(( حديث الصمت ))

كان صوت أم كلثوم يهز كل شيء فى جوانحنا. كانت أطياف الماضى، تدور حولنا وكأنها حفل وداع يضع نهاية كل الأشياء. فى لحن بديع للرائع بليغ حمدي. أنا وأنت. نسينا حتى نتعاتب ونتصارح. وعز عليك تسيب العند وتسامح. وعز على أكون البادى وتصالح. كلمات جميلة صاغها بصدق عبدالوهاب محمد. كل الأشياء حولنا صامتة. وتوقفت لغة الكلام بيننا كما قال شوقي. ليس عندى ما يقال. وليس عندها أى شيء غير أنها قررت الرحيل. من الممكن جدآ أن يفترق أحباب دون أن يترك أحدهم للآخر جرحا. أسوأ الأشياء بين المحبين ألا يجد احدهما كلاما يقوله. توقفت روافد الإحساس وجفت منابعه. لا مجال للعتاب لأن هناك أشياء لا يصلح فيها العتاب. هناك جسور إذا تكسرت لا تبقى بعدها غير الأطلال وهناك مشاعر إذا غابت لا يبقى بعدها غير الوحشة. ضاعت الكلمات منا. ولا مجال للعتاب. إن العتاب يأتى حين يكون هناك شيء من الإحساس. قليل من الحرص. رغبة فى الاستمرار ولكنها قررت وأنا رضيت أن نسدل الستار وأن تنتهى الرواية. مادام العتاب بين الأحباب فهو يفتح أبوابا للكلام والمراجعة وربما تتواصل القلوب مرة أخرى. إن العتاب يفتح بابا للتسامح وهو أجمل ما يبقى من الحب حين تشتد العواصف وتسقط المرايا وتتكسر الوجوه أمام لحظات النهاية. كان الصمت يبدد أى رغبة فى الحديث. لا هى تكلمت. ولا أنا قلت شيئا. لا هى سألت ولا أنا أجبت، تمثالان جميلان صامتان فى حديقة يأس. العيون لا ترى والملامح جامدة والكلام لحظات سكون ووحشة. قالت سوف أسأل عنك كثيرا. قلت وماذا يفيد السؤال. قالت ستبقى أجمل ذكرى فى حياتى قلت. فى النهايات لا يفيد حديث الذكريات. قالت لن أحب أحدآ بعدك. قلت الحب قدر ومن منا يهرب من قدره. قالت هل تعتقد أننا سنرجع يوما قلت. من يعيد الحياة لكأس تكسرت. قالت: هل تريد أن تقول لى شيئا قبل أن أمضى. قلت. الكلام فى مثل هذه الأوقات لا يضيف شيئا. قالت: هل تصافحني. قلت فى النهايات لا يبقى غير مصافحة الصمت. هو الشيء الوحيد الذى يتكلم. كانت الشمس تودع خيوطها وهى تتلاشى أمامنا كذكرياتنا الراحلة. وكانت الكلمات تتساقط خلف تلال الصمت وأم كلثوم تشدو أنا وأنت نسينا.