القدس وخيانة الإسلام السياسي

المناسبة لتحقيق الأهداف الكبيرة الغالية، وفى مقدمتها إضفاء الشرعية الدولية على الاستيلاء على القدس. العامل الأهم الذى دعم هذا التفوق غير المستحق أن الإسرائيليين قد يختلفون مع بعضهم البعض وهناك فعليًا قوى يسار ويمين وطوائف وجماعات دينية متشددة. لكنهم لا يتصارعون على سلطة ولا يقتل بعضهم بعضًا، ولا يوجهون السلاح للإضرار بمصلحة إسرائيل العليا، وليس لديهم جماعة «الإخوان اليهود» تتحالف مع قوى خارجية ضد أمن إسرائيل القومي. ولا يشكل المتدينون اليهود تنظيمات سرية مسلحة للخروج المسلح على الحاكم «الجائر الظالم المستبدل لشرع الله» بنيامين نيتانياهو، وليس لديهم «قرضاوي» يفتى بوجوب قيام ثورة مسلحة ضد نظام الحكم «الكافر». هم يعرفون جيدًا قيمة أن يظلوا موحدين وأن تظل جبهتهم الداخلية متماسكة مهما كانت الخلافات بينهم، مقابل ثنائية المؤمنين ضد الكفار المارقين بالداخل العربى التى نهض بها تيار الإسلام السياسي، لإعاقة القوى التقدمية والوطنية ولإحداث الانقسام والتشرذم العربى المطلوب إسرائيليًا، لتدعم قوة إسرائيل فى مواجهة دول منقسمة.

لم يكن خافيًا دعم الغرب الكامل لوصول الإخوان لسدة الحكم بالدول العربية والاستمرار فيه، وتم تقديم دعم مادى خارجى سخى للأحزاب الدينية والجماعات، ووجهت لتعبيد الطريق أمام وصولها للسلطة، وليس ذلك إلا انطلاقًا من يقين راسخ مفاده تحقيق مصلحة إسرائيل بتغيير معالم خريطة الحكم والاستفادة من التنازلات التى سيقدمها هذا التيار مقابل دعمه فى تحقيق حلمه التاريخي، وهو حكم مصر وباقى الدول العربية. وإلا لكان نوعًا من العبث الفارغ تصور هذا الدعم وهذا الإنفاق السخي، ثم هذا الغضب وتمزق وتوتر العلاقات بعد فشل الجماعة وعزلها، بدون مصلحة ودافع حقيقى وقوى، وهذا لا يتوقعه أحد بالمرة من دول هى صاحبة امتياز المنفعة والميكيافيلية فى العالم.

تعاملت الإخوان مع أخطر مسئوليات الحكم فى الدول العربية بأسلوب نفعى يخدم مصالح إسرائيل فى المقام الأول، سواء بعروض توطين فلسطينيين فى سيناء، أو عروض إعادة اليهود المصريين إلى مصر، وتعويضهم عن ممتلكاتهم أو الهدنة التى توسط فيها مرسى بعد ضرب غزة عام 2012م مما دفع أوباما لتقديم الشكر لمرسى. فإذا كان إخوان سوريا ومصر ومختلف الفصائل والجماعات الأخرى يتعهدون جميعًا حال وصولهم للحكم أن أمن إسرائيل خط أحمر، ويتعهدون بحمايته كضمانة مقابل دعمهم فى السلطة، فما هو الجديد والإبداع الذى سيقدمونه للأمة العربية ولقضية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى على أنقاض المؤسسات والدول، وعلى جثث مئات الآلاف من العرب والمسلمين؟.

الصراع الدائر الذى لا يهدأ الذى تخوضه تلك الجماعات المارقة ضد الدول والأنظمة العربية أفاد فى المقام الأول إسرائيل ورجح كفتها فى الصراع، لكونه عطل النهوض وعرقل مشاريع التنمية، ويحرم المجتمع من الاستقرار والأمن، ويوجه جهود الدولة إلى ملف الإرهاب، ولأنه يحول دون وحدة عربية تنهض بقضايا وهموم العرب وتحمى أمنهم القومي. طريق النضال الوطنى والإسهام بشفافية ومصداقية وتجرد فى نهضة الأوطان واضح ومرسوم لكل ذى بصيرة ونفس وطنية نقية، من خلال التكامل والتعاون مع الدولة والإسهام فى حل المشكلات المجتمعية فى مجالات الصحة والأمية والبطالة والفقر ومشكلات الشباب.. الخ. بالإسهام فى مشروع التنوير الحضارى وإيقاظ وعى الشعب، والرفع من مستوى إدراكاته المعرفية والثقافية، وحالته الروحية والمعنوية. لكن الإخوان ومن معهم أصابهم الحَوَل الدائم منذ عشرينيات القرن الماضى إلى اليوم بالاتجاه رأسًا فى الطريق المرسوم لهم من قبل قوى خارجية نحو الصراع على السلطة و«الجهاد المقدس» فى مواجهة الحكومات والأنظمة العربية.

رأت تلك التنظيمات منذ تأسيس الإخوان وصولًا لداعش أن الطريق إلى تحرير القدس يمر أولًا من العواصم العربية، وألا حل جذرى للقضية الفلسطينية إلا بتغيير الأنظمة والحكومات بالقوة وبأسلمة المجتمعات. الصراع الدائم الذى لا يهدأ الذى تخوضه هذه الجماعات بالداخل العربى ما هو إلا خطة إسرائيلية بامتياز واردة فى العديد من الدراسات والوثائق وفق خارطة طريق اختصرها إليكس فيشمان بقوله «دعوا العرب يقتلون بعضهم بعضًا بهدوء». أن اضربوا فى العمق العربى وجاهدوا فى البلاد والجيوش والمؤسسات العربية، واتركوا إسرائيل تنعم بالسلام والأمن والاستقرار والرفاهية والقوة، وهى تباشر النهب والتهويد والاستيلاء على المقدسات واغتصاب التاريخ والثقافة والتراث والحضارة.

يقول روبرت بير ضابط المخابرات الأمريكية بشأن فكرة استغلال الإخوان وتيار الإسلام السياسى ضد زعماء المنطقة: كان الأساس فى المؤامرة هو السر القذر باعتبار الإخوان حليفًا وسلاحًا سريًا ضد القومية العربية، وبدأت تلك الجهود السرية فى الخمسينيات على يد الأخوين دالاس آلان فى المخابرات وجون فوستر فى الخارجية عندما وافقوا على تمويل الإخوان ضد قادة المنطقة العربية الجدد الذين سعوا لتوحيد العرب ضد إسرائيل.

صلات الدوائر الغربية والاستخبارات الإسرائيلية بتلك التنظيمات يفسرها الربح الذى تخرج به إسرائيل منتصرة دون مباشرة فعلية للحرب، فهى تصل بالعمق العربى للدرجات القصوى من العنف والاضطرابات والخراب وتقويض المؤسسات، علاوة على نقل إسرائيل إلى الدرجات الأقل فى سلم العداء والخصومة العربية. وقبل العلاقة الاستخباراتية كان قد تم ترشيح تلك التنظيمات من قبل مفكرين ومنظرين يهود لتوظيفها بهدف إضعاف العرب، وتقليص قدرات النظام العربى فى انتزاع حقوقه المشروعة.

» اسوار القدس عبر التاريخ
» المخزون السياسي في الشريعة
» مأزق المشروع السياسي للإسلاميين
» .أشهر الراحلين عن المشهد السياسي العالمي والعربي في 2013
» .الإفراج عن ركاب الطائرة المصرية بقبرص وخاطف الطائرة يطلب حق اللجوء السياسي الى قبرص