حكاية بطولة مصرية

حكاية بطولة مصرية

العدوان الثلاثى الذى وقع على مصر منذ 62عاما (29/10/1956) لم يكن مفاجأة لأحد، ولكن نتائجه المعاكسة هى المفاجأة المذهلة لدعاة الحروب بعد أن رفضت مصر الإنذار البريطانى الفرنسى الذى يقضى بانسحاب مصر من منطقة قناة السويس, بحجة منع الصدام المصرى ـ الإسرائيلى المحتمل، ولولا تماسك الشعب المصرى وشجاعته والتحامه مع الجيش منذ بدء العدوان، بالإضافة إلى معارضة أمريكا للخطة البريطانية ـ الفرنسية لأسباب استراتيجية أمريكية، كذلك صدور القرار شديد اللهجة الذى أرسله المارشال (بولجانين) رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى السابق إلى كل من رؤساء إنجلترا وفرنسا وإسرائيل مهددا بأن لندن وباريس وتل أبيب ليست بعيدة عن الصواريخ السوفيتية..

هذه الأحداث شكلت ملحمة بطولية بكل المقاييس، وتم تسجيلها فى مجلدات مؤرخ بورسعيد ضياء القاضي، وما سجله شباب بورسعيد ورجالها ونساؤها، وفى هذه اللحظة أتذكر بطولة الشاب (محمد مهران) الذى كان مكلفا (بصفته قائدا للسرية الثانية حرس وطني) بمقاومة الإسقاط المظلى على المدينة، ونجح مع زملائه فى الحد من الإسقاطين الأول والثانى وفى أثناء القتال وجد نفسه محاطا بمجموعة من جنود العدو البريطاني، فظل يطلق عليهم النار من رشاشه إلى أن أصابوه وقبضوا عليه، وحاول القائد الإنجليزى الحصول من البطل مهران على معلومات عن الفدائيين فرفض، فشكلوا له محكمة عسكرية انتهت فى حكمها إلى اقتلاع عينيه، وإهدائها إلى الضابط البريطانى الذى أصيب بنيران (البطل مهران) وذلك لترقيع قرنية عينيه، وقد كرمه الرئيس جمال عبد الناصر، وعند حضور القائد الإنجليزى (مونتجمري) الشهير إلى القاهرة هنأه على شجاعته، وهو يعمل حاليا محاضرا فى متحف بورسعيد فخورا بما قدمه لوطنه.

وبعد العدوان أظهر الاتحاد السوفيتى تعاطفا كبيرا مع الجانب المصرى منذ تأميم قناة السويس، ومنها التصريحات التى وجهها الزعيم السوفيتى (خروشوف) خلال حفل استقبال فى السفارة الرومانية فى موسكو فى 8أغسطس 1956 إلى السفير البريطانى حين سأله كيف تحلمون بإعادة فرض السيطرة على شعب مكافح مثل الشعب المصري؟, وكان ذلك فى وجود السفير المصرى (محمد القوني) فرد عليه السفير البريطانى (نحن لا نريد السيطرة، ولكن نحاول أن نصون حقوقنا) فصاح فيه (خروشوف) (وماذا عن حقوق ومصالح المصريين؟)، ثم أضاف (لنفرض أن لكم مصالح، فهل تحتاجون إلى تعبئة جيوش، فإذا خاضت مصر الحرب ضدكم، فسوف تكون حربا مقدسة، ولو طلب ابنى التطوع ضد الإنجليز، فسوف اشجعه على ذلك، ثم وجه كلامه إلى السفير المصرى (محمد القوني) قائلا: (انكم قطعتم ذيل الأسد البريطانى بتأميم قناة السويس، وإذا تجرأ وهاجمكم بالقوة، فأنا واثق انكم سوف تستطيعون تكسير أسنانه (وثائق ملفات السويس بتقرير رسمى من السفير محمد القونى إلى الرئيس جمال عبد الناصر فى أرشيف منشية البكري).

وأدى العدوان إلى أفول نجم امبراطوريتين استعماريتين كبيرتين هما إنجلترا وفرنسا، بينما ظهر فى الأفق نجم قمة جديدة هى الولايات المتحدة، حيث أتاحت لها أزمة السويس مكانا مرموقا فى الشرق الأوسط، كما كان للعدوان الفضل فى ظهور الاتحاد السوفيتى وخروجه من عزلته ليمارس نشاطا كبيرا فى الشرق الأوسط ومياهه الدافئة.وقد كان النصر السياسى الذى حققته مصر الباعث للأجيال التالية فى العالم العربى إلى حمل مسئوليتها من أجل الاستقلال والتحرر الوطني..عاشت مصر شعبا وجيشا وقائدا.