الإمام الشافعي
الإمام الشـافعي
204-150هــ
الشافعي هو محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السائب، بن عبيد بن يزيد، بن هاشم بن المطلب، على ما تروي الغالبية من المؤرّخين. فهو بذلك قُرشيّ، وأما أمّه فهي أزدية على الصّحيح وكنيتها “أم هبية الأزدية”.أسس المذهب الشافعي، وهو أحد المذاهب الأربعة.
وُلِدَ الإمام الشّافعي بغزّة سنة 150هـ وهي السّنة التي توفّي فيها الإمام أبو حنيفة، وحُمل إلى مكّة وهو ابن سَنتين.
والشّافعي وإن كان قد وُلِدَ من نسبٍ شريفٍ، لكنّه عاش يتيمًا عيشة الفقراء إلى أن استقام عُوُده. وقد حرصت والدته على تثقيفه، فحفظ القرآن الكريم بسهولةٍ نادرة،ٍ ثم اتّجه إلى حفظ الأحاديث فاستمع إلى المُحدثين وحفظ الحديث بالسمع ثم كتبه على الخزف أحيانًا وعلى الجلود أحيانًا أخرى. ومالَ إلى تعلّم الفُصحى، فخرج بذلك إلى البادية ولازَم هذيلاً. وقد قال في ذلك المعنى: إنّني خرجتُ من مكة فلازمتُ هذيلاً بالبادية، أتعلّم كلامها، وآخذ طباعها..
أقام الشافعي في البادية مدةً طويلةً استغرقت عشر سنوات كما ذكر ابن كُثير في إحدى الروايات، جعلته يتّخذ من عادات أهل البادية ما يراه حسنًا. أمّا العلم فقد طلبه الشافعي بمكة، فتفقّه وبلغ شأنًا عظيمًا في الفقه، ومن ثم رحل إلى المدينة ليستفيد من فقه الإمام مالك بن أنس. فروى عنه الموطأ ودارسه في المسائل التي كان يُفتي فيها الإمام مالك إلى أن توفي عام 179هـ في وقتٍ بلغ الشّافعي فيه سنّ الشباب.
وبعد رحلةٍ إلى نجران باليمن، قدم الشافعي بغداد سنة 184هـ وهو في الرابعة والثلاثين من عمره. فأقام فيها حوالى سنتين أخذ يدرس خلالها فقه العراقييّن. فقرأ كتب الإمام محمد بن الحسن، وبذلك اجتمع له فُقه الحجاز وفقه العراق. ومن ثم عاد الشافعي إلى مكة وأخذ يلقى دروسه في الحرم المكي والتقى به أكابر العلماء واستمعوا إليه. وفي هذا الحين التقى به الإمام أحمد بن حنبل وأعجب بنجابته.
عاد الشافعي إلى بغداد للمرّة الثانية عام 195هـ، فألّف لأوّل مرةٍ كتاب “الرسالة” الذي وضع فيه الأساس لِعِلم أصول الفقه وشرائط الإستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوم، كما حقّقه الرازي في مناقب الشّافعي، والخطيب في تاريخ بغداد. ثم اعتزم السفر إلى مصر فوصل إليها عام 199هـ.
توفّي في القاهرة بمصر سنة 204هـ وقد بلغ من العمر 54 عامًا، ودُفِنَ بسَفح جبل المقطم حيث ما يزال قبره حتّى اليوم.
له من التّصانيف: كتاب “الأم في الفروع” الذي جمعه البُوَيطيّ وبوّبه الربيع بن سُليمان، و”المسند في الحديث”، و”السّنن” و”الرّسالة في الأساس”.
ورد في كتاب “[url=http://al-hakawati.la.utexas.edu/?titleonly=&s=%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA %D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D9%86]وفيات الأعيان[/url]” لابن خلكان:
” الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، القرشي المطلبي الشافعي، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف المذكور، وباقي النسب إلى عدنان معروف، لقي جده شافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع، وكان أبوه السائب صاحب راية بني هاشم يوم بدر، فأسر وفدى نفسه ثم أسلم، فقيل له: لم لم تسلم قبل أن تفدي نفسك؟ فقال: ما كنت أحرم المؤمنين مطمعا لهم في.
وكان الشافعي كثير المناقب جم المفاخر منقطع القرين، اجتمعت فيه من العلوم بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة رضي الله عنهم وآثارهم، واختلاف أقاويل العلماء وغير ذلك من معرفة كلام العرب واللغة والعربية والشعر – حتى إن الأصمعي مع جلالة قدره في هذا الشأن قرأ عليه أشعار الهذليين – ما لم يجتمع في غيره، حتى قال أحمدبن حنبل رضي الله عنه: ما عرفت ناسخ الحديث ومنسوخه حتى جالست الشافعي، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي، وقال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي؟ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له، فقال: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن، هل لهذين من خلف أو عنهما من عوض؟ وقال أحمد: ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له، وقال يحيى بن معين: كان أحمد بن حنبل ينهانا عن الشافعي، ثم استقبلته يوما والشافعي راكب بغلة وهو يمشي خلفه، فقلت: يا أبا عبد الله، تنهانا عنه وتمشي خلفه؟ فقال: اسكت، لو لزمت البغلة انتفعت.
وحكى الخطيب في تاريخ بغداد عن ابن عبد الحكم قال: لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية، فتأول أصحاب الرؤيا أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في سائر البلدان.
وقال الشافعي: قدمت على مالك بن أنس وقد حفظت الموطأ فقال لي: أحضر من يقرأ لك، فقلت: أنا قارئ، فقرأت عليه الموطأ حفظا، فقال: إن يك أحد يفلح فهذا الغلام. وكان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا الغلام. وقال الحميدي: سمعت زنجي بن خالد – يعني مسلما – يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقال محفوظ بن أبي توبة البغدادي: رأيت أحمد بن حنبل عند الشافعي في المسجد الحرام، فقلت: يا أبا عبد الله، هذا سفيان بن عيينة في ناحية المسجد يحدث، فقال: إن هذا يفوت وذاك لا يفوت. وقال أبو حسان الزيادي: ما رأيت محمد بن الحسن يعظم أحدا من أهل العلم تعظيمه للشافعي، ولقد جاءه يوما فلقيه وقد ركب محمد بن الحسن، فرجع محمد إلى منزله وخلا به يومه إلى الليل، ولم يأذن لأحد عليه.
والشافعي أول من تكلم في أصول الفقه وهو الذي استنبطه، وقال أبو ثور: من زعم انه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب، كان منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يعتض منه. وقال أحمد بن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منة. وكان الزعفراني يقول: كان أصحاب الحديث رقودا حتى جاء الشافعي فأيقظهم فتيقظوا. ومن دعائه: اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير، وهو مشهور بين العلماء بالإجابة، وأنه مجرب. وفضائله أكثر من أن تعدد.
وموله سنة خمسين ومائة، وقد قيل إنه ولد في اليوم الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة، وكانت ولادته بمدينة غزة، وقيل بعسقلان، وقيل باليمن، والأول أصح، وحمل من غزة إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها وقرأ القرآن الكريم، وحديث رحلته إلى مالك بن أنس مشهور فلا حاجة إلى التطويل فيه، وقدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة تسع وتسعين ومائة، وقيل سنة إحدى ومائتين.
ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، ودفن بعد العصر من يومه بالقرافة الصغرى، وقبره يزار بها بالقرب من المقطم، رضي الله عنه.
قال الربيع بن سليمان المرادي: رأيت هلال شعبان وأنا راجع من جنازته، وقال: رأيته في المنام بعد وفاته فقلت: يا أبا عبد الله، ما صنع الله بك؟ فقال: أجلسني على كرسي من ذهب، ونثر علي اللؤلؤ الرطب. وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب طبقات الفقهاء ما مثاله: وحكى الزعفراني عن أبي عثمان ابن الشافعي قال: مات أبي وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
وقد اتفق العلماء قاطبة من أهل الحديث والفقه والأصول واللغة والنحو وغير ذلك على ثقته وأمانته وعدالته وزهده وورعه ونزاهة عرضه وعفة نفسه وحسن سيرته وعلو قدره وسخائه.
وللإمام الشافعي أشعار كثيرة فمن ذلك ما نقلته من خط الحافظ أبي طاهر السلفي رحمه الله تعالى:
إن الذي رزق اليسار ولم يصب | | حمدا ولا أجرا لغير مـوفـق |
الجد يدني كـل أمـر شـاسـع | | والجد يفتح كل باب مـغـلـق |
وإذا سمعت بأن مجدودا حـوى | | عودا فأثمر في يديه فـصـدق |
وإذا سمعت بأن محرومـا اتـى | | ماء ليشربه فغاض فـحـقـق |
لو كان بالحيل الغنى لوجدتـنـي | | بنجوم أقطار السماء تعلـقـي |
لكن من رزق الحجا حرم الغنى | | ضدان مفترقـان أي تـفـرق |
ومن الدليل على القضاء وكونـه | | بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمد |
ومن المنسوب إليه أيضا:
ماذا يخبر ضيف بيتك أهـلـه | | إن سيل كيف معاده ومعاجـه |
أيقول جاوزت الفرات ولم أنـل | | ريا لديه وقد طغت أمـواجـه |
ورقيت في درج العلا فتضايقت | | عما أريد شعابه وفـجـاجـه |
ولتخبرن خصاصتي بتملـقـي | | والماء يخبر عن قذاه زجاجـه |
عندي يواقيت الـقـريض ودره | | وعلي إكليل الكـلام وتـاجـه |
تربي على روض الربا أزهاره | | ويرف في نادي الندى ديباجـه |
والشاعر المنطيق أسود سالـخ | | والشعر منه لعابه ومجـاجـه |
وعداوة الشعراء داء معـضـل | | ولقد يهون على الكريم علاجه |
ومن المنسوب إليه أيضا:
رام نفعا فضر من غير قصد | | ومن البر ما يكون عقوقـا |
ومن المنسوب إلى الشافعي:
كلما أدبـنـي الـده | | ر أراني نقص عقلي |
وإذا ما ازددت علمـا | | زادني علما بجهلـي |
وهو القائل:
ولولا الشعر بالعلماء يزري | | لكنت اليوم أشعر من لبيد |
وقال الشافعي رضي الله عنه: تزوجت امرأة من قريش بمكة، وكنت أمازحها فأقول:
ومن البـلـية أن تـح | | ب فلا يحبك من تحبه |
فتقول هي:
ويصد عنك بوجهه | | وتلج أنت فلا تغبه |
وأخبرني أحد المشايخ الأفاضل أنه عمل في مناقب الشافعي ثلاثة عشر تصنيفا.
ولما مات رثاه خلق كثير، وهذه المرثية منسوبة إلى أبي بكر محمد بن دريد صاحب المقصورة، وقد ذكرها الخطيب في تاريخ بغداد وأولها:
بمقلتيه لـلـمـشـيب طـوالـع | | زواجر عن ورد التصابي روادع |
تصرفه طوع العنـان وربـمـا | | دعاه الصبا فاقتاده وهـو طـائع |
ومن لم يزعـه لـبـه وحـياؤه | | فليس له من شيب فـوديه وازع |
هل النافر المدعو للحـظ راجـع | | أم النصح مقبول أم الوعظ نافـع |
أم الهمك المغموم بالجمع عـالـم | | بأن الذي يوعي من المال ضائع |
وأن قصاراه على فرط ضـنـه | | فراق الذي أضحى له وهو جامع |
ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده | | ولكن جمع العلم للمـرء رافـع |
ألم تر آثار ابـن إدريس بـعـده | | دلائلها في المشكلات لـوامـع |
معالم يفنى الدهر وهي خـوالـد | | وتنخفض الأعلام وهي فـوارع |
مناهج فيها للهدى مـتـصـرف | | موارد فيها لـلـرشـاد شـرائع |
ظواهرها حكم ومستبطنـاتـهـا | | لما حكم التفريق فيه جـوامـع |
لرأي ابن إدريس ابن عم محمـد | | ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع |
إذا المفظعات المشكلات تشابهت | | سما منه نور في دجاهن لامـع |
أبـى الـلـه إلا رفـعـه وعـلــوه | | وليس لما يعليه ذو الـعـرش واضـع |
توخى الهدى واستنقذتـه يد الـتـقـى | | من الزيغ إن الزيغ للـمـرء صـارع |
ولاذ بآثـار الـرسـول فـحـكـمـه | | لحكم رسول الله في الـنـاس تـابـع |
وعول فـي أحـكـامـه وقـضـائه | | على ما قضى في الوحي والحق ناصع |
بطيء عن الرأي المخوف التـبـاسـه | | إليه إذا لم يخش لـبـسـا مـسـارع |
وأنشا له منشـيه مـن خـير مـعـدن | | خلائق هن الـبـاهـرات الـبـوارع |
تسربل بـالـتـقـوى ولـيدا ونـاشـئا | | وخص بلب الكهـل مـذ هـو يافـع |
وهذب حتى لـم تـشـر بـفـضـيلة | | إذا التـمـسـت إلا إلـيه الأصـابـع |
فمن يك علم الـشـافـعـي إمـامـه | | فمرتعه في سـاحة الـعـلـم واسـع |
سلام على قبر تضـمـن جـسـمـه | | وجادت عليه المدجنـات الـهـوامـع |
لقد غيبـت أثـراؤه جـسـم مـاجـد | | جليل إذا التفت علـيه الـمـجـامـع |
لئن فجعتنا الحـادثـات بـشـخـصـه | | لهن لما حـكـمـن فـيه فـواجـع |
فأحـكـامـه فـينـا بـدور زواهـر | | وآثـاره فـينـا نـجـوم طـوالــع |
وقد يقول القائل: إن ابن دريد لم يدرك الشافعي، فكيف رثاه؟ لكنه يجوز أن يكون رثاه بعد ذلك، فما فيه بعد، فقد رأينا مثل هذا في حق غيره، مثل الحسين، رضي الله تعالى عنه، وغيره”.
وورد في “[url=http://al-hakawati.la.utexas.edu/?titleonly=&s=%D8%B3%D9%8A%D8%B1 %D8%A3%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85 %D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%A1]سير أعلام النبلاء[/url]” للذهبي:
” محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ابن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب الإمام عالم العصر ناصر الحديث فقيه الملة أبو عبد الله القرشي ثم المطلبي الشافعي المكي الغزي المولد نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب.
اتفق مولد الإمام بغزة ومات أبوه إدريس شاباً فنشأ محمد يتيماً في حجر أمه فخافت عليه الضيعة فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين فنشأ بمكة وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة ثم أقبل على العربية والشرع فبرع في ذلك وتقدم.
ثم حبب إليه الفقه فساد أهل زمانه. وأخذ العلم ببلده عن مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة وداود ابن عبد الرحمن العطار وعمه محمد بن علي بن شافع فهو ابن عم العباس جد الشافعي وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي وسعيد بن سالم وفضيل بن عياض وعدة.
ولم أر له شيئاً عن نافع بن عمر الجمحي ونحوه وكان معه بمكة وارتحل وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد أفتى وتأهل للإمامة إلى المدينة فحمل عن مالك بن أنس الموطأ عرضه من حفظه وقيل من حفظه لأكثره- وحمل عن إبراهيم عن أبي يحيى فأكثر وعبد العزيز الدراوردي وعطاف بن خالد وإسماعيل بن جعفر وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.
وأخذ باليمن عن مطرف بن مازن وهشام بن يوسف القاضي وطائفة وببغداد عن محمد بن الحسن فقيه العراق ولازمه وحمل عنه وقر بعير وعن إسماعيل ابن علية وعبد الوهاب الثقفي وخلق وصنف التصانيف ودون العلم ورد على الأئمة مبتعاً الأثر وصنف في أصول الفقه وفروعه وبعد صيته وتكاثر عليه الطلبةز حدث عنه الحميدي وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي وأبو يعقوب يوسف البويطي وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وحرملة بن يحيى وموسى بن أبي الجارود المكي وعبد العزيز المكي صاحب الحيدة وحسين بن علي الكرابيسي وإبراهيم بن المنذر الحزامي والحسن بن محمد الزعفراني وأحمد بن محمد الأزرقي وأحمد بن سعيد الهمداني وأحمد بن أبي شريح الرازي وأحمد بن يحيى بن وزير المصري وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي و إسحاق بن راهويه و إسحاق بن بهلول وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي المتكلم والحارث بن سريج النقال وحامد بن يحيى البلخي وسليمان بن داود المهري وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعلي بن معبد الرقي وعلي بن سلمة اللبقي وعمرو بن سواد وأبو حنيفة قحزم بن عبد الله الأسواني ومحمد بن يحيى العدني ومسعود ابن سهل المصري وهارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن سنان القطان وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى والربيع ابن سليمان المرادي والربيع بن سليمان الجيزي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وبحر بن نصر الخولاني وخلق سواهم.
وقد أفرد الدارقطني كتاب من له رواية عن الشافعي في جزأين وصنف الكبار في مناقب هذا الإمام قديما وحديثا ونال بعض الناس منه غضاً فما زاده ذلك إلا رفعة وجلالة ولاح للمنصفين أن كلام أقرانه فيه بهوى وقل من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا وعودي نعوذ بالله من الهوى وهذه الأوراق تضيق عن مناقب هذا السيد.
فأما جدهم السائب المطلبي فكان من كبراء من حضر بدراً مع الجاهلية فاسر يومئذ وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ووالدته هي الشفاء بنت أرقم بن نضلة ونضلة هو أخو عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم فيقال إنه بعد أن فدى نفسه أسلم .
وابنه شافع له رؤية وهو معدود في صغار الصحابة وولده عثمان تابعي لا أعلم له كبير رواية.
وكان أخوال الشافعي من الأزد . عن ابن عبد الحكم قال لما حملت والدة الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلدة منه شظيه فتأوله المعبرون أنها تلد عالماً يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في البلدان. هذه رواية منقطعة. وعن أبي عبد الله الشافعي فيما نقله ابن أبي حاتم عن ابن أخي ابن وهب عنه قال ولدت باليمن يعني القبيلة فإن أمه أزدية- قال فخافت أمي علي الضيعة وقالت الحق بأهلك فتكون مثلهم فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك فجهزتني إلى مكة فقدمتها يومئذ وأنا ابن عشر سنين فصرت إلى نسيب لي وجعلت أطلب العلم فيقول لي لا تشتغل بهذا وأقبل على ما ينفعك فجعلت لذتي في العلم. قال ابن أبي حاتم سمعت عمرو بن سواد قال لي الشافعي ولدت بعسقلان فلما أتى علي سنتان حملتني أمي إلى مكة.
وقال ابن عبد الحكم قال لي الشافعي ولدت بغزة سنة خمسين ومئة وحملت إلى مكة ابن سنتين.
قال المزني ما رأيت أحسن وجها من الشافعي رحمه الله وكان ربما قبض على لحيته فلا يفضل عن قبضته.
قال الربيع المؤذن سمعت الشافعي يقول كنت ألزم الرمي حتى كان الطبيب يقول لي أخاف أن يصيبك السل من كثرة وقوفك في الحر قال وكنت أصيب من العشرة تسعة.
قال الحميدي سمعت الشافعي يقول كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن لها ما تعطيني للمعلم وكان المعلم قد رضي مني ان اقوم على الصبيان إذا غاب وأخفف عنه.
وعن الشافعي قال كنت أكتب في الأكتاف والعظام وكنت أذهب إلى الديوان فأستوهب الظهور فأكتب فيها.
وقال عمرو بن سواد قال لي الشافعي كانت نهمتي في الرمي وطلب العلم فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من عشرة عشرة وسكت عن العلم فقلت أنت والله في العلم أكبر منك في الرمي قال أحمد بن إبراهيم الطائي الأقطع حدثنا المزني سمع الشافعي يقول حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر. الأقطع مجهول.
وفي مناقب الشافعي للآبري سمعت الزبير بن عبد الواحد الهمذاني أخبرنا علي بن محمد بن عيسى سمعت الربيع بن سليمان يقول ولد الشافعي يوم مات أبو حنيفة رحمهما الله تعالى.
وعن الشافعي قالت أتيت مالكاً وأنا ابن ثلاث عشرة سنة- كذا قال والظاهر أنه كان ابن ثلاث وعشرين سنة- قال فأتيت ابن عم لي والي المدينة فكلم مالكاً فقال اطلب من يقرأ لك قلت أنا أقرأ فقرأت عليه فكن ربما قال لي لشيء قد مر أعده فأعيده حفظاً فكأنه أعجبه ثم سألته عن مسألة فأجابني ثم أخرى فقال أنت تحب أن تكون قاضياً.
ويروى عن الشافعي أقمت في بطون العرب عشرين سنة أخذ أشعارها ولغاتها وحفظت القرآن فما علمت انه مر بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد ما خلا حرفين أحدهما دساها. إسنادها فيه مجهول.
قال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قرأت القرآن على إسماعيل بن قسطنطين وقال قرأت على شبل وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير وقرأ على مجاهد وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس قال الشافعي وكان إسماعيل يقول القران اسم ليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولو أخذ من قرأت كان كل ما قرئ قرآناً ولكنه اسم للقران مثل التوراة والإنجيل.
الأصم وابن أبي حاتم حدثنا الربيع سمعت الشافعي يقول قدمت على مالك وقد حفظت الموطأ طاهراً فقلت أريد سماعه قال اطلب من قرأ لك فقلت لا عليك أن تسمع قراءتي فإن سهل عليك قرأت لنفسي.
أحمد بن الحسن الحماني حدثنا أبو عبيدة قال رأيت الشافعي عند محمد بن الحسن وقد دفع إليه خمسين ديناراً وقد كان قبل ذلك دفع إليه خمسين درهما وقال إن اشتهيت العلم فالزم قال أبو عبيد فسمعت الشافعي يقول كتبت عن محمد وقر بعير ولما أعطاه محمد قال له لا تحتشم قال لو كنت عندي ممن أحشمك ما قبلت برك.
ابن أبي حاتم حدثنا الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول حملت عن محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي .
قال أحمد بن أبي سريج سمعت الشافعي يقول قد أنفقت على كتب محمد ستين ديناراً ثم تدبرتها فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثاً يعني رد عليه.
قال هارون بن سعيد قال لي الشافعي أخذت اللبان سنة للحفظ فأعقبني صب الدم سنة.
قال أبو عبيد ما رأيت أعقل من الشافعي وكذا قال يونس بن عبد الأعلى حتى انه قال لو جمعت أمة لوسعهم عقله.
قلت هذا على سبيل المبالغة فإن الكامل العقل لو نقص من عقله نحو الربع لبان عليه نقص ما ولبقي له نظراء فلو ذهب نصف ذلك العقل منه لظهر عليه النقص فكيف به لو ذهب ثلثا عقله فلو أنك أخذت عقول ثلاثة أنفس مثلاً وصيرتها عقل واحد لجاء منه كامل العقل وزيادة. جماعة حدثنا الربيع سمعت الحميدي سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك ان تفتي وهو ابن خمس عشرة سنة وقد رواها محمد بن بشر الزنبري وأبو نعيم الاستراباذي عن الربيع عن الحميدي قال قال الزنجي وهذا أشبه فإن الحميدي يصغر عن السماع من مسلم وما رأينا له في مسنده عنه رواية.
جماعة حدثنا الربيع قال الشافعي لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من ان يلقاه بشيء من الأهواء.
الزبير الاستراباذي حدثني محمد بن يحيى بن آدم بمصر حدثنا ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول لو علم الناس ما في الكلام من الأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد.
قال يونس الصدفي ما رأيت أعقل من الشافعي ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي ثم قال يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
قلت هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفقه نفسه فما زال النظراء يختلفون.
أبو جعفر الترمذي حدثني أبو الفضل الواشجردي سمعت أبا عبد الله الصاغاني قال سألت يحيى بن أكثم عن أبي عبيد والشافعي أيهما أعلم قال أبو عبيد كان يأتينا هاهنا كثيراً وكان رجلاً إذا ساعدته الكتب كان حسن التصنيف من الكتب وكان يرتبها بحسن ألفاظه لاقتداره على العربية وأما الشافعي فقد كنا عند محمد بن الحسن كثيراً في المناظرة وكان رجلاً قرشي العقل والفهم والذهن صافي العقل والفهم والدماغ سريع الإصابة أو كلمة نحوها ولو كان أكثر سماعاً للحديث لا ستغنى أمة محمد صلى الله عليه وسلم به عن غيره من الفقهاء. قال معمر بن شبيب سمعت المأمون يقول قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شيء فوجدته كاملاً.
قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي سمعت أبي وعمي يقولان كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيء من التفسير والفتيا التفت إلى الشافعي فيقول سلوا هذا. وقال تميم بن عبد الله سمعت سويد بن سعيد يقول كنت عند سفيان فجاء الشافعي فسلم وجلس فروى ابن عيينة حديثاً رقيقاً. فغشي على الشافعي فقيل يا أبا محمد مات محمد بن إدريس فقال ابن عيينة إن كان مات فقد مات أفضل أهل زمانه. الحاكم سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي سمعت الربيع سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال أف أف القرآن كلام الله من قال مخلوق فقد كفر.
هذا اسناد صحيح .
أبو داود وأبو حاتم عن أبي ثور سمعت الشافعي يقول ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.
محمد بن يحيى بن آدم حدثنا ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول لو علم الناس ما في الكلام والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد.
الزبير بن عبد الواحد أخبرني علي بن محمد بمصر حدثنا محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم قال كان الشافعي بعد أن ناظر حفصاً الفرد يكره الكلام وكان يقول والله لأن يفتي العالم فيقال أخطأ العالم خير له من أن يتكلم فيقال زنديق وما شيء أبغض إلي من الكلام وأهله.
قلت هذا دال على أن مذهب أبي عبد الله أن الخطأ في الأصول ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع. الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة لأن اسم الله غير مخلوق ومن حلف بالكعبة وبالصفا والمروة فليس عليه كفارة لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق.
وقال أبو حاتم حدثنا حرملة سمعت الشافعي يقول الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز . قال الحارث بن سريج سمعت يحيى القطان يقول أنا أدعو الله للشافعي أخصه به. وقال أبو بكر بن خلاد أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.
الحسين بن علي الكرابيسي قال قال الشافعي كل متكلم على الكتاب والسنة فهو الجد وما سواه فهو هذيان. ابن خزيمة وجماعة قالوا حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال الشافعي لا يقال لم للأصل ولا كيف. وعن يونس سمع الشافعي يقول الأصل القرآن والسنة وقياس عليهما والإجماع أكبر من الحديث المنفرد. ابن أبي حاتم سمعت يونس يقول قال الشافعي الأصل قرآن أو سنة فان لم يكن فقياس عليهما وإذا صح الحديث فهو سنة والإجماع أكبر من الحديث المنفرد والحديث على ظاهره وإذا احتمل الحديث معاني فما أشبه ظاهره وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيب وكلا رأيته استعمل الحديث المنفرد استعمل أهل المدينة في التفليس قوله عليه السلام إذا أدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به واستعمل أهل العراق حديث العمري. ابن أبي حاتم حدثنا الربيع سمعت الشافعي يقول قراءة الحديث خير من صلاة التطوع وقال طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
ابن أبي حاتم حدثنا يونس قلت للشافعي صاحبنا الليث يقول لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء ما قبلته قال قصر لو رأيته يمشي في الهواء لما قبلته. قال الربيع سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث أنتم الصيادلة ونحن الأطباء.
زكريا الساجي حدثني أحمد بن مردك الرازي سمعت عبد الله بن صالح صاحب الليث يقول كنا عند الشافعي في مجلسه فجعل يتكلم في تثبيت خبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وسلم فكتبناه وذهبنا به إلى إبراهيم بن عليه وكان من غلمان أبي بكر الأصم وكان في مجلسه عند باب الصوفي فلما قرأنا عليه جعل يحتج بإبطاله فكتبنا ما قال وذهبنا به إلى الشافعي فنقضه وتكلم بإبطاله ثم كتبناه وجئنا به إلى ابن عليه فنقضه ثم جئنا به إلى الشافعي فقال إن ابن علية ضال قد جلس بباب الضوال يضل الناس.
قلت كان إبراهيم من كبار الجهمية وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام. المزني سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن تكلم في الفقه نما قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في اللغة رق طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
[size=24:a