(( قصة 35 يومًا صنعت نهاية حگم مرسى ))

لم يقض الرئيس المعزول محمد مرسى فى الحكم سوى عام واحد و3 أيام، سطر فيها منذ اليوم الأول سيناريو السقوط، باتخاذه العديد من القرارات، التى استعدت ضده جميع فئات وطوائف الشعب المصرى، باستثناء «أهله وعشيرته»، الذين استمروا فى الدفاع عن مشروع الجماعة. ومنذ البداية، ظهرت نوايا مرسى، من جملة لم تكن عابرة فى خطابه الأول بجامعة القاهرة، عقب أدائه اليمين الدستورية، هى «عودة المؤسسات المنتخبة»، فلم تمر سوى أيام قليلة، حتى بدأ صداما مع المحكمة الدستورية العليا، والمؤسسة القضائية بالكامل، عندما قرر عودة مجلس الشعب المنحل، بعد صدور حكم ببطلانه.

وجاء القرار ليستعدى السلطة القضائية ضده، ثم استكمل معركته ضد القضاة من خلال أنصاره فى جماعة الإخوان، عندما حاصروا المحكمة الدستورية العليا عدة مرات، فى محاولات لمنع انعقادها تجنبا لإصدار أحكام قضائية ببطلان مجلس الشورى، والجمعية التأسيسية للدستور. لم يف مرسى بوعوده للقوى السياسية التى انتخبته فيما عرف بموقف «عصر الليمون»، تفاديا لوصول المرشح المنافس، وآخر رئيس وزراء فى عهد مبارك، أحمد شفيق، إلى الحكم، فلم يلتزم مرسى بتعهده لهم بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية التى سيطرت عليها جماعته، أو يشكل حكومة ائتلافية بشاركة القوى السياسية المختلفة، فسيطر وزراء جماعته والقوى المتحالفة معها على تشكيل الحكومة.

وواصل الرئيس المعزول السير بخطوات ثابتة فى سيناريو الفشل، وكانت الخطوة الأهم، فى نوفمبر 2012، عندما أصدر الإعلان الدستورى، الذى حصن الجمعية التأسيسية، كما حصن جميع قراراته من الطعن عليها، وقرر عزل النائب العام السابق، المستشار عبدالمجيد محمود، وعين آخر بدلا منه، فى مخالفة لقانون السلطة القضائية. وعزز الإعلان الدستورى من حركة المعارضة فى الشارع ضد حكم الإخوان، وزاد الأوضاع تدهورا سقوط شهداء على أعتاب قصر الاتحادية، وفى شارع محمد محمود، وفى احتفالات الذكرى الثانية للثورة، ورغم ذلك، لم يلتفت مرسى لمطالب المعارضة، واستمر فى تطبيق سيناريو «التمكين» لجماعته، والذى كان فى الوقت نفسه سيناريو السقوط لهما معا، فأصدر قرارات التشكيل الوزارى، وحركة المحافظين، مانحا النصيب الاكبر فيهما لأعضاء جماعته والمقربين منها.

«الشروق» عادت إلى يونيو 2012، لترصد من جديد خطوات مرسى منذ أداء اليمين الدستورية وحتى بيان عزله فى 3 يوليو من العام الماضى.

كانت بداية الصدام فى الخطاب الأول الذى ألقاه مرسى فى جامعة القاهرة، بعد أداء اليمين الدستورية يوم 30 يونيو 2012، وتعهد فيه بعودة «المؤسسات المنتخبة»، بحسب تعبيره، فى إشارة إلى مجلس الشعب، بعدما تم حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا، التى أدى اليمين أمام جمعيتها العمومية.

ألغى قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع، بحل مجلس الشعب، تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية، وأصدر قرارا بعودة مجلس الشعب المنحل إلى ممارسة مهامه، ما يعد مخالفة للإعلان الدستورى المكمل الصادر عن طنطاوى، قبل إعلان نتيجة الانتخابات، والذى أقسم عليه مرسى، ونص على «منح المجلس العسكرى الاختصاصات التشريعية لحين إجراء انتخابات جديدة».

قضت المحكمة الدستورية العليا، بوقف قرار مرسى بعودة مجلس الشعب، وتنفيذ حكم بطلان المجلس كاملا، وحله، وهو الأمر الذى صعد الصدام بين المحكمة والجماعة والرئاسة، ودفع الإخوان إلى الدعوة لمليونية فى ميدان التحرير لدعم قرارات مرسى.

أصدرت محكمة النقض قرارا بعدم الاختصاص بنظر الطلب الذى أرسله لها مجلس الشعب، فى الجلسة التى عقدها عقب عودته بقرار مرسى، بشأن تطبيق حكم حل المجلس.

استبق مرسى جلسة القضاء الإدارى التى كان مقررا عقدها فى 17 يوليو، لنظر دعاوى بطلان الجمعية التأسيسية لدستور 2012، وصدق على قانون معايير تشكيل الجمعية، الذى أصدره مجلس الشعب «المنحل».

أصدر مرسى إعلانا دستوريا جديدا يلغى الإعلان الدستورى المكمل، الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واسترد بموجبه السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية، وسلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما أحال كلا من المشير طنطاوى، ونائبه الفريق سامى عنان، رئيس الأركان، إلى التقاعد، مع تعيينهما مستشارين للرئيس، ومنح الأول قلادة النيل، والثانى قلادة الجمهورية.

أعلن عن تعيين 10 محافظين جدد، بينهم 6 من قيادات إخوانية، هى عضو المكتب التنفيذى لحزب الحرية والعدالة، سعد الحسينى، وعضو مكتب الإرشاد، محمد على بشر، ووكيل نقابة المهندسين، أسامة كمال، ويحيى كشك، ومصطفى فرغلى.

عادت الشرطة إلى استخدام العنف ضد المتظاهرين للمرة الأولى خلال عهد مرسى، بتدخلها لفض مظاهرة لطلاب جامعة النيل.

شهد الاحتفال بذكرى انتصارات حرب 6 أكتوبر، سيطرة وإشراق أعضاء حزب الحرية والعدالة على تنظيم الاحتفالات، وحشد العناصر المناصرة لجماعة الإخوان، والمؤيدة لمرسى، بهدف المشاركة فى الاحتفال الذى جرى ستاد القاهرة، وشارك فى الاحتفال قيادات الجماعة الإسلامية، وبعض المشاركين فى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.

قرر مرسى عزل النائب العام السابق، المستشار عبدالمجيد محمود، من منصبه، وتعيينه سفيرا فى دولة الفاتيكان، بعد ضغوط من الجماعة، استنادا إلى مطالبات سابقة لعدد من القوى الثورية، لم يستجب لها المجلس العسكرى خلال فترة حكمه.

تراجع مرسى عن قراره بعزل النائب العام، بالتزامن مع ارتفاع حدة الانتقادات الموجهة له ولجماعته، عقب الاشتباكات الأولى من نوعها، التى وقعت بين شباب الجماعة، والقوى الثورية فى ميدان التحرير، فيما عرف بجمعة «كشف الحساب»، التى دعت لها القوى الثورية، احتجاجا على عدم تنفيذ مرسى خطة المائة يوم التى أعلن عنها فى برنامجه الانتخابى.

تجددت الدماء مرة أخرى خلال إحياء الثوار لذكرى ملحمة «محمد محمود»، وهذه المرة أصيب 61 متظاهرا، كما استشهد الناشط بحركة 6 أبريل، محمد جابر جيكا، برصاص الشرطة.

أصدر مرسى الإعلان الدستورى الذى قسم المصريين، وزاد من حالة من الاستقطاب فى الشارع، حيث منح لنفسه صلاحيات مطلقة، من وضع الدستور، وانتخاب مجلس الشعب الجديد، وقرر إعادة محاكمات رموز نظام مبارك، فى قضية قتل المتظاهرين، وعزل النائب العام من منصبه، كما حصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من أحكام القضاء، مع مد عمل الجمعية شهرين، وأصدر قرار بتعيين المستشار طلعت إبراهيم نائبا عاما لمدة 4 سنوات.

كان بداية الحركة الاحتجاجية التى شارك فيها مئات الآلاف من المصريين ضد الإعلان الدستورى، كما شهد تأسيس جبهة الإنقاذ الوطنى، التى جمعت قيادات الأحزاب السياسية المعارضة تحت مظلة واحدة، واستمرت فى العمل على حشد الجماهير ضد مرسى، كما رفضت الحوار معه قبل إلغاء الإعلان الدستورى، إلا أن الرئيس المعزول تجاهل حالة الثورة والغضب الموجهة ضده، ووجه خطابا إلى أهله وعشيرته، الذين احتشدوا أمام قصر الاتحادية، كما هاجم معارضيه، فيما تقدم عدد من مستشاريه باستقالاتهم.

عقد نادى القضاة جمعيته العمومية غير العادية، فى حضور النائب العام المعزول، للاعتراض على الإعلان الدستورى الصادر عن مرسى، وتم الإعلان عن تعليق العمل فى المحاكم والنيابات.

قدم رئيس الجمعية التأسيسية، المستشار حسام الغريانى، نسخة من مسودة الدستور إلى الرئيس المعزول، وسط حالة من الغليان السياسى، واستمرار الاحتجاجات على الإعلان الدستورى، الذى حصن الجمعية التأسيسية. وفى اليوم نفسه، احتشد مئات الآلاف من أنصار الإخوان وتيار الإسلام السياسى فى ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، فى مليونية لتأييد مرسى، والإعلان الدستورى، والمسودة النهائية للدستور، أطلقوا عليها اسم «الشرعية والشريعة».

خرج مئات الآلاف من المصريين فى مسيرات احتجاجية إلى قصر الاتحادية، وميدان التحرير، للتعبر عن اعتراضهم على الإعلان الدستورى، تحت شعار «الإنذار الأخير»، كما اعتصم عدد من شباب القوى الثورية أمام القصر.

توجهت مجموعات إخوانية بصحبة قيادات الجماعة إلى محيط قصر الاتحادية، لفض اعتصام شباب القوى الثورية بالقوة، كما اشتبكوا مع المعتصمين، وهدموا خيامهم، وتطورت الاشتباكات إلى استخدام الأسلحة النارية والبيضاء، والمولوتوف، وتعرض عدد من المعتصمين للاحتجاز والتعذيب على يد أعضاء الإخوان، كما استشهد خلال الأحداث الصحفى الحسينى أبو ضيف، و9 آخرين.

تجاهل مرسى الأحداث الدموية التى شهدها محيط قصره، وعمليات تعذيب المتظاهرين على أبواب الاتحادية، وأعلن إجراء الاستفتاء على مسودة الدستور فى موعده، مشددا على تمسكه بالإعلان الدستورى، كما دعا القوى السياسية إلى جلسة حوار وطنى، واعتبر ضحايا الاشتباكات من مؤيديه، واتهم المعارضة بتلقى أموال من الخارج.

عقد مرسى جلسة حوار وطنى، غابت عنها قوى المعارضة، وتم الاتفاق على إجراء الاستفتاء فى موعده، وأصدر مرسى إعلانا دستوريا جديدا، فى محاولة لاحتواء الغضب الجماهيرى، ألغى الإعلان السابق، مع الإبقاء على الآثار المترتبة عليه، وهو ما رفضته القوى الثورية، وجبهة الإنقاذ الوطنى.

دعا وزير الدفاع وقتها، عبدالفتاح السيسى، الرئيس والقوى السياسية إلى لقاء فى القرية الأوليمبية، فى محاولة لاحتواء حالة الغضب التى تهدد استقرار البلاد، وهو اللقاء الذى لم يتم لأسباب لم يفصح عنها أى طرف من الأطراف حتى الآن.

بعد تمرير الدستور، حاصر أعضاء الإخوان مقر المحكمة الدستورية العليا، مطالبين مرسى بحلها، وإعادة تشكيلها.

سقط فى الذكرى الثانية للثورة، عدد من الشهداء، الذين خرجوا مع مئات الآلاف فى مظاهرات حاشدة، تطالب برحيل مرسى.

مع استمرار حالة الغليان فى القاهرة ومحافظات القناة، أعلن مرسى فى خطاب بثه التليفزيون المصرى، فرض حالة الطوارئ فى مدن القناة، وحظر التجوال على مواطنيها، بعد اندلاع أعمال عنف، عقب إصدار أحكام قضية مذبحة ستاد بورسعيد، ووقوع اشتباكات بين المواطنين والشرطة، وسقوط قتلى فى جنازات عدد من المواطنين، سقطوا فى محيط سجن بورسعيد العمومى.

اعتدى شباب الجماعة على نشطاء أمام مكتب الإرشاد فى المقطم، بينهم الناشطة ميرفت موسى، وأحمد دومة، وتبعها الرد بمظاهرات رد الكرامة، واخرى فى المقطم، نتج عنها اشتباكات وأعمال عنف متبادلة بين شباب الجماعة والقوى الثورة.

علق مرسى على أحداث العنف التى تشهدها البلاد خلال افتتاح أحد المؤتمرات، قائلا «اللى هيحط صباعه فى مصر هقطعه.. أنا شايف صباعين تلاتة بيتمدوا جوه»، ما أثار موجة من الانتقادات والسخرية ضده.

قضت محكمة استئناف القاهرة ببطلان تعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما، وألغت القرار بعزل النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وهو الحكم الذى طعن عليه مرسى.

استمرت أزمات مرسى مع القضاة، بعد طرح أعضاء الجماعة وحلفائها مشروع تعديل قانون السلطة القضائية، على مجلس الشورى، الذى منحه مرسى السلطات التشريعية لمجلس الشعب، ما أثار حفيظة القضاة، وحاول الرئيس المعزول تهدئة الأجواء، مقررا سحب مشروع القانون.

اتسع نطاق أزمات مرسى، عقب خطف 7 جنود فى شمال سيناء، خاصة بعدما قال فى خطاب تليفزيونى إنه أوصى بضرورة «الحفاظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين»، ما اعتبرته رئاسة الجمهورية حينها، أحد «أبرز إنجازات الرئيس»، وذلك ضمن تقارير كانت تعدها الرئاسة شهريا، كما تفاقمت الأزمة مع إثيوبيا بسبب بدء بناء سد النهضة، وعقد مرسى حوارا مع ممثلى القوى السياسية المقربة منه، تم بثه على التليفزيون الرسمى، تضمن تهديدات لإثيوبيا، ما واجه ردود فعل غاضبة فى مصر وإثيوبيا.

قبل أيام قليلة من الموعد المحدد من جانب حملة تمرد، للتظاهر والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، أصدر مرسى قرارا بتعديل المحافظين، وضمت الحركة الجديدة، 17 محافظا، منهم 7 أعضاء بجماعة الإخوان، و6 تابعين للمؤسسة العسكرية، وآخر من الجماعة الإسلامية.

لم يلتقط مرسى الإشارة السياسية التى أرسلها الجيش إلى المواطنين فى هذا اليوم، عنما أمهلت القوات المسلحة القوى السياسية أسبوعا لإيجاد صيغة للتفاهم والتوافق.

ألقى مرسى خطابا فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، استمر لمدة 3 ساعات، تناول خلاله عددا من الأزمات التى تحاصر المصريين، من بينها أزمة الطاقة، التى اعتبرها أنصار الإخوان مفتعلة، وخلال كلمته، وجه الرئيس المعزول انتقادات لرموز نظام مبارك، وعدد من الصحفيين والإعلاميين، كما غازل الشرطة والقوات المسلحة، قائلا جملته الشهيرة «إحنا عندنا رجالة زى الدهب».

خرج ملايين المصريين فى ذكرى تولى محمد مرسى مقاليد السلطة، مطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة، وأصدرت القوات المسلحة بيانا فى اليوم التالى، أمهلت فيه «جميع القوى السياسية فرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخى الذى يمر به الوطن»، وشهد اليوم نفسه استقالة عدد من الوزراء من غير المحسوبين على الإخوان، وسقوط شهداء ومصابين فى معركة أمام مكتب الإرشاد بالمقطم.

ألقى مرسى خطابه الأخير، الذى تم بثه عبر التليفزيون المصرى، متحديا فيه مطالب الجماهير الغاضبة، التى استمرت متواجدة فى الشوارع والميادين، للمطالبة برحيله، وتحدث خلال الخطاب عن شريعته، وقال: «أنا مستعد للحفاظ على الشرعية، وأقول للجميع من يبغى غير ذلك سيرتد عليه بغيه.. ثمن الشرعية حياتى».

ألقى وزير الدفاع وقتها، عبدالفتاح السيسى، بيانا، عقب اجتماعات استمرت لساعات طويلة مع شيخ الأزهر، أحمد الطيب، وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس، ومحمد البرادعى، وشباب حركة تمرد، قبل الخروج ببيان عزل مرسى، وتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا، منصب الرئيس، لحين إجراء الانتخابات الرئاسية