موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
باكى - 67
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
الحربي - 36
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
زهرالورد - 30
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_rcapرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Voting_barرسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Vote_lcap 

 

 رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 15:55


إلى الفاضله أستاذة اللغة العربية / ملكة الحب

أهدى لها : رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى

اللهم يسّر وأعن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 15:56


مقدمة رسالة الغفران

قد علم الجبر الذي نسب إليه جبريل، وهو كلّ الخيرات سبيل، أن في مسكني حماطة ما كانت قطّ أفانية، ولا الناكزة بها غانيةّ، تثمر من مودّة مولاي الشيخ الجليل، كبت الله عدوّه، وأدام رواحه إلى الفضّل وعدّوه، ما لو حملته العالية من الشجر، لدنت إلى الأرض غصونها، وأذيل من تلك الثمرة مصونها. والحماطة ضرب من الشجر، يقال لها إذا كانت رطبة: أفانية، فإذا يبست فهي حماطة. قال الشاعر:




إذا أمّ الوليِّد لم تطعني


حنوت لها يدي بعصا حماط


وقلت لها: عليك بني أقيش، فإنّك غير معجبة الشَّطاط وتوصف الحماطة بإلف الحيّات لها، قال الشاعر:




أتيح لها، وكان أخا عيال،


شجاع في الحماطة مستكن


وإن الحماطة التي في مقرّي لتجد من الشوق حماطة، ليست بالمصادفة إماطة. والحماطة حرقة القلب، قال الشاعر:




وهمٍّ تملأ الأحشاء منه


....................


فأما الحماطة المبدوء بها فهي حبة القلب، قال الشاعر:




رمت حماطة قلب غير منصرفٍ


عنها، بأسهم لحظ لم تكن غرباً


وإنّ في طمري لحضباً ،وكلّ بأذاتي، لو نطق لذكر شذاتي ما هو بساكن في الشقاب، ولا بمتشرف على النقاب، ما ظهر في شتاء وصيف، ولا مرّ بجبل ولا خيف، يضمر من محبة مولاي الشيخ الجليل، ثبت الله أركان العلم بحياته،ما لا تضمره للولد أمّ، أكان سمُّها يدّكر أم فقد عندها السُّم. وليس هذا الحضب مجانساً للَّذي عناه الراجز في قوله:




وقد تطويت انطواء الحضب


.....................


وقد علم، أدام الله جمال البراعة بسلامته، أن الحضب ضرب من الحيات، وأنّه يقال لحبة القلب حضب، وإنّ في منزلي لأسود، وهو أعزّ عليّ من عنترة على زبيبة، وأكرم عندي من السُّليك، عند السُّلكة، وأحق بإيثاري من خفاف السُّلميّ بخبايا ندبة وهو أبداً محجوب، لا تجاب عنه الأغطية ولا يجوب، لو قدر لسافر إلى أن يلقاه، ولم يحد عن ذلك لشقاء يشقاه. وإنه إذ يذكر، ليؤنَّث في المنطق ويذكر، وما يعلم أنّه حقيقي التذكير، ولا تأنيثه المعتمد بنكير. لا أفتأ دائباً فيما رضي، على أنّه لا مدفع لما قضي. أعظمه أكثر من إعظام لخم الأسود بن المنذر وكندة الأسود بن معد يكرب، وبني نهشل بن دارم الأسود بن يعفر ذا المقال المطرب.

ولا يبرح مولعاً بذكره كإيلاع سحيم بعميرة في محضره ومبداه، ونصيب مولى أمّية بسعداه. وقد كان مثله مع الأسود بن زمعة، والأسود بن عبد يغوث ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 15:57


والأسودين اللذين ذكرهما اليشكري في قوله:

<P align=center>


فهداهم بالأسودين وأمر الله


بلغ يشقى به الأشقياء


ومع أسودان الذي هو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيءّ، ومع أبي الأسود الذي ذكره امرؤ القيس، في قوله:

<P align=center>


وذلك من خبرٍ جاءني


ونبَّئته عن أبي الأسود


وما فارقه أبو الأسود الدؤلي في عمره طّرفة عين، في حال الراحة ولا الأين وقارن سويد بن أبي كاهل يرد به على المناهل. وحالف سويد بن الصامت، ما بين المبتهج والشامت. وساعف سويد بن صميع، في أيّام الرَّتب والرَّيع وسويد هذا، هو الذي يقول:

<P align=center>


إذا طلبوا مني اليمين، منحتهم


يميناً كبرد الأتحميّ الممزق

وإن أحلفوني بالطّلاق، أتيتها


على خير ما كنّا، ولم نتفرق

وإن أحلفوني بالعتاق، فقد درى


عبيد غلامي أنّه غير معتق


وكان يألف فراش سودة بن زمعة بن قيس امرأة النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، ويعرف مكانه الرسول، ولا ينحرف عنه السُّول، ودخل الجدث مع سوادة بن عديّ، وما ذلك بزول بديّ، وحضر في نادٍ حضره الأسودان اللّذان هما الهنم والماء، والحرة الغابرة والظَّلماء. وإنَّه لينفر عن الأبيضين، إذا كانا في الرَّهج معرَّضين، الأبيضان اللذان ينفر منهما: سيفان، أو سيف وسنان، ويصبر عليهما إذا وجدهما، قال الراجز:

<P align=center>


الأبيضان أبردا عظامي


الماء والفتُّ بلا إدام


ويرتاح إليهما في قول الآخر:

<P align=center>


ولكنه يمضي في الحول كلُّه


وما لي إلاّ الأبيضين شراب


فأمّا الأبيضان اللذان هما شحم وشباب، فإنّما تفرح بهما الربَّاب، وقد يبتهج بهما عند غيري، فأمّا أنا فيئسا من خيري. وكذلك الأحامرة والأحمران يعجب لهما أسود ران، فيتبعه حليف سترٍ، ما نزل به حادث هتر.


وصول الرسالة

وقد وصلت الرسالة التي بحرها بالحكم مسجور ومن قرأها مأجور، إذ كانت تأمر بتقبُّل الشرع، وتعيب من ترك أصلاً إلى فرع. وغرقت في أمواج بدعها الزاخرة، وعجبت من اتسِّاق عقودها الفاخرة، ومثلها شفع ونفع، وقرّب عند الله ورفع. وألفيتها مفتحةً بتمجيدٍ، صدّر عن بليغٍ مجيد، وفي قدرة ربّنا، جلَّت عظمته، أن يجعل كلّ حرف منها شبح نورٍ، لا يمتزج بمقال الزُّور؛ يستغفر لمن أنشأها إلى يوم الدين،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 15:58


ويذكره ذكر محبٍ خدين. ولعلّه، سبحانه، قد نصب لسطورها المنجية من اللَّهب، معاريج من الفضة أو الّذهب، تعرج بها الملائكة من الأرض الراكدة إلى السماء، وتكشف سجوف الظلماء، بدليل الآية: إليه يصعد الكلم الطَّيب والعمل الصّالح يرفعه.

[] شجرة طيبة

وهذه الكلمة الطيبة كأنّها المعنيّة بقوله: ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمّة طيّبةً كشجرةً طيّبةٍ، أصلها ثابت وفرعها في السّمّاء، تؤتي أكلها كلّ حينٍ بإذن ربها. وفي تلك السطور كلم كثير، كلّه عند الباري، تقدّس، أثير. فقد غرس لمولاي الشيخ الجليل، إن شاء الله، بذلك الثناء، شجر في الجنة لذيذ اجتناءً، كلُّ شجرةٍ منه تأخذ ما بين المشرق إلى المغرب بظلٍّ غاطٍّ ليست في الأعين كذات أنواطٍ. وذات أنواطٍ، كما يعلم، شجرة كانوا يعظمونها في الجاهلية. وقد روي أن بعض الناس قال: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ، وقال بعض الشعراء:

<P align=center>


لنا المهيمن يكفينا أعادينا


كما رفضنا إليه ذات أنواط


والولدان المخلّدون في ظلال تلك الشجر قيام وقعود، وبالمغفرة نيلت السُّعود؛ يقولون، والله القادر على كلِّ شيء عزيز: نحن وهذه الشجر صلّة من الله لعليّ بن منصور، نخبأ له إلى نفخ الصُّور. وتجري في أصول ذلك الشجر، أنهار تختلج من ماء الحيوان، والكوثر يمدُّها في كلّ أوانٍ؛ من شرب منها النُّغبة فلا موت، قد أمن هنالك الفوت. وسعد من اللبن متخرِّفات، لا تغيَّر بأن تطول الأوقات. وجعافر من الرحيق المختوم، عزَّ المقتدر على كلّ محتوم. تلك الراح الدائمة، لا الذميمة ولا الذائمة، بل هي علقمة مفترياً، ولم يكن لعفوٍ مقترياً:

<P align=center>


تشفي الصُّداع ولا يؤذيه صالبها


ولا يخالط منها الرأس تدويم


ويعمد إليها المغترف بكؤوس من العسجد، وأباريق خلقت من الزبرجد، ينظر منها الناظر إلى بديّ، ما حلم به أبو الهنديّ، رحمه الله، فلقد آثر شراب الفانية، ورغب في الدّنية الدّانية. ولا ريب أنّه يروي ديوانه، وهو القائل:

<P align=center>


سيغني أبا الهنديّ عن وطب سالمٍ


أباريق لم يعلق بها وضر الزُّبد

مفدمة قزّاً كأنّ رقابها


رقاب بنات الماء أفزعها الرعد


هكذا ينشد على الإقواء وبعضهم ينشد:

<P align=center>


رقاب بنات الماء ريعت من الرعد


.........................


والرواية الأولى إنشاد النحويين. وأبو الهندي إسلاميٌّ، واسمه عبد المؤمن بن عبد القدُّوس، وهذان اسمان شرعيان، وما استشهد بهذا البيت إلا وقائله عند المستشهد فصيح، فإن كان أبو الهنديّ ممن كتب وعرف حروف المعجم فقد أساء في الإقواء، وإن كان بنى الأبيات على السكون، فقد صحَّ قول سعيد بن مسعدة، في أن الطويل من الشعر له أربعة أضرب. ولو رأى تلك الأباريق أبو زبيد لعلم أنّه كالعبد الماهن أو العبيد، وأنّه ما تشبّث بخيرٍ، ورضي بقليل المير وهزىء بقوله:

<P align=center>


وأباريق مثل أعناق طير ال


ماء قد جيب فوقهن خنيف


هيهات ! هذه أباريق، تحملها أباريق، كأنّها في الحسن الأباريق. فالأولى هي الأباريق المعروفة، والثانية من قولهم: جارية إبريق، إذا كانت تبرق من حسنها: قال الشاعر:

<P align=center>


وغيداء إبريقٍ كأن رضابها


جنى النحل ممزوجاً بصهباء تاجر


والثالثة، من قولهم: سيف إبريق، مأخوذ من البريق. قال ابن أحمر:

<P align=center>


تقلدت إبريقاً، وعلقت جعبةً


لتهلك حيّاً ذا زهاءٍ وجامل


ولو نظر إليها علقمة لبرق وفرق، وظنَّ أنه قد طرق، وأين يراها المسكين علقمة، ولعله في نار لا تغير، ماؤها للشارب وغيرٌ؟ ما ابن عبدة وما فريقه؟؟؟! خسر وكسر إبريقه!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 15:59



أليس هو القائل:

<P align=center>


كأن إبريقهم ظبيٌ برابيةٍ


مجللٌ، بسبا الكتّان مفدوم

أبيض أبرزة للضَّحّ راقبه


مقلد قضب الرَّيحان، مفغوم


نظرةٌ إلى تلك الأباريق، خيرٌ من بيت الكرمة العاجلية، ومن كل ريقٍ، ضمنته هذه الدار الخادعة، التي هي لكلَّ شممٍ جادعةٌ. ولو بصر بها عدي بن زيد، لشغل عن المدام والصَّيد، واعترف بأن أباريق مدامه، وما أدرك من شرب الحيرة وندامه، أمرٌ هينٌ، لا يعدل بنابتٍ من حمصيص، أو ما حقر من خربصيص. وكنت بمدينة السّلام، فشاهدت بعض الورّاقين يسأل عن قافية عدي ابن زيد التي أوّلها:

<P align=center>


كر العاذلات في غلس الصُّب


ح يعاتبنه أما تستفيق؟

ودعا بالصَّبوح فجراً، فجاءت


قينةٌ في يمينها إبريق


وزعم الورَّاق أن ابن حاجب النعمان سأل عن هذه القصيدة وطلبت في نسخٍ من ديوان عديّ فلم توجد. ثمّ سمعت بعد ذلك رجلاً من أهل أستراباذ، يقرأ هذه القافية في ديوان العباديّ، ولم تكن في النسخة التي في دار العلم: فأمّا الأقَّيشر الأسديّ فإنه مني بقاشر، وشقي إلى يومٍ حاشر، قال ولعله سيندم، إذا تفرَّى الأدم:

<P align=center>


أفنى تلاديّ، وما جمعت من نشبٍ


قرع القوازيز أفواه الأباريق


ما هو وما شرابه؟ تقضَّت في الحانية آرابه. لو عاين تلك الأباريق لأيقن أنّه فتن بالغرور، وسرَّ بغير موجب للسّرور. وكذلك إياس بن الأرتّ، إن كان عجب لأباريق كإوزّ الطَّفّ فإن الحوادث بسطت له أقبض كفّ. فكأنه ما قال:

<P align=center>


كأن أباريق المدامة بينهم


إوزٌّ بأعلى الطَّفّ، عوج الحناجر


ورحم الله العجَّاج، فإنّه خلط في رجزه العلبط والسَّجاج، أين إبريقه الذي ذكر فقال:

<P align=center>


قطَّف من أعنابها ما قطفَّا،


فغمَّها حولين، ثمّ استودفا

صهباء، خرطوماً، عقاراً، فرقفا،


فسنَّ في الإبريق منها نزفا


من رصفٍ نازع سيلاً رصفا وكم على تلك الأنهار من آنية زبرجدٍ محفور، وياقوتٍ خلق على خلق الفور، من أصفر وأحمر وأزرق، يخال إن لمس أحرق، كما قال الصنوبريُّ: تخيَّله ساطعاً وهجه، ... فتأبى الدُّنو إلى وهجه وفي تلك الأنهار أوانٍ على هيئة الطير السابحة، والغانية عن الماء السائحة، فمنها ما هو على صور الكراكي، وأخر تشاكل المكاكيّ، وعلى خلق طواويس وبطّ، فبعضٌ في الجارية وبعضٌ في الشَّطّ،

[] خمر الجنة

نبع من أفواهها شرابٌ، كأنه من الرَّقَّة سرابٌ، لو جرع جرعةً منه الحكميُّ لحكم أنّه الفوز القدميُّ. وشهد له كلُّ وصَّاف الخمر، من محدثٍ في الزمن وعتيق الأمر، أنّ أصناف الأشربة المنسوبة إلى الدار الفانية، كخمر عانة وأذرعات، وهي مظنَّةٌ للنُّعّات؛ وغزّة وبيت راس والفلسطية ذوات الأحراس؛ وما جلب من بصرى في الوسوق، تبغى به المرابحة عند سوق، وما ذخره ابن بجرة ب وجّ، واعتمد به أوقات الحجّ، قبل أن تحرَّم على الناس القهوات، وتحظر لخوف الله الشهوات. قال أبو ذؤيب:

<P align=center>


ولو أنَّ ما عند ابن بجرة عندها


من الخمر، لم تبلل لهاتي بناطل


وما اعتصر بصرخد أو أرض شبام لكلّ ملكٍ غير عبام؛ وما تردَّد ذكره من كميت بابل وصريفين واتُّخذ للأشراف المنيفين؛ وما عمل من أجناس المسكرات، مفوّقاتٍ للشارب وموكّرات، كالجعة والبتع والمزر والسُّكركة ذات الوزر؛ وما ولد من النخبل، لكريمٍ يعترف أو بخيل، وما صنع في أيَّام آدم وشيثٍ إلى يوم المبعث من معجَّلٍ أو مكيث إذ كانت تلك النُّطفة ملكةً، لا تصلح أن تكون برعاياها مشتبكة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 16:01


ويعارض تلك المدامة أنهارٌ من عسلٍ مصفَّى ما كسبته النحل الغادية إلى الأنوار، ولا هو في مومٍ متوارٍ، ولكن قال له العزيز القادر: كن فكان، وبكرمه أعطي الإمكان. واهاً لذلك عسلاً لم يكن بالنار مبسلا لو جعله الشارب المحرور غذاءه طول الأبد ما قدر له عارض موم، ولا لبس ثوب المحموم؛ وذلك كلُّه بدليل قوله: مثل الجنة التي وعد المتُّقون، فيها أنهار من ماءٍ غير آسنٍ، وانهارٌ من لبنٍ لم يتغير طعمه، وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين، وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى، ولهم فيها من كلّ الثّمرات، فليت شعري عن النَّمر بن تولبٍ العكليّ، هل يقدر له أن يذوق ذلك الأري، فيعلم أن شهد الفانية إذا قيس غليه وجد يشاكه الشَّري؛ وهو لمَّا وصف أمّ حصٍن وما رزقته في الدَّعة والأمن، ذكر حوّارى بسمن، وعسلٍ مصفًّى؛ فرحمه الخالق متوفّىً،فقد كان أسلم وروي حديثاً منفرداً، وحسبنا به للكلم مسردّاً. قال المسكين النمر:

<P align=center>


ألمّ بصحبتي، وهم هجوعٌ،


خيالٌ طارقٌ من أمّ حصن

لها ما تشتهي: عسلاً مصًّفى،


إذا شاءت، وحوَّارى بسمن


وهو، أدام الله تمكينه، يعرف حكاية خلفٍ الأحمر مع أصحابه في هذين البيتين، ومعناها أنّه قال لهم: لو كان موضع أمّ حصن أمُّ حفص، وما كان يقول في البيت الثاني؟ فسكتوا، فقال: حوّاريّ بلمص، يعني الفالوذ ويفرّع على هذه الحكاية فيقال: لو كان مكان أمّ حصن أمُّ جزء وآخره همزةٌ،ما كان يقول في القافية الثانية؟ فإنّه يحتمل أن يقول: وحوارى بكشء،ٍ من قولهم: كشأت اللحم إذا شويته حتى ييبس، ويقال: كشأ الشواء إذا أكله. أو يقول بوزء، من قولهم: وزأت اللحم إذا شويته. ولو قال: حوَّارى بنسء، لجاز وأحسن ما يتأؤّل فيه، أن يكون من نسأ الله في أجله، أي لها خبزٌ مع طول حياة، وهذا أحسن من أن يحمل على أن النسء اللبن الكثير الماء، وقد قيل: إن النسء الخمر، وفسروا بيت عروة بن الورد على الوجهين:

<P align=center>


سقوني النّسء ثم تكنَّفوني،


عداة الله من كذبٍ وزور


ولو حمل حوّارى بنسء، على اللبن أو الخمر، لجاز،لأنّها تأكل الحوارى بذلك، أي لها الحوَّارى مع الخمر، وقد حدّث محدّثٌ أنه رأى بسيل ملك الروم وهو يغمس خبزاً في خمرٍ ويصيب منه، ولو قيل: حوَّارى بلزء، من قولهم: لزأ إذا أكل، لما بعد، وتكون الباء في بلزء بمعنى في. ولا يمكن أن يكون رويُّ هذا البيت ألفاً، لأنّها لا تكون إلاّ ساكنة، وما قبل الرويّ ها هنا ساكنٌ، فلا يجوز ذلك. فإن خرج إلى الباء: من أمّ حرب، جاز أن يقول: وحوَّارى بصرب، وهو اللبن الحامض، ويجوز بإرب، أي بعضوٍ من شواءٍ أو قديد، ويجوز بكشب وهو أكل الشواء. فإن قال: من أمّ صمت، جاز أن يقول: وحواري بكمت، يعني جمع تمرةٍ كميت، وذلك من صفات التمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 16:01


، وينشد للأسود ابن يعفر:




وكنت إذا ما قرَّب الزاد مولعاً


بكلّ كميتٍ جلدةٍ لم توسَّف


وقال الأخر:




ولست أبالي بعدما اكمتَّ مربدي


من التمر، أن لا يمطر الأرض كوكب


ويجوز وحوَّارى بحمت، من قولهم: تمرٌ حمتٌ، أي شديد الحلاوة. فإن أخرجه إلى الثاء فقال: من أمّ شثّ، قال: وحوَّارى ببثّ، والبثُّ: تمرٌ لم يجد كنزه فهو متفرق. فإن أخرجه إلى الجيم فقال: أمّ لجّ، جاز أن يقول: وحوّارى بدجّ، والدُّجُّ: الفرُّوج، جاء به العمانيُّ في رجزه. فإن خرج إلى الحاء، فقال: من أمّ شحّ، جاز أن يقول: وحوارى بمحّ، وببحّ، وبرّح، وبجحّ، وبسحّ. فالمحُّ: محّ البيضة، وبحُّ: جمع أبحَّ، من قولهم: كسرٌ أبحُّ، أي كثير الدّسم، وقال:




وعاذلة هبَّت عليَّ تلومني،


وفي كفّها كسرٌ أبحٌ رذوم


ويجوز أن يعنى بالبحّ القداح، أي هذه المرأة أهلها أيسار، كما قال السُّلميُّ:




قروا أضيافهم ربحاً ببحّ،


يعيش بفضلهنَّ الحيُّ، سمر


ورحٌّ: جمع أرحَّ، وهو من صفات بقر الوحش، أي يصاد لهذه المرأة، ويقال لأظلاف البقر: رحٌّ، قال الشاعر الأعشى:




ورحٌّ بالزّماع مردَّفاتٌ،


بها تنضو الوغى وبها ترود


والسحُّ: تمرٌ صغير يابس. والجحُّ: صغار البطيخ قبل أن ينضج. فإن قال: أمُّ دخّ، قال: حوَّارى بمخّ، ونحو ذلك. فإن قال: أمّ سعد، قال: حوَّارى بثعد، وهو الرُّطب الذي لان كلُّه. فإن قال: أمّ وقذ، قال:حوارى بشقذ، وهي فراخ الحجل. فإن قال: أمّ عمرو، فإنَّ أشبه ما يقول: حوّارى بتمر. فإن قال: أمّ كرز، فإن أشبه ما يقول: وحوَّارى بأرز، وفيه لغات ستّ: أرزٌ على وزن أشدّ، وأرزّ على صملّ، وأرزٌ على وزن شغل، وأرزٌ في وزن قفل، ورزّ مثل جدٍّ، ورنز، بنونٍ وهي رديئة. فإن قال: أمّ ضبس، قال: وحوّارى بدبس. والعرب تسمّي العسل دبساً. وكذلك فسروا قول أبي زبيد:




فنهزةٌ من لقوا حسبتهم


أشهى إليه من بارد الدبس


حرَّك للضرورة. فإن قال: من أمّ قرشٍ، جاز أن يقول: حوَّارى بورش، والورش: ضربٌ من الجبن، ويجوز أن يكون مولَّداً، وبه سمّي ورشٌ الذي يروي عن نافع واسمه عثمان بن سعيد. والصاد قد مضت. فإن قال: أمّ غرض، جاز أن يقول: حوَّارى بفرض، والفرض: ضربٌ من التمر، قال الراجز:




إذا أكلت لبناً وفرضا


ذهبت طولاً وذهبت عرضاً


وفي نصب طول وعرض اختلافٌ بين المبرّد وسيبويه. فإن قال: من أمّ حظّ، فإن الأطعمة تقلُّ فيها الظاء، كقلَّتها في غيرها، لأن الظاء قليلةٌ جدّاً، ويجوز أن يقول: حوَّارى بكظّ، أي يكظّها الشّبع، أو نحو ذلك من الأشياء التي تدخل على معنى الاحتيال. فإن قال: أمّ طلع، جاز أن يقول: حوَّارى بخلع، والخلع: هو اللحم الذي كان يطبح ويحملونه في القروف وهي أوعيةٌ من أدم، وينشد:




كلي اللحم الغريض، فإنَّ زادي


لمن خلعٍ تضمنَّه القروف


فإن قال: أمّ فرع، جاز أن يقول: حوَّارى بضرع، لأن الضروع تطبخ، وربمّا تطرب إلى أكلها الملوك فإن قال: أمّ مبغ، قال: حوّارى بصبغ، والصبَّغ ما تغمس فيه اللقمة من مرقٍ أو زيت أو خلٍّ. فإن قال: أمّ نخف، قال: حوَّارى برخف، والرخف زبدٌ رقيق، والواحدة رخفة، قال الشاعر:




لنا غنمٌ يرضي النزيل حليبها،


وزحفٌ يغاديه لها وذبيح


فإن قال: أمّ فرق، قال: حوّارى بعرقٍ، والعرق: عظمٌ عليه لحمٌ من شواءٍ أو قديد. فإن قال: أمّ سبك، جاز أن يقول: حوّارى بربك، أو بلبك، من قولهم: ربكت الطعام أو لبكته، إذا خلطته، وكان ذلك ممّا فيه رطوبةٌ، مثل أن يخالطه لبنٌ أو سمنٌ، أو نحو ذلك،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 16:06


فأمَّا الأنهار الخمريّة، فتلعب أسماكٌ هي على صور السَّمك بحريَّةٌ ونهريّة، وما يسكن منه في العيون النَّبعية، ويظفر بضروب النَّبت المرّعية، إلاّ أنّه من الذَّهب والفضّة وصنوف الجواهر، المقابلة بالنُّور الباهر. فإذا مدّ المؤمن يده إلى واحدةٍ من ذلك السَّمك، شرب من فيها عذباً لو وقعت الجرعة منه في البحر الذي لا يستطيع ماءه الشارب، لحلت منه أسافل وغوارب؛ ولصار الصمَّر كأنَّه رائحة خزامى سهلٍ، طلتَّه الدَّاجنة بدهل، والدَّهل: الطائفة من اللَّيل، أو نشر مدامٍ خوَّارةٍ، سيَّارةٍ في القلل سوَّارة. وكأنّي به، أدام الله الجمّال ببقائه، إذا استحقَّ تلك الرُّتبة، ببقين التوبة، وقد اصطفى له نامى من أدباء الفردوس: كأخي ثمالة، وأخي دوسٍ، ويونس بن حبيب الضُّبيّ، وابن مسعدة المجاشعيّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:17




فما عسلٌ ببارد ماء مزنٍ


على ظماءٍ، لشاربه يشاب

بأشهى من لقيكم إلينا،|فكيف لنا به، ومتى الإياب}}


كذلك السَّلوى التي ذكرها الهذلي هي عند عسل الجنّة كأنَّها قارٌ رمليَّ، والقار: شجرٌ مرّ ينبت بالرَّمل، قال: بشرٌ:




يرجون الصَّلاح بذات كهفٍ،


وما فيها لهم سلعٌ وقار


وعنيت قول القائل:




فقاسمها بالله جهداً لأنتم


ألذُّ من السَّلوى إذا ما نشورها


وإذا من الله تبارك اسمه بورود تلك النهار، صاد فيها الوارد سمك حلاوةٍ، لم ير مثله في ملاوة، لو بصر به أحمد بن الحسين لاحتقر الهدية التي أهديت إليه فقال فيها:




أقل ما في أقلّها سمكٌ،


يلعب في بركةٍ من العسل


فأمَّا الأنهار الخمريّة، فتلعب أسماكٌ هي على صور السَّمك بحريَّةٌ ونهريّة، وما يسكن منه في العيون النَّبعية، ويظفر بضروب النَّبت المرّعية، إلاّ أنّه من الذَّهب والفضّة وصنوف الجواهر، المقابلة بالنُّور الباهر. فإذا مدّ المؤمن يده إلى واحدةٍ من ذلك السَّمك، شرب من فيها عذباً لو وقعت الجرعة منه في البحر الذي لا يستطيع ماءه الشارب، لحلت منه أسافل وغوارب؛ ولصار الصمَّر كأنَّه رائحة خزامى سهلٍ، طلتَّه الدَّاجنة بدهل، والدَّهل: الطائفة من اللَّيل، أو نشر مدامٍ خوَّارةٍ، سيَّارةٍ في القلل سوَّارة. وكأنّي به، أدام الله الجمّال ببقائه، إذا استحقَّ تلك الرُّتبة، ببقين التوبة، وقد اصطفى له نامى من أدباء الفردوس: كأخي ثمالة، وأخي دوسٍ، ويونس بن حبيب الضُّبيّ، وابن مسعدة المجاشعيّ، فهم كما جاء في الكتاب العزيز: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين، لا يمسُّهم فيها نصبٌ وما هم منها بمخرجين " فصدر أحمد بن يحيى هنالك قد غسل من الحقد على محمد بن يزيد، فصارا يتصافيان ويتوافيان، كأنهّا ندمانا جذيمة: مالكٌ وعقيل، جمعها مبيتٌ ومقيل وأبو بشر، عمرو بن عثمان سيبويه، قد رحضت سويداء قلبه من الضغن على علي بن حمزة الكسائي وأصحابه، لما فعلوا به في مجلس البرامكة. وأبو عبيدة صافي الطويّة لعبد الملك بن قريب، قد ارتفعت خلتَّهما عن الرَّيب، فهما كأربد ولبيد أخوان، أو ابني نويرة فيما سبق من الأوان، أو صخرٍ ومعاوية: ولدي عمرو، وقد أخمدا من الإحن كلّ جمر. والملائكة يدخلون عليهم من كل بابٍ، سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدّار. وهو أيَّد الله العلم بحياته، معهم كما قال البكريُّ:




نازعتهم قضب الرّيحان مرتفقاً،


وقهوةً مزَّةً، راووقها خضل

لا يستفيقون منها وهي راهنةٌ


إلا بهات، وإن علُّوا وإن نهلوا

يسعى بها ذو زجاجات له نطفٌ


مقلَّص أسفل السّربال، معتمل

ومستجيبٌ لصوت الصَّنج يسمعه


إذا ترجع فيه القنية الفضل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:18


ولا يقال: ربكت الشعير بالحنطة، إلاّ أن يستعار. فإن قال: أمّ تخل، قال: حوّارى برخل، يريد الأنثى من أولاد الضأن، وفيه أربع لغات: رَخِل ورَخْلٌ ورِخْلٌ ورِخِلٌ. فإن قال: أمّ صرم، قال: حوارى بطرم، والطرم: العسل، وقد يسمَّى السمن طرماً. وقد مضت النون في أمّ حصن. فإن قال: أم دوّ، قال: حو؟ّارى بجوّ، والحوُّ: الجدي، فيما حكى بعض أهل اللغة في قولهم: ما يعرف حوّاً من لوٍّ، أي جدياً من عناقٍ. فإن قال: أمّ كره، قال: حوّارى بوره، يريد جمع أوره، من قولهم: كبشٌ أوره، أي سمين. فإن قال: أمّ شري، قال: حوارى بأري، أي عسل. وهذا فصل يتّسع، وإنمّا عرض في قول تامٍ، كخيال طرق في المنام. ولو خالط منا من عسل الجنان، وما خلقه الله، سبحانه، في هذه الدار الخادعة، كالصاب، والمقر، والسَّلع، والجعدة، والشَّيح، والهبيد، لعاد ذلك كلُّه، وغيره من المعقبات، يعدُّ من اللذائذ المرتقيات، فآض ما كره من الصَّاب، كأنَّه المعتصر من المصاب، والمصاب: قصب السكر، وأمسى الحدج وكأنّه المتخذٌّ بالأهواز، إلاّ يكن السُّكرّ، فإنه موازٍ؛ ولصارت الراعية في الإبل، إذا وجدت الحنظلة أتحفت بها السيدة المحظلة، وهي التي تعظم عليها الغيرة، من قولهم: حظل نساءه، إذا أفرط في الغيرة عليهنَّ، قال الراجز:

<P align=center>


ولا ترى بعلاً ولا حلائلا


كه، ولا كهنَّ إلا حاظلا


وانقطعت معايش أرباب القصب في ساحل البحر، وصنع من المرّ الفالوذ المحكم بلا سحر أي بلا خدع. ولو أن الحارث بن كلدة طعم من ذلك الطّريم لعلم أن الذي وصفه يجري من هذا المنعوت، مجرى الدّفلى الشّاقة من الرّعديد، ومدوف، ما يكره من القنديد، وذكرت الحارث بقوله:

<P align=center>



وأبو عبيدة يذاكرهم بوقائع العرب ومقاتل الفرسان، والأصمعيُّ ينشدهم من الشعر ما أحسن قائله كلَّ الإحسان. وتهشّ نفوسهم للَّعب فيقذفون تلك الآنية في أنهار الرّحيق، ويصفقّها الماذي المعترض أي تصفيق، وتقترع تلك الآنية، فيسمع لها أصواتٌ، تبعث بمثلها الأموات. فيقول الشيخ، حسّن الله الأيّام بطول عمره: آه لمصرع الأعشى ميمون وكم أعمل من مطيَّةٍ أمون!!ولقد وددت أنَّه ما صدّته قريشٌ لمَّا نوجَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنَّما ذكرته الساعة لمّا تقارعت هذه الآنية بقوله في الحائيّة:

<P align=center>


وشمول تحسب العين، إذا


صفّقت، جندعها نور الذُّبح

مثل ريح المسك ذاكٍ ريحها،


صبّها الساقي إذا قيل: توح

من زقاق التَّجر، في باطيةٍ


جونةٍ، حاريّةٍ ذات روح

ذات غورٍ، ما تبالي يومها،


غرف الإبريق منها والقدح

وإذا ما الرَّاح فيها أزبدت


أفل الإزباد عنها، فمصح

وإذا مكوكها صادمه


جانباها، كرَّ فيها فسبح

فترامت بزجاجٍ معملٍ


يخلف النَّازح منها ما نزح

وإذا غاضت رفعنا زقّنا


طلق الأوداج فيها فانسفح


ولو أنَّه أسلم، لجاز أن يكون بيننا في هذا المجلس، فينشدنا غريب الأوزان، ممّا نظم في دار الأحزان، ويحدّثنا حديثه مع هوذة بني عليّ، وعامر بن الطُّفيل، ويزيد بن مسهر وعلقمة بن علائة، وسلامة بن ذي فائش، وغيرهم ممّن مدحه أو هجاه، وخافه في الزمن أو رجاه.

ثمّ إنّه، أدام الله تمكينه، يخطر له حديث شيءٍ كان يسمَّى النُّزهة في الدار الفانية، فيركب نجيباً من نجب الجنّة خلق من ياقوتٍ ودرٍّ، في سجسجٍ بعد عن الحرّ والقرّ، ومعه إناء فيهج، فيسير في الجنَّة على غير منهج، ومعه شيءٌ من طعام الخلود، ذخر لوالد سعد أو مولودٍ، فإذا رأى نجيبه يملع بين كثبان العنبر، وضيمرانٍ وصل بصعبرٍ، رفع صوته متمثَّلاً بقول البكريّ:

<P align=center>


ليت شعري متى تخبُّ بنا النَّا


قة نحو العذيب فالصّيبون

محقباً زكرةً، وخبز رقاقٍ،


وحباقاً، وقطعةً من نون


يعني بالحباق جرزة البقل. فيهتف هاتفٌ: أتشعر أيّها العبد المغفور له لمن هذا الشَّعر؟ فيقول الشيخ: نعم، حدّثنا أهل ثقتنا، عن أهل ثقتهم، يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، حتى يصلوه بأبي عمرو بن العلاء، فيرويه لهم عن أشياخ العرب، حرشة الضَّباب في البلاد الكلدات وجناة الكمأة في مغاني البداة، الذين لم يأكلوا شيراز الألبان ولم يجعلوا الثمر في الثَّبان، أنَّ هذا الشّعر لميمون بن قيس ابن جندلٍ أخي بني ربيعة بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة ابن صعب بن عليّ بن بكر بن وائلٍ فيقول الهاتف: أنا ذلك الرَّجل، من الله عليَّ بعدما صرت من جهنّم على شفير، ويئست من المغفرة والتّكفير. فيلتفت إليه الشيخ هشّاً بشّاً مرتاحاً، فإذا هو بشابّ غرانق غبر في النّعيم المفانق، وقد صار عشاه حور معروفاً، وانحناء ظهره قواماً موصوفاً، فيقول: أخبرني كيف كان خلاصك من النار، وسلامتك من قبيح الشنار؟ فيقول: سحبتني الزبانية إلى سقر، فرأيت رجلاً في عرصات القيامة يتلألأ وجهه تلألؤ القمر، والنّاس يهتفون به من كلّ أوبٍ: يا محمَّد يا محمّد، الشفاعة الشّفاعة! نمتُّ لكذا ونمتُّ بكذا. فصرخت في أيدي الزبانية: يا محمّد أغثني فإنّ لي بك حرمةً! فقال: يا عليُّ بادره فانظر ما حرمته؟ فجاءني عليُّ بن أبي طالبٍ، صلوات الله عليه، وأنا أعتل كي ألقى في الدّرك الأسفل من النّار، فزجرهم عني، وقال: ما حرمتك؟ فقلت: أنا القائل:

<P align=center>


ألا أيُّهذا السّائلي أين يمّمت،


فإنَّ لها في أهل يثرب موعدا

فآليت لا أرثي لها من كلالة،


ولا من حفىً، حتى تلاقي محمّدا

متى ما تناخي عند باب ابن هاشمٍ


تراحي، وتلقي من فواضله ندى

أجدَّك لم تسمع وصاة محمّدٍ


نبيّ الإله حين أوصى وأشهدا

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التُّقى


وأبصرت بعد الموت من قد تزودَّا

ندمت على أن لا تكون كمثله،


وأنّك لم ترصد لما كان أرصدا

فإيّاك والميتات لا تقربنّها
!

ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا

ولا تقربنَّ جارةً إن سرَّها


عليك حرامٌ، فانكحن أو تأبّدا

نبيٌّ يرى مالا يرون، وذكره


أغار لعمري في البلاد وأنجدا


وهو، أكمل الله زينة المحافل بحضوره، يعرف الأقوال في هذا البيت، وإنّما أذكرها لأنّه قد يجوز أن يقرأ هذا الهذيان ناشىءٌ لم يبلغه: حكى الفرّاء وحده أغار في معنى غار، إذا أتى الغور، وإذا صحّ هذا البيت للأعشى فلم يرد بالإغارة إلا ضدَّ الإنجاد. وروي عن الأصمعيّ روايتان: إحداهما أنَّ أغار في معنى عدا عدواً شديداً، وأنشد في كتاب الأجناس:

<P align=center>


فعدّ طلابها وتسلَّ عنه


بناجيةٍ إذا زجرت تغير


والأخرى أنّه كان يقدّم ويؤخَّر فيقول: لعمري غار في البلاد وأنجدا فيجيء به على الزّحاف. وكان سعيد بن مسعدة يقول: غار لعمري في البلاد وأنجدا فيخرمه في النصف الثاني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:20


[] إيمان الأعشى

ويقول الأعشى: قلت لعلّيٍ: وقد كنت أومن بالله وبالحساب وأصدّق بالبعث وأنا في الجاهليّة الجهلاء، فمن ذلك قولي:

<P align=center>


فما أيبلي على هيكلٍ،


بناه وصلَّب فيه وصارا

يراوح من صلوات المليك


طوراً سجوداً وطوراً جؤارا

بأعظم منك تقىً في الحساب


إذا النَّسمات نفضن الغبارا


فذهب عليَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذا أعشى قيس قد روي مدحه فيك، وشهد أنّك نبيٌّ مرسلٌ. فقال: هلاَّ جاءني في الدّار السَّابقة؟ قال: عليُّ: قد جاء، ولكن صدَّته قريشٌ وحبُّه للخمر. فشفع لي، فأدخلت الجنّة على أن لا أشرب فيها خمراً؛ فقرَّت عيناي بذلك، وإنَّ لي منادح في العسل وماء الحيوان. وكذلك من لم يتب من الخمر في الدار الساخرة، لم يسقها في الآخرة. وينظر الشيخ في رياض الجنَّة فيرى قصرين منيفين، فيقول في نفسه: لأبلغنَّ هذين القصرين فأسأل لمن هما؟ فإذا قرب إليهما رأى على أحدهما مكتوباً: هذا القصرلزهير بن أبي سلمى المزني وعلى الآخر: هذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسديّ فيعجب من ذلك ويقول: هذان ماتا في الجاهليّة، ولكّن رحمة ربنّا وسعت كلَّ شيء؛ وسوف ألتمس لقاء هذين الرّجلين فأسألهما بم غفر لهما. فيبتدىء بزهير فيجده شابّاً كالزَّهرة الجنيَّة، قد وهب له قصرٌ من ونيَّة، كأنّه ما لبس جلباب هرمٍ، ولا تأفَّف من البرم. وكأنَّه لم يقل في الميمّية:

<P align=center>


سئمت تكاليف الحياة ومن يعش


ثمانين حولاً، لا أبا لك، يسأم!


ولم يقل في الأخرى:

<P align=center>


ألم ترني عمَّرت تسعين حجّةً،


وعشراً تباعاً عشتها، وثمانيا؟


فيقول: جير جير! أنت أبو كعب وبجير؟ فيقول: نعم. فيقول، أدام الله عزّه: بم غفر لك وقد كنت في زمان الفترة والنَّاس هملٌ، لا يحسن منهم العمل؟ فيقول: كانت نفسي من الباطل نفوراً، فصادفت ملكاً غفوراً، وكنت مؤمناً بالله العظيم، ورأيت فيما يرى النَّائم حبلاً نزل من السَّماء، فمن تعلق به من سكَّان الأرض سلم، فعلمت أنَّه أمرٌ من أمر الله، فأوصيت بنيَّ وقلت لهم عند الموت: إن قام قائمٌ يدعوكم إلى عبادة الله فأطيعوه. ولو أدركت محمّداً لكنت أوَّل المؤمنين. وقلت في الميميّة، والجاهليّة على السّكنة والسّفه ضاربٌ بالجران:

<P align=center>


فلا تكتمن الله ما في نفوسكم


ليخفى، ومهما يكتم الله يعلم

يؤخّر، فيوضع في كتابٍ، فيدَّخر


ليوم الحساب، أو يعجَّل فينقم


فيقول: ألست القائل:

<P align=center>


وقد أغدو على ثبةٍ كرامٍ


نشاوى واجدين لما نشاء

يجرُّون البرود وقد تمشَّت


حميّا الكأس فيهم والغناء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:21


فأطلقت لك الخمر كغيرك من أصحاب الخلود؟ أم حرَّمت عليك مثلما حرّمت على أعشى قيس فيقول زهيرٌ: إن أخا بكرٍ أدرك محمّداً فوجبت عليه الحجَّة، لأنّه بعث بتحريم الخمر، وحظر ما قبح من أمر؛ وهلكت أنا والخمر كغيرها من الأشياء، يشربها أتباع الأنبياء، فلا حجّة عليَّ. فيدعوه الشَّيخ إلى المنادمة؛ فيجد من ظراف النَّدماء، فيسأله عن أخبار القدماء. ومع المنصف باطيةٌ من الزُّمرُّد، فيها من الرَّحيق المختوم شيءٌ يمزج بزنجبيل، والماء أخذ من سلسبيل. فيقون، زاد الله في أنفاسه: أين هذه الباطية من التي ذكرها السّرويُّ في قوله:

<P align=center>


ولنا باطيةٌ مملوءةٌ


جونةٌ، يتبعها برذينها

فإذا ما حاردت أو بكأت


فتَّ عن خاتم أخرى طينها


ثم ينصرف إلى عبيد فإذا هو قد أعطي بقاء التأبيد، فيقول: السلام عليك يا أخا بني أسدٍ. فيقول:وعليك السلام، وأهل الجنّة أذكياء، لا يخالطهم الأغبياء، لعلَّك تريد أن تسألني بم غفر لي؟ فيقول: أجل، وإنّ في ذلك لعجباً! أألفيت حكماً للمغفرة موجباً، ولم يكن عن الرَّحمة محجَّباً؟ فيقول عبيدٌ: أخبرك أنّي دخلت الهاوية، وكنت قلت في أيّام الحياة:


<P align=center>


من يسأل الناس يحرموه


وسائل الله لا يخيب


وسارهذا البيت في آفاق البلاد، فلم يزل ينشد ويخفُّ عني العذاب حتى أطلقت من القيود والأصفاد، ثم كرِّر إلى أن شملتني الرحمة ببركة ذلك البيت، وإنَّ ربّنا لغفور رحيم. فإذا سمع الشَّيخ، ثبّت الله وطأته، ما قال ذانك الرّجلان، طمع في سلامة كثير من أصناف الشعراء. فيقول لعبيدٍ: ألك علم بعديِّ بن زيدٍ العباديّ؟ فيقول: هذا منزله قريباً منك. فيقف عليه فيقول: كيف كانت سلامتك على الصَّراط ومخلصك من بعد الإفراط؟ فيقول: إنِّي كنت على دين المسيح ومن كان من أتباع الأنبياء قبل أن يبعث محمد فلا بأس عليه، وإنّما التّبعة على من سجد للأصنام، وعدّ في الجهلة من الأنام. فيقول الشيخ: يا أبا سوادة، ألا تنشدني الصاديَّة، فإنها بديعة من أشعار العرب؟ فينبعث منشداً:

<P align=center>


بلغ خليلي عبد هند فلا


زلت قريباً من سواد الخصوص

موازي القرّة، أو دونها،


غير بعيدٍ من غمير الُّلصوص

تجنى لك الكمأة ربعَّية،


بالخبِّ تندى في أصُّول القصيص

تقنصك الخيل، وتصطادك ال


طّير، ولا تنكع لهو القنيص

تأكل ما شئت، وتعتلُّها


حمراء ملحص كلون الفصوص

غيبت عنّي عبد في ساعة ال


شَّر وجنِّبت أوان العويص

لا تنسين ذكري على لذّة ال


الكأس وطوفٍ بالخذوف النَّحوص

إنَّك ذو عهد وذو مصدقٍ


مخالفاً هدي الكذوب اللَّموص

يا عبد هل تذكرني ساعةً


في موكب، أو رائداً للقنيص

يوماً مع الرّكب، إذا أوفضوا


نرفع فيهم من نجاء القلوص

قد يدرك المبطيء من حظّه،


والخير قد يسبق جهد الحريص

فلا يزل صدرك في ريبةٍ،


يذكر مني تلفي أو خلوص

يا نفس أبقي، واتَّقي شتم ذي ال


أعراض، إنَّ الحلم ما إن ينوص

يا ليت شعري وإن ذو عجةٍ


متى أرى شرباً حوالي أصيص

بيت جلوفٍ، باردٍ ظلُّه،


فيه ظباء، ودواخيل خوص

والرَّبرب، المكفوف أردانه


يمشي رويداً، كتوقيِّ الرَّهيص

ينفخ من أردانه المسك، وال


عنبر، والغلوى، ولبني قفوص

والمشرف المشمول نسقي به،


أخضر، مطموثاً بماء الخريص

ذلك خير من فيوجٍ على ال


باب، وقيدين، وغلّ قروص

أو مرتقى نيقٍ على نقنقٍ،


أدبر، عودٍ ذي إكافٍ قموص

لا يثمن البيع، ولا يحمل ال


رَّدف، ولا يعطى به قلب خوص

أو من نسورٍ حول موتى معاً،


يأكلن لحماً من طريّ الفريص


فيقول الشيخ: أحسنت والله أحسنت، لو كنت الماء الراكد لما أسنت. وقد عمل أديب من أدباء الإسلام قصيدة على هذا الوزن، وهو المعروف بأبي بكر بن دريدٍ، قال:

<P align=center>


يسعد ذو الجدِّ ويشقي الحريص،


ليس لخلقٍ عن قضاء محيص


ويقول فيها:

<P align=center>


أين ملوك الأرض من حميرٍ


أكرم من نصَّت إليهم فلوص

جيفر الوهَّاب أودى به،


دهر على هدم المعالي حريص


إلاّ أنَّك يا أبا سوادة أحرزت فضيلة السَّبق. وما كنت أختار لك أن تقول:

<P align=center>


يا ليت شعري وان ذو عجَّةٍ


......................


لأنّك لا تخلو من أحد أمرين: إمَّا أن تكون قد وصلت همزة القطع وذلك رديء، على أنّهم قد أنشدوا:

<P align=center>


أن لن أقاتل، فألبسوني برقعاً،


وفتخاتٍ في اليدين أربعا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:22


يزيد ما فعلت من إسقاط الهمزة بعداً أنّك حذفت الألف التي بعد النون، فإذا حذفت الهمزة من أوّل الكلمة بقيت على حرفٍ واحدٍ، وذلك بها إخلال. وإمّا أن تكون حقَّقت الهمزة فجعلتها بين بين، ثم اجترأت على تصييرها ألفاً خالصةٍ، وحسك بهذا نقضاً للعادة، ومثل ذلك قول القائل:

<P align=center>


يقولون: مهلاً ليس للشيخ عيَّلٌ


فها أنا قد أعيلت وان رقوب


ولو قلت:

<P align=center>


يا ليت شعري أنا ذو عجَّةٍ


......................


فحذفت الواو، لكان عندي أحسن وأشبه. فيقول عديُّ ابن زيد: إنّما قلت كما سمعت أهل زمني يقولون، وحدثت لكم في الإسلام أشياء ليس لنا بها علم، فيقول الشيخ: لا أراك تفهم ما أريده من الأغراض، ولقد هممت أن أسألك عن بيتك الذي استشهد به سيبويه، وهو قولك:

<P align=center>


أرواح مودع أم بكور،


أنت، فانظر لأيِّ حالٍ تصير [1]


فإنه يزعم أنَّ أنت يجوز أن يرتفع بفعلٍ مضمرٍ يفسره قولك: فانظر، وأنا استبعد هذا المذهب ولا أظنُّك أردته. فيقول عديّ بن زيدٍ: عني من هذه الأباطيل، ولكني كنت في الدار الفانية صاحب قنص، ولعلَّه قد بلغك قولي:

<P align=center>


ولقد أغدوا بطرفٍ زانه


وجه منزوفٍ وخدِّ كالمسن

ذي تليلٍ، مشنقٍ قائده،


يسر في الكفِّ، نهدٍ، ذي غسن

مدمجٍ كالقدح، لا عيب به،


فيرى فيه، ولا صدع أبن

رمَّه الباري، فسوّى درأه


غمز كفيّه، وتخليق السَّفن

أيُّ ثغرٍ ما يخف يندب له،


ومتى يخل من القود يصن

كربيب البيت يفري جلّه،


طاعة العضِّ، وتسحير اللَّبن

فبلغنا صنعه حتى شتا،


ناعم البال لجوجاً في السنن

فإذا جال حمار موحش،


ونعام نافر بعد عنن

شاءنا ذو ميعةٍ يبطرنا


خمر الأرض وتقديم الجنن

يدأب الشدَّ بسحٍّ مرسلٍ


كاحتفال الغيث بالمرِّ اليفن

أنسل الذِّرعان غرب خذم


وعلا الرَّبرب أزم لم يدن

فالذي يمسكه بحمده يحمده،


تثق كالسيِّد، ممتدُّ الرَّسن

وإذا نحن لدينا أربع


يهتدي السائل عنّا بالدَّخن


وقولي في القافية:

<P align=center>


ومجودٍ قد أسجهرَّ تناوي


كلون العهون في الأعلاق

عن خريف سقاه نوء من الدَّل


و تدلَّى، ولم توار العراقي

لم يعبه إلا الأداحيُّ فقد وب


ر بعض الرِّئال في الأفلاق

وإران الثِّيران حول نعاجٍ


مطفلاتٍ، يحمين بالأوراق

وتراهن كالأعزَّة في المح


فل، أو حين نعمةٍ وارتفاق

قد تبطَّنته بكفّيَّ خرَّا


ج من الخيل، فاضل في السَّباق

يسر في القياد نهد، ذقيف ال


عدو، عبل الشّوى أمين العراق

لم يقيَّل حرَّ المقيظ، ولم يل


جم لطوفٍ، ولا فساد نزاق

غير تيسيره لرغباء إن كا


نت، وحربٍ إن قلَّصت عن ساق

وله النَّعجة المريُّ تجاه ال


رَّكب، عدلاً بالنَّابىء المخراق

والخدبُّ العاري الزَّوائد ملحفا


ن، داني الدِّماغ للآماق


فهل لك أن نركب فرسين من خيل الجنَّة فنبعثهما على صيرانها، وخيطان نعامها، وأسراب ظبائها، وعانات حمرها، فإن للقنيص لذّة قد تنغصت لك بها؟ فيقول الشيخ: إنّما أنا صاحب قلم وسلمٍ، ولم أكن صاحب خيل، ولا ممَّن يسحب طويل الَّليل، وزرتك إلى منزلك مهنئاً بسلامتك من الجحيم، وتنعمُّمك بعفو الرحيم. وما يؤمنني إذا ركبت طرفاً زعلاً رتع في رياض الجنَّة فآض من الأشر مستسعلاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:24


، وأنا كما قال القائل:

<P align=center>


لم يركبوا الخيل إلاّ بعدما كبروا


فهم ثقال على أكنافها عنف


أن يلحقني ما لحق جلماً صاحب المتجرِّدة لمّا حمل على اليحموم، والتَّعرض لما لم تسبق بع العادة من الموم وقد بلغك ما لقي ولد رهيرٍ لمَّا وقص عن العتد ذي المير، فسلك في طريقٍ وعبٍ، وما انتفع ببكاء كعب؛ وكذلك ولدك علقمة، حلَّت في العاجلة به النقمة، لمَّا ركب للصَّيد فأصبح كجدَّه زيد، وقلت فيه:

<P align=center>


أنعم صباحاً علقم بن عديّ


أثويت اليوم لم ترحل!


وإنِّي لأحار يا معاشر العرب في هذه الأوزان التي نقلها عنكم الثّقات، وتداولتها الطبّقات؛ ومن كلمتك التي على الرَّاء، وأوّلها:

<P align=center>


قد آن أن تصحو أو تقصر،


وقد أتى لما عهدت عصر

عن مبرقات بالبرين، وتب


دو بالأكف اللامعات سور

بيض عليهنَّ الدَّمقس وبال


أعناق من تحت الأكفة درّ


ويجوز أن يقذفني السابح على صخور زمردٍ فيكسر لي عضداً أو ساقاً، فأصير ضحكةً في أهل الجنان. فيبتَّسم عديّ ويقول: ويحك! أما علمت أنَّ الجنة لا يرهب لديها السَّقم، تنزل بسكنها النَّقم؟ فيركبان سابحين من خيل الجنة، مركب كلِّ واحدٍ منهما لو عدل بممالك العاجلة الكائنة من أوَّلها إلى آخرها لرجح بها، وزاد في القيمة عليها. فإذا نظر إلى صوار ترتع في دقاري الفردوس، والدَّقاريُّ: الرياض، صوب مولاي الشيخ المطرد، وهو الرُّمح القصير، لأخنس ذيَّال قد رتع هناك طويل أيام وليال؛ فإذا لم يبق بين السنان وبينه إلا قيد ظفرٍ، قال: أمسك، رحمك الله، فإني لست من وحش الجنَّة التي أنشأها الله سبحانه ولم تكن في الدار الزائلة، ولكنيَّ كنت في محلة الغرور أرود في بعض القفار، فمرَّ بي ركب مؤمنون قي كري زادهم، فصرعوني واستعانوا بي على السَّفر، فعوضني الله، جلَّت كلمته، بأن أسكنني في الخلود. فيكفُّ عنه مولاي الشيخ الجليل.

ويعمد لعلجٍ وحشيٍّ، ما التلف عنده بمخشيّ، فإذا صار الخرص منه بقدر أنملة قال: أمسك يا عبد الله، فإن الله أنعم عليَّ ورفع عني البؤس، وذلك أنّي صادني صائد بمخلب، وكان إهابي له كالسلب، فباعه في بعض الأمصار، وصراه للسَّانية صارٍ، فاتُّخذ منه غربٌ، شفي بمائة الكرب، وتطَّهر بنزيعه الصَّالحون، فشملتني بركةٌ من أولئك، فدخلت الجنَّة أرزق فيها بغير حساب. فيقول الشيخ:ى فينبغي أن تتميزَّن، فما كان منكنَّ دخل الفانية فما يجب أن يختلط بوحوش الجنَّة. فيقول ذلك الوحشيُّ: لقد نصحتنا نصح الشقيق، وسوف نمتثل ما أمرت. وينصرف مولاي الشيخ الجليل وصاحبه عديّ فإذا هما برجلٍ يحتلب ناقةً في إناءٌ من ذهب، فيقولان: من الرَّجل؟ فيقول: أبو ذؤيب الهذليُّ. فيقولان: حييَّت وسعدت، لا شقيت في عيشك ولا بعدت، أتحتلب مع أنهار لبن؟ كأنَّ ذلك من الغبن. فيقول: لا بأس! إنما خطر لي ذلك مثلما خطر لكما القنيص، وإني ذكرت قولي في الدّهر الأول:

<P align=center>


وإنَّ حديثاً منك، لو تعلمينه،


جنى النّحل في ألبان عوذٍ مطافل

مطافيل أبكارٍ، حديث نتاجها


تشاب بماٍ مثل ماء المفاصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:25


فقيَّض الله بقدرته لي هذه النّاقة عائذاً مطفلاً. وكان بالنَّعم متكفّلاً، فقمت أحتلب على العادة، وأريد أن أشوب ذلك بضّرب نحلٍ، تبعن في الجنّة طريقة الفحل. فإذا امتلأ إناؤه من الرَّسل، كوّن الباري، جلَّت عظمته، خليّةً من الجوهر، رتع ثولها في الزَّهر، فاجتنى ذلك أبو ذؤيب، ومزج حليبه بلا ريب، فيقولك ألا تشربان؟ فيجرعان من ذلك المحلب جرعاً لو فرَّقت على أهل سقر لفازوا بالخلد شرعاً. فيقول عديُّ: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحقَّ. ونودوا أن تلكم الجنّة، أورثتموها بما كنتم تعملون. ويقول، أدام تمكينه، لعديّ: جئت بشيئين في شعرك، وددت أنَّك لم تأت بهما، أحدهما قولك:

<P align=center>


فصاف، يفرّي جلَّه عن سراته


يبذُّ الرّهان فارهاً متشابعاً


والآخر قولك:

<P align=center>


فليت دفعت الهمَّ عنّي ساعة


فنمسي على ما خيَّلت ناعمي بال


فيقول عديُّ بعباديته: يا مكبور، لقد رزقت ما يكب أن أن يشغلك عن القريض، إنما ينبغي أن تكون كما قيل لك: " كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون " قوله يامكبور، يريد: يامجبور، فجعل الجيم كافاً، وهي لغةٌ رديئةٌ يستعملها أهل اليمن. وجاء في بعض الأحاديث: أن الحارث بن هانىء بن أبي شمر بن جبلة الكندي، استلحم يوم ساباط فنادى: يا حكر يا حكر، يريد: يا حجر بن عديَّ الأدبر. فعطف عليه فاستنفذه. ويكب: في معنى يجب. فيقول، زاد الله في أنفاسه: إنَّي سألت ربَّي عزَّ سلطانه، ألاّ يحرمني في الجنّة تلذُّذاً بأدبي الذي كنت أتلذّذ به في عاجلتي، فأجابني إلى ذلك، وله الحمد في السّموات والأرض وعشيًّا وحين تظهرون.

[] النابغتان

ويمضي في نزهته تلك بشابيَّن يتحادثان، كلُّ واحدٍ منهما على باب قصرٍ من درٍّ؛ قد أعفي من البؤّس والضُّرّ. فيسلّم عليهما ويقول: من أنتما رحمكما الله، وقد فعل؟ فيقولان: نحن النابغتان، نابغة بني جعدة ونابغة بني ذبيان. فيقول، ثبَّت الله وطأته: أمّا نابغة جعدة فقد أستوجب ما هو فيه بالحنيفيَّة، وأمّا أنت يا أبا أمامة فما أدري ما هيّانك؟ أي ما جهتك، فيقول الذُّبيانيُّ: إني كنت مقرّاً بالله، وحججت البيت في الجاهليَّة، ألم تسمع قولي:

<P align=center>


فلا لعمر الذي قد زرته حججاً،


وما هريق على الأنصاب من جسد

والمؤمن العائذات الطير تمسحها


ركبان مكَّة بين الغيل والسَّند


وقولي:

<P align=center>


حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً،


وهل يأثمن ذو إمَّةٍ وهو طائع

بمصطحباتٍ من لصافٍ وثبرةٍ،


يردن ألالاً، سيرهنّ تدافع


ولم أدرك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فتقوم الحجّة عليَّ بخلافه. وإنَّ الله تقدَّست أسماؤه، عزَّ ملكاً وجلَّ، يغفر ما عظم بما قلَّ. فيقول، لا زال قوله عالياً: يا أبا سوادة، ويا أبا أمامة، ويا أبا ليلى، اجعلوها ساعة منادمةٍ، فإنَّ من قول شيخنا العباديّ:

<P align=center>


أيُّها القلب تعلَّل بددن


إنَّ همَّي في سماعٍ وأذن

وشرابٍ خسروانّيٍ، إذا


ذاقه الشيخ تغنَّى وأرجحن


وقال:

<P align=center>


وسماعٍ يأذن الشّيخ له


وحديثٍ مثل ماذيٍّ مشار


فكيف لنا بأبي بصير؟ فلا تتُّم الكلمة إلا وأبو بصيرٍ قد خمسهم، فيسبَّحون الله ويقدّسونه ويحمدونه على أن جمع بينهم، ويتلو، جمّل الله ببقائه، هذه الآية: " وهو على جمعهم إذا يشاء قدير " . فإذا أكلوا من طيّبات الجنَّة، وشربوا من شرابها الذي خزنه الله لعباده المتّقين قال، كتَّ الله أنف مبغضه: يا أبا أمامة إنَّك لحصيف الرأي لبيبٌ، فكيف حسَّن لك لبُّك أن تقول للنُّعمان بن المنذر:

<P align=center>


زعم الهمام بأنَّ فاها باردٌ


عذبٌ. إذا ما ذقته قلت ازدد

زعم الهمام، ولم أذقه، بأنّه


يشفى ببرد لثاتها العطش الصدى


ثمَّ استمرَّ بك القول، حتى أنكره عليك خاصَّةٌ وعامَّةٌ؟ فيقول النابغة بذكاءٍ وفهم: لقد ظلمني من عاب عليَّ، ولو أنصف لعلم أنَّني احترزت أشد احترازٍ. وذلك أنَّ النعمان كان مستهتراً بتلك المرأة، فأمرني أن أذكرها في شعري، فأردت ذلك في خلدي فقلت: إن وصفتها وصفاً مطلقاً، جاز أن يكون بغيرها معلَّقاً. وخشيت أن أذكر اسمها في النَّظم، فلا يكون ذلك موافقاً للملك، لأنَّ الملوك يأنفون من تسمية نسائهم، فرأيت أن أسند الصَّفة إليه فأقول: زعم الهمام، إذ كنت لو تركت ذكره لظنَّ السَّامع أن صفتي على المشاهدة، والأبيات التي جاءت بعد، داخلةٌ في وصف الهمام، فمن تأمَّل المعنى وجده غير مختلٍّ. وكيف ينشدون: وإذا نظرت فرأيت أقمر مشرقاً وما بعده؟ فيقول، أرغم الله أنف شانئه: ننشد: وإذا نظرت، وإذا لمست، وإذا طعنت، وإذا نزعت، على الخطاب. فيقول النابغة: قد يسوغ هذا، ولكنَّ الأجود أن تجعلوه إخباراً عن المكلّم، لأنّ قولي: زعم الهمام يؤدّي معنى قولنا: قال الهمام، فهذا أسلم، إذ كان الملك إنما يحكي عن نفسه. وإذا جعلتموه على الخطاب قبح: إن نسبتموه إليَّ فهو منديةٌ، وإن نسبتموه إلى النّعمان فهو إزراءٌ وتنقُّض. فيقول: أيدَّ الله الفضل بزيادة مدتّه: الله درُّك يا كوكب بني مرّة. ولقد صحف عليك أهل العلم من الرواة، وكيف لي بأبوي عمرو: المازنيّ والشّيبانيّ، وأبي عبيدة، وعبد الملك، وغيرهم من النّقلة لأسألهم: كيف يروون، وأنت شاهدٌ، لتعلم أني غير المتحرّض ولا الولاَّغ؟ فلا يقرُّ هذا القول في حذنَّة أبي أمامة إلاّ والرواة أجمعون قد أحضرهم الله القادر، من غير مشقّةٍ نالتهم، ولا كلفةٍ في ذلك أصابتهم، فيسلّمون بلطفٍ ورفقٍ. فيقول، أعلى الله قوله: من هذه الشّخوص الفردوسيَّة؟ فيقولون: نحن الرُّواة الذين شئت إحضارهم آنفاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:27


فيقول: لا إله إلاّ الله مكونَّاً مدوّناً، وسبحان الله باعثاً وارثاً، وتبارك الله قادراً لا غادراً!! كيف تروون أيُّها المرحومون قول النابغة في الداليَّة: وإذا نظرت، وإذا لمست، وإذا طعنت، وإذا نزعت، أبفتح التاء أم بضمّها؟ فيقولون: بفتحها. فيقول: هذا شيخنا أبو أمامة يختار الضَّمّ، ويخبر أنّه حكاه عن النَّعمان. فيقولون: هو كما جاء في الكتاب الكريم: " والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين " فيقول، ثبّت الله كلمته على التوفيق: مضى الكلام في هذا يا أبا أمامة، فأنشدنا كلمتك التي أوّلها:

<P align=center>


ألمَّا على المطمورة المتأبّدة


أقامت بها المربع المتجرّدة

مضمَّخة بالمسك مخضوبة الشَّوى


بدرٍ وياقوتٍ لها متقلّدة

كأنَّ ثناياها، وما ذقت طعمها


مجاجة نحلٍ في كميتٍ مبرَّده

ليقرر بها النّعمان عيناً فإنّها


له نعمةٌ، في كل يومٍ مجدده


فيقول أبو أمامة: ما أذكر أنّي سلكت هذا القريَّ قطُّ. فيقول مولاي الشيخ، زيَّن الله أيّامه ببقائه: إن ذلك لعجبٌ، فمن الذي تطوَّع فنسبها إليك؟ فيقول: إنَّها لم تنسب إليَّ على سبيل التَّطوع، ولكن على معنى الغلط والتَّوهمُّ، ولعلَّها لرجل من بني ثعلبة بن سعد. فيقول نابغة بني جعدة: صحبني شابٌّ في الجاهليّة ونحن نريد الحيرة، فأنشدني هذه القصيدة لنفسه، وذكر أنَّه من ثعلبة بن عكابة، وصادف قدومه شكاةً من النُّعمان فلم يصل إليه. فيول نابغة بني ذبيان: ما أجدر ذلك أن يكون! ويقول الشيخ، كتب الله لو مثوبة المتقيّن، لنابغة بني جعدة: يا أبا ليلى ، أنشدنا كلمتك التي على الشين التي تقول فيها:

<P align=center>


ولقد أغدو بشربٍ أنفٍ


قبل أن يظهر في الأرض ربش

معنا زقٌّ إلى سهمةٍ


تسق الآكال من رطبٍ وهشّ

فنزلنا بمليعٍ مقفرٍ


مسَّه طل من الدَّجن ورشّ

ولدينا قينةٌ مسمعةٌ


ضخمة الأرداف من غير نفش

وإذا نحن بإجل نافرٍ


ونعامٍ خيطه مثل الحبش

فحملنا ماهناً ينصفنا


فوق يعبوب من الخيل أجش

ثمّ قلنا: دونك الصَّيد به


تدرك المحبوب منَّا وتعش

فأتانا بشبوبٍ ناشط


وظليمٍ، ومعه أمُّ خشش

فاشتوينا من غريض طيّبٍ


غير ممنونٍ، وأبنا بغبش


فيقول نابغة بني جعدة: ما جعلت الشّين قطُّ رويّاً، وفي هذا الشعر ألفاظٌ لم أسمع بها قطُّ: ربشٌ، وسهمة، وخششٌ. فيقول مولاي الشيخ الأديب المغرم بالعلم: يا أبا ليلى، لقد طال عهدك بألفاظ الفصحاء، وشغلك شرابٌ ما جاءتك بمثله بابل ولا أذرعات، وثنتك لحوم الطَّير الرّاتعة في رياض الجنَّة، فنسيت ما كنت عرفت، ولا ملامة إذا نسيت ذلك، " إنّ أصحاب الجنَّة اليوم في شغلٍ فاكهون، هم وأزواجهم في ظلالٍ على الأرائك متَّكئون، لهم فيها فاكهةٌ ولهم ما يدَّعون " . أما ربش، فمن قولهم: أرضٌ ربشاء إذا ظهرت فيها قطعٌ من النَّبات وكأنَّها مقلوبةٌ عن برشاء، وأمَّا السهمة فشبيهةٌ بالسُّفرة تتَّخذ من الخوص، وأمّا خشش فإنّ عمرو الشَّيبانيّ ذكر في كتاب الخاء أن الخشش ولد الظبَّية. فكيف تنشد قولك:

<P align=center>


وليس بمعروف لنا أن نردّها


صحاحاً، ولا مستنكراً أن تعقَّرا


أتقول: ولا مستنكراً، أم مستنكرٍ؟ فيقول الجعديُّ: بل مستنكراً. فيقول الشيخ: فإن أنشد منشدٌ: مستنكرٍ، ما تصنع به؟ فيقول: أزجره وأزبره، نطق بأمرٍ لا يخبره. فيقول الشيخ، طول الله له أمد البقاء: إنّا لله وإنَّا إليه راجعون، ما أرى سيبويه إلاَّ وهم في هذا البيت، لأنَّ أبا ليلى أدرك جاهليةً وإسلاماً، وغذي بالفصاحة غلاماً. وينثني إلى أعشى قيس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:28


فيقول: ... يا أبا بصيرٍ أنشدنا قولك:




أمن قتلة بالأنقا


ء دارٌ غير محلولة

كأن لم تصحب الحيَّ


بها بيضاء عطبوله

أناةٌ ينزل القوسيَّ


منها منظرٌ هوله

وما صهباء من عانة


في الذارع محموله

تولَّى كرمها أصه


ب يسقيه ويغدو له

ثوت في الخرس أعواماً


وجاءت، وهي مقتوله

بماء المزنة الغرّا


ء راحت، وهي مشموله

بأشهى منك للظّمآ


ن لو أنَّك مبذوله


فيقول أعشى قيس: ما هذه ممّا صدر عنَّي، وإنَّك منذ اليوم لمولعٌ بالمنحولات. ويمرُّ رفٌ من إوزّ الجنَّة، فلا يلبث أن ينزل على تلك الرَّوضة ويقف وقوف منتظر لأمرٍ، ومن شأن طير الجنَّة أن يتكلَّم، فيقول: ما شأنكنَّ؟ فيقلن: ألهمنا أن نسقط في هذه الرَّوضة فنغنّي لمن فيها من شربٍ. فيقول: على بركة الله القدير. فينتفضن، فيصرن جواري كواعب يرفلن في وشي الجنَّة، وبأيديهنّ المزاهر وأنواع ما يلتمس به الملاهي. فيعجب، وحقَّ له العجب، وليس ذلك ببديعٍ من قدوة الله جلَّت عظمته، وعزَّت كلمته، وسبغت على العالم نعمته، ووسعت كلَّ شيءٍ رحمته، ووقعت بالكافر نقمته. فيقول لإحداهنَّ على سبيل الامتحان: اعملي قول أبي أمامة، وهو هذا القاعد:




أمن آل ميَّة رائحٌ أو مغتد


عجلان ذا زادٍ وغير مزوَّد؟


ثقيلاً أوَّل. فتصنعه، فتجيء به مطرباً، وفي أعضاء السامع متسربّاً. ولو نحت صنمٌ من أحجار، أو دفٌّ أشر عند النَّجَّار، ثمّ سمع ذلك الصوت لرقص، وإن كان متعالياً هبط ولم يراع أن يوقص. فيرد عليه، أورد الله قلبه المحابّ، زولٌ، تعجز عنه الحيل والحول، فيقول: هلمَّ خفيف الثَّقيل الأوَّل! فتنبعث فيه بنغمٍ لو سمعه الغريض، لأقرَّ أنَّ ما ترنَّم به مريضٌ. فإذا أجادته، وأعطته المهرة وزادته، قال: عليك بالثقيل الثاني، ما بين مثالثك والمثاني؛ فتأتي به على قريٍّ لو سمعه عبد الله بن جعفر لقرن أغانيَّ بديحٍ إلى هدير ذي المشفر. فإذا رأى ذلك قال: سبحان الله! كل ما كشفت القدرة بدت لها عجائب، لا تثبت لها النجائب؛ فصيري إلى خفيف الثقيل الثاني، فإنّك لمجيدةٌ محسنة، تطرد بغنائك السّنة. فإذا فعلت ما أمر به، أتت بالبرحين، وقالت للأنفس: ألا تمرحين؟ ثمَّ يقترح عليها: الرَّمل وخفيفه، وأخاه الهزج وذفيفة؛ وهذه ألألحان الثمانية، للأذن تمنيها المانية. فإذا تيقّن لها حذافةً، وعرف منها بالعود لباقةً، هلَّل وكبَّر، وأطال حمد ربَّه واعتبر. وقالك ويحك! ألم تكوني السّاعة إوزَّةً طائرة، والله خلقك مهديَّة لا حائرة؟ فمن أين لك هذا العلم، كأنّك لجذل النفس خلم؟ لو نشأت بين معبدٍ وابن سريج، لما هجت السامع بهذا الهيج، فكيف نفضت بله إوزّ، وهززت إلى الطَّرب أشدَّ الهزَّ؟ فتقول: وما الذي رأيت من قدرة بارئك؟ إنّك على سيف بحرٍ، لا يدرك له عبرٌ، سبحان من يحيي العظام وهي رميم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:29


[] لبيد

فبينا هم كذلك، إذ مرَّ شابٌ في يده محجن ياقوت، ملكه بالحكم الموقوت، فيسلّم عليهم فيقولون: من أنت؟ فيقول: أنا لبيد بن ربيعة بن كلاّب. فيقولون: أكرمت أكرمت! لو قلت: لبيدٌ وسكتّ، لشهرت باسمك وإن صمت. فما بالك في مغفرة ربَّك؟ فيقول: أنا بحمد الله في عيشٍ قصّر أن يصفه الواصفون، ولديَّ نواصف وناصفون، لا هرم ولا برم. فيقول الشيخ: تبارك الملك القدُّوس، ومن لا تدرك يقينه الحدوس، كأنَّك لم تقل في الدار الفانية:

<P align=center>


ولقد سئمت من الحياة وطولها


وسؤال هذا النّاس: كيف لبيد


ولم تفه بقولك:

<P align=center>


فمتى أهلك فلا أحفله


بجلى الآن من العيش بجل!

من حياةٍ قد مللنا طولها


وجديرٌ طول عيشٍ أن يملّ؟


فأنشدنا ميميتَّك المعلَّقة. ... فيقول: هيهات! إنَّي تركت الشعر في الدار الخادعة، ولن أعود إليه في الدار الآخرة، وقد عوضّت ما هو خيرٌ وأبرّ. فيقول: أخبرني عن قولك:

<P align=center>


ترَّاك أمكنةٍ، إذا لم أرضها


أو، يرتبط بعض النُّفوس حمامها


هل أردت ببعض معنى كلٍّ؟ فيقول لبيدٌ: كلا، إنَّما أردت نفسي، وهذا كما تقول للرَّجل: إذا ذهب مالك، أعطاك بعض الناس مالاً، وأنت تعني نفسك في الحقيقة، وظاهر الكلام واقعٌ على كلّ إنسان، وعلى كلّ فرقة تكون بعضاً للناس..فيقول، لا فتىء خصمه مفحماً: أخبرني عن قولك: أو يرتبط، هل مقصدك: إذا لم أرضها أو يرتبط، فيكون: لم يرتبط؟ أم غرضك: أترك المنازل إذا لم أرضها، فيكون يرتبط كالمحمول على قولك: ترَّاك أمكنةٍ؟ فيقول لبيدٌ: الوجه الأوّل أردت. فيقول، أعظم الله حظّه في الثواب: فما مغزاك في قولك:

<P align=center>


وصبوح صافيةٍ وجذب كرينة


بموتَّر تأتاله إبهامها؟


فإن الناس يروون في هذا البيت على وجهين: منهم من ينشده تأتاله، يجعله تفتعله، من آل الشيء يؤوله إذا ساسه، ومنهم من ينشد: تأتاله من الإتيان. فيقول لبيدٌ: كلا الوجهين يحتمله البيت، فيقول، أرغم الله حاسده: إنّ أبا عليّ الفارسيّ كان يدّعي، في هذا البيت، أنَّه مثل قولهم: استحى يستحي، على مذهب الخليل وسيبويه لأنهما يريان أنَّ قولهم: استحيت، إنما جاء على قولهم استحاي، كما أن استقمت على استقام، وهذا على مذهبٌ ظريفٌ، لأنّه يعتقد أنّ تأتى مأخوذةٌ من أوى، كأنّه بني منها افتعل، فقيل: ائتاي، فأعلّت الواو كما تعلُّ في قولنا: اعتان من العون، واقتال من القول. ثمّ قيل: ائتيت، فحذفت الألف، كما يقال: اقتلت. ثمّ قيل في المستقبل، بالحذف، كما قيل: يستحى. فيقول لبيدٌ: معترضٌ لعننٍ لم يعنه، الأمر أيسر ممّا ظنَّ هذا المتكلَّف. ويقول لبيدٌ: سبحان الله يا أبا بصير، بعد إقرارك بما تعلم، غفر لك وحصلت في جنّة عدن؟ فيقول مولاي الشيخ متكلّماً عن الأعشى: كأنّك يا أبا عقيلٍ تعني قوله:

<P align=center>


وأشرب بالرّيف حتى يقا


ل: قد طال بالرّيف ما قد دجن

صريفيّةً طيّباً طعمها


تصفَّق ما بين كوبٍ ودنّ

وأقررت عيني من الغانيا


ت، إمَّا نكاحاً وإمّا أزنّ


وقوله:

<P align=center>


فبتُّ الخليفة من بعلها


وسيَّد تيّا ومستادها


وقوله:

<P align=center>


فظللت أرعاها، وظلَّ يحوطها


حتى دنوت إذ الظّلام دنا لها

فرميت غفلة عينه عن شاته


فأصبت حبَّة قلبها وطحالها


ونحو ذلك ممّا روي عنه؛ فلا يخلو من أحد أمرين: إمَّا أن يكون قاله تحسيناً للكلام على مذهب الشُّعراء، وإمّا أن يكون فعله فغفر له. قل يا عبادي الذَّين أسرفوا على أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله، إنَّ الله يغفر الذُّنوب جميعاً، إنَّه هو الغفور الرَّحيم.. إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً. ويقول، رفع الله صوته، لنابغة بني جعدة: يا أبا ليلى، إنَّي لأستحسن قولك:

<P align=center>

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:31

<P align=center>


طيبّة النَّشر، والبداهة، وال


علاَّت، عند الرُّقاد والنَّسم

كأنَّ فاها، إذا تنبَّه، من


طيب مشيمٍّ وحسن مبتسم

يسنُّ بالضّرو من براقش، أو


هيلان، أو ضامرٍ من العتم

ركزّ في السام والزَّبيب، أقا


حيُّ كثيب، تعلُّ بالرّهم

بماء مزنٍ، من ماء دومة قد


جرّد في ليل شمال شبم

شجّت به قرقفٌ من الرّاح، إس


فنط عقارٍ، قليلة النَّدم

ألقي فيها فلجان من مسك دا


رين، وفلجٌ من فلفل ٍ ضرم

ردّت إلى أكلف المناكب، مر


سومٍ، مقيم في الطَّين؛ محتدم

جونٍ كجوز الحمار، جرَّدة ال


بيطار، لا ناقسٍ، ولا هزم

تهدر فيه، وساورنه كما


رجَّع هدرٌ من مصعبٍ قطم


أين طيب هذه الموصوفة، من طيب من تشاهده من الأتراب العرب؟ كلاّ والله! أين الأهل من الغرب؟ وأين فوها المذكّر، من أفواهٍ ما ولب إليها المنكر؟ إنَّها لتفضل على تلك، فضل الدُّرة المختزنة على الحصاة الملقاة، والخيرات الملتمسة على الأعراض المتّقاة. ما سامك أيّها الرَّجل وزبيبك؟ ما حسن في العاجلة حبيبك. وإنَّ ثغراً يفتقر إلى قضيب البشام ليجشم حليفه بعض الإجشام! لولا أنَّه ضري بالحبر ما افتقر إلى ضرو مطلوب، أو غصنٍ من العتم مجلوب. وما الماء الذي وصفته من دومة، وغيره ينافي اللَّومة؟ أليس هو إن أقام أجن، ولا يدوم للماكث إذا دجن؟ وإن فقد برد الشَّمأل؛ رجع كغيره من السَّمل. تلقي الغسر فيه الهابة، وتشبُّه الغرَّاء الشابَّة. والغرَّاء: الهاجرة ذات السَّراب. وما قرقفك هذه المشجوجة، ولو أنّها للشّربة محجوبة؟ قربت من حاجتك فلا تنط، لا كانت الفيهج ولا الإسفنط؛ طالما ثملت في وفقتك فندمت، وأنفقت ما تملك فعدمت. ما عقارك وما فلجاك؟ زالت عن مقلتك دجاك ؟! ولو دخل مسك دارين، جنة ربّنا الموهوبة لغير الممارين، لعدَّ في ترابها الذَّفر كصيق المقتول، أو دنس قدمٍ مبتول. زعمت أنَّها تطيّب بالفلفل، وشبهَّها غيرك بنسيم القرنفل ! إنّ في هذه المنزلة لنشراً، لا يزيد على نشر الفانية عشراً، ولكن يشفُّ بعددٍ لا يدرك، ليس وراءه مترك. نزاهة لهذه القهوة أن تدَّخر في أكلف مناكب، من حفظه عدَّ النّاكب! أصبح بطينها مرسوماً، وضع في المتربص وسوماً، فهو جون كجوز الحمار، لا سلم ذخراً للخمَّار! ليس بناقسٍ ولكن منقوص، ذمّه المتحنّف ومن فناؤه القوس تهدر فيه الصهباء المعتصرة وهي قرب نتاج، كالسِّقاب الموضوعة بغير خداج. فإذا وصلت سنَّ البازل بطل الهدير، وأدارها في الكأس مدير. ويخطر له، جعل الله الإحسان إليه مربوباً، وودَّه في الأفئدة مشبوباً، غناء القيان بالفسطاط ومدينة السّلام. ويذكر ترجيعهنَّ ميميّة المخبَّل السّعدي فتندفع تلك الجواري التي نقلتهنّ القدرة من خلق الطَّير اللاقطة، إلى خلق حورٍ غير متساقطة، تلحِّن قول المخبَّل السَّعديّ:

<P align=center>


ذكر الربَّاب وذكرها سقم


وصبا، وليس لمن صبا عزم

وإذا ألمَّ خيالها طرفت


عيني، فماء شؤونها سجم

كاللّؤلؤ المسجور توبع في


سلك النِّظام، فخانه النَّظم


فلا يمرُّ حرف ولا حركة، إلاَّ ويوقع مسرّةً لو عدلت بمسرّات أهل العاجلة، منذ خلق الله آدم إلى أن طوى ذرِّيته من الأرض، لكانت الزائدة على ذلك، زيادة اللّج المتموج على دمعة الطّفل، والهضب الشامخ على الهباءة المنتفضة من الكفل. ويقول لندمائه: ألا تسمعون إلى قول السّعديّ:

<P align=center>


وتقول عاذلتي، وليس لها


بغدٍ، ولا ما بعده علم

إنَّ الثوّاء هو الخلود، وإ


نَّ المرء، يكرب يومه العدم

ولئن بنيت لي المشقَّر في


عنقاء، تقصر دونها العصم

لتنقِّبن عني المنيَّة إ


نَّ الله ليس كحكمه حكم


فيقول إنّه المسكين، قال هذه الأبيات، وبنو آدم في دار المحن والبلاء، يقبضون من الشّدائد على السُّلاّء؛ والوالدة تخاف المنيَّة على الولد، ولا يزال رعبها في الخلد؛ والفقر يرهب ويتَّقى، والمال يطلب ويستبقى؛ والسَّغب موجود والظَّماء، والكمه معروف والكماء؛ ولم يكفف للغير عنان، ولا سكنت بالعفو الجنان. فالحمد لله الذي أذهب عنَّا الحزن إنَّ ربَّنا لغفور شكور. الذي أحلَّنا دار المقامة من فضله، لا يمسُّنا فيها نصب ولا يمسُّنا فيها لغوب. فتبارك الله القدُّوس! نقل هؤلاء المسمعات من زيِّ ربَّات الأجنحة، إلى زيِّ ربات الأكفال المترجِّحة؛ ثمّ ألهمهنَّ بالحكمة حفظ أشعارٍ لم تمرر قبل بمسامعهنَّ، فجئن بها متقنةً، محمولة على الطَّرائق ملحَّنة، مصيبةً في لحن الغناء، منزّهةً عن لحن الهجناء. ولقد كانت الجارية في الدار العاجلة، إذا تفرِّست فيها النَّجابة، وأحضرت لها الملحِّنة لتلقي إليها ما تعرف من ثقيلٍ وخفيف، وتأخذها بمأخذٍ غير ذفيف؛ تقيم معها الشّهر كريتاً، قبل أن تلقَّن كذباً حنبريتاً: بيتاً من الغزل أو بتيتن، ثم تعطى المائة أو المائتين. فسبحان القادر على كل عزيز، والمميِّز لفضله كلَّ مزيز.

رباب

ويقول نابغة بني جعدة، وهو جالس يستمع: يا أبا بصير أهذه الربَّاب التي ذكرها السّعديُّ، هي ربابك التي ذكرتها في قولك:

<P align=center>


بعاصي العواذل، طلق اليدي


ن يعطي الجزيل، ويرخي الإزارا

فما نطق الدِّيك حتى ملأ


ت كوب الزَّباب له فاستدارا

إذا انكبَّ أزهر بين السُّقا


ة تراموا به غرباً أو نضاراً


فيقول أبو بصيرٍ: قد طال عمرك يا أبا ليلى، وأحسبك أصابك الفند، فبقيت على فندك إلى اليوم! أما علمت أنَّ اللواتي يسمَّين بالرَّباب أكثر من أن يحصين؟ أفتظن أنَّ الربّاب هذه، هي التي ذكرها القائل:

<P align=center>


ما بال قومك يا رباب


خزراً كأنّهم غضاب

غاروا عليك، وكيف ذا


ك ودونك الخرق اليباب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:33


أو التي ذكرها امرؤ القيس في قوله:

<P align=center>


دار لهندٍ، والربَّاب، وفرتنى


ولميس، قبل حوادث الأيام


لعلّ أمّها أمُّ الربّاب المذكورة في قوله:

<P align=center>


وجارتها أمِّ الربّاب بمأسل


.....................


فيقول نابغة بني جعدة: أتكلمني بمثل هذا الكلام يا خليع بني ضبيعة، وقد مُتَّ كافراً، وأقررت على نفسك بالفاحشة، وأنا لقيت النبيَّ، صلى الله عليه وسلّم، فأنشدته كلمتي التي أقول فيها:

<P align=center>


بلغنا السّماء مجدنا وسناءنا


وإنّا لنبغي فوق ذلك مظهرا!


فقال: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقلت: إلى الجنّة بك يا رسول الله! فقال: لا يفضض الله فاك. أغرّك أن عدَّك بعض الجهَّال رابع الشُّعراء الأربعة؟ وكذب مفضِّلك، وإنِّي لأطول منك نفساً، وأكثر تصرُّفاً. ولقد بلغت بعدد البيوت ما لم يبلغه أحد من العرب قبلي، وأنت لاهٍ بعفارتك، تفتري على كرائم قومك. وإن صدقت فخزياً لك ولمقارّك! ولقد وفِّقت الهزّانيّة في تخليتك: عاشرت منك النّابح، عشي فطاف الأحوية على العظام المنتبذة، وحرص على انتباث الأجداث المنفردة. فيغضب أبو بصير فيقول: أتقول هذا وإنَّ بيتاً ممّا بنيت ليعدل بمائةٍ من بنائك؟ وإن أسهبت منطقك، فإنَّ المسهب كحاطب الليل. وإنّي لفي الجرثومة من ربعية الفرس، وإنّك لمن بني جعدة، وهل جعدة إلاّ رائدة ظليم نفور؟ أتعيِّرني في مدح الملوك؟ ولو قررت يا جاهل على ذلك لهجرت إليه أهلك وولدك، ولكنّك خلقت جباناً هداناً، لا تدلج في الظّلماء الدّاجية، ولا تهجَّر في الوديقة الصاخدة. وذكرت لي طلاق الهزّانية ولعلّها بانت عني مسرّة الكمد، والطّلاق ليس بمنكرٍ للسُّوق ولا للملوك. فيقول الجعديُّ: اسكت يا ضلَّ بني ضلّ، فأقسم أنّ دخولك الجنَّة من المنكرات، ولكنَّ الأقضية جرت كما شاء الله! لحقُّك أن تكون في الدّرك الأسفل من النّار، ولقد صلي بها من هو خير منك، ولو جاز الغلط على ربِّ العزّة، لقلت: إنَّك غلط بك! ألست القائل:

<P align=center>


فدخلت إذ نام الرّقي


ب، فبتُّ دون ثيابها

حتى إذا ما استرسلت


للنّوم، بعد لعابها

قسَّمتها نصفين ك


لُّ مسوَّدٍ يرمى بها

فثنيت جيد غريرةٍ


ولمست بطن حقابها

كالحقَّة الصّفراء صا


ك عبيرها بملابها

وإذا لها تامورة


مرفوعة لشرابها


واستقللت ببني جعدة، وليوم من أيَّامهم يرجح بمساعي قومك. وزعمتني جباناً وكذبت! لأنا أشجع منك ومن أبيك، وأصبر على إدلاج المظلمة ذات الأريز، وأشدُّ إيغالاً في الهاجرة أمِّ الصَّخدان. ويثب نابغة بني جعدة على أبي نصير فيضربه بكوز من ذهب. فيقول: أصلح الله به وعلى يديه: لا عربدة في الجنان، إنّما يعرف ذلك في الدار الفانية بين السَّفلة والهجاج، وإنّك يا أبا ليلى لمتنزِّع. وقد روى في الحديث، أنَّ رجلاً صاح بالبصرة: يا آل قيسٍ! فجاء النابغة الجعديُّ بعصيّةٍ له، فأخذه شرط ابي موسى الأشعريّ فجلده لأنَّ النبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: من تعزىّ بعزاء الجاهليّة فليس منّا. ولو لا أنَّ في الكتاب الكريم: " لا يصدَّعون عنها ولا ينزفون " لظننَّاك أصابك نزف في عقلك. فأمّا أبو بصيرٍ فما شرب إلاّ اللَّبن والعسل، وإنَّه لوقور في المجلس، لا يخفُّ عند حلِّ الحبوة. وإنّما مثله معنا مثل أبي نواسٍ في قوله:

<P align=center>


أيُّها العاذلان في الراح لوما


لا أذوق المدام إلاَّ شميما

نالني بالعتاب فيها إمام


لا أرى لي خلافه مستقيما

إنّ حظيَّ منها، إذا هي دارت


أن أراها، وأن أشمَّ النّسيما

فاصرفاها إلى سواي، فإنّي


لست إلا على الحديث نديما

فكأنّي وما أحسِّن منها


قعديُّ يحسِّن التَّحكيما

لم يطق حمله السّلاح إلى الحر


ب، فأوصى المطيق ألاّ يقيما


فيقول نابغة بني جعدة قد كان النّاس في أيّام الخادعة يظهر عنهم السَّفه بشرب الّلبن، لا سيَّما إذا كانوا أرقَّاء لئاماً، كما قال الراجز:

<P align=center>


يا ابن هشام أهلك النّاس اللَّبن


فكلُّهم يغدو بسيفٍ وقرن


وقال آخر:

<P align=center>


ما دهر ضبَّة، فاعلم، نحت أثلتنا


وإنّما هاج من جهَّالها اللَّبن


وقيل لبعضهم: متى يخاف شرُّ بني فلانٍ؟ قال: إذا ألبنوا. فيريد، بلَّغه الله إرادته، أن يصلح بين النُّدماء، فيقول: يحب أن يحذر من ملكٍ يعبر فيرى هذا المجلس، فيرفع حديثه إلى الجبار الأعظم، فلا يجرُّ ذلك إلاَّ ما تكرهان، واستغنى ربُّنا أن ترفع الأخبار إليه، ولكن جرى مجرى الحفظة في الدار العاجلة، أما علمتما أنّ آدم خرج من الجنَّة بذنبٍ حقير، فغير آمنٍ من ولد أن يقدر له مثل ذلك. فسألتك يا أبا بصير بالله هل يهجس لك تمنَّي المدام؟ فيقول: كلا والله! إنها عندي لمثل المقر لا يخطر ذكرها بالخلد. فالحمد لله الذي سقاني عنها السُّلوانة، فما أحفل بأمِّ زنبقٍ أخرى الدهر. وينهض نابغة بني جعدة مغضباً، فيكره، جنَّبه الله المكاره، انصرافه على تلك الحال، فيقول: يا أبا ليلى، إنَّ الله، جلَّت قدرته، منَّ علينا بهؤلاء الحور العين اللواتي حوَّلهنَّ عن خلق الإوز، فاختر لك واحدة منهنَّ فلتذهب معك إلى منزلك، تلاحنك أرقَّ اللَّحان. وتسمعك ضروب الألحان. فيقول لبيد بن ربيعة: إن أخذ أبو ليلى قينةً، وأخذ غيره مثلها، أليس ينتشر خبرها في الجنَّة، فلا يؤمن أن يسمَّى فاعلو ذلك أزواج الإوزّ. فتضرب الجماعة عن اقتسام أولئك القيان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:34


[] حسان بن ثابت

ويمرُّ حسَّان بن ثابت فقولون: أهلاً أبا عبد الرحمن، ألا تحدَّث معنا ساعة؟ فإذا جلس إليهم قالوا: أين هذه المشروبة من سبيئتك التي ذكرتها في قولك:

<P align=center>


كأن سبيئة من بيت رأس


يكون مزاجها عسل وماء

على أنيابها، أو طعم غضٍّ


من التُّفاح هصَّره اجتناء

على فيها، إذا ما اللّيل قلَّت


كواكبه، ومال بها الغطاء

إذا ما الأشربات ذكرن يوماً


فهنَّ لطيِّب الرَّاح الفداء


ويحك! ما استحييت أن تذكر مثل هذا في مدحتك رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: إنَّه كان أسحج خلقاً ممَّا تظنُّون، ولم أقل إلا خيراً، لم أذكر أنِّي شربت خمراً، ولا ركبت ممّا حظر أمراً، وإنّما وصفت ريق امرأةٍ، يجوز أن يكون حلاً لي، ويمكن أن أقوله على للظَّنِّ. وقد شفع صلى الله عليه وسلم في أبي بصيرٍ بعد ما تهكَّم في مواطن كثيرة، وزعم أنَّه مسترٍ، مفترياً أو ليس بمفترٍ. وما سمع بأكرم منه صلى الله عليه وسلم: لقد أفكت فجلدني مع مسطحٍ ثم وهب لي أخت مارية فولدت لي عبد الرحمن، وهي خالة ولده إبراهيم. وهو، زين الله الآداب ببقائه، يخطر في ضميره أشياء، يريد أن يذكرها لحسّان وغيره، ثم يخاف أن يكونوا لما طلب غير محسنين، فيضرب عنها إكراماً للجليس، مثل قول حسّان:

<P align=center>


يكون مزاجها عسل وماء


....................


عرض له أن يقول: كيف قلت يا أبا عبد الرحمن: أيكون مزاجها عسل وماء، أم مزاجها عسلاً وماء، أم مزاجها عسل وماء على الابتداء والخبر؟ وقوله:

<P align=center>


فمن يهجو رسول الله منكم


ويمدحه وينصره؛ سواء


ذهب بعضهم إلى أنَّ من محذوفة من قولك: ويمدحه وينصره، على أن ما بعدها صلة لها. وقال قوم: حذفت على أنَّها نكرة، وجعل ما بعدها وصفاً لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف. ويقول قائل من القوم: كيف جبنك يا أبا عبد الرَّحمن؟ فيقول: ألي يقال هذا وقومي أشجع العرب؟ ماذا اراد ستَّة منهم أن يميلوا على أهل الموسم بأسيافهم، وأجاروا النبيَّ، صلى الله عليه وسلّم، على أن يحاربوا معه كلَّ عنودٍ؛ فرمتهم ربيعة ومضر وجميع العرب عن قوس العداوة، وأضمروا لهم ضغن الشَّنآن. وإن ظهر منّي تحرُّز في بعض المواطن، فإنّما ذلك على طريقة الحزم، كما جاء في الكتاب الكريم: ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرِّفاً لقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ، فقد باء بغضبٍ من الله، ومأواه جهنَّم وبئس المصير.

[] عوران قيس

ويفترق أهل ذلك المجلس، بعد أن أقاموا فيه كعمر الدُّنيا أضعافاً كثيرةً، فبينا هو يطوف في رياض الجنَّة، لقيه خمسة نفرٍ على خمس أينق، فيقول: ما رأيت أحسن من عيونكم في أهل الجنان! فمن انتم خلد عليكم النّعيم؟ فيقولون: نحن عوران قيسٍ: تميم بن مقبلٍ العجلانيّ وعمرو بن أحمر الباهليُّ والشَّمّاخ، معقل بن ضرار، أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان، وراعي الإبل، عبيد بن الحصين النُّميريّ، وحميد ابن ثور الهلاليِّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:35


[] قصيدة الشماخ

فيقول للشَّمّاخ بن ضرارٍ: لقد كان في نفسي أشياء من قصيدتك التي على الزاي، وكلمتك التي على الجيم، فأنشدنيهما لا زلت مخلَّداً كريماً. فيقول: لقد شغلني عنهما النَّعيم الدائم فما أذكر منهما بيتاً واحداً. فيقول لفرط حبّه الأدب وإيثاره تشييد الفضل: لقد غفلت أيُّها المؤمن وأضعت! أما علمت أنَّ كلمتيك، أنفع لك من ابنتيك؟ ذكرت بهما الموطن، وشهرت عند راكب السَّفر والقاطن؛ وإنَّ القصيدة من قصائد النابغة، لأنفع له من ابنته عقرب، ولعل تلك شانته، وما زانته، وأصابها في الجاهلية سباء، وما وفر لأجلها الحباء. وإن شئت أن أنشدك قصيدتيك، فإن ذلك ليس بمتعذرٍ عليّ. فيقول: أنشدني، ضفت عليك نعمة الله، فينشده:

<P align=center>


عفا من سليمى بطن قوٍ، فعالز


فذات الغضا، فالمشرفات النَّواشز


فيجده بها غير عليم. ويسأله عن أشياء منها، فيصادفه بها غير بصير، فيقول: شغلتني لذائذ الخلود عن تعهُّد هذه المنكرات: " إن المتَّقين في ظلالٍ وعيونٍ، وفواكه ممَّا يشتهون، كلوا وأشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون " ، إنّما كنت أسق هذه الأمور، وأنا آمل أن أفقر بها ناقةً، أو أعطى كيل عيالي سنةً، كما قال الراجز:

<P align=center>


لو شاك من رأسك عظم يابس


لآل منك جمل حمارس

سوى عليك الكيل شيخ بائس


مثل الحصى يعجب منه اللامس


وأنا الان في تفضُّل الله، أغترف في مرافد العسجد من أنهار اللَّبن: فتارةً ألبان الإبل، وتارةً ألبان البقر، وإن شئت لبن الضأن فإنّه كثير جمٌّ، وكذلك لبن المعيز، وإن أحببت ورداً من رسل الأرواي، فربّ نهرٍ منه كأنه دجلة أو الفرات. ولقد أراني في دار الشّقوة أجهد أخلاف شياهٍ لجباتٍ، لا يمتلىء منهنَّ القعب. فيقول، لا زال مقولاً للخير: فأين عمرو بن أحمر؟ فيقول عمروٌ: ها أنا ذا. فيقول: أنشدني قولك:

<P align=center>


بان الشّباب، وأخلف العمر


وتغيَّر الإخوان والدّهر


وقد اختلف الناس في تفسير العمر، فقيل: إنّك أردت البقاء، وقيل: إنّك أردت الواحد من عمور الأسنان، وهو اللَّحم الذي بينها. فيقول عمرو متمثلاً:

<P align=center>


خذا وجه هرشى أو كلاهما، فإنَّه


كلا جانبي هرشى لهنّ طريق


ولم تترك فيَّ أهوال القيامة غبَّراً للانشاد، أما سمعت الآية: " يوم ترونها تذهل كلُّ مرضعةٍ عمَّا ارضعت، وتضع كل ذات حملٍ حملها، وترى النَّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذاب الله شديد " وقد شهدت الموقف، فالعجب لك إذ بقي معك شيء من روايتك! فيقول الشيخ: إنّي كنت أخلص الدُّعاء في أعقاب الصلوات، قبل أن أنتقل من تلك الدار، أن يمتعني الله بأدبي في الدُّنيا والآخرة، فأجابني إلى ما سألت وهو الحميد المجيد: ولقد يعجبني قولك:

<P align=center>


ولقد غدوت، وما يفزِّعني


خوف أحاذره ولا ذعر

رؤد الشَّباب، كأنّني غصن


بحرام مكّة، ناعم نضر

كشراب قيلٍ عن مطيَّته


وكلِّ أمرٍ واقعٍ قدر

مدّ النَّهار له، وطال علي


ه الليل واستنعت به الخمر

ومسفة دهماء داجنة


ركدت، وأسبل دونها السِّتر

وجرادتان تغنِّيانهم


وتلألأ المرجان والشَّذر

ومجلجل دانٍ زبرجده


حدب كما يتحدَّب الدَّبر

ونَّان حنَّانان، بينهما


وتر أجشُّ، غناؤه زمر

وبعيرهم ساجٍ بجرَّته


لم يؤذه غرث ولا نفر

فإذا تجرّد، شق بازله


وإذا أصاخ فإنّه بكر

خلّوا طريق الديدبون فقد


ولَّى الصَّبا وتفاوت النَّجر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:37


[] تميم بن أبي

فيقول: أيكم تميم بن أبيّ؟ فيقول رجل منهم: ها أنا ذا. فيقول أخبرني عن قولك:

<P align=center>


يا دار سلمى خلاءً لا أكلِّفها


إلاّ المرانة حتى تسأم الدنيا


ما أردت بالمرانة؟ فقد قيل: إنّك أردت اسم امرأة، وقيل: هي اسم ناقةٍ، وقيل: العادة. فيقول تميم: والله ما دخلت من باب الفردوس ومعي كلمة من الشعر ولا الرَّجز، وذلك أنّي حوسبت حساباً شديداً، وقيل لي: كنت فيمن قاتل عليَّ بن أبي طالب. وانبرى لي النَّجاشي الحارثيّ، فما أفلتُّ من اللّهب حتى سفعني سفعات. وإن حفظك لمبقىً عليك، كأنّك لم تشهد أهوال الحساب، ومنادي الحشر يقول: أين فلان ابن فلان؟ والشّوس الجبابرة من الملوك تجذبهم الزّبانية إلى الجحيم، والنسِّوة ذوات التِّيجان يصرن بألسنة الوقود، فتأخذ في فروعهنَّ وأجسادهنَّ، فيصحن: هل من فداء؟ هل من عذرٍ يقام؟ والشباب من أولاد الأكاسرة يتضاغون في سلاسل النار ويقولون: نحن أصحاب الكنوز، نحن أرباب الفانية، ولقد كانت لنا إلى الناس صنائع وأيادٍ فلا فادي ولا معين! فهتف داعٍ من قبل العرش: " أولم نعمِّركم ما يتذكّر فيه من تذكَّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " لقد جاءتكم الرسل في زمانٍ بعد زمانٍ، وبذلت ما وكّد من الأمان، وقيل لكم في الكتاب: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفَّى كلُّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون " فكنتم في لذات السَّاخرة واغلين، وعن أعمال الآخرة متشاغلين، فالآن ظهر النبأ، لا ظلم اليوم إنَّ الله قد حكم بين العباد. فيقول، أنطقه الله بكل فضل، إن شاء ربُّه أن يقول: أنا أقص عليك قصّتي: لما نهضت أنتفض من الرّيم، وحضرت حرصات القيامة، والحرصات مثل العرصات، أبدلت الحاء بالعين ذكرت الآية: " تعرج الملائكة والرُّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، فاصبر صبراً جميلاً فطال علي الأمد، واشتد الظمأ والومد، والومد: شدَّة الحرِّ وسكوت الرّيح، كما قال أخوكم النّميري:

<P align=center>


كأن بيض نعامٍ في ملاحفها


جلاه طلٌّ وقيظ ليله ومد


وأنا رجل مهياف أي سريع العطش، فافتكرت فرأيت أمراً لا قوام لمثلي به. ولقيني الملك الحفيظ بما زبر من فعل الخير، وجدت حسناتي قليلة كالنُّفا في العام الأرمل والنفأ الرياض، والأرمل قليل المطر. إلا أن التوبة في آخرها كأنها مصباح أبيلٍ، رفع لسالك السبيل. فلمَّا أقمت في الموقف زهاء شهر أو شهرين، وخفت في العرق من الغرق، زينت لي النفس الكاذبة أن أنظم أبياتاً

] مدح رضوان

في رضوان، خازن الجنان، عملتها في وزن: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ووسمتها برضوان. ثمّ ضانكت الناس حتى وقفت منه بحيث يسمع ويرى، فما حفل بي، ولا أظنّه أبه لما أقول. فغبرت برهة، نحو عشرة أيام من أيّام الفانية، ثم عملت أبياتاً في وزن:

<P align=center>


بان الخليط ولو طووعت ما بانا


وقطَّعوا من حبال الوصل أقرانا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:38


ووسمتها برضوان، ثمّ دنوت منه ففعلت كفعلي الأوَّل، فكأني أحرك ثبيراً، وألتمس من الغضرم عبيراً، والغضرم: تراب يشبه الجصَّ، فلم أزل أتتبع الأوزان التي يمكن أن يوسم بها رضوان حتى أفنيتها، وأنا لا أجد عنده مغوثةً، ولا ظننته فهم ما أقول، فلمّا استقصيت الغرض فما أنجحت، دعوت بأعلى صوتي: يا رضوان، يا أمين الجبَّار الأعظم على الفراديس، ألم تسمع ندائي بك واستغاثتي إليك؟ فقال: لقد سمعتك تذكر رضوان وما علمت ما مقصدك، فما الذي تطلب أيها المسكين؟ فأقول: أنا رجل لا صبر لي على اللواب أي العطش وقد استطلت مدة الحساب، ومعي صل بالتوبة، وهي للذنّوب كلّها ماحية، وقد مدحتك بأشعارٍ كثيرة ووسمتها باسمك. فقال: وما الأشعار؟ فإني لم أسمع بهذه الكلمة قطّ إلا الساعة. فقلت: الأشعار جمع شعرٍ، والشعر كلام موزون تقبله الغريزة على شرائط، إن زاد أو نقص أبانه الحسُّ، وكان أهل العاجلة يتقربّون به إلى الملوك والسادات، فجئت بشيء منه إليك لعلك تأذن لي بالدُّخول إلى الجنة في هذا الباب، فقد استطلت ما الناس فيه، وأنا ضعيف منين؛ ولا ريب أنّي ممن يرجو المغفرة، وتصحُّ له بمشيئة الله تعالى. فقال: إنك لغبين الرأي! أتأمل أن آذن لك بغير إذن من رب العزة؟ هيهات هيهات! وأنَّى لهم التناوش من مكان بعيد.

[] مدح زفر

فتركته وانصرفت بأملي إلى خازن آخر يقال له زفر، فعملت كلمةً ووسمتها باسمه في وزن قول لبيد:

<P align=center>


تهنى ابنتاي أن يعيش أبوهما


وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضر


وقربت منه فأنشدتها، فكأني إنّما أخاطب ركوداً صمّاء، لأستنزل أبوداً عصماء. ولم أترك وزناً مقيّداً ولا مطلقاً يجوز أن يوسم بزفر إلا وسمته به، فما نجع ولا غيَّر. فقلت: رحمك الله! كنَّا في الدار الذاهبة نتقرّب إلى الرئيس والملك بالبيتين أو الثلاثة، فنجد عنده ما نحب، وقد نظمت فيك ما لو جمع لكان ديواناً، وكأنّك ما سمعت لي زجمةً أي كلمة، فقال: لا أشعر بالذي حممت أي قصدت، وأحسب هذا الذي تجيئني به قرآن إبليس المارد، ولا ينفق على الملائكة، إنّما هو للجان وعلَّموه ولد آدم، فما بغيتك؟ فذكرت له ما أريد، فقال: والله ما أقدر على نفع ولا أملك لخلق من شفع، فمن أي الأمم أنت؟ فقلت: من أمة محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب. فقال: صدقت ذلك، نبي العرب، ومن تلك الجهة أتيتني بالقريض، لأنّ إبليس اللعين نفثه في إقليم العرب فتعلَّمه نساء ورجال. وقد وجب عليّ نصحك، فعليك بصاحبك لعلّه يتوصّل إلى ما ابتغيت. فيئست ممّا عنده، فجعلت أتخلل العالم،

[] حمزة بن عبد المطلب

فإذا أنا برجل عليه نور يتلألأ، وحواليه رجال تأتلق منهم أنوار. فقلت: من هذا الرجل؟ فقيل: هذا حمزة بن عبد المطَّلب صريع وحشيٍّ، وهؤلاء الذين حوله من استشهد من المسلمين في أحدٍ. فقلت لنفسي الكذوب: الشّعر عند هذا أنفق منه خازن الجنان، لأنَّه شاعر، وإخوته شعراء، وكذلك أبوه وجدُّه، ولعلَّه ليس بينه وبين معدِّ بن عدنان إلا من قد نظم شيئاً من موزون، فعملت أبياتاً على منهج أبيات كعب بن مالكٍ التي رثى بها حمزة، وأوّلها:

<P align=center>


صفية قومي ولا تعجزي


وبكّي النّساء على حمزة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى   رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى I_icon_minitimeالثلاثاء 24 أبريل 2012 - 19:39


وجئت حتى وليت منه فناديت: يا سيّد الشهداء، يا عمَّ رسول الله صلَّى الله عليه سلّم، يا ابن عبد المطَّلب! فلّما أقبل عليّ بوجهه أنشدته الأبيات. فقال: ويحك! أفي مثل هذا الموطن تجيئني بالمديح؟ أما سمعت الآية: " لكلِّ امرىء ٍمنهم يومئذ شأنٌ يغنيه " فقلت: بلى قد سمعتها، وسمعت ما بعدها: " وجوهٌ يومئذ سفرةٌ، ضاحكةٌ مستبشرةٌ، ووجوهٌ يومئذٍ عليها غبرةٌ، ترهقها قترةٌ، أولئك هم الكفرة الفجرة " . فقال: إنَّي لا أقدر على ما تطلب. ولكني أنفذ معك توراً، أي رسولاً إلى ابن أخي عليّ بن أبي طالبٍ، ليخاطب النبيَّ، صلّى الله عليه وسلَّم، في أمرك. فبعث معي رجلاً، فلمّا قصَّ قصتّي على أمير المؤمنين، قال: أين بيَّنتك؟ يعني صحيفة حسناتي. وكنت قد رأيت في المحشر شيخًا لنا كان يدرِّس النحو في الدار العاجلة، يعرف بأبي عليّ الفارسيّ، وقد امترس به قومٌ يطالبونه، ويقولون: تأوَّلت علينا وظلمتنا. فلمّا رآني أشار إليّ بيده ، فجئته فإذا عنده طبقةٌ، منهم يزيد بن الحكم الكلابيُّ، وهو يقول: ويحك، أنشدت عني هذا البيت برفع الماء، يعني قوله:

<P align=center>


يت كفافاً كان شرُّك كلُّه


وخيرك عني ارتوى الماء مرتوي


ولم أقل إلاَّ الماء.وكذلك زعمت أنِّي فتحت الميم في قولي:

<P align=center>


تبدَّل خليلاً بي، كشكلك شكله،


فإنّي خليلاً صالحا ًبك مقتوي


وإنّما قلت: مقتوي بضمِّ الميم. وإذا هناك راجزٌ يقول: تأوّلت عليّ أنّي قلت:

<P align=center>


يا إبلي ما ذنبه فتأبيه؟


ماءٌ رواءٌ ونصيُّ حوليه


فحرَّكت الياء في تأبيه ووالله ما فعلت ولا غيري من العرب وإذا رجلٌ آخر يقول: ادّعيت عليَ أن الهاء راجعةٌ على الدَّرس في قولي:

<P align=center>


هذا سراقة للقرآن يدرسه،


والمرء عند الرَّشا إن يلقها ذيب


فمجنونٌ أنا حتّى أعتقد ذلك؟

[ قاضي حلب

وإذا جماعةٌ من هذا الجنس كلُّهم يلومونه على تأويله. فقلت: يا قوم، إن هذه أمورٌ هيِّنةٌ،فلا تعتنوا هذا الشيخ، فإنّه يمتُّ بكتابه في القرآن المعروف بكتاب الحجَّة، وإنه ما سفك لكم دماً،ولا أحتجن عنكم مالاً، فتقرَّقوا عنه. وشغلت بخطابهم والنَّظر في حويرهم، فسقط منَّي الكتاب الذي فيه ذكر التَّوبة، فرجعت أطلبه فما وجدته، فأظهرت الوله والجزع، فقال أمير المؤمنين: لا عليك، ألك شاهدٌ بالتَّوبة؟ فقلت: نعم، قاضي حلب وعدولها. فقال: بمن يعرف ذلك الرجل؟ فأقول: بعبد المنعم بن عبد الكريم قاضي حلب، حرسها الله، في أيَّام شبل الدَّولة، فأقام هاتفاً يهتف في الموقف: يا عبد المنعم بن عبد الكريم قاضي حلب في زمان شبل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
رسالة الغفران لأبي العلاء المعرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 3انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3  الصفحة التالية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: