موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
باكى - 67
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
الحربي - 36
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
زهرالورد - 30
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_rcap:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Voting_bar:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Vote_lcap 

 

 : من تاريخ ابن خلدون

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:02

الفصل الخامس عشر في أن نهاية الحسب في العقب الواحد أربعة آباء
اعلم أن العالم العنصري بما فيه كائن فاسد لا من ذواته ولا من أحواله‏.‏ فالمكونات من المعدن والنبات وجميع الحيوانات‏:‏ الإنسان وغيره كائنة فاسدة بالمعاينة‏.‏ وكذلك ما يعرض لها من الأحوال وخصوصاً الإنسانية‏.‏ فالعلوم تنشأ ثم تدرس وكذا الصنائع وأمثالها‏.‏ والحسب من العوارض التي تعرض للآدميين فهو كائن فاسد لا محالة‏.‏ وليس يوجد لأحد من أهل الخليقة شرف متصل في آبائه من لدن آدم إليه إلا ما كان من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم كرامة به وحياطة على السر فيه‏.‏ وأول كل شرف خارجية كما قيل وهي الخروج عن الرياسة والشرف إلى الضعة والابتذال وعدم الحسب ومعناه أن كل شرف وحسب فعدمه سابق عليه شأن كل محدث‏.‏ ثم إن نهايته أربعة آباء وذلك أن باني المجد عالم بما عاناه في بنائه ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه‏.‏ وابنه من بعده مباشر لأبيه قد سمع منه ذلك وأخذه عنه إلأ انه مقصر في ذلك تقصير السامع بالشيء عن المعاين له‏.‏ ثم إذا جاء الثالث كان حظه الاقتفاء والتقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عن المجتهد‏.‏ ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف وإنما هو أمر وجب لهم منذ أول النشأة بمجرد انتسابهم وليس بعصابة ولا بخلال لما يرى من التجلة بين الناس ولا يعلم كيف كان حدوثها ولا سببها ويتوهم أنه النسب فقط فيربأ بنفسه عن أهل عصبيته ويرى الفضل له عليهم وثوقاً بما ربي فيه من استتباعهم وجهلاً بما أوجب ذلك الاستتباع من الخلال التي منها التواضع لهم والأخذ بمجامع قلوبهم‏.‏ فيحتقرهم بذلك فينغصون عليه ويحتقرونه ويديلون منه سواه من أهل ذلك المنبت ومن فروعه في غير ذلك العقب للإذعان لعصبييهم كما قلناه‏.‏ بعد الوثوق بما يرضونه من خلاله‏.‏ فتنمو فروع هذا وتذوي فروع الأول وينهدم بناء بيته‏.‏ هذا في الملوك وهكذا في بيوت القبائل والأمراء وأهل العصبية أجمع ثم في بيوت أهل الأمصار إذا انحطت بيوت نشأت بيوت أخرى من ذلك النسب‏:‏ ‏"‏ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ‏"‏‏.‏ واشتراط الأربعة في الأحساب إنما هو في الغالب وإلأ فقد يدثر البيث من دون الأربعة ويتلاشى وينهدم‏.‏ وقد يتصل أمرها إلى الخامس والسادس إلا أنه في انحطاط وذهاب‏.‏ واعتبار الأربعة من قبل الأجيال الأربعة بان ومباشر له ومقلد وهادم‏.‏ وهو أقل ما يمكن‏.‏ وقد اعتبرت الأربعة في نهاية الحسب في باب المدح والثناء‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنما الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ‏"‏ إشارة إلى أنه بلغ الغاية من المجد‏.‏ وفي التوراة ما معناه‏:‏ أنا الله ربك طائق غيورمطالب بذنوب الآباء للبنين على الثوالث وعلى الروابع وهذا يدل على أن الأربعة الأعقاب غاية في الأنساب والحسب‏.‏ ومن كتاب الأغاني في أخبار عزيف الغواني أن كسرى قال للنعمان‏:‏ هل في العرب قبيلة تشرف على قبيلة‏.‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ بأي شيء قال‏:‏ من كان له ثلاثة آباء متوالية رؤساء ثم اتصل ذلك بكمال الرابع فالبيت من قبيلته وطلب ذلك فلم يجده إلا في آل حذيفة بن بدر الفزاري وهم بيت قيس وآل ذي الجدين بيت شيبان وآل الأشعث بن قيس من كندة وآل حاجب بن زرارة وآل قيس بن عاصم المنقري من بني تميم فجمع هؤلاء الرهط ومن تبعهم من عشائرهم وأقعد لهم الحكام والعدول‏.‏ فقام حذيفة بن بدر ثم الأشعث بن قيس لقرابته من النعمان ثم بسطام بن قيس بن شيبان ثم حاجب بن زرارة ثم قيس بن عاصم وخطبوا ونثروا‏.‏ فقال كسرى‏:‏ كلهم سيد يصلح لموضعه‏.‏ وكانت هذه البيوتات هي المذكورة في العرب بعد بني هاشم ومعهم بيت بني الذبيان من بني الحارث بن كعب اليمني‏.‏ وهذا كله يدل على أن الاربعة الآباء نهاية في الحسب‏.‏ والله أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:04

الفصل السادس عشر في أن الأمم الوحشية أقدرعلى التغلب ممن سواها
اعلم أنه لما كانت البداوة سبباً في الشجاعة كما قلناه في المقدمة الثالثة لا جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة من الجيل الآخر فهم اقدر على التغلب وانتزاع ما في أيدي سواهم من الأمم بل الجيل الواحد تختلف أحواله في ذلك باختلاف الأعصار‏.‏ فكلما نزلوا الأرياف وتفنقوا النعيم وألفوا عوائد الخصب في المعاش والنعيم نقص من شجاعتهم بمقدار ما نقص من توحشهم وبداوتهم‏.‏ واعتبر ذلك في الحيوانات العجم بدواجن الظباء والبقر الوحشية والحمر إذا زال توحشها بمخالطة الآدميين وأخصب عيشها كيف يختلف حالها في الانتهاض والشدة حتى في مشيتها وحسن أديمها وكذلك الآدمي المتوحش إذا أنس وألف‏.‏ وسببه أن تكون السجايا والطبائع إنما هو عن المألوفات والعوائد‏.‏ وإذا كان الغلب للأمم إنما يكون بالإقدام والبسالة فمن كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة وأكثر توحشاً كان أقرب إلى التغلب على سواه إذا تقاربا في العدد وتكافآ في القوة والعصبية‏.‏ وانظر في ذلك شأن مضر مع من قبلهم من حمير وكهلان السابقين إلى الملك والنعيم ومع ربيعة المتوطنين أرياف العراق ونعيمه لما بقي مضر في بداوتهم وتقدمهم الآخرون إلى خصب العيش وغضارة النعيم كيف أرهفت البداوة حدهم في التغلب فغلبوهم على ما في أيديهم وانتزعوه منهم‏.‏ وهذا حال بني طيىء وبني عامر بن صعصعة وبني سليم بن منصور من بعدهم لما تأخروا في باديتهم عن سائر قبائل مضر واليمن ولم يتلبسوا بشيء من دنياهم كيف أمسكت حال البداوة عليهم قوة عصبيتهم ولم تخلفها مذاهب الترف حتى صاروا أغلب على الأمر منهم‏.‏ وكذا كل حي من العرب يلي نعيماً وعيشاً خصباً دون الحي الآخر‏.‏ فإن الحي المتبدي يكون أغلب له وأقدر عليه إذا تكافآ في القوة والعدد‏.‏ سنة الله في خلقه‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:06

الفصل السابع عشر في أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك
وذلك لأنا قدمنا أن العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه وقدمنا أن الآدميين بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض فلا بد أن يكون متغلباً عليهم بتلك العصبية وإلا لم تتم قدرته على ذلك‏.‏ وهذا التغلب هو الملك وهو أمر زائد على الرئاسة لأن الرئاسة إنما هي سؤدد وصاحبها متبوع وليس له عليهم قهر في أحكامه وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر‏.‏ وصاحب العصبية إذا بلغ إلى رتبة طلب ما فوقها فإذا بلغ رتبة السؤدد والاتباع ووجد السبيل إلى التغلب والقهر لا يتركه لأنه مطلوب للنفس‏.‏ ولا يتم اقتدارها عليه إلا بالعصبية التي يكون بها متبوعاً‏.‏ فالتغلب الملكي غاية للعصبية كما رأيت‏.‏ ثم إن القبيل الواحد وإن كانت فيه بيوتات متفرقة وعصبيات متعددة فلا بد من عصبية تكون أقوى من جميعها تغلبها وتستتبعها وتلتحم جميع العصبيات فيها وتصير كأنها عصبية واحدة كبرى وإلا وقع الافتراق المفضي إلى الاختلاف والتنازع‏:‏ ‏"‏ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ‏"‏‏.‏ ثم إذا حصل التغلب بتلك العصبية على قومها طلبت بطبعها التغلب على أهل عصبية أخرى بعيدة عنها‏.‏ فإن كافأتها أو مانعتها كانوا أقتالاً وأنظاراً ولكل واحدة منهما التغلب على حوزتها وقومها شأن القبائل والأمم المفترقة في العالم‏.‏ وإن غلبتها واستتبعتها التحمت بها أيضاً وزادتها قوة في التغلب إلى قوتها وطلبت غاية من التغلب والتحكم أعلى من الغاية الأولى وأبعد‏.‏ وهكذا دائماً حتى تكافىء بقوتها قوة الدولة‏:‏ فإن أدركت الدولة في هرمها ولم يكن لها ممانع من أولياء الدولة أهل العصبيات استولت عليها وانتزعت الأمر من يدها وصار الملك أجمع لها وإن انتهت إلى قوتها ولم يقارن ذلك هرم الدولة وإنما قارن حاجتها إلى الاستظهار بأهل العصبيات انتظمتها الدولة في أوليائها تستظهر بها على ما يعن من مقاصدها‏.‏ وذلك ملك آخر دون الملك المستبد وهو كما وقع للترك في دولة بني العباس ولصنهاجة وزناتة مع كتامة ولبني حمدان مع ملوك الشيعة والعلوية والعباسية‏.‏ فقد ظهر أن الملك هو غاية العصبية وأنها إذا بلغت إلى غايتها حصل للقبيلة الملك إما بالاستبداد أو بالمظاهرة على حسب ما يسعه الوقت المقارن لذلك‏.‏ وإن عاقها عن بلوغ الغاية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:08

am
الفصل الثامن عشر في أن من عوائق الملك حصول الترف

وانغماس القبيل في النعيم وسبب ذلك أن القبيل إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بمقداره وشاركت أهل النعم والخصب في نعمتهم وخصبهم وضربت معهم في ذلك بسهم وحصة بمقدار غلبها واستظهار الدولة بها‏.‏ فإن كانت الدولة من القوة بحيث لا يطمع أحد في انتزاع أمرها ولا مشاركتها فيه أذعن ذلك القبيل لولايتها والقنوع بما يسوغون من نعمتها ويشركون فيه من جبايتها ولم تسم آمالهم إلى شيء من منازع الملك ولا أسبابه إنما همتهم النعيم والكسب وخصب العيش والسكون في ظل الدولة إلى الدعة والراحة والأخذ بمذاهب الملك في المباني والملابس والاستكثار من ذلك والتأنق فيه بمقدار ما حصل من الرياش والترف وما يدعو إليه من توابع ذلك‏.‏ فتذهب خشونة البداوة وتضعف العصبية والبسالة ويتنعمون فيما آتاهم الله من البسطة‏.‏ وتنشأ بنوهم وأعقابهم في مثل ذلك من الترفع عن خدمة أنفسهم وولاية حاجاتهم ويستنكفون عن سائر الأمور الضرورية في العصبية حتى يصير ذلك خلقاً لهم وسجية فتنقص عصبيتهم وبسالتهم في الأجيال بعدهم يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية فيأذنون بالانقراض‏.‏ وعلى قدر ترفهم ونعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فضلاً عن الملك فإن عوارض التعرف والغرق في النعيم كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب‏.‏ وإذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن المدافعة والحماية فضلاً عن المطالبة والتهمتهم الأمم سواهم‏.‏ فقد تبين أن الترف من عوائق الملك‏.‏ والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏ :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Up الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك حصول المذلة للقبيل

والانقياد إلى سواهم وسبب ذلك أن المذلة والانقياد كاسران لسورة العصبية وشدتها فإن انقيادهم ومذلتهم دليل على فقدانها فما رئموا للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة ومن عجز عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزاً عن المقاومة والمطالبة‏.‏ واعتبر ذلك في بني إسرائيل لما دعاهم موسى عليه السلام إلى ملك الشام وأخبرهم بأن الله قد كتب لهم ملكها كيف عجزوا عن ذلك وقالوا‏:‏ ‏"‏ إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها[/url] ‏"‏ ي يخرجهم الله تعالى منها بضرب من قدرته غير عصبيتنا وتكون من معجزاتك يا موسى‏.‏ ولما عزم عليهم لجوا وارتكبوا العصيان وقالوا له‏:‏ ‏"‏ .yoo7.)]اذهب أنت وربك فقاتلا[/url] ‏"‏‏.‏ وما ذلك إلا لما آنسوا من أنفسهم من العجز عن المقاومة والمطالبة كما تقتضيه الآية وما يؤثر في تفسيرها وذلك بما حصل فيهم من خلق الانقياد وما رئموا من الذل للقبط أحقاباً حتى ذهبت العصبية منهم جملة مع أنهم لم يؤمنوا حق الإيمان بما خبرهم به موسى من أن الشام لهم وأن العمالقة الذين كانوا بأريحاء فريستهم بحكم من الله قدره لهم فأقصروا عن ذلك وعجزوا تعويلاً على ما علموا من أنفسهم من العجز عن المطالبة لما حصل لهم من خلق المذلة وطعنوا فيما أخبرهم به نبيهم من ذلك وما أمرهم به‏.‏ فعاقبهم الله بالتيه وهو أنهم تاهوا في قفر من الأرض ما بين الشام ومصر أربعين سنة لم يأووا فيها لعمران ولا نزلوا مصراً ولا خالطوا بشراً كما قصه القرآن لغلظة العمالقة بالشام والقبط بمصر عليهم لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه‏.‏ ويظهرمن مساق الآية ومفهومها أن حكمة ذلك التيه مقصودة وهي فناء الجيل الذين خرجوا من قبضة الذل والقهر والقوة وتخلقوا به وأفسدوا من عصبيتهم حتى نشأ في ذلك التيه جيل آخر عزيز لا يعرف الأحكام والقهر ولا يسام بالمذلة فنشأت لهم ذلك عصبية أخرى اقتدروا بها علي المطالبة والتغلب‏.‏ ويظهر لك من ذلك أن الأربعين سنة أقل ما يأتي فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر‏.‏ سبحان الحكيم العليم‏.‏ وفي هذا أوضح دليل على شأن العصبية وأنها هي التي تكون بها المدافعة والمقاومة والحماية والمطالبة وأن من فقدها عجز عن جميع ذلك كله‏.‏ ويلحق بهذا الفصل فيما يوجب المذلة للقبيل شأن المغارم والضرائب‏.‏ فإن القبيل الغارمين ما أعطوا اليد من ذلك حتى رضوا بالمذلة فيه لأن في المغارم والضرائب ضيماً ومذلة لا تحتملها النفوس الأبية إلأ إذا استهونته عن القتل والتلف وأن عصبيتها حينئذ ضعيفة عن المدافعة والحماية ومن كانت عصبيته لا تدفع عنه الضيم فكيف له بالمقاومة والمطالبة قد حصل له الانقياد للذل والمذلة عائقة كما قدمناه‏.‏ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الحرث لما رأى سكة المحراث في بعض دور الأنصار‏:‏ ‏"‏ ما دخلت هذه دار قوم إلا دخلهم الذل ‏"‏ فهو دليل صريح على أن المغرم موجب للمذلة‏.‏ هذا إلى ما يصحب ذل المغارم من خلق المكر والخديعة بسبب ملكة القهر‏.‏ فإذا رأيت القبيل بالمغارم في ربقة من الذل فلا تطمعن لها بملك آخر الدهر‏.‏ ومن هنا يتبين لك غلط من يزعم أن زناتة بالمغرب كانوا شاوية يؤدون المغارم لمن كان على عهدهم من الملوك‏.‏ وهو غلط فاحش كما رأيت إذ لو وقع ذلك لما استتب لهم ملك ولا تمت لهم دولة‏.‏ وانظر فيما قاله شهربراز ملك الباب لعبد الرحمن بن ربيعة لما أطل عليه وسأل شهربراز أمانه على أن يكون له فقال‏:‏ أنا اليوم منكم يدي في أيديكم وصعري معكم فمرحباً بكم وبارك الله لنا ولكم وجزيتنا إليكم النصر لكم والقيام بما تحبون ولا تذلونا بالجزية فتوهنونا لعدوكم‏.‏ فاعتبر هذا فيما قلناه فإنه كاف‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:10

الفصل العشرون في أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة وبالعكس
لما كان الملك طبيعياً للإنسان لما فيه من طبيعة الاجتماع كما قلناه وكان الإنسان أقرب إلى خلال الخير من خلال الشر بأصل فطرته وقوته الناطقة العاقلة لأن الشر إنما جاءه من قبل القوى الحيوانية التي فيه وأما من حيث هو إنسان فهو إلى الخير وخلاله أقرب والملك والسياسة إنما كانا له من حيث هو إنسان لأنها خاصة للإنسان لا للحيوان فإذا خلال الخير فيه هي التي تناسب السياسة والملك إذ الخير هو المناسب للسياسة‏.‏ وقد ذكرنا أن المجد له أصل ينبني عليه وتتحقق به حقيقتة وهو العصبية والعشير وفرع يتم وجوده ويكفله وهو الخلال‏.‏ وإذا كان الملك غاية للعصبية فهو غاية لفروعها ومتمماتها وهي الخلال لأن وجوده دون متمماته كوجود شخص مقطوع الأعضاء أو ظهوره عرياناً بين الناس‏.‏ وإذا كان وجود العصبية فقط من غير انتحال الخلال الحميدة نقصاً في أهل البيوت والأحساب فما ظنك بأهل الملك الذي هو غاية لكل مجد ونهاية لكل حسب‏.‏ وأيضاً فالسياسة والملك هي كفالة للخلق وخلافة لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم وأحكام الله في خلقه وعباده إنما هي بالخير ومراعاة المصالح كما تشهد به الشرائع وأحكام البشر إنما هي من الجهل والشيطان بخلاف قدرة الله سبحانه وقدره فإنه فاعل للخير والشر معاً ومقدرهما إذ لا فاعل سواه‏.‏ فمن حصلت له العصبية الكفيلة بالقدرة وأونست منه خلال الخير المناسبة لتنفيذ أحكام الله في خلقه فقد تهيأ للخلافة في العباد وكفالة الخلق ووجدت فيه الصلاحية لذلك‏.‏ وهذا البرهان أوثق من الأول وأصح مبنى‏.‏ فقد تبين أن خلال الخير شاهدة بوجود الملك لمن وجدت له العصبية‏.‏ فإذا نظرنا في أهل العصبية ومن حصل لهم الغلب على كثير من النواحي والأمم فوجدناهم يتنافسون في الخير وخلاله من الكرم والعفو عن الزلات والاحتمال من غير القادر والقرى للضيوف وحمل الكل وكسب المعدم والصبر على المكاره والوفاء بالعهد وبذل الأموال في صون الأعراض وتعظيم الشريعة وإجلال العلماء الحاملين لها والوقوف عندها يحددونه لهم من فعل أو ترك وحسن الظن بهم واعتقاد أهل الدين والتبرك بهم ورغبة الدعاء منهم والحياء من الأكابر والمشايخ وتوقيرهم وإجلالهم والانقياد إلى الحق مع الداعي إليه وإنصاف المستضعفين من أنفسهم والتبذل في أحوالهم والانقياد للحق والتواضع للمسكين واستماع شكوى المستغيثين والتدين بالشرائع والعبادات والقيام عليها وعلى أسبابها والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد وأمثال ذلك علمنا أن هذه خلق السياسة قد حصلت لديهم واستحقوا بها أن يكونوا ساسة لمن تحت أيديهم أو على العموم وأنه خير ساقه الله تعالى إليهم مناسب لعصبيتهم وغلبهم وليس ذلك سدى فيهم ولا وجد عبثاً منهم والملك أنسب المراتب والخيرات لعصبيتهم فعلمنا بذلك أن الله تأذن لهم بالملك وساقه إليهم‏.‏ وبالعكس من ذلك إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طرقها فتفقد الفضائل السياسية منهم جملة ولا تزال في انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم ويتبدل به سواهم ليكون نعياً عليهم في سلب ما كان الله قد آتاهم من الملك وجعل في أيديهم من الخير‏:‏ ‏"‏ .yoo7وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً] ‏"‏‏.‏ واستقرىء ذلك وتتبعه في الأمم السابقة تجد كثيراً مما قلناه ورسمناه‏.‏ والله يخلق ما يشاء ويختار‏.‏ واعلم أن من خلال الكمال التي يتنافس فيها القبائل أولو العصبية وتكون شاهدة لهم بالملك إكرام العلماء والصالحين والأشراف وأهل الأحساب وأصناف التجار والغرباء وإنزال الناس منازلهم‏.‏ وذلك أن إكرام القبائل وأهل العصبيات والعشائر لمن يناهضهم في الشرف ويجاذبهم حبل العشير والعصبية ويشاركهم في اتساع الجاه أمم طبيعي يحمل عليه في الأكثر الرغبة في الجاه أو المخافة من قوم المكرم أو التماس مثلها منه‏.‏ وأما أمثال هؤلاء ممن ليس لهم عصبية تتقى ولا جاه يرتجى فيندفع الشك في شأن كرامتهم ويتمحض القصد فيهم أنه للمجد وانتحال الكمال في الخلال والإقبال على السياسة بالكلية‏.‏ لأن إكرام أقتاله وأمثاله ضروري في السياسة الخاصة بين قبيله ونظرائه وإكرام الطارئين من أهل الفضائل والخصوصيات كمال في السياسة العامة‏.‏ فالصالحون للدين والعلماء للجأ إليهم في إقامة مراسم الشريعة والتجار للترغيب حتى تعم المنفعة بما في أيديهم والغرباء من مكارم الأخلاق وإنزال الناس منازلهم من الإنصاف وهو من العدل‏.‏ فيعلم بوجود ذلك من أهل عصبيته انتماؤهم للسياسة العامة وهي الملك وأن الله قد تأذن بوجودها فيهم لوجود علاماتها‏.‏ ولهذا كان أول ما يذهب من القبيل أهل الملك إذا تأذن الله تعالى بسلب ملكهم وسلطانهم إكرام هذا الصنف من الخلق‏.‏ فإذا رأيته قد ذهب من أمة من الأمم فاعلم أن الفضائل قد أخذت في الذهاب عنهم وارتقب زوال الملك منهم‏:‏ ‏"‏ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ] ‏"‏‏.‏ والله تعالى أعلم في أنه إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع وذلك لأنهم أقدر على التغلب والاستبداد كما قلناه واستعباد الطوائف لقدرتهم على محاربة الأمم سواهم ولأنهم يتنزلون من الأهلين منزلة المفترس من الحيوانات العجم وهؤلاء مثل العرب وزناتة ومن في معناهم من الأكراد والتركمان وأهل اللثام من صنهاجة‏.‏ وأيضا فهؤلاء المتوحشون ليس لهم وطن يرتافون منه ولا بلد يجنحون إليه فنسبة الأقطار والمواطن إليهم على السواء‏.‏ فلهذا لا يقتصرون على ملكة قطرهم وما جاورهم من البلاد ولا يقفون عند حدود أفقهم بل يطفرون إلى الأقاليم البعيدة ويتغلبون على اللأمم النائية‏.‏ وانظر ما يحكى في ذلك عن عمر رضى الله عنه لما بويع وقام يحرض الناس على العراق فقال‏:‏ أن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك أين القراء المهاجرون عن موعد الله سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فقال‏:‏ ‏"‏ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[/url] ‏"‏‏.‏ واعتبر ذلك أيضاً بحال العرب السالفة من قبل مثل التبابعة وحمير كيف كانوا يخطون من اليمن إلى المغرب مرة وإلى العراق والهند أخرى‏.‏ ولم يكن ذلك لغير العرب من الأمم‏.‏ وكذا حال الملثمين من المغرب لما نزعوا إلى الملك طفروا من الإقليم الأول ومجالاتهم منه في جوار السودان إلى الإقليم الرابع والخامس في ممالك الأندلس من غير واسطة‏.‏ وهذا شأن هذه الأمم الوحشية‏.‏ فلذلك تكون دولتهم أوسع نطاقاً وأبعد من مراكزها نهاية‏.‏ ‏"‏ والله يقدر الليل والنهار] ‏"‏ وهو الواحد القهار لا شريك له‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:12

الفصل الثاني والعشرون في أن الملك إذا ذهب عن بعض الشعوب
من أمة فلا بد من عوده إلم شعب أخر منها ما دامت لهم العصبية‏.‏ والسبب في ذلك أن الملك إنما حصل لهم بعد سورة الغلب والإذعان لهم من سائر الأمم سواهم فيتعين منهم المباشرون للأمر الحاملون لسرير الملك‏.‏ ولا يكون ذلك لجميعهم لما هم عليه من الكثرة التي يضيق عنها نطاق المزاحمة والغيرة التي تجدع أنوف كثير من المتطاولين للرتبة‏.‏ فإذا تعين أولئك القائمون بالدولة انغمسوا في النعيم وغرقوا في بحر الترف والخصب واستعبدوا إخوانهم من ذلك الجيل وانفقوهم في وجوه الدولة ومذاهبها‏.‏ وبقي الذين بعدوا عن الأمر وكبحوا عن المشاركة في ظل من عز الدولة التي شاركوها بنسبهم وبمنجاة من الهرم لبعدهم عن الترف وأسبابه‏.‏ فإذا استولت على الأولين الأيام وأباد خضراءهم الهرم فطبختهم الدولة وأكل الدهر عليهم وشرب بما أرهف النعيم من حدهم واشتفت غريزة الترف من مائهم وبلغوا غايتهم من طبيعة التمدن الإنساني والتغلب السياسي شعر‏:‏ كدود القز ينسج ثم يفنى بمركز نسجه في الانعكاس كانت حينئذ عصبية الأخرين موفورة وسورة غلبهم من الكاسر محفوظة وشارتهم في الغلب معلومة فتسمو آمالهم إلى الملك الذي كانوا ممنوعين منه بالقوة الغالبة من جنس عصبيتهم وترتفع المنازعة لما عرف من غلبهم فيستولون على الأر ويصير إليهم‏.‏ وكذا يتفق فيهم مع من بقي أيضا منتبذاً عنه من عشائر أمتهم فلا يزال الملك ملجأ في الأمة إلا أن تنكسر سورة العصبية منها أو يفنى سائر عشائرها‏.‏ سنة الله في الحياة الدنيا ‏"‏ والآخرة عند ربك للمتقين[/url] ‏"‏‏.‏ واعتبر هذا بما وقع في العرب لما انقرض ملك عاد قام به من بعدهم إخوانهم من ثمود ومن بعدهم إخوانهم العمالقة ومن بعدهم إخوانهم من حمير ومن بعدهم إخوانهم التبابعة من حمير أيضاً ومن بعدهم الأذواء كذلك ثم جاءت الدولة لمضر‏.‏ وكذا الفرس لما انقرض أمر الكينية ملك من بعدهم الساسانية حتى تأذن الله بانقراضهم أجمع بالإسلام‏.‏ وكذا اليونانيون انقرض أمرهم وانتقل إلى إخوانهم من الروم‏.‏ وكذا البربر بالمغرب لما انقرض أمر مغراوة وكتامة الملوك الأول منهم رجع إلى صنهاجة ثم الملثمين من بعدهم ثم المصامدة ثم من بقي من شعوب زناتة وهكذا‏.‏ سنة الله في عباده وخلقه‏.‏ وأصل هذا كله إنما يكون بالعصبية وهي متفاوتة في الأجيال والملك يخلقه الترف ويذهبه كما سنذكره بعد‏.‏ فإذا انقرضت دولة فإنما يتناول الأمر منهم من له عصب مشاركة لعصبيتهم التي عرف لها التسليم والانقياد وأونس منها الغلب لجميع العصبيات‏.‏ وذلك إنما يوجد في النسب القريب منهم لأن تفاوت العصبية بحسب ما قرب من ذلك النسب التي هي فيه أو بعد‏.‏ حتى إذا وقع في العالم تبديل كبير من تحويل ملة أو ذهاب عمران أو ما شاء الله من قدرته فحينئذ يخرج عن ذلك الجيل إلى الجيل الذي يأذن الله بقيامه بذلك التبديل‏.‏ كما وقع لمضر حين غلبوا على الأمم والدول وأخذوا الأمر من أيدي أهل العالم بعد أن كانوا مكبوحين عنه أحقاباً‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:14

الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده
والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه‏:‏ إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتصل لها حصل اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به وذلك هو الاقتداء أو لما تراه والله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس وإنما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب تغالط أيضاً بذلك عن الغلب وهذا راجع للأول‏.‏ ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله‏.‏ وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم‏.‏ وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية وجند السلطان في الأكثر لأنهم الغالبون لهم حتى إنه إذا كانت أمة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظ كبير كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى في رسم التماثيل في الجحران والمصانع والبيوت حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء والأمر لله‏.‏ وتأمل في هذا سر قولهم‏:‏ العامة على دين الملك فإنه من بابه إذ الملك غالب لمن تحت يده والرعية مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم والمتعلمين بمعلميهم‏.‏ والله العليم الحكيم وبه سبحانه وتعالى التوفيق‏.‏ في أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم فيقصر الأمل ويضعف التناسل والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل وما يحدث عنه من النشاط في القوى الحيوانية‏.‏ فإذا ذهب الأمل بالتكاسل وذهب ما يدعو إليه من الأحوال وكانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم تناقص عمرانهم وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم وعجزوا عن المدافعة عن أنفسهم بما خضد الغلب من شوكتهم فأصبحوا مغلبين لكل متغلب وطعمة لكل آكل وسواء كانوا حصلوا على غايتهم من الملك أولم يحصلوا‏.‏ وفيه والله أعلم سر آخر وهو أن الإنسان رئيس بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له والرئيس إذا غلب على رئاسته وكبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنه وري كبده وهذا موجود في أخلاق الأناسي‏.‏ ولقد يقال مثله في الحيوانات المفترسة وإنها لا تسافد إذا كانت في ملكة الآدميين‏.‏ فلا يزال هذا القبيل المملوك عليه أمره في تناقص واضمحلال إلى أن واعتبر ذلك في أمة الفرس كيف كانت قد ملأت العالم كثرة ولما فنيت حاميتهم في أيام العرب بقي منهم كثير وأكثر من الكثير‏.‏ يقال أن سعداً أحصى ما وراء المدائن فكانوا مائة ألف وسبعة وثلاثين ألفاً منهم سبعة وثلاثون ألفاً رب بيت‏.‏ ولما تحصلوا في ملكة العرب وقبضة القهر لم يكن بقاؤهم إلا قليلاً ودثروا كأن لم يكونوا‏.‏ ولا تحسبن أن ذلك لظلم نزل بهم أوعدوان شملهم فملكة الإسلام في العدل ما علمت وإنما هي طبيعة في الإنسان إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره‏.‏ ولهذا إنما تذعن للرق في الغالب أمم السودان لنقص الإنسانية فيهم وقربهم من عرض الحيوانات العجم كما قلناه أو من يرجو بانتظامه في ربقة الرق حصول رتبة أو إفادة مال أو عز كما يقع لممالك الترك بالمشرق والعلوج من الجلالقة والإفرنجة بالأندلس فإن العادة جارية باستخلاص الدولة لهم فلا يأملون من الرق لما يأملونه من الجاه والرتبة باصطفاء الدولة‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:16

الفصل الخامس والعشرون في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط
وذلك أنهم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهاب وعيث ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر ويفرون إلى منتجعهم بالقفر ولا يذهبون إلى المزاحفة والمحاربة إلا إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم‏.‏ فكل معقل أو مستصعب عليهم فهم تاركوه إلى ما يسهل عنه ولا يعرضون له‏.‏ والقبائل الممتنعة عليهم بأوعار الجبال بمنجاة من عيثهم وفسادهم لأنهم لا يتسنمون إليهم الهضاب ولا يركبون الصعاب ولا يحاولون الخطر‏.‏ وأما البسائط متى اقتدروا عليها بفقدان الحامية وضعف الدولة فهي نهب لهم وطعمة لأكلهم يرددون عليها الغارة والنهب والزحف لسهولتها عليهم إلى أن يصبح أهلها مغلبين لهم ثم يتعاورونهم باختلاف الأيدي وانحراف السياسة إلى أن ينقرض عمرانهم‏.‏ والله قادر على خلقه وهو الواحد القهار لا رب غيره‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:19

الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان
أسرع إليها الخراب والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقاً وجبلة وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة‏.‏ وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له‏.‏ فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له‏.‏ فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدر فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك‏.‏ والخشب أيضاً إنما حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك‏.‏ فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران‏.‏ هذا في حالهم على العموم‏.‏ وأيضاً فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس وأن رزقهم فى ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه‏.‏ فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس وخرب العمران‏.‏ وأيضاً فلأنهم يتلفون على أهل الأعمال من الصنائع والحرف أعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطاً من الأجر والثمن والأعمال كما سنذكره هي أصل المكاسب وحقيقتها وإذا فسدت الأعمال وصارت مجاناً ضعفت الآمال في المكاسب وانقبضت الأيدي عن العمل وابذعر الساكن وفسد العمران‏.‏ وأيضاً فإنهم ليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ودفاع بعضهم عن بعض إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهباً أو مغرماً فإذا توصلوا إلى ذلك وحصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم والنظر في مصالحهم وقهر بعضهم عن أغراض المفاسد‏.‏ وربما فرضوا العقوبات في الأموال حرصاً على تحصيل الفائدة والجباية والاستكثار منها كما هو شأنهم وذلك ليس بمغن في دفع المفاسد وزجر المتعرض لها بل يكون ذلك زائداً فيها لاستسهال الغرم في جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا في ملكتهم كأنها فوضى دون حكم‏.‏ والفوضى مهلكة للبشر مفسدة للعمران بما ذكرناه أن وجود الملك خاصة طبيعية للإنسان لا يستقيم وجودهم واجتماعهم إلا بها وتقدم ذلك أول الفصل‏.‏ وأيضاً فهم منافسون في الرياسة وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل وعلى من أجل الحياء فيتعدد الحكام منهم والأمراء وتختلف الأيدي وتختلف الأيدي على الرعية والأحكام فيفسد العمران وينتقض‏.‏ قال الأعرابي الوافد على عبد الملك لما سأله عن الحجاج وأراد الثناء عليه عنده بحسن السياسة والعمران فقال‏:‏ تركته يظلم وحده‏.‏ وانظر إلى ما ملكوه وتغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليقة كيف تقوض عمرانه وأقفر ساكنه وبدلت الأرض فيه غير الأرض‏:‏ فاليمن قرارهم خراب إلا قليلاً من الأمصارة وعراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع والشام لهذا العهد كذلك وإفريقية والمغرب لما جاز إليها بنو هلال وبنو سليم منذ أول المائة الخامسة وتمرسوا بها لثلاثمائة وخمسين من السنين قد لحق بها وعادت بسائطه خراباً كلها بعد أن كان ما بين السودان والبحر الرومي كله عمراناً تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم وتماثيل البناء وشواهد القرى والمدر‏.‏ والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:21

لفصل السابع والعشرون في أن العرب لا يحصل لهم الملك
إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة والسبب في ذلك أنهم لخلق التوحش الذي فيهم أصعب الأمم انقياداً بعضهم لبعض للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة فقلما تجتمع أهواؤهم‏.‏ فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم فسهل انقيادهم واجتماعهم وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة الوازع عن التحاسد والتنافس فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يبعثهم على القيام بأمر الله ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذهم بمحمودها ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق تم اجتماعهم وحصل لهم التغلب والملك‏.‏ وهم مع ذلك أسرع الناس قبولاً للحق والهدى لسلامة طباعهم من عوج الملكات وبراءتها من ذميم الأخلاق إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المتهيىء لقبول الخير ببقائه على الفطرة الأولى وبعده عما ينطبع في النفوس من قبيح العوائد وسوء الملكات فإن كل مولود يولد على الفطرة كما ورد في الحديث وقد تقدم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 15 يناير 2017 - 21:23

الفصل الثامن والعشرون في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك
والسبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأبعد مجالاً في القفر وأغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبييه فيكون فيها هلاكه وهلاكهم‏.‏ وسياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس وازعاً بالقهر وإلا لم تستقم سياسته‏.‏ وأيضاً فإن من طبيعتهم كما قدمناه أخذ ما في أيدي الناس خاصة والتجافي عما سوى ذلك من الأحكام بينهم ودفاع بعضهم عن بعض‏.‏ فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم وتركوا ما سوى ذلك من الأحكام بينهم‏.‏ وربما جعلوا العقوبات على المفاسد في الأموال حرصاً على تكثير الجبايات وتحصيل الفوائد فلا يكون ذلك وازعاً وربما يكون باعثاً بحسب الأغراض الباعثة على المفاسد واستهانة ما يعطي من ماله في جانب غرضه‏.‏ فتنمو المفاسد بذلك ويقع تخريب العمران فتبقى تلك الأمة كأنها فوضى مستطيلة أيدي بعضها على بعض فلا يستقيم لها عمران وتخرب سريعاً شأن الفوضى كما قدمنا‏.‏ فبعدت طبع العرب لذلك كله عن سياسة الملك‏.‏ وإنما يصيرون إليها بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية تمحو ذلك منهم وتجعل الوازع لهم من أنفسهم وتحملهم على دفاع الناس بعضهم عن بعض كما ذكرناه‏.‏ واعتبر ذلك بدولتهم في الملة لما شدد لهم الدين أمر السياسة بالشريعة وأحكامها المراعية لمصالح العمران ظاهراً وباطناً وتتابع فيها الخلفاء عظم حينئذ ملكهم وقوي سلطانهم‏.‏ كان رستم إذا رأى المسلمين يجتمعون للصلاة يقول‏:‏ أكل عمر كبدي يعلم الكلاب الآداب‏.‏ ثم إنهم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدولة أجيال نبذوا الدين فنسوا السياسة ورجعوا إلى قفرهم وجهلوا شأن عصبيتهم مع أهل الدولة ببعدهم عن الانقياد وإعطاء النصفة فتوحشوا كما كانوا ولم يبق لهم من اسم الملك إلا أنهم من جنس الخلفاء ومن جيلهم‏.‏ ولما ذهب أمر الخلافة وانمحى رسمها انقطع الأمر جملة من أيديهم وغلب عليهم العجم دونهم وأقاموا في بادية قفارهم لا يعرفون الملك ولا سياسته بل قد يجهل الكثير منهم أنهم قد كان لهم ملك في القديم وما كان في القديم لأحد من الأمم في الخليقة ما كان لأجيالهم من الملك ودول عاد وثمود والعمالقة وحمير والتبابعة شاهدة بذلك ثم دولة مضر في الإسلام بني أمية وبني العباس‏.‏ لكن بعد عهدهم بالسياسة لما نسوا الدين فرجعوا إلى أصلهم من البداوة‏.‏ وقد يحصل لهم في بعض الأحيان غلب على الدول المستضعفة كما في المغرب لهذا العهد فلا يكون مآله وغايته إلا تخريب ما يستولون عليه من العمران كما قدمناه‏.‏ واللة يؤتي ملكه من يشاء‏.‏ لفصل الثامن والعشرون في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك
والسبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأبعد مجالاً في القفر وأغنى عن حاجات التلول وحبوبها لاعتيادهم الشظف وخشونة العيش فاستغنوا عن غيرهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لإيلافهم ذلك وللتوحش ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم وترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبييه فيكون فيها هلاكه وهلاكهم‏.‏ وسياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس وازعاً بالقهر وإلا لم تستقم سياسته‏.‏ وأيضاً فإن من طبيعتهم كما قدمناه أخذ ما في أيدي الناس خاصة والتجافي عما سوى ذلك من الأحكام بينهم ودفاع بعضهم عن بعض‏.‏ فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم وتركوا ما سوى ذلك من الأحكام بينهم‏.‏ وربما جعلوا العقوبات على المفاسد في الأموال حرصاً على تكثير الجبايات وتحصيل الفوائد فلا يكون ذلك وازعاً وربما يكون باعثاً بحسب الأغراض الباعثة على المفاسد واستهانة ما يعطي من ماله في جانب غرضه‏.‏ فتنمو المفاسد بذلك ويقع تخريب العمران فتبقى تلك الأمة كأنها فوضى مستطيلة أيدي بعضها على بعض فلا يستقيم لها عمران وتخرب سريعاً شأن الفوضى كما قدمنا‏.‏ فبعدت طبع العرب لذلك كله عن سياسة الملك‏.‏ وإنما يصيرون إليها بعد انقلاب طباعهم وتبدلها بصبغة دينية تمحو ذلك منهم وتجعل الوازع لهم من أنفسهم وتحملهم على دفاع الناس بعضهم عن بعض كما ذكرناه‏.‏ واعتبر ذلك بدولتهم في الملة لما شدد لهم الدين أمر السياسة بالشريعة وأحكامها المراعية لمصالح العمران ظاهراً وباطناً وتتابع فيها الخلفاء عظم حينئذ ملكهم وقوي سلطانهم‏.‏ كان رستم إذا رأى المسلمين يجتمعون للصلاة يقول‏:‏ أكل عمر كبدي يعلم الكلاب الآداب‏.‏ ثم إنهم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدولة أجيال نبذوا الدين فنسوا السياسة ورجعوا إلى قفرهم وجهلوا شأن عصبيتهم مع أهل الدولة ببعدهم عن الانقياد وإعطاء النصفة فتوحشوا كما كانوا ولم يبق لهم من اسم الملك إلا أنهم من جنس الخلفاء ومن جيلهم‏.‏ ولما ذهب أمر الخلافة وانمحى رسمها انقطع الأمر جملة من أيديهم وغلب عليهم العجم دونهم وأقاموا في بادية قفارهم لا يعرفون الملك ولا سياسته بل قد يجهل الكثير منهم أنهم قد كان لهم ملك في القديم وما كان في القديم لأحد من الأمم في الخليقة ما كان لأجيالهم من الملك ودول عاد وثمود والعمالقة وحمير والتبابعة شاهدة بذلك ثم دولة مضر في الإسلام بني أمية وبني العباس‏.‏ لكن بعد عهدهم بالسياسة لما نسوا الدين فرجعوا إلى أصلهم من البداوة‏.‏ وقد يحصل لهم في بعض الأحيان غلب على الدول المستضعفة كما في المغرب لهذا العهد فلا يكون مآله وغايته إلا تخريب ما يستولون عليه من العمران كما قدمناه‏.‏ واللة يؤتي ملكه من يشاء‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:35

الفصل التاسع والعشرون في أن البوادي من القبائل
والعصائب مغلوبون لأهل الأمصار قد تقدم لنا أن عمران البادية ناقص عن عمران الحواضر والأمصار لأن الأمور الضرورية في العمران ليس كلها موجودة لأهل البدو وإنما توجد لديهم في مواطنهم أمور الفلح وموادها معدومة ومعظمها الصنائع‏.‏ فلا توجد لديهم بالكلية من نجار وخياط وحداد وأمثال ذلك مما يقيم لهم ضروريات معاشهم‏.‏ في الفلح وغيره‏.‏ وكذا الدنانير والدراهم مفقودة لديهم وإنما بأيديهم أعواضها من مغل الزراعة وأعيان الحيوان أو فضلاته ألباناً وأوباراً وأشعاراً وإهاباً مما يحتاج إليه أهل الأمصار فيعوضونهم عنه بالدنانير والدراهم‏.‏ إلا أن حاجتهم إلى الأمصار في الضروري وحاجة أهل الأمصار إليهم الحاجي والكمالي‏.‏ فهم محتاجون إلى الأمصار بطبيعة وجودهم‏.‏ فما داموا في البادية ولم يحصل لهم ملك ولا استيلاء على الأمصار فهم محتاجون إلى أهلها ويتصرفون في مصالحهم وطاعتهم متى دعوهم إلى ذلك وطالبوهم به‏.‏ وإن كان في المصر ملك كان خضوعهم وطاعتهم لغلب الملك‏.‏ وإن لم يكن في المصر ملك فلابد فيه من رياسة ونوع استبداد من بعض أهله على الباقين وإلا انتقض عمرانه‏.‏ وذلك الرئيس يحملهم على طاعته والسعي في مصالحه‏:‏ إما طوعاً ببذل المال لهم ثم يبذل لهم ما يحتاجون إليه من الضروريات في مصره فيستقيم عمرانهم وإما كرهاً أن تمت قدرته على ذلك ولو بالتفريق بينهم حتى يحصل له جانب منهم يغالب به الباقين فيضطر الباقون إلى طاعته بما يتوقعون لذلك من فساد عمرانهم‏.‏ وربما لا يسعهم مفارقة تلك النواحي إلى جهات أخرى لأن كل الجهات معمور بالبدو الذين غلبوا عليها ومنعوها من غيرهم فلا يجد هؤلاء ملجأ إلا طاعة المصر‏.‏ فهم بالضرورة مغلوبون
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:36

الباب الثالث من الكتاب الأول في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية
وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات الفصل الأول في أن الملك والدولة العامة‏.‏ إنما يحصلان بالقبيل والعصبية وذلك أنا قررنا في الفصل الأول أن المغالبة والممانعة إنما تكون بالعصبية لما فيها من النعرة والتذامر واستماتة كل واحد منهم دون صاحبه‏.‏ ثم إن الملك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالباً وقل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلب عليه فتقع المنازعة وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة وشيء منها لا يقع إلا بالعصبية كما ذكرناه آنفاً‏.‏ وهذا الأمر بعيد عن أفهام الجمهور بالجملة ومتناسون له لأنهم نسوا عهد تمهيد الدولة منذ أولها وطال أمد مرباهم في الحضارة وتعاقبهم فيها جيلاً بعد جيل‏:‏ فلا يعرفون ما فعل الله أول الدولة إنما يدركون أصحاب الدولة وقد استحكمت صبغتهم ووقع التسليم لهم والاستغناء عن العصبية في تمهيد أمرهم ولا يعرفون كيف كان الأمر من أوله وما لقي أولهم من المتاعب دونه وخصوصاً أهل الأندلس في نسيان هنه العصبية وأثرها لطول الأمد واستغنائهم في الغالب عن قوة العصبية بما تلاشى وطنهم وخلا من العصائب‏.‏ والله قادر على مايشاء وهو بكل شيء عليم وهو حسبنا ونعم الوكيل‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:39

الفصل الثاني في أنه إذا استقرت الدولة وتمهدت قد تستغني عن العصبية
والسبب في ذلك أن الدول العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلب للغرابة وأن الناس لم يألفوا ملكها ولا اعتادوه‏.‏ فإذا استقرت الرئاسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في الدولة وتوارثوه واحداً بعد آخر في أعقاب كثيرين ودول متعاقبة نسيت النفوس شأن الأولية واستحكمت لأهل ذلك النصاب صبغة الرئاسة ورسخ في العقائد دين الانقياد لهم والتسليم وقاتل الناس معهم على أمرهم قتالهم على العقائد الإيمانية فلم يحتاجوا حينئذ في أمرهم إلى كبير عصابة بل كأن طاعتها كتاب من الله لا يبدل ولا يعلم خلافه‏.‏ ولأمر ما يوضع الكلام في الإمامة آخر الكلام على العقائد الإيمانية كأنه من جملة عقودها‏.‏ ويكون استظهارهم حينئذ على سلطانهم ودولتهم المخصوصة‏:‏ إما بالموالي والمصطنعين الذين نشؤوا في ظل العصبية وغيرها وإما بالعصائب الخارجين عن نسبها الداخلين في ولايتها‏.‏ ومثل هذا وقع لبني العباس‏.‏ فإن عصبية العرب كانت فسدت لعهد دولة المعتصم وابنه الواثق واستظهارهم بعد ذلك إنما كان بالموالي من العجم والترك والديلم والسلجوقية وغيرهم‏.‏ ثم تغلب العجم الأولياء على النواحي وتقلص ظل الدولة فلم تكن تعدو أعمال بغداد حتى زحف إليها الديلم وملكوها وصار الخلائق في حكمهم‏.‏ ثم انقرض أمرهم وملك السلجوقية من بعدهم فصاروا في حكمهم‏.‏ ثم انقرض أمرهم وزحف آخر التتار فقتلوا الخليفة ومحوا رسم الدولة‏.‏ وكذا صنهاجة بالمغرب فسدت عصبيتهم منذ المائة الخامسة أو ما قبلها واستمرت لهم الدولة مقلصة الظل بالمهدية وبجاية والقلعة وسائر ثغور إفريقية‏.‏ وربما انتزى بتلك الثغور من نازعهم الملك واعتصم فيها والسلطان والملك مع ذلك مسلم لهم حتى تأذن الله بانقراض الدولة وجاء الموحدون بقوة قويه من العصبية في المصامدة فمحوا آثارهم‏.‏ وكذا دولة بني أمية بالأندلس لما فسدت عصبيتها من العرب استولى ملوك الطوائف على أمرها واقتسموا خطتها وتنافسوا بينهم وتوزعوا ممالك الدولة وانتزى كل واحد منهم على ما كان في ولايته وشمخ بأنفه‏.‏ وبلغهم شأن العجم مع الدولة العباسية فتلقبوا بألقاب الملك ولبسوا شارته وأمنوا ممن ينقض ذلك عليهم أو يغيره لأن الأندلس ليس بدار عصائب ولا قبائل كما سنذكره واستمر لهم ذلك كما قال ابن شرف‏:‏ مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد فاستظهروا على أمرهم بالموالي والمصطنعين والطراء على الأندلس من أهل العدوة من قبائل البربر وزناتة وغيرهم اقتداء بالدولة في آخر أمرها في الاستظهار بهم حين ضعفت عصبية العرب واستبد ابن أبي عامر على الدولة‏.‏ فكان لهم دول عظيمة استبدت كل واحدة منها بجانب من الأندلس وحظ كبير من الملك على نسبة الدولة التي اقتسموها ولم يزالوا في سلطانهم ذاك حتى جاز إليهم البحر المرابطون أهل العصبية القوية من لمتونة فاستبدلوا بهم وأزالوهم عن مراكزهم ومحوا آثارهما ولم يقدروا على مدافعتهم لفقدان العصبية لديهم‏.‏ فبهذه العصبية يكون تمهيد الدولة وحمايتها من أولها‏.‏ وقد ظن الطرطوشي أن حامية الدول بإطلاق هم الجند أهل العطاء المفروض مع الأهلة ذكر ذلك في كتابه الذي سماه سراج الملوك وكلامه لا يتناول تأسيس الدول العامة في أولها وإنما هو مخصوص بالدول الأخيرة بعد التمهيد واستقرار الملك في النصاب وإستحكام الصبغة لأهله‏.‏ فالرجل إنما أدرك الدولة عند هرمها وخلق جدتها ورجوعها إلى الاستظهار بالموالي والصنائع ثم إلى المستخدمين من ورائهم بالأجر على المدافعة‏.‏ فإنه إنما أدرك دول الطوائف وذلك عند اختلال دولة بني أمية وانقراض عصبيتها من العرب واستبداد كل أمير بقطره‏.‏ وكان في إيالة المستعين بن هود وابنه المظفر أهل سرقسطة ولم يكن بقي لهم من أمر العصبية شيء لاستيلاء الترف على العرب منذ ثلاثمائة من السنين وهلاكهم ولم ير إلا سلطاناً مستبداً بالملك عن عشائره قد استحكمت له صبغة الاستبداد منذ عهد الدولة وبقية العصبية فهو لذلك لا ينازع فيه ويستعين على أمره بالأجراء من المرتزقة فأطلق الطرطوشي القول في ذلك ولم يتفطن لكيفية الأمر منذ أول الدولة وأنه لا يتم إلا لأهل العصبية‏.‏ فتفطن أنت له وافهم سر الله فيه والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:41

الفصل الثالث في أنه قد يحدث لبعض أهل النصاب الملكي

دولة تستغني عن العصبية وذلك أنه إذا كان لعصبيته غلب كثير على الأمم والأجيال وفي نفوس القائمين بأمره من أهل القاصية إذعان لهم وانقياد فإذا نزع إليهم هذا الخارج وانتبذ عن مقر ملكه ومنبت عزه اشتملوا عليه وقاموا بأمره وظاهروه على شأنه وعنوا بتمهيد دولته يرجون استقراره في نصابه وتناوله الأمر من يد أعياصه وجزاءه لهم على مظاهرته باصطفائهم لرتب الملك وخططه من وزارة أو قيادة أو ولاية ثغر ولا يطمعون في مشاركته في شيء من سلطانه تسليماً لعصبيته وانقياداً لما استحكم له ولقومه من صبغة الغلب في العالم وعقيدة إيمانية استقرت في الإذعان لهم فلو راموها معه أو دونه لزلزلت الأرض زلزالها‏.‏ وهذا كما وقع للأدارسة بالمغرب الأقصى والعبيديين بإفريقية ومصر لما انتبذ الطالبيون من المشرق إلى القاصية وابتعدوا عن مقر الخلافة وسموا إلى طلبها من أيدي بني العباس بعد أن استحكمت الصبغة لبني عبد مناف‏:‏ لبني أمية أولاً ثم لبني هاشم من بعدهم فخرجوا بالقاصية من المغرب ودعوا لأنفسهم وقام بأمرهم البرابرة مرة بعد أخرى فأوربة ومغيلة للأدارسة وكتامة وصنهاجة وهوارة للعبيديين فشيدوا دولتهم ومهدوا بعصائبهم أمرهم واقتطعوا من ممالك العباسيين المغرب كله ثم إفريقية ولم يزل ظل الدولة يتقلص وظل العبيديين يمتد إلى أن ملكوا مصر والشام والحجاز وقاسموهم في الممالك الإسلامية شق الأبلمة‏.‏ وهؤلاء البرابرة القائمون بالدولة مع ذلك كلهم مسلمون للعبيديين أمرهم مذعنون لملكهم‏.‏ وإنما كانوا يتنافسون في الرتبة عندهم خاصة تسليماً لما حصل من صبغة الملك لبني هاشم ولما استحكم من الغلب لقريش ومضر على سائر الأمم‏.‏ فلم يزل الملك في أعقابهم إلى أن انقرضت دولة العرب بأسرها‏.‏ ‏"‏ والله يحكم لا معقب لحكمه[/url] ‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:42



:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Up الفصل الرابع في أن الدول العامة الاستيلاء العظيمة الملك

أصلها الدين إما من نبوة أو دعوة حق وذلك لأن الملك إنما يحصل بالتغلب والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة‏.‏ وجمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏"‏ و أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ‏"‏ وسره أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف وإذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله اتحدت وجهتها فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة كما نبين لك بعد أن شاء الله سبحانه وتعالى وبه التوفيق لارب سواه‏.‏ في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها والسبب في ذلك كما قدمناه أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية وتفرد الوجهة إلى الحق فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم لم يقف لهم شيء لأن الوجهة واحدة والمطلوب متساو عندهم وهم مستميتون عليه وأهل الدولة التي هم طالبوها وإن كانوا أضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقية الموت حاصل فلا يقاومونهم وإن كانوا أكثر منهم بل يغلبون عليهم ويعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف والذل كما قدمناه‏.‏ وهذا كما وقع للعرب صدر الإسلام في الفتوحات‏.‏ فكانت جيوش المسلمين بالقادسية واليرموك بضعاً وثلاثين ألفاً في كل معسكر وجموع فارس مائة وعشرين ألفاً بالقادسية وجموع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف فلم يقف للعرب أحد من الجانبين وهزموهم وغلبوهم على ما بأيديهم‏.‏ واعتبر ذلك أيضاً في دولة لمتونة ودولة الموحدين‏.‏ فقد كان بالمغرب من القبائل كثير ممن يقاومهم في العدد والعصبية أو يشف عليهم إلا أن الاجتماع الديني ضاعف قوة عصبيتهم بالاستبصار واعتبر ذلك إذا حالت صبغة الدين وفسدت كيف ينتقض الأمر ويصير الغلب على نسبة العصبية وحدها دون زيادة الدين فتغلب الدولة من كان تحت يدها من العصائب المكافئة لها أو الزائدة القوة عليها الذين غلبتهم بمضاعفة الدين لقوتها ولو كانوا أكثر عصبية منها وأشد بداوة‏.‏ واعتبر هذا في الموحدين مع زناتة لما كانت زناتة أبدى من المصامدة وأشد توحشاً وكان للمصامدة الدعوة الدينية بأتباع المهدي فلبسوا صبغتها وتضاعفت قوة عصبيتهم بها فغلبوا على زناتة أولاً وأستتبعوهم وإن كانوا من حيث العصبية والبداوة أشد منهم فلما خلوا عن تلك الصبغة الدييية انتقضت عليهم زناتة من كل جانب وغلبوهم على الأمر وانتزعوه منهم‏.‏ والله غالب على أمره‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:44

الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم
وهذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة فلا بد له من العصبية‏.‏ وفي الحديث الصحيح كما مر ‏"‏ ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه ‏"‏ وإذا كان هذا في الأنبياء وهم أولى الناس بخرق وقد وقع هذا لابن قسي شيخ الصوفية وصاحب كتاب خلع النعلين في التصوف ثار بالأندلس داعياً إلى الحق وسمي أصحابه بالمرابطين قبيل دعوة المهدي فاستتب له الأمر قليلاً لشغل لمتونة بما دهمهم من أمر الموحدين ولم تكن هناك عصائب ولا قبائل يدعونه عن شأنه فلم يلبث حين استولى الموحدون على المغرب أن أذعن لهم ودخل في دعوتهم وتابعهم من معقله بحصن أركش وأمكنهم من ثغره وكان أول داعية لهم بالأندلس وكانت ثورتة تسمى ثورة المرابطين‏.‏ ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء‏.‏ فإن كثيراً من المنتحلين للعبادة وسلوك طرق الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجورمن الأمراء داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتشبثون بهم من الغوغاء والدهماء ويعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم وإنما أمر به حيث تكون القدرة عليه قال‏:‏ ‏"‏ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ‏"‏ وأحوال الملوك والدول راسخة قوية لا يزحزحها ويهم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل والعشائر كما قدمناه‏.‏ وهكذا كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم إلى الله بالعشائر والعصائب وهم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة‏.‏ والله حكيم عليم‏.‏ فإذا ذهب أحد من الناس هذا المذهب وكان فيه محقاً قصر به الانفراد عن العصبية فطاح في هوة الهلاك‏.‏ وأما إن كان من الملبسين بذلك في طلب الرئاسة فأجدر أن تعوقه العوائق وتنقطع به المهالك لأنه أمر الله لا يتم إلا برضاه وإعانته والإخلاص له والنصيحة للمسلمين ولا يشك في ذلك مسلم ولا يرتاب فيه ذو بصيرة‏.‏ وأول ابتداء هذه النزعة في الملة ببغداد حين وقعت فتنة طاهر وقتل الأمين وأبطأ المأمون بخراسان عن مقدم العراق ثم عهد لعلي بن موسى الرضا من آل الحسين فكشف بنو العباس عن وجه النكير عليه وتداعوا للقيام وخلع طاعة المأمون والاستبدال منه وبويع إبراهيم بن المهدي فوقع الهرج ببغذاد وانطلقت أيدي الزعرة بها من الشطار والحربية على أهل العافية والصلاح وقطعوا السبيل وامتلأت أيديهم من نهاب الناس وباعوها علانية في الأسواق واستعدى أهلها الحكام فلم يعدوهم‏.‏ فتوافر أهل الدين والصلاح على منع الفساق وكف عاديتهم‏.‏ وقام ببغداد رجل يعرف بخالد الدريوس ودعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأجابه خلق وقاتل أهل الزعارة فغلبهم وأطلق يده فيهم بالضرب والتنكيل‏.‏ ثم قام من بعده رجل آخر من سواد أهل بغداد يعرف بسهل بن سلامة الأنصاري ويكنى أبا حاتم وعلق مصحفاً في عنقه ودعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فاتبعه الناس كافة من بين شريف ووضيع من بني هاشم فمن دونهم ونزل قصر طاهر واتخذ الديوان وطاف ببغداد ومنع كل من أخاف المارة ومنع الخفارة لأولئك الشطار‏.‏ وقال له خالد الدريوس‏:‏ أنا لا اعيب على السلطان فقال له سهل‏:‏ لكني أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة كائناً من كان‏.‏ وذلك سنة إحدى ومائتين‏.‏ وجهز له إبراهيم بن المهدي العساكر فغلبه وأسره وانحل أمره سريعاً وذهب ونجا بنفسه‏.‏ ثم اقتدى بهذا العمل بعد كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحق ولا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبية ولا يشعرون بمغبة أمرهم ومآل أحوالهم‏.‏ والذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء إما المداواة إن كانوا من أهل الجنون وإما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثوا هرجاً وإما إذاعة السخرية منهم وعدهم من جملة الصقاعين‏.‏ وقد ينتسب بعضهم إلى الفاطمي المنتظر إما بأنه هو أو بأنه داع له وليس مع ذلك على علم من أمر الفاطمي ولا ما هو‏.‏ وأكثر المنتحلين لمثل هذا تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبسين يطلبون بمثل هذه الدعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بشيء من أسبابها العادية فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك ولا يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة وتسوء عاقبة مكرهم‏.‏ وقد كان لأول هذه المائة خرج بالسوس رجل من المتصوفة يدعى التوبذري عمد إلى مسجد ماسة بساحل البحر هنالك وزعم أنه الفاطمي المنتظر تلبيساً على العامة هنالك بما ملأ قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنالك وأن من ذلك المسجد يكون أصل دعوته‏.‏ فتهافتت عليه طوائف من عامة البربر تهافت الفراش‏.‏ ثم خشي رؤساؤهم اتساع نطاق الفتنة فدس إليه كبير المصامدة يومئذ عمر السكسيوي من قتله في فراشه‏.‏ وكذلك خرج في غمارة أيضاً لأول هذه المائة رجل يعرف بالعباس وادعى مثل هذه الدعوة واتبع نعيقه الأرذلون من سفهاء تلك القبائل وأغمارهم وزحف إلى بادس من أمصارهم ودخلها عنوة ثم قتل لأربعين يوماً من ظهور دعوته ومضى في الهالكين الأولين‏.‏ وأمثال ذلك كثير والغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية في مثلها‏.‏ وأما إن كان التلبيس فأحرى ألا يتم له أمر وأن يبوء بإثمه وذلك جزاء الظالمين‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق لارب غيره ولا معبود سواه‏.‏ في أن كل دولة لها حصة من الممالك والأوطان لا تزيد عليها والسبب في ذلك أن عصابة الدولة وقومها القائمين بها الممهدين لها لا بد من توزيعهم حصصاً على الممالك والثغور التي تصير إليهم ويستولون عليها لحمايتها من العدو وإمضاء أحكام الدولة فيها من جباية وردع وغير ذلك‏.‏ فإذا توزعت العصائب كلها على الثغور والممالك فلا بد من نفاد عددها وقد بلغت الممالك حينئذ إلى حد يكون ثغراً للدولة وتخماً لوطنها ونطاقاً لمركز ملكها‏.‏ فإن تكلفت الدولة بعد ذلك زيادة على ما بيدها بقي دون حامية وكان موضعاً لانتهاز الفرصة من العدو والمجاور ويعود وبال ذلك على الدولة بما يكون فيه من التجاسر وخرق سياج الهيبة‏.‏ وما كانت العصابة موفورة ولم ينفذ عددها في توزيع الحصص على الثغور والنواحي بقي في الدولة قوة على تناول ما وراء الغاية حتى ينفسح نطاقها إلى غايته‏.‏ والعلة الطبيعية في ذلك هي قوة العصبية من سائر القوى الطبيعية وكل قوة يصدر عنها فعل من الأفعال فشأنها ذلك في فعلها‏.‏ والدولة في مركزها أشد مما يكون في الطرف والنطاق‏.‏ وإذا انتهت إلى النطاق الذي هو الغاية عجزت وأقصرت عما وراءه شأن الأشعة والأنوار إذا انبعثت من المراكز والدوائر المنفسحة على سطح الماء من النقر عليه‏.‏ ثم إذا أدركها الهرم والضعف فإنما‏:‏ تأخذ في التناقص من جهة الأطراف ولا يزال المركز محفوظاً إلى أن يتأذن الله بانقراض الأمر جملة فحينئذ يكون انقراض المركز‏.‏ وإذا غلب على الدولة من مركزها فلا ينفعها بقاء الأطراف والنطاق بل تضمحل لوقتها فإن المركز كالقلب الذي تنبعث منه الروح فإذا غلب القلب وملك انهزم جميع الأطراف‏.‏ وانظر هذا في الدولة الفارسية‏.‏ كان مركزها المدائن فلما غلب المسلمون على المدائن انقرض أمر فارس أجمع ولم ينفع يزدجرد ما بقي بيده من أطراف ممالكه‏.‏ وبالعكس من ذلك الدولة الرومية بالشام لما كان مركزها القسطنطينية وغلبهم المسلمون بالشام تحيزوا إلى مركزهم بالقسطنطينية ولم يضرهم انتزاع الشام من أيديهم فلم يزل ملكهم متصلاً بها إلى أن تأدن الله بانقراضه‏.‏ وانظر أيضاً شأن العرب أول الإسلام لما كانت عصائبهم موفورة كيف غلبوا على ما جاورهم من الشام والعراق ومصر لأسرع وقت ثم تجاوزوا ذلك إلى ما وراءه من السند والحبشة وإفريقية والمغرب ثم إلى الأندلس‏.‏ فلما تفرقوا حصصاً على الممالك والثغور ونزلوها حامية ونفد عددهم في تلك التوزيعات أقصروا عن الفتوحات بعد وانتهى أمر الإسلام ولم يتجاوز تلك الحدود ومنها تراجعت الدولة حتى تأذن الله با نقراضها‏.‏ وكذا كان حال الدول من بعد ذلك كل دولة على نسبة القائمين بها في القلة والكثرة وعند نفاد عددهم بالتوزيع ينقطع لهم الفتح والاستيلاء‏.‏ سنة الله في خلقه‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:46

الفصل الثامن في أن عظم الدولة واتساع نطاقها
وطول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة والكثرة والسبب في ذلك أن الملك إنما يكون بالعصبية‏.‏ وأهل العصبية هم الحامية الذين ينزلون بممالك الدولة وأقطارها وينقسمون عليها فما كان من الدولة العامة قبيلها وأهل عصابتها أكثر كانت أقوى وأكثر ممالك وأوطاناً وكان ملكها أوسع لذلك‏.‏ واعتبر ذلك بالدولة الإسلامية لما ألف الله كلمة العرب على الإسلام وكان عدد المسلمين في غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مائة ألف وعشرة آلاف من مضر وقحطان ما بين فارس وراجل إلى من أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة‏.‏ فلما توجهو لطلب ما في أيدي الأمم من الملك لم يكن دونه حمى ولا وزر فاستبيح حمى فارس والروم أهل الدولتين العظيمتين في العالم لعهدهم والترك بالمشرق والإفرنجة والبربر بالمغرب والقوط بالأندلس وخطوا من الحجاز إلى السوس الأقصى ومن اليمن إلى الترك بأقصى الشمال واستولوا على الأقاليم السبعة‏.‏ ثم انظر بعد ذلك دولة صنهاجة والموحدين مع العبيديين قبلهم لما كان قبيل كتامة القائمون بدولة العبيديين أكثر من صنهاجة ومن المصامدة كانت دولتهم أعظم فملكوا إفريقية والمغرب والشام ومصر والحجاز‏.‏ ثم انظر بعد ذلك دولة زناتة لما كان عددهم أقل من المصامدة قصر ملكهم عن ملك الموحدين لقصور عددهم عن عدد المصامدة منذ أول أمرهم ثم اعتبر بعد ذلك حال الدولتين لهذا العهد لزناتة بني مرين وبني عبد الواد لما كان عدد بني مرين لأول ملكهم أكثر من بني عبد الواد كانت دولتهم أقوى منها وأوسع نطاقاً وكان لهم عليهم الغلب مرة بعد أخرى‏.‏ يقال إن عدد بني مرين لأول ملكهم كان ثلاثة آلاف وأن بني عبد الواد كانوا ألفاً إلا أن الدولة بالرفه وكثرة التابع كثرت من أعدادهم‏.‏ وعلى هذه النسبة في أعداد المتغلبين لأول الملك يكون اتساع الدولة وقوتها‏.‏ وأما طول أمدها أيضاً فعلى تلك النسبة لأن عمر الحادث من قوة مزاجه ومزاج الدول إنما هو بالعصبية فإذا كانت العصبية قوية كان المزاج تابعاً لها وكان أمد العمر طويلاً والعصبية إنما هي بكثرة العدد ووفوره كما قلناه‏.‏ والسبب الصحيح في ذلك أن النقص إنما يبدو في الدولة من الأطراف فإذا كانت ممالكها كثيرة كانت أطرافها بعيدة عن مركزها وكثيرة وكل نقص يقع فلا بد له من زمن فتكثر أزمان النقص لكثرة الممالك واختصاص كل واحد منها بنقص وزمان فيكون أمدها طويلاً‏.‏ وانظر ذلك في دولة العرب الإسلامية كيف كان أمدها أطول الدول لا بنو العباس أهل المركز ولا بنو أمية المستبدون بالأندلس‏.‏ ولم ينقض أمر جميعهم إلا بعد الأربعمائة من الهجرة‏.‏ ودولة العبيديين كان أمدها قريباً في مائتين وثمانين سنة‏.‏ ودولة صنهاجة دونهم من لدن تقليد معز الدولة أمر إفريقية لبلكين بن زيري في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة إلى حين استيلاء الموحدين على القلعة وبجاية سنة سبع وخمسين وخمسمائة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:50

الفصل التاسع في أن الأوطان الكثيرة القبائل
والسبب في ذلك اختلاف الأراء والأهواء وأن وراء كل رأي منها وهوى عصبية تمانع دونها فيكثر الانتقاض على الدولة والخروج عليها في كل وقت وإن كانت ذات عصبية لأن كل عصبية ممن تحت يدها تظن في نفسها منعة وقوة‏.‏ وانظر ما وقع من ذلك بإفريقية والمغرب منذ أول الإسلام ولهذا العهد‏.‏ فإن ساكن هذه الأوطان من البربر أهل قبائل وعصبيات فلم يغن فيهم الغلب الأول الذي كان لابن أبي سرح عليهم وعلى الإفرنجة شيئاً‏.‏ وعاودوا بعد ذلك الثورة والردة مرة بعد أخرى وعظم الإثخان من المسلمين فيهم‏.‏ ولما استقر الدين عندهم عادوا إلى الثورة والخروج والأخذ بدين الخوارج مرات عديدة‏.‏ قال ابن أبي زيد‏:‏ ارتدت البرابرة بالمغرب اثنتي عشرة مرة‏.‏ ولم تستقر كلمة الإسلام فيهم إلا لعهد ولاية موسى بن نصير فما بعده‏.‏ وهذا معنى ماينقل عن عمران إفريقية مفرقة لقلوب أهلها إشارة إلى ما فيها كثرة العصائب والقبائل الحاملة لهم على عدم الإذعان والانقياد‏.‏ ولم يكن العراق لذلك العهد بتلك الصفة ولا الشام إنما كانت حاميتها من فارس والروم والكافة دهماء أهل مدن وأمصار‏.‏ فلما غلبهم المسلمون على الأمر وانتزعوه من أيديهم لم يبق فيها ممانع ولا مشاق‏.‏ والبربر قبائلهم بالمغرب أكثر من أن تحصى وكلهم بادية وأهل عصائب وعشائر‏.‏ وكلما هلكت قبيلة عادت الأخرى مكانها وإلى دينها من الخلاف والردة فطال أمر العرب في تمهيد الدولة بوطن إفريقية والمغرب‏.‏ وكذلك كان الأمر بالشام لعهد بني إسرائيل‏:‏ كان فيه من قبائل فلسطين وكنعان وبني عيصو وبني مدين وبني لوط والروم واليونان والعمالقة وأكريكش والنبط من جانب الجزيرة والموصل ما لا يحصى كثرة وتنوعاً في العصبية‏.‏ فصعب على بني إسرائيل تمهيد دولتهم ورسوخ أمرهم واضطرب عليهم الملك مرة بعد أخرى‏.‏ وسرى ذلك الخلاف إليهم فاختلفوا على سلطانهم وخرجوا عليه ولم يكن لهم ملك موطد سائر أيامهم إلى أن غلبهم الفرس ثم يونان ثم الروم آخر أمرهم عند الجلاء‏.‏ والله غالب على أمره‏.‏ وبعكس هذا أيضاً الأوطان الخالية من العصبيات يسهل تمهيد الدولة فيها ويكون سلطانها وازعاً لقلة الهرج والانتقاض ولا تحتاج فيها إلى كثير من العصبية كما هو الشأن في مصر والشام لهذا العهد إذ هي خلو من القبائل والعصبيات كأن لم يكن الشام معدناً لهم كما قلناه‏.‏ فملك مصر في غاية الدعة والرسوخ لقلة الخوارج وأهل العصائب إنما هو سلطان ورعية ودولتها قائمة بملوك الترك وعصائبهم يغلبون على الأمر واحداً بعد واحد وينتقل الأمر فيهم من منبت إلى منبت والخلافة مسماة للعباسي من أعقاب الخلفاء ببغداد‏.‏ وكذا شأن الأندلس لهذا العهد‏.‏ فإن عصبية ابن الأحمر سلطانها لم تكن لأول دولتهم بقوية ولا كانت كرات إنما يكون أهل بيت من بيوت العرب أهل الدولة الأموية بقوا من ذلك القلة وذلك أن أهل الأندلس لما انقرضت الدولة العربية منه وملكهم البربر من لمتونة والموحدين سئموا ملكتهم وثقلت وطأتهم عليهم فأشربت القلوب بغضاءهم وأمكن الموحدون والسادة في آخر الدولة كثيراً من الحصون للطاغية في سبيل الاستظهار به على شأنهم من تملك الحضرة مراكش‏.‏ فاجتمع من كان بقي بها من أهل العصبية القديمة معادن من بيوت العرب تجافى بهم المنبت عن الحاضرة والأمصار بعض الشيء ورسخوا في العصبية مثل ابن هود وابن الأحمر وابن مردنيش وأمثالهم‏.‏ فقام ابن هود بالأمر ودعا بدعوة الخلافة العباسية بالمشرق وحمل الناس على الخروج على الموحدين فنبذوا إليهم العهد وأخرجوهم واستقل ابن هود بالأمر بالأندلس‏.‏ ثم سما ابن الأحمر للأمر وخالف ابن هود في دعوته فدعا هؤلاء لابن أبي حفص صاحب إفريقية من الموحدين وقام بالأمر وتناوله بعصابة قليلة من قرابته كانوا يسمون الرؤساء ولم يحتج لأكثر منهم لقلة العصائب بالأندلس وأنها سلطان ورعية‏.‏ ثم استظهر بعد ذلك على الطاغية بمن يجيز إليه البحر من أعياص زناتة فصاروا معه عصبة على المثاغرة والرباط‏.‏ ثم سما لصاحب المغرب من ملوك زنانة أمل في الاستيلاء على الأندلس فصار أولئك الأعياص عصابة ابن الأحمر على الامتناع منه إلى أن تأثل أمره ورسخ وألفته النفوس وعجز الناس عن مطالبته وورثه أعقابه لهذا العهد‏.‏ فلا تظن أنه بغير عصابة فليس كذلك وقد كان مبدؤه بعصابة إلا أنها قليلة وعلى قدر الحاجة فإن قطر الأندلس لقلة العصائب والقبائل فيه يغني عن كثرة العصبية فى التغلب عليهم‏.‏ والله غني عن العالمين‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:51

الفصل العاشر في أن من طبيعة الملك الانفراد بالمجد
وذلك أن الملك كما قدمناه إنما هو بالعصبية والعصبية متألفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الأخرى كلها فتغلبها وتستولي عليها حتى تصيرها جميعاً في ضمنها وبذلك يكون الاجتماع والغلب على الناس والدول‏.‏ وسره أن العصبية العامة للقبيل هي مثل المزاج للمتكون والمزاج إنما يكون عن العناصر وقد تبين في موضعه أن العناصر إذا اجتمعت متكافئة فلا يقع منها مزاج أصلاً بل لا بد أن تكون واحدة منها هي الغالبة على الكل حتى تجمعها وتؤلفها وتصيرها عصبية واحدة شاملة لجميع العصائب وهي موجودة في ضمنها‏.‏ وتلك العصبية الكبرى إنما تكون لقوم أهل بيت ورياسة فيهم ولا بد أن يكون واحد منهم رئيساً لهم غالباً عليهم فيتعين رئيساً للعصبيات كلها لغلب منبته لجميعها‏.‏ وإذا تعين له ذلك فمن الطبيعة الحيوانية خلق الكبر والأنفة ة فيأخذ حينئذ من المساهمة والمشاركة في استتباعهم والتحكم فيهم ويجيء خلق التأله الذي في طباع البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد الحاكم لفساد الكل باختلاف الحكام‏:‏ ‏"‏ .,]لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا[/url] ‏"‏‏.‏ فتجدع حينئذ أنوف العصبيات وتفلج شكائمهم عن أن يسموا إلى مشاركته في التحكم وتقرع عصبيتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتى لا يترك لأحد منهم في الأمر لا ناقة ولا جملاً‏.‏ فينفرد بذلك المجد بكليته ويدفعهم عن مساهمته‏.‏ وقد يتم ذلك للأول من ملوك الدولة وقد لا يتم إلا للثاني والثالث على قدر ممانعة العصبيات وقوتها‏.‏ إلا أنه أمر لا بد منه في الدول‏.‏ ‏"‏ سنة الله التي قد خلت في عباده ‏"‏ والله تعالى أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:53

الفصل الحادي عشر في أن من طبيعة الملك الترف
وذلك أن الأمة إذا تغلبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها فتكثر عوائدهم ويتجاوزون ضرورات العيش وخشونته إلى نوافله ورقته وزينته‏.‏ ويذهبون إلى اتباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم وتصير لتلك النوافل عوائد ضرورية في تحصيلها وينزعون مع ذلك إلى رقة الأحوال في المطاعم والملابس والفرش والأنية ويتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم من الأمم في أكل الطيب ولبس الأنيق وركوب الفاره ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم إلى آخر الدولة‏.‏ وعلى قدر ملكهم يكون حظهم من ذلك وترفهم فيه إلى أن يبلغوا من ذلك الغاية التي للدولة أن تبلغها بحسب قوتها وعوائد من قبلها‏.‏ سنة الله في خلقه والله تعالى أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:54

الفصل الثاني عشر في أن من طبيعة الملك الدعة والسكون
وذلك أن الأمة لا يحصل لها الملك إلا بالمطالبة والمطالبة غايتها الغلب والملك وإذا حصلت الغاية انقضى السعي إليها‏.‏ قال الشاعر‏:‏ عجبت لسعي الدهر بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر فإذا حصل الملك أقصروا عن المتاعب التي كانوا يتكلفونها في طلبه وآثروا الراحة والسكون والدعة ورجعوا إلى تحصيل ثمرات الملك من المباني والمساكن والملابس فيبنون القصور ويجرون المياه ويغرسون الرياض ويستمتعون بأحوال الدنيا ويؤثرون الراحة على المتاعب ويتأنقون في أحوال الملابس والمطاعم والأنية والفرش ما استطاعوا ويألفون ذلك ويورثونه من بعدهم من أجيالهم‏.‏ ولا يزال ذلك يتزايد فيهم إلى أن يتأذن الله بأمره وهو خير الحاكمين والله تعالى أعلم‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 2:56

لفصل الثالث عشر في أنه إذا استحكمت طبيعة الملك
من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم وبيانه من وجوه‏:‏ الأول أنها تقتضي الانفراد بالمجد كما قلناه‏.‏ وما كان المجد مشتركاً بين العصابة وكان سعيهم له واحداً كانت هممهم في التغلب على الغير والذب عن الحوزة أسوة في طموحها وقوة شكائمها ومرماهم إلى العز جميعاً وهم يستطيبون الموت في بناء مجدهم ويؤثرون الهلكة على فساده‏.‏ وإذا انفرد الواحد منهم بالمجد قرع عصبيتهم وكبح من أعنتهم واستأثر بالأموال دونهم فتكاسلوا عن الغزو وفشل ريحهم ورئموا المذلة والاستعباد‏.‏ ثم ربي الجيل الثاني منهم على ذلك يحسبون ما ينالهم من العطاء أجراً من السلطان لهم على الحماية والمعونة لا يجري في عقولهم سواه وقل أن يستأجر أحد نفسه على الموت فيصير ذلك وهناً في الدولة وخضداً من الشوكة وتقبل به على والوجه الثاني أن طبيعة الملك تقتضي الترف كما قدمناه فتكثر عوائدهم وتزيد نفقاتهم على أعطياتهم ولا يفي دخلهم بخرجهم فالفقير منهم يهلك والمترف يستغرق عطاءه بترفه ثم يزداد ذلك في أجيالهم المتأخرة إلى أن يقصر العطاء كله عن الترف وعوائده وتمسهم الحاجة وتطالبهم ملوكهم بحصر نفقاتهم في الغزو والحروب فلا يجدون وليجة عنها فيوقعون بهم العقوبات وينتزعون ما في أيدي الكثير منهم يستأثرون به عليهم أو يؤثرون به أبناءهم وصنائع دولتهم فيضعفونهم لذلك عن إقامة أحوالهم ويضعف صاحب الدولة بضعفهم‏.‏ وأيضاً إذا كثر الترف في الدولة وصار عطاؤهم مقصراً عن حاجاتهم ونفقاتهم احتاج صاحب الدولة الذي هو السلطان إلى الزيادة في أعطياتهم حتى يسد خللهم ويزيح عللهم‏.‏ والجباية مقدارها معلوم ولا تزيد ولا تنقص وإن زادت بما يستحدث من المكوس فيصير مقدارها بعد الزيادة محدوداً‏.‏ فإذا وزعت الجباية على الأعطيات وقد حدثت فيها الزيادة لكل واحد بما حدث من ترفهم وكثرة نفقاتهم نقص عدد الحامية حينئذ عما كان قبل زيادة الأعطيات‏.‏ ثم يعظم الترف وتكثر مقادير الأعطيات لذلك فينقص عدد الحامية وثالثاً ورابعاً إلى أن يعود العسكر إلى أقل الأعداد فتضعف الحماية لذلك وتسقط قوة الدولة ويتجاسر عليها من يجاورها من الدول أو من هو تحت يديها من القبائل والعصائب ويأذن الله فيها بالفناء الذي كتبه على خليقته‏.‏ وأيضاً فالترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر والسفسفة وعوائدها كما يأتي في فصل الحضارة فتذهب منهم خلال الخير التي كانت علامة على الملك ودليلاً عليه ويتصفون بما يناقضها من خلال الشر فتكون علامة على الأدبار والانقراض بما جعل الله من ذلك في خليقته وتأخذ الدولة مبادىء العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها‏.‏ الوجه الثالث‏:‏ أن طبيعة الملك تقتضي الدعة كما ذكرناه وإذا اتخذوا الدعة والراحة مألفاً وخلقاً صار لهم ذلك طبيعة وجبلة شأن العوائد كلها وإيلافها فتربى أجيالهم الحادثة في غضارة العيش ومهاد الترف والدعة وينقلب خلق التوحش وينسون عوائد البداوة التي كان بها الملك من شدة البأس وتعود الافتراس وركوب البيداء وهداية القفر‏.‏ فلا يفرق بينهم وبين السوقة من الحضر إلا في الثقافة والشارة فتضعف حمايتهم ويذهب بأسهم وتنخضد شوكتهم ويعود وبال ذلك على الدولة بما تلبس به من ثياب الهرم‏.‏ ثم لا يزالون يتلونون بعوائد الترف والحضارة والسكون والدعة ورقة الحاشية في جميع أحوالهم وينغمسون فيها وهم في ذلك يبعدون عن البداوة والخشونة وينسلخون عنها شيئاً فشيئاً وينسون خلق البسالة التي كانت بها الحماية والمدافعة حتى يعودوا عيالاً على حامية اخرى إن كانت لهم‏.‏ واعتبر ذلك في الدول التي وربما يحدث في الدولة إذا طرقها هذا الهرم بالترف والراحة أن يتخير صاحب الدولة أنصاراً وشيعة من غير جلدتهم ممن تعود الخشونة فيتخذهم جنداً يكون أصبر على الحرب وأقدر على معاناة الشدائد من الجوع والشظف ويكون ذلك دواء للدولة من الهرم الذي عساه أن يطرقها حتى يأذن الله فيها بأمره‏.‏ وهذا كما وقع في دولة الترك بالمشرق فأبى غالب جندها الموالي من الترك‏.‏ فتتخير ملوكهم من أولئك المماليك المجلوبين إليهم فرساناً وجنداً فيكونون أجراً على الحرب وأصبر على الشظف من أبناء الملوك الذين كانوا قبلهم وربوا في ماء النعيم والسلطان وظله وكذلك في دولة الموحدين بإفريقية فإن صاحبها كثيراً ما يتخذ أجناده من زناتة والعرب ويستكثر منهم ويترك أهل الدولة المتعودين للترف فتستجد الدولة بذلك عمراً آخر سالماً من الهرم‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 12-61
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 3:01

am
الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص
اعلم أن العمر الطبيعي للأشخاص على ما زعم الأطباء والمنجمون مائة وعشرون سنة وهي سنة القمر الكبرى عند المنجمين‏.‏ ويختلف العمر في كل جيل بحسب القرانات فيزيد عن هذا وينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات مائة تامة وبعضهم خمسين أو ثمانين أو سبعين على ما تقتضيه أدلة القرانات عند الناظرين فيها‏.‏ وأعمار هذه الملة ما بين الستين إلى السبعين كما في الحديث‏.‏ ولا يزيد على العمر الطبيعي الذي هو مائة وعشرون إلا في الصور النادرة وعلى الأوضاع الغريبة من الفلك كما وقع في شأن نوح عليه السلام وقليل من قوم عاد وثمود‏.‏ وأما أعمار الدول أيضاً وإن كانت تختلف بحسب القرانات إلا أن الدولة في الغالب لا تعدو أعمار ثلاثة أجيال‏.‏ والجيل هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو انتهاء النمو والنشوء إلى غايته‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏"‏ حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة[/url] ‏"‏‏.‏ ولهذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمر الجيل‏.‏ ويؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع في بني إسرائيل وأن المقصود بالأربعين فيه فناء الجيل الأحياء ونشأة جيل آخر لم يعهدوا الذل ولا عرفوه فدل على اعتبار الأربعين في عمر الجيل الذي هو عمر الشخص الواحد‏.‏ وإنما قلنا أن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال‏:‏ لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب والناس لهم مغلوبون‏.‏ والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة ومن الشظف إلى الترف والخصب ومن الأشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به وكسل الباقين عن السعي فيه ومن عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء وتؤنس منهم المهانة والخضوع‏.‏ ويبقى لهم الكثير من ذلك بما أدركوا الجيل الأول وباشروا أحوالهم وشاهدوا من اعتزازهم وسعيهم إلى المجد ومراميهم في المدافعة والحماية فلا يسعهم ترك ذلك بالكلية وإن ذهب منه ما ذهب ويكونون على رجاء من مراجعة الأحوال التي كانت للجيل الأول أو على ظن من وجودها فيهم‏.‏ وأما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر ويبلغ فيهم الترف غايته بما تفنقوه من النعيم وغضارة العيش فيصيرون عيالاً على الدولة ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم وتسقط العصبية بالجملة وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة وينسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحسن الثقافة يموهون بها وهم في الأكثر أجبن من النسوان على ظهورها‏.‏ فإذا جاء المطالب لهم لم يقاوموا مدافعته فيحتاج صاحب الدولة حينئذ إلى الاستظهار بسواهم من أهل النجدة ويستكثر بالموالي ويصطنع من يغني عن الدولة بعض الغناء حتى يتأذن بانقراضها فتذهب الدولة بما حملت‏.‏ فهذه كما تراه ثلاثة أجيال فيها يكون هرم الدولة وتخلفها‏.‏ ولهذا كان انقراض الحسب في الجيل الرابع كما مر في أن المجد والحسب إنما هو في أربعة آباء‏.‏ وقد أتيناك فيه ببرهان طبيعي كاف ظاهر مبني على ما مهدناه قبل من المقدمات فتأمله فلن تعدو وجه الحق إن كنت من أهل الأنصاف‏.‏ وهذه الأجيال الثلاثة عمرها مائة وعشرون سنة على ما مر‏.‏ ولا تعدو الدول في الغالب هذا العمر بتقريب قبله أو بعده إلا أن عرض لها عارض آخر من فقدان المطالب فيكون الهرم حاصلاً مستولياً والطالب لم يخضرها ولو قد جاء الطالب لما وجد مدافعاً ‏"‏ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون[/url] ‏"‏‏.‏ فهذا العمر للدولة بمثابة عمر الشخص من التزيد إلى سن الوقوف ثم إلى سن الرجوع‏.‏ ولهذا يجري على ألسنة الناس في المشهور أن عمر الدولة مائة سنة وهذا معناه‏.‏ فاعتبره واتخذ منه قانوناً يصحح لك عدد الأباء في عمود النسب الذي تريده من قبل معرفة السنين الماضية إذا كنت قد استرب في عددهم وكانت السنون الماضية منذ أولهم محصلة لديك فعد لكل مائة من السنين ثلاثة من الأباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحيح وإن نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيادة واحد في عمود النسب وإن زادت بمثله فقد سقط واحد‏.‏ وكذلك تأخذ عدد السنين من عددهم إذا كان محصلاً لديك فتأمله تجده في الغالب صحيحاً‏.‏
:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 12-61
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

:  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: : من تاريخ ابن خلدون   :  من تاريخ ابن خلدون - صفحة 3 I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يناير 2017 - 3:04

الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة من البداوة إلي الحضارة
اعلم أن هذه الأطوار طبيعية للدول‏.‏ فإن الغلب الذي يكون به الملك إنما هو بالعصبية وبما يتبعها من شدة البأس وتعود الافتراس ولا يكون ذلك غالباً إلا مع البداوة فطور الدولة من أولها بداوة‏.‏ ثم إذا حصل الملك تبعه الرفه واتساع الأحوال والحضارة إنما هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله فلكل واحد منها صنائع في استجادته والتأنق فيه تختص به ويتلو بعضها بعضاً وتتكثر باختلاف ما تنزع إليه النفوس من الشهوات والملاذ والتنعم بأحوال الترف وما تتلون به من العوائد‏.‏ فصار طور الحضارة في الفلك يتبع طور البداوة ضرورة لضرورة تبعية الرفه للملك‏.‏ وأهل الدول أبداً يقلدون في طور الحضارة وأحوالها للدولة السابقة قبلهم‏.‏ فأحوالهم يشاهدون ومنهم في الغالب يأخذون ومثل هذا وقع للعرب لما كان الفتح وملكوا فارس والروم واستخدموا بناتهم وأبناءهم ولم يكونوا لذلك العهد في شيء من الحضارة‏.‏ فقد حكي أنه قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعاً وعثروا على الكافور في خزائن كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحاً وأمثال ذلك‏.‏ فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم واستعملوهم في مهنهم وحاجات منازلهم واختاروا منهم المهرة في أمثال ذلك والقومة عليهم أفادوهم علاج ذلك والقيام على عمله والتفنن فيه مع ما حصل لهم من اتساع العيش والتفنن في أحواله فبلغوا الغاية في ذلك وتطوروا بطور الحضارة والترف في الأحوال واستجادة المطاعم والمشارب والملابس والمباني والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون والخرثي وكذلك أحوالهم في أيام المباهاة والولائم وليالي الأعراس فأتوا من ذلك وراء الغاية وانظر ما نقله المسعودي والطبري وغيرهما في إعراس المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل وما بذل أبوها لحاشية المأمون حين وافاه في خطبتها إلى داره بفم الصلح وركب إليها في السفين وما أنفق في إملاكها وما نحلها المأمون وأنفق في عرسها تقف من ذلك على العجب‏.‏ فمنه أن الحسن بن سهل نثر يوم الأملاك في الصنيع الذي حضره حاشية المأمون فنثر على الطبقة الأولى منهم بنادق المسك ملتوتة على الرقاع بالضياع والعقار مسوغة لمن حصلت في يده يقع لكل واحد منهم ما أداه إليه الاتفاق والبخت وفرق على الطبقة الثانية بدر الدنانير في كل بدرة عشرة ألاف وفرق على الطبقة الثالثة بدر الدراهم كذلك بعد أن أنفق في مقامة المأمون بداره أضعاف ذلك‏.‏ ومنه أن المامون أعطاها في مهرها ليلة زفافها ألف حصاة من الياقوت وأوقد شموع العنبر في كل واحدة مائة من وهو رطل وثلثان وبسط لها فرشاً كان الحصير منها منسوجاً بالذهب مكللاً بالدر والياقوت‏.‏ وقال المأمون حين رآه‏:‏ ‏"‏ قاتل الله أبا نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول في صفة الخمر‏:‏ كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب وأعد بدار الطبخ من الحطب لليلة الوليمة نقل مائة وأربعين بغلاً مدة عام كامل ثلاث مرات كل يوم‏.‏ وفني الحطب لليلتين وأوقدوا الجريد يصبون عليه الزيت‏.‏ وأوعز إلى النواتية بإحضار السفن لإجازة الخواص من الناس بدجلة من بغداد إلى قصور الملك بمدينة المأمون لحضور الوليمة فكانت الحراقات المعدة لذلك ثلاثين ألفاً أجازوا الناس فيها أخريات نهارهم‏.‏ وكثير من هذا وأمثاله‏.‏ وكذلك عرس المامون بن ذي النون بطليطلة نقله ابن بسام في كتاب الذخيرة وابن حبان بعد أن كانوا كلهم في الطور الأول من البداوة عاجزين عن ذلك جملة لفقدان أسبابه والقائمين على صنائعه في غضاضتهم وسذاجتهم‏.‏ ويذكر أن الحجاج أولم في اختتان بعض ولده فاستحضر بعض الدهاقين يسأله عن ولائم الفرس وقال‏:‏ أخبرني بأعظم صنيع شهدته فقال له‏:‏ نعم أيها الأمير شهدث بعض مرازبة كسرى وقد صنع لأهل فارس صنيعاً أحضر فيه صحاف الذهب على أخونة الفضة أربعاً على كل واحد وتحمله أربع وصائف ويجلس عليه أربعة من الناس فإذا طعموا أتبعوا أربعتهم المائدة بصحافها ووصائفها‏.‏ فقال الحجاج‏:‏ يا غلام انحر الجزر وأطعم الناس‏.‏ وعلم انه لا يستقل بهذه الأبهة‏.‏ وكذلك كان‏.‏ ومن هذا الباب أعطية بني أمية وجوائزهم‏.‏ فإنما كان أكثرها الإبل أخذاً بمذاهب العرب وبداوتهم‏.‏ ثم كانت الجوائز في دولة بني العباس والعبيديين من بعدهم ما علمت من أحمال المال وتخوت الثياب وإعداد الخيل بمراكبها‏.‏ وهكذا كان شأن كتامة مع الأغالبة بإفريقية وكذا بنو طغج بمصر وشأن لمتونة مع ملوك الطوائف بالأندلس والموحدين كذلك وشأن زناتة مع الموحدين وهلم جرا تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى الدول الخالفة‏:‏ فانتقلت حضارة الفرس للعرب بني أمية وبني العباس وانتقلت حضارة بني أمية بالأندلس إلى ملوك المغرب من الموحدين وزناتة لهذا العهد وانتقلت حضارة بني العباس إلى الديلم ثم إلى الترك ثم إلى السلجوقية ثم إلى الترك المماليك بمصر والتتر بالعراقين‏.‏ وعلى قدر عظم الدولة يكون شأنها في الحضارة إذ أمور الحضارة من توابع الترف والترف من توابع الثروة والنعمة والثروة والنعمة من توابع الملك ومقدار ما يستولي عليه أهل الدولة‏.‏ فعلى نسبة الملك يكون ذلك كله‏.‏ فاعتبره وتفهمه وتأمله تجده صحيحاً في العمران‏.‏ ‏"‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ‏"‏‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
: من تاريخ ابن خلدون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 5انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
»  تاريخ ابن خلدون
» ابن خلدون
» ابن خلدون
» (( مقدمة ابن خلدون ))
» نبذة عن ابن خلدون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: