الشائعات فى التاريخ

الشائعات فى التاريخ

 

القارئ لتاريخ (هارون الرشيد) الحقيقى يندهش لكمية الأساطير والأكاذيب التى نسجت حوله، لم تكن تلك هى الشخصية التاريخية الوحيدة التى تحاك حولها أباطيل الأفاكين، كثير من شخصيات التاريخ تعرضت لمثل هذا الإجحاف، وهذا هو تأثير نوع آخر من أنواع الأدب هو »الأدب الشعبي« الذى يمتزج فيه التاريخ بالخيال بالشائعة؛ فيتحول إلى أسطورة أو إلى بطولات وسِيَر مثل (ألف ليلة وليلة)، و(التغريبة الهلالية).
هنا يكمن الدور الخطير الذى تلعبه السيرة الذاتية فى التصدى للإفك والتخريص الذى قد يمارسه أصحاب الأهواء والأغراض من كتاب التاريخ. إن السيرة الذاتية للسياسيين هى الدرع الأهم فى مواجهة أى افتراء تاريخى ضدهم.


لا أحد ينكر دور الشائعات فى التأثير فى الرأى العام، لكن دورها الأكبر يتمثل فى تزييف التاريخ، بل إن بعض الأباطيل والشائعات التى تسرى بين الناس قد تتحول مع مرور الزمن إلى ثوابت وحقائق ومعتقدات وتقاليد وأمثال شعبية، والقارئ العربى متهم بأنه لا يقرأ، بمعنى أنه يكتفى فقط بتتبع ما يحبه وما يميل إليه، أى إنه يقرأ ليستمتع لا ليعرف، ولهذا تنتشر قراءة الصحف والروايات الخيالية وكتب الحظ والتسلية، بينما تعانى الكتب الجادة الركود، هذا ما يجعل الأدب يسبق التاريخ من حيث الرواج والشهرة، فالناس تُقبِل على الرواية الخيالية والقصة أكثر من إقبالها على العلم والتاريخ، وهذا ما يجعل الأدب التاريخى أدبًا خطيرًا إذا اكتفى به القارئ كمصدر معرفي.

غير أن قُرّاء التاريخ من المتخصصين والهواة كليهما يكتشفون أن التاريخ مليء بالفجوات والثغرات والأحاجي. وأن هناك حاجة ماسّة لاكتشاف غوامض التاريخ ثم محاولة فك طلاسمها وملء فجوات البازل التاريخى حتى تتضح الصورة الكاملة للحدث، فمن هم المسئولون عن هذا الأمر، باحثو التاريخ أم الأدباء؟ أصحاب العلم أم أصحاب الخيال؟

الباحثون المنهجيون أصحاب الدراية والخبرة بالتأكيد هم الأقدر على تمحيص الحدث التاريخي، وإجراء مقارنة بين مصادره لكشف التناقضات بينها، لكن الأمر يحتاج لمخيلة واسعة لإدراك النواقص فى الصورة الكلية للمشهد، لا الاكتفاء بمجرد الرصد التحليلى القائم على الدليل المباشر وحده.

وكذلك الحال، الأديب والباحث التاريخى كلاهما مسئولان عن كشف المسكوت عنه فى طيات التاريخ، فالأديب يلاحظ النقص ويرصد العيب ويعرض رأيه التخيلى عن القضية لملء الثغرات والجيوب، والباحث يحلل ويفند ويؤكد ما ذهب إليه الأديب أو ينفيه