قالوا: وكان لزياد الحارثي جدي لا يمسه، ولا يمسه أحد! فعشي في شهر رمضان قوماً فيهم أشعب. فعرض أشعب للجدي من بينهم. فقال زياد: أما لأهل السجن إمام يصلي بهم؟ قالوا: لا. قال: فليصل بهم أشعب. فقال أشعب: أو غير هذا – أصلح الله الأمير – قال: وما هو؟ قال: أحلف بالمحرجات ألا آكل لحم جدي أبداً! قالوا: دعا عبد الملك بن قيس الذئبي رجلاً من أشراف أهل البصرة. وكان عبد الملك بخيلاً على الطعام، جواداً بالدراهم. فاستصحب الرجل ساكناً. فلما رآه عبد الملك ضاق به ذرعاً. فأقبل عليه فقال له: ألف درهم خير لك من احتباسك علينا! واحتمل غرم ألف درهم، ولم يحتمل أكل رغيف! وتناول أعرابي من بين يدي سليمان بن عبد الملك دجاجة، فقال له: يكفيك ما بين يديك وما يليك. قال الأعرابي: ومنها شيء حمى؟ قال: فخذها لا بورك لك فيها! قال: وكان معاوية تعجبه القبة. وتغدى معه ذات يوم صعصعة بن صوحان، فتناولها صعصعة من بين يدي معاوية. قال معاوية: إنك لبعيد النجعة! قال صعصعة: من أدب انتجع! وقال: دخل هشام بن عبد الملك حائطاً له، فيه فاكهة وأشجار وثمار، ومعه أصحابه. فجعلوا يأكلون ويدعون بالبركة! فقال هشام: يا غلام! اقلع هذا، واغرس مكانه الزيتون! قال: وكان المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي يأكل تمراً هو وأصحابه. فانطفأ السراج. وكانوا يلقون النوى في طست. فسمع صوت نواتين، فقال: من هذا الذي يلعب بكعبين؟ وقالوا: باع حويطب بن عبد العزى داراً من معاوية بخمسة وأربعين ألف دينار. فقيل له: أصبحت كثير المال. قال: وما منفعة خمسة وأربعين ألفاً مع ستة من العيال؟ وقالوا: سأل خالد بن صفوان رجل فأعطاه درهماً، فاستقله السائل، فقال: يا أحمق! إن الدرهم عشر العشرة، وإن العشرة عشر المائة، وإن المائة عشر الألف، وإن الألف عشر العشرة الآلاف. أما ترى كيف ارتفع الدرهم إلى دية مسلم! قالوا: كان بلال بن أبي بردة قد خاف الجذام، وهو والي البصرة. فوصفوا له الاستنقاع في السمن.
وكان يفطر الناس في شهر رمضان. فكانوا يجلسون حلقاً، وتوضع لهم الموائد.
فإذا أقام المؤذن، نهض بلال إلى الصلاة، ويستحي الآخرون. فإذا قاموا إلى الصلاة، جاء الخبازون فرفعوا الطعام! قال: واحتقن عمر بن يزيد الأسدي بحقنة فيها أدهان. فلما أدهان. فلما حركته بطنه كره أن يأتي الحلاء، فتذهب تلك الأدهان. فكان يجلس في الطست، ويقول: صفوا هذا، فإنه يصلح للسراج! قال: وخبرنا جار له قال: رأيته يتخلل من الطعام بخلال واحد شهراً، كلما تغدى حذف من رأسه شيئاً، ثم تخلل به، ثم وضعه في مجرى دواته.
وقالوا: كان ذراع الذراع مع خالد بن صفوان. فوضعوا بين يديه دجاجة، وبين يديه شيء من زيتون. فجعل يلحظ الدجاجة. فقال: كأنك تهم بها! قال: ومن يمنعني؟ قال: إذا أصير أنا وأنت في مالي سواء! قال: ومد يده أبو الأشهب إلى شيء بين يدي نميلة بن مرة السعدي، فقال: إذا أفردت بشيء فلا تعترض لغيره.
قالوا: ومات وعليه للدقاق وحده ثمانون ألف درهم، لكثرة طعامه! وقالوا: كان الحكم بن أيوب الثقفي عاملاً للحجاج على البصرة. واستعمل على العرق جرير بن بيهس المازني، ولقب جرير العطرق. فخرج الحكم يتنزه، وهو باليمامة. فدعا العطرق إلى غدائه. فكل معه، فتناول دراجة كانت بين يديه. فعزله، وولي مكانه نويرة المازني. فقال نويرة، وهو ابن عم العطرق:
قد كان في العرق صيد لو قنعت به فيه غنى لك عن دراجة الحـكـم
وفي عوارض لا تنفك تأكـلـهـا لو كان يشفيك لحم الجزر من قرم!
وفي وطاب مـمـلاة مـثـمـمة فيها الصريح الذي يشفي من القرم
ولما ولي مكانه نويرة، بلغه أنه ابن عم له فعزله. فقال نويرة:
أبا يوسف لو كنت تعرف طاعتي ونصحي إذاً ما بعتني بالمحلـق
ولا ساق سراق العراقة صالـح بني ولا كلفت ذنب العـطـرق
وتناول رجل من قدام أمير كان لنا، ضخم، بيضة، فقال: خذها فإنها بيضة العقر. فلم يزل محجوباً حتى مات.
وأتي ضيعة له يتنزه إليها، ومعه خمسة رجال من خاصته، وقد حملوا معه طعام خمسمائة وثقل عليه أن يأكلوا معه، واشتد جوعه، فجلس على مشارة بقل. فأقبل ينتزع الفجلة فيطوي جزرتها بعرقها، ثم يأكلها، من غير أن تغسل، من كلب الجوع، ويقول لواحد منهم كان أقرب الخمسة إليه مجلساً: لو ذهب هؤلاء الثقلاء لقد أكلنا! قالوا: وأكل عبد الرحمن بن أبي بكرة على خوان معاوية، فرأى لقم عبد الرحمن.
فلما كان بالعشي، وراح إليه أبو بكرة، قال: ما فعل ابنك التلقامة؟ قال: اعتل. قال: مثله لا يعدم العلة! وأكل أعرابي مع أبي الأسود الدؤلي، فرأى له لقماً منكراً، وهاله ما يصنع. قال له: ما اسمك؟ قال لقمان. قال: صدق أهلك، أنت لقمان! قالوا: وكان له دكان لا يسع إلا مقعده، وطبيقاً يوضع بين يديه، وجعله مرتفعاً، ولم يجعل له عتباً، كي لا يرتقي إليه أحد. قالوا: فكان أعرابي يتحين وقته، ويأتيه على فرس، فيصير كأنه معه على الدكان. فأخذ دبة وجعل فيها حصى، واتكأ عليها. فإذا رأى الأعرابي قد أقبل، أراه كأنه يحول متكأه. فإذا قعقعت الدبة بالحصى نفر الفرس.
قالوا: فلم يزل الأعرابي يدينه، ويقعقع هو به، حتى نفر منه فصرعه. فكان لا يعود بعد ذلك إليه.