الكتاب الأحمر
كتاب الحركة السرية العربية
مقدمة
في الثلاثينات من القرن الماضي تأسست حركة قومية عربية سرية في بيروت ما لبثت أن انتشرت في مختلف البلاد العربية وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ولم يكن لهذه الحركة إسماّ تعرف به ضمانا لسرية نشاطات أعضائها.
والكتاب الأحمر ، كتاب القومية العربية هو ميثاق هذه الحركة. وقد عرفت الحركة ، بعد أنكشافها ، باسم “الحركة العربية السرية —جماعة الكتاب الأحمر” تمييزا لها عن غيرها من الحركات والأحزاب والتشكيلات القومية العربية الأخرى.
بقي الكتاب كما الحركة سرياّ منذ التأسيس وحتى أنكشفت الحركة بعد سنة 1945. ومع الإنكشاف لم يلق الكتاب ولا الحركة رواجا إعلاميا بسبب السرية المطلقة التي أعتمدتها في تنظيمها الداخلي وبالتاليعدم معرفة الناس من صحافيين ومؤرخين بوجودها أصلاّ.
واليوم يأتي أحد أعضاء الحركة المؤسسين، الأستاذ شفيق جحا فيسرد لنا في كتابه الشيق والمستند إلى وثائق أصلية ومقابلات وأحاديث مع عدد من أعضائها ألأول فيطلعنا وبتفصيل جاذب على ما قامت به الحركة منذ تأسيسها في مختلف البلاد العربية والأجنبية وهيكليتها وأسماء أعضائها مما يجعل من هذا الكتاب المرجع الأول للحركة والحركات التي أنشأها عدد من الأعضاء الذين إنتموا إليها قبل أن يتوسعوا ويجولوا في تشكيلات سياسية أخرى في هذه المنطقة العربية.
كتاب الأستاذ شفيق جحا بعنوان: الحركة العربية السرية (جماعة الكتاب الأحمر) 1935-1945 نشرته في بيروت “الفرات للنشر والتوزيع” عام 2004 .
الكتاب الأحمر
ميثاق الحركة العربية السرية
في السياسة القومية
1- ما هي الفكرة العربية
الفكرة العربية أو القضية العربية: تعبير يطلق على الحركة التي يقوم بها العرب لتحرير انفسهم من الاستعمار والاستعباد والفقر والجهل وسائر ضروب الوهن. على أن يؤلفوا شملهم ويتحدوا في دولة قومية عربية قوية متحضرة، فيصونوا بذلك كيانهم المادي والمعنوي ويرفعوا شأنهم ويستمروا في تأدية رسالتهم إلى الانسانية والحضارة العالمية.
2- ما هي القومية العربية
هي مجموعة الصفات والمميزات والخصائص التي ألفت ما بين العرب وكونت منهم أمة:- كوحدة الموطن واللغة والثقافة والتاريخ والمطامح والآلام والجهاد المستمر والمصلحة المادية والمعنوية المشتركة.
والقومية العربية هي محل تقديس وفخار عند العرب لأنهم بها تميزوا عن سائر الأمم وامتازوا عليها خلال العصور وبها نهض مجدهم الحاضر وكفل لنفسه النمو والبقاء إلى الأبد.
3- العرب هم من كانت لغتهم العربية أو من يقطنون البلاد العربية وليست لهم في الحالتين أية عصبية تمنعهم من الاندماج في القومية العربية.
4– ما هي البلاد العربية
البلاد العربية هي جميع الأراضي التي تكلم أو يتكلم سكانها اللغة العربية في آسيا وأفريقيا. أي هذه الأراضي الواقعة في الحدود التالية:
من الشمال: جبال طوروس والبحر المتوسط.
من الغرب: المحيط الأطلسي والبحر المتوسط.
من الجنوب: بحر العرب وجبال الحبشة وصعيد السودان والصحراء الكبرى.
من الشرق: جبال بشتكوه والبختارية وخليج البصرة.
أما الجزر القريبة من الشواطئ العربية والتي يسكنها عرب فهي عربية.
5- لزوم العصبية العربية وحدها
يحرم العربي العصبيات التي تضعف العصبية العربية: كالعصبيات الطائفية والعنصرية والطبقية والاقليمية والقبلية والعائلية وأشباهها.
والعربي يعلم أن الأديان السماوية ليست في ذاتها عصبية دنيوية فهو لذلك يحترمها ولا يرى فيها ما يحمله على انقاص ولائه التام لقوميته العربية.
6– وحدة الهدف في الجهاد
يؤمن العربي بأن هدفه القومي في أصله وطبعه ومنتهاه واحد لا يتجزأ ولو تنوعت أساليب الوصول إليه، وبأنه إلى هذا الهدف يجب أن توجه كل الجهود الفردية والجماعية.
فالعربي يرى أن المساعي القومية التحريرية التي يقوم بها العرب في هذا القطر أو ذاك من أقطارهم، لا تؤدي ولا يجوز أن تؤدي إلا إلى التحرر والتوحد الشاملين.
فلكل عربي – بل عليه– ان يعمل في كل أرض عربية بما يجعل تحقيق هذه الغاية ويوطد اركانها ويكفل بقاءها.
7- الاختلاف والتنوع في أساليب الجهاد
ليست أقطار العرب اليوم سواء: في العلم و الجهل أو الغنى والفقر أو السيادة والاستعباد.
فلذلك جاز أن تتنوع أساليب الحركات السياسية والاجتماعية فيها وان تختلف باختلاف القطر، على أن يقوم بينها جميعا ضابط يؤلفها وينسقها ويوجهها توجيهاً يضمن فعلها في ايصال الأمة العربية إلى هدفها القومي العام بأقل التضحيات وأقصر الزمن.
8- التنظيم، ماهيته وخطورته
الضابط الذي يؤلف المساعي القومية ويوجهها هو التنظيم. فهو على ذلك جزء من أجزاء العقيدة ووجه من وجوهها. ولا يجوز أن يصدر إلا عن وحي الارادة العامة.
وهذا التنظيم يقوم على ضبط الخواطر والنزعات والارادات الشخصية الفردية أو الفطرية الاقليمية عند العرب، وتحصيل القوى منها وتسخيرها لخير القضية العربية الشامل.
9- تحتيم الانتظام والجهاد
قعود الفرد العربي واحجامه عن الانتظام في مواكب المجاهدين عار وضلال يشبهان الخيانة. ومثله الاخلال بالنظام بعد الانتظام.
وفي ميسور كل عربي أن يجاهد بيده وبنائه، فان لم يستطع فبلسانه وبيانه، وان لم يستطع فبقلبه وجنانه. ولا سيما اذ تكون الأمة في ساعات البعث أو الخطر.
10- تعميم الحركة بين جمهرة الشعب
تفرض الفكرة العربية لنجاحها أن تؤمن بها جمهرة الشعب وتعتنقها بعد أن آمن بها الأفراد واعتنقوها، لأن ذلك يسهل أعمال التنظيم في صفوفه ويصون اخلاقه القومية ويضاعف قدرته على الجهاد ويعظم نباهته فيه.
11- السلبية وشريعة القوة
ليس في مطامع العرب أن يعتدوا على أمة أو أرض ما اي اعتداء. فهم انسانيون متعاونون دولياً في حدود النظم والأعمال العالمية التي لا تؤذي نهضتهم وكيانهم ولا تمس بكرامتهم. ولكنهم يرون أن أكثر الأمم ليست على هذه الصفات، ولا سيما الأمم المستعمرة المتسلطة على بعض ديارهم بالقوة.
فهم اذن يعتبرون هذا التسلط اعتداء على كيانهم فيأخذون بشريعة القوة، ويعمدون إلى مقابلة الاعتداء بمثله حيثما استطاعوا، ويبررون عملهم بأنه دفاع مشروع عن الحياة.
12- السلبية كسياسة في الكفاح
إذا عجز العرب عن رد الاعتداء بالقوة فعليهم أن يقاوموه مقاومة سلبية تؤدي حتماً إلى تعطيل فعله في المستقبل قريباً كان أم بعيداً.
فالسلبية في الكفاح السياسي عندهم أصل. لأنها أقرب إلى العزة القومية وأصون لها وأقوى على ايجاد الوحدة والانسجام والمشابهة في أساليب الكفاح وخططه بين العرب عموماً ولو اختلفت ديارهم.
والوحدة والانسجام والمشابهة عوامل تضاعف القوة وتقرب آجال أثمارها.
13- الايجابية كسياسة في الكفاح
الايجابية أو الانتهازية– كخطة سياسية في الكفاح– أسلوب كثير المزالق عظيم الأخطار فإذا جاز اللجوء إليه في ظرف ما فانما يجب:
أولاً: ان تخلو مسالكه من شبهات التسليم والاستكانة للمعتدي أو المستعمر حتى لا تتعود الأمور الرخاوة فتسترخي حيث تجب الصلابة.
ثانياً: أن يكون النجاح فيه عاقبة مضمونة سلفاً، ابعاداً له عن صفا المغامرة.
ثالثاً: أن لا ينشأ من استعماله في قطر عربي ما، ضرر يلحق أثره بالمصلحة العربية العليا.
14- بطلان التنازل عن الحرية والوطن
لا يملك الفرد العربي أن يتنازل لأجنبي ما– سواء بالرضى أو بالارغام– عن كرامته أو عن حريته أو عن أرض من وطنه أو عن جزء من هذه الثروات جميعاً. ومثله العرب كجماعات. فكل تنازل أو عقد من هذا القبيل فاسد باطل ولا سيما ان كان قهرياً استلزمته الضرورة الآنية الموقوتة.
15- نجاة العرب بالعرب
يؤمن العربي ايماناً لا شك فيه بأنه ما من قطر عربي يستطيع النجاة العاجلة والآجلة من الفقر والجهل والاستعباد والاستعمال إلا بعروبته.
وإيمانه هذا منبثق من التجارب والعقل والعلم والتاريخ.
16- الأمة مصدر السيادة ومستقرها
السيادة للأمة وحدها أصلا ومالاً. أما المظاهر التي بها تتمثل السيادة كالحكم والتمثيل النيابي والتعامل الدولي– فللأمة أن تختار منها ما يلائمها وفقاً للظروف الزمانية والمكانية.
17- مصلحة الأمة أولاً
مصلحة الأمة أصل، ومصلحة الفرد تبع. فإذا تعارضتا وجبت التضحية بالثانية. فالأمة العربية وحدة قومية مستمرة مع التاريخ، يرث أجيالها النفع والخير ويورثونهما.
والقانون العادل الحازم يحول، على كل حال، دون ايذاء حقوق الأفراد ويضمن لهم المساواة والانصاف والطمأنينة.
18- النظام الاتحادي للدولة العربية
يحرم العرب العصبية القطرية والاقليمية. على أنهم لبواعث جغرافية وادارية يرضون مختارين بأن تكون أقطارهم مؤلفة الشمل في الدولة العربية على أساس نظام الاتحاد (فدراسيون).
والضرورة في قيام هذا النظام تبطل اذا ما زالت تلك البواعث.
19- بلاد العرب للعرب وحدهم
كل من سكن بلداً عربياً ولم يكن عربياً فهو ضيف أو لاجئ أو مهاجر أو طارئ، ولو انقضى على سكناه فيه أجيال. فتطبق معه قواعد الضيافة أو تجري عليه قوانين الالتجاء أو المهاجرة أو ما جرى مجراها.
وللدولة العربية أن تجلي عن أراضيها كل فرد أو جماعة يعصون هذه القواعد والقوانين أو يستعصي تطبيقا فيهم.
20- التعرب وشروطه
للساكن في البلد العربي أو في غيره أن يشرب وفقاً للنواميس القومية والأنظمة الدولية. وذلك:
– بأن يقطع صلته بأية عصبية قومية أخرى كل القطع.
– وأن يخلص للقومية العربية اخلاصاً يقوم عليه الدليل.
– وأن يتعلم اللغة العربية ويجعلها لغة بيته ومرتزقه.
– وأن يتخذ الجنسية العربية.
– وأن لا يؤذي الوطن العربي بشكل ما.
– وأن لا يكون سبباً في ايذائه.
في الثقافة
21- سهم العرب في الثقافة ونظرتهم اليها
الثقافة ثروة انسانية شائعة، يساهم العرب في خدمتها بوحي تقاليدهم. ولا سيما ما كفل منها لأفرادهم وجماعاتهم: وسائل العيش والعزة القومية والغذاء الروحي السامي ونفع الجنس البشري.
22- تكوين الثقافة العربية وأثرها القومي
تكفل الثقافة للعرب تحقيق غاياتهم القومية اذا استمدت عناصرها وحيويتها ومناهجها من مميزاتهم وخصائصهم النبيلة وتاريخهم المجيد ومطامحهم ومصلحتهم كأمة تامة، ثم توفرت على مضاعفة القوة والانتاج في هذه المنابع كلها.
23- الاعتداد بالمحامد القومية والجهاد لاصلاح العيوب
تفرض الثقافة القومية على العربي:
أولاً: أن يعرف حقيقة نفسه كفرد، فيعتد– من ناحية– بما عنده من خصال وفضائل. ويجاهد– من ناحية أخرى– لاصلاح ما فيه من عيوب يلاحظ شيوعها بين أفراد العرب: كطبائع الفردية المانعة للتعاون، والاتكالية، وضعف الثقة بالنفس، والاحجام عن تحمل التبعات، والافراد في الاشتغال بالمسائل الروحية.
ثانياً: أن يعرف حقيقة قومه كمجموع، فيعتز بتاريخهم وأمجادهم وسجاياهم، ويبث في نفسه شعور الاستقواء بهم، وينمي في خيالهم أنهم أمة المستقبل كما كانوا أمة الماضي.
24- العرب هم أولى الأمم بإبداع الثقافة الانسانية العليا
يرمي العرب في حاضرهم ومستقبلهم إلى انشاء ثقافة تستمد عناصرها من المدينتين: الروحية الشرقية والمادية الغربية. وهي الثقافة التي تنشدها الأمم لاعتبار أنها تخلق الطمأنينة الفردية والدولية، وتوجد الرقي المعنوي والرخاء المادي للجنس البشري.
ويؤمن العرب كل الايمان بأنهم من أقدر الأمم على إنشاء هذه الثقافة، يوم تقوم دولته المقبلة، لسببين:
أولهما جغرافي: فهم قاطنون دياراً تقع في النقطة الوسطى المعتدلة من الكرة الأرضية. فبلادهم لذلك قطب بين القارات وحلقة اتصال مثلى بين أمم الأرض.
وثانيهما تاريخي: فهم وارثون مدنية حلفت بالخصائص والمميزات اللازمة لتلك الثقافة المنشودة.