15. ( هؤلاء ) مبتدأ ( قومنا ) عطف بيان ( اتخذوا من دونه آلهة لولا ) هلا ( يأتون عليهم ) على عبادتهم ( بسلطان بين ) بحجة ظاهرة ( فمن أظلم ) أي لا أحد اظلم ( ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليك تعالى قال بعض الفتية لبعض
16. ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء
17. ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور ) بالتشديد والتخفيف تميل ( عن كهفهم ذات اليمين ) ناحيته ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة ( وهم في فجوة منه ) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ( ذلك ) المذكور ( من آيات الله ) دلائل قدرته ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا )
18. ( وتحسبهم ) لو رأيتهم ( أيقاظا ) أي منتبهين لأن أعينهم منتفخة جمع يقظ بكسر القاف ( وهم رقود ) نيام جمع راقد ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل الأرض لحومهم ( وكلبهم باسط ذراعيه ) يديه ( بالوصيد ) بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت ) بالتشديد والتخفيف ( منهم رعبا ) بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم
19. ( وكذلك ) كما فعلنا بهم ما ذكرنا ( بعثناهم ) أيقظناهم ( ليتساءلوا بينهم ) عن حالهم ومدة لبثهم ( قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم ( قالوا ) متوقفين في ذلك ( ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم ) بسكون الراء وكسرها بفضتكم ( هذه إلى المدينة ) يقال إنها المسماة الآن طرطوس بفتح الراء ( فلينظر أيها أزكى طعاما ) أي أطعمة المدينة أحل ( فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا )
20. ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) يقتلوكم بالرجم ( أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا ) أي إن عدتم في ملتهم ( أبدا )
21. ( وكذلك ) كما بعثناهم ( أعثرنا ) أطلعنا ( عليهم ) قومهم والمؤمنين ( ليعلموا ) أي قومهم ( أن وعد الله ) بالبعث ( حق ) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى ( وأن الساعة لا ريب ) لا شك ( فيها إذ ) معمول لأعثرنا ( يتنازعون ) أي المؤمنين والكفار ( بينهم أمرهم ) أمر الفتية في البناء حولهم ( فقالوا ) أي الكفار ( ابنوا عليهم ) أي حولهم ( بنيانا ) يسترهم ( ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم ) أمر الفتية وهم المؤمنون ( لنتخذن عليهم ) حولهم ( مسجدا ) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف
22. ( سيقولون ) أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم هم ( ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون ) أي بعضهم ( خمسة سادسهم كلبهم ) والقولان لنصارى نجران ( رجما بالغيب ) أي ظنا بالغيبة عنهم وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك ( ويقولون ) أي المؤمنون ( سبعة وثامنهم كلبهم ) الجملة من المبتدأ وخبره صفة سبعة بزيادة الواو وقيل تأكيد ودالة على لصوق الصفة بالموصوف ووصف الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضي وصحيح ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) وقال ابن عباس أنا من القليل وذكرهم سبعة ( فلا تمار ) تجادل ( فيهم إلا مراء ظاهرا ) مما أنزل عليك ( ولا تستفت فيهم ) تطلب الفتيا ( منهم ) من أهل الكتاب اليهود ( أحدا ) وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال اخبركم به غدا ولم يقل إن شاء الله فنزل
23. ( ولا تقولن لشيء ) أي لأجل شيء ( إني فاعل ذلك غدا ) أي فيما يستقبل من الزمان
24. ( إلا أن يشاء الله ) أي إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله ( واذكر ربك ) أي مشيئته معلقا بها ( إذا نسيت ) التعليق بها ويكون ذكرها بعد االنسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره ما دام في المجلس ( وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا ) من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي ( رشدا ) هداية وقد فعل الله ذلك
25. ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة ) بالتنوين ( سنين ) عطف بيان لثلاثمائة وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين وقد ذكرت في قوله ( وازدادوا تسعا ) أي تسع سنين فثلاثمائة الشمسية ثلثمائة وتسع قمرية
26. ( قل الله أعلم بما لبثوا ) ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره ( له غيب السماوات والأرض ) أي علمه ( أبصر به ) أي بالله هي صيغة تعجب ( وأسمع ) به كذلك بمعنى ما أبصره وما أسمعه وهما على جهة المجاز والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء ( ما لهم ) لأهل السموات والأرض ( من دونه من ولي ) ناصر ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) لأنه غني عن الشريك
27. ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ) ملجأ
28. ( واصبر نفسك ) احبسها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء ( ولا تعد ) تنصرف ( عيناك عنهم ) عبر بهما عن صاحبهما ( تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه ( واتبع هواه ) في الشرك ( وكان أمره فرطا ) إسرافا
29. ( وقل ) له ولأصحابه هذا القرآن ( الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تهديد لهم ( إنا أعتدنا للظالمين ) أي الكافرين ( نارا أحاط بهم سرادقها ) ما أحاط بها ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) كعكر الزيت ( يشوي الوجوه ) من حره إذا قرب منها ( بئس الشراب ) هو ( وساءت ) أي النار ( مرتفقا ) تمييز منقول عن الفاعل أي قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة وحسنت مرتفقا وإلا فأي ارتفاق في النار
30. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) الجملة خبر إن الذين وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر والمعنى أجرهم أي نثيبهم بما تضمنه
31. ( أولئك لهم جنات عدن ) إقامة ( تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور ) قيل من زائدة وقيل للتبعيض وهي جمع اسورة كأحمرة جمع سوار ( من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ) مارق من الديباج ( وإستبرق ) ما غلظ منه وفي آية الرحمن بطائنها من استبرق ( متكئين فيها على الأرائك ) جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ( نعم الثواب ) الجزاء الجنة ( وحسنت مرتفقا )
32. ( واضرب ) اجعل ( لهم ) للكفار مع المؤمنين ( مثلا رجلين ) بدل وهو وما بعده تفسير للمثل ( جعلنا لأحدهما ) الكافر ( جنتين ) بستانين ( من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) يقتات به
33. ( كلتا الجنتين ) كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ ( آتت ) خبره ( أكلها ) ثمرها ( ولم تظلم ) تنقص ( منه شيئا وفجرنا ) أي شققنا ( خلالهما نهرا ) يجري بينهما
34. ( وكان له ) مع الجنتين ( ثمر ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وبضم الأول وسكون الثاني وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب وبدنة وبدن ( فقال لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يفاخره ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) عشيرة
35. ( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل جنتيه إرادة للروضة وقيل اكتفاء بالواحد ( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر ( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم ( هذه أبدا )
36. ( وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي ) في الآخرة على زعمك ( لأجدن خيرا منها منقلبا ) مرجعا
37. ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجاوبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) لأن آدم خلق منه ( ثم من نطفة ) مني ( ثم سواك ) عدلك وصيرك ( رجلا )
38. ( لكن ) أصله لكن أنا نقلت حركة الهمزة إلى النون أو حذفت الهمزة ثم ادغمت النون في مثلها ( هو ) ضمير الشأن تفسره الجملة بعده والمعنى أنا أقول ( الله ربي ولا أشرك بربي أحدا )
39. ( ولولا ) هلا ( إذ دخلت جنتك قلت ) عند إعجابك بها هذا ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وفي الحديث من أعطي خيرا من مال أو أهل فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروها ( إن ترن أنا ) ضمير فصل بين المفعولين ( أقل منك مالا وولدا )
40. ( فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ) جواب الشرط ( ويرسل عليها حسبانا ) جمع حسبانة أي صواعق ( من السماء فتصبح صعيدا زلقا ) أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم
41. ( أو يصبح ماؤها غورا ) بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق ( فلن تستطيع له طلبا ) حيلة تدركه بها
42. ( وأحيط بثمره ) بأوجه الضبط السابقة مع جنته بالهلاك فهلكت ( فأصبح يقلب كفيه ) ندما وتحسرا ( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثم سقط الكرم ( ويقول يا ) للتنبيه ( ليتني لم أشرك بربي أحدا )
43. ( ولم تكن ) بالتاء والياء ( له فئة ) جماعة ( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها ( وما كان منتصرا ) عند هلاكها بنفسه
44. ( هنالك ) أي يوم القيامة ( الولاية ) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك ( لله الحق ) بالرفع صفة الولاية وبالجر صفة الجلالة ( هو خير ثوابا ) من ثواب غيره لو كان يثيب ( وخير عقبا ) بضم القاف وسكونها عاقبة المؤمنين ونصبهما على التمييز
45. ( واضرب ) صير ( لهم ) لقومك ( مثل الحياة الدنيا ) مفعول أول ( كماء ) مفعول ثان ( أنزلناه من السماء فاختلط به ) تكاثف بسبب نزول الماء ( نبات الأرض ) أو امتزج الماء بالنبات فروي وحسن ( فأصبح ) صار النبات ( هشيما ) يابسا متفرقة أجزاؤه ( تذروه ) تنثره وتفرقه ( الرياح ) فتذهب به المعنى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الرياح وفي قراءة الريح ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) قادرا
46. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) يتجمل بهما فيها ( والباقيات الصالحات ) هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر زاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ( خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) أي ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى
47. واذكر ( ويوم نسير الجبال ) يذهب بها عن وجه الأرض فتصير هباء منبثا وفي قراءة بالنون وكسر الياء ونصب الجبال ( وترى الأرض بارزة ) ظاهرة ليس عليها شيء من جبل ولا غيره ( وحشرناهم ) المؤمنين والكافرين ( فلم نغادر ) نترك ( منهم أحدا )
48. ( وعرضوا على ربك صفا ) حال أي مصطفين كل امة صف ويقال لهم ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) أي فرادى حفاة عراة عزلا ويقال لمنكري البعث ( بل زعمتم ) أن مخففة من الثقيلة أي أنه ( ألن نجعل لكم موعدا ) للبعث
49. ( ووضع الكتاب ) كتاب كل امرئ في يمينه من المؤمنين وفي شماله من الكافرين ( فترى المجرمين ) الكافرين ( مشفقين ) خائفين ( مما فيه ويقولون ) عند معاينتهم ما فيه من السيئات ( يا ) للتنبيه ( ويلتنا ) هلكتنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) من ذنوبنا ( إلا أحصاها ) عدها وأثبتها تعجبوا منه في ذلك ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) مثبتا في كتابهم ( ولا يظلم ربك أحدا ) لا يعاقبه بغير جرم ولا ينقص من ثواب مؤمن
50. ( وإذ ) منصوب باذكر ( قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود انحناء وضع جبهة تحية له ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم ( ففسق عن أمر ربه ) أي خرج عن طاعته بترك السجود ( أفتتخذونه وذريته ) الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس ( أولياء من دوني ) تطيعونهم ( وهم لكم عدو ) أي أعداء ( بئس للظالمين بدلا ) إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله
51. ( ما أشهدتهم ) أي إبليس وذريته ( خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) أي لم أحضر بعضهم خلق بعض ( وما كنت متخذ المضلين ) الشياطين ( عضدا ) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم
52. ( ويوم ) منصوب باذكر ( يقول ) بالياء والنون ( نادوا شركائي ) الأوثان ( الذين زعمتم ) ليشفعوا لكم بزعمكم ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) لم يجيبوهم ( وجعلنا بينهم ) وبين الأوثان وعابديها ( موبقا ) واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا وهو من وبق بالفتح هلك
53. ( ورأى المجرمون النار فظنوا ) أي أيقنوا ( أنهم مواقعوها ) أي واقعون فيها ( ولم يجدوا عنها مصرفا ) معدلا
54. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن للناس من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( وكان الإنسان ) أي الكافر ( أكثر شيء جدلا ) خصومة في الباطل وهو تمييز منقول من اسم كان المعنى وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه
55. ( وما منع الناس ) أي كفار مكة ( أن يؤمنوا ) مفعول ثان ( إذ جاءهم الهدى ) القرآن ( ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين ) فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر وفي قراءة بضمتين جمع قبيل أي أنواعا
5