حتى ينطق الجماد

اسمح لي بهذا السؤال الغريب..

هل تظن الجماد لا يشعر وأن الأرض كائن ميت وأن الأشجار لا تتألم أو تغضب (؟) قبل أن تجيب دعني أذكرك بأنه: لولا أذناك لما آمنت بوجود الموسيقى, ولولا عيناك لما صدقت بوجود الألوان, ولولا أعصابك لما شعرت بنعومة الحرير.. صحيح أن جمادا كالصخر لا يسمع ولا يتكلم ولا يتحرك, ولكن هذا لا يمنع كون ذراته تسبح الله وتدور في أفلاك مختارة!

.. حين نصف شيئا بأنه "جماد" فإننا كمن يصف مشلولا لا يسمع ولا يتكلم بأنه ميت.. لهذا السبب كنت أنظر لأشياء مثل الكرسي والقلم "نظرة خاصة" لعلمي أنها شواهد صامتة لو خلق لها لسان لنطقت.. انظر إلى سيارتك, إلى تلفزيونك, إلى الشجرة التي أمام منزلك, هل تعتقد أنها لا تشعر بك بعد كل تلك السنين من الخدمة و"المصالح المشتركة"!

[ انظر إلى عالم النبات, انظر إلى الشجرة كيف تتألم (ويرتفع قياس ذبذباتها) إذا قطع غصن لها. انظر إلى الهالة المشعة (التي تحيط بكل الأجسام الحية) كيف تظل تمثل العضو المقطوع وكأنه ما يزال في مكانه!

ضع بذرة في إناء مقلوب ولاحظ كيف تخرج النبتة إلى الأسفل ثم تعود فتنثني إلى الأعلى باحثة عن الحياة وضوء الشمس.. رأيت جارا لي يقطع شجرة صغيرة كي لا تسد نافذته, ولكن الشجرة عادت للنمو والازهار فعاد وقطعها, ثم عاد وقطعها, ثم عاد وقطعها.. وأخيرا اقتلعها من جذورها ورماها بعيدا , فما كان منها إلا أن غرست جذورها في الأرض من جديد في إصرار غريب على الحياة والنمو مرة أخرى..

[ هل تذكرون أنين الجذع المقطوع الذي كان يقف عليه الرسول في خطبته وكيف كان يسكن حين يضع يده الشريفة عليه. هل نسينا قصة الشجرة التي استأذنت ربها للسلام على الرسول الكريم فشقت الأرض وسلمت عليه ثم عادت لمكانها على مرأى من الصحابة.. وماذا عن استماع المصطفى لتسبيح الطعام لو لم يكن فيه حياة!

[ منذ فترة نشرت جريدة "الريـاض" خبرا عن تجربة قام بها علماء فرنسيون أثبتت أن للصخور حياة من نوع غريب, فالذبذبات الكهربائية فيها تتفاوت خلال أوقات اليوم.. فهي ساكنة في الليل (بحيث يمكن القول ان الصخرة نائمة) هادئة في الصباح, نشيطة قرب الظهر.

[ وكما يعتقد الصينيون بوجود مسارات في جسم الإنسان إذا اختلت أو ضعفت مرض واعتل.. يعتقدون أيضا بوجود خطوط حيوية مشابهة في الأرض يسمونها "لونج ـ مي" أو طرق التنين.. فالصينيون يؤمنون بأن الأرض كائن حي يبذل جهده لمساعدة الإنسان (وإخراج) ما يطلبه من ماء وغذاء.. ومسارات الطاقة التي يتحدثون عنها تتقاطع وتتشابك في نقاط أرضية معينة ـ هي التي تظهر فيها أو في مياهها خصائص "البركة" أو القدرة على الشفاء!!

[ وأخيرا هل لاحظت أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يخاطب الجمادات في كثير من الآيات على أنها كائنات حية تسمع وتعي, فها هو مثلا يخاطب الأرض والسماء والجبال فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها و قيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي و سخرنا مع داود الجبال يسبحن ..

.. وبالطبع لست مجبرا على مشاركتي نفس الرأي, غير أن الرأي المغاير يتطلب اثباتا مغايرا .. ولن ينطق الجماد حتى حين
المصدر: جريدة الرياض اليومية