موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
باكى - 67
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
الحربي - 36
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
زهرالورد - 30
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
الأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_rcapالأوديسة " ، تأليف هوميروس Voting_barالأوديسة " ، تأليف هوميروس Vote_lcap 

 

 الأوديسة " ، تأليف هوميروس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:33

مقدمة
وهذه هي قصة الأوديسة، وبطلها أوديسيوس، أو أوليسيس، أو عولس كما يسميه الشرقيون.
وقصة الأوديسة ملحمة متفرعة من قصة حروب طروادة، تلك الحروب الطويلة القديمة التي نشبت بين جيوش دول المدن اليونانية وبين جيوش طروادة(1) وحلفائها من آسيا الصغرى في ذلك الوقت، وسببها هو ما ذكرناه في قصة الإلياذة، إذ نزل باريس بن الملك بريام ملك طروادة ضيفًا على الملك منلوس ملك أسبارطة فلم يلبث أن سرق زوجته وكنوزه وفر إلى طروادة، فنشبت الحرب التي دامت عشر سنوات حتى استطاعت الجيوش اليونانية اقتحام المدينة بفضل الحيلة التي أشار بها أوديسيوس بطل قصة الأوديسة، وهي حيلة الحصان الخشبي الضخم الذي اختبأت فيه نخبة من أشجع فرسان الجيش اليوناني.. مما هو مذكور في قصة حروب طروادة.
وقصة الأوديسة هي إحدى الملاحم التي نظمها الشاعر الأعمى هوميروس في تاريخ تلك الحروب الطويلة المريرة.. ولم يبق من تلك الملاحم إلا قصة الإلياذة، وهي تاريخ السنة العاشرة من تلك الحروب أما قصة الأوديسة فتروى ما حدث لبطلها أوديسيوس بعد انتهاء حرب طروادة، وذلك في طريق عودته بحرًا من طروادة إلى مملكته إيثاكا.. لقد لقى أوديسيوس من المتاعب، وخاصة من المغامرات، شيئًا كثيرًا وقاسى من الأهوال ما نقرأ تفصيلاته في تلك الملحمة.. أي القصة التي يتحدث فيها الشاعر عن ألوان البطولة والقوة والحب والحرب ومواجهة الظروف القاسية التي لا يصبر عليها إلا أشجع الشجعان.
والقصة تروي أن بنلوب ملكة إيثاكا وزوجة البطل أوديسيوس كانت امرأة عظيمة نبيلة وعلى قسط كبير من الجمال، وكان لها ابن واحد اسمه تليماك ـ أو تليماخوس ـ كان لا يزال صبيا صغيرًا في أول القصة، وأن ملوك اليونان الأقوياء الظالمين لما رأوا أن أوديسيوس قد تأخر عن العودة إلى بلاده، وطالت السنون والأيام ولم يعد إليها ظنوا أنه قد مات أو غرق، فطمع كل منهم في الزواج من بنلوب الجميلة، وأقدموا يخطبونها، لكن بنلوب الوفية الطاهرة كانت تردهم ردًا جميلا، وتعدهم أنها حينما تفرغ من نسج ثوب تظاهرت بالعمل فيه على منسجها فسوف تنظر في خطبتهم لتختار من بينهم زوجًا لها بدلا من أوديسيوس، وهي إنما كانت تحتال بتلك الحيلة عسى أن يكون زوجها لا يزال حيًا وعسى أن يعود ليحارب هؤلاء الملوك السمجاء الذين أقبلوا من بلادهم وحاصروا قصر بنلوب ولم يشاءوا الانصراف عنه حتى تختار لها زوجا منهم.
ويحسن هنا أن نتذكر أن معظم الأمم القديمة كانت أممًا وثنية، ولم يكونوا يعبدون إلهًا واحدًا، بل كانوا يعبدون آلهة متعددة، وكان اليونانيون بالمثل يعبدون مئات من تلك الآلهة التي كان كبيرها زيوس، رب السماء والأرض والصواعق في نظر اليونانيين، ثم أخوه نبتيون، أو بوسيدون، رب البحار، ثم أخوه بلوتو أو هيدز أو حادس رب الموتى والدار الآخرة؛ وكان لزيوس زوجات كثيرات أنجب منهن ابنه أبوللو رب الشمس وديانا ربة القمر، مينرفا ربة الريح والحكمة والعدالة وأربابًا كثيرين غير هؤلاء سوف نلقاهم في هذه القصة كما لقيناهم في قصة الإلياذة وسوف نضحك كثيرًا على سخافاتهم.
ومن العجب أن هؤلاء الأرباب الأغبياء قد انقسموا على أنفسهم في تلك الحروب المهلكة، فبعضهم كان يؤيد أهل طروادة ضد اليونانيين، وبعضهم كان يؤيد اليونانيين ضد أهل طروادة.
وقد كانت مينرفا ربة الحكمة والعدالة تؤيد أوديسيوس وتعطف على ابنه تليماك، ولذلك تنكرت في صورة بطل من الأبطال ثم زارته لتطلب إليه أن يذهب للبحث عن والده لأنه لم يمت، بل لا يزال حيًا يكافح في سبيل الوصول إلى دياره.
فلماذا إذن تأخر أوديسيوس عن الوصول إلى إيثاكا؟ وماذا عانى من الأهوال في طريقه إليها؟ وماذا صنع حينما عاد؟ وماذا كان من أمر زوجته بنلوب وأمر ولده تليماك، وأمر أعدائه الملوك اليونانيين؟
هذا هو موضوع الأوديسة، تلك القصة الرائعة التي لم نشأ أن نترجمها ترجمة تطابق أصلها اليوناني، بل فضلنا روايتها رواية تيسر فهمها وتعطي خلاصتها لكثرة ما ورد فيها من أسماء الآلهة وأنصاف الآلهة وما أثقلها به هوميروس من أسماء الأبطال الخرافيين والحوادث العارضة التي قد يثقل على ذهن القارئ الملول متابعتها.
وننصح للقارئ بالرجوع إلى قصة الإلياذة ليجمع بين الصورتين، كما ننصحه بقراءة كتاب الأساطير اليونانية حتى يحصل على صورة متكاملة لهذا القصص اليوناني الرائع الذي يقرأه اليوم جميع الشباب في مكتباتهم المدرسية ومكتبات بيوتهم في جميع أرجاء العالم، لما فيه من شحذ للفكر وتنبيه للخيال، وما يشتمل عليه من صور البطولة والشجاعة وتعويد القراء على التفكير إزاء كل مشكلة أو صعوبة يواجهها.
هذا، وقد قمنا بكثير من التعديلات في القصة وفي الأسلوب تيسيرًا على شباب القراء ومما لا يخفى على إخواننا القراء القدامى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:37

بين مينرفا وتليماك
أنشد يا هوميروس؟
وظل في فم الأبد قيثارته المرنة، ونايه المطرب، وعوده الآنَّ، ونعمته الحلوة الحنون؟
أنشد يا شاعر العصر الخالي.
وحل في الأسماع موسيقى مدوية، وفي العيون دموعًا جارية، وفي القلوب رحمة ومحبة، وانفح عرائس الشعر من لدنك سلطانًا، وحكمة وبيانًا، وسريرًا وصولجانًا.
تغن يا شاعر أولمب!
ولترسل من جنتك نعمة تنتظم الأفلاك، ورنة تجلجل في الأفق، وآهة تزلزل قلوب الجبارين!
* * *
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:39

سقطت إليوم(2) ونزح المغير عنها بخيله ورجله، فتعالي يا عرائس الفنون فافقدي أوديسيوس في ذلك البحر اللجي يذرعه؛ موجة تلبسه وموجة تخلعه، لا يعرف لمملكته ساحلا فيرسو عليه، ولا شاطئًا فيقصد إليه... يخبط في اليمِّ على غير هدى، ويرسل عينيه في الماء والسماء على غير بصيرة... زرقة متصلة في العلو والسفل، وتيه لا نهائي يخبط في أحشائه أسطول السادة المنتصرين...
والأقدار وحدها تعلم لماذا ضل أوديسيوس بجنوده في ذلك العباب، وقد عاد كل أقرانه إلى هيلاس بعد طول النأي وشحط المزار، إلا هو وإلا هم، ممزقين في دار الغربة كل ممزق، يتجشمون المصائب والأهوال، ويتخبطون بين موج كالجبال، ويخلصون من بحر إلى بحر، ومن روع إلى روع. فإذا أرسوا على أرض وظنوا أنهم نجوا، أفزعهم فيها غير الذي رجوا...
ولقد رقت قلوب الآلهة، وودوا لو أدركوا برحمتهم أوديسيوس... إلا نبتيون الجبار، رب البحار، الذي يضمر للبطل في أعماقه كل كراهية وكل بغضاء، والذي آلى أن يصب على رأسه كل تلك الأرزاء...
وحدث أن كان نبتيون في حرب مع الأثيوبيين، فانتهزها الآلهة فرصة سانحة، وعقدوا مجلس الأولمب في ذروة جبل إيدا، وتفضل الإله الأكبر، زيوس(3)، فافتتح الجلسة بكلمة مخلصة توجع فيها لما يلقاه من بني الإنسان من صروف الحدثان، واستطرد فذكر مأساة أجاممنون المسكين وما لقيه على يدي زوجه وعشيقها الأثيم إيجستوس من غدر وغيلة، ثم أنحى باللائمة على هؤلاء البشر البائسين الذين يقولون إن كل ما يصيبهم من خير وضير هو من عند الآلهة، وما هو إلا من عند أنفسهم... ولكن لا يفهمون؟
ثم نهضت مينرفا ربة الحكمة، ذات العينين الزبرجديتين، فأيدت ما قال أبوها سيد الآلهة، وأثنت عليه، ثم ذكرت أوديسيوس... «ذلك التعس المسكين الذي تخطفه هو وصحبه البحر، وقُضي عليه دون أقرانه جميعًا أن يشقى هذا الشقاء الطويل، عند عروس الماء الفاتنة كلبسو في جزيرة أوجيجيا، ثمانية أعوام أو يزيد ما ذنبه؟ ما جريرته؟ لماذا ينفى هذا العبد الصالح في أقصى الأرض يا أبي؟ خير عبادك أجمعين، أذكّرك: ضحى الأضحيات باسمك، وقدم القرابين من أجلك، وحارب أعداءك وجاهد شانئيك! لقد نمى إليّ أن كلبسو تحاول جاهدة أن تستميل قلب البطل، وأن تنسيه وطنه إيثاكا... يا للهول! كيف يا أبتاه! وهذه الزوجة التعسة بنلوب؟! بنلوب المحزونة المرزَّأة! بنلوب التي صبرت وصابرت طوال هذه السنين على ماكرثها الدهر به من بعد زوجها؛ بنلوب التي حافظت على طهرها وإخلاصها؛ أتظل هكذا سجينة في قصرها المنيف الباذخ، ويظل هذا القصر محاصرًا بخطابها المجانين من أمراء الأقاليم!! أبي! يا سيد الأولمب! ألا تدرك برحمتك أوديسيوس، وترده إلى وطنه ليذود هذه الكلاب التي ولغت في حوضه، وكادت تخوض في عرضه؟ تداركه يا أبي، تداركه بعطفة واحدة منك، وإنك على إنقاذه لقوي مكين».
واستجاب لها سيد الأولمب، وقضى أن يعود أوديسيوس إلى إيثاكا؛ لكنه ذكرها برب البحار نبتيون، وذكرها بما بينه وبين البطل من تراث وثارات، سببها هذه الفعلة الجنونية التي فعلها أوديسيوس بواحد من السيكلوبس(4)، أبناء نبتيون، إذ اقتلع عينه الواحدة التي كان ينعم بسبيلها بزينة الحياة... اطمئني يا بنية وقرّي عينًا.. إننا نحن الأعلون، وسيرى نبتيون أنه لن يغلب الآلهة مجتمعة أبدًا...
وشاعت الغبطة في أعطاف مينرفا، وتضرعت إلى مولاها أن ينفذ ولده هرمز إلى جزيرة أوجيجيا فيأمر عروس الماء كلبسو أن تعد مركبًا عظيما لأوديسيوس ورفاقه، ليعودوا عليه إلى أوطانهم؛ ثم ذكرت أنها ستمضي من فورها إلى إيثاكا حيث الخطاب المآفين يحاصرون قصر بنلوب، وحيث ابن أوديسيوس المنكود، تليماك، يشهد خراب مملكة أبيه ولا يستطيع أن يحرك ساكنًا، لصغر سنه.. «إني سألهب إحساسه، وأفتح عينيه على ما ينبغي... سأجعله يخرج من هذه العزلة المعيبة ليبحث عن والده، فإنه لم يعد طفلا بعد..».
وانطلقت مينرفا فربطت نعليها السحريتين، على قدميها الجميلتين، وحملت رمحها العظيم الذي تقطر المنايا من سنانه، ووضعت تاجها المرصع على رأسها الكبير، وأطلقت ساقيها للريح حتى كانت بعد لحظة على مقربة من قصر أوديسيوس، فهبطت من السماء إلى الأرض؛ وفي لمحة انقلبت فاتخذت شكل الآدميين، وتخايلت في جسمان الأمير منتس(5) وطيلسانه، ثم تقدمت فدخلت ردهة القصر الواسعة، حيث اجتمع الخطاب المجانين من أجل وليمة، وتلفتت يمنة ويسرة، ورأت الفتى السادر الساهم الحزين تليماك، وقد تعقدت فوق جبينه هموم... وهموم، وتغضنت ملء أساريره آلام... وآلام.
وما هو إلا أن لمحها تليماك حتى أخذه من هيبتها شيء عظيم... فهب للقائها مسرعًا، ثم مد إليها يده مصافحًا وهو لا يعرف من هي، وقال: «مرحبًا مرحبًا بالغريب المكرم! هلم فشارك في ذلك القرى، ولنتحدث بعدها فيما أقدمك إلينا. مرحبا وأهلا وسهلا!...» ودلف نحو الصالة المزخرفة، وتبعته مينرفا، وفي يمناها رمحها الجبار الذي يقدح من سنانه الشرر؛ حتى إذا بلغا العمود الأكبر الذي أسندت إليه مئات الرماح، والذي كان أوديسيوس يسند إليه رماحه وعدة حربه، تناول تليماك الرمح وأسنده بعد جهد، حيث برز بكل عظمته وكل جلاله بين رماح الخطاب الفاسقين. وتقدم نحو أريكة وثيرة منعزلة، وسأل مينرفا فاستوت عليها، وكانا ثمة بمأمن من أن يستمع إليهما أحد... وأقبلت جارية فينانة رائعة تحمل طستًا وإبريقًا من الذهب، فصبت الماء على يدي الضيف ويدي تليماك؛ ثم مضت فأحضرت مائدة نسقت عليها الورود والرياحين، ونشط النادل(6) يحمل أطباق الطعام والفاكهة والحلوى، يأتي بها ملأى ويمضي بها فارغة... والندمان(7) فيما بين ذلك يجذب الزق(Cool إليه ويسقى... ثم يسقى... وشرع الخطاب المجرمون بدورهم يلتهمون ما لذ وطاب من أكل وشراب... حتى إذا انتهوا شرع فيميوس نايه وانطلق يغني.
وانتهز تليماك فرصة انصراف القوم إلى لهوهم وشرابهم فسأل الضيف قائلا:
«يا أعز الأصدقاء! أرأيت إلى أولئك الفساق؟ لو أن رب البيت هنا، أكانوا يلهون لهوهم هذا أو يفسقون فسوقهم هذا؟ كلا! لقد كانوا إذن أسرع إلى الهرب، منهم إلى ذلك الطرب؛ ولكن... أواه!... أين هو! أين أوديسيوس العظيم الذي انقطعت عنا أخباره ويئست من أوبته دياره. ولكن حدثني بربك من أنت؟ ومن أي الأقاليم قدمت؟ ومن هم رجال البحر الذين ألقوا مراسيهم عند إيثاكا؟ أغريب أنت أيها السيد؟ أم كنت فيما خلا من الزمان من أصدقاء أبي وأحبائه؟».
وقالت مينرفا ذات العينين الزبرجديتين:
«ليهدأ بالك يا بني، فإني مجيبك على كل ما سألت. إنك ترى الآن منتس أمير (جزيرة الطافيان) البحارين، وسليل انخيالوس الكبير. ولقد أبحرنا من جزيرتنا ميممين شطر جزيرة النحاس من أجل ذلك المعدن الثمين، وسفننا ملقية مراسيها بالقرب من غابات (نيوس) ولقد كنا ولا نزال من أحب ضيفان أبيك وأودهم إلى فؤاده، فلما سمعنا بما حل به من شدة، وبيته من لأواء، استوحينا آلهتنا فخبرتنا أنه لابد عائد إلى وطنه سالمًا غانمًا، وأنه لابد منتقم من هؤلاء الفجار الأشرار.. ولكن خبرني بأربابك، أفي الحق إنك لأنت ابن أوديسيوس العظيم؟ إن ملامحك تشبه ملامحه، وإنك لقريب الشبه منه جدًا، وإن هذا البريق الذي يشع من عينيك هو نفسه الذي كان يشع من عيني أوديسيوس، يالآلهة! كم سَمْرتُ إلى أبيك قبل أن يشد رحاله إلى طروادة! فهل يقدر لي أن أسمر إليه مرة أخرى؟ إنني من وقتها إلى اليوم لم أره، وهو كذلك لم يرني... ألا ما أشد شوقي إليه! ما أشد شوقي إليه!...».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:42

وشاع بارق من الأمل في نفس تليماك فقال: «ويحك أيها الصديق! إنني أنا ابن أوديسيوس ما في ذلك ريب، والعالم كله شهيد على ذلك».
ثم اختلطت الزرقة بالخضرة في عيني ربة الحكمة وقالت: «على رسلك ياتليماخوس! إذن فما هذه الولائم وتلك السمط؟ وهذا الزحام من أين أقبل؟ إني لأقلب ناظري في القوم فلا أرى شريفًا ذا حسب يستأهل أن يحتفى به أو يقام له وزن!».
ويبتئس تليماك ويجيب: «أيها العزيز.. لقد هاجرت الفضيلة من هنا في أثر المهاجر العظيم، وكأنها آلت ألا تعود إلا معه! وكان هو، تداركته السماء! يلقنها هؤلاء بنظرة واحدة تكفي لتزول منها الجبال... واأبتاه! لقد أطمع العاديات فينا بطول نأيه. فيا للنوى(9)! إننا لا ندري اليوم أين مقره ولا أيان مستودعه. ولو قد سقط تحت أسوار اليوم لاجتمع الإغريق من كل حدب هنا... هنا في حاضرة إيثاكا ليذرفوا دموعهم من أجله، وليقيموا له نصبًا عاليًا رفيع الذرى شاهق الأوراق، وليكتبوا اسمه الكريم في صحائف صدورهم بمداد أبدي من التبجيل... ولكن!.. واأسفاه!... لقد انتصر انتصار الأبطال، ثم مضى على وجهه في فجاج البحار، وغدونا لا تحلم العين بنظرة مفردة منه، ولا الأذن بلفظة عذبة من لسانه المبين!... تباركت يا آلهة الأولمب! ماذا عندك من الأقضية المخبوءة لي؟ الذئاب! إي يا آلهة، هذه الذئاب! وحوش البرية التي اجتمعت من كل فج.. من الجزائر المتناثرة في البحر، ومن المدائن المترامية في البر... من ساموس، ودلشيوم وزاكنثوس، ومن كل إقليم وكل مصر.. كلهم يرابطون حول هذا القصر ولا يستحيون... الفساق! الأوشاب العرابيد! يطلبون يد الزوجة الوفية.. الأم المكلومة... بنلوب! بنلوب الباكية المحزونة المصدعة! كنز أوديسيوس الذي لا يفنى! يطلبون يدها ولا يرحمون وفاءها وبكاءها ولأواءها... فلا تستطيع أن تردهم لعجزها، ولا تستطيع أن تجيبهم وهي لا تدري من أمر زوجها شيئًا... وهم طوال هذه السنين يريغون نعماء أبي، فكهين في أشربات وآكال، حتى أقفر الزرع وجف الضرع، وما أحسبهم مبقين على شيء... حتى عليّ!».
* * *
وانثال الحنان في فم مينرفا، إذ هي تجيب الفتى المحزون بقولها:
«ويح لك أيها الفتى! رحمتا لك يا بني الصغير! أواه! لو أن أباك هنا اليوم ليذود أولئك المناكيد! وحق السماء لو أنهم رأوه وهو يلاعب رمحيه أو يداعب سهامه لأجفلوا وولوا مدبرين! إن له لسهامًا مسمومة سقاها أبي بعد إذ رفض أن يسمها إبلوس بن مرمريس... وهو لو صوبها إلى أولئك المفاليك لأبادهم... يا رحمتا له! إن أحدًا غير الآلهة لا يعلم إن كان لا يزال حيًا يرزق أو أنه قد ابتلعه اليم أو عاجلته المنون... تليماك! يا ابن أعز الناس عليّ! اصغ إليّ، واحفظ ما أقول: إنك لست طفلا بعد! فلم لا تشمر عن ساعد الجد وتبحث بنفسك عن أبيك! لم ترضى أن يلطخ شرف بيتك هؤلاء الفجار؟ لم لا تكلمهم بنفسك في أمر أمك؟ ولم لا تصرفهم عن هذه الدار إلى بيت جدك ليطلبوا إليه يد ابنته إن شاءوا؟ أليس أبوها أحق بهذا الشأن من كل رجل سواه ما دام أوديسيوس لم يؤب؟ لم يربضون هنا كسباع الفلاة يوهون ثروتك ويأكلون مالك ويذهبون بالأخضر واليابس مما ترك أبوك؟ استمع لما أقول يا تليماك! نبي القوم فليجتمعوا لك، ولتسمعهم كلمتك، ولتصارح أمك إن هي أرادت منهم بعلا فلتنصرف إلى بيت أبيها فهو أولى بهذا الأمر من كل أحد. ثم انهض أنت يا ابن أوديسيوس! فابحث عن أوديسيوس. أعد ما استطعت من سفين وزاد، وميرة وعتاد، ولتبحر على بركة الآلهة، فلتذهب أولا إلى (بيلوس) حيث الحكيم الباسل نسطور، ثم إلى أسبارطة حيث صاحب هذه الداهية منلوس(10)... أقلع بفلكك إلى هذين فسائلهما أين مضى أبوك فقد تقع منهما له على خبر... ولتكن لك أسوة في الفتى الجريء المقدام أورست الذي قتل قاتلي أبيه(11)، وفيهم أمه... بوركت يا أورست! بوركت يا أورست! هلم يا تليماك فقد تعود بأبيك حيًا فيرد الشرف والمجد إلى هذا البيت؛ وقد تعود به ميتًا فترفع ذكره، وتقيم طويلا عنهم... وكلي يقين يا بني أن تقدر نصيحتي وعلى الآلهة فلتتوكل!».
وحين انتهت مينرفا من هذا الحديث، حدجها تليماك بنظرة ثم قال: «أيها الصديق حبًا، ويا أبر الأوفياء سمعًا! لقد أيقظت فيّ ضميرًا أنت أحييته، فألف شكر لك... أبدًا لن أنسى كلمتك: أنا ابن أوديسيوس! فلأبحث عن أوديسيوس، وحاول الفتى أن يقدم لمحدثه هدية سنية تكون تذكارًا لهذا اللقاء، ولكن مينرفا شكرته وأبت أن تأخذ شيئًا، ثم قالت «إذا نجحت في مسعاك يا بني فسوف أعود. وسوف أقبل أية هدية منك!».
ثم انطلقت ربة الحكمة، ذات العينين الزبرجديتين. ولشد ما ذهل الفتى ووقف مسبوهًا مشدوهًا حين رأى هذا الأمير (منتس) ينتفض انتفاضة هائلة فيكون نسرًا كبيرًا يضرب الهواء بجناحيه، ثم يعلو ويعلو... فيكون في السماء ويغيب عن ناظريه؟
ولم يحس الفتى يومًا بما أحس به الساعة من هذه الذكريات الملحة على فؤاده تهيج فيه الشوق إلى لقاء أبيه؛ وجدد الثقة عنده وأكدها فيه يقينه أن إلها يساعده، هو هذا الضيف الذي أرسل جناحيه وغاب في السماء.
وانطلق تليماك حيث جلس الخطاب الفساق يستمعون إلى أغاني فيميوس، وحيث وجد أمه في الشرفة العليا تستمع هي الأخرى إلى تلك الأغاريد بين قيانها من وراء ستار صفيق وتبكي... وتسأل فيميوس أن يتغنى غير هذا الغناء غناء لا يثير شجوها وشجنها.. وتثور النخوة في قلب الفتى فيصيح بأنه: «علام العويل يا أماه؟ وما وقوفك هذا الموقف تسترقين الغناء؟ وما اعتراضك على المغني؟ دعيه فليتغن ما يشاء، فلقد غدونا سخرية القضاء وهزو المقادير. ولقد ذهب أوديسيوس وذهبت معه كرامة هذا البيت، وإني لصاحبها بعده... فادخلي. وليدخل معك قيانك، ولتقمن جميعًا بشئون المنزل ولتلتفتي إلى مغزلك ومنسجك، ودعي كل ما عدا ذلك للرجال... لي... لي أنا وحدي: سيد هذا القصر!».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:43

5
وأثرت مقالة الابن في نفس أمه، فانثنت مع قيانها إلى مخدعها بالطابق العلوي، حتى إذا خلت إلى نفسها ذرفت من الدمع على أوديسيوس ما شاء لها حزنها أن تذرف، أما تليماك فقد انطلق وسط القوم ونادى بأعلى صوته: «أيها الفساق! يا خطاب أمي! خذوا في لهوكم، وتمتعوا قليلا أو كثيرًا، فإذا كان الغد فاجتمعوا في الساحة الكبرى، فإن لي كلامًا معكم... سأطلب إليكم أن تشدوا رحالكم من هنا! أتسمعون! لقد طالما أتلفتم لنا زادًا وعتادًا... ألا فلتلتمسوا الزاد والعتاد من عند أنفسكم؛ ولتقيموا أفراحكم وولائمكم في غير هذا المكان؛ فإن أبيتم فإني مستعين بالآلهة عليكم، ولتقتص منكم السماء بما جرحتم(12)...».
وما كاد يفرغ من كلمته حتى عضوا على أصابعهم لمفاجأتهم بهذا الكلام الخشن الذي لم يعتادوه. ونهض أنتينوس من مجلسه وقال: «تليماخوس! لقد حق لك أن تخاطبنا بهذه الشجاعة، ولكن... يا لشؤم اليوم الذي تتوجك السماء فيه ملكا على إيثاكا... عرش آبائك وأجدادك!».
ويجيب تليماك: «ليس أحب إليَّ من الملك حين تخلعه عليَّ السماء... غير أن أمره إليكم اليوم إن كان قد قضي أوديسيوس... أما أنا.. فلا أريد إلا أن أكون سيد هذا القصر... ولا غرو... فإن هذا من حقي!».
وأجابه يوريماخوس: «إن من حقك أن تقول ما تشاء يا أخانا تليماخوس... أما مُلك إيثاكا فالسماء وحدها تؤتيه من تشاء. ولكن قل لنا بربك من هذا الضيف الذي كان معك الساعة، هل من قِبَلِ أبيك أقبل؟ أم إن له عليكم لدينًا؟ إن أحدًا منا لم يلقه ولم يره، ولكنا لمحناه من بعد، عليه سيماء النجابة والجلال. من أين أقبل يا تليماخوس وفيم قدم؟».
وأصلح تليماك من شأنه وقال: «أيها السيد يوريماخوس! إن يقيني أن أبي قد انتهى.. ولن تغريني هذه الكلمات المعسولة التي يتشدق بها المنجمون... أما هذا الضيف... فـ ...... هو من أصدقاء أبي طبعًا، وقد أقبل لمجرد الضيافة، وهو الأمير منتس أمير أهل البحار وسيد تافوس، وابن سيد هذا الزمان. الملك الشجاع أنخيالوس».
قالها تليماخوس وهو أعرف الناس بضيفه؛ ثم انثنى كل إلى مخيمه، وانثنى تليماك إلى مخدعه بالطابق العلوي، حيث كانت مربيته يوريكليا تنتظره، وتوقد له الشموع والسرج، يا لها من أنثى طيبة تخلص لمولاها وتحنو عليه... لسرعان ما خلع ملابسه فعطرتها وحفظتها!... ولسرعان ما هيأت له فراشه الوثير...
وقضى تليماك ليلة طويلة ساهرة ممتلئة بالهواجس والأفكار.
تليماك يجادل الخطاب
موَّهت أورورا(13) ابنة الفجر الوردية مشرق الأفق، فهب ابن أوديسيوس من مرقده، وأصلح من شأنه، وتقلد سيفه، ثم انفتل مختالًا، كأحد آلهة الأولمب من باب مخدعه، وجعل يقلب عينيه في هذه الخيام المضروبة التي تملأ حديقة القصر، والتي يثوى فيها أولئك الفجار الأشرار خطاب بنلوب؛ وتلبث قليلا وفي القلب لظى، وفي النفس كلوم؛ ثم صاح بالملأ فهبوا مسرعين، وأخذوا ينسلون إلى الردهة الكبرى، حتى إذا انتظم عقدهم والتأم شملهم تقدم هو متهدجًا نحو عرش أبيه، وفي يمينه رمح ظامئ إلى تلك الدماء النجسة التي تتدفق في أبراد تلك الذئاب، وعن جانبيه كلباه الضاريان، وفي عيني كل منهما جمرتان. وكانت مينرفا نفسها تضفي على الشاب سيماء النبل، وترقرق فوق ناصيته أمواهًا من العظمة والمجد، لتقذف منه الرعب في قلوب أعدائه، حتى لبهرهم أن يروا في تليماك ذاك الضرغامة المختال.
وما كاد الفتى يستوي على عرش آبائه الصّيِدِ، وأجداده الصناديد. حتى نهض شيخ يحمل فوق كاهله السنين الثقال، وتشتعل في رأسه شيبة التجاريب وجلائل الفعال. وكان هو إيجبتوس بعينه.. إيجبتوس المسكين الذي بعث بولده أنتيفوس في أسطول عظيم وجند لَجِبْ. ليشارك في حرب إليوم مع أوديسيوس، فنازل وناضل، وكر وفر، وجال وصال، وصمد وانتصر... ولكنه... وا أسفاه!.. لم يعد إلى أوطانه في العائدين، بل صحب أوديسيوس في رحلته المشئومة وراء البحار، حيث أكله السيكلوب الوحش فيمن أكل. وقف إيجبتوس بين أبناء له ثلاثة، أحدهم من خطاب بنلوب، ثم قال:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:46

6
«أيها الرفاق! يا أبناء إيثاكا النبلاء! إنها أول مرة منذ أن بارح أوديسيوس بفلذات أكبادنا ندعى فنجتمع مثل هذا الاجتماع.
فمنذ الذي دعا إليه، وماذا يبتغي؟ أنفحة من نفحات الشباب، أم زفرة من زفرات الشيب، أم خبر من جيشنا الهالك يبشر بعودته؟ لينهض باركته السماء فليحدثنا عما دعانا إليه».
وتناول تليماك صولجانه من قواسه، وتقدم حتى كان في وسط القوم وجهر فقال:
«أنا أيها السيد الوقور صاحب هذه الدعوة! أنا تليماخوس بن أوديسيوس، صاحب هذه الدار وصاحبكم ومولاكم من قبل... لقد دعوتكم لأشكو إليكم بؤسي وحزني.. لا لأزف إليكم بشريات الجيش المفقود الذي لا يعلم مصيره إلا زيوس! لقد فقدت والدي، ووالد الإيثاكيين جميعًا، ثم أنا اليوم حبيس هذه الدار، أسير هؤلاء الخطاب(14) الذين يطمعون في الزواج من والدتي، غير متقين في عرضي إلا ولا راعين لأبي ذمة، يذبحون النعم(15) ويريغون(16) الزاد، ويعاقرون ابنة العنب، ولا يبالون أن يهلك الزرع والضرع، ما داموا يبيتون وبطونهم ملآى، ويبيت غيرهم على الطوى(17)...! لقد استباحوا هنا كل شيء، ما دام لا أوديسيوس هنا فيردعهم، ولا حول لي فأغل أيديهم، ولا ضمائر فيصيخوا إلى قولي، ويرحموا ضعفي، ليذهبوا من فورهم إلى جدي فيخطبوا إليه ابنته إن أرادت أحدهم بعلا، فهو بها أولى وبشأنها أحق... إنكم ضعفاء أيها الإيثاكيون الأوفياء... ولو استطعتم لرددتم عني غائلتهم... فلقد طفح الكيل، وحزب الشر، وعم الأذى... والآن، أوجه إليهم قولي... ولن أستحي أن أصارحكم مرة أخرى أيها الخطاب... اخجلوا إذن! ولتصبغ الفضيلة وجناتكم بحمرة الحياء! أذكروا ما عسى أن يعيركم به جيرانكم! واخشوا قارعة تحل عليكم من أربابكم.. واتقوا يوم تلقونهم تودون لو تلففتكم الصواعق.. يا قوم! استحلفكم بسيد الأولمب، بربة العدالة ثيميس، إلا ما تركتموني أقضي البقية الباقية من أيامي في شقوتي وحدي! هل أجرم أبي مرة مع أحد منكم فأنتم اليوم تأخذونني بجريرته؟ فيم إذن مقامكم هنا؟ وفيم إذن تستنزفون آخر قطرة من خمري دون مقابل؟ اذهبوا! اذهبوا، ودعوا تليماخوس البائس تحز في نفسه أشجانه، وتبري اصطباره بلواه!!».
ودق الأرض بصولجانه، وانفجر يبكي، وكأنما انهمرت دموعه في نفوس القوم، فوجموا وجومًا شديدًا، ولم ينبس أحدهم ببنت شفة، حتى نهض أنتنيوس آخر الأمر فقال.
«لله بيانك يا تليماخوس! لقد كنت بليغًا حقًا! ولكنك لم تصب كبد الحقيقة حين قصرت علينا اللوم، وحين لا ملوم إلا أمك! لقد خدعتنا جميعًا طوال سنوات ثلاث كادت أن تتم أربعًا، إذ رسائلها تترى علينا، تحيي في نفوسنا الآمال، وتذكي فينا الأماني! لقد كانت وعودها تترادف كالبروق الخلب، وتتراءى كالسراب المضل اتخذت لها منسجًا وطفقت تعمل عليه وهي تغرر بنا، وتقول: «أيها الإغريق: لقد قضى(18) أوديسيوس ما في ذلك ريب، وكلكم تطمعون أن تفوزوا بزوجته، ولكن أبي ليرتيس رجل شيخ، وهو يدب بخطى وئيدة إلى حافة القبر. أفليس أخلق بي وبكم أن تنتظروا حتى أنسج له هذا الثوب لتكون منه أكفانه، وحتى لا أكون مضغة في أفواه الإغريقيات إن تركته برغم ثروته الطائلة وليس له كفن يضم رفاته؟». ولقد أجبنا سؤالها وتلبثنا طويلا، نرجو لو نفرغ من نسج هذا الكفن، بيد أنها كانت تنقض بالليل ما تنسجه بالنهار، وهكذا دواليك، ظلت تخادعنا تلك السنين الثلاث، حتى فضحت سرها إحدى وصيفاتها، إذ حدثتنا به، واستطعنا أن نضبطها وهي تنقض غزلها أنكاثا في ضوء المشاعل، في جنح الليل، فأجبرناها على إتمامه بالرغم منها... هذه هي الحقيقة يا قوم! والآن! فلترسل أمك أيها الفتى إلى أبيها، وليختر لها من بيننا بعلا، أو فلتختر هي لها بعلا... أما إذا عكفت على مكرها بنا، فلتثق أن شيئًا منه لم يعد يجوز علينا، مهما ظنت أنها أحذق من تيرو، أو أكيس من ألكمينا، أو أبرع من ميسينيه(19)... حسبها ما خدعتنا! وإنا نقاسمك يا تليماك أننا لن نبرح عاكفين على ما شكوت، من ذبح لنعمك، وإراغة لزادك، ومعاقرة لخمرك، حتى تختار لنفسها؛ أو... فلتخرب هذه الدار، ولينضب معين خيرها...
وشاعت الكبرياء في كل جارحة من جوارح تليماخوس فقال «أنتينوس! ماذا أصابك؟ كيف تسألني أن أقهر أمي التي غذتني ونشأتني على غير ما ترضاه؟ كيف أطردها من قصر بعلها الذي لا يعلم غير الله إن كان حيًا أو ميتًا؟ لبئس ما أجزيها به، ولشد ما أغضب أبي وأثير غضب الآلهة عليّ إن فعلته! إنها ستدعو إيرينيس كي تنتقم لها مني، وستنصب على لعنات الناس جميعًا؟! ويحك أيها الرجل! لن أقولها أبدًا.. بل اذهبوا أنتم فسلوها ما شئتم؛ فإما أجابت طلبتكم،وإلا فانصرفوا غير مأجورين... أذهبوا.. فأولموا ولائمكم في غير هذا القصر، وأريغوا من زادكم، وأنفقوا مما تحبون! أما إن رأيتم أنه أحلى لكم أن تأكلوا مال غيركم، فإني سأهتف أبدًا بالآلهة أن تقتص لي منكم، فهي محيطة بكم!...».
* * *
وما كاد تليماك يفرغ من مقالته حتى أرسل سيد الأولمب نسرين عظيمين طفقا يضربان الهواء بخوافيهما، ثم جعلا يدومان فوق الملأ ويقدحان الشرر من أعينهما... نذيري ردى، وصيحة منون، ثم انطلقا نحو المدينة وغابا في ظلام البعد.
وشده القوم، وريعت أفئدة الخطاب، وأخذوا يتخافتون.. ثم نهض فيهم القديس هاليتير بن نسطور المعروف بورعه وصدق نبوءته، ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:53

7
«أيها الناس! يا أبناء إيثاكا! اسمعوا وعوا! ليحذر الخطاب الغافلون ما يخبئ لهم الغيب من شر أوشك أن ينقذف على رؤوسهم! إن أوديسيوس حي يرزق، وإنه عائد إلى وطنه، بل إنه ليغذ السير إلى هنا! وإنه ليحمل الموت الأحمر إلى خصومه، والخير الأخضر إلى مواطنيه! أنا ماليتير، قديسكم الذي لا يكذب قد أنبأته قبل أن يبحر إلى طروادة بذلك النبأ وإنه عائد إلى وطنه بعد أن ينتصر على أعدائه، ويذيقهم ضعف ما صنعوا ولن يجديهم أن يتوبوا أو يندموا... وليأتينكم نبؤه بعد حين!».
وسخر القوم منه واستهزأوا به. وقام بوريماك يرجمه بهذه الكلمات: «انقلب إلى دارك أيها العجوز الخرف! هلم إلى أحفادك الكسالى فتنبأ لهم بما ينبغي أن يأخذوا حذرهم منه! لقد قصف المنون عود أوديسيوس الفينان، فليته قصف عودك كذلك! طير؟! ها! إن الطير طالما يستنسر في سماء إيثاكا؟ إن أكبر الظن أنك تطمع في منحة من بن مولاك تليماك.. ولكن اصغ إليّ، لتكن لك منحة منا إن تنبأت له عما يكاد يذهب بك وبه من بطشتنا إن لم يختر لنفسه! أسمعت؟ لقد نصحنا له أن يرسل أمه إلى بيت أبيها ليختار لها الكفء. الذي ترضى، فلم ينتصح وأنا أرسلها كلمة صريحة في غير مين، إننا لن نبرح عاكفين على ما نحن فيه من هذا الخير، حتى تخضع بنلوب، فنمضي مأجورين.. وثق، أيها الشيخ المهيب الخرف أن نبوءاتك لن تفزعنا، بل هي تضاعف سخطنا عليك، وبغضاءنا لك... ألا ما أطيب الإقامة هنا؟! لتزدد بنلوب عنادًا، فإنا لا نزداد إلا جلادًا...».
ونهض تليماك فقال:
«على رسلك يا يوريماخوس! وعلى رسلكم أيها الخطاب جميعًا... لقد أرسلتها كلمة حق فلم تستمعوا لها! أبدًا لن أضرع إليكم مرة أخرى... الآلهة بيني وبينكم، والإغريق أجمع أعلم بأمري وأمركم؛ غير أن لي طلبة إليكم بودي لو أنلتموني إياها.. فهل تسمحون بمركب وعشرين بحارًا فأقلع من فوري هذا إلى بيلوس ثم إلى أسبرطة، عسى أن أسمع خبرًا عن أبي، أو أتلقف نبوءة من سيد الأولمب الذي بيده ملكوت كل شيء... إني إذا أيقنت أن أبي لا يزال حيًا فقد أوفق إلى العثور به ولو بعد حين، أما إذا استيقنت من هلاكه فإني عائد إلى إيثاكا، فمقيم له نصبًا يتفق وهذا المجد الباذخ والذكر التليد، ثم يكون لي مطلق الحرية في منح أحدكم يد أمي فتكون زوجه المخلصة إلى الأبد، بعد أن أتم لأبي كل المراسم الجنائزية، لتقر روحه العظيمة، وتسكن إلى ربها في ظلال هيدز(20).
وكان في المجتمعين رجل تبدو عليه مخايل النبل، وفي رأسه جمرات المشيب، تهالك على نفسه حين وقف ينافح عن تليماك فإذا هو الشيخ منطور، الذي كان أوديسيوس قد استخلفه على أهله قبل إبحاره إلى طروادة، لصداقة قوية كانت تجمع بينهما... قال منطور:
«اسمعوا إليّ يا أهل إيثاكا! مالكم اليوم قد نسيتم آلاء ملككم أوديسيوس عليكم، وهو الذي كان يرعاكم كأب، ويغدق عليكم من فيضه العميم؟ ما لكم قد تقاعستم دون هؤلاء الخطاب الذين يذهبون بخير مولاكم ويأكلون مال ابنه بغير الحق، وهم قلٌ وأنتم كثر، آمنين مطمئنين، لا يرهبون أوبة مفاجئة من البطل الشريد...؟».
وهاجت كلمة الرجل كوامن الخطاب فهب أحدهم وهو ليوكريتوس، يقول:
«رويدك يا منطور! أيها الثرثار العجول! كيف تجرؤ أيها الرجل فتثير الشعب على الخطاب وهم سادتك؟ هل أعجبتك كثرتهم يا منطور؟ إذن فأبشر بعجزهم دون ما ابتغيت، وثق أن ملك إيثاكا نفسه لن يستطيع معهم شيئا إذا حاول إخراجهم من بيته هذا، إذا قدر له يومًا أن يعود، إنه إذا فعل فسيذوق وبال أمره، ولن تنال منا حماقتك ولا نبوءات هاليتير، وبنلوب نفسها لن تسر بأوبة أوديسيوس؛ ولكن اسمع أيها الشيخ، إنه لن يضيرنا أن يذهب تليماخوس فيذرع البحر باحثًا عن والده، وله أن يتخير من السفن ما يشاء..».
وتفرق القوم، وأسرع الخطاب إلى خيامهم، وانقلب تليماك إلى شاطئ البحر، حيث وقف فوق صخرة ناتئة يناجي مينرفا:
«أيتها الربة المباركة! يا إلهة الحكمة مينرفا! يا من كنت أمس ضيفة مكرمة تحت سقف هذا البيت؛ أصلي لك، أنا تليماخوس التعس، وأبتهل أن تباركيني وتسددي خطواتي، وأن تكوني رائدي الأمين في عباب هذا البحر، وأن تشدي أزري وتكوني معي إلبًا على هؤلاء الفساق العرابيد، وأن تشرقي في ظلماتي البعيدة، وأن تحلي أمنًا وسلامًا عليّ... يا مينرفا، يا مينرفا، استجيبي يا ربة العدالة...».
واستجابت مينرفا، وأقبلت في صورة الأمين منطور حتى كانت قبالة تليماك، ثم شرعت تكلمه كلمات هن أروح من أنفاس الفجر، وأدنى من نسمات الورد، وأعذب من قطرات الندى:
السلام عليك يا تليماخوس! السلام عليك حين تثبت أنك ابن أوديسيوس الوفي وفرع دوحته الوارف، وحين تبدو فيك بدوات من حوله وطوله وقوة بأسه، وحين تقلع على بركة السماء وفي عناية الآلهة ورعاية سيد الأولمب؛ في رحلة لن تكون عبثًا... أنت ابن أبيك يا تليماك.. أتى بك من بنلوب... وآية ذلك هذه الروح القلقة التي تشيع فيك من أجله، هذا الجبروت الذي هو نفحة منه، وذلك الصوت الجبار الذي يتلجلج في فمك كأنه فيض من لسانه، وذلك الذكاء الوقاد الذي هو قبس من ذهنه العظيم... بشراك يا تليماك! لا يحزنك خيال أعدائك فقد أوشك القضاء أن ينقض على رؤوسهم فيحطمهم... أنا.. أنا هذا الشيخ المهدم، صديق أبيك وأمينه منطور، سأكون معك، وسأخدمك، وأسهر عليك، وأفديك، لكن لتمض الآن فلتعد للرحلة ما هو حسبها من زاد وعتاد، ونخبة أولى بأس من رجالك الأقوياء، سأنتقي أنا نفسي أشدهم مراسًا وأصدقهم عزيمة... امض على بركة الآلهة... امض... لا وقت لدينا فنضيعه.. هلم...».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:55

رقم: 8
وسكتت مينرفا... ولكن حرارة كلماتها أشرقت بالآمال في نفس تليماك، فذهب وقلبه يخفق بألف أمنية... إلى القصر... حيث رأى الخطاب يذبحون ويعدون نار الشواء، وحيث قفز أنتينوس للقائه ساخرًا مستهزئًا:
«تليماك! ناشدتك الآلهة إلا ما شاركتنا غداءنا وأطرحت بغضاءك هنيهة! هلم! خذ نصيبك من هذا الشراب أيها الصديق، لا يشغلك أمر هذه الرحلة... فقد أمرنا أن يعد لك الآخيون سفينة عظيمة وقدرًا من الزاد كبيرًا، وعصبة من الرجال أولي قوة... وسنبحر قريبًا فتذرع البحار وراء أبيك. هلم... هلم...».
ولكن تليماك عبس عبوسة قاتمة ثم قال:
«أنتينوس! إليك عني فما أستطيع مشاركة خصومي السفلة غداءهم ولا لي قلب فأشرب النخب من يدك! لا بورك لكم هذا الذبح الذي لا يحل لكم، والذي استبحتموه من غير حق، إذ أنا طفل أحبو... أجل! لأستعجلن لكم الخراب ولأسعين في حتفكم، ولأذهبن إلى بيلوس فأنتصر إذا عزني النصر في إيثاكا! أيها الذئاب! حتى سفائني وعتادي تنكرونها عليّ!».
وكان اللئيم قد أمسك بيمين تليماك كالمصافح المستهزئ، ولكن تليماك جذبها ساخطًا، وترك الكلاب تغمزه وتلمزه، وتستهزئ بهذا العون الذي يرجوه من بيلوس، وتلك الجحافل التي يأمل أن يجردها عليهم من أسبرطة.. «ومن يدري؟ فقد يهتدي إلى أيفير المثمرة، فيجد في أعشابها بقلة يدس لنا منها في كؤوسنا فتريحه منا...».. «... بل من يدري؟ فلقد يبتلعه اليم كما ابتلع أوديسيوس من قبل، وتكون هنالك الطامة! إنا إذن نقتسم هذا المتاع وتلك الضياع، ثم نمهر أحدنا الذي تختاره بنلوب بعلًا لها، بهذا القصر المنيف!...».
وتركهم تليماك، ومضى قدمًا إلى غرفة أبيه بالطابق العلوي، حيث كنوزه التي لا تقدر، من عدة للحرب وذهب مدخر، وخمرة معتقة، وروح اذفر، وخز وديباج، ودرّ وجوهر، ومغافر(21) أعدت لليوم المنتظر. يوم يعود أوديسيوس فيظفر ويقهر، ويطهر بيته من ذاك النفر..
ووجد عندها حارستها يوريكليا فصاح بها.
«ربيبة! يوريكليا! هيا! صبي من خمرك في زقاقي! من مدامتك التي أدخرتها لأبي... لا... لا... ليس من صفوتها يا ربيبة، احتفظي بصفوتها له، املئي اثنى عشر دنا، وهيئي عشرين جولقًا من دقيق، هيا.. أعديها كلها لتحمل إلى سفينتي بعد أن تنام الملكة... لا يعلمن أحد بأمر رحلتي إلى بيلوس وأسبرطة.. حتى ولا أمي! سأرحل ثمة.. سأتسمع أخبار...».
وصمت تليماك هنيهة.. واستعبرت ربيبته يوريكليا، وأرسلت هذه الكلمات على أجنحة من الحنان، وفي أنسام من الرحمة.
رويدك يا بني! أي سفر وأي نوى! لقد انتهى أوديسيوس وانتهى معه كل شيء! وهو اليوم رفات سحيق في رمس عميق في بلد لا نعرفه! أتسافر يا تليماك ليأتمر هؤلاء الذئاب، وقد يسلطون عليك من يغتالك، ثم يستصفون كل ما لك بعد ذلك؟ حاشك يا بني! لتبق معنا نحن الذين أحببناك واصطفيناك! فيم تذرع عباب هذا البحر ولا رجاء لك في مطمح ولا ثقة لك في شيء؟.
وأجاب تليماك في رفق:
«رويدك أنت يا ربيبة! إني لم أعتزم شيئًا من تلقاء نفسي... إنها السماء هي التي توحي إليّ! ولكني أستحلفك بكل أربابك ألا تقصي شيئا مما اعتزمه على أمي إلا بعد أحد عشر يومًا أو اثنى عشر يومًا من رحيلي... فإنها لو علمت بسفري لأظلمت في عينيها مباهج الحياة وذهبت نفسها على حسرات».
وأقسمت يوريكليا بكل أربابها، وانثنت تهيئ دنان الخمر وأحمال الدقيق.
أما مينرفا! أما ربة العدالة والحكمة الخالدة، ذات العينين الزبرجديتين، فقد يممت شطر البحر وقصدت إلى المرفأ حيث لقيت نويمون بن فرونيوس سيد الملاحين، وسألته إحدى جواريه المنشئات، فأعد لها واحدة من خيارها. وما كادت ذُكاء تلج في خدر الأفق، وما كاد الشفق يبكي فيصبغ بدموعه جبين السماء، حتى كان الملاحون قد هيأوا القلوع ونشروا الشراع، وخبروا مجاديفهم وحملوا عددهم، وتزودوا من السلاح؛ وكانت مينرفا نفسها تستحثهم، فسرعان أن تهادت السفينة، ورقصت نشوى فوق هامات الموج.
وذهبت مينرفا، في صورة منطور وفي طليسانه فأشرفت على عصية الخطاب؛ وتمتمت بكلمات فانتشر الظلام فوق خيامهم، ولعب النعاس ملء جفونهم، وكانت الكؤوس لا تزال تقهقه في أيديهم، فسقطت عن غير عمد لتسقي الأرض من تحتهم شرابا!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:57

رقم: 9
وطفقوا، تحت طائف من الكرى، ينسلون إلى خيامهم...
وأدلفت مينرفا نحو القصر لتقلى تليماك.
«تليماك! هلم! البدار! أنت هنا وكل رفاقك في الفلك المشحون ينتظرونك! هلم! يجب ألا نضيع وقتنا سدى».
ونهض تليماك! وسارت مينرفا، وسار هو في أثرها حتى كانا عند سيف البحر، وحتى أشرفا على السفينة.
«مرحبًا يا رفاق! هلموا فاحملوا هذه الدنان وتلك الأحمال إلى السفينة! لا أحد يعلم أمر رحلتنا حتى ولا أمي! إلا ربيبتي!
وامتثل الملاحون أمر سيدهم، ثم تقدمت مينرفا فركبت السفينة من ورائها ابن أوديسيوس، وجلست هي عند الدفة، ونشط البحارة فهيأوا المركب، وحدجت المغرب ربة العدالة بعينيها الزبرجديتين فهبت النسمات رخاء، ورقصت تحتها الأمواج من طرب، وانتصب تليماك واقفًا يحث رجاله؛ واضطرب الماء تحت السفينة واصطخب، وصب القوم دنانا من الخمر تقدمه للآلهة وقربانًا لمينرفا وتحية لا تبيد!
واحلولك الليل وتدجى غيهبه؛ ثم انجاب ظلامه عن فجر مبين!
بيلوس... تليماك يسائل نسطور عن أبيه
برزت ذكاء من لجه المشرق فصبغت أرادها(22) الذهبية جبين الأفق النحاسي، وسكبت الأضواء الجميلة لتهدى إلى السبيل السوي، وألقت السفينة مراسيها تلقاء بيلوس، مدينة نليوس(23)؛ حيث وجدوا القوم على الشاطئ يقربون القرابين باسم بوسيدون، ذي الشعر اللازوردي، وقد جلسوا في صفوف تسعة، وفي كل صف خمسمائة شيخ عتيد. وذبحت كل فئة قرابينها: تسعة عجول سمان ذوات خوار، فأكلوا الحوايا(24)، وضحوا بالسواعد والأفخاذ؛ ثم أقبل تليماك وبين يديه مينرفا تتهادى وتقول:
«تليماخوس! تشجع يا بني، ولا تجعل للحياء سبيلا إلى نفسك، وتقدم إلى أمير هذه البلدة الصنديد، نسطور، فقد تكون لديه أخبار عن أبيك، وقد يجلو لك الشكوك التي تخامرك، وثق أنه لن يخفي عليك من أمره خافية، فقد تقدمت به السن، وهو اليوم أحكم الناس».
ويقول تليماك:
«أواه يا منطور! ما أحسبني أقوى على لقاء الرجل، وأنا من تعرف من قلة الشأن ورقة الحال.. أنا الفتى الحدث، أنى لي بلقاء الشيخ ذي التجاريب؟».
وتجيبه ذات العينين الزبرجديتين.
«لا عليك يا بني! إن هي إلا كلمات تقولها وعلى الله قصد السبيل! العالم كله يعرف أنك نشأت في ظروف قاهرة ما كان لك بها يدان؟».
ودلفت مينرفا، ودلف في إثرها تليماك، حتى كانا في وسط القوم، وحيث جلس نسطور العظيم بين أبنائه، وحيث اشتغل أهله بالشواء، وهب الجميع للقائهما. وتقدم ابن نسطور الأكبر، بيزستراتوس، فصافحهما هاشًا، وتلقاهما باشًّا، وأجلسهما فوق الفراء المبثوث إلى جنب أبيه، وأخيه الأصغر تراسميديس، وقدم لكل مضغة من حوية، ثم كأسًا ذهبية من شراب كريم، تذوقه قبل أن يجيء بها، ثم قال مخاطبًا مينرفا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

الأوديسة " ، تأليف هوميروس Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأوديسة " ، تأليف هوميروس   الأوديسة " ، تأليف هوميروس I_icon_minitimeالجمعة 5 يناير 2018 - 21:59

رقم: 10
«مرحبًا بك أيها الضيف المكرم! لقد شرفت في عيد نبتيون، وبودنا لو أفرغت باسمه ما في هذه الكأس من شراب صلاة له وزكاة! ونرجو لو أشركت في التقدمة زميلك، فما أحسبه إلا محبًا للآلهة، خابتًا لها».
وتبسمت مينرفا، وتناولت الكأس في وقار، وأرسلت هذه الصلاة باسم رب البحار:
«نبتيون العظيم تقدس اسمك، وأحاط بالدنيا ملكوتك.. يا منقذ الضالين ومغيث المتضرعين، أدرك بلطفك التائبين إليك، ونجهم من دأمائك(25) ببركة أسمائك، مولاي وتقبل من نسطور ومن ذريته، وتقبل من جميع أهل بيلوس أضحياتهم، ثم تفضل يا مولاي فسدد خطى تليماخوس وخطاي إلى ما أقلعنا فوق هذا المركب الشاحب من أجله... آمين آمين!».
تناول تليماخوس الكأس بدوره، ثم أفرغ ما فيها، وتمتم بصلاة قصيرة؛ وما كاد يفرغ حتى تفرق المدعوون من أهل بيلوس طاعمين شاكرين، إلا مينرفا وصاحبها، وإلا نسطور وولديه... ثم قال نسطور:
«أما وقد فرغنا من غذائنا فماذا أيها الوافدون؟ من أنتم؟ ومن أين حملكم هذا البحر؟ أتجار أنتم؟ أم قرصان تملأون الشطئان ذعرًا وفزعا؟».
واستجمع تليماك شجاعته، ونفخت فيه مينرفا من روحها، وتكلم فقال:
«على هينتك يا ابن نليوس العظيم، يا فخر هيلاس؛ إني أنا ابن صديقك وصفيك أوديسيوس، سعيت إليك من أقصى الأرض أسائلك عن أبي! أبي! صفيك وخليلك الذي صال معك تحت أسوار إليوم وجال، ثم لا أحد يعرف من أنبائه اليوم شيئًا! لقد انتهت إلينا أخبار الأبطال اليونانيين جميعًا وعرفنا مصارعهم، إلا إياه... أين رقد؟ وأنى ثوي؟ وأيان قرت رفاته إن كان قد شالت نعامته(26)، أو مضى على وجهه في الأرض إن كان لا يزال حيًا.. إن الآلهة نفسها لا تشاء أن تدلنا من أخباره على أثر. ولشد ما أخشى أن يكون قد ثوي هناك.. في أعماق مملكه نبتيون، مع الجميلة امفتريت(27) لذلك سعيت إليك يا فخر هيلاس كيما تحدثني عن أبي، وكيما تذكر لي بعض ما تعرف عما ألم به إن كنت قد شهدته، أو تقص على ما عسى أن تكون قد سمعته من بعض حاشيتك التي تجوب هذه البحار. قل تحدث يا نسطور، ولا تخف عني شيئًا...قل إني أستحلفك بكل ما كان يفتديكم به في ساحة إليوم أن تقص عليّ أنباءه. لقد كان يحبك ويجلك ويوقرك، فاجز ابنه بعض ذلك».
وكأنما رأى نسطور حلمًا لذيذًا فقال:
«ويحك أيها الصديق الشاب! ما أروع ما هجت ذكريات الماضي المفعم بالأشجان! ذكريات السادة الذادة والمغاوير الصناديد، الذين سقطوا تحت أسوار إليوم العتيدة فأرووا ثرى الميدان بدمائهم وسطروا آية المجد بمهجهم! إيه اخيلوس يا سليل الآلهة؛ وبتروكاوس يا معجز الأنداد والأقران؛ وأجاكس! أجاكس الذي كان أمة وحده! لقد رقدوا جميعًا تحت قلاع بريام الجبار الشيخ! ورقد معهم ولدي! آه يا ولدي! أو آه يا قطعة قلبي وفلذة كبدي وثمرة حياتي وسؤددي! يا أشجع الشجعان يا أنتيلوخوس! أية قصة وأية مأساة؟! يارعاك الله أيها الشاب المحزون! أني لي أن أقص عليك أحداث سنين تسع كانت همومًا متصلة وأحزانًا فاجعة وآلاما تتسعر في جميع القلوب؟! أي لسان ذرب يقص فلا يمل، وأي فم رطب يحكي وما يعي؟ ألا لو أنك أقمت تسمع الأعوام الطوال فما أحسب القصة تنتهي! القصة التي لم تجد فيها شجاعة الألوف لولا خدعة أوديسيوس وحيلته، وطول أناته وهمته! ولكن حدثني بربك أيها الشاب: إنك حقًا لولد أوديسيوس؟ أجل! إنك بملامحك وقسماتك غصن دوحته، وأنك بكلماتك العذاب عسلوج أرومته! أوه، أوديسيوس! يا رفيق الشباب وحبيب القلب! لشد ما تعتلج في النفس تلك الخاتمة الهائلة التي قضاها على الأرجيف(28) سيد الأولمب بعد انتصارهم، وقبيل أوبتهم! لقد حنقت مينرفا على ولَدَي أتريوس إذ تنازعا فقال قائل منهما نضحي لربة العدالة عند سيف البحر تلقاء إليوم. ولكن الآخر أبى، وأبحر على أن يقدم لها القرابين في آرجوس! ياللتعيسين! أجاممنون البائس ومنلوس المسكين! إنهما لم يصليا لمينرفا فحاق بهما غضبها، وعبثًا حاولا بعد ذلك أن يترضياها! اختلف الأخوان ونام الجند حتى مطلع الفجر، ثم أقلع نصف الأسطول في موج ثائر مصطخب من غضب الآلهة، بقيادة أجاممنون، وما هي إلا سويعات حتى هدأ اليم ونام الموج؛ وبلغنا تندوس فذبحنا الأضحيات باسم الآلهة، وسبحنا لرب البحار نبتيون، فتطامن العباب؛ ولكنا ما كنا ندري ما تنسجه يد جوف(29) حولنا، بل لم يكن يخامرنا أقل شك في وصولنا إلى الوطن سالمين. ذلك أن أوجه النظر اختلفت ثمة، ونشب بين القادة نزاع في الرأي: هل يقلعون من تندوس، أو يتلبثون بها حتى تنجلي العاصفة التي شرعت تهب في عنفوان وشدة؟ وهنا، آثر ملاحو أبيك أن يعودوا أدراجهم بسفائنهم إلى طروادة، وذلك مجاملة للقائد العام. بيد أني لم أر هذا الرأي، بل فررت من العاصفة بسفائني إلى جزيرة لسبوس ولحق بنا ديوميد، ثم وصل منلوس في إثره؛ وأرسينا ثمة؛ وانتظرنا إذنًا من السماء، أو قل بارقة من الآلهة، نقلع بعدها، وكانت العاصفة تشتد وترقص فوقنا ومن تحت أساطيلنا، فلم نر بدًا من المجازفة وإلا تكسرت جوارينا على الصخور وفوق الأواذيّ(30)، ياللهول! لقد بلغت قلوبنا الحناجر قبل أن نصل إلى جيريستوس! حمدًا لك يا نبتيون وثناء عليك؛ وقل أن نذبح باسمك ألف قربان من كل عجل جسد وكبش حنيذ! ولقد فاز ديوميد فوصل بجنوده سالمًا إلى آرجوس، وكذلك فاز الجبابرة الميرميدون، جنود أخيل، بقيادة شبله العظيم نيو بتوليموس، فوصلوا إلى أوطانهم غانمين، ووصل من بعدهم فيلوكتيتيس... كذلك وصل أجاممنون وليته لم يصل! لا ريب أنك سمعت بما حاق به! لقد قتله المجرم إيجستوس(31) ولكنه دفع روحه ثمنًا لفعلته؛ إن العيش لم يطب لابن أجاممنون حتى ثأر لأبيه، فانقض كالصاعقة على قاتله وغاله بيده! ياللفخار أيها الصديق الشاب حين تنتقم لأبيك فتسجل اسمك في سجل الخالدين!».
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
الأوديسة " ، تأليف هوميروس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: