-2-
في قصر الكركدن حيث يقيم الشيخ عبادة –يزوره أعمامه الثلاثة شعلان وفواز وعامر:
عبادة: أهلاً بكم.. لعلكم جئتم لتهنئوني بالمشيخة.
شعلان: لا تستحق التهنئة من أجلها يا بني بل التعزية.
عبادة: سامحكم الله دائماً تكرهونني كأنني عدوكم؟
عامر: وهل لنا عدو غيرك؟
عبادة: المحسود عدو الحاسد!
شعلان: علام نحسد يا بني؟
فواز: أعلى جرائرك؟
عامر: وممالأتك الأعداء على قومك؟
عبادة: عجباً لكم.. هل جئتم لتبكتوني في قصري؟
شعلان: لا يا بني.. إنما جئنا لننصحك.
عبادة: نصيحة أم إنذار؟
فواز: سمها ما شئت.
شعلان: إنك تلعب بالنار يا عبادة وستؤدي بقومك إلى الدمار.
عبادة: دائماً تقولون لي هذا القول، وإني لا أفهم أي نار تقصدون.
شعلان: النار القديمة.
عبادة: تلك نار قد أطفأناها معاً.
شعلان: ولكنك أوقدتها من جديد.
عبادة: هذا غير صحيح.
فواز: صارحه بالحقيقة يا شعلان.
شعلان: إنه يفهم ما أعني.
عامر: لا داعي للكنايات. لقد عدت إلى الفتاة الدخيلة فآويتها في قصرك.
عبادة: أي فتاة تعنون؟
فواز: مادلين هيثكليف!
عامر: تلك الإنجليزية اليهودية المجرمة!
شعلان: عفونا عنها ومنحناها المال الوفير فعادت إلى جريمتها ضدنا.
عبادة: تلك كانت زلتكم. لقد نصحتكم يومئذ بقتلها فخالفتموني وسخرتم بي بل أوعزتم إليها لتركبني بالسخرية!
شعلان: فهل عدت لها اليوم مكافأة لها على أن سخرت بك؟
فواز: أما تستنكف أن تتزوجها بعد أن شهدت فسقها مع عشيقها الإنجليزي بعينك؟
عام: أتتزوج بغياً ملعونة؟
عبادة: من قال لكم أنني سأتزوجها؟ إن لي شرفاً يعصمني من ذلك؟ فلا تظنوا أنكم استأثرتم بالشرف من دوني.
شعلان: ففيم مقامها في قصرك؟
عبادة: لقد جاءت هي وخطيبها ضيفاً علي. أفأطردهما وأخل بتقاليد قومنا؟
فواز: ها.. قياماً بواجب الضيافة؟
عبادة: نعم.
شعلان: ومتى رعيت يا ابن أخي تقاليد قومك؟
عبادة: إنني دائماً أرعاها.. وهذا مثل منها.
فواز: لماذا لا تذكر المثل الآخر فهو أروع؟
عبادة: ماذا تقصد؟
فواز: أبو لؤلؤة الذي أجرته عندك فسلمته لأعداء قومك ليقتلوه ويمثلوا به!
عبادة: دعوني من شيء قد وارته الأيام.
عامر: لن تواريه الأيام أبداً!
عبادة: فلهذا جئتموني؟
شعلان: بل جئناك من أجل هذه الفتاة الدخيلة.
عبادة: قلت لكم إن خطيبها معها، وأنهما ينزلان ضيفين عندي، ولست ممن يرد الضيف.
شعلان: وصهيون الذي يتردد عليها في قصرك؟
عبادة: هذا يزعم أنه خالها ولا شأن لي به.
شعلان: والسفير الطوارني؟
عبادة: إن قندغلى هذا صديق لي قديم، ولا حق لأحد أن يمنعني من استقبال أصدقائي في قصري.
شعلان: إنك تعلم أنه عدو لنا.
عبادة: لقد تودد إليكم فأعرضتم عنه.
شعلان: لا مودة بيننا وبينه حتى يرد إلينا ما اغتصب من أملاكنا، ويكف عن تأييد أعدائنا ضد بني عمنا.
عبادة: هذا شأنكم أنتم معه. ولا شأن لي بذلك.
شعلان: أتصادق أعداءنا وأنت منا ثم تزعم أن لا شأن لك بذلك؟
عبادة: صادقوا أعدائي إن شئتم فلن يغضبني ذلك منكم.. كل واحد منا حر في اختيار أعدائه وأصدقائه.
شعلان: ونحن أحرار في إحباط المؤامرة التي تحاك ضدنا في جوانب قصرك.
عبادة: لا يحاك في قصري أية مؤامرة على أحد.
شعلان: لا يجتمع هؤلاء الأعداء في قصرك عبثاً.
عبادة: ليس في وسعي أن أمنع ضيوفي من الاجتماع وما أرى في ذلك أي ضرر على أحد.
شعلان: ذلك لأنك أناني لا ترعى إلا مصلحتك الشخصية.
عبادة: هاأنتم أقررتم الآن أنني أرعى مصلحتي، فكيف يستقيم هذا مع قولكم أنني العب بالنار؟ كأنكم تريدون مني أن أرعى مصلحتكم قبل مصلحتي.. أفليس هذا منتهى الأنانية منكم؟
شعلان: يا ابن أخي.. إن مصلحتنا هي مصلحتك.
عبادة: ففيم إذن تعارضون مصلحتي؟
شعلان: هذه ليست مصلحتك بل مصلحة الأعداء المتآمرين. وستؤكل يا بني يوم يؤكل الثور الأبيض!
عبادة: إنما تقولون هذا خوفاً على ميراث شيخ العرب الذي احتجزتموه دوني. وأنا الشيخ اليوم فيجب أن يصير الميراث إلي.
فواز: من الذي شيَّخَكَ إلا أعداؤنا.
عامر: أتتبجح بهذا اللقب المصنوع ألا تستحي من حمله؟
عبادة: لا أستحي من شيء هو مثار حسدكم علي.
شعلان: دعونا من هذا الآن.. استمع لي يا بني وافهم ما أقول.
عبادة: نعم..
شعلان: أنت تعلم أننا ما احتجنا نصيبك من الميراث، فلقد أخذته فما أحسنت القيام عليه حتى رهنته للأعداء فجعلت لهم بذلك سلطاناً عليك وعليه.
عبادة: تسمون هؤلاء أعداء لأنهم ساعدوني في انتزاع ذلك النصيب من أيديكم.
شعلان: ليصير إلى يديهم هم في النهاية.. وها هم أولاً وأخيراً كونك من جديد ليضعوا يدك على باقي تراث أسرتك فيضعوا أيديهم عليه!
فواز: ويقتسموه بينهم: فجزء لصهيون، وجزء لقندغلى..
عامر: والباقي للعدو الأكبر!
فواز: وعلى ميراث الأسرة ومجدها السلام!
شعلان: فأحذر يا بني أن تكون المعول الذي يهدم به الأعداء مجد أسرتك!
عبادة: هذا رأيكم أنتم وقد أوحته إليكم مصالحكم الشخصية. أما أنا فقد عاهدت نفسي لأجمعن ما تبدد من مجد الأسرة وأقيمه بناء مشمخراً شامخاً.
فواز: ليسكنه أعداؤنا وتقف أنت بواباً على بابه!
عبادة: إنني لا أحتمل أن أسمع هذا اللغو في قصري.
عامر: وهل هذا قصرك؟
عبادة (ساخراً) لعله قصرك أنت!
عامر: ما ارتهنته أنا حتى يكون لي!
فواز: لا حق لك يا عامر أن تقول هذا فالشيء المرهون يبقى ملكاً لراهنه حتى يغلق الرهن فعندئذ يصير ملك المرتهن.
عامر: إن لم يغلق بعد فإنه آيل إلى الغلق.. وإلا فمن أين لهذا أن يفتك الرهن؟
فواز: من ميراث شيخ العرب الذي يطمع فيه!
عامر: ليسرى إليه الرهن جميعاً!
عبادة (ينفجر غاضباً): كفى سخرية! اخرجوا من قصري!
فواز: أتطردنا ويلك؟
عبادة (بانفعال): نعم!
شعلان: فكر يا بني فيما قلت لك.. لا تقل يوماً إننا ما نصحناك.
عبادة: لا حاجة بي لنصيحتكم احفظوها لأنفسكم!
شعلان (ينهض وينهض أخواه): لتندمن على عملك!
عبادة: أتهددونني؟
عامر: نعم نهددك ونتوعدك!
شعلان: إلا إذا كففت عن هذا العمل طبعاً.
عبادة: لقد مضى العهد الذي أخضع فيه لتهديدكم؟. إن عندي اليوم أربعين ألفاً من بني قومي الأقحاح بأقوى سلاح وعلى أحسن نظام.
شعلان: إني لأرجو الله أن يضرب في عروقهم غيرة الأصل وعصبية الجذم فينتقضوا عليك في ساعة العسرة إذا جد الجد!
عبادة: لقد طمعتم في غير مطمع إنهم رجالي أنا لا رجالكم. ثم لا تنسوا أن الجنرال رستم باشا يؤيدني.
شعلان: لئن أيدك فإن قومه معنا قاطبة!
عبادة: بل سيكونون معي أسوة به.
شعلان: هيهات.. هو الشقي الوحيد فيهم.
عبادة: هب هذا صحيحاً فما هو بضائري شيئاً.. إنني حليف أكبر قوة في الغرب وأقوى فئة في الشرق!
شعلان: الله أكبر وأقوى!
فواز: والحق أمنع وأعلى!
عامر: ومد العرب أبقى!
عبادة: أنا مجد العرب ومجد العرب أنا.
عامر (ساخراً): على زن قول الشاعر:
أنا أنطونيو وأنطونيو أنا.