الملخص
?ان ابن الفارض من الشعراء الصوفيين المصريين الذين قدموا في هذا المجال آثاراً قيمة، وبيّنوا فيها أصول الطريقة ومبادئها لطالبي أهلها. هذا المقال يحاول تعريف القارئ علی حياة وآراء ومذهب هذه الشخصية الصوفية المصرية. ويشتمل علی مبحثين ويتناول المبحث الأول حياة ابن الفارض وسيرته والمبحث الثاني يشتمل علی الحديث عن آرائه ومذهبه الصوفي.
الباحثة: طاهرة ?رباسفروشها طالبة بجامعة آزاد الإسلامية في ?رج في فرع اللغة العربية وآدابها.
ال?لمات الدليلية: ابن الفارض، الحب الإلهي، الحقيقة المحمدية، الوحدة الشهود والوحدة الوجود،
التمهيد:
البحث في الأدب العربي، وخاصة في الأدب الصوفي سوف يعرفنا على الشعراء الذين امتلأت حياتهم بالحب الإلهي. ومن بينهم يم?ن الاستشهاد بعمر بن الفارض الذي بدأ بداية سلو?ه الصوفية مع أبيه مع مساعدة شيخه ومرشده الشيخ بقال. ولهذا بدأ بإنشاد القصائد التي لايذوق حلو مذاقها إلا سال? طريق الحق والمعرفة.
يعد ابن الفارض المصري الملقب ب (سلطان العاشقين) من أ?ابر الشعراء الصوفية والعربية وأبرزهم بلا منازع، وله ديوان شعر بما في ذل? من عيون المعارف والحقائق الإلهية ومن قصائده التائية ال?بری وهي من أفضل أناشيد المحبة الإلهية وفيها آراء حول الحب الإلهي ومراحله والحقيقة المحمدية أو قطب الأ?بر ووحدة الأديان ووحدة الشهود ووحدة الوجود والجمال الإلهي المطلق.
المبحث الأول: حياة ابن الفارض وسيرته
اسمه ولقبه :
يتّفق المترجمون على أنّ اسمه «عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي» وكنيته «أبوحفص» و«أبوالقاسم» وينعت بشرف الدين ويعرف بابن الفارض. [1].لقد ذكر حول لقبه بابن الفارض : « الفارض : بفتح الفاء وبعد الألف راء مفتوحة وبعدها ضاد معجمة، وهو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال ». [2] « وأنّ أبا الشاعر كان يقوم بإثبات هذه الفروض فغلب عليه التلقيب بالفارض وعرف ابنه بابن الفارض ». [3]
مولده ووفاته:
اختلفت الآراء حول مولد ابن الفارض فقد قال ابن خلكان : « كانت ولادته في الرابع من ذي القعدة سنة ست وسبعين وخمسمائة ( 576 هـ ) بالقاهرة » [4]
ويرى ابن العماد بأنّه « ولد في ذي القعدة سنة ست وستين وخمسمائة ( 566 هـ ) » [5]. أما مصطفى حلمي الذي بحث كثيراً في هذا الموضوع فكانت وجهة نظره بهذه الصورة : « هذا كله من شأنه أن يسلمنا الى نتيجة نهائية، هي أننا نرجح التاريخ الأول وهو ما يذكره ابن خلكان، وذلك لأنّ ابن خلكان، بحكم معاصرته لابن الفارض يمكن أن يعدّ أوثق مصدر في هذه المسألة، وأكثر تحقيقاً لها من غيره ». [6]
وأما في تاريخ وفاته، قد اتّفق جميع المترجمون على أنّه توفي في الثاني من جمادی الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ( 632 هـ ) ودفن بالقرافة بسفح جبل المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف بالعارض الذي هو أعلى جبل المذكورة. [7]
أبوه :
فقد ذكر المترجمون عن والد ابن الفارض أنّه من أ?ابر علماء مصر و يلزم ولده ( الشيخ رضي الله عنه ) بالجلوس معه في مجالس الح?م و مدارس العلم. [8]
وقد كان زاهداً وورعاً، اتخذ زهده وورعه صورة عملية في آخر حياته حين نزل عن الحكم، ورفض منصب قاضي القضاة واعتزل الناس، وانقطع الى الله في قاعة الخطابة بالازهر. [9]
فلذا نستطيع القول بأنّ والد ابن الفارض قد شارك في بيئته العلمية والأدبية، فقد أمضى ابن الفارض المرحلة الأولى من عمره تحت إشراف والده وتثقّف عنده كما تأثّر في حياته الفكرية والروحية تأثراً عميقاً بنسك وتقشّف والده ورفضه لمنصب قاضي القضاة من قبل الملك العزيز. حيث يقول مصطفى حلمي: «نلاحظ هنا أنّ هذه النزعة ألى الزهد في جاه المنصب لابدّ أن يكون لها أثرها في حياة ابن الفارض نفسه، وأن يكون أبوه هو الذي ألقى بذورها في قلبه، هذه البذور التي نمت وأينعت فكانت لها الثمرات التي أثّرت في أطوار حياة ابن الفارض لاسيما الطور الأول منها ». [10]
أصله وموطنه :
أجمع الذين ترجموا لابن الفارض على أنّه حموي الأصل، مصري المولد والدار والوفاة. [11]« ولد بمصر، ونشأ فيها، وترعرع في ظلّها، وأقام الشطر الأكبر من حياته بها، ودفن بأرضها، فهو مصري في مولده، مصري في نشأته وتربيته، مصري في حياته ومماته ». [12]
وقال عبدالرحمن جامي بأنّه من قبيلة بني سعد، قبيلة حليمة السعدية التي أرضعت رسول الله. [13] يذكر لنا الشيخ عليّ عن ولد شاعرنا بأنّه قال: «رأيت الشيخ رضي الله عنه نائماً وهو يقول: صدقت يا رسول الله (ص) واستيقظ من نومه وسألته عن سبب ذلك فقال: يا ولدي رأيت رسول الله في المنام وقال لي: يا عمر لمن تنتسب فقلت: يا رسول الله انتسب إلى بني سعد قبيلة حليمة السعدية فقال: لا بل أنت منّي ونسبك متصل بي». [14]
حياته:
لقد قسّم الباحثون والمترجمون حياة ابن الفارض الروحية والفكرية والصوفية الى ثلاثة أطوار: [15]
الطور الأول، أيام شبابه :
قد اهتمّ شاعرنا في هذه المرحلة من حياته بالزهد والتقشّف والعبادة والقناعة وتثقّف تحت إشراف والده وتفقه على المذهب الشافعي، ويشير الشيخ عليّ سبطه إلى زهده في شبابه قائلاً : « كنت في أول تجريدي، أستأذن والدي وأطلع الى وادي المستضعفين بالجبل الثاني من المقطم وآوي فيه وأقيم في هذه السياحة ليلاً ونهاراً ». [16]
ويصرّح ابن العماد بأنّه « نشأ تحت كنف أبيه في عفاف وصيانة، وعبادة وديانة، بل زهد وقناعة وورع أسدل عليه لباسه وقناعه، فلمّا شبّ وترعرع اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم حبب إليه الخلاء وسلوك طريق الصوفية فتزهد وتجرد ». [17]
ومن الأمور التي يجب أن نعتني بها في فترة شبابه هي : إنّ الشاعر كان متأثراً بعصره فكرياً وروحياً وذلك العصر الذي انتقلت الخلافة من الفاطمية الشيعية الى الأيّوبية السنّيّة. فالنظام الدينيّ في مصر والشام، أصبح خاضعاً لمذهب أهل السنة. كما أقبل الناس على الزهد والتقشّف بسبب استبداد السلاطين والحكام وظلمهم وحروب الصليبيين والبلايا الطبيعية كالطاعون وانخفاض مياه النيل.
[18] وكذلك من الملاحظ أنّ فترة حياة الشاعر كانت قد تزامنت مع التيارات الصوفية المختلفة ومن أهمّها تياران: التيار المحافظ على التعاليم الدينية المأخوذة من الكتاب والسنة وتنفيذ الأحكام والعبادات، والتيار غير المحافظ على التعاليم الدينية وعدم التحفظ بأصولها ومبادئها.
ويشير مصطفى حلمي الى موقف الشاعر حول التيارين السابقين قائلاً بأنه « يمثل التيار الأول مع استثناء بعض أبيات الشاعر توهم في ظاهرها الخروج عن الشرع، ولكنها في حقيقتها ضرب من الشطح الذي يصدر فيه عن الواقع تحت سلطانه أقوال غريبة تبدو في ظاهرها مخالفة كل المخالفة لما جاء به الدين واحتوت عليه تعاليم الكتاب والسنة ». [19]
الطور الثاني : مغادرته إلى الحجاز بإشارة من أبي الحسن البقّال وبداية الفتح :
هناك رواية عن سبب مغادرته إلى الحجاز، نقلها الشيخ علي عن ابن الفارض: « دخلت المدرسة السيوفية،فوجدت رجلاً شيخاً بقّالاً يتوضّأ وضوء غير مرتّب...، فقلت له : يا شيخ أنت تتوضأ وضوءاً خارجاً عن الترتيب الشرعي، فنظر إليّ وقال : يا عمر أنت ما يفتح عليك في مصر، وإنما يفتح عليك بالحجاز في مكة ». [20]
يتعجب ابن الفارض ويقول : « يا سيدي وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركباً ولا رفقة في غير أشهر الحج؟ فنظر إليّ وأشار بيده، وقال : هذه مكة أمامك فنظرت معه فرأيت مكة شرّفها الله فتركته وطلبتها فلم تبرح أمامي إلى أن دخلتها في ذلك الوقت وجاءني الفتح حين دخلتها فترادف ولم ينقطع ». [21]
وقد كان ابن الفارض منشغلاً بالعبادة في أرض الحجاز وبوادي مكة بمدّة خمسة عشر عاماً. [22]ويقول مصطفى حلمي في أهمية هذه الفترة من حياة ابن الفارض: « إنّ أهمية هذا الطور لا ترجع الى ما تمتاز به الحياة الصوفية لابن الفارض من الفتح والكشف فحسب، وإنما هي ترجع أيضاً، إلى ما نظمه الشاعر فيه من شعر تبدو عليه المسحة البدوية، وتتردّد في أبياته الصور الحجازية ». [23] ومنها القصيدة التي مطلعها: