أسوأ عام مر على العرب

1948
هو أسوأ عام مر على العرب بشكل خاص والمسلمين بشكل عام منذ سقوط الأندلس .. وقد أورثهم من وقتها جرحاً لازالو يتألمون منه إلى اليوم ..

ولكن القصه بدأت قبل هذا بكثير .. فعندما تولى السلطان عبد الحميد الثاني .. الذي كان يلقب بالملك العظيم وهو لقب يستحقه بكل تأكيد .. كانت الدوله العثمانيه تحتضر وتعيش أسوأ أيامها .. لكنه استطاع أن يقهر كل الظروف ويحقق نجاحات كبيره في أطراف الإمبراطوريه .. من أهمها أنه وقف حجرة عثر في وجه اليهود عندما حاولوا الإستيلاء على فلسطين .. فبعد مؤتمر بازل المشؤوم .. أمطر الصحفي هرتزل - صاحب فكرة إحتلال فلسطين - عشرات الرسائل للسلطان عبد الحميد طالباً منه أن يسمح بانتقال اليهود وتهجيرهم من أنحاء العالم والإستقرار في فلسطين .. لكن السلطان عبد الحميد تجاهله تماماً وقال : (((أنصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة))

رفضه القاطع للفكره .. وإنضمام الدوله العثمانيه لألمانيا في الحرب العالميه الأولى عجلت بإطاحته .. وإطاحة الإمبراطوريه العثمانيه كأمر بديهي وطبيعي .. ثم عزل ونفي حتى توفي في عام 1918 وقد رثاه الشاعر الكبير أحمد شوقي بقصيدته المشهوره :
ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح

عندها كانت الدول العربيه مطمعا للدول الإستعماريه ..فقد تناوشتها فرنسا وبريطانيا كقطع لحم نيه تنهشها الذئاب .. وكانت فلسطين من نصيب بريطانيا .. هذا ماجعل أطماع اليهود تتجدد بقوه وتتضاعف عشرات المرات فهم قوم لاينسون أبداً ولايكلوا أو يملوا مهما طال الأمد .. وقتها أرسل بلفور وعده المشؤوم .. الذي كان وعداً لمن لايملك لمن لايستحق .. لكن اليهود رددوا وقتها مقولتهم التي أخذت صدى إعلامي لاتستحقه بأن فلسطين أرض بلاشعب لشعب بلا أرض .. وبعدما انقضى الانتداب البريطاني لفلسطين كانت الميلشيات اليهوديه تعشعش في أنحاء فلسطين كالفطريات .. أصدرت بعدها الأمم المتحده قراراً يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين .. عربيه ويهوديه .. الأمر الذي عارضته بشده الدول العربيه وقررت أن تخوض الحرب لطرد هذه المليشيات ..

خاض هذه الحرب كل من المملكه العربيه السعوديه ومملكة مصر ومملكة الأردن ومملكة العراق وسوريا ولبنان ضد ميليشيات وعصابات البلماخ والارجون والهاجانه والشتيرن .. كانت قلوب العرب جميعاً مع من كانوا في فلسطين ويدعون الله أن يكون النصر حليفهم .. وقد خاضت هذه الجيوش معارك متعدده وشرسه في أنحاء فلسطين .. عندها رأت الجامعه العربيه أن الجيوش العربيه كانت تبلي بلاء حسناً لكنها غير مستعده لخوض حرب طويله .. وعليه فقد شكلت جيش أسمته جيش الإنقاذ ومولته بمليون جنيه استرليني .. كان العرب وقتها قادرين على طرد اليهود شر طرده .. لكن عوامل عديده وقفت ضدهم .. ومن أهمها الفساد .. ففي جيوش إحدى الدول إكتشفوا بأن بنادقهم فاسده عن سبق إصرار وترصد .. وفي أخرى كانت أوامر كبار قادتهم مخالفه لمعطيات المعركه وتدعو للاستسلام بشكل غريب .. فضلاً على أن الهدنه التي فرضتها الأمم المتحده قلبت الموازين لصالح المليشيات الصهيونيه .. فقد تم تزويدها سراً بأحدث الأسلحه والمعدات وبعض المتطوعين .. لكي يستمر القتال سجالاً بين الطرفين .. حتى حانت اللحظه المتوقعه وانهزم العرب داخلياً قبل أن ينهزموا خارجياً ..

هي بالتأكيد صفحه مؤلمه من التاريخ .. لكن هناك بعض الحقائق التي نسيها أو تناساها البعض .. ففي وقت الحرب وبدون تردد أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بإرسال مقاتلين إلى فلسطين خلال 24 ساعه .. وعلى الرغم من تواضع مهارات ومقدرات أفراد الجيش السعودي كون السعوديه دوله حديثه وقتها ولاتمتلك خبرات جاراتها العربيه .. لكن هذا لم يمنع أبناء المملكه من تلبية نداء الواجب لإخوه يجمعنا فيهم روابط الدين واللغه والدم .. فقد توجه مايقارب 4000 فرد وفي روايات أخرى أقل من هذا العدد بقليل إلى فلسطين بعتادهم ومعداتهم بقيادة العقيد سعيد بيك الكردي والوكيل عبد الله بن نامي .. وبشهادة الصحفي المرافق للجيش شكيب الأموي .. قدم الجيش السعودي أروع معاني التضحيه والاستبسال في الدفاع عن أرض فلسطين .. وذلك في معاركه مع الجيش المصري جنباً إلى جنب .. لكن حدثت لهم بعض الخيانات من أطراف أخرى كانوا يعتقدون أنهم في صفهم .. للأسف الشديد .. ولا أريد الخوض كثيرأ في هذه النقطه ..

مادعاني لكتابة هذا الموضوع هو ماقاله دكتور فلسطيني صفيق على إحدى القنوات (( شو قدمت السعوديه للقضيه غير كم مليون هي بتكسب اضعاف اضعافها؟؟)) وبالتأكيد هو لايمثل الفلسطينيين لكنني قابلت البعض ممن يؤمن بما قاله هذا الدكتور كأنه مسلمه مفروغ منها ..

مؤلم كلامه أليس كذلك ؟؟

لكن ماهو مؤلم أكثر من كلامه وسخرية محمد حسنين هيكل المتكرره هو أن هناك الكثير من أبناء هذا البلد لايعرف هذه الأحداث وحقيقة مشاركة الجيش السعودي الذي شهد لها الجميع وقتها بالكفاءه والصمود .. والغريب أن شهداء الحرب من الجيش السعودي لم يذكروا كثيراً وكأنهم أصبحوا نسيا منسياً .. إنهم أبطال حتى وإن غفل عنهم التاريخ وتجاهلهم .. أتوا من شمال المملكه وجنوبها وغربها وشرقها .. تاركين أهاليهم وأولادهم خلفهم ذاهبين إلى حرب لم يكونوا يعرفون مصيرهم أبداً فيها ..

في الذكرى الثانيه والستين لإستشهادهم لابد من وقفه لهؤلاء الأبطال .. وقفة وفاء لاتوفيهم حقهم بالتأكيد .. ولكنها محاولة بسيطة لنسح الغبار عن صفحات التاريخ .. وتخليد لذكرى أشخاص نزفوا دمائهم الطاهره على أرض لم يرضوا أبداً أن يروها محتله ويقفوا مكتوفي الأيدي .. نسأل الله أن يتقبلهم ويغمد عليهم واسع رحمته ..