موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
عزيزي هنا مملكة أبو ريوف للابداع

يجب عليك التسجيل لتتمكن من المشاركه والمشاهده لاقسام الموقع والبث المباشر المدير العام أبو ريوف

المشرفون : محمد منسي - ملكة الحب
لكم منا أجمل تحيه


M E T O
موقع ومنتدبات ابو ريوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع ومنتدبات ابو ريوف

كل مساهمه في هذا المنتدى بشكل أو بآخر هي تعبر في الواقع عن رأي صاحبها
 
الرئيسيةبوابة METOأحدث الصورالتسجيلدخول
اهلا باصدقاء أبو ريوف بعد غياب اربع سنين اعود لمنتداكم الجميل لطالما علمت بأني هنا معكم استنشق عطراً يفوح من اقلامكم لكم مني كل الحب والتقدير أخوكم الصغير أبو ريوف

توقيت الرياض
المواضيع الأخيرة
» الإعلام بحدود قواعد الإسلام
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالأحد 23 أغسطس 2020 - 16:00 من طرف ملكة الحب

»  خلافة سيدنا الحسن
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:28 من طرف ملكة الحب

» جعدة بنت الأشعث
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 15 أغسطس 2020 - 14:11 من طرف ملكة الحب

» رانـــــــــدا
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 31 مارس 2020 - 18:06 من طرف ملكة الحب

» فضل لا إله إلا الله
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالجمعة 6 مارس 2020 - 10:39 من طرف ملكة الحب

» أهل الهـــــوي
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالجمعة 28 فبراير 2020 - 21:36 من طرف ملكة الحب

» "الحب في بئر الشك" : ملكة الحب
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 15 فبراير 2020 - 8:11 من طرف ملكة الحب

» القلـــــــــب
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالجمعة 31 يناير 2020 - 17:09 من طرف ملكة الحب

» النادي الأهلــــــي
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 30 يناير 2020 - 16:31 من طرف ملكة الحب

» أرزاق
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يناير 2020 - 12:51 من طرف ملكة الحب

» الإراده
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:22 من طرف ملكة الحب

» مؤامـــــــره
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالأحد 26 يناير 2020 - 13:20 من طرف ملكة الحب

» الخـــــــــوف
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالجمعة 24 يناير 2020 - 15:45 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــا بــــــرد
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:55 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» فصـــــــــول
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:43 من طرف ملكة الحب

» معـــــانـــــــاه
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 23 يناير 2020 - 8:41 من طرف ملكة الحب

» النهــــــايــه
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيــــــــا
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالإثنين 20 يناير 2020 - 12:15 من طرف ملكة الحب

» مجنونــــــه
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:20 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــا
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 18 يناير 2020 - 7:17 من طرف ملكة الحب

» القــطـــار
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:28 من طرف ملكة الحب

» مجنـــونـــه
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:23 من طرف ملكة الحب

» الدنيـــــا
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 11:20 من طرف ملكة الحب

» القلب الغاشــــــق
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:19 من طرف ملكة الحب

» الدنيا بخيــــــر
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:16 من طرف ملكة الحب

» راعيني أراعيـــــك
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:36 من طرف ملكة الحب

» قاسيه جدا
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالثلاثاء 7 يناير 2020 - 14:33 من طرف ملكة الحب

» مــجرد إهمـــال
مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالخميس 2 يناير 2020 - 13:59 من طرف ملكة الحب

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمد منسى - 20175
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
ملكة الحب - 1258
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
ابو ريوف METO - 324
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
جلالة الملكه - 180
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
باكى - 67
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
الحربي - 36
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
صلاح اليب2 - 35
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
زهرالورد - 30
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
رشيد سويدة - 29
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 
اكينو ملوال - 29
مقامات  الحريري » Vote_rcapمقامات  الحريري » Voting_barمقامات  الحريري » Vote_lcap 

 

 مقامات الحريري »

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:11





مقامات محمد القاسم الحريري

لمحمد القاسم الحريري المتوفي في 6 من رجب 516هـ

لم يبلغ كتاب من كتب الأدب في العربية ما بلغته مقامات الحريري من بُعد الصيت واستطارة الشهرة، ولم يكد الحريري ينتهي من إنشائها حتى أقبل الوراقون في بغداد على كتابتها، وتسابق العلماء على قراءتها عليه، وذكروا أنه وقَّع بخطه في عدة شهور من سنة (514هـ=1110م) على سبعمائة نسخة، وبلغ من شهرتها في حياة الحريري أن أقبل من الأندلس فريق من علمائها لقراءة المقامات عليه، ثم عادوا إلى بلادهم حيث تلقاها عنهم العلماء والأدباء، وتناولوها رواية وحفظًا ومدارسة وشرحًا. وصاحب هذا الأثر الخالد هو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، ولد بالمشان، وهي من ضواحي مدينة البصرة سنة (446هـ=1054م)، ولما شبَّ عن الطوق رحل إلى البصرة، وسكن في محلة بني حرام، وهي قبيلة عربية كانت تسكن البصرة، وتأدب بها، واتصل بأبي الحسن بن فضال المجاشعي، فقرأ عليه العربية، ودرس الفقه على أبي إسحاق الشيرازي، كما سمع الحديث من عدد غير قليل من الحفاظ والمحدثين. وكان الحريري مفرطًا في الذكاء، آية في الحفظ وسرعة البديهة، غاية في الفطنة والفهم، فما كاد يفرغ من تلقيه العلم حتى جذب الأنظار إليه، وعُين في ديوان الخلافة في منصب “صاحب الخبر”، وهي وظيفة تشبه هيئة الاستعلامات في عصرنا، ولا يُعرف على وجه اليقين متى تقلدها، لكنه ظل بها إلى أن تُوفي. وكان الحريري من ذوي الغنى واليسار إلى جانب علمه الواسع، وتمكنه من فنون العربية، وكان له بقريته “المشان” ضيعة كبيرة مليئة بالنخل، وكان له بالبصرة منزل يقصده العلماء والأدباء وطالبو العلم، يقرءون عليه ويفيدون من علمه.

مقامات الحريري
المقامات فن من فنون الكتابة العربية ابتكره بديع الزمان الهمذاني، وهو نوع من القصص القصيرة تحفل بالحركة التمثيلية، ويدور الحوار فيها بين شخصين، ويلتزم مؤلفها بالصنعة الأدبية التي تعتمد على السجع والبديع.
ويحكي الحريري عن سبب إنشائه المقامات، فيقول: “إن أبا زيد السروجي كان من أهل البصرة، وكان شيخًا شحاذًا أديبًا بليغًا فصيحًا، ورد البصرة، فوقف في مسجد بني حرام، فسلّم، ثم سأل، وكان المسجد غاصًا بالفضلاء، فأعجبتهم فصاحته وحسن كلامه، وذكر أسر الروم ولده، فاجتمع عندي عشية جماعة، فحكيت ما شاهدت من ذلك السائل، وما سمعت من ظرفه، فحكى كل واحد عنه نحو ما حكيت، فأنشأت المقامة الكفوة، ثم بنيت عليها سائر المقامات التي تبلغ خمسين مقامة”. وقد بدأ في كتابتها في سنة (495هـ=1101م) وانتهى منها في سنة (504هـ=1110م).
وقد نسب الحريري رواية هذه المقامات إلى الحارث بن همام، فهو الذي يروي أخبارها، ويقول ابن خلكان: إنه قصد بهذا الاسم نفْسَهُ، ونظر في ذلك إلى قوله (صلى الله عليه وسلم): “كلكم حارث وكلكم همام” فالحارث: الكاسب، والهمام كثير الاهتمام بأموره، وما من شخص إلا وهو حارث وهمام.أما بطل هذه المقامات فهو أبو زيد السروجي، وهو متسول يعتمد على حسن الكلام وسحر البيان في جذب اهتمام الناس، واستلاب عواطفهم، واستمالة عقولهم ليمنحوه صدقاتهم. وتختلف الروايات في حقيقة أبي زيد السروجي، فمن قائل إنه اسم خيالي وضعه الحريري صاحب المقامات، واستوحاه من صورة الشحاذ الذي لقيه في مسجد بني حرام بالبصرة، في حين يذهب البعض أنه شخصية حقيقية، والأقرب إلى الصواب أن أبا زيد السروجي شخصية نسجها خيال الحريري، ليحوك من حولها حيل أديب متسول، مثلما اتخذ بديع الزمان الهمذاني من أبي الفتح الإسكندري بطلاً لمقاماته.
وتبدأ المقامات بلقاء بين الحارث بن همام وأبي زيد السروجي في صنعاء، وهما في ريعان الشباب وربيع العمر، حيث لقي الحارث أبا زيد خطيبًا واعظًا في جمع من الناس، ثم تبعه فعرفه مخادعًا كذابًا، وعلى هذا اللقاء بنى الحريري المقامة الأولى، وأطلق عليها “المقامة الصنعانية”، ثم أخذ الحارث يجوب البلاد ويواصل الأسفار ليلقى أبا زيد في أماكن مختلفة، في ساحات القضاء، ومجالس الولاة، وأندية الأدباء، ثم يلتقيان في مسجد البصرة، وقد تقدم بهما العمر، وهدَّ جسدهما طول الزمن، فإذا أبو زيد يقف في حشد من الناس يعلن توبته، ويندم على ما قدّم من ذنوب وآثام، ثم يعزم على العودة إلى بلده “سروج” وينصرف إلى العبادة والصلاة، أما الحارث بن همام فيتوقف عن السفر والترحال، ويجنح إلى الراحة، ويكون هذا هو آخر لقاء بينهما، وبه تنتهي المقامة الخمسون آخر المقامات.
بين القص والصنعة البيانية
تجمع المقامات التي أنشأها الحريري بين متعة القص والحكي وتحقيق الغاية البيانية البلاغية، ويذكر في مقدمة عمله مقصده بقوله: “أنشأت خمسين مقامة تحتوي على جد القول وهزله، ورقيق اللفظ وجزله، وغرر البيان ودرره، وملح الأدب ونوادره، إلى ما وشحتها به من الآيات، ومحاسن الكنايات ووضعته فيها من الأمثال العربية واللطائف الأدبية، والأحاجي النحوية والفتاوى اللغوية، والرسائل المبتكرة، والمواعظ المبكية، والأضاحيك الملهية”.
غير أن الصنعة البيانية قد غلبت على القص والحكاية، وزاد من افتتان الناس بها البراعة الفائقة والقدرة الفذة التي كتب بها الحريري هذا العمل، وكأن المعجم العربي قد نُثِر كله بين يديه يختار منه ما يشاء في صنعة عجيبة وإحكام دقيق.
ولم يكتف الحريري بالسجع والمحسنات البديعية في مقاماته، وإنما أضاف إليها أمورًا أخرى غاية في التعقيد، لكنه تجاوز هذا التعقيد في براعة فائقة، فأورد في المقامة السادسة التي بعنوان “المراغية” رسالة بديعة تتوالى كلماتها مرة منقوطة ومرة غير منقوطة، منها قوله: “العطاء ينجي، والمطال يشجي، والدعاء يقي، والمدح ينقي، والحر يجزي…”، ويسمى المقامة السادسة والعشرين باسم الرقطاء، لأنها تحتوي على رسالة، تتوالى حروف كلماتها بالتبادل بين النقط وعدمه، مثل قوله: “ونائل يديه فاض، وشح قلبه غاض، وخلف سخائه يحتلب…”، وفي المقامة الثامنة يخطب أبو زيد السروجي خطبة كل كلماتها غير منقوطة، بدأها بقوله: “الحمد لله الممدوح الأسماء، المحمود الآلاء، الواسع العطاء، المدعو لحسم اللأواء، مالك الأمم، ومصور الرمم، وأهل السماح والكرم ومهلك عاد وإرم…”.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:13





inShare

المقامة الإسكندرية





المقامة الإسكندرية

قالَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ: طَحا بي مَرَحُ الشّبابِ. وهوَى الاكتِسابِ. إلى أن جُبْتُ ما بينَ فرْغانَةَ. وغانَةَ. أخوضُ الغِمارَ. لأجْني الثّمارَ. وأقْتَحِمُ الأخْطارَ. لكَيْ أُدرِكَ الأوْطارَ. وكُنتُ لَقِفْتُ منْ أفْواهِ العُلَماء. وثَقِفْتُ منْ وَصايا الحُكَماء. أنهُ يلْزَمُ الأديبَ الأريبَ. إذا دخَلَ البلَدَ الغريبَ. أنْ يَستَميلَ قاضِيَهُ. ويستَخْلِصَ مَراضِيَهُ. ليشْتَدّ ظهرُهُ عندَ الخصامِ. ويأمَنَ في الغُربَةِ جَوْرَ الحُكّامِ. فاتّخذْتُ هذا الأدَبَ إماماً. وجعلْتُهُ لمَصالحي زِماماً. فما دخلْتُ مَدينةً. ولا ولَجْتُ عَرينَةً. إلا وامتزجْتُ بحاكمِها امتِزاجَ الماءِ بالرّاحِ. وتقوّيْتُ بعِنايَتِهِ تقَوّي الأجْسادِ بالأرْواحِ. فبَينَما أنا عِندَ حاكِمِ الإسكنْدَريّةِ. في عشيّةٍ عرِيّةٍ. وقد أحضَرَ مالَ الصّدَقاتِ. ليَفُضّهُ على ذوي الفاقاتِ. إذْ دخَل شيخٌ عِفْرِيَةٌ. تعْتُلُهُ امرأةٌ مُصْبِيَةٌ. فقالت: أيّدَ اللهُ القاضيَ. وأدامَ بهِ التّراضي. إني امرأةٌ من أكرَمِ جُرثومَةٍ. وأطْهَرِ أرومةٍ. وأشرَفِ خُؤولَةٍ وعُمومَةٍ. مِيسَمي الصَّونُ. وشيمَتي الهَوْنُ. وخُلُقي نِعْمَ العَوْنُ. وبيْني وبينَ جاراتي بوْنٌ. وكان أبي إذا خطَبَني بُناةُ المجْدِ. وأرْبابُ الجَدّ. سكّتَهُم وبكّتَهُم. وعافَ وُصلَتَهُمْ وصِلَتَهمْ. واحتجّ بأنّهُ عاهَدَ اللهَ تَعالى بحَلْفَةٍ. أن لا يُصاهِرَ غيرَ ذي حِرفَةٍ. فقيّضَ القدَرُ لنَصَبي. ووَصَبي. أنْ حضَرَ هذا الخُدَعَةُ ناديَ أبي. فأقسَمَ بينَ رهْطِهِ. أنّهُ وَفْقُ شرْطِهِ. وادّعى أنهُ طالَما نظَمَ دُرّةً إلى دُرّةٍ. فباعَهُما ببَدْرَةٍ. فاغْتَرّ أبي بزَخرَفَةِ مُحالِهِ. وزوّجَنيهِ قبْلَ اختِبارِ حالِه. فلمّا استَخْرَجَني منْ كِناسي. ورحّلَني عنْ أُناسي. ونقَلَني إلى كسْرِهِ. وحصّلَني تحْتَ أسرِهِ. وجدْتُهُ قُعَدَةً جُثَمَةً. وألفَيْتُهُ ضُجَعَةً نُوَمَةً. وكنتُ صحبْتُهُ برِياشٍ وزِيٍّ. وأثاثٍ ورِيٍّ. فما برِحَ يَبيعُهُ في سوقِ الهضْمِ. ويُتْلِفُ ثمَنَهُ في الخَضْمِ. والقَضْمِ. إلى أنْ مزّقَ ما لي بأسْرِهِ. وأنْفَقَ مالي في عُسْرِهِ. فلمّا أنْساني طعْمَ الرّاحةِ. وغادرَ بيْتي أنْقَى منَ الرّاحةِ. قلتُ له: يا هَذا إنّهُ لا مخْبأ بعْدَ بوسٍ. ولا عِطْرَ بعْدَ عَروسٍ. فانهَضْ للاكتِسابِ بصِناعَتِكَ. واجْنِني ثمَرَةَ براعتِكَ. فزعَمَ أن صِناعَتَهُ قد رُمِيتْ بالكَسادِ. لِما ظهرَ في الأرضِ من الفَسادِ. ولي منْهُ سُلالةٌ. كأنّهُ خِلالَةٌ. وكِلانا ما يَنالُ معَهُ شُبْعَةً. ولا ترْقأُ لهُ منَ الطّوى دمعَةٌ. وقد قُدتُهُ إليْكَ. وأحضَرْتُهُ لديْكَ. لتَعْجُمَ عودَ دعْواهُ. وتحْكُمَ بيْنَنا بِما أراكَ اللهُ. فأقْبَلَ القاضي عليْهِ وقال لهُ: قد وعَيْتُ قَصَصَ عِرْسِكَ. فبرْهِنِ الآنَ عن نفسِكَ. و إلا كشَفْتُ عن لَبْسِكَ. وأمرْتُ بحبْسِكَ. فأطْرَقَ إطْراقَ الأُفعُوانِ. ثمّ شمّرَ للحرْبِ العَوانِ. وقال:
اسْمَعْ حَديثي فإنّـهُ عـجَـبُ *** يُضحَكُ من شرحِهِ ويُنتحَـبُ
أنا امرؤٌ ليسَ في خَصائِصِـهِ *** عيْبٌ ولا في فَـخـارِهِ رِيَبُ
سَروجُ داري التي ولِدْتُ بهـا *** والأصلُ غسّانُ حينَ أنتسِـبُ
وشُغليَ الدّرسُ والتبحُّرُ في الـ *** عِلمِ طِلابي وحبّذا الطّـلَـبُ
ورأسُ مالي سِحْرُ الكَلامِ الذي *** منهُ يُصاغُ القَريضُ والخُطَبُ
أغوصُ في لُجّةِ البَـيان فـأخ *** تارُ اللآلي منْها وأنْـتَـخِـبُ
وأجْتَني اليانِعَ الجَنيَّ مـنَ الـ *** قوْلِ وغيري للعودِ يحْتَطِـبُ
وآخُذُ اللـفْـظَ فِـضّةً فـإذا *** ما صُغْتُهُ قـيلَ إنّـهُ ذهـبُ
وكُنتُ منْ قبلُ أمْتَري نشَـبـاً *** بالأدَبِ المُقْتَنى وأحـتَـلِـبُ
ويمْتَطي أخْمَصي لُـرْمَـتِـهِ *** مَراتِباً ليسَ فوقَـهـا رُتَـبُ
وطالَما زُفّتِ الصِّـلاتُ إلى *** ربْعي فلمْ أرْض كلَّ منْ يهَبُ
فاليوْمَ مَنْ يعْلَقُ الرّجـاءُ بـهِ *** أكسَدُ شيءٍ في سوقِـه الأدَبُ
لا عِرْضُ أبْـنـائِهِ يُصـانُ ولا *** يُرْقَبُ فيهِـمْ إلٌّ ولا نـسَـبُ
كأنّهُمْ في عِراصِـهِـمْ جِـيَفٌ *** يُبْعَدُ منْ نتْنِـهـا ويُجْـتَـنَـبُ
فحارَ لُبّي لِـمـا مُـنـيتُ بـهِ *** منَ اللّيالي وصرْفُها عـجَـبُ
وضاقَ ذرْعي لضيقِ ذاتِ يَدي *** وساوَرَتْني الهُمومُ والـكُـرَبُ
وقادَني دهْري الـمُـلـيمُ إلى *** سُلوكِ ما يستَشينُهُ الـحـسَـبُ
فبِعْتُ حتى لم يبْقَ لـي سـبَـدٌ *** ولا بَـتـاتٌ إلـيْهِ أنْـقَـلِـبُ
وادّنْتُ حتى أثقَلتُ سالِـفَـتـي *** بحَملِ دَينٍ من دونِه العـطَـبُ
ثمّ طوَيتُ الحَشا على سـغَـبٍ *** خمْساً فلما أمَضّني السّـغَـبُ
لمْ أرَ إلا جِهازَهـا عـرَضـاً *** أجولُ في بيعِه وأضْـطَـرِبُ
فجُلتُ فيهِ والنّـفْـسُ كـارهَةٌ *** والعينُ عَبرَى والقلبُ مُكتَـئِبُ
وما تجاوزْتُ إذ عبـثْـتُ بـهِ *** حَدَّ التَراضي فيحدُثَ الغضَـبُ
فإنْ يكُنْ غاظَها تـوهُّـمُـهـا *** أنّ بَناني بالنّظْمِ تـكـتـسِـبُ
أو أنّني إذ عزَمتُ خِطبَـتَـهـا *** زخْرَفتُ قوْلي لينجَـحَ الأرَبُ
فوالّذي سارَتِ الـرّفـاقُ إلى *** كعْبَتِهِ تستَحثُّـهـا الـنُّـجُـبُ
ما المكْرُ بالمُحصَناتِ من خُلُقي *** ولا شِعاري التّمويهُ والـكـذِبُ
ولا يَدي مُذْ نشأتُ نـيطَ بـهـا *** إلا مَواضي اليَراعِ والكُـتُـبِ
بل فِكْرَتي تنظِمُ القَلائِدَ لا كـفْ *** في وشعري المنظوم لا السُّخُبُ
فهَذِهِ الحِرفَةُ الـمُـشـارُ إلى *** ما كُنتُ أحوي بها وأجتَـلِـبُ
فأذَنْ لشَرْحي كما أذِنتَ لـهـا *** ولا تُراقِبْ واحكُمْ بمـا يجِـبُ
قال: فلمّا أحكَم ما شادَهُ. وأكملَ إنشادَهُ. عطَفَ القاضي إلى الفَتاةِ. بعْدَ أن شُعِفَ بالأبياتِ. وقال: أمَا إنّهُ قدْ ثبَتَ عندَ جميع الحُكّامِ. ووُلاةِ الأحْكامِ. انقِراضُ جيلِ الكِرامِ. وميْلُ الأيامِ إلى اللّئامِ. وإني لإخالُ بعْلَكِ صَدوقاً في الكلامِ. برِيّاً من المَلامِ. وها هو قدِ اعتَرَفَ لكِ بالقَرْضِ. وصرّحَ عنِ المَحْضِ. وبيّنَ مِصْداقَ النّظْمِ. وتبيّنَ أنّه مَعروقُ العظْمِ. وإعْناتُ المُعْذِرِ مَلأمَةٌ. وحبْسُ المُعسِرِ مألَمةٌ. وكِتْمانُ الفَقْرِ زَهادَةٌ. وانتِظارُ الفَرَجِ بالصّبرِ عِبادَةٌ. فارْجِعي الى خِدرِك. واعذُري أبا عُذْرِكِ. ونَهْنِهي عن غَرْبِكِ. وسلّمي لقَضاءِ ربّكِ. ثمّ إنّهُ فرضَ لهُما في الصّدقاتِ حِصّةً. وناوَلَهُما منْ دَراهِمِهما قَبصَةً. وقال لهُما: تعلّلا بهذه العُلالَةِ. وتندّيا بهذِهِ البُلالَةِ. واصْبِرا على كيْدِ الزّمانِ وكدّهِ. فعَسى اللهُ أنْ يأتيَ بالفَتْحِ أو أمْرٍ من عِندِه. فنَهَضا وللشّيخِ فرْحَةُ المُطْلَقِ من الإسارِ. وهِزّةُ الموسِرِ بعْدَ الإعْسارِ. قال الرّاوي: وكنتُ عرفْتُ أنهُ أبو زيدٍ ساعةَ بزغَتْ شمسُهُ. ونزغَتْ عِرسُهُ. وكدْتُ أُفصِحُ عن افتِنانِه. وأثْمارِ أفْنانِهِ. ثمّ أشفَقْتُ من عُثورِ القاضي على بُهتانِه. وتزْويقِ لِسانِه. فلا يرَى عندَ عِرْفانِه. أن يُرشِّحَهُ لإحسانِه. فأحْجَمْتُ عنِ القوْلِ إحْجامَ المرْتابِ. وطوَيتُ ذكْرَهُ كطَيّ السّجِلّ للكِتابِ. إلا أني قُلتُ بعدَما فصَلَ. ووصلَ الى ما وصَلَ: لوْ أنّ لَنا مَنْ ينطَلِقُ في أثَرِه. لأتانا بفَصّ خبَرِهِ. وبِما يُنْشَرُ من حِبَرِهِ. فأتبَعَه القاضي أحدَ أُمنائِهِ. وأمرَهُ بالتّجسّسِ عنْ أنبائِهِ. فما لبِثَ أنْ رجَعَ مُتَدَهْدِهاً. وقهْقَرَ مُقهْقِهاً. فقال له القاضي: مَهْيَمْ. يا أبا مرْيَمَ؟ فقال: لقدْ عايَنْتُ عجَباً. وسمعْتُ ما أنْشأ لي طرَباً. فقال لهُ: ماذا رأيتَ. وما الذي وعَيْتَ؟ قال: لمْ يزَلِ الشيخُ مذْ خرَجَ يُصفّقُ بيَدَيْهِ. ويخالِفُ بينَ رِجلَيْهِ. ويغرّدُ بمِلء شِدْقَيْهِ. ويقول:
كِدْتُ أصْلَى ببَلِيّهْ *** منْ وَقاحٍ شَمّرِيّهْ
وأزورُ السّجْنَ لوْلا *** حاكِمُ الإسكندريّهْ
فضحِكَ القاضي حتى هوَتْ دنِّيّتُهُ. وذوَتْ سكينَتُهُ. فلمّا فاء الى الوَقارِ. وعقّبَ الاستِغْراب بالاستِغْفارِ. قال: اللهُمّ بحُرمَةِ عِبادِكَ المقرّبينَ. حرّمْ حبْسي على المتأدّبينَ. ثمّ قال لذلِكَ الأمين: عليّ بهِ. فانطلقَ مُجِدّاً بطلَبِه. ثمّ عادَ بعدَ لأيِهِ. مخبّراً بنأيِهِ. فقال لهُ القاضي: أمَا إنّهُ لوْ حضَرَ. لكُفيَ الحذرَ. ثمّ لأوْلَيْتُهُ ما هو به أوْلى. ولأرَيتُهُ أنّ الآخِرَةَ خيرٌ لهُ من الأولى. قال الحارثُ بنُ همّام: فلمّا رأيتُ صَغْوَ القاضي إليهِ. وفَوْتَ ثمرَةِ التّنبيهِ علَيْهِ. غَشِيَتني نَدامَةُ الفرَزْدَقِ حينَ أبانَ النّوارَ. والكُسَعيِّ لمّا استَبانَ النّهارَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:15






inShare

المقامة البرقعيدية





المقامة البرقعيدية

حكى الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: أزْمَعْتُ الشّخوصَ منْ بَرْقَعيدَ. وقد شِمْتُ برْقَ عِيدٍ. فكرِهتُ الرّحلةَ عنْ تلكَ المَدينَةِ. أو أشهَدَ بها يوْمَ الزّينَةِ. فلمّا أظَلّ بفَرْضِهِ ونفْلِهِ. وأجْلَبَ بخَيْلِهِ ورَجْلِهِ. اتّبَعْتُ السُنّةَ في لُبسِ الجَديدِ. وبرَزْتُ معَ مَنْ برَزَ للتّعييدِ. وحينَ التَأمَ جمْعُ المُصَلّى وانْتَظَمَ. وأخذَ الزِّحامُ بالكَظَمِ. طلَعَ شيخٌ في شمْلَتَينِ. محْجوبُ المُقلتَيْنِ. وقدِ اعْتَضَدَ شِبْهُ المِخْلاةِ. واسْتَقادَ لعَجوزٍ كالسِّعْلاةِ. فوقَفَ وِقْفَة مُتهافِتٍ. وحيّا تحيّةَ خافِتٍ. ولمّا فرَغَ منْ دُعائِهِ. أجالَ خَمْسَهُ في وِعائِهِ. فأبْرَزَ منْهُ رِقاعاً قدْ كُتِبنَ بألوانِ الأصْباغِ. في أوانِ الفَراغِ. فناوَلَهُنّ عَجوزَهُ الحَيْزَبونَ. وأمرَها بأنْ تتوسّمَ الزَّبونَ. فمَنْ آنسَتْ نَدى يدَيْهِ. ألْقَتْ ورَقَةً منهُنّ لدَيْهِ. فأتاحَ ليَ القدَرُ المعْتوبُ. رُقْعَةً فيها مكْتوبٌ:
لقَدْ أصبَحْتُ موقـوذاً *** بأوجـاعٍ وأوْجــالِ
ومَمْنُواً بمُـخْـتـالٍ *** ومُحْتالٍ ومُغْـتـالِ
وخَوّانٍ مـنَ الإخْـوا *** نِ قالٍ لي لإقْلالـي
وإعْمالٍ منَ العُـمّـا *** لِ في تضْليعِ أعْمالي
فكمْ أُصْلي بـإذحـالٍ *** وإمْحالٍ وتـرْحـالِ
وكَمْ أخْطِرُ في بـالٍ *** ولا أخْطُرُ في بـالِ
فلَيْتَ الدّهْرَ لمّا جـا *** رَ أطْفا ليَ أطْفالـي
فلَـوْلا أنّ أشْـبــا *** ليَ أغْلالي وأعْلالي
لَما جهّزْتُ آمـالـي *** إلى آلٍ ولا والـي
ولا جـرّرْتُ أذْيالـي *** على مَسْحَبِ إذْلالي
فمِحْرابيَ أحْرَى بـي *** وأسْماليَ أسْمَى لـي
فهلْ حُرٌ يَرى تخْفـي *** فَ أثْقالي بمِثْـقـالِ
ويُطْفي حَرَّ بَلْبـالـي *** بسِرْبـالٍ وسِـرْوالِ
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلما استَعْرَضْتُ حُلةَ الأبْياتِ تُقْتُ إلى معرِفَةِ مُلْحِمِها. وراقِمِ علَمِها. فناجاني الفِكْرُ بأنّ الوُصْلَةَ إلَيْهِ العَجوزُ. وأفْتاني بأنّ حُلوانَ المُعرِّفِ يَجوزُ. فرَصَدْتُها وهيَ تستَقْري الصّفوفَ صَفّاً صَفاً. وتستَوكِفُ الأكُفَّ كفّاً كفاً. وما إنْ ينْجَحُ له عَناءٌ. ولا يرْشَحُ على يدِها إناءٌ. فلما أكْدى استِعْطافُها. وكدّها مَطافُها. عاذَتْ بالاسْتِرْجاعِ. ومالَتْ إلى إرجاعِ الرِّقاعِ. وأنْساها الشيْطانُ ذِكْرَ رُقْعَتي. فلمْ تعُجْ إلى بُقْعَتي. وآلَتْ إلى الشيْخِ باكيةً للحِرْمانِ. شاكِيةً تحامُلَ الزّمانِ. فقالَ: إنّا للهِ. وأفوّضُ أمْري إلى اللهِ. ولا حوْلَ ولا قوّةَ إلا باللهِ. ثمّ أنْشَدَ:

لمْ يبْقَ صافٍ ولا مُصافٍ *** ولا مَعينٌ ولا مُـعـينُ
وفي المَساوي بَدا التّساوي *** فلا أمـينٌ ولا ثَـمـينُ
ثم قال لها: مَنّي النّفْسَ وعِديها. واجْمَعي الرِّقاعَ وعُدّيها. فقالَتْ: لقدْ عدَدْتُها. لمّا استَعَدْتُها. فوجَدْتُ يدَ الضّياعِ. قد غالَتْ إحْدى الرِّقاعِ. فقال: تعْساً لكِ يا لَكاعِ! أنُحْرَمُ ويْحَكِ القنَصَ والحِبالَةَ. والقَبَسَ والذُبالةَ؟ إنّها لضِغْثٌ على إبّالَةٍ! فانْصاعَتْ تقْتَصّ مَدْرَجَها. وتَنْشُدُ مُدْرَجَها. فلمّا دانَتْني قرَنْتُ بالرُقعَةِ. دِرْهَماً وقِطْعَةً. وقلتُ لها: إنْ رَغِبتِ في المَشوفِ المُعْلَمِ. وأشَرْتُ إلى الدّرهَمِ. فَبوحي بالسّرّ المُبهَمِ. وإنْ أبَيْتِ أنْ تشْرَحي. فخُذي القِطعَةَ واسرَحي. فمالَتْ إلى استِخْلاصِ البدْرِ التِّمّ . والأبلَجِ الهِمّ. وقالتْ: دعْ جِدالَكَ. وسَلْ عمّا بَدا لَكَ. فاستَطْلَعْتُها طِلْعَ الشّيخٍ وبَلْدَتِهِ. والشِّعْرِ وناسِجِ بُرْدَتِه. فقالَتْ: إنّ الشيخَ من أهلِ سَروجَ. وهوَ الذي وشّى الشّعرَ المَنسوجَ. ثمّ خَطِفَتِ الدّرْهمَ خَطفَةَ الباشِقِ. ومرَقَتْ مُروقَ السّهْمِ الرّاشِقِ. فخالَجَ قلْبي أنّ أبا زيْدٍ هوَ المُشارُ إليْهِ. وتأجّجَ كرْبي لمُصابِهِ بناظِرَيْهِ. وآثرْتُ أنْ أُفاجِيهِ وأناجيهِ. لأعْجُمَ عودَ فِراسَتي فيه. وما كُنتُ لأصِلَ إليْهِ إلا بتَخطّي رِقابِ الجمْعِ. المَنْهيّ عنْهُ في الشّرْعِ. وعِفْتُ أنْ يتأذّى بي قوْمٌ. أو يسْري إليّ لوْمٌ. فسَدِكْتُ بمَكاني. وجعلْتُ شخْصَهُ قيْدَ عِياني. إلى أنِ انْقضَتِ الخُطبَةُ. وحقّتِ الوثْبَةُ. فخفَفْتُ إليْهِ. وتوسّمْتُهُ على التِحامِ جَفنَيْهِ. فإذا ألمَعيّتي ألمَعيّةُ ابنِ عبّاسٍ. وفِراسَتي فِراسَةُ إياسٍ. فعرّفتُهُ حينَئِذٍ شخْصي. وآثَرْتُه بأحَدِ قُمْصي. وأهَبْتُ بهِ إلى قُرْصي. فهشّ لعارِفَتي وعِرْفاني. ولبّى دعْوَةَ رُغْفاني. وانْطَلَقَ ويَدي زِمامُهُ. وظلّي إمامُهُ. والعجوزُ ثالثَةُ الأثافي. والرّقيبُ الذي لا يَخْفَى عليْهِ خافي. فلمّا استَحْلَسَ وُكْنَتي. وأحضَرْتُهُ عُجالَةَ مُكْنَتي. قال لي: يا حارِثُ. أمَعَنا ثالِثٌ؟ فقلتُ: ليسَ إلا العَجوزُ. قال: ما دونَها سِرٌ محْجوزٌ. ثمّ فتَحَ كريمَتَيْهِ. ورأرَأ بتوْأمَتَيهِ. فإذا سِراجا وجْهِهِ يقِدانِ. كأنّهُما الفَرْقَدانِ. فابْتَهَجْتُ بسَلامَةِ بصَرِهِ. وعجِبْتُ منْ غَرائِبِ سِيَرِهِ. ولمْ يُلْقِني قَرارٌ. ولا طاوَعَني اصْطِبارٌ. حتى سألْتُهُ: ما دَعاكَ إلى التّعامي. معَ سيرِكَ في المَعامي. وجوْبِكَ المَوامي. وإيغالِكَ في المَرامي؟ فتَظاهَرَ باللُّكْنَةِ. وتشاغَلَ باللُّهْنَةِ. حتى إذا قَضى وطَرَهُ. أتْأرَ إليّ نظَرَهُ. وأنشَدَ:
ولمّا تَعامى الدّهرُ وهْوَ أبو الوَرى *** عنِ الرُشْدِ في أنحائِهِ ومقاصِـدِهْ
تعامَيتُ حى قيلَ إني أخو عَـمًـى *** ولا غَرْوَ أن يحذو الفتى حَذوَ والِدهْ
ثمّ قال لي: انْهَضْ إلى المُخدَعِ فأتِني بغَسولٍ يَروقُ الطّرْفَ. ويُنْقي الكَفَّ. وينعِّمُ البَشَرةَ. ويُعطِّرُ النّكهَةَ. ويشُدّ اللّثَةَ. ويقوّي المَعِدَةَ. ولْيَكُنْ نَظيفَ الظَّرْفِ. أريجَ العَرْفِ. فتيَّ الدّقِّ. ناعِمَ السّحْقِ. يحسَبُهُ اللاّمِسُ ذَروراً. ويَخالُهُ الناشِقُ كافوراً. واقْرُنْ بهِ خِلالَةً نقيّةَ الأصْلِ. محبوبَةَ الوصْلِ. أنيقَةَ الشّكلِ. مَدْعاةً إلى الأكْلِ. لها نَحافَةُ الصّبّ. وصَقالَةُ العَضْبِ. وآلَةُ الحرْبِ. ولُدونَةُ الغُصْنِ الرّطْبِ. قال: فنَهضْتُ فيما أمَرَ. لأدْرَأَ عنْهُ الغَمَرَ. ولمْ أهِمْ إلى أنّهُ قصَدَ أنْ يَخْدَعَ. بإدْخاليَ المُخدَعَ. ولا تظنّيْتُ أنّهُ سخِرَ منَ الرّسولِ. في استِدْعاء الخِلالَةِ والغَسولِ. فلمّا عُدْتُ بالمُلتَمَسِ. في أقرَبَ منْ رجْعِ النّفَسِ. وجدْتُ الجوّ قدْ خَلا. والشيْخَ والشيْخَةَ قد أجْفَلا. فاستَشَطْتُ منْ مَكْرِهِ غضَباً. وأوْغَلتُ في إثْرِهِ طلَباً. فكانَ كمَنْ قُمِسَ في الماء. أو عُرِجَ بهِ إلى عَنانِ السّماء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:17

ألمقامة البصرية

حكَى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أُشعِرْتُ في بعضِ الأيامِ همّاً برَحَ بي استِعارُهُ. ولاحَ عليّ شِعارُهُ. وكنتُ سمِعتُ أنّ غِشْيانَ مجالِسِ الذّكْرِ. يسْرو غَواشيَ الفِكْرِ. فلمْ أرَ لإطْفاء ما بي منَ الجمْرَةِ. إلا قصْدَ الجامِعِ بالبَصرَةِ. وكانَ إذْ ذاكَ مأهولَ المسانِدِ. مَشْفوهَ المَوارِدِ. يُجْتَنى منْ رِياضِهِ أزاهيرُ الكَلامِ. ويُسمَعُ في أرْجائِهِ صَريرُ الأقْلامِ. فانطلَقْتُ إليْهِ غيرَ وانٍ. ولا لاوٍ على شانٍ. فلمّا وطِئْتُ حَصاهُ. واستَشْرَفْتُ أقْصاهُ. تَراءى لي ذو أطْمارٍ بالِيَةٍ. فوْقَ صخْرَةٍ عالِيَةٍ. وقدْ عصيَتْ بهِ عُصَبٌ لا يُحْصى عديدُهُمْ. ولا يُنادَى وَليدُهُمْ. فابتَدْتُ قصْدَهُ. وتورّدْتُ وِرْدَهُ. ورجَوْتُ أنْ أجِدَ شِفائي عندَهُ. ولمْ أزَلْ أتنقّلُ في المَراكِزِ. وأُغْضي للاّكِزِ والواكِزِ. إلى أن جلسْتُ تُجاهَهُ. بحيْثُ أمِنْتُ اشْتِباهَهُ. فإذا هوَ شيخُنا السّروجيّ لا ريْبَ فيهِ. ولا لَبْسَ يُخْفيهِ. فانْسَرى بمَرْآهُ همّي. وارْفَضّتْ كتيبَةُ غمّي. وحينَ رآني. وبصُرَ بمكاني. قال: يا أهْلَ البصرَةِ رعاكُمُ اللهُ ووقاكُمْ. وقوّى تُقاكُمْ. فما أضْوَعَ ريّاكُمْ. وأفضلَ مَزاياكُمْ! بلَدُكُمْ أوْفَى البِلادِ طُهرَةً. وأزْكاها فِطرَةً. وأفسَحُه رُقعَةً. وأمرَعُها نُجعَةً. وأقوَمُها قِبلَةً. وأوسَعُها دِجلَةً. وأكثرُها نهْراً ونَخلَةً. وأحسَنُها تَفْصيلاً وجُملَةً. دِهْليزُ البلَدِ الحَرامِ. وقُبالَةُ البابِ والمَقامِ. وأحدُ جَناحَيِ الدّنْيا. والمِصْرُ المؤسّسُ على التّقْوى. لمْ يتدنّسْ ببُيوتِ النّيرانِ. ولا طِيفَ فيهِ بالأوْثانِ. ولا سُجِدَ على أديمِهِ لغَيرِ الرّحْمَنِ. ذو المَشاهِدِ المشْهودَةِ. والمساجِدِ المقصودَةِ. والمَعالِمِ المشْهورَةِ. والمقابِرِ المَزورَةِ. والآثارِ المحْمودَةِ. والخِطَطِ المحْدودَةِ. بهِ تلْتَقي الفُلْكُ والرّكابُ. والحيتانُ والضِّبابُ. والحادِي والمَلاّحُ. والقانصُ والفلاحُ. والناشِبُ والرّامِحُ. والسّارِحُ والسّابِحُ. ولهُ آيةُ المدّ الفائِضِ. والجزْرِ الغائِضِ. وأما أنتمْ فممّنْ لا يختلِفُ في خَصائِصِهِمِ اثْنانِ. ولا يُنكِرُها ذو شَنآنٍ. دَهْماؤكُمْ أطْوَعُ رَعِيّةٍ لسُلْطانٍ. وأشكَرُهُمْ لإحْسانٍ. وزاهِدكُمْ أوْرَعُ الخليقَةِ. وأحسنُهُمْ طَريقَةً على الحَقيقَةِ. وعالِمُكُمْ علاّمَةُ كلّ زمانٍ. والحُجّةُ البالِغَةُ في كلّ أوانٍ. ومنكُمْ منِ استنبَطَ عِلمَ النّحْوِ ووضَعَهُ. والذي ابتدَعَ ميزانَ الشِّعْرِ واخترَعَهُ. وما منْ فخْرٍ إلا ولَكُمْ فيهِ اليَدُ الطّولى. والقِدْحُ المُعَلّى. ولا صيتٍ إلا وأنتُمْ أحَقُّ بهِ وأوْلى. ثمّ إنّكُمْ أكثرُ أهلِ مِصرٍ مؤذّنينَ. وأحسَنُهُمْ في النّسكِ قَوانينَ. وبكُمُ اقتُدِيَ في التّعريفِ. وعُرِفَ التّسحيرُ في الشّهرِ الشّريفِ. ولكُمْ إذا قرّتِ المضاجِعُ. وهجَعَ الهاجِعُ. تَذْكارٌ يوقِظُ النّائِمَ. ويؤنِسُ القائِمَ. وما ابتسَمَ ثغْرُ فجرٍ. ولا بزَغَ نورُهُ في برْدٍ ولا حرٍّ. إلا ولتأذينِكُمْ بالأسْحارِ. دويٌّ كدويّ الرّيحِ في البِحارِ. وبِهذا صدَعَ عنكُمُ النّقْلُ. وأخبرَ النّبيُّ، عليهِ السّلامُ، منْ قبلُ. وبيّنَ أنّ دويّكُمْ بالأسْحارِ. كدويّ النّحلِ في القِفارِ. فشرَفاً لكُمْ ببِشارَةِ المُصطَفى. وواهاً لمِصرِكُمْ وإنْ كانَ قدْ عَفا. ولمْ يبْقَ منهُ إلا شَفاً. ثمّ إنهُ خزَنَ لسانَهُ. وخطَمَ بيانَهُ. حتى حُدِجَ بالأبْصارِ. وقُرِفَ بالإقْصارِ. ووُسِمَ بالاستِقْصارِ. فتنفّسَ تنفُّسَ مَنْ قِيدَ لقَوَدٍ. أو ضبَثَتْ بهِ براثِنُ أسَدٍ. ثمّ قال: أما أنتُمْ يا أهلَ البَصرَةِ فما منْكُمْ إلا العَلَمُ المعروفُ. ومنْ لهُ المعرفَةُ والمعروفُ. وأما أنا فمَنْ عرَفَني فأنا ذاكَ. وشرُّ المَعارِفِ منْ آذاكَ. ومنْ لم يُثْبِتْ عِرْفَتي فسأصْدُقُهُ صِفَتي. أنا الذي أنجدَ وأتهَمَ. وأيمَنَ وأشأمَ. وأصْحرَ وأبحَرَ. وأدْلَجَ وأسْحَرَ. نشأتُ بسَروجَ. ورَبيتُ على السُّروجِ. ثمّ ولَجْتُ المَضايقَ. وفتحْتُ المغالِقَ. وشهِدْتُ المَعارِكَ. وألَنْتُ العَرائِكَ. واقْتَدْتُ الشّوامِسَ. وأرْغَمْتُ المَعاطِسَ. وأذَبْتُ الجَوامِدَ. وأمَعْتُ الجَلامِدَ. سَلوا عني المشارِقَ والمَغارِبَ. والمَناسِمَ والغَوارِبَ. والمَحافِلَ والجَحافِلَ. والقَبائِلَ والقَنابِلَ. واستَوْضِحوني منْ نقَلَةِ الأخْبارِ. ورُواةِ الأسْمارِ. وحُداةِ الرُكْبانِ. وحُذّاقِ الكُهّانِ. لتَعْلَموا كمْ فجٍّ سلَكْتُ. وحِجابٍ هتكْتُ. ومَهلَكةٍ اقتَحمْتُ. ومَلحَمَةٍ ألْحَمْتُ. وكمْ ألْبابٍ خدَعْتُ. وبِدَعٍ ابتَدَعْتُ. وفُرَصٍ اختلَسْتُ. وأُسُدٍ افترَسْتُ. وكمْ محلِّقٍ غادَرْتُهُ لَقًى. وكامِنٍ استَخرَجْتُهُ بالرُّقى. وحجَرٍ شحذْتُهُ حتى انصدَعَ. واستَنْبَطْتُ زُلالَهُ بالخُدَعِ. ولكِنْ فرَطَ ما فرَطَ والغُصْنُ رَطيبٌ. والفَوْدُ غِرْبيبٌ. وبُرْدُ الشّبابِ قَشيبٌ. فأمّا الآنَ وقدِ استشَنّ الأديمُ. وتأوّدَ القَويمُ. واستَنارَ اللّيلُ البَهيمُ. فليْسَ إلا النّدَمُ إنْ نفَعَ. وترْقيعُ الخَرْقِ الذي قدِ اتّسَعَ. وكُنتُ رُوّيتُ منَ الأخْبارِ المُسنَدَةِ. والآثارِ المُعتَمَدةِ. أن لكُمْ منَ اللهِ تعالى في كلّ يومٍ نَظرَةً. وأنّ سِلاحَ الناسِ كلّهِمِ الحَديدُ. وسِلاحَكُمُ الأدْعِيَةُ والتّوْحيدُ. فقصَدْتُكُمْ أُنْضي الرّواحِلَ. وأطْوي المَراحِلَ. حتى قُمْتُ هذا المَقامَ لَديْكُمْ. ولا مَنّ لي عليكُمْ. إذْ ما سعَيْتُ إلا في حاجَتي. ولا تعِبْتُ إلا لراحَتي. ولسْتُ أبْغي أعطِيَتَكُمْ. بل أستَدْعي أدعِيتَكُمْ. ولا أسْألُكُمْ أموالَكُمْ. بل أستنزِلُ سُؤالَكُمْ. فادْعوا إلى اللهِ بتوْفيقي للمَتابِ. والإعْدادِ للمآبِ. فإنهُ رفيعُ الدّرَجاتِ. مُجيبُ الدّعَواتِ. وهوَ الذي يقبلُ التّوبَةَ عنْ عِبادِهِ ويعْفو عنِ السّيّئاتِ. ثمّ أنشدَ:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:18


أستغْفِرُ الـلـهَ مـنْ ذُنـوبٍ *** أفرَطْتُ فيهِـنّ واعْـتَـدَيْتُ
كمْ خُضْتُ بحْرَ الضّلالِ جهْلاً *** ورُحتُ في الغَيّ واغْتَـدَيْتُ
وكمْ أطَعْتُ الهَوى اغْتِـراراً *** واختَلْتُ واغْتَلْتُ وافْتـرَيْتُ
وكمْ خلَعْتُ العِذارَ ركْـضـاً *** إلى المَعاصي ومـا ونَـيْتُ
وكمْ تَناهَيْتُ في التّخـطّـي *** إلى الخَطايا وما انتـهـيْتُ
فلَيتَني كُـنـتُ قـبـل هـذا *** نَسْياً ولمْ أجْنِ مـا جـنَـيْتُ
فالمَوتُ للُـجْـرِمـين خـيرٌ *** من المَساعي التي سـعَـيْتُ
يا رَبِّ عفْواً فـأنْـتَ أهـلٌ *** للعَفْوِ عنّي وإنْ عـصَـيْتُ
قال الرّاوي: فطفِقَتِ الجَماعَةُ تُمِدّهُ بالدّعاء. وهوَ يقلّبُ وجْهَهُ في السّماء. إلى أن دمَعَتْ أجفانُهُ. وبَدا رَجفانُهُ. فصاحَ: اللهُ أكبرُ بانَتْ أمارَةُ الاستِجابَةِ. وانْجابَتْ غِشاوَةُ الاستِرابَةِ. فجُزيتُمْ يا أهلَ البُصَيْرَةِ. جَزاءَ منْ هدَى منَ الحَيرَةِ. فلمْ يبْقَ منَ القوْمِ إلا منْ سُرّ لسُرورِهِ. ورضخَ لهُ بمَيْسورِهِ. فقَبِلَ عفْوَ بِرّهِمْ. وأقبلَ يُغْرِقُ في شُكرِهِمْ. ثمّ انحدَرَ منَ الصّخرَةِ. يؤمّ شاطئَ البَصرَةِ. واعْتَقَبْتُهُ إلى حيثُ تخالَيْنا. وأمِنّا التّجسّسَ والتّحسّسَ علَيْنا. فقلْتُ لهُ: لقدْ أغْرَبْتَ في هذِهِ النّوبَةِ. فما رأيُكَ في التّوبَةِ؟ فقال: أُقسِمُ بعَلاّمِ الخَفيّاتِ. وغَفّارِ الخطيّاتِ. إنّ شأني لَعُجابٌ. وإنّ دُعاء قومِكَ لَمُجابٌ. فقلتُ: زِدْني إفْصاحاً. زادَكَ اللهُ صَلاحاً! فقال: وأبيكَ لقدْ قُمتُ فيهِمْ مَقامَ المُريبِ الخادِعِ. ثمّ انقلَبْتُ منهُمْ بقَلْبِ المُنيبِ الخاشِعِ! فطوبى لمَنْ صغَتْ قُلوبُهُمْ إليْهِ. وويْلٌ لمَنْ باتوا يدْعونَ عليْهِ! ثمّ ودّعَني وانطلَقَ. وأوْدَعَني القلَقَ. فلمْ أزَلْ أُعاني لأجْلِهِ الفِكَرَ. وأتشوّفُ إلى خِبرَةِ ما ذكرَ. وكلّما استَنشَيْتُ خبرَهُ منَ الرُّكْبانِ. وجَوّابَةِ البُلْدانِ. كُنتُ كمَنْ حاوَرَ عجْماء. أو نادَى صخْرَةً صمّاء. إلى أن لَقيتُ بعْدَ تَراخي الأمَدِ. وتَراقي الكَمَدِ. ركْباً قافِلينَ منْ سفَرٍ. فقلتُ: هلْ منْ مُغرِّبَةِ خبَرٍ؟ فقالوا: إنّ عندَنا لخَبراً أغرَبَ منَ العَنْقاء. وأعْجَبَ منْ نظَرِ الزّرْقاء. فسألتُهُمْ إيضاحَ ما قالوا. وأنْ يَكيلوا بما اكْتالوا. فحَكَوْا أنهمْ ألمّوا بسَروجَ. بعْدَ أنْ فارقَها العُلوجُ. فرأوْا أبا زيْدِها المعْروفَ. قد لبِسَ الصّوفَ. وأَمَّ الصّفوفَ. وصارَ بها الزّاهِدُ الموصوفَ. فقلتُ: أتعْنونَ ذا المَقاماتِ؟ فقالوا: إنهُ الآنَ ذو الكَراماتِ! فحفَزَني إليْهِ النّزاعُ. ورأيتُها فُرصَةً لا تُضاعُ. فارْتَحلْتُ رِحلَةَ المُعِدّ. وسِرْتُ نحوَهُ سيرَ المُجِدّ. حتى حللْتُ بمسْجِدِهِ. وقرارَةِ متعبّدِهِ. فإذا هوَ قد نبَذَ صُحبَةَ أصْحابِهِ. وانتصَبَ في مِحْرابِهِ. وهو ذو عَباءةٍ مخلولَةٍ. وشمْلَةٍ موصولَةٍ. فهِبْتُهُ مَهابَةَ منْ ولَجَ على الأسودِ. وألْفَيْتُهُ ممّنْ سِيماهُمْ في وُجوهِهِمْ منْ أثَرِ السّجودِ. ولمّا فرَغَ منْ سُبْحتِهِ. حيّاني بمُسبِّحَتِهِ. منْ غيرِ أن نغَمَ بحديثٍ. ولا استَخْبرَ عنْ قديمٍ ولا حَديثٍ. ثمّ أقْبلَ على أوْرادِهِ. وتركَني أعجَبُ منِ اجتِهادِهِ. وأغبِطُ مَنْ يَهدي اللهُ منْ عِبادِهِ. ولمْ يزَلْ في قُنوتٍ وخُشوعٍ. وسُجودٍ ورُكوعٍ. وإخْباتٍ وخُضوعٍ. إلى أن أكْملَ إقامَة الخمْسِ. وصارَ اليومُ أمْسِ. فحينئذٍ انْكفأ بي إلى بيتِهِ. وأسْهَمَني في قُرْصِهِ وزَيْتِهِ. ثمّ نهضَ إلى مُصلاّهُ. وتخلّى بمُناجاةِ موْلاهُ. حتى إذا التمَعَ الفجرُ. وحقّ للمُتهَجِّدِ الأجْرُ. عقّبَ تهجّدَهُ بالتّسْبيحِ. ثمّ اضطَجَعَ ضِجْعَةَ المُستريحِ. وجعلَ يرجّعُ بصوْتٍ فَصيحٍ:
خلِّ ادّكـارَ الأرْبُــعِ *** والمعْهَدِ المُـرتَـبَـعِ
والظّاعِـنِ الـمـودِّعِ *** وعـدِّ عـنْــهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سـلَـفـا *** سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفـا
ولمْ تزَلْ مُعـتـكِـفـا *** على القبيحِ الشّـنِـعِ
كمْ لـيلَةٍ أودَعْـتَـهـا *** مآثِمـاً أبْـدَعْـتَـهـا
لشَهوَةٍ أطَـعْـتَـهـا *** في مرْقَدٍ ومَضْجَـعِ
وكمْ خُطًى حثَثْـتَـهـا *** في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَـهـا
وتوْبَةٍ نـكَـثْـتَـهـا *** لمَلْـعَـبٍ ومـرْتَـعِ
وكمْ تجـرّأتَ عـلـى *** ربّ السّمَواتِ العُلـى
ولـمْ تُـراقِـبْـهُ ولا *** صدَقْتَ في ما تدّعـي
وكمْ غمَـصْـتَ بِـرّهُ *** وكمْ أمِنْـتَ مـكْـرَهُ
وكـمْ نـبَـذْتَ أمـرَهُ *** نبْذَ الحِذا الـمـرقَّـعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ *** وفُهْتَ عمْداً بالكَـذِبْ
ولـمْ تُـراعِ مـا يجِـبْ *** منْ عهْدِهِ الـمـتّـبَـعِ
فالْبَسْ شِـعـارَ الـنّـدمِ *** واسكُبْ شـآبـيبَ الـدّمِ
قبـلَ زَوالِ الـقـــدَمِ *** وقبلَ سوء المـصْـرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ *** ولُذْ مَلاذَ المُـقـتـرِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَـرِفْ *** عنْهُ انحِرافَ المُقـلِـعِ
إلامَ تـسْـهـو وتَـنـي *** ومُعظَمُ العُمـرِ فَـنـي
في ما يضُرّ المُقْـتَـنـي *** ولسْـتَ بـالـمُـرْتَـدِعِ
أمَا ترَى الشّـيبَ وخَـطْ *** وخَطّ في الرّأسِ خِطَـطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّـمَـطْ *** بفَـودِهِ فـقـدْ نُـعـي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصـي *** على ارْتِيادِ المَخـلَـصِ
وطاوِعي وأخْـلِـصـي *** واسْتَمِعي النُّصْحَ وعـي
واعتَبِرِي بمَـنْ مـضـى *** من القُرونِ وانْقَـضـى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَـضـا *** وحاذِري أنْ تُخْـدَعـي
وانتَهِجي سُبْـلَ الـهُـدى *** وادّكِري وشْـكَ الـرّدى
وأنّ مـثْـواكِ غـــدا *** في قعْرِ لحْـدٍ بـلْـقَـعِ
آهاً لـهُ بـيْتِ الـبِـلَـى *** والمنزِلِ القفْرِ الـخَـلا
وموْرِدِ السّـفْـرِ الأُلـى *** واللاّحِـقِ الـمُـتّـبِـعِ
بيْتٌ يُرَى مَـنْ أُودِعَــهْ *** قد ضمّهُ واسْـتُـودِعَـهْ
بعْدَ الفَضاء والـسّـعَـهْ *** قِيدَ ثَـــــلاثِ أذْرُعِ
لا فـرْقَ أنْ يحُـلّـــهُ *** داهِـيَةٌ أو أبْــلَـــهُ
أو مُعْسِـرٌ أو مـنْ لـهُ *** مُلكٌ كـمُـلْـكِ تُـبّـعِ
وبعْدَهُ الـعَـرْضُ الـذي *** يحْوي الحَييَّ والـبَـذي
والمُبتَدي والمُـحـتَـذي *** ومَنْ رعى ومنْ رُعـي
فَيا مَفـازَ الـمـتّـقـي *** ورِبْحَ عبْـدٍ قـد وُقِـي
سوءَ الحِسابِ المـوبِـقِ *** وهـوْلَ يومِ الـفــزَعِ
ويا خَسـارَ مَـنْ بـغَـى *** ومنْ تعـدّى وطَـغـى
وشَبّ نـيرانَ الـوَغـى *** لمَطْعَـمٍ أو مـطْـمَـعِ
يا مَنْ عليْهِ الـمـتّـكَـلْ *** قدْ زادَ ما بي منْ وجَـلْ
لِما اجتَرَحْتُ مـن زلَـلْ *** في عُمْري الـمُـضَـيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْـدٍ مُـجـتَـرِمْ *** وارْحَمْ بُكاهُ المُنسـجِـمْ
فأنتَ أوْلـى مـنْ رَحِـمْ *** وخـيْرُ مَـدْعُـوٍّ دُعِـي
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ يزَلْ يرَدّدُها بصوتٍ رقيقٍ. ويصِلُها بزَفيرٍ وشَهيقٍ. حتى بكيتُ لبُكاء عينيهِ. كَما كُنتُ منْ قبلُ أبكي عليْهِ. ثمّ برزَ إلى مسجِدِهِ. بوُضوء تهجّدِهِ. فانطلَقْتُ رِدْفَهُ. وصلّيتُ مع مَنْ صلّى خلفهُ. ولمّا انفَضّ مَنْ حضَرَ. وتفرّقوا شغَرَ بغَرَ. أخذَ يُهَينِمُ بدَرْسِهِ. ويسْبِكُ يومَهُ في قالِبِ أمْسِهِ. وفي ضِمْنِ ذلِكَ يُرِنّ إرْنانَ الرَّقوبِ. ويبْكي ولا بُكاءَ يعْقوبَ. حتى استَبَنْتُ أنهُ التحقَ بالأفْرادِ. وأُشرِبَ قلبُهُ هوى الانْفِرادِ. فأخطَرْتُ بقَلْبي عَزْمَةَ الارتِحالِ. وتخْلِيَتَهُ والتّخلّي بتِلكَ الحالِ. فكأنهُ تفرّسَ ما نويْتُ. أو كوشِفَ بما أخْفَيْتُ. فزفَرَ زَفيرَ الأوّاهِ. ثمّ قرأ: فإذا عزَمْتَ فتوكّلْ على اللهِ. فأسْجَلْتُ عندَ ذلِكَ بصِدْقِ المُحدّثينَ. وأيقَنْتُ أنّ في الأمّةِ محَدّثينَ. ثمّ دنَوْتُ إليْهِ كما يدْنو المُصافِحُ. وقلتُ: أوْصِني أيها العبْدُ النّاصِحُ. فقال: اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عينِكَ. وهذا فِراقُ بيني وبينِكَ. فودّعْتُهُ وعبَراتي يتحدّرْنَ منَ المآقي. وزَفَراتي يتصَعّدْنَ منَ التّراقي. وكانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:20

المقامة البغدادية
رَوى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: ندَوْتُ بضَواحي الزّوْراء. معَ مشيخَةٍ منَ الشّعراء. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ بغُبارٍ. ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ في مِضْمارٍ. فأفَضْنا في حديثٍ يفضَحُ الأزهارَ. إلى أنْ نصَفْنا النّهارَ. فلمّا غاضَ دَرُّ الأفْكارِ. وصبَتِ النّفوسُ الى الأوْكارِ. لمحْنا عجوزاً تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ إحْضارَ الجُرْدِ. وقدِ استَتْلَتْ صِبيَةً أنحَفَ منَ المَغازِلِ. وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ. فما كذّبَتْ إذ رأتْنا. أن عرَتْنا. حتى إذا ما حضرَتْنا. قالت: حيّا اللهُ المَعارِفَ. وإنْ لم يكُنّ معارِفَ. إعلَموا يا مآلَ الآمِلِ. وثِمالَ الأرامِل. أنّي منْ سرَواتِ القَبائِلِ. وسَريّاتِ العقائِلِ. لمْ يزَلْ أهلي وبعْلي يحُلّونَ الصّدْرَ. ويَسيرونَ القلْبَ. ويُمْطونَ الظّهْرَ. ويولونَ اليَدَ. فلمّا أرْدَى الدّهرُ الأعْضادَ. وفجعَ بالجَوارِحِ الأكْبادَ. وانقلَبَ ظهْراً لبَطْنٍ. نَبا النّاظِرُ. وجَفا الحاجِبُ. وذهبَتِ العينُ. وفُقِدَتِ الرّاحةُ. وصلَدَ الزَّنْدُ. ووَهَنتِ اليَمينُ. وضاعَ اليَسارُ. وبانَتِ المَرافِقُ. ولم يبْقَ لنا ثَنيّةٌ ولا نابٌ. فمُذُ اغْبرّ العيشُ الأخضَرُ. وازْوَرّ المحْبوبُ الأصفَرُ. اسوَدّ يوْمي الأبيضُ. وابيَضّ فَوْدي الأسوَدُ. حتى رثَى ليَ العدوّ الأزرَقُ. فحبّذا الموتُ الأحمَرُ! وتِلْوِي مَنْ ترَوْنَ عينُهُ فُرارُهُ. وترْجُمانُهُ اصْفِرارُهُ. قُصْوى بِغيَةِ أحدِهِمْ ثُرْدَةٌ. وقُصارَى أمْنِيّتِه بُردَةٌ. وكنتُ آلَيتُ أنْ لا أبذُلَ الحُرّ. إلا للحُرّ. ولوْ أني مُتُّ منَ الضُرّ. وقد ناجَتْني القَرونَةُ. بأنْ توجَدَ عندَكُمُ المَعونَةُ. وآذنَتْني فِراسَةُ الحوْباء. بأنّكُمْ ينابيعُ الحِباء. فنضّرَ اللهُ امرأً أبَرّ قسَمي. وصدّقَ توسُّمي. ونظَرَ إليّ بعَينٍ يُقذيها الجُمودُ. ويُقذّيها الجودُ. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فهِمْنا لبَراعَةِ عِبارَتِها. ومُلَحِ استِعارَتِها. وقُلْنا لها: قد فتَنَ كلامُكِ. فكيفَ إلحامُكِ؟ فقالتْ: أفجّرُ الصّخْرَ. ولا فخْرَ! فقُلْنا: إن جعلْتِنا منْ رُواتِكِ. لم نبْخَلْ بمؤاساتِكِ. فقالت: لأُريَنّكُمْ أوّلاً شِعاري. ثمّ لأرَوّيَنّكُمْ أشْعاري. فأبرَزَتْ رُدْنَ دِرْعٍ دَريسٍ. وبرَزَتْ بِرْزةَ عجوزٍ درْدَبيسٍ. وأنْشأتْ تقول:
أشكو إلى اللهِ اشتِكاءَ الـمـريضْ *** ريْبَ الزّمانِ المتعدّي البَـغـيضْ
يا قومُ إني مـنْ أُنـاسٍ غَـنُـوا *** دهراً وجفنُ الدهرِ عنهُمْ غَضيضْ
فخـارُهُـمْ لـيسَ لـهُ دافِــعٌ *** وصيتُهُمْ بينَ الوَرى مُستَـفـيضْ
كانوا إذا مـا نُـجـعَةٌ أعـوزَتْ *** في السّنةِ الشّهباء روْضاً أرِيضْ
تُشَبّ لـلـسّـارينَ نـيرانُـهُـمْ *** ويُطعِمون الضّيفَ لحْماً غَريضْ
ما باتَ جـارٌ لـهُـمُ سـاغِـبـاً *** ولا لرَوْعٍ قال حالَ الـجَـريضْ
فغيّضَتْ منهُمْ صُـروفُ الـرّدى *** بِحارَ جودٍ لمْ نخَلْـهـا تَـغـيضْ
وأُودِعَتْ منهُمْ بُطـونُ الـثّـرى *** أُسْدَ التّحامي وأُساةَ الـمَـريضْ
فمحْمَلي بعْدَ المطـايا الـمـطـا *** وموطِني بعْدَ اليفاعِ الحضـيضْ
وأفرُخي ما تأتَلـي تـشـتَـكـي *** بؤساً لهُ فـي كـلّ يومٍ ومـيضْ
إذا دَعا الـقـانِـتُ فـي لـيلِـهِ *** موْلاهُ نـادَوْهُ بـدمْـعٍ يَفــيضْ
يا رازِقَ النّعّـابِ فـي عُـشّـهِ *** وجابِرَ العظْمِ الكَسيرِ المَـهـيضْ
أتِحْ لنا اللـهُـمّ مَـنْ عِـرضُـهُ *** منْ دنَسِ الذّمّ نـقـيٌ رحـيضْ
يُطفِئ نارَ الجـوعِ عـنّـا ولـوْ *** بمَذْقَةٍ منْ حـاِرزٍ أو مَـخـيضْ
فهلْ فتًى يكشِـفُ مـا نـابَـهُـمْ *** ويغنَمُ الشّكْرَ الطّويلَ الـعـريضْ
فوالّذي تعْنـو الـنّـواصـي لـهُ *** يومَ وجوهُ الجمعِ سـودٌ وبـيضْ
لولاهُمُ لمْ تـبْـدُ لـي صـفـحَةٌ *** ولا تصدّيْتُ لنَظْـمِ الـقَـريضْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:21


قال الرّاوي: فوَاللهِ لقدْ صدّعتْ بأبياتِها أعْشارَ القُلوبِ. واستخْرَجَتْ خَبايا الجُيوبِ. حتى ماحَها مَنْ دينُهُ الامْتِناحُ. وارْتاحَ لرِفدِها مَنْ لمْ نخَلْهُ يرْتاحُ. فلمّا افْعَوْعَمَ جَيبُها تِبْراً. وأوْلاها كلٌ مِنّا بِرّاً. تولّتْ يتْلوها الأصاغِرُ. وفُوها بالشّكْرِ فاغرٌ. فاشْرَأبّتِ الجَماعةُ بعْدَ مَمَرّها. الى سبْرِها لتَبْلوَ مواقِعَ بِرّها. فكفَلْتُ لهُمْ باستِنْباطِ السرّ المرْموزِ. ونهضْتُ أقْفو أثرَ العَجوزِ. حتى انتهَتْ إلى سوقٍ مُغتَصّةٍ بالأنام. مُختصّةٍ بالزّحامِ. فانغَمَسَتْ في الغُمارِ. وامّلَسَتْ منَ الصّبْيَةِ الأغْمارِ. ثمّ عاجَتْ بخُلُوّ بالٍ. إلى مسجِدٍ خالٍ. فأماطَتِ الجِلْبابَ. ونضَتِ النّقابَ. وأنا ألمَحُها منْ خَصاصِ البابِ. وأرقُبُ ما ستُبْدي منَ العُجابِ. فلمّا انسرَتْ أُهبَةُ الخفَرِ. رأيتُ مُحَيّا أبي زيدٍ قد سفَرَ. فهمَمْتُ أن أهْجُمَ عليْهِ. لأعنّفَهُ على ما أجْرى إليْهِ. فاسْلَنْقَى اسلِنْقاءَ المتمرّدينَ. ثمّ رفَعَ عَقيرةَ المغرّدينَ. واندفَعَ يُنشِدُ:
يا لَيتَ شِعري أدَهْـري *** أحاطَ عِلْمـاً بـقَـدْري
وهلْ دَرَي كُنْهَ غـوْري *** في الخَدْع أم ليس يدْري
كمْ قدْ قمَـرْتُ بَـنـيهِ *** بحيلَتـي وبـمَـكْـري
وكمْ بـرزَتْ بـعُـرْفٍ *** علـيهِـمِ وبِـنُـكْـرِ
أصْطادُ قوْماً بـوَعْـظٍ *** وآخـرينَ بـشِـعْـرِ
وأسـتـفِـزُّ بـخَــلٍّ *** عقْلاً وعَقْلاً بخَـمْـرِ
وتـارَةً أنـا صـخْـرٌ *** وتارَةً أُختُ صـخْـرِ
ولوْ سلَـكْـتُ سَـبـيلاً *** مألوفَةً طولَ عُمـري
لَخابَ قِدْحي وقَـدْحـي *** ودامَ عُسْري وخُسْـري
فقُـلْ لـمَـنْ لامَ هـذا *** عُذري فدونَكَ عُـذري
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا ظهرْتُ على جليّةِ أمرِهِ. وبَديعَةِ أمْرِهِ. وما زخْرَفَ في شِعرِه منْ عُذرِهِ. علِمْتُ أنّ شيطانَهُ المَريدَ. لا يسمَعُ التّفْنيدَ. ولا يفعَلُ إلا ما يُريدُ. فثنَيْتُ إلى أصحابي عِناني. وأبثَثْتُهُمْ ما أثبتَهُ عِياني. فوجَموا لضَيْعَةِ الجوائِزِ. وتعاهَدوا على محرَمَةِ العَجائِزِ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:23

المقامة الكفوة

روى الحارثُ بنُ همّامٍ عنْ أبي زيدٍ السَّروجيّ قال: ما زِلْتُ مُذ رحَلْتُ عنْسي. وارتَحَلْتُ عنْ عِرْسي وغَرْسي. أحِنّ إلى عِيانِ البَصرَةِ. حَنينَ المظْلومِ إلى النُصرَةِ. لِما أجمَعَ عليْهِ أرْبابُ الدّرايَةِ. وأصْحابُ الرّوايَةِ. منْ خصائِصِ معالمِها وعُلَمائِها. ومآثِرِ مشاهِدِها وشُهَدائِها. وأسْألُ اللهَ أن يوطِئَني ثَراها. لأفوزَ بمرْآها. وأنْ يُمطيَني قَراها. لأقْتَري قُراها. فلمّا أحَلّنيها الحظُّ. وسرَحَ لي فيها اللّحْظُ. رأيتُ بها ما يمْلأ العَينَ قُرّةً. ويُسْلي عنِ الأوطانِ كلّ غَريبٍ. فغلَسْتُ في بعض الأيامِ. حينَ نصَلَ خِضابُ الظّلامِ. وهتَفَ أبو المُنذِرِ بالنُّوّامِ. لأخْطوَ في خِطَطِها. وأقْضيَ الوطَرَ منْ توسُّطِها. فأدّاني الاخْتِراقُ في مَسالِكِها. والانصِلاتُ في سِككِها. إلى محلّةٍ موسومَةٍ بالاحْتِرامِ. منسوبَةٍ إلى بني حَرامٍ. ذاتِ مَساجِدَ مشهودَةٍ. وحِياضٍ موْرودَةٍ. ومَبانٍ وثيقَةٍ. ومغانٍ أنيقَةٍ. وخصائِصَ أثيرَةٍ. ومَزايا كثيرةٍ:
بها ما شِئْتَ مـنْ دِينٍ ودُنْـيا *** وجيرانٍ تنافَوْا في المعانـي
فمَشغوفٌ بآياتِ المـثـانـي *** ومفْتونٌ برَنّاتِ المـثـانـي
ومُضْطَلِعٌ بتلْخيصِ المعانـي *** ومُطّلِعٌ إلى تخْلـيصِ عـانِ
وكمْ منْ قارِئٍ فيهـا وقـارٍ *** أضَرّا بالجُفونِ وبالجِـفـانِ
وكمْ منْ مَعْلَمٍ للعِلْـمِ فـيهـا *** ونادٍ للنّدى حُلْوِ المَـجـانـي
ومَغْنًى لا تزالُ تـغَـنُّ فـيهِ *** أغاريدُ الغَواني والأغـانـي
فصِلْ إن شِئتَ فيها مَنْ يُصَلّي *** وإمّا شِئْتَ فادنُ منَ الدِّنـانِ
ودونَكَ صُحبَةَ الأكياسِ فيهـا *** أوِ الكاساتِ منطَلِقَ العِنـانِ
قال: فبَينَما أنا أنفُضُ طُرُقَها. وأستَشِفُّ رونَقَها. إذْ لمحْتُ عندَ دُلوكِ بَراحِ. وإظْلالِ الرّواحِ. مسجِداً مُشتَهِراً بطَرائِفِهِ. مزدَهِراً بطوائِفِه. وقد أجْرى أهلُهُ ذِكْرَ حُروفِ البدَلِ. وجرَوْا في حلْبَةِ الجدَلِ. فعُجْتُ نحوَهُمْ. لأستَمطِرَ نوّهُمْ. لا لأقتَبِسَ نحوَهُمْ. فلمْ يكُ إلا كقَبْسَةِ العَجْلانِ. حتى ارتفَعَتِ الأصْواتُ بالأذانِ. ثمّ رَدِفَ التّأذينَ بُروزُ الإمامِ. فأُغْمِدَتْ ظُبى الكلامِ. وحُلّتِ الحِبى للقِيامِ. وشُغِلْنا بالقُنوتِ. عنِ استِمْدادِ القوتِ. وبالسّجودِ. عنِ استِنْزال الجودِ. ولمّا قُضيَ الفَرْضُ. وكادَ الجمْعُ ينفَضّ. انْبَرى منَ الجماعَةِ. كهْلٌ حُلْوُ البَراعةِ. لهُ منَ السّمتِ الحسَنِ. ذَلاقَةُ اللّسَنِ. وفَصاحَةُ الحسَنِ. وقال: يا جيرَتي. الذينَ اصْطفَيتُهُمْ على أغصانِ شجرَتي. وجعلْتُ خِطتَهُمْ دارَ هِجرَتي. واتّخَذْتُهُمْ كَرِشي وعَيبَتي. وأعددْتُهُمْ لمَحْضَري وغيْبَتي. أما تعْلَمونَ أنّ لَبوسَ الصّدقِ أبْهى الملابِسِ الفاخِرةٍ. وأنّ فُضوحَ الدُنيا أهوَنُ منْ فُضوحِ الآخِرَةِ؟ وأنّ الدّينَ إمْحاضُ النّصيحَةِ. والإرْشادَ عُنوانُ العَقيدَةِ الصّحيحةِ؟ وأنّ المُستَشارَ مُؤتَمَنٌ. والمستَرشِدَ بالنُصحِ قَمِنٌ؟ وأنّ أخاكَ هوَ الذي عذلَكَ. لا الذي عذَرَكَ؟ وصديقَكَ منْ صدقَكَ. لا مَنْ صدّقَكَ؟ فقال لهُ الحاضِرون: أيها الخِلّ الوَدودُ. والخِدْنُ الموْدودُ. ما سِرّ كلامِكَ المُلغَزِ. وما شرْحُ خِطابِكَ الموجِزِ. وما الذي تبْغيهِ منّا ليُنْجَزَ؟ فوَالذي حَبانا بمحبّتِكَ. وجعلَنا منْ صفْوَةِ أحِبّتِكَ. ما نألوكَ نُصْحاً. ولا ندّخِرُ عنْكَ نَضْحاً. فقال: جُزيتُمْ خيراً. ووُقيتُمْ ضَيراً. فإنّكُمْ ممّنْ لا يَشْقى بهِمْ جَليسٌ. ولا يصدُرُ عنهُمْ تلْبيسٌ. ولا يُخيَّبُ فيهِمْ مَظنونٌ. ولا يُطْوى دونَهُمْ مكْنونٌ. وسأبُثّكمْ ما حاكَ في صدْري. وأستَفْتيكُمْ في ما عيلَ فيهِ صبْري. اعْلَموا أني كُنتُ عندَ صُلودِ الزّنْدِ. وصُدودِ الجَدّ. أخْلَصْتُ معَ اللهِ نِيّةَ العقْدِ. وأعطَيتُهُ صَفقَةَ العهْدِ. على أنْ لا أسْبأ مُداماً. ولا أُعاقِرَ نَدامَي. ولا أحْتَسيَ قهوَةً. ولا أكْتَسيَ نشْوَةً. فسوّلَتْ ليَ النّفسُ المُضِلّةُ. والشّهوَةُ المُذلّةُ المُزِلةُ. أنْ نادَمْتُ الأبْطالَ. وعاطَيتُ الأرْطالَ. وأضَعْتُ الوَقارَ. وارتضَعْتُ العُقارَ. وامتطَيْتُ مَطا الكُمَيتِ. وتناسيْتُ التّوبَةَ تَناسيَ الميْتِ. ثمّ لمْ أقْنَعْ بهاتِيكُمُ المَرّةِ. في طاعَةِ أبي مُرّةَ. حتى عكفْتُ على الخَندَريسِ. في يومِ الخَميسِ. وبتُّ صَريعَ الصّهْباء. في اللّيلَةِ الغرّاء. وها أنا بادي الكآبَةِ. لرَفْضِ الإنابَةِ. نامي النّدامَةِ. لوصْلِ المُدامَةِ. شديدُ الإشْفاقِ. منْ نقْضِ الميثاقِ. مُعتَرِفٌ بالإسْرافِ. في عَبّ السُّلافِ:
فيَا قوْمِ هلْ كَفّارَةٌ تعْرِفونَـهـا *** تُباعِدُ منْ ذَنْبي وتُدني إلى ربّي
قال أبو زيد: فلمّا حلّ أُنشوطَةَ نفْثِهِ. وقَضى الوَطَرَ منِ اشتِكاء بثّهِ. ناجَتْني نفْسي يا أبا زيْدٍ. هذهِ نُهزَةُ صيْدٍ. فشمّرْ عن يدٍ وأيْدٍ. فانتهَضْتُ منْ مَجْثِمي انتِهاضَ الشّهْمِ. وانخرَطْتُ منَ الصّفّ انخِراطَ السّهْمِ. وقُلتُ:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:24

أيهـا الأرْوَعُ الــذي *** فاقَ مجْـداً وسـؤدُدا
والذي يبْتَغي الـرّشـا *** دَ ليَنجـو بـهِ غَـدا
إنّ عندي عِـلاجَ مـا *** بِتَّ منهُ مـسَـهَّـدا
فاستَمِعْهـا عـجـيبةً *** غادرَتْنـي مُـلَـدَّدا
أنا منْ ساكِني سَـرو *** جَ ذَوي الدّينِ والهُدى
كنتُ ذا ثـرْوَةٍ بـهـا *** ومُطاعـاً مُـسَـوَّدا
مرْبَعي مألَفُ الضّـيو *** فِ ومالي لهُمْ سُـدَى
أشتَري الحمْدَ باللُّهـى *** وأقي العِرْضَ بالجَدا
لا أُبالي بـمُـنـفِـسٍ *** طاحَ في البَذْلِ والنّدى
أوقِدُ النـارَ بـالـيَفـا *** عِ إذا النِّكسُ أخْمَـدا
وبَراني المـؤمِّـلـو *** نَ مَلاذاً ومَقْـصِـدا
لمْ يشِمْ بارِقـي صَـدٍ *** فانْثَنى يشْتَكي الصّدَى
لا ولا رامَ قـابِــسٌ *** قدْحَ زَندي فأصْـلَـدا
طالَما ساعَدَ الـزّمـا *** نُ فأصْبَحْتُ مُسْعَـدا
فقَضى اللـهُ أنْ يُغـيّـ *** رَ مـا كـانَ عَـوّدا
بوّأ الـرّومَ أرْضَـنـا *** بعْدَ ضِغْـنٍ تـولَّـدا
فاسْتباحوا حـريمَ مَـنْ *** صادَفـوهُ مـوَحِّـدا
وحوَوْا كلَّ ما استـسـ *** رّ بها لي ومـا بـدا
فتطوّحْتُ في الـبِـلا *** دِ طَـريداً مُـشـرَّدا
أجْتَدي الناسَ بعْـدَمـا *** كُنتُ من قَبْلُ مُجْتَدى
وتُرى بي خَصـاصَةٌ *** أتَمنّى لـهـا الـرّدى
والـبَـلاءُ الـذي بـهِ *** شمْلٌ أُنسـي تـبَـدّدا
إسْتِباءُ ابْنَتـي الـتـي *** أسَروها لتُـفْـتَـدى
فاسْتَبِنْ مِحـنَـتـي ومـ *** دّ إلى نُصْـرَتـي يَدا
وأجِرْني منَ الـزّمـا *** نِ فقدْ جارَ واعْتَـدى
وأعِنّي علـى فَـكـا *** كِ ابْنَتي منْ يدِ العِدَى
فبِذا تَنْمَـحـي الـمـآ *** ثِمُ عـمّـنْ تـمـرّدا
وبِـهِ تُـقـبَـلُ الإنـا *** بَةُ مـمّـنْ تـزَهّـدا
وهْوَ كفّـارَةٌ لـمَـنْ *** زاغَ منْ بعْدِ ما اهْتَدى
ولَئِنْ قُمتُ مُـنـشِـداً *** فلقَدْ فُهْتُ مُـرشِـدا
فاقْبَلِ النُصْحَ والـهِـدا *** يَةَ واشْكُرْ لمَنْ هَـدى
واسمَحِ الآنَ بـالّـذي *** يتسنّى لـتُـحْـمَـدا
قال أبو زيدٍ: فلمّا أتْمَمْتُ هذْرَمَتي. وأُوهِمَ المسؤولُ صِدْقَ كلِمَتي. أغْراهُ القرَمُ إلى الكرَمِ بمؤاساتي. ورغّبَهُ الكلَفُ بحمْلِ الكُلَفِ في مُقاساتي. فرضَخَ لي على الحافِرَةِ. ونضَخَ لي بالعِدَةِ الوافِرَةِ. فانقلَبْتُ إلى وَكْري. فرِحاً بنُجْحِ مَكْري. وقد حصلْتُ منْ صوْغِ المَكيدةِ. على سوْغِ الثّريدَةِ. ووصلْتُ منْ حوْكِ القَصيدَةِ. إلى لوْكِ العَصيدَةِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ سُبحانَ منْ أبدعَكَ. فما أعْظمَ خُدَعَكَ. وأخْبَثَ بدَعَكَ! فاستَغْرَبَ في الضّحِك. ثمّ أنشدَ غيرَ مُرتَبِكٍ:
عِشْ بالخِداعِ فأنـتَ فـي *** دهْرٍ بَنوهُ كأُسْدِ بِـيشَـهْ
وأدِرْ قَناةَ المَـكْـرِ حـتـ *** ى تسْتَديرَ رَحى المَعيشَهْ
وصِدِ النّسورَ فإنْ تـعـذ *** رَ صيدُها فاقْنَعْ بريشَـهْ
واجْنِ الثّمارَ فإنْ تـفُـتْـ *** كَ فرَضّ نفسَكَ بالحشيشَهْ
وأرِحْ فـؤادَكَ إنْ نَـبـا *** دهْرٌ منَ الفِكَرِ المُطيشَهْ
فتـغـايُرُ الأحْــداثِ يؤ *** ذِنُ باستِحالَةِ كُلّ عيشَـهْ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:26

المقامة الحجرية

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: احتَجْتُ إلى الحِجامَةِ. وأنا بحَجْرِ اليَمامةِ. فأُرشِدْتُ إلى شيخٍ يحْجُمُ بلَطافَةٍ. ويسفِرُ عنْ نَظافَةٍ. فبعَثْتُ غُلامي لإحْضارِهِ. وأرْصَدْتُ نفْسي لانتِظارِهِ. فأبْطأ بعْدَما انطلَقَ. حتى خِلتُهُ قد أبَقَ. أو ركِبَ طبَقاً عنْ طبَقٍ. ثمّ عادَ عوْدَ المُخفِقِ مسْعاهُ. الكَلِّ على موْلاهُ. فقُلْتُ لهُ: ويلَكَ أبُطْءَ فِنْدٍ. وصُلودَ زَندٍ؟ فزَعَم أنّ الشيخَ أشْغَلُ من ذاتِ النِّحْيَيْنِ. وفي حربٍ كحَرْبِ حُنَينٍ. فعِفتُ المَمْشى إلى حجّامٍ. وحِرْتُ بين إقدامٍ وإحْجامٍ. ثمّ رأيتُ أنْ لا تعْنيفَ. على منْ يأتي الكَنيفَ. فلمّا شهِدْتُ موسِمَهُ. وشاهدْتُ مِيسَمَهُ. رأيتُ شيْخاً هيئَتُهُ نَظيفَةٌ. وحركَتُهُ خَفيفَةٌ. وعليْهِ منَ النّظارَةِ أطْواقٌ. ومنَ الزِّحامِ طِباقٌ. وبينَ يَدَيْهِ فتًى كالصَّمْصامَةِ. مُستَهدِفٌ للحِجامَةِ. والشيخُ يقولُ له: أراكَ قد أبرَزْتَ راسَكَ. قبلَ أن تُبرِزَ قِرْطاسَكَ. ووَلّيتَني قَذالَكَ. ولمْ تقُلْ لي ذا لَكَ. ولستُ ممّنْ يبيعُ نقْداً بدَينٍ. ولا يطلُبُ أثَراً بعدَ عينٍ. فإنْ أنتَ رضَخْتَ بالعَينِ. حُجِمْتَ في الأخدَعَينِ. وإنْ كُنتَ ترى الشُحّ أوْلى. وخزْنَ الفَلْسِ في النّفْسِ أحْلى. فاقْرأ عبَسَ وتولّى. واغْرُبْ عني وإلا. فقالَ الفتَى: والذي حرّمَ صوْغَ المَينِ. كما حرّمَ صيْدَ الحرَمَينِ. إني لأفْلَسُ منِ ابنِ يوْمَينِ. فثِقْ بسَيلِ تلْعَتي. وأنْظِرْني إلى سَعَتي. فقالَ لهُ الشيخُ: ويْحَكَ إنّ مثَلَ الوُعودِ. كغرْسِ العودِ! هوَ بينَ أن يُدرِكَهُ العطَبُ. أو يُدرَكُ منهُ الرُّطَبُ. فما يُدْرِيني أيَحْصُلُ منْ عودِكَ جَنًى. أم أحصُلُ منهُ على ضنًى؟ ثمّ ما الثّقَةُ بأنّكَ حينَ تبتَعِدُ. ستَفي بما تعِدُ؟ وقد صارَ الغدْرُ كالتّحْجيلِ. في حِليَةِ هذا الجيلِ. فأرِحْني باللهِ منَ التّعذيبِ. وارْحَلْ إلى حيثُ يَعْوي الذّيبُ. فاسْتَوى الغُلامُ إليْهِ. وقدِ استوْلى الخجَلُ علَيْهِ. وقال: واللهِ ما يَخيسُ بالعهْدِ. غيرُ الخَسيسِ الوغْدِ. ولا يرِدُ غَديرَ الغَدْرِ. إلا الوَضيعُ القدْرِ. ولوْ عرَفْتَ منْ أنا. لما أسمَعْتَني الخَنا. لكنّكَ جهِلْتَ فقُلْتَ. وحيثُ وجَبَ أنْ تسْجُدَ بُلْتَ. وما أقبَحَ الغُربَةَ والإقلالَ. وأحسَنَ قوْلَ منْ قال:
إنّ الغَريبَ الطّويلَ الذّيلِ ممتَهَـنٌ *** فكيفَ حالُ غَريبٍ ما لـهُ قـوتُ
لكنّهُ ما تَشينُ الـحُـرُّ مـوجِـعَةٌ *** فالمِسكُ يُسحَقُ والكافورُ مَفتـوتُ
وطالَما أُصْليَ الياقوتُ جمرَ غضًى *** ثمّ انطَفى الجمرُ والياقوتُ ياقوتُ
فقالَ لهُ الشيخُ: يا ويلَةَ أبيكَ. وعوْلَةَ أهليكَ! أأنْتَ في موقِفِ فخْرٍ يُظهَرُ. وحسَبٍ يُشهَرُ. أم موقِفِ جِلْدٍ يُكشَطُ. وَقَفاً يُشْرَطُ؟ وهبْ أنّ لكَ البيتَ. كما ادّعَيتَ. أيَحْصُلُ بذلِكَ. حَجْمُ قَذالِكَ؟ لا واللهِ ولوْ أنّ أباكَ أنافَ. على عبْدِ مُنافٍ. أو لخالِكَ دانَ. عبدُ المَدانِ. فلا تضْرِبْ في حَديدٍ بارِدٍ. ولا تطْلُبْ ما لسْتَ لهُ بواجِدٍ. وباهِ إذا باهَيْتَ بموجودِكَ. لا بحُدودِكَ. وبمَحْصولِكَ. لا بأصولِكَ. وبصِفاتِكَ. لا برُفاتِكَ. وبأعْلاقِكَ. لا بأعْراقِكَ. ولا تُطِعِ الطّمَعَ فيُذِلَّكَ. ولا تتّبِعِ الهَوى فيُضِلّكَ. وللهِ القائلُ لابنِهِ:
بُنيّ استَقِمْ فالعُـودُ تَـنـمـي عُـروقُـهُ *** قَويماً ويغْشاهُ إذا ما الـتَـوى الـتّـوَى
ولا تُطِعِ الحِرْصَ المُـذِلّ وكـنْ فـتًـى *** إذا التَهَبتْ أحشاؤهُ بـالـطّـوى طـوَى
وعاصِ الهَوى المُرْدي فكم من محَـلِّـقٍ *** إلى النّجْمِ لمّا أنْ أطاعَ الـهَـوى هـوَى
وأسعِفْ ذوي القُربى فـيقـبُـحُ أن يُرى *** على من إلى الحرّ اللُّبابِ انضوى ضوَى
وحافِظْ علـى مَـنْ لا يخـونُ إذا نَـبـا *** زمانٌ ومن يرْعى إذا ما الـنـوى نـوَى
وإنْ تقتدرْ فاصْفحْ فلا خيرَ فـي امـرِئٍ *** إذا اعتلَقتْ أظفارُهُ بـالـشّـوى شَـوى
وإيّاكَ والشّكـوى فـلـمْ تـرَ ذا نُـهًـى *** شكا بل أخو الجهل الذي ما ارعوى عوى
فقالَ الغُلامُ للنّظّارَةِ: يا للعَجيبةِ. والطُرفَةِ الغَريبةِ! أنْفٌ في السّماء. واسْتٌ في الماء! ولفْظٌ كالصّهْباء. وفِعْلٌ كالحَصْباء! ثمّ أقبلَ على الشيخِ بلِسانٍ سَليطٍ. وغيظٍ مُستَشيطٍ. وقال: أفٍّ لكَ منْ صوّاغٍ باللّسانِ. روّاغٍ عنِ الإحْسانِ! تأمُرُ بالبِرّ. وتعُقّ عُقوقَ الهِرّ. فإنْ يكُنْ سبَبُ تعنُّتِكَ. نَفاقَ صنعَتِكَ. فرَماها اللهُ بالكَسادِ. وإفْسادِ الحُسّادِ. حتى تُرى أفرَغَ منْ حَجّامِ ساباطَ. وأضيَقَ رِزْقاً منْ سمّ الخِياطِ. فقال لهُ الشيخُ: بلْ سلّطَ اللهُ عليْكَ بَثْرَ الفَمِ. وتبيُّغَ الدّمِ. حتى تُلْجأ إلى حجّامٍ عظيمِ الاشْتِطاطِ. ثَقيلِ الاشْتِراطِ. كَليلِ المِشْراطِ. كثيرِ المُخاطِ والضُّراطِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 13:28

قال: فلمّا تبيّنَ الفتى أنهُ يشْكو إلى غيْرِ مُصَمَّتٍ. ويُراوِدُ استِفْتاحَ بابٍ مُصْمَتٍ. أضْرَبَ عنْ رجْعِ الكَلامِ. واحتفَزَ للقيامِ. وعلِمَ الشيخُ أنهُ قدْ ألامَ. بما أسمَعَ الغُلامَ. فجنَحَ إلى سِلمِهِ. وبذَلَ أنْ يُذعِنَ لحُكمِهِ. ولا يَبْغي أجْراً على حَجْمِهِ. وأبى الغُلامُ إلاّ المَشْيَ بدائِهِ. والهرَبَ منْ لِقائِهِ. وما زالا في حِجاجٍ وسِبابٍ. ولِزازٍ وجِذابٍ. إلى أن ضجّ الفَتى منَ الشِّقاقِ. وتَلا رُدنُهُ سورَةَ الانشِقاقِ. فأعْوَلَ حينئِذٍ لوَفارَةِ خُسرِهِ. وانعِطاطِ عِرْضِهِ وطِمْرِهِ. وأخذَ الشيخُ يعتَذِرُ منْ فرَطاتِهِ. ويُغيِّضُ منْ عبَراتِهِ. وهوَ لا يُصْغي إلى اعتِذارِهِ. ولا يقصِّرُ عنِ استِعْبارِهِ. إلى أنْ قالَ لهُ: فَداكَ عمُّكَ. وعدَاكَ ما يغُمُّكَ! أما تسْأمُ الإعْوالَ. أما تعرِفُ الاحتِمالَ. أمَا سمِعْتَ بمَنْ أقالَ. وأخذَ بقولِ منْ قال:
أخمِدْ بحِلمكَ مـا يُذكـيهِ ذو سـفَـهٍ *** من نارِ غيظكَ واصْفَحْ إن جنى جانِ
فالحِلمُ أفضَلُ ما ازْدانَ اللّبـيبُ بـهِ *** والأخذُ بالعَفوِ أحْلى ما جَنـى جـانِ
فقال لهُ الغُلام: أمَا إنّكَ لو ظهرْتَ على عيْشيَ المُنكَدِرِ. لعَذَرْتَ في دمْعيَ المُنهَمِرِ. ولكِنْ هانَ على الأملَسِ ما لاقَى الدّبِرُ. ثمّ كأنّهُ نزَعَ إلى الاستِحْياء. فأقْلَعَ عنِ البُكاء. وفاء إلى الارْعِواء. وقال للشيخِ: قدْ صِرْتُ إلى ما اشتَهَيْتَ. فارْقَعْ ما أوْهَيتَ. فقال: هيْهاتَ شغلَتْ شِعابي جَدوايَ. فشِمْ بارِقَ سِوايَ. ثمّ إنهُ نهضَ يستَقْري الصّفوفَ. ويستَجْدي الوُقوفَ. ويُنشِدُ في ضِمْنِ ما هوَ يطوفُ:
أُقسِمُ بالبـيتِ الـحـرامِ الـذي *** تهْوي إليْهِ الزُمَرُ المُحـرِمَـهْ
لوْ أنّ عِندي قُـوتَ يومٍ لَـمـا *** مسّتْ يَدي المِشْراطَ والمِحجَمهْ
ولا ارتضَتْ نفْسي التي لمْ تـزَلْ *** تسْمو إلى المجْدِ بهذي السِّـمَـهْ
ولا اشْتَكى هذا الفتـى غِـلـظَةً *** منّي ولا شاكَتْهُ مـنّـي حُـمَـهْ
لكِنْ صُروفُ الدّهرِ غادَرْنـنـي *** كخابِطٍ في اللّيلَةِ المُـظـلِـمَـهْ
واضْطَرّني الفقْرُ إلى مـوقِـفٍ *** منْ دونِهِ خوْضُ اللّظى المُضرَمه
فهـلْ فـتًـى تُـدرِكُـــهُ رِقّةٌ *** عليّ أو تعطِـفُـهُ مَـرْحَـمَـهْ
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فكُنتُ أوّلَ منْ أوى لبَلْواهُ. ورقّ لشَكْواهُ. فنفَحْتُهُ بدِرْهَمَينِ. وقلتُ: لا كانا ولوْ كانَ ذا مَيْنٍ! فابتهَجَ بباكُورَةِ جَناهُ. وتفاءلَ بهِما لغِناهُ. ولمْ تزَلِ الدّراهِمُ تنْهالُ عليْهِ. وتنْثالُ لديْهِ. حتى آلَ ذا عيشَةٍ خضْراء. وحَقيبةٍ بجْراء. فازْدهاهُ الفرَحُ عندَ ذلِكَ. وهنّأ نفْسَهُ بما هُنالِكَ. وقال للغُلام: هَذا ريْعٌ أنتَ بَذرُهُ. وحلَبٌ لكَ شطرُهُ. فهلُمّ لنَقتَسِمَ. ولا نحْتَشِمْ. فتقاسَماهُ بينَهُما شقَّ الأبلَمَةِ. ونهَضا مُتّفِقَي الكَلِمَةِ. ولمّا انتظَمَ بينهُما عقْدُ الاصْطلاحِ. وهمّ الشيخُ بالرّواحِ. قُلتُ له: قدْ تبوّغَ دَمي. ونقلْتُ إليْكَ قدَمي. فهلْ لكَ أن تحْجُمَني. وتُكفْكِفَ ما دهَمَني؟ فصوّبَ طرْفَهُ وصعّد. ثمّ ازْدَلَفَ إليّ وأنشدَ:
كيفَ رأيتَ خُدْعَتـي وخـتْـلـي *** وما جرى بيْني وبينَ سـخْـلـي
حتى انثَنَيْتُ فائِزاً بـالـخـصْـلِ *** أرْعى رياضَ الخِصْبِ بعدَ المحلِ
باللهِ يا مُهجةَ قلْـبـي قـلْ لـي *** هلْ أبصرَتْ عيناكَ قطُّ مثـلـي
يفتَـحُ بـالـرُقـيَةِ كـلَّ قُـفْـلِ *** ويستَبي بالسّحْـرِ كـلَّ عـقْـلِ
ويعجِنُ الجِـدّ بـمـاء الـهـزْلِ *** إنْ يكُنِ الإسكَنـدَريُّ قـبْـلـي
فالطّلُّ قـد يبْـدو أمـامَ الـوَبْـلِ *** والفضْلُ للـوابِـلِ لا لـلـطّـلِّ
قال: فنبّهَتْني أُرجوزَتُهُ عليْهِ. وأرَتْني أنهُ شيخُنا المُشارُ إليهِ. فقرّعْتُهُ على الابتِذالِ. والاتِحاقِ بالأرْذالِ. فأعْرضَ عمّا سمِعَ. ولمْ يُبَلْ بِما قُرّعَ. وقال: كُلَّ الحِذاء يحْتَذي الحافي الوَقِعُ. ثمّ قاصاني مُقاصاةَ المُهانِ. وانطلَقَ هوَ وابنُهُ كفَرَسيْ رِهانٍ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 14:32

المقامة التنيسية

حدّثَ الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أطَعْتُ دَواعيَ التّصابي. في غُلَواء شَبابي. فلمْ أزَلْ زِيراً للغِيدِ. وأُذُناً للأغارِيدِ. إلى أن وافَى النّذيرُ. وولّى العيشُ النّضيرُ. فقَرِمْتُ إلى رُشْدِ الانتِباهِ. وندِمْتُ على ما فرّطْتُ في جنْبِ اللهِ. ثمّ أخذْتُ في كسْعِ الهَناتِ بالحَسَناتِ. وتلافي الهفَواتِ قبلَ الفَواتِ. فمِلْتُ عنْ مُغاداةِ الغاداتِ. إلى مُلاقاةِ التُّقاةِ. وعنْ مُقاناةِ القَيْناتِ. إلى مُداناةِ أهلِ الدّياناتِ. وآلَيتُ أن لا أصْحَبَ إلا مَنْ نزَعَ عنِ الغَيّ. وفاءَ منشَرُهُ إلى الطّيّ. وإنْ ألْفَيْتُ منْ هوَ خَليعُ الرّسَنِ. مَديدُ الوسَنِ. أنْأيْتُ داري عن دارِهِ. وفرَرْتُ عنْ عَرّهِ وعارِهِ. فلمّا ألقَتني الغُربَةُ بتِنّيسَ. وأحَلّتني مسجِدَها الأنيسَ. رأيتُ بهِ ذا حَلقَةٍ مُلتَحمَةٍ. ونظّارَةٍ مُزدَحِمةٍ. وهوَ يقولُ بجأشٍ مَكينٍ و ولِسنٍ مُبينٍ: مِسكينٌ ابنُ آدمَ وأيُّ مِسكينٍ. ركَنَ من الدّنيا إلى غيرِ رَكينٍ. واستَعصَمَ منها بغيرِ مَكسنٍ. وذُبِحَ من حُبّها بغيرِ سِكّينٍ. يَكْلَفُ بها لغَباوَتِهِ. ويَكْلَبُ عليْها لشَقاوَتِهِ. ويعْتَدّ فيها لمُفاخرَتِهِ. ولا يتزوّدُ منها لآخرتِهِ. أُقسمُ بمَنْ مرَجَ البَحرَينِ. ونوّرَ القمَرَينِ. ورفَعَ قدْرَ الحجريْنِ. لوْ عقَلَ ابنُ آدَمَ. لما نادَمَ. ولوْ فكّرَ في ما قدّمَ. لبَكى الدّمَ. ولوْ ذكَرَ المُكافاةَ. لاستَدرَكَ ما فاتَ. ولوْ نظَرَ في المآلِ. لحسّنَ قُبْل الأعْمالِ. يا عجَباً كلَّ العجَبِ. لمَنْ يقتَحِمُ ذاتَ اللّهَبِ. في اكْتِنازِ الذّهبِ. وخزْنِ النّشَبِ. لذوي النّسَبِ. ثمّ منَ البِدْعِ العَجيبِ. أن يعِظَكَ وخْطُ المشيبِ. وتؤذِنُ شمسُكَ بالمَغيبِ. ولستَ ترى أن تُنيبَ. وتهذّبَ المَعيبَ. ثمّ اندفَعَ يُنشِدُ. إنشادَ منْ يُرشِدُ:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 14:34

يا ويْحَ مَـنْ أنـذرَهُ شَـيبُــهُ *** وهوَ على غَيّ الصِّبا منكَمِـشْ
يعْشو إلى نارِ الهَوى بـعْـدَمـا *** أصبَحَ من ضُعْفِ القُوى يرتَعِش
ويمتَطـي الـلـهْـوَ ويعْـتَـدُّهُ *** أوْطأ ما يفتَرِشُ المُـفـتَـرِشْ
لم يهَبِ الشّيبَ الـذي مـا رأى *** نجومَهُ ذو الـلُّـبّ إلا دُهِـشْ
ولا انتهَى عمّا نَهـاهُ الـنُـهـى *** عنهُ ولا بالى بعِـرْضٍ خُـدِشْ
فذاكَ إنْ ماتَ فسُـحْـقـاً لـهُ *** وإن يعِشْ عُدّ كأنْ لـمْ يعِـشْ
لا خيْرَ في مَحْيا امرئٍ نشْـرُهُ *** كنَشْرِ ميْتٍ بعدَ عشْرٍ نُـبِـشْ
وحبّذا مَـن عِـرضُـهُ طـيّبٌ *** يَروقُ حُسْناً مثلَ بُـرْدٍ رُقِـشْ
فقُلْ لمَن قـد شـاكَـهُ ذنـبُـهُ *** هلَكْتَ يا مِسكينُ أو تنتَـقِـشْ
فأخْلِصِ التّوبَةَ تطمِـسْ بـهـا *** منَ الخَطايا السودِ ما قد نُقِـشْ
وعاشِرِ الناسَ بخُلـقٍ رِضًـى *** ودارِ منْ طاشَ ومنْ لم يطِشْ
ورِشْ جَناحَ الحُرّ إنْ حَـصّـهُ *** زمانُهُ لا كانَ مـنْ لـم يرِشْ
وأنجِدِ الموْتورَ ظُـلـمـاً فـإنْ *** عجِزْتَ عن إنْجادِهِ فاستجِـشْ
وانعَشْ إذا نـاداكَ ذو كَـبـوَةٍ *** عساكَ في الحشْرِ بهِ تنتَعِـشْ
وهاكَ كأسَ النُصْحِ فاشرَبْ وجُدْ *** بفَضْلَةِ الكأسِ على مَنْ عطِشْ
قال: فلمّا فرَغَ من مُبكِياتِهِ. وقضَى إنشادَ أبياتِهِ. نهضَ صبيٌّ قد شدَنَ. وأعْرى البَدَنَ. وقال: يا ذَوي الحَصاةِ. والإنْصاتِ إلى الوَصاةِ. قد وعَيْتُمُ الإنشادَ. وفقِهتُمُ الإرْشادَ. فمَن نَوى منكُمْ أن يقْبَلَ. ويُصلِحَ المُستَقبَلَ. فلْيُبِنْ ببِرّي عنْ نِيّتِهِ. ولا يعدِلْ عني بعَطيّتِهِ. فوالذي يعلَمُ الأسرارَ. ويغفِرُ الإصْرارَ. إنّ سرّي لكَما تَرَوْنَ. وإنّ وجهي ليَستَوْجِبُ الصّوْنَ. فأعينوني رُزِقْتُمُ العوْنَ. قال: فأخذَ الشيخُ في ما يعطِفُ عليْهِ القُلوبَ. ويُسَنّي لهُ المطْلوبَ. حتى أنْبَطَ حَفرُهُ. واعْشَوشَبَ قَفْرُهُ. فلمّا أنْ ترِعَ الكيسُ. انصَلَتَ يميسُ. ويحمَدُ تِنّيسَ. ولمْ يحْلُ للشيخِ المُقامُ. بعْدَما انْصاعَ الغُلامُ. فاستَرْفَعَ الأيْدي بالدّعاء. ثمّ نَحا نحْوَ الانكِفاء. قال الراوي: فارتَحْتُ إلى أن أعجُمَهُ. وأحُلَّ مُترجَمَهُ. فتَبعتُهُ وهو يشتَدّ في سمْتِهِ. ولا يفْتُقُ رتْقَ صمتِهِ. فلمّا أمِنَ المُفاجيَ. وأمكَنَ التّناجي. لفَتَ جيدَهُ إليّ. وسلّمَ تسْليمَ البَشاشَةِ عليّ. ثمّ قال: أراقَكَ ذكاءُ ذاكَ الشُّوَيْدِنِ؟ فقلتُ: إي والمؤمِنِ المُهَيمِنِ! قال: إنهُ فتى السّروجيّ. ومُخرِجِ الدُّرّ منَ اللُّجّيّ! فقلْتُ: أشهَدُ إنّكَ لَشَجرَةُ ثمرَتِهِ. وشُواظُ شرَرَتِهِ. فصدّقَ كَهانَتي. واستَحْسَنَ إبانَتي. ثمّ قال: هل لكَ في ابتِدارِ البيتِ. لنَتنازَعَ كأسَ الكُمَيتِ؟ فقلتُ لهُ: ويْحَكَ أتأمُرونَ الناسَ بالبِرّ وتَنسَوْنَ أنفُسَكُمْ؟ فافتَرّ افتِرارَ مُتَضاحِكٍ. ومرّ غيرَ مُماحِكٍ. ثمّ بَدا لهُ أنْ تَراجَعَ إليّ. وقال: احفَظْها عني وعليّ:

إصْرِفْ بصِرْفِ الرّاحِ عنكَ الأسى *** وروّحِ القـلْـبَ ولا تـكـتَـئِبْ
وقلْ لمَـنْ لامـكَ فـي مـا بِـهِ *** تدفعُ عنكَ الـهـمّ قـدْكَ اتّـئِبْ
ثمّ قال: أمَا أنا فسأنطَلِقُ. إلى حيثُ أصطَبِحُ وأغْتَبِقُ. وإذا كُنتَ لا تَصحَبُ. ولا تُلائِمُ مَن يطرَبُ. فلسْتَ لي برَفيقٍ. ولا طريقُكَ لي بطَريقٍ. فخَلّ سَبيلي ونكّبْ. ولا تُنقّرْ عني ولا تُنقّبْ. ثمّ ولّى مُدْبِراً ولمْ يُعَقّبْ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فالْتَهَبْتُ وجْداً عندَ انطِلاقِهِ. ووَدِدْتُ لوْ لمْ أُلاقِهِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 14:37

المقامة التفليسية

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: عاهدْتُ اللهَ تعالَى مُذْ يفَعتُ. أنْ لا أؤخِّرَ الصّلاةَ ما استَطَعْتُ. فكنتُ مع جوْبِ الفلَواتِ. ولهْوِ الخلَواتِ. أُراعي أوْقاتَ الصّلاةِ. وأحاذِرُ منْ مأثَمِ الفَواتِ. وإذا رافَقْتُ في رِحلَةٍ. أو حللْتُ بحِلّةٍ. مرْحَبْتُ بصَوْتِ الدّاعي إليْها. واقتَدَيْتُ بمنْ يُحافِظُ عليْها. فاتّفَقَ حينَ دخلْتُ تفْليسَ. أن صلّيتُ معَ زُمْرَةٍ مَفاليسَ. فلمّا قضيْنا الصّلاةَ. وأزْمَعْنا الانفِلاتَ. برزَ شيخٌ بادِي اللَّقوَةِ. بالي الكُسوَةِ والقُوّةِ. فقالَ: عزمْتُ على منْ خُلِقَ منْ طينَةِ الحُريّةِ. وتفوّقَ دَرَّ العصبيّةِ. إلا ما تكلّفَ لي لُبْثَةً. واستمَعَ مني نَفثَةً. ثمّ لهُ الخِيارُ منْ بعْدُ. وبيدِهِ البذْلُ والرّدُّ. فعقَدَ لهُ القومُ الحُبَى. ورسَوْا أمْثالَ الرُبى. فلمّا آنَس حُسْنَ إنْصاتِهمْ. ورَزانَةَ حَصاتِهِمْ. قال: يا أولي الأبْصارِ الرّامِقَةِ. والبَصائِرِ الرّائِقَةِ. أمَا يُغْني عنِ الخبَرِ العِيانُ. ويُنْبئُ عنِ النّارِ الدخانُ؟ شَيبٌ لائِحٌ. ووهْنٌ فادِحٌ. وداءٌ واضِحٌ. والباطِنُ فاضِحٌ. ولقدْ كُنتُ واللهِ ممّنْ ملَكَ ومالَ. ووَليَ وآلَ. ورفَدَ وأنالَ. ووصَلَ وصالَ. فلمْ تزَلِ الجَوائِحُ تسْحَتُ. والنّوائِبُ تنْحَتُ. حتى الوَكْرُ قَفْرٌ. والكفُّ صَفْرٌ. والشّعارُ ضُرٌّ. والعيشُ مُرٌّ. والصّبْيَةُ يتَضاغَوْنَ من الطّوى. ويتمنّونَ مُصاصَةَ النّوى. ولمْ أقُمْ هذا المَقامَ الشّائنَ. وأكشِفْ لكُمُ الدّفائِنَ. إلا بعْدَما شَقيتُ ولُقيتُ. وشِبْتُ ممّا لَقيتُ. فلَيتَني لمْ أكُنْ بَقيتُ. ثمّ تأوّهَ تأوّهَ الأسيفِ. وأنشدَ بصوتٍ ضَعيفٍ:

أشْكو إلى الرّحْمنِ سُبْحـانَـهُ *** تقلُّبَ الـدّهْـرِ وعُـدْوانَـهُ
وحادِثاتٍ قرعَـتْ مَـرْوَتـي *** وقوّضَتْ مَجدي وبُـنْـيانَـهُ
واهْتصَرَتْ عودي ويا ويلَ منْ *** تهتَصِرُ الأحداثُ أغصـانَـهُ
وأمحَلَتْ ربْعيَ حتى جـلَـتْ *** منْ ربْعيَ المُمْحِلِ جِرْذانَـهُ
وغادرَتْـنـي حـائِراً بـائِراً *** أُكابِدُ الفَـقْـرَ وأشْـجـانَـهُ
منْ بعْدِ ما كنتُ أخـا ثـروَةٍ *** يسحَبُ في النّعْـمَةِ أرْدانَـهُ
يختَبِطُ الـعـافـونَ أوْراقَـهُ *** ويحْمَدُ السّـارونَ نـيرانَـهُ
فأصبحَ اليومَ كـأنْ لـمْ يكُـنْ *** أعانَهُ الدّهرُ الـذي عـانَـهُ
وازْوَرّ مَنْ كـانَ لـهُ زائِراً *** وعافَ عافي العُرْفِ عِرْفانَهُ
فهلْ فتًى يحْـزُنُـهُ مـا يَرى *** منْ ضُرّ شيخٍ دهْرُهُ خـانَـهُ
فيَفْرِجَ الهَـمَّ الـذي هـمَّـهُ *** ويُصلِحَ الشّانَ الذي شـانَـهُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 14:48

قال الرّاوي: فصَبَتِ الجماعَةُ إلى أن تستَثبِتَهُ. لتَستَنجِشَ خُبْأتَهُ. وتستَنفِضَ حَقيبتَهُ. فقالتْ لهُ: قد عرَفْنا قدْرَ رُتبتِكَ. ورأيْنا دَرَّ مُزنَتِكَ. فعرّفْنا دوْحةَ شُعبَتِكَ. واحْسِرِ اللّثامَ عنْ نِسبَتِكَ. فأعْرَضَ إعْراضَ منْ مُنيَ بالإعْناتِ. أو بُشّرَ بالبَناتِ. وجعلَ يلعَنُ الضّروراتِ. ويتأفّفُ منْ تغَيُّضِ المُروءاتِ. ثمّ أنشدَ بلَفظٍ صادِعٍ. وجَرْسٍ خادِعٍ:
لعَمْرُكَ مـا كُـلُّ فـرْعٍ يدُلّ *** جَناهُ اللّذيذُ علـى أصـلِـهِ
فكُلْ ما حَلا حينَ تُؤتـى بـهِ *** ولا تسألِ الشّهْدَ عنْ نحْـلِـهِ
وميّزْ إذا ما اعتَصرْتَ الكُرومَ *** سُلافَةَ عصْرِكَ منْ خَـلّـهِ
لتُغْلي وتُرْخِصَ عنْ خِـبـرَةٍ *** وتشْريَ كُلاًّ شِرَى مثـلِـهِ
فعارٌ على الفَطِنِ اللّوذَعـيّ *** دُخولُ الغَميزَةِ في عقـلِـهِ
قال: فازْدَهى القومُ بذَكائِهِ ودهائِه. واختلَبَهُمْ بحُسْنِ أدائِهِ مع دائِهِ. حتى جمَعوا لهُ خَبايا الخُبَنِ. وخَفايا الثُّبَنِ. وقالوا لهُ: يا هَذا إنكَ حُمْتَ على رَكِيّةٍ بَكيّةٍ. وتعرّضْتَ لخَليّةٍ خليّةٍ. فخُذْ هذِه الصُّبابَةَ. وهَبْها لا خطأً ولا إصابَةً. فنزّلَ قُلَّهُمْ منزِلَةَ الكُثْرِ. ووصَلَ قَبولَهُ بالشُكْرِ. ثمّ تولّى يجُرّ شِقَّهُ. وينْهَبُ بالخَبْطِ طُرْقَهُ. قالَ المُخبِرُ بهذِهِ الحِكايَةِ. فصُوّرَ لي أنّهُ مُحيلٌ لحِلْيَتِهِ. متصَنّعٌ في مِشيَتِهِ. فنهَضْتُ أنْهَجُ مِنْهاجَهُ. وأقْفو أدراجَهُ. وهوَ يلْحَظُني شَزْراً. ويوسِعُني هجْراً. حتى إذا خَلا الطّريقُ. وأمْكَنَ التّحْقيقُ. نظرَ إليّ نظرَ منْ هشّ وبشّ. وماحَضَ بعْدَما غشّ. وقال: إني لإخالُكَ أخا غُربَةٍ. ورائِدَ صُحبَةٍ. فهلْ لكَ في رَفيقٍ يَرفُقُ بكَ ويُرفِقُ. ويَنفُقُ عليْك ويُنفِقُ؟ فقلتُ لهُ: لو أتاني هذا الرّفيقُ. لواتاني التّوْفيقُ. فقال لي: قدْ وجَدْتَ فاغْتَبِطْ. واستَكْرَمْتَ فارتَبِطْ. ثمّ ضحِكَ مليّاً. وتمثّلَ لي بَشَراً سَوِيّاً. فإذا هوَ شيخُنا السَّروجيّ لا قَلَبَةَ بجسمِهِ. ولا شُبهَةَ في وسْمِهِ. ففرِحْتُ بلُقيَتِهِ. وكذِبِ لَقْوَتِهِ. وهمَمْتُ بمَلامَتِهِ. على سوء مَقامَتِهِ. فشَحا فاهُ. وأنشدَ قبلَ أنْ ألْحاهُ:
ظهَرْتُ برَتٍّ لكَيْمـا يُقـالَ *** فقيرٌ يُزَجّي الزّمانَ المُزَجّى
وأظهرْتُ للنّاسِ أنْ قد فُلجتُ *** فكمْ نالَ قلْبي بهِ ما ترَجّـى
ولوْلا الرّثاثَةُ لـمْ يُرْثَ لـي *** ولوْلا التّفالُجُ لمْ ألْقَ فُلْـجـا
ثمّ قال: إنّهُ لم يبْقَ لي بهذِه الأرضِ مرتَعٌ. ولا في أهلِها مطْمَعٌ. فإنْ كنتَ الرّفيقَ. فالطّريقَ الطّريقَ. فسِرْنا منها متجرِّدَينِ. ورافَقْتُهُ عامَينِ أجرَدَينِ. وكنتُ على أنْ أصحبَهُ ما عِشْتُ. فأبى الدّهْرُ المُشِتُّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 15:08

قال الرّاوي: فصَبَتِ الجماعَةُ إلى أن تستَثبِتَهُ. لتَستَنجِشَ خُبْأتَهُ. وتستَنفِضَ حَقيبتَهُ. فقالتْ لهُ: قد عرَفْنا قدْرَ رُتبتِكَ. ورأيْنا دَرَّ مُزنَتِكَ. فعرّفْنا دوْحةَ شُعبَتِكَ. واحْسِرِ اللّثامَ عنْ نِسبَتِكَ. فأعْرَضَ إعْراضَ منْ مُنيَ بالإعْناتِ. أو بُشّرَ بالبَناتِ. وجعلَ يلعَنُ الضّروراتِ. ويتأفّفُ منْ تغَيُّضِ المُروءاتِ. ثمّ أنشدَ بلَفظٍ صادِعٍ. وجَرْسٍ خادِعٍ:
لعَمْرُكَ مـا كُـلُّ فـرْعٍ يدُلّ *** جَناهُ اللّذيذُ علـى أصـلِـهِ
فكُلْ ما حَلا حينَ تُؤتـى بـهِ *** ولا تسألِ الشّهْدَ عنْ نحْـلِـهِ
وميّزْ إذا ما اعتَصرْتَ الكُرومَ *** سُلافَةَ عصْرِكَ منْ خَـلّـهِ
لتُغْلي وتُرْخِصَ عنْ خِـبـرَةٍ *** وتشْريَ كُلاًّ شِرَى مثـلِـهِ
فعارٌ على الفَطِنِ اللّوذَعـيّ *** دُخولُ الغَميزَةِ في عقـلِـهِ
قال: فازْدَهى القومُ بذَكائِهِ ودهائِه. واختلَبَهُمْ بحُسْنِ أدائِهِ مع دائِهِ. حتى جمَعوا لهُ خَبايا الخُبَنِ. وخَفايا الثُّبَنِ. وقالوا لهُ: يا هَذا إنكَ حُمْتَ على رَكِيّةٍ بَكيّةٍ. وتعرّضْتَ لخَليّةٍ خليّةٍ. فخُذْ هذِه الصُّبابَةَ. وهَبْها لا خطأً ولا إصابَةً. فنزّلَ قُلَّهُمْ منزِلَةَ الكُثْرِ. ووصَلَ قَبولَهُ بالشُكْرِ. ثمّ تولّى يجُرّ شِقَّهُ. وينْهَبُ بالخَبْطِ طُرْقَهُ. قالَ المُخبِرُ بهذِهِ الحِكايَةِ. فصُوّرَ لي أنّهُ مُحيلٌ لحِلْيَتِهِ. متصَنّعٌ في مِشيَتِهِ. فنهَضْتُ أنْهَجُ مِنْهاجَهُ. وأقْفو أدراجَهُ. وهوَ يلْحَظُني شَزْراً. ويوسِعُني هجْراً. حتى إذا خَلا الطّريقُ. وأمْكَنَ التّحْقيقُ. نظرَ إليّ نظرَ منْ هشّ وبشّ. وماحَضَ بعْدَما غشّ. وقال: إني لإخالُكَ أخا غُربَةٍ. ورائِدَ صُحبَةٍ. فهلْ لكَ في رَفيقٍ يَرفُقُ بكَ ويُرفِقُ. ويَنفُقُ عليْك ويُنفِقُ؟ فقلتُ لهُ: لو أتاني هذا الرّفيقُ. لواتاني التّوْفيقُ. فقال لي: قدْ وجَدْتَ فاغْتَبِطْ. واستَكْرَمْتَ فارتَبِطْ. ثمّ ضحِكَ مليّاً. وتمثّلَ لي بَشَراً سَوِيّاً. فإذا هوَ شيخُنا السَّروجيّ لا قَلَبَةَ بجسمِهِ. ولا شُبهَةَ في وسْمِهِ. ففرِحْتُ بلُقيَتِهِ. وكذِبِ لَقْوَتِهِ. وهمَمْتُ بمَلامَتِهِ. على سوء مَقامَتِهِ. فشَحا فاهُ. وأنشدَ قبلَ أنْ ألْحاهُ:
ظهَرْتُ برَتٍّ لكَيْمـا يُقـالَ *** فقيرٌ يُزَجّي الزّمانَ المُزَجّى
وأظهرْتُ للنّاسِ أنْ قد فُلجتُ *** فكمْ نالَ قلْبي بهِ ما ترَجّـى
ولوْلا الرّثاثَةُ لـمْ يُرْثَ لـي *** ولوْلا التّفالُجُ لمْ ألْقَ فُلْـجـا
ثمّ قال: إنّهُ لم يبْقَ لي بهذِه الأرضِ مرتَعٌ. ولا في أهلِها مطْمَعٌ. فإنْ كنتَ الرّفيقَ. فالطّريقَ الطّريقَ. فسِرْنا منها متجرِّدَينِ. ورافَقْتُهُ عامَينِ أجرَدَينِ. وكنتُ على أنْ أصحبَهُ ما عِشْتُ. فأبى الدّهْرُ المُشِتُّ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 16:35



المقامة الدمشقية
حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: شخصْتُ منَ العِراقِ إلى الغوطَةِ. وأنا ذو جُرْدٍ مربوطةٍ. وجِدَةٍ مغْبوطَةٍ. يُلْهِيني خُلوُّ الذَّرْعِ. ويزْدَهيني حُفولُ الضّرْعِ. فلمّا بلغْتُها بعدَ شقّ النفْسِ. وإنْضاء العنْسِ. ألفَيتُها كما تصِفُها الألسُنُ. وفيها ما تشتَهي الأنفُسُ وتلَذّ الأعيُنُ. فشكرْتُ يدَ النّوى. وجرَيْتُ طلَقاً مع الهَوى. وطفِقْتُ أفُضّ خُتومَ الشّهَواتِ. وأجْتَني قُطوفَ اللّذّاتِ. إلى أن شرعَ سفرٌ في الإعْراقِ. وقدِ استفَقْتُ منَ الإغْراقِ. فعادَني عيدٌ منْ تَذْكارِ الوطَنِ. والحَنينِ إلى العطَنِ. فقوّضْتُ خِيامَ الغَيبَةِ. وأسرَجْتُ جَوادَ الأوبَةِ. ولمّا تأهّبَتِ الرّفاقُ. واستتبّ الاتّفاقُ. ألَحْنا منَ المسيرِ. دونَ استِصْحابِ الخَفيرِ. فرُدْناهُ منْ كلّ قَبيلة. وأعْمَلنا في تحصيلِه ألفَ حيلةٍ. فأعْوَزَ وِجْدانُه في الأحياء، حتى خلنا أنه ليس من الأحياء مخارت لعوزه عُزومُ السيّارَةِ. وانْتَدَوْا ببابِ جَيْرونَ للاستِشارَةِ. فما زالوا بينَ عَقدٍ وحلٍّ. وشزَرٍ وسحْلٍ. إلى أن نفِدَ التّناجي. وقنَطَ الرّاجي. وكان حِذَتَهُمْ شخْصٌ مِيسَمُهُ ميسَمُ الشبّانِ. ولَبوسُهُ لَبوسُ الرّهبانِ. وبيَدِه سُبْحَةُ النّسْوانِ. وفي عينِهِ ترجمَةُ النّشوانِ. وقد قيّدَ لحظَهُ بالجَمْعِ. وأرهَفَ أذُنَهُ لاستِراقِ السّمْعِ. فلمّا أنى انْكِفاؤهُمْ. وقد برحَ لهُ خَفاؤهُمْ. قال لهُمْ: يا قومُ ليُفرِخْ كرْبُكُمْ. وليَأمَنْ سِرْبُكُمْ. فسأخْفُرُكُمْ بما يسْرو روْعَكُمْ. ويبدو طوعَكُمْ. قال الرّاوي: فاستَطْلَعنا منهُ طِلْعَ الخِفارَةِ. وأسْنَينا لهُ الجَعالَةَ عنِ السِّفارةِ. فزعَم أنّها كلِماتٌ لُقّنَها في المَنامِ. ليحتَرِسَ بها منْ كيْدِ الأنامِ. فجعَلَ بعْضُنا يومِضُ إلى بعْضٍ. ويقلّبُ طرْفَيْهِ بينَ لحْظٍ وغضٍّ. وتبيّنَ لهُ أنّا استَضْعَفنا الخبَرَ. واستَشْعَرْنا الخَوَرَ. فقال: ما بالُكُمُ اتّخذْتُمْ جِدّي عبثاً. وجعلتُمْ تِبري خَبَثاً؟ ولَطالَما واللهِ جُبْتُ مَخاوِفَ الأقْطارِ. وولجْتُ مَقاحِمَ الأخْطارِ. فغَنيتُ بها عنْ مُصاحبَةِ خَفيرٍ. واستِصْحابِ جَفيرٍ. ثمّ إني سأنْفي ما رابَكُمْ. وأستَسِلُّ الحذَرَ الذي نابَكُمْ. بأنْ أُوافِقَكُمْ في البَداوةِ. وأرافِقَكُمْ في السّماوَةِ. فإنْ صدقَكُمْ وعْدي. فأجِدّوا سعْدي. وأسْعِدوا جِدّي. وإنْ كذبَكمْ فَمي. فمزّقوا أدَمي. وأرِيقوا دَمي. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فأُلْهِمْنا تصْديقَ رؤياهُ. وتحْقيقَ ما رَواهُ. فنزَعْنا عن مُجادَلَتِه. واستَهَمْنا على مُعادلَتِه. وفصَمْنا بقوْلِهِ عُرى الرّبائِثِ. وألغَيْنا اتّقاءَ العابِثِ والعائِثِ. ولمّا عُكِمَتِ الرّحالُ. وأزِفَ التّرْحالُ. استَنزَلْنا كلِماتِهِ الرّاقيةَ. لنجْعَلَها الواقيَةَ الباقيَةَ. فقال: ليقْرأ كُلٌ منكُمْ أمَّ القُرآنِ. كلّما أظَلَّ الملَوانِ. ثمّ ليَقُلْ بلِسانٍ خاضعٍ. وصوْتٍ خاشِعٍ: اللهُمّ يا مُحْيي الرُفاتِ. ويا دافِعَ الآفاتِ. ويا واقيَ المخافاتِ. ويا كريمَ المُكافاةِ. ويا موئِلَ العُفاةِ. ويا وليّ العفْوِ والمُعافاةِ. صلّ على محمّدٍ خاتِمِ أنبِيائِكَ. ومبلِّغ أنبائِكَ. وعلى مصابيحِ أسرتِه. ومفاتيحِ نُصرتِه. وأعِذْني منْ نزَغاتِ الشياطينِ. ونَزواتِ السّلاطينِ. وإعْناتِ الباغينَ. ومُعاناةِ الطّاغينَ. ومُعاداةِ العادينَ. وعُدْوانِ المُعادينَ. وغلَبِ الغالِبينَ. وسلَبِ السّالِبينَ. وحِيَلِ المُحْتالينَ. وغِيَلِ المُغْتالينَ. وأجِرْني اللهُمّ منْ جَوْرِ المُجاوِرينَ. ومُجاوَرَةِ الجائِرينَ. وكُفّ عني أكُفّ الضّائِمِينَ. وأخرِجْني منْ ظُلُماتِ الظّالمينَ. وأدْخِلْني برحْمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ. اللهُمّ حُطْني في تُرْبَتي. وغُرْبَتي. وغيْبَتي. وأوبَتي. ونُجْعَتي. ورجْعَتي. وتصرُّفي. ومُنصَرَفي. وتقلّبي. ومُنقلَبي. واحْفَظْني في نفْسي. ونفائِسي. وعِرْضي. وعرَضي. وعدَدي. وعُدَدي. وسكَني. ومسْكَني. وحَوْلي. وحالي. وملي. ومآلي. ولا تُلحِقْ بي تغييراً. ولا تُسلّطْ عليّ مُغيراً. واجْعَلْ لي منْ لدُنْكَ سُلطاناً نَصيراً. اللهُمّ احرُسْني بعينِك. وعونِكَ. واخْصُصْني بأمنِكَ. ومنّكَ. وتولّني باختِيارِكَ وخيرِكَ. ولا تكِلْني إلى كِلاءَةِ غيرِك.
وهَبْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ. وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ. واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء. واكْنُفْني بغواشي الآلاء. ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء. إنّك سميعُ الدُعاء. ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً. ولا يُحيرُ لفْظاً. حتى قُلْنا: قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ. أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ. ثمّ أقنعَ رأسَهُ. وصعّدَ أنفاسَهُ. وقال: أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ. والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ. والماءِ الثَّجّاجِ. والسّراجِ الوهّاجِ. والبحْرِ العجّاجِ. والهواءِ والعَجاجِ. إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ. وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ. مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ. لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ إلى الشّفَقِ. ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ. أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 16:42

قال: فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها. وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها. ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ. بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ. ونحْمي الحُمولاتِ. بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ. وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ. ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ. حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ. قال لنا: الإعانَةَ الإعانةَ! فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ. وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ. وقُلْنا لهُ: اقْضِ ما أنتَ قاضٍ. فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ. فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ. ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ. فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ. وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ. ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ. وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ. فأوحَشَنا فِراقُهُ. وأدْهَشَنا امتِراقُهُ. ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ. ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ. إلى أن قيل: إنّه مُذْ دخَل عانَةَ. ما زايلَ الحانةَ. فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ. والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه. فادّلَجْتُ الى الدّسكَرَةِ. في هيئةٍ منكّرَةٍ. فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ. بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ. وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ. وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ. ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ. وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ. وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ. ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ. وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ. فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ. وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه. قلتُ: أوْلى لكَ يا ملْعونُ. أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ؟ فضحِكَ مُستَغرِباً. ثم أنشدَ مُطَرِّباً:هبْ لي عافيَةً غيرَ عافِيَةٍ. وارْزُقْني رَفاهيَةً غيرَ واهيَةٍ. واكْفِني مَخاشيَ اللأوَاء. واكْنُفْني بغواشي الآلاء. ولا تُظْفِرْ بي أظفارَ الأعْداء. إنّك سميعُ الدُعاء. ثمّ أطرَقَ لا يُديرُ لحْظاً. ولا يُحيرُ لفْظاً. حتى قُلْنا: قد أبلَسَتْهُ خشيةٌ. أو أخرَسَتْهُ غشيَةٌ. ثمّ أقنعَ رأسَهُ. وصعّدَ أنفاسَهُ. وقال: أُقسِمُ بالسّماء ذاتِ الأبراجِ. والأرضِ ذاتِ الفِجاجِ. والماءِ الثَّجّاجِ. والسّراجِ الوهّاجِ. والبحْرِ العجّاجِ. والهواءِ والعَجاجِ. إنّها لَمِنْ أيمَنِ العُوَذِ. وأغْنى عنكُمْ منْ لابِسي الخُوَذِ. مَنْ درَسها عندَ ابتِسامِ الفلَقِ. لم يُشفِقْ منْ خطْبٍ إلى الشّفَقِ. ومنْ ناجَى بها طَليعَةَ الغسَقِ. أمِنَ ليلَتَهُ منَ السّرَقِ. قال: فتلقّنّاها حتى أتْقَنّاها. وتدارَسْناها لكيْ لا ننْساها. ثمّ سِرْنا نُزْجي الحَمولاتِ. بالدّعَواتِ لا بالحُداةِ. ونحْمي الحُمولاتِ. بالكَلِماتِ لا بالكُماةِ. وصاحِبُنا يتعَهّدُنا بالعَشيّ والغداةِ. ولا يستَنْجِزُ منّا العِداتِ. حتى إذا عايَنّا أطْلالَ عانَةَ. قال لنا: الإعانَةَ الإعانةَ! فأحْضَرْناهُ المَعْلومَ والمكتومَ. وأرَيْناهُ المعْكومَ والمخْتومَ. وقُلْنا لهُ: اقْضِ ما أنتَ قاضٍ. فما تجِدُ فينا غيرَ راضٍ. فما استَخفّهُ سِوى الخِفّ والزَّينِ. ولا حَلِيَ بعينِهِ غيرُ الحَلْيِ والعَينِ. فاحتَمَل منهُما وِقْرَهُ. وناءَ بما يسُدّ فَقْرَهُ. ثمّ خالَسَنا مُخالَسَةَ الطّرّارِ. وانْصلَتَ منّا انصِلاتَ الفَرّارِ. فأوحَشَنا فِراقُهُ. وأدْهَشَنا امتِراقُهُ. ولمْ نزَلْ ننْشُدُهُ بكلّ نادٍ. ونستَخْبِرُ عنهُ كلَّ مُغوٍ وهادٍ. إلى أن قيل: إنّه مُذْ دخَل عانَةَ. ما زايلَ الحانةَ. فأغْراني خُبْثُ هذا القولِ بسَبكِهِ. والانسِلاكِ فيما لستُ منْ سِلْكِه. فادّلَجْتُ الى الدّسكَرَةِ. في هيئةٍ منكّرَةٍ. فإذا الشيخُ في حُلّةٍ ممصّرَةٍ. بينَ دِنانٍ ومِعصَرَةٍ. وحولَهُ سُقاةٌ تبهَرُ. وشُموعٌ تزْهَرُ وآسٌ وعبْهَرٌ. ومِزْمارٌ ومِزْهَرٌ. وهوَ تارةً يستَبْزِلُ الدِّنانَ. وطَوْراً يستَنطِقُ العِيدانَ. ودَفعةً يستنشِقُ الرَّيْحانَ. وأخرَى يغازِلُ الغِزْلانَ. فلمّا عثرْتُ على لَبْسِهِ. وتفاوُتِ يومِهِ منْ أمْسِه. قلتُ: أوْلى لكَ يا ملْعونُ. أأُنسيتَ يومَ جَيْرونَ؟ فضحِكَ مُستَغرِباً. ثم أنشدَ مُطَرِّباً:
لزِمتُ السِّفارَ وجُبتُ القِـفـارَ *** وعِفْتُ النِّفارَ لأجْني الـفـرَحْ
وخُضتُ السّيولَ ورُضتُ الخيولَ *** لجَرّ ذُيولِ الصّبى والـمَـرَحْ
ومِطتُ الوَقارَ وبعْتُ العَـقـارَ *** لحَسْوِ العُقارِ ورشْفِ الـقـدَحْ
ولولا الطِّماحُ إلى شُـربِ راحٍ *** لما كانَ باحَ فَمي بالـمُـلَـحْ
ولا كان ساقَ دَهائي الـرّفـاقَ *** لأرضِ العِراقِ بحمْلِ السُّبَـحْ
فلا تغضَبَنّ ولا تـصـخَـبَـنّ *** ولا تعتُبَنّ فـعُـذْري وضَـحْ
ولا تعـجَـبَـنّ لـشـيْخٍ أبَـنّ *** بمغْنًـى أغَـنّ ودَنٍّ طـفَـحْ
فإنّ المُدامَ تُقـوّي الـعِـظـامَ *** وتَشْفي السَّقامَ وتنْفي الـتّـرَحْ
وأصْفى السّرورِ إذا ما الوَقـورُ *** أماطَ سُتورَ الـحَـيا واطّـرَحْ
وأحْلى الغَرام إذا المُسـتـهـامَ *** أزالَ اكتِتامَ الهَوى وافتـضَـحْ
فبُحْ بهَـواكَ وبـرّدْ حَـشـاكَ *** فزَنْـدُ أسـاكَ بـهِ قـدْ قـدَحْ
وداوِ الكُلومَ وسـلِّ الـهُـمـومَ *** ببِنْتِ الكُروم التي تُـقـتـرَحْ
وخُصّ الغَبوقَ بسـاقٍ يسـوقُ *** بَلاءَ المَشوقِ إذا مـا طـمَـحْ
وشادٍ يُشـيدُ بـصـوتٍ تَـمـيدُ *** جِبالُ الحـديدِ لـهُ إنْ صـدَحْ
وعاصِ النّصيحَ الـذي لا يُبـيحُ *** وِصالَ المليحِ إذا مـا سـمَـحْ
وجُلْ في المِحالِ ولوْ بالمُحـالِ *** ودعْ ما يُقالُ وخُذْ ما صـلَـحْ
وفـارِقْ أبـاكَ إذا مـا أبـاكَ *** ومُدَّ الشّباكَ وصِدْ مَنْ سـنَـحْ
وصافِ الخَليلَ ونافِ البَـخـيلَ *** وأوْلِ الجَميلَ ووالِ الـمِـنَـحْ
ولُذْ بالمَتـابِ أمـام الـذّهـابِ *** فمَنْ دقّ بـابَ كـريمٍ فـتَـحْ
فقلتُ لهُ: بَخٍ بخٍ لرِوايتِكَ. وأُفٍّ وتُفٍّ لغَوايَتِكَ! فباللهِ منْ أيّ الأعياصِ عِيصُكَ. فقدْ أعضَلَني عَويصُكَ؟ فقال: ما أحبُّ أنْ أُفصحَ عنّي. ولكِنْ سأُكَنّي:
أنا أُطـروفَةُ الـزّمـا *** نِ وأعجـوبَةُ الأُمَـمْ
وأنا الحُـوَّلُ الـذي احْـ *** تالَ في العُرْبِ والعجَمْ
غيرَ أنّي ابـنُ حـاجَةٍ *** هاضَهُ الدّهرُ فاهتضَمْ
وأبـو صِـبـيَةٍ بـدَوْا *** مثلَ لحْمٍ على وضَـمْ
وأخو العَيلَةِ المُـعـي *** لُ إذا احْتالَ لـمْ يُلَـمْ
قال الرّاوي: فعرفتُ حينَئِذٍ أنّه أبو زيدٍ ذو الرّيبِ والعيْبِ. ومُسوِّدُ وجْهِ الشّيْبِ. وساءني عِظَمُ تمرّدِهِ. وقُبْحُ تورّدِهِ. فقلتُ لهُ بلِسانِ الأنَفَةِ. وإدْلالِ المعرِفَةِ: ألمْ يأنِ لكَ يا شيخَنا. أنْ تُقلِعَ عنِ الخَنا؟ فتضَجّرَ وزمْجَرَ. وتنكّرَ وفكّرَ. ثمّ قال: إنّها ليلَةُ مِراحٍ لا تَلاحٍ. ونُهْزَةُ شُرْبِ راحٍ لا كِفاحٍ. فعَدِّ عمّا بَدا. إلى أنْ نتَلاقَى غَدا. ففارَقْتُه فرَقاً منْ عربَدَتِه. لا تعلُّقاً بعِدّتِه. وبِتُّ ليلَتي لابِساً حِدادَ النّدَمِ. على نقْلي خُطَى القدَمِ. إلى ابنَةِ الكرْمِ لا الكرَمِ. وعاهدْتُ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أن لا أحضُر بعدَها حانَةَ نَبّاذٍ. ولو أُعطيتُ مُلكَ بغداذٍ. وأنْ لا أشهدَ معصَرَةَ الشّرابِ. ولو رُدّ عليّ عصْرُ الشّبابِ. ثمّ إنّنا رحّلْنا العِيسَ. وقتَ التّغليسِ. وخلّيْنا بينَ الشيّخَينِ أبي زيدٍ وإبليسَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
محمد منسى
المشرف العام
المشرف العام
محمد منسى


عدد الرسائل : 20175
العمر : 45
الموقع : منتديات ابو ريوف
تاريخ التسجيل : 26/03/2008

مقامات  الحريري » Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقامات الحريري »   مقامات  الحريري » I_icon_minitimeالسبت 23 يوليو 2016 - 17:03




المقامة الحلبية
روى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: نزعَ بي إلى حلَبَ. شوْقٌ غلَبَ. وطلَبٌ يا لهُ من طلَبٍ! وكنتُ يومَئِذٍ خَفيفَ الحاذِ. حَثيثَ النّفاذِ. فأخذْتُ أُهبَةَ السيرِ. وخفَفْتُ نحوَها خُفوفَ الطّيرِ. ولمْ أزَلْ مُذْ حلَلْتُ رُبوعَها. وارْتبَعْتُ ربيعَها. أُفاني الأيّامَ. في ما يَشْفي الغَرامَ. ويُرْوي الأُوامَ. إلى أنْ أقْصرَ القلْبُ عنْ وَلوعِهِ. واسْتَطارَ غُرابُ البينِ بعْدَ وقوعِهِ. فأغْراني البالُ الخِلْوُ. والمرَحُ الحُلوُ. بأنْ أقصِدَ حِمْصَ. لأصْطافَ ببُقعَتِها. وأسبُرَ رَقاعَةَ أهلِ رُقعتِها. أفْرَعْتُ إليْها إسْراعَ النّجْمِ. إذا انْقَضّ للرّجْمِ. فحينَ خيّمتُ برُسومِها. ووجَدْتُ رَوْحَ نَسيمِها. لمحَ طَرْفي شيْخاً قد أقبلَ هَريرُهُ. وأدبَرَ غَريرُهُ. وعندَهُ عشَرَةُ صِبْيانٍ. صِنْوانٌ وغيرُ صِنْوانٍ. فطاوَعْتُ في قصْدِهِ الحِرصَ. لأخبُرَ بهِ أُدَباءَ حِمصَ. فبَشّ بي حينَ وافَيتُهُ. وحيّا بأحسَنَ ممّا حيّيتُهُ. فجلسْتُ إليْهِ لأبلوَ جنى نُطقِهِ. وأكْتَنِهَ كُنْهَ حُمقِهِ. فما لبِثَ أنْ أشارَ بعُصَيّتِهِ. إلى كُبْرِ أُصَيْبِيَتِهِ. وقال لهُ: أنشِدِ الأبياتَ العَواطِلَ. واحْذَرْ أن تُماطِلَ. فجَثا جِثوَةَ ليْثٍ. وأنشدَ منْ غيرِ ريْثٍ:
أعْدِدْ لحُسّادِكَ حـدّ الـسّـلاحْ *** وأوْرِدْ وِرْدَ الـسّـمـــاحْ
وصارِمِ اللّهْوَ ووصْلَ المَـهـا *** وأعمِلِ الكومَ وسُمرَ الرّمـاحْ
واسْعَ لإدْراكِ محَـلٍّ سَـمـا *** عِمـادُهُ لا لادّراعِ الـمِـراحْ
واللهِ ما السّؤدُدُ حسْوُ الـطِّـلا *** ولا مَرادُ الحَمـدِ رُودٌ رَداحْ
واهاً لـحُـرٍّ واسِـعٍ صـدرُهُ *** وهمُّهُ ما سَرّ أهْلَ الصّـلاحْ
مورِدُهُ حُـلـوٌ لـسـؤّالِــهِ *** ومالُهُ ما سـألـوهُ مُـطـاحْ
ما أسـمَـعَ الآمِــلَ رَدّاً ولا *** ماطَلَهُ والمطْلُ لؤمٌ صُـراحْ
ولا أطاعَ اللّهْـوَ لـمّـا دَعـا *** ولا كَسا راحاً لهُ كـأسَ راحْ
سوّدَهُ إصْـلاحُـهُ ســـرَّهُ *** ورَدْعُهُ أهْواءهُ والطِّـمـاحْ
وحصّلَ المدْحَ لـهُ عـلـمُـهُ *** ما مُهِرَ العورُ مُهورَ الصِّحاحْ
فقال لهُ: أحسَنتَ يا بُدَيرُ. يا رأسَ الدّيرِ! ثمّ قالَ لتِلوِهِ. المُشتَبِهِ بصِنْوِهِ: ادنُ يا نُوَيرَةُ. يا قمَرَ الدُوَيرَةِ! فدَنا ولمْ يتَباطا. حتى حلّ منهُ مقْعَدَ المُعاطى. فقال لهُ: اجْلُ الأبْياتَ العَرائِسَ. وإنْ لمْ يكُنّ نَفائِسَ. فبَرى القلَم وقَطّ. ثمّ احْتَجَرَ اللّوْحَ وخطّ:
فتَنَتْني فجنّنَتْنـي تـجَـنّـي *** بتَجنٍّ يفْتَنّ غِبَّ تـجَـنّـي
شغَفَتني بجَفنِ ظَبْيٍ غَضيضٍ *** غنِجٍ يقْتَضي تغَيُّضَ جَفْنـي
غَشيَتْني بزِينتَينِ فـشـفّـتْـ *** ني بزِيٍّ يشِفّ بينَ تثَـنّـي
فتظَنّيتُ تجْتَبيني فتـجْـزيـ *** ني بنَفْثٍ يشْفي فخُيّبَ ظنّي
ثبّتَتْ فيّ غِشّ جيْبٍ بتَـزْييـ *** نِ خَبيثٍ يبْغي تشَفّيَ ضِغْن
فنَزَتْ في تجنّي فـثـنَـتْـ *** ني بنَشيجٍ يُشْجي بفَنٍّ ففَـنّ
فلمّا نظرَ الشيخُ إلى ما حبّرَهُ. وتصفّحَ ما زبَرَهُ. قال له: بورِكَ فيكَ منْ طَلاً. كما بورِكَ في لا ولا. ثمّ هتَفَ: اقْرُبْ. يا قُطْرُبُ. فاقْتَرَبَ منهُ فتًى يحْكي نجْمَ دُجْيةٍ. أو تِمْثالَ دُميةٍ. فقال لهُ: ارْقُمِ الأبْياتَ الأخْيافَ. وتجنّبِ الخِلافَ. فأخذَ القلَمَ ورقَمَ:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://mohammed.mansy@yahoo.com
 
مقامات الحريري »
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأحدب: الحريري لديه جواب وحيد... لا تقلق. سلسلة فضائح جديدة تنشرها ويكيليكس. الحريري: لنتخلّص من بشّار وبديله خدّام و«الإخوان» وفتفت يعتبر أن حزب الله مشكلة خارجية لا داخلية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع ومنتدبات ابو ريوف  :: المنــتديــات العامه :: منتدى همسات وخواطر-
انتقل الى: