«الهوية».. مصدر أمان الأمة..

«الهوية».. مصدر أمان الأمة..
العلماء: غرس القيم الدينية يحافظ على الثقافة الأصيلة للأفراد



فى حرب أكتوبر تجلت الهوية المصرية بأسمى معانيها - تصوير - أنطوان ألبير
تعريف الاجيال بتاريخ وطنهم مع الاستفادة بعلوم العصر.. ضرورة

قبل مائة عام من الآن، أى عام 1919 مرت مصر بأهم حدث فى تاريخها، علت فيه روح الانتماء الوطنى على الطائفية والحزبية والمذهبية، دون أدنى اعتبار لاختلاف فى الدين والعرق، فقد تم تذويب كل هذه الفوارق فى حب الوطن، وهذا ما تجلى فى كل الحروب التى خاضتها مصر، ومنها حرب أكتوبر .

علماء الدين وخبراء التربية والإعلام طالبوا بغرس القيم الدينية والوطنية والأخلاقية فى السلوك باعتباره يحمى الثقافة الأصيلة لدى الأفراد عند انفتاحهم على الحضارات الأخري، مشددين على ضرورة تعريف الأجيال بتاريخ وطنهم مع الاستفادة بعلوم العصر.

يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، رئيس الجامعة المصرية للثقافة الإسلامية بكازاخستان، عضو مجمع البحوث الإسلامية: لقد صنع رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم نموذج الإنسان المسلم المتصالح مع الله ومع الناس، المحب للدين والوطن، والعبادة والمدنية، والشريعة والحضارة، وتكامل فيه عنصرا الروح والمادة فى توازن منضبط، وهو ما ينبغى أن نبنى به المجتمع وسط طوفان المتغيرات المعاصرة، لقد وازن المسلم بين هذه الحقائق الإيمانية والكونية بالفهم السديد لقوله تعالي (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)، حيث فهم الفرد والمجتمع أنه ليس من شأن المسلم الفاقه لدينه أن يعيش لآخرته فقط، وإنما عليه أن يحيا لدينه ودنياه، فإنه صاحب رسالة فى الحياة يقوم على عمارتها، ملتزمًا ومرددًا قول الحق تبارك وتعالي(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، فما كان له أن يقيم خصومة بين الدين والمدنية، وليس له أن يضحى بأحدهما لحساب الآخر، أو يتقاعس أو يتكاسل عن العمل لهما ومن أجلهما فى كل وقت وحين، شعاره: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»، وهو حجة على كل من يقيم خصومة لا أساس لها بين الحياتين المتكاملتين.

وهذه الهوية بعناصرها التأسيسية، هى الصرح الشامخ لبناء الفرد والمجتمع على أصول قويمة، وركائز داعمة، فهى السند للذات الفردية والاجتماعية، ومصدر القوة والصلابة فى بناء الشخصية، لا تنفك عن الذات الإنسانية أو تنعزل عنها بحسبانها عامل التميز والعلامة الفارقة لها عن سواها من الأفراد والمجتمعات الأخري.

وباستقراء الحالة الشخصية للفرد والأمة يتبين دور الهوية والإيمان لدى الشخصية المصرية العربية الإسلامية فى مدى الحفاظ على الكيان الفردى والجماعى عبر القرون والأجيال، فقد كان الأساس الحافظ على الشخصية من الذوبان فى سواها، المدافع عن وجود الأمة والدولة، الضامن لتماسك نسيجها المجتمعى ضد دعاوى الفرقة والهزيمة ومؤامرات التفكيك لبنيتها الموحدة.

وترتيبًا على ذلك، فلا مناص من إحياء الهوية فى ضمير الفرد، وتوجيه المؤسسات المجتمعية إلى القيام بدورها فى استعادتها، وامتداد ذلك إلى جميع فئات المجتمع .

تعزيز الهوية الوطنية

ويرى الدكتور سامى عبد العزيز، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن بناء الشخصية الوطنية عبر وسائل الإعلام، لن يأتى إلا من خلال تقديم برامج بعيدة عن النسخ أو التعريب أو التقليد للبرامج الأجنبية، ولكن تعمل على تقديم واقعنا الثقافى الثرى والمتميز، من خلال إبداع وطنى خالص، فضلاً عن أعمال درامية كاشفة عن رحلة الجهد والعرق التى مر بها مجتمعنا، وسيرة قادته، والمخلصين من أبنائه، من خلال رؤية حية يحفظها الأبناء، باعتبار أن الدراما هى الذاكرة المرئية لتاريخ الأمم، ولاسيما أن إحدى الوظائف الأساسية للإعلام هى نقل التراث وربط الأجيال به، وهو فى حد ذاته جوهر تنمية الهوية وبناء الشخصية الوطنية.

كما ينبغى أن تتحمل وسائل الإعلام مسئوليتها الاجتماعية، وأمانة الكلمة وخطورتها، ودورها فى نشر الوعى بين أبناء الوطن بالتحديات التى تواجه مسيرته المظفرة، عبر غرس قيم الوفاء له، والذود عنه، باعتبار ذلك أحد أهم وظائف الإعلام، بعيدًا عن الإغراق فى وظائف الترفيه على حساب باقى الوظائف.

وأضاف إن تعزيز الهوية الوطنية ينبغى أن ينبع من رؤية إستراتيجية توضع الخطط البرامجية على أساسها، وتنطلق منها كافة القوالب والأشكال والبرامج، وذلك من خلال ربط المواطن بواقعه، وتحفيز الانتماء الوطنى لديه، وتحقيق الإنجازات، واستنفار الطاقات، وإلقاء الضوء على الكفاءات الوطنية، ورعاية الموهوبين، وتنمية التفكير المبدع فى كافة المجالات.

إننا بحاجة إلى تقديم النموذج والقدوة والمسئولية والمهنية فى التعاطى مع القضايا عبر تجارب واقعية، فضلاً عن تعريف الأجيال بتاريخ وطنهم والوفاء له، كل ذلك يأتى مع أهمية الانفتاح على كافة الثقافات، والاستفادة من علوم العصر ومعارفه الحضارية المتطورة، وأن نتعامل مع الآخر على قدم المساواة، أخذًا وعطاء؛ عندئذ يكون إعلامنا بحق قد قام بالدور المأمول فى تعزيز الهوية الوطنية وبناء شخصية المواطن المصري.

نقلة نوعية

ويقول الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بتربية عين شمس: إن إحداث نقلة نوعية فى مستقبل التعليم لتعزيز الوسطية والاعتدال لا يعنى الوقوف عند حدود الكم، بل تجاوز ذلك إلى تغييرات كيفية فى العملية التعليمية نفسها، حيث تنطلق مهمة التعليم فى المستقبل لتعزيز الوسطية والاعتدال من خلال توسيع دائرة المتاح أمام الأجيال القادمة، فالإتاحة هى الهدف الذى يسعى لأن تكون المعارف فى متناول الجميع، والمستقبل يتوافق مع شيوع نظرية وحدة المعرفة التى تثبت يومًا بعد يوم صلاحيتها الدائمة لاقتحام المستقبل، فالتقسيم التقليدى بين العلوم والآداب والدراسات التطبيقية لم يعد أمرًا مقدسًا؛ إذ إن التداخل بين الفروع المختلفة، والتزاوج بين المعارف المتعددة قد خلق شبكة جديدة لم يكن لها وجود من قبل، ذلك أنها تقوم على وعى كامل باحتياجات البشرية. فالتعليم الجديد يبشر بعمليات بناء ذاتى لا يحتاج فيها إلى قوى داعمة أو عوامل مساعدة، والتعليم هو مرادف لمعنى التعلم الذاتى الذى يسعى فيه الفرد للحصول على المعلومة واقتنائها واختزانها واستخدامها عند اللزوم.

الانتماء وحب الوطن

ويرى الدكتورجمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة، أن للأئمة دورا عظيما فى غرس حب الوطن والانتماء إليه فى نفوس ووعى وذاكرة المصريين، من خلال تذكير المصريين بضرورة الانتماء إلى الثقافة الوطنية، وإلى الإحساس بالتميز عن الأمم الأخري، وضرورة أن يحافظ المصريون على استقلالهم الفكرى والقيمى عن الحضارات الأخري، وأن يتعارفوا على الأمم وثقافاتهم وخبراتهم، ولكن دون ذوبان أو انهيار للثقافة المصرية الأصيلة؛ فعنصر الاستقلال من العناصر المهمة فى تكوين الشخصية الوطنية.

ويبرز دور الأئمة فى نشر تعاليم الدين الإسلامى الصحيح، والتركيز على غرس القيم الدينية والأخلاقية فى عادات وسلوكيات المصريين، ومما يساعد على ذلك أن الشرائع السماوية تتفق فى القيم الأخلاقية، وذلك لأن مصدرها واحد، ولا ينكر أحد دور الدين فى تفعيل الحياة الاجتماعية؛ لما له من دور محورى مركزى فى حياة الناس، وكذلك للدين دور مهم فى تكريس قيم المجتمع، وللدين أيضًا دور فاعل فى تحقيق التضامن الاجتماعى والتماسك والانسجام والتكامل داخل أبنية المجتمع، وكذلك يمثل الدين آلية من آليات الضبط الاجتماعى وذلك من خلال تقديس نظام القيم والمعايير الاجتماعية