(( القاتل ذو الشعر الأحمر ))

فتح عينيه ببطء... لم يكن لديه أي رغبة في النهوض من النوم، فلم ينم إلا في وقت متأخر من الليل... بعد أن أنهى احتفاله مع صديقه بالنصر العظيم الذي حققه في آخر قضية له كالعادة: أثبت المحامي رامي أنه يملك حسا راقيا وحدسا حادقا يمكنه كل مرة من الكشف على المتهم، والحكم عليه سواء بالبراءة أو عدمها كان الكل يتوقع منه أنه يفشل ولكنه ككل مرة، جعل وكيل النيابة يفتح فاه انبهارا بما آلت إليه القضية، وبالأدلة التي استطاع الحصول عليه فقلبت القضية رأسا على عقب كانت قضية قتل تاجر السيارات الكبير، عبد الله محمد والتي كانت كل الأدلة في تلك القضية تشير إلى زوجة المتهم الثانية. غير أن محامينا المشهور كانت له نظرة خارقة، وحسد مميز جعله يعتقد بأنها بريئة... حتى استطاع جمع الأدلة وقلب جلسة المحاكمة الأخيرة وأثبت براءتها، بل وأثبت أن القاتل كان هو الأبن الأكبر كالعادة وقف مقهقها في وجه وكيل النيابة كأنه يشعره أن من يقف في وجهه فهو خاسر دائما... ما هذا، عاد الباب للدق مرة أخرى... لا بد له من النهوض فهو قد أعطى سكيرتيرته الحسناء أمل أجازة لهذا اليوم، فهي كانت تود قضاء اليوم مع أمها المريضة التي ترعاها، كما أنه لم يتوقع أي زبائن في هذا اليوم. ما زال الباب يدق، وهو يتمنى أن من يقف خلف الباب يمل ويذهب، فهو لا يريد استقبال أي من الزبائن، كما أن حالته وهو نائم في مكتبه الخاص، تعطي انطباعا سيئا للزبائن، بل وشكله لن يكون لائقا، بعد أن أسرف في الشرب في الليلة السابقة، حتى نام دون أن يشهر في مكتبه... عاد الباب للدق مرة أخرى، كأن الواقف خلف الباب مصر بكل ما أوتي من عزم على مقابلة المحامي رامي والذي كان من أشهر محامي البلاد.... قام بعد أن حاول أن يفتح عينيه ببطء، كان الدق على الباب رغم أزعاجه إلا أنه كان دقا حفيفا يوحي بأن الواقف خلف الباب أمرأة ذات ذوق رفيع، ليس هذا فقط، بل أنه يستطيع استنتاج أن الدق بهذا الشكل يدل على احترام كبير وذوق رفيع... ذهب باتجاة مرآة الحمام، حاول أن يغسل وجهه، شكله يوحي بأنه مدمن أن أنسان بائس، وليس أشهر محامي في البلدة، ولكن من يهتم، فمنذ هجرته زوجته قبل ثلاث سنوات ولا نظام له، غير أنه ينام متى ما شاء حيثما شاء وقتما شاء، وهو يقابل الزبائن كل مرة بشكل مختلف، ولكنه يبهرهم كعادته في طريقته في الاستنتاج. ذهب إلى الباب بعد أن غسل وجهه وحاول أن يصفف شعره بطريقة مقبولة، ها هو الباب يفتح، أنها امرأة كما توقع ذات هندام رفيع وقوام بديع.... تأمل وجهها عن قرب، لا تبدو كبيرة في السن، في الثلاثينيات هكذا توقعها، كما أنها كانت تلبس ملابس تدل على أنها من الطبقة الرفيعة، ليس هذا فقط، ولكن هناك عقد من اللؤلؤ على عنقها يجعلها تشع بياضا وروعة، وقبعة فوق رأسها تميل قليلا تاحية اليمين لتخفي قليلا من خصلات شعرها المتساقطة، وعينيها البنيتين... حاول التأمل قليلا في وجهها، عله يكون رآها من قبل، عصر مخه قليلا، لكنه لم يجد في ذاكرته أي مطابقة لهذا الوجه الجميل أهلا وسهلا سيدتي، بماذا أخدمك... هكذا بدأها بالكلام أهلا وسهلا، هل من الممكن أن ألتقي بالمحامي رامي نعم سيدتي، أنا هو المحامي رامي، ولكن يبدو أني غفوت في المكتب قليلا ولم أنتبه للساعة... أنت هو المحامي رامي، قالتها بدهشة واستغراب، غير أنها حاولت التغلب على تلك الدهشة لسماعها الكثير من القصص عن المشاهير، وعن كونهم غرباء الأطوار غالبا... جاوبته كأنها تجاوب نفسها: أنا أود أن أتحدث معك في قضية مهمة، فهل هذا هو الوقت المناسب فكر لبرهة فيما يجيبها، فهو تعب من القضية التي للتو أنهاها، وقد استهلكت كل قوته، غير أن المال الذي لديه لا يكفي لدفع تكاليف المدرسة التي تذهب لها ابنته، والتي يحاول أن يدفعها لها في كل مرة، عله يعوضها عن غيابه عنها.... أهلا وسهلا سيدتي الوقت هو مناسب جدا، تفضلي اجلسي لكي نتحدث، أجابها رغم رغبته في متابعة النوم والتسكع دخلت السيدة، راقب مشيتها، كانت تمشي ببطئ، وكان فستانها الطويل يغطي ساقيها الطويلتين، غير أن مشيتها لم تكن بسبب طول فستانها، بل كانت بسبب تملقها في المشي... لاحظ عليها بعض الغرور، ذاك يبين واضحا من طريقة المشي وطريقة الكلام، لم يكن غافلا عن حيل النساء في التملق، قد تكون امرأة ترغب في الطلاق من زوجها وجاءته لكي يجد لها حلا... لا، أنه مشهور في المنطقة كلها بأنه لا يترافع في أي قضية من قضايا الطلاق لكن لم لا، قد تكون متخومة بالمال وتود الطلاق، ولكنه لن يسيء لسمعته مهما حصل، ومهما بلغت حاجته للمال سحب الكرسي لها لتجلس، جلست ببطء، كجلسة الأميرات، بعد أن رفعت قبعتها كي تظهر كلتا عينيها له ذهب خلف المكتب، سحب الكرسي وجلس عليه، كي يبادرها بالحديث نعم، تفضلي يا سيدتي، بماذا أستطيع أن أخدمك أنا زوجة التاجر الكبير سعد العبد الله، والذي مات قبل شهرين، أقصد الذي قتل قبل شهرين، أظنك سمعت عن تلك القضية، كانت قضية كبيرة نعم سمعت عن القضية، كانت قضية كتبت عنها كل الصحف، نظرا لشهرة سعد العبد الله ومكانته في المجتمع، ليس هذا فحسب، ولكن نظرا لأنه كان من أصحاب الأيدي الخيرة في المجتمع، كانت صدمة للجميع ما حدث له نعم، وبعد هذا اتهم فيها البستاني الذي كان الوحيد الموجود في الفيلا في وقت وقوع الحادث نعم أذكر ذلك، وقد ظل يصيح طوال الجلسة في قاعة المحكمة بأنه بريء ولكن للأسف لم يسمع له أحد، لأن الأدلة كانت تحكم عليه وتشير بكل أصابعها له، وقد انتهت الجلسة هكذا تم الأمر، وانتهت القضية، وقد تم حصر التركة وبما أني أن الوحيدة وريثته فقد آلت لي كل ثروته، وهي ثروة كبيرة، قد طالتني أعين الحساد كثيرا عليها نظر إليها مبتسما فشكلها واضح أنها هي من تجذب النظرات لها: نعم سيدتي، هو كان زوجك وأنتما لم تنجبا أي ولد أبدا، كما أنكما ظللتما متزوجين لفترة طويلة، والتركة من حقك لوحدك... هذا ما حصل بالضبط، والآن أنا أملك كل شيء من بعده... حسنا سيدتي، هذا حسن لك، ولكن هل لي أن أعرف ما هي المشكلة... حسنا، الحديث ذو شجون، وأنا سوف أكمل لك تفضلي يا سيدتي، أكملي حديثك كانت الأمور تسير طبيعية، بالكاد استطعت التغلب على الحادثة، فقد كان للمرحوم في قلبي مكانة كبيرة، وقد تغلبت على الحادثة بعد فترة طويلة بفضل مساعدة أصدقائي حتى حدث أمر قبل أسبوع... وما هو الأمر الذي حصل يا سيدتي... كنت أتصفح على الحاسب الآلي مواقع النت كعادتي، وبينما كنت أفتح البريد الألكتروني لأقرأه علني أقف على شيء جديد، لفتت انتباهي رسالة غريبة من شخص مجهول، كان اسمه في البريد: ذو الشعر الأحمر ذو الشعر الأحمر، هذا اسم غريب ومضحك في نفس الوقت، ثم ماذا أكملي يا سيدتي فتحت الرسالة وكنت متوقعتا أنها رسالة عادية، كإحدى رسائل الأعلانات التي تفيض بها مساحات البريد كالعادة، لكن ما حدث كان مختلفا تماما ماذا حدث، ماذا كانت تحوي الرسالة فتحت الرسالة وإذا بها تحوي على سطر واحد فقط، كتب فيه: لقد أتممت المهمة ولم أستلم المقابل بعد!!! فقط.... نعم فقط يا أستاذ رامي، استوقفتني الرسالة لبرهة، ولكني ظننتها مزحة سخيفة فقط بالرد عليه برد مضحك: حسنا لنكمل اللعب لاحقا، ثم أغلقت البريد ولم أعرها أي اهتمام حسنا، رددت على ما اعتقدتيه مزحة بمزحة أخرى، ثم ماذا حصل البارحة قبل أن أستلقي للنوم، قمت بفتح الحاسب الآلي آيضا وقمت بالمصادفة بفتح البريد، فرأيت ردا على رسالتي فتوقعت أنه مزحة أخرى، فقمت بفتح الرسالة حسنا، وماذا احتوت الرسالة هذه المرة لقد كدت أسقط على رأسي من هول الصدمة كانت رسالة غريبة، تقول: إذا لم تدفعي المقابل فسوف أبدأ بإخراج الأدلة... كأن المرسل جاد وليس يمزح، هذا ما تودين قوله أليس كذلك نعم يا سيدي، فلهجة الرسالة واضحة، المرسل يبحث عن شيء معين، بل ويهدد أيضا ولم أستطع النوم طوال الليل ثم عندما صحوت في الصباح فكرت في أن أقدم لك علك تجد لي حلا لهذه المشكلة ما زال احتمال المزحة موجودا حتى مع الرسالة الثانية، فلماذا لم تعتبريها مزحة أيضا؟ لا أدري يا سيدي، ولكن امرأة مثلي للتو