العذاب العذب

العذاب العذب
( 1 )
جلّ من قال : (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
المحن تختلف فى الحياة بإختلاف مواضيعهاوظروفها وأسبابها ومسبباتها وما لها من علاقة بآمال الممتحـَن ونفسيته وآماله وعواطفه وواجباته وسعادته فى حياته وإيمانه وأمانه وطهارة ضميره وإطمئنان وجدانه .
ومواضيع المحن هى مواضيع الحياة والجهاد فى سبيلها.وإذا كانت الحياة لا تستقيم إلا إذا استقام أمر هياكلها التى يمكننا أن نري فيهاوبها الحياة بارزة أمامنا ولا يستقيم أمر هاته الهياكل إلا إذا سارت فى سبيل إستقامتها على سنن الفطرة التى فطر الله تعالى عليها خلقه منقادة لما تؤمر به من طرف ضمائرها ووجدانياتها التى يجب أن تكون على اتصال تام بعالم الحسيات والمشاهدة اتصالا إن لم يجعلها تلمس حالعذاب العذب
قائق الحياة لمسا فلا أقل من أن يقدرها على رؤيتها الرؤية المقنعة بعين البصيرة النفاذة الناقدة الحادة وأن يكون وجه الحياة مبرقعا أو لا يتصور إلا من وراء حجاب .
وإذا كانت سائر المدركات لا يمكن إدراكها إلا إذا كانت بين ضد وضد .. وكانت المحن ضربة لازب لا مناص من اقتحام ميدانها للظفر بالحياة وتحقيقها وكانت هياكل أبداننا وميادين ضمائرنا ووجدانياتنا هىالمواضيع الأولية التى تتزاحم عليها وفيها أهوال المحن وأغوال البلايا وتهاجمها من سائر أقطارها وتنتابها فجأة أو بعد الإنذار والإعذار.

-----------------------------------------

العذاب العذب
( 2 )
وإذا كانت هياكل أبداننا فى وظائفها لا تتجاوز حدّ كونها وسائط وآلات يتسني لنا أن نري فيها وبها حياة الضمائر والوجدانيات ماثلة لأعيننا من جهة وتري الضمائر والوجدانيات فيها وبها حقائق المدركات القيمة الواجبة الإستقامة لذاتها .. الرؤية الواجبة لسلوك السبل السوية المفضية لإستقامة الحياة من جهة أخري . كانت آثار المحن فى الضمائر والوجدانيات أشّد وأعظم وأنكى وقعا منها على الهياكل والأجسام فما هياكلنا وأبداننا إلا أغمدة لصوارم الضمائر والوجدانيات التى هى السلاح الذي يخوض به كل شهم نبيل معامع الحياة .. مغامرا بالحياة للحياة ?
وقد يمتحن المجاهد النبيل بصدمة فى غمد صارمه فيأسي لها الأسي المرّ ولكن لا ريب أن محنته تكون أشدّ تأثيرا عليه وأسوأ على نفسه وقعا إذا نالت الصدمة الصارم نفسه فأورثته فلولا و لوت حده المرهف وأحدبت ظهره وألانت حديده .
وكما تعظم المحنة على المجاهد النبيل إذا نالت صدمتها من صارمه وغمده معا تشتدّ وطأتها عليه أكثر إذا تسلطت على بدنه وضميره ووجدانه .
وكما يبدو نبل النبيل وبطولته فى الصبر على ما يمتحن به أثناء الحياة حتى لا يستبين مقاتله أمره فيشتدّ ساعده يقوي أمله كذلك يتحتم للنبل والبطولة الصبر على الالإمتحان فى بدنه وضميره ووجدانه ويلزم له العزم والثبات تلقاء المحنة بعزيمة تخول له أن يخرج من مكحنته وقتها بجسم أسلم وأقوَم وضمير أطهر وأقوي ووجدان أصفي وأطيب وأصلب فلا يجد فى محنته إلا دواء شافيا لما قد كمن فى هيكل حياته وتمثالها من علل وأمراض لولا المحنة ما كانت تلم به مداركه فتستأصل شأفتها ليبقي صحيحا مستقيما سالما قادرا مستعدا لخوض معترك الحياة للفوز بحقيقتها على الوجه الذي تعقل به الحياة فيعرفها لتتعرف به فيحيا ويسعد.
وما الحياة وما السعادة إلا معرفة حقيقة الحياة لنعقلها ونتذوقها كما هى .

-----------------------------------------