التجربة السعودية‏..‏ سخرية لا تليق بنا

جاءت كلمة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون علينا أن نحترم سيادة الدولة فلا يجب إعطاء دروس خارج الإطار والتدخل في الشئون الداخلية لأي من البلاد‏,‏ متفقة تماما مع منهج الإدارة المصرية الحالية‏,‏ حيث أكد الرئيس السيسي مرارا أن مصر لا تتآمر علي أي دولة أخري أو تتدخل في شئونها الداخلية‏,‏ وهو منهج أخلاقي يعد غريبا في السياسة الدولية حاليا‏

إلا أنه في مضمونه يتوافق مع كل الأعراف السياسية المفترض العمل بها دوليا. وإذا كان هذا هو منهج الدولة المصرية الرسمي, فمن الأولي بالشعب المصري أن ينتهج هذه السياسة في تناوله لأي من المشكلات التي تواجهها الدول الأخري خاصة لو كانت دولا عربية شقيقة, بحيث يتناغم الرأي العام المصري مع القيادة السياسية التي اختارها لتمثله. أتحدث هنا عن مشكلة أساسية بدأت تظهر بوضوح خلال السنوات الأخيرة, تتمثل في حالة النقد الذي يوجه لبعض الدول الشقيقة من بعض الإعلاميين المصريين عبر الفضائيات

وانتقلت العدوي لفئة من الشعب المصري الذي أصبح رأيه مباحا ومتاحا علي وسائل التواصل الاجتماعي, وهنا يجب أن نتوقف قليلا لنتساءل عن حدود التعبير عن الرأي في القضايا الدولية خاصة لو كانت تمس دولا تربطنا بها علاقات قوية بحكم الجوار أو المصالح المشتركة, فهل من حق الإعلاميين أو الشعب المصري أن يوجهوا النقد المتجاوز لشعوب أو حكومات أخري؟ ذلك النقد الذي تسبب من قبل في إحداث أزمات حقيقية أدت لتوتر العلاقات الرسمية بين مصر وبعض الدول. وما هي حدود النقد المتاح لنا كمصريين تجاه الدول الأخري, وما هو الأسلوب الأمثل للتعبير عن هذه الآراء بدون تجريح أو إفساد للعلاقات الرسمية.

ويمكن أن نذكر دور الإعلام الرياضي في أزمة مصر مع الجزائر عام2010, وموقف إحدي المذيعات التي انطلقت في دفاعها عن مصر لتكيل الاتهامات للشعب المغربي الشقيق وسيداته, والمذيعة الأخري التي انفعلت علي السفير الإثيوبي لتغلق الهاتف في وجهه, ومؤخرا انطلقت إعلامية مغمورة لتكيل الاتهامات للشعب التونسي الشقيق, أما المثل الأهم الآن, فهو ما يوجهه المصريون علي مواقع التواصل الإجتماعي من سخرية وتهكم علي حالة التحول الجذري التي تمر بها المملكة العربية السعودية التي تحاول استئصال جذور العنف والتطرف المتأصلة فيها بفعل الأفكار الوهابية التي طالما شكونا كمصريين من تأثيرها علي مجتمعنا الذي يعاني التشدد والإرهاب.

فالمملكة العربية السعودية تمر الآن بمرحلة مخاض جديدة عليها, وتسعي جاهدة لإحداث تغيير في المجتمع الذي سيواجه صعوبة شديدة في التغيير الذي يحتاج أجيالا جديدة لتستوعبه ويظهر عليها أثره بغض النظر عن كونه مفروض عليها أو بإرادتها فهذا ليس شأننا, بل يحتم كشعب خاض معركته الخاصة في التغيير أن نساند التجربة السعودية الجديدة ونمد لها يد العون والمساندة بدلا من التهكم والسخرية والاستنكار والتعجب. فأي تجربة تغييير يفترض أن تواجهها بعض الصعوبات

وربما ترتكب بعض الأخطاء, وهو أمر يمكن استيعابه بسهولة من الشعب المصري الذي طالما نادت نخبته بوقف الزحف الوهابي علي مجتمعنا, لذلك ليس من المنطقي عندما يبدأ المجتمع السعودي في التغيير الحقيقي أن نوجه له كل هذا الكم من النقد والتجريح, فأولي بنا كمصريين, أن نسهم بود في أن تمر هذه المرحلة علي الشعب الشقيق بأمان وسلاسة بدون عنف, فالشعب المصري والشعب السعودي تربطهما الكثير من المصالح والعلاقات القوية التي يجب أن تستمر حرصا علي أمن واستقرار المنطقة العربية بالكامل.

فرفقا بشعب شقيق يمر بأهم فترة في تاريخه الحديث والقديم, وكفانا سخرية من بعضنا البعض, حتي نحقق ما تتطلع له من استقرار وتقدم تعود ثماره علي الوطن العربي المثخن بالجراح. فلا تزيدوا الجراح جراحا يرحمكم الله.