موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
العريس I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
العريس I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
العريس I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
العريس I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
العريس I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
العريس I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
العريس I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
العريس I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
العريس I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
العريس I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
العريس I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
العريس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
العريس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
العريس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
العريس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
العريس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
العريس I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
العريس I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
العريس I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
العريس I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
العريس I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
العريس I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
باكى - 67
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
الحربي - 36
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
زهرالورد - 30
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
العريس Vote_rcapالعريس Voting_barالعريس Vote_lcap 

 

 العريس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

العريس Empty
مُساهمةموضوع: العريس   العريس I_icon_minitimeالسبت 1 يونيو 2019 - 13:58

العريس

وصلت إلى غرفة تكريم الإنسان فى الرابعة وعشر دقائق عصرا، سألت رجل العنبر إن كان قد وصل الأستاذ إبراهيم المتولى محمد عمارة؟.
كان يحاول خلع «قفاز» ملتصق بيديه، فيمط فيحايله، ويلسعه، فيحاول، ويحايله على مراحل، ثم ألقاه فى جردل المهملات، وتناول فوطة معقمة ومسح مقبض باب غرفة الأمانات، ورفع بيده الأخرى ملفا أخضر، ومسح بصمات على ترابيزة أولومونيوم، وجفف سطحها بعناية، دفعها بطرف أصابعه فجرت على عجلاتها بصوت مكتوم، أعاد فوقها ملف الوارد ووضع داخله الورقة الجديدة، ونظر فيها.. وقال:

ـ وصل ماشاء الله وشه زى الفل..

ولم أفهم معنى زى الفل لوصف جثة ميت هرسه وحش الأمراض ولم يبق فيه إلا عظام مكرمشة، لكنى أدركت أن قصده تزيين المكانة الجديدة التى لم يخترها إبراهيم ولا كل محبيه، هدوء الحركة فى غرفة تجهيز الموتى يعبر عن الأمل فى الحصول على أعلى الدرجات فى مرحلة الاستسلام الكامل والرضا بقدر الله، لا مجال لمقاومة الموت غير التسليم بحقيقته، ولا تجدى فى هذا العنبر أى محاولات للتشبث بالبقاء على قيد الحياة، دون أن أدرى هدأت نفسى ربما لشعورى بانتهاء آلام زوج أختى، آلمنى عذابه فى كل مراحل المرض، وحين شعر وأحس وسمع بحالة العجز واليأس التى وصل إليها كبار الأطباء وهم يشاهدون وحش الأورام يلتهم أعضاء جوفه عضوا عضوا.

اكتفى بالاستسلام والفرجة، بدأ الوحش بإغلاق القناة المرارية ثم المعدة ثم ضغط الوريد البابى المغذى للأمعاء، تنقل طوال ثلاثة شهور من العيادة الخارجية إلى جراحة الباطنة وعنبر الأورام والعناية المركزة والحالات الحرجة، كم طالبته بالاحتمال والتمسك بالرغبة فى الحياة فالنجاة بإرادة المريض، سايرنا عدة خطوات ثم بدأ يتفرج علينا وعلى عجزنا وأدرك أنه سلك طريقا آخر نحو حياة جديدة غير التى ندعوه إليها، آلمنى فراقه، كان بكل المعانى أخى وسندى إضافة إلى كونه زوج أختى الوحيدة، عوضنى حنانهما عن رحيل أمى وأبى وقبلهما شقيقاى اللذان اختطفهما الموت فى بواكير الشباب..

:

سألت رجل العنبر النظيف فى ركن المستشفى الهادئ:

هل ممكن نسيب الحاج عندكم للصباح أم أن الإجراءات تقتضى أن يسافر إلى البلد فى قرية بالسنبلاوين فى الليلة نفسها بمجرد استخراج شهادة الوفاة؟

فأشار بأصبعه بخشوع وصوت مكسور: فى عينى.. اطمئنوا وتصرفوا حسب راحة الأمانة، ثم أضاف فى همس واستعداد لأن يسدى إليَّ خدمة جليلة:

ـ ما هى درجة قرابتك للمتوفى؟

رددت بانكسار: زوج أختى..

نظر خلفى.. كانت أختى قد انفجر حزنها، ولم تفلح فى السيطرة على صبرها بقراءة القرآن، وتحول أنينها إلى شهقات ونهنهات وبكاء مسموع، فتوجه الرجل لها بكلمات مكسورة:

ـ البقاء لله يا حاجة..

أمسكت المصحف بيد ومسحت الدموع باليد الأخرى، وتوقف نحيبها لثوانٍ فلم يخرج صوتها إلا بكلمة:

ـ تعيش..

ثم انفجرت فى البكاء مرة أخرى..

عرض الرجل خدماته برفق:

تحبوا تبصوا عليه؟

وضعت يدى على كتفها فنظرت إليَ ترجونى الموافقة، بعد أن كانت قبل دقائق ترفض فكرة موته وتتشبث بالبقاء أمام العناية المركزة، وانخلع قلبها حين قال لها الطبيب بجفاف: مفيش زيارة اليوم حالتك انتقلت إلى المشرحة، ظلت تصرخ فى مكانها وتقول حرام عليكو.. حرام تشرحوه.. ثم هدأت حين قلت لها أن المشرحة مجرد اسم وليس معناه أنهم سيخونون الأمانة ويمزقون الجثة ويسرقون الأعضاء..

فتح الرجل الباب وتقدمت أولا وتبعتنى أختى وانغلق الباب ذاتيا خلفها، لفحنا تيار موجة هوائية باردة تدفعها مروحة مصوبة بإحكام إلى صدر الداخلين، جف عرقى وهدأ غليان رأسى من حرارة الجو وصهد الشارع، وخلعت النظارة لأمسحها وأمسح عينى بطرف قميصى، وطلب منى أن أطمئن على الأمانة وأمسك نفسى وليهدأ قلب الحاجة، وكأنه قرأ ما جال فى نفسى للحظات من عدم تصديق أن إبراهيم قد مات، وهو الذى ملأ دنيا عائلتنا مشاريع وطموحات وخططا لاستثمارات تشغل حياتنا 50 سنة قادمة، وتقضى على الملل ونبدأ بها حياة جديدة بعد إحالتنا للمعاش، شعرت بسكينة من تسمية رجل العنبر له بـ أمانة، عكس ما كان يضايقنى وصف الأطباء له وهو حى بكلمة case أى حالة التى كانت تتكرر على لسان الطبيب خلال حديثه عنه لزملائه وللمرضة حتى بعد انتقاله إلى عنبر العناية الحرجة، فتتعمد الممرضة وصفه بالأستاذ إبراهيم وكأنها تنبه الطبيب إلى أهمية احترام كينونة الرجل وإرادته لدعم الأمل فى عزم المريض وأهله..

فض رجل العنبر غلاف علبة ورقية، وجذب منها «قفازا» مطاطيا فدلفت أصابعه بسهولة داخله وتحركت بمرونة، ثم ارتدى «قفازا» آخر فى اليد الأخرى، واتجه إلى أدراج الثلاجة بخفة، وتوقف أمام درج يحمل ملصقا مكتوبا عليه رقم 2 بخط يد بدائى بقلم فلوماستر سميك على ورقة مسطرة مفتتة من الأطراف وقد تناثرت عليها بقع صفراء وبنية، جذب المقبض فانزلق الدرج حتى منتصفه بنعومة إلى الخارج، طلب منى أن أمد يدى لأكشف الملاءة، فتحسست الملاءة لأطمئن على كفاءة التهوية، ثم كشفت الملاءة البيضاء المكوية بنظافة، كان تحتها الملاءة الخضراء التى اعتدت مشاهدتها عليه فى غرفة العناية المركزة، كانت باردة أيضا، لم يساورنى أى شك فى نظافة الشغل والعناية وحسن الترتيب وكرم استضافة رجل العنبر، ودرجة البرودة التى تحافظ على الأمانة وطراوتها حتى الصباح، بعد أن رفضت أختى أن يسافر إبراهيم فيصل إلى البلد مع قدوم الليل، وأصرت أن يخرج من بيت البلد فى النهار ثم تمشى جنازته من بيت أبيه دون صربعة الدفن الليلى..

كان وجه إبراهيم مدورا وممتلئاً كحالته فى عز صحته قبل أن ينشف وجهه ويجف اللحم ويصفر الجلد وقبل بروز عظام وجنتيه وفكيه مثل مومياء فرعونية..استغربت: متى اكتسى الوجه باللون القمحى المورد، وكيف فى ساعات قليلة ذهب الشحوب والذبول؟

جثوت على ركبتى ومددت عنقى وقبلت جبهته فاستقبلنى تيار رائحة باردة معطرة بالمسك، تأملت وجهه كان راضيا ومستريحا واستقبلتنى عيناه من خلف جفنيه أسفل حاجبيه وشعره الخليط من الأبيض والأسود والرمادى، وبنفس اتساع نظرة التواضع التى اعتاد أن يستقبلنى بها، نصف فتحة ونصف لمعة تتحرك فى سواد العين وسط بياض رائق خال من آثار الصفراء، كانت المرارة أولى الخيوط لاكتشاف إصابته بالداء الخبيث، قبل أن يتمدد ليحتل أمعاءه ورئتيه ويسد البلعوم، اختفت كل محاولات المقاومة اليائسة التى كان يلخصها بزم شفتيه، وكتم الانفعال بالألم وشعر منكوش وتهدل جلبابه الطبى عن ساقيه وعنقه، أزعجنى الجلد الغائر حول جانبى فمه لعلها آثار إحكام شديد لرباط شاش أبيض لكى يبقى فمه مفتوحا للتغذية الواصلة إلى الأمعاء، عندما فقدت أوردته القدرة على البلع أو استقبال السوائل بكالونات من الذراع ومن ظهر اليدين وأعلى الكتف، باستثناء الندوب التى تركتها حول فمه معركة الخراطيم وآثار دماء خفيفة لا أدرى من أين جاءت، لكن بقيت على شفتيه ابتسامة فى طريقها للاكتمال، وبدا وجهه راضى القسمات، لن أنسى آخر مرة كان زائغاً مهزوماً ومصفراً، تحاورنا بالنظر كعادتنا منذ انقطعت قدرة صدره على إخراج نفس يكفى لحمل أو إرسال أصوات، أثناء الإطلالة المسموح بها فى ساعة الزيارة أشار لى بأصبعين وعينين من خلف زجاج الغرفة فهمت منها أنه يوصينى بولديه الواقفين عن يمينى وشمالى، لم أشعره بصعوبة قدرته على التواصل فاحتضنتهما ثم أشرت برأسى أن رسالته واضحة ومفهومة وأشرت إلى صدرى بأنهما هنا، ثم رفعت قبضتى ليشد حيله ولا ييأس وأنه سينهض لاحتضانهما بعد شفائه الوشيك.

:

جذبت أختى الدرج لتتأكد من طوله فخرج لآخره، ثم أمسكت يده اليمنى وأطرقت السمع لنبضتها، ثم قبلت جبهته قبلتين ونزلت برأسها وانسحبت شفتاها ولامست شفتيه واستقرت تنتظر أنفاسه التى لم تأت، مددت يدى إلى كتفيها برفق فاستجابت لفراقه بسهولة فاحتضنتها مستجمعا قوتى فى عدم الإجهاش بالبكاء أمامها، تركتها تبكى بصوت عالٍ وهى تشاهد زوجها ورفيق رحلتها للمرة الأخيرة بعد 35 سنة من حياة زوجية عامرة بالكد، كان وجهه يطالعنا بربع نظرة، مددت يدى وأعدت الملاءة البيضاء المكوية، وقبلته قبلة أخيرة من فوقها.

:

جاء ولداه أنور وأحمد، بدا لى نضوجهما المفاجئ هذه اللحظة وقد تجازا مرحلة الشباب، هما رجلان متماسكان أنفقا كل حزنهما ودموعهما حول سرير مرضه العضال، رعاه أحمد طوال شهر شعبان، انتهت مهمته بقنطرة لعزل الاثنى عشر، ثم سافر إلى السعودية حيث ترك زوجته مصابة بكسر وجبيرة فوق ساقها مع طفلتهما الرضيعة..

وبعد خروج إبراهيم من المستشفى وعودته للمنزل أول رمضان تفرغت أختى لرعايته طوال شهر رمضان، أصر أن يؤديه صائما فتركت عملها أمام إصرار الإدارة التعليمية على أن تتولى مديرة إدارة المخازن والمشتريات إلى جانب كونها فى التوجيه المالى والإدارى، توسلت إليهم أن يعفوها من أى مسئوليات إضافية حتى تجد وقتا لرعاية زوجها، رفضوا وألغوا انتدابها لتعود إلى عملها فى السنبلاوين بعيداً عن زوجها بمسافة طولها أكثر من 120 كيلو متراً، استطاعت أن تحصل بسهولة من مديرة لها قلب على إجازة مفتوحة لرعاية الزوج..حتى اشتد عليه المرض ثانى أيام عيد الفطر..

وفى ثالث أيام العيد عاد ابنه الأكبر أنور من دبى، رغم أنف الكفيل بعد أسبوع واحد عاوده إلحاح الكفيل، إما العودة أو شطب تأشيرة إقامته فى الإمارات، فأرسل له صورة بالواتس آب لوالده فوق سرير المرض مشفوعة بعبارة وحيدة: إذا خيرت لترك والدى بهذه الحالة أو الفصل من الجنة لاخترت والدى، وتفرغ لرعايته فى طوال الأربعين يوماً الأخيرة من إقامته فى عنبر الأورام..قال لى أنور أنه تسلم والده وقد كان وزنه 70 كيلو جراماً وسلمه إلى العناية الفائقة وقد هبط وزنه أقل من 30 كيلو جراماً..

:

نجح الولدان فى استخراج تصريح الدفن، عرفا طريقهما للرف رقم 2 وتبادلا احتضانه والأنين فى صدره الذى صار ضيقا فلم يسعهما معا، تركا الدرج مفتوحا لرجل العنبر، واستأذننى أنور أن يفضى لى بسر يقلقه، وقال: ياخالى أشعر إن أخى بكى على أبى أكثر منى، قلت له لأن أخاك عاد من السفر قبل وفاة أبيه بيوم واحد، وهو آخر من لمسه وهو على قيد الحياة، وكأن مشاهدته كانت آخر جرعة لأبيك من الدنيا، أما أنت فقد استهلكت كل طاقتك فى الحزن والدموع على طوال إقامته فى عنبر الأورام، وقد شاهدت تدهور حالته بعد أن دخل المستشفى ماشياً ومتسنداً عليك وظل بالعنبر فى انهيار دائم حتى شاهدت عجز الأطباء عن علاجه ولم يعد يقوى على تحريك يديه..ثم سألنى أنور ثانية:

ـ أشعر أن موقف رعاية والدى ووفاته أمام عينى أكبر من قدرتى على التصرف، فهل هذا شعور طبيعى؟

فقلت له: إن الأقدار هى التى تصنع الرجال وليس العكس..فلا يوجد رجال مخصوصون لاجتياز المواقف الصعبة، احرص أن تكون لك بصمتك..

انقطع الهمس بيننا برنين تليفونه المحمول، استمع للمتكلم ثم رد عليه: وصية والدى لابد أن تنفذ ويدفن بجوار جدى، فعاوده المتصل بسؤال فاستمع أنور باهتمام ثم أغلق السماعة بيده، وسألني:

هل وصية الدفن لابد أن تنفذ بحذافيرها حتى ولو كانت المقبرة التى سيدفن فيها بجوار والده مهددة بالرطوبة وبايشة بسبب المياه الجوفية، فقلت له:

هل توجد مقبرة أخرى للعائلة أو الجيران أفضل حالاً؟

فسأل المتحدث السؤال نفسه.. واستمع لثوان ثم أجابه فى حسم دون أن يعود إليَ: طالما أبى دفع مقابل بناء مقبرة جديدة تلغى وصيته ويدفن فى المقبرة الجديدة لأن التبرع فى حد ذاته اعتراف من أبى بعدم صلاحية الترب القديمة للدفن حتى ولو لم ننفذ الوصية وحرمناه من جوار جدى.. ثم أنصت.. وأغلق السماعة مرة أخرى، وبقى المتحدث على الخط، وسألنى كم كيلو من اللحم تكفى فى سرادق العزاء يا خالى؟

ارتبكت.. فلم يسبق لى أن تعرضت لمثل هذا الموقف، فلم أشارك من قبل فى ترتيب عزاء أبى ولا عزاء أمى بعده بشهور قليلة، حيث كنت فى سفر للعمل بالخارج، ولم تكن وسائل التواصل أو السفر تسمح بما هو أسرع من ذلك، ففى كل مرة كنت ألحق بسرادق العزاء بعد المغرب، لكنى بسرعة قسمت كيلو اللحم على ثمانية منابات وافترضت أن مائة شخص من خارج القرية سيدخل عليهم وقت المغرب بلا غداء.. من أصدقاء المرحوم وزملاء دراسته وزملاء عمله بالسويس قبل الإحالة للمعاش ومن أقاربه وأقارب أخوته وأنسابهم، وقلت لابن أختي:

قل له عشر كيلو لحم..كفاية

فأصدر أنور قراره للطرف الآخر: اشترى خمستاشر كيلو لحم..

أسعدتنى ردوده المختلفة عن إملاءاتى، وضعت يدى على كتفه بعد المكالمة، وسألته مبتسماً من تحت جبل الحزن: زودت خمسة كيلو ليه؟

فقال وقد اغرورقت عيناه بابتسامة: ما يسعد أبويا هذه الأيام، أن كل شحاتين البلد تاكل لحمة فى مأتمه، وبرهمتوش قريتهم فيها أكثر من ثلاثين شارعاً لو كل شارع حضر منه أربعة أو خمسة شحاتين..

وانقطع هذا الهمس بصوت أمه توصيه من بين دموعها أن يقيم لأبيه أفخم سرادق للعزاء..

:

وأصر الولدان أن يبيتا أمام المغسلة ليغسلاه بأيديهما بعد صلاة الفجر، فى الثامنة صباحا تحرك موكب السفر للبلد، كانت كل الإشارات مفتوحة..على عكس عادة القاهرة فى الثامنة وسط الأسبوع صباح الأربعاء، حين توقفنا فى مدخل طريق (شبرا بنها الحر) لتجميع موكب سياراتنا، حذرنا سائق سيارة تكريم الإنسان:

ـ أن الحاج مستعجل وطريقه مفتوح، وأن سرعة السيارة بيد الميت وليست بيدى وما علينا إلا محاولة اللحاق به..

وانطلق ونحن نحاول اللحاق به وبصعوبة شديدة حاولت اقتفاء أثره..

:

وصلنا إلى غرفته فى بيت البلد فى العاشرة فتحلق حوله إخواته البنات، منحنه حقه من البكاء والنحيب، بينما انزوى أنور فى ركن الغرفة ساهماً شارداً ذاهلاً، وقد غاصت عيناه فى الحزن، وددت إخراجه من هذه الحالة وملت عليه وهمست: أمامك عمر طويل لتبكى وتتصدق عليه، لكن الآن تحمل مسئولياتك لتؤم الناس فى صلاة الجنازة على أبيك ثم تركته، صدم؛ ونظر إلى ملابسه تى شيرت أسود وبنطلون جينز لم يغيرهما منذ شهر..

ثم خرج النعش من غرفة نوم إبراهيم أيام الصبا إلى المسجد الذى كان يحب الصلاة فيه..

سألت ناجى ابن خالى وهو أخى فى الرضاعة، أسميه جبرتى الأسرة لروحه المرحة وذاكرته الحاضرة بتاريخ العائلات والأنساب:

ـ من هذا الرجل الذى خطف قلبى بحديثه العذب فى المسجد عن إبراهيم؛ بحب وألفة ومتابعة وكأنه عايشه، وعد خطواته فى الدنيا؟

ندت ابتسامة غير بريئة على شفتيه، كسرت غيمة الحزن التى جثمت على بيتنا وأجابنى بسؤال واستغراب:

ـ معقول.. أنت لا تعرفه ولاتتذكر اسمه؟

قلت: لا والله!

اتسعت ابتسامته قليلا.. ثم قال: هذا هو الأستاذ.. (...).. الذى جاء يخطب فائزة قبل المرحوم إبراهيم..

كنت أتصبب عرقاً من شدة الحر بعد أن توقفت مراوح الخيمة، فقذف ناجى النبأ ككرة من الثلج فى صدرى، رحت أحافظ عليها ألا تسيح أو تتسرب من يدى، وانتفضت من مسند الكنبة، رغم شعورى بجلال الحزن وهمست:

افتكرته.. (...) ياااه ع الدنيا.. غيرت شكله تماماً!

فسألنى «الجبرتى» مستعرضاً معلوماته:

ـ انت فاكر أبوك الحاج عبداللطيف الله يرحمه رفضه ليه؟

تراجعت أكثر غمامة الحزن أمام طراوة خفيفة دخلت المجلس جففت كتمة الأحزان وداعبت خيالى مع ذكره اسم أبى وسيرته؛

وقلت:

ـ طبعا لأنه جاء يخطبها فى أثناء الامتحانات.. قبل أن تحصل على الشهادة الثانوية؛ فقد كان أبى يرى أن الشهادة زى الشرف.. سلاح البنت..

قال «الجبرتى» مازحا بثقة العالم بما لا أعلم:

ـ لا طبعاً.. يا خفيف

قلت مستعذبا حديثه:

ـ طب ليه يا فالح؟

قال:

ـ لأن العريس صاحب النصيب كان اسمه على اسم أخيك إبراهيم الذى مات قبل الخطوبة بسنتين تلاتة، ولما أخذوا رأى الحاج عبداللطيف، ضحك، ووافق فى ثلاتة كلمات: سلام على إبراهيم.. ربنا أراد أن يبقى اسمه عايش فى البيت!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
العريس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: