خط نسخ تركي في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي. المخطوطات الدينية المصوّرة (المزوّقة). إذا كان التذهيب قد استخدم بصورة واضحة في تزيين المخطوطات الدينية وبخاصة في مخطوطات المصاحف، فالأمر يختلف بالنسبة للمخطوطات ذات الموضوعات الدينية، حيث تعتمد تلك المخطوطات على أسلوب فني يساعد على إبراز موضوع المخطوط، ويعرف هذا الأسلوب الفني باسم التصوير. وعلى الرغم من تحفظات الفقهاء والعلماء المسلمين الكثيرة على هذا الفن، فإن كراهية التصوير في الإسلام لم تقض على هذا الفن بل استمر، وأنتجت منه الأقطار الإسلامية أعمالاً متميّزة صنّفت في مدارس فنية، وأصبحت تمثّل مجالاً من مجالات الفنون الإسلامية.
وقد كانت إيران في طليعة البلدان الإسلامية التي لم تُؤثِّر فيها كراهية التصوير تأثيرًا كبيرًا، على الرغم من أن الفقهاء في إيران كانوا يكرهون التصوير والمصورين.
غير أن دراسة المخطوطات المزوّقة، تقوم بصفة أساسية على التصاوير التي تزين صفحات المخطوطات أو توضح نصوصها أو التي صارت تجمع في مرقعات (ألبومات) وعثر على نصوص قديمة تشير إلى عناية المسلمين بتزويق المخطوطات منذ القرن الأول، ومن أوضح هذه النصوص ما جاء في كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه عبد الله بن المقفَّع في أيام الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور 132هـ،750م، أنه ¸قد ينبغي للناظر في كتابنا هذا ألا تكون غايته التصفح لتزويقه• وأن من أغراض الكتاب الأربعة ¸إظهار خيالات الحيوان بصنوف الأصباغ والألوان والصور ليكون أنسًا لقلوب الملوك•.
ومع ذلك لم تصل إلينا مخطوطات مزوّقة بتصاوير ذات قيمة فنية ترجع إلى القرون الإسلامية الأولى.
وتنقسم تصاوير المخطوطات الإسلامية إلى نوعين أساسيين. أولهما يشمل التصاوير التي توضح نصوص الكتب العامة والثاني يشمل التصاوير التي تزوق الكتب الأدبية والتاريخية.
ويشمل كثير من الكتب العلمية، بحكم موضوعها، تصاوير علمية بحتة لا تدع مجالاً للإبداع الفني، وقد لا تحتوي على صور آدمية أو حيوانية، مثل بعض كتب النبات والجغرافيا والهندسة، غير أن كتبًا علمية أخرى تضم تصاوير يمكن أن تدخل ضمن الإطار الفني إلى جانب أهميتها العلمية، وربما يرجع ذلك إلى اشتمالها على صور بشرية وحيوانية، وقد عُني مؤرخو الفن الإسلامي ببحثها من الوجهة الفنية البحتة؛ فدرسوا أساليبها وقسموا طرزها إلى مدارس التصوير المختلفة.
وجرت العادة أن تدرس تصاوير المخطوطات على اختلاف موضوعاتها في ضوء الأساليب أو المدارس، وقد تقدم أن أقدم مدارس التصوير في العصر الإسلامي هي المدرسة العربية التي تتميّز مخطوطاتها بصفة عامة بكتابتها باللغة العربية. ومن أشهر المخطوطات الأدبية الإسلامية، التي شغف المسلمون بتزويقها بالصور، مخطوط كتاب مقامات الحريري. وقد استهوت هذه المقامات المصورين بروعتها الأدبية وجمال أسلوبها ولطف دعابتها فعنوا بتزويقها بالتصاوير، وتمثيل قصصها بالصور. ووصل إلينا من مخطوطات مقامات الحريري المزوقة بالتصاوير عدة نسخ تزيد على العشر موزّعة بين دور الكتب والمتاحف في العالم.
وبدخول المغول إلى إيران، وضحت في المخطوطات المزوقة التأثيرات الصينية التي تتمثل في محاولة التعبير عن العمق، والميل نحو التجسيم بالإضافة إلى بعض التفاصيل كالسَّحْنة المغولية والأدوات، والثياب المعروفة في الشرق الأقصى، ورسم التنين، والسحب الصينية. وكان من نتيجة ذلك ظهور أسلوب جديد صار يُعرف باسم المدرسة المغولية انتشر في إيران والعراق في القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي
أما في العصر التيموري في القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي، فقد بدأ إخضاع التأثيرات الصينية للمزاج الوطني الإيراني بالإضافة إلى ظهور الشغف برسم المناظر الطبيعية بدقة وإتقان ، وتصوير مظاهر الترف والتعبير عن مشاعر البهجة والسرور، ووضوح الطابع الزخرفي. ووصل هذا الأسلوب إلى قمته في العصر الصفوي الأول في القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، مما ساعد على ظهور المدرسة الصفوية الأولى.
ومنذ عهد الشاه عباس (1587-1629م) ظهرت المدرسة الصفوية الثانية التي تميزت بظهور التأثيرات الأوروبية من حيث الأسلوب والموضوع، كما انتشر رسم الصور المستقلة والمفردة التي كانت تتسم بالتحرر من التقاليد القديمة، ومن أهم هذه المخطوطات الفارسية المزوّقة الشاهنامة، وهي ملحمة فارسية تتألف من أكثر من 50 ألف بيت أتم نظمها أبو القاسم الفردوسي سنة 400هـ،1010م، وأهداها للسلطان محمود الغزنوي. وتشتمل الشاهنامة على أساطير الفرس قبل الإسلام. ووصلت إلينا مجموعة كبيرة من مخطوطات الشاهنامة المزوّقة بالتصاوير، وتمثّل تصاوير نسخ الشاهنامة تطور فن تصوير وتزويق المخطوطات الإسلامية في إيران.
ولم يقتصر تزويق المخطوطات في العصور الوسطى على المخطوطات العلمية والأدبية بل امتد إلى المخطوطات التاريخية والدينية، وأتاحت الموضوعات التاريخية للمصورين فرصة الابتكار والتنويع، والمزج بين المصورين بتزويقها ومن أمثلة هذا الأسلوب مخطوط جامع التواريخ الذي ألفه الوزير رشيد الدين ومخطوط الآثار الباقية عن القرون الخالية للبيروني. وبالإضافة إلى صور المخطوطات، عرف الفرس إنتاج التصاوير المفردة لا سيما في العصر الصفوي، وكانت هذه الصور تجمع أحيانًا من مرقعات (إلبومات)، ومن أشهر مصوري هذه الفترة المصور محمد رضا عباس، ومعين، ومحمد قاسم، وبهزاد. وكان للتصاوير الإيرانية الفضل الأول في نشأة تصوير المخطوطات الإسلامية في الهند، إذ أنشأ السلطان أكبر في الهند معهدًا للتصاوير، وعهد به إلى فنانين إيرانيين، كما جمع كثيرًا من التصاوير والمخطوطات الفارسية في مكتبة قصره. وعلى أساس التصوير الإيراني للمخطوطات نشأ فن تصوير المخطوطات عند الأتراك العثمانيين. ومن المصورين الإيرانيين الذين كان لهم فضل كبير في تأسيس المدرسة التركية العثمانية "شاه فولي" والمصور ولي خان التبريزي وتميزت المدرسة التركية بزيادة التأثيرات الأوروبية، ومن المعروف أن السلطان محمد الفاتح (855 - 886هـ) استدعى إلى إسطنبول المصور الإيطالي المشهور جفتيلي بليني، حيث رسم له الصور الشخصية المحفوظة حاليًا في الصالة الأهلية بلندن. ومن بين أشهر المخطوطات التركية المصورة: تاريخ السلاطين العثمانيين؛ عجائب المخلوقات للقزويني؛ شاهنامة عثمان.
ومن المخطوطات التركية المزوّقة بالتصاوير أيضًا مخطوط هوتان فتخامة سي الذي يتضمن أشعار الكاتب التركي نادري، ومخطوط باشا شاهنامة، للمؤلف طلوعي، وتتميز تصاوير المخطوطات التركية بصفة عامة بظهور العمائم الكبيرة واستخدام اللون الأخضر الناضر المشوب بصفرة.
أما في الأندلس فقد ازدهرت المخطوطات المصورة كما ازدهرت في الأقاليم الشرقية من العالم الإسلامي، حيث عُرِف من المخطوطات المصورة بالأندلس ثلاث مخطوطات أولها عن الأعشاب الطبية أو خواص الأشجار، وهذا المخطوط يرجع إلى القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، وهو محفوظ بالمكتبة الأهلية بباريس، والمخطوط الثاني عن قصة غرام وهو يعود إلى القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، ومحفوظ الآن بمكتبة الفاتيكان، أما المخطوط الثالث فهو بعنوان سلوان المطاع في عدوان الأتباع لابن ظفر الصقلي، وهو يعود إلى القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي. وتتميز صور المخطوطات الأندلسية بأنها تسير وفق التقاليد المتبعة في تصوير المخطوطات المملوكية، مع بعض الاختلافات في رسوم العمائر حيث إن صورة العمائر في المخطوطات الأندلسية كانت وفقًا للطراز الأندلسي.