رحيل مارلون براندو: هل يستحق الحديث عنه؟

رحيل مارلون براندو: هل يستحق الحديث عنه؟

اقتباس :

رحيل مارلون براندو: هل يستحق الحديث عنه؟


مات مارلون براندو، أحد أشهر الممثلين في العالم على مدى النصف الثاني من القرن العشرين، وأكثرهم إثارة للجدل..

مقدمة
كإسلاميين، ربما، نرفض القراءة أو الحديث عن الممثلين الأميركيين، نظراً لما في السينما من تجاوزات شرعية، سأتجاوز عنها في هذا المقال.
وكأمريكي، ربما لن نطيق الحديث عنه، نظراً لما نحمل في الشرق من كراهية لأمريكا، ومن لفّ لفّها.
وكممثل من هوليوود، ذات السيطرة اليهودية الصهيونية، قد لا نستطيع تجرع أو ((بلع وهضم)) الحديث عن أحد أبرز نجوم هذه المدينة ((المشبوهة)).
ولكن.. تعالوا نستقرئ حياة هذا الممثل في السياسة الأمريكية ومواقفه المبنية عن رفضه الظلم. الذي لن نهتم هنا بنجوميته ومغامراته بقدر الاهتمام بمواقفه.

من هو براندو؟
من مواليد العام 1924، بدأ التمثيل في بداية الخمسينات، وحصل على جائزتي أوسكار، ولعب دور البطولة في أحد أشهر الأفلام في تاريخ هوليوود ((العراب)). وتوفي في 1-7-2004، هذا هو باختصار تاريخ حياته..
ولكنه منذ أن بدأ التمثيل لم يترك سنة تمرّ من دون أن يترك بصمة في عالم التمثيل. كان ثائراً دائماً، رافضاً لهوليوود وطقوسها السياسية والعلاقات العامة. كان مستقلاً برأيه كارهاً للشهرة، يتنقل في مطارات العالم متخفياً. لم يكن يمثل من أجل المال فقط. اخترع نوعاً جديداً من التمثيل..
هذا التمثيل الذي قال عنه مرة برنارد شو: أن أفضل ممثل هو الذي لا يمثل!!. أي أن تتصرف كأنك تتحرك أمام الكاميرا بشكل طبيعي، بعيداً عن مسرحة الحركات والأداء. لم يكن يحفظ النص بحذافيره، ولا ينظر إلى الكاميرا، بل كانت الكاميرا تلحقه.. وتبعه بالأسلوب ذاته بعض أشهر ممثلي هوليوود (بول نيومان، آل باتشينو، روبرت دينيرو، داستن هوفمان وغيرهم..).
جسد قباحة أمريكا وظلمها للشعوب الثائرة، حاول تمثيل شخصيات الثوار في العالم مثل المكسيكي زاباتا، حتى في زواجه رفض الزواج من نساء الشعوب البيضاء، وتزوج هندية أو مكسيكية أو ملونة. بل إنه طلق إحدى زوجاته بعد اكتشافه أنها ليست هندية الأصل، بل إنها من ويلز.

مواقفه السياسية
في الأريعينات، عندما قام هوليوود بجمع التبرعات للعدو الصهيوني، انهمك (انطلاقاً من مبادئه، وضحية لجهله بالحقيقة) بجمع التبرعات للدولة واليهود ((المساكين الذين سيرميهم جيرانهم في البحر)).
ولكنه أدرك الحقيقة بعد أكثر من عشر سنوات، وحاول التكفير عن ما فعله.. فهو قام بزيارة للمخيمات الفلسطينية في لبنان في بداية الستينات، وقال عن تلك الزيارة: شاهدت للمرة الأولى الشعب الممزق يعيش في تلك المخيمات. وعندها قلت يا إلهي ما الذي كنت أفعله؟
تغير موقف براندو من الصراع العربي الصهيوني، وبدأ يميل إلى تأييد المظلمة الفلسطينية التي غيبها الإعلام عن عيون الأمريكيين.
صحيح أنه لم يكن معادياً للسامية، إلا أنه كان يدرك خطر اللوبي اليهودي الأخطبوطي على هوليوود، ولم يكن لديه طموحات سياسية يخاف عليها، كما هو حال معظم الممثلين الطامحين سياسياً. وقد أطلق تصريحات يعارض فيها السيطرة اليهودية على هوليوود، وقامت عليه الأقلام والتصريحات، ولم تهدأ حتى خرج على السي أن ان مع البرنامج الأشهر (لاري كينغ) ليقدم اعتذاره وتبريره عن ما قاله. وقد كان يرزح تحت الديون مصاريف المحاكم والقضاء للدفاع عن ابنه بسبب جريمة قتل، وبحاجة للمال الذي لا يأتيه إلا بالتمثيل.
كما أن من المعروف أن تمثيله لفيلم فيفا زاباتا، في مجمله كان تضامناً مع ثورة الزاباتيين في المكسيك. ومثل أكثر من دور يناصر فيه مثل هذه القضايا، كقضية الهنود الحمر والإبادة التي تعرضوا لها، حتى إنه رفض استلام الأوسكار الثاني عن فيلم العراب، احتجاجاً على الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر، والمعاملة العنصرية التي ما زالوا يتعرضون لها. وأرسل مكانه فتاة هندية مع رسالة احتجاج قرأتها في الحفل.

مشروعه الأخير
كان المخرج التونسي رضا الباهي يسعى لإنتاج فيلم عن براندو وتأثره به، والتقى به في الولايات المتحدة، وأبدى براندو إعجابه بالباهي لأنه جاء إلى هوليوود لإنتاج فيلم ((من دون أن يكون يهودياً)).
كان الفيلم – في إشارات متفرقة- سيلفت إلى مناصرة براندو للقضايا والمظالم العالمية ضد الاستعمار (من المكسيك إلى الهنود الحمر إلى القضية الفلسطينية).
نقطتان قبل الختام:
1- كعادة العرب، وكما تسلبنا نظرية المؤامرة، يسلبنا أيضاً خلق الأمجاد للموتى، (كالأساطير التي نسجناها عن بروس لي بعد موته)، أرجو أن لا يكون هذا المقال قد لعب هذا الدور.
2- مشكلة براندو انه لم يكن شخصاً مثالساً في حياته، بل كان بوهيمياً نوعاً ما، عدا عن حملات التشويه التي تعرض لها في السابق. وهناك شخصيات محترمة في هوليوود الآن مثل المخرج أوليفر ستون والممثلين مارتن شين وشون بين وفال غيلمار وحتى.. ريتشارد غير..

ثم ماذا؟
عرفنا ما عرفناه الآن، وندمنا على عدم مناصرته في أزمته التي انتهت باعتذاره عن أقواله، ربما.
عرفنا متأخرين، هل كان يستحق منا كلمة شكر قبل أن يموت؟ هل كان يجب أن نستغل تعاطفه؟ هناك كثير من الممثلين الأمريكيين والعالميين يناصرون قضايانا، هل ما زال حراماً علينا الحديث معهم والتواصل؟ هل علينا أن ننتظر موت الآخرين حتى نكيل إليهم المديح؟ وهل ما زال التمثيل ميداناً محرماً علينا؟ وهل ما زال عالم النجوم وصناعتهم بالنسبة إلينا من المناطق المحرمة؟ هل يجب أن نبقى سلبيين تجاه الغرب وكل أدواته؟
الأمر بحاجة إلى وقفة وقراءة وتقييم ثم صحوة.