هجرة الفاروق .. عمر رضي الله عنه وأرضاه

لما أراد عمر الهجرة إلى المدينة أبى إلا أن تكون علانية يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا متخفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته(1)، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة، واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس(2)، من أراد أن تثكله أمه، ويوتم ولده، أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي. قال عليُّ رضي الله عنه: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم، وأرشدهم ومضى لوجهه(3).
وكان قدوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المدينة قبل مقدم النبي إليها، وكان معه من لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي، زوج ابنته حفصة، وابن عمه سعيد بن زيد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وواقد بن عبد الله التميمي، حليف لهم، وخولى بن أبي خولى، ومالك بن أبي خولى، حليفان لهم من بني عجل وبنو البكير، وإياس وخالد، وعاقل، وعامر، وحلفاؤهم من بني سعد بن ليث، فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر في بني عمرو بن عوف بقباء(4).
يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: أول من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أبي مكتوم، وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال، وسعد، وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين نفراً من اصحاب النبي ، ثم قدم النبي ، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله (5).
وهكذا ظل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خدمة دينه وعقيدته بالأقوال والأفعال لا يخشى في الله لومة لائم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عنزته: العنزة عصا في قدر نصف الرمح وهي أطول من العصا وأقوى من الرمح.
(2) المعاطس: الأنوف.
(3) خبر لا بأس به انظر
صحيح التوثيق في سيرة الفاروق ص30 .
(4) فتح الباري (7/261) نقلاً عن صحيح التوثيق ص31 .
(5) البخاري رقم 3925 .

بواسطة menoflostglory • نشرت في ......... 1 - الصحابة والخلافة الراشدة، ......... 1 - حكام وأمراء