مصر والسعودية أبقى من كل خلاف عابر