هل نحن وحدنا في هذا الكون؟

لقد أودع الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مفاتح العلم في شكل اشارات وومضات تحمل حقائق مطلقة وشاملة ونهائية .. وعلماء الفطرة من المسلمين يرون في اشارات القرآن الكريم - علاوة على معانيها الظاهرة - معاني اخرى تفسر الظواهر الكونية وتحتضن أسراراً من العلم يكشف الله لهم عنها شيئاً فشيئاً .. هذا البحث هو محاولة للتوصل الى سر من اسرار هذا الكون العظيم ..

{ قل انظروا ماذا في السماوات والأرض .. } .. هي دعوة للتأمل في هذا الكون .. هي اشارة خافتة اذا وجدت بصيرة نافذة وعقلاً متفتحاً .. كانت منطلقاً للمدارك الانسانية العليا نحو الحقيقة .. واذا وجدت هذه الشرارات المتطايرة عقلاً يجمعها .. اتقدت منها جذوة تضيء جوانب النفس وتكشف للعقل البشري معالم الطريق .. الى الحق والهدى والحقيقة ..

يقول الله عز وجل : { ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم اذا يشاء قدير } .. [ الشورى -29 ]

دعونا نتأمل هذه الآية الكريمة .. فمنها قد تنفتح لنا أبواب الكون على عوالم تزخر بالحياة لم نسمع عنها من قبل ..

يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن من آياته خلق السماوات والأرض وما فيهما من عوالم .. لا يعلمها إلا خالقها .. ومن آياته ما بث (( فيهما )) من دابة لا يعلمها إلا هو ..

نحن نعلم المقصود من كلمة ( دابة ) وهو ما يدب ويتحرك .. فعلى الأرض تدب مختلف الحشرات والحيوانات وهذا مفهوم .. ولكن الآية تصرح بكلمة ( فيهما ) أي الأرض والسماء معاً .. وقد علمنا المقصود من الدابة على الأرض .. اذن ماهي الدابة التي تدب في هذه السماوات .. هذه العوالم المجهولة ؟! ..

يرى اللغويون أن تعبير ( دابة ) الذي يستعمله القرآن يمكن أن يوجه إلى وصف الكائن الحي بصفة مطلقة .. سواء كان دقيقاً أو كان عظيماً في حجمه .. ولا يشترط أن يعود اللفظ ( دابة ) على دابة الركوب كما قد يتبادر الى الذهن لأول وهلة .. فقد يعود - في اتساع مفهومه - على الفيروس والميكروب والجرثومة .. والدبيب قد يشير إلى علامة الحياة بصورة عامة مطلقة .. أي الحركة التي تكون ضئيلة أو مستخفية .

يقول تبارك وتعالى : { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة .. } .. [ النحل - 49 ]

حقيقة نطق بها محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منذ ألف وأربعمائة عام .. أن السماوات بها دواب ( مخلوقات ) بالاضافة الى ملائكة كما ان الأرض بها دواب .. والكل يسبح بحمد الله ويسجد له !!

ولكي يكون المعنى واضحاً .. والوضوح سمة القرآن .. جاء ذكر الملائكة من ضمن من يسجدون في السماوات حتى يظل اللفظ مانعاً من تفسير دواب السماء على أنها الملائكة ، وهم من نور .. والدواب من طين .. اذن الآيتان توضحان وجود دواب في السماوات بالاضافة الى الملائكة ؟؟! ..

دعونا نعود الى الوراء قليلاً ونتذكر يوم قال العالم ( كوبرنيكوس ) بأن الأرض تدور حول الشمس .. حينها زالت زعامتها للكواكب المعروفة للانسان .. فقد تبين أنها مجرد تابع للشمس تدور حولها .. بعد أن كان الأقدمون يتصورونها في مركز فريد والكل يدور حولها .. ويوم تابع ( جاليليو ) من وراء تلسكوباته الأجرام السماوية الأخرى .. بدأ رصيد الأرض من الأهمية والضخامة يتضاءل فهي ليست كوكباً كبيراً بالقياس إلى المشتري .. وما المشتري - ملك الكواكب في مجموعتنا الشمسية - إلا قزماً لا شأن له بالقياس إلى عمالقة الكواكب في الكون الكبير ..

وكما أن شمسنا مركز مجموعتنا فكل النجوم ( الشموس ) هي الأخرى تمثل مراكز مجموعات شمسية لا تحسب إلا ببلايين البلايين .. لكن الأبعاد بيننا وبينها شاسعة .. وهي لفرط بعدها عنا تبدو نقطاً مضيئة في السماء .. وبعضها يفوق نجمنا ( الشمس ) في الحجم مئات أو آلاف أو ملايين المرات ..

في مجرتنا ( درب التبانة ) وحدها هناك حوالي 300 مليون نجم ( شمس ) على الأقل لها أنظمة كوكبية أي أرضون تدور حولها .. وبين هذه النجوم ذات الأنظمة الكوكبية حوالي 300 ألف نجم على الأقل قد تتبعها كواكب درجة حرارتها وظروفها الطبيعية تسمح بقيام حياة بشكل أو بآخر .. وهذا في مجرتنا فقط .. فما بالك بالمجرات الأخرى .. ( الشعرى اليمانية ) تبعد عنا ( 3 سنوات ضوئية ) .. ثم يليها ( الأقرب القنطوري ) وكواكبه المحيطة به مرشحة لوجود حياة راقية عليها وهو يبعد عنا (4,2 سنة ضوئية ) .. ثم ( النسر) الذي يبعد عنا ( 30 سنة ضوئية ) .. ثم ( السماك ) الذي يبعد عنا ( 50 سنة ضوئية ) .. فاذا غادرنا هذه العوالم القريبة بكا احتمالات الحياة فيها .. نصل إلى ( جزر كونية ) كل جزيرة لا تقل عن ( 130 ألف مليون نجم ) واتساعها ( 120 مليون سنة ضوئية ) !!!! ..
وقد أصبح ممكناً للعلماء بواسطة المراصد مشاهدة ما تحوي السماء الدنيا فقط بالتفصيل من أجرام سماوية بعضها يبعد عنا ( 14 ألف مليون سنة ضوئية ) أي ما يساوي :
( 000 000 000 000 000 000 00 132 كم ) !!!! ..

سبحان الله العظيم .. حينما يتأمل الانسان هذا الكون يدرك مدى ضآلته وعظم الخالق العزيز الحكيم .. وهذا مجرد تساؤل :
لماذا يكون هذا الكون الفسيح وهذه المجرات الهائلة التي تفوق التصور دون أن تكون هناك مخلوقات لتسكنها .. !