مواجهة "داعش" تشعل حرب المحاور بين "ايران" و"السعودية"
طباعة
تشهد منطقة الشرق الاوسط العديد من المؤتمرات والندوات حول مواجهة الإرهاب، والتطرف والتشدد، في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وبات ذلك واضحًا من خلال استضافة العاصمة البحرينة المنامة لمؤتمر دولي "تجفيف منابع وتمويل الجماعات الارهابية"، كما عُقد مؤتمر آخر في سوريا حول مواجهة الارهاب ومؤتمر ثالث في القاهرة حيث نظم الازهر مؤتمرا دوليا بحضور علماء المذاهب الاسلامية والمسيحية لمواجهة التطرف والتشدد والارهاب وكلها تأتي لمواجهة خطر واحد، ولكن أبرز ما في هذه المؤتمرات انها حملت قاسما مشتركا وهو القاء الاتهامات علي اطراف اخرى
فقد حملت مؤتمرات ايران ونظام الرئيس السوري بشار الاسد مسؤولية انتشار الجماعات الجهادية ، في المقابل حملت ايران وسوريا دول الخليج وعلمائهم دعم وتمويل الارهاب.
اجتماع ثلاثي :
فيما يبدو ان سياسية الاصطفاف والاصطفاف المضاد ظهرت جليا في المؤتمرات التي ناقشت الارهاب، فمع اعلان مشاركة اغلب دول الخليج العربي في التحالف الدولي لمحاربة "داعش" ظلت ايران وتركيا خارج التحالف، ولكن بصور متفاوتة.
فقد دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني دول المنطقة التي دعمت الإرهاب إلى التبرؤ منه وقطع دعمها عنه، وفي افتتاح أعمال مؤتمر "عالم خال من العنف والتطرف" بحضور ممثلين عن أربعين دولةً في طهران، قال روحاني "إن التعاون بين دول المنطقة كفيل بالقضاء على داعش دون تدخل أجنبي وفي مدة زمنية قصيرة" مضيفاً أن "التدخلات الأجنبية الجارية في المنطقة هي نوع من الاستعمار الحديث". كما دعا روحاني إلى إعادة النظر في هيكلية المنظمات الدولية التي حملها جزءاً من مسؤولية التطرف.
علي هامش المؤتمر عقد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع نظيريه السوري وليد المعلم والعراقي ابراهيم الجعفري، اجتماعا ثلاثيا في العاصمة الايرانية طهران، تناول المخاطر الجماعية التي تشهدها الدول الثلاث والتي تستدعي تعاونا اكبر وتنسيقا على كافة الاصعدة، بمشارك مسؤولون في مجلس الأمن القومي، و «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني.
ويشكل المحور الثلاثي رسالة قوية للدول التي ساهمت بدعم وتسليح الارهاب والتي تسعى للاستفادة من عنوان محاربته في اطار التحالف الاميركي الذيلم يحقق اي انجاز يذكر. بينما اثبتت الدول التي تعاني من الارهاب لا سيما سوريا والعراق وبالتعاون والدعم من ايران قدرتها على مواجهة الجماعات الارهابية دون الحاجة الى اي تدخل اجنبي.
الاجتماع يؤسس استراتيجية موحدة لمواجهة جدية مع الارهاب في المنطقة، وبالتالي يضع اطارا موحدا لهذه المواجهة، وهو امر لطالما شددت عليه ايران مؤكدة ان التعاون بين الدول المعنية بمحاربة الارهاب هو الكفيل بايقاف مد الجماعات الارهابية.
هذا التنسيق والتعاون يعكس حجم الدور الذي يلعبه المحور الايراني العراقي السوري بالمنطقة. خاصة وانه يضم الدول التي عانت وتعاني من الارهاب اي سوريا والعراق اضافة الى ايران. وهو ما يشكل رسالة قوية يصل صداها لكافة الدول التي دعمت وسلحت ومولت الارهاب كالسعودية وتركيا، والتي سارعت بعنوان مكافحته لتسجيل اسمائها ضمن تحالف اميركي اثبت فشله منذ بدء غاراته الجوية وعجزه عن تحقيق اي انجاز يذكر ان في العراق او سوريا.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم: "وما يعزز الدور الذي يضطلع به هذا المحور الانتصارات التي التي تحققها القوات السورية والعراقية دون الحاجة الى اي دعم خارجي. فيما تقطع هذه الانتصارات الطريق امام سعي اقطاب التحالف الاميركي لتمرير مشاريعها المتمثلة بتدخل عسكري خاصة في العراق تحت تسميات مواجهة داعش".
كما قال وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري: "وفي انتظار انعكاسات الاجتماع الثلاثي على مكافحة الارهاب، تقبل المنطقة على مرحلة ستحدد مسار الامور فيها بين محورين الاول يستفيد من وجود الارهاب كما يستغل عنوان محاربته لتحقيق مصالحه. ومحور يتبنى موقفا واستراتيجية موحدة وجدية لمواجهة الجماعات الارهابية بعد ان عانى من ممارستها على مدى سنوات".
عشائر سنية وفصائل فلسطينية ولبنانية وعراقية
الامور لم تتوقف عند الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية، بل ان ايران تسعي الي احياء دورها في دعم الفصائل الفلسطينية كحركتي حماس والجبهة الشعبية، بالإضافة الي الاعلان عن توجه وفد من العشائر السنية العراقية الي ايران لبحث الدعم.
فاللقاء الثلاثي في طهران بحث تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة الحركات التكفيرية والمتطرفة، بمشاركة فصائل عراقية وفلسطينية ولبنانية قريبة من طهران وصلوا إلى إيران لتنسيق المواقف في إطار هذا التحالف الذي ترعاه حكومة خامئني.
فقد ووصل وفد حركة "حماس" إلى طهران يوم الإثنين، في زيارة رسمية تستغرق يومين، ويرأس الوفد عضو المكتب السياسي لحماس محمد نصر، وعضوية كل من ماهر عبيد، جمال عيسى، أسامة حمدان، وممثل حماس في طهران خالد القدومي.
و قال رئيس وفد حماس محمد نصر، عضو المكتب السياسي للحركة، إن حركته معنية بتعزيز علاقاتها التاريخية مع إيران، وهذا ينبع من إدراك عميق لدى الطرفين حول أهمية التواصل والعمل الجاد، لتجاوز الظروف الحساسة والدقيقة، التي تمر بها الأمة والمنطقة بما يخدم القضية الفلسطينية، ومصلحة الأمة الإسلامية.
وأكد نصر لـ "المركز الفلسطيني للإعلام"، أن وفد حماس التقى خلال زيارته طهران، بالمسئولين الإيرانيين، وناقش معهم تطورات الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى المبارك، وتداعيات العدوان اﻵثم على قطاع غزة صيف 2014، وإغلاق المعابر وتعطيل الإعمار، واستمرار الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني في القطاع.
وهناك استعدادت ايرانية تجهز لاستقبال وفدا من زعماء العشائر السنية بمحافظة الانبار العراقية برئاسة حميد الهايس رئيس مجلس «إنقاذ الأنبار» والتي من المتوقع ان تصل ايران قريبا.
نفوذ ايراني:
مع الاجتماع الثلاثي، خرج مساعد وزير الخارجية في الشؤون العربية والافريقية حسين امير عبداللهيان، بتصريحات صحفية تشير الي التأكيد علي نفوذ ايران في المنطقة وتحكمها في العملية السياسية الامينة عبر الجماعات والانظمة التي تدعمها في مختلف البلدان العربية وهو ما كان يصفه الخبراء والمراقبون بالهلال الشيعي من اليمن جنوبا وحتي لبنان شمالا ويشمل البحرين والعراق وسوريا.
واكد وزير الخارجية الايراني، إن ايران هي “اليوم الأكثر نفوذا في المنطقة وتستخدم هذا النفوذ لضمان أمنها القومي ومصالحها القومية وأمن المنطقة”.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية “إرنا” عن عبداللهيان القول إن “إيران استخدمت نفوذها في تطورات اليمن لما يضمن الوحدة الوطنية والوفاق بين الفصائل اليمنية .. إيمانا منها بأن الأمن المستدام في اليمن له تداعيات مباشرة على الأمن المستدام في منطقة الخليج الفارسي برمتها”.
الاجتماعي الثلاثي علي هامش المؤتمر الدولي، اكد علي إيران ترفض فكرة التخلي عن حليفها الأسد، فلا شيء يحول دون تغير ذلك. فقد فرضت إيران نفسها لاعبًا رئيسيًّا في الإقليم، وباتت جزءًا من المفاوضات والمساومات التي تدور داخل المنطقة، وبالتالي فهي لن ترضخ بسهولة، كما حدث عندما تم استبعادها في مؤتمر جنيف-2 الخاص بالبحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، فكانت النتيجة فشل المؤتمر.
موقف امريكي:
في الوقت الذي يعقد فيه وزراء خارجية ايران والعراق وسوريا اجتماعه للتنسيق الامني والسيسي لمواجهة "داعش" والجماعات المسلحة في سوريا والعراق، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كلمة ألقاها في «معهد بروكينغز للدراسات» في الولايات المتحدة إن «هناك دولاً عربية مستعدّة لصنع السلام مع إسرائيل والتحالف معها ضدّ داعش وحركة حماس وحركة أحرار الشام وجماعة بوكو حرام النيجيرية». مضيفاً أنّ «العنف الحالي في الشرق الأوسط أظهر فرصةً لتشكيل تحالف إقليميّ جديد يضمّ إسرائيل ودولاً عربية والولايات المتحدة ستكون مقصّرة ومهملة إذا لم تستغل ذلك»
تصريحات وزير الخارجية الامريكي واجتماع وزراء خارجية محور المقاومة او الهلال الشيعي "ايران- العراق- سوريا" يعيد المنطقة للمربع صفر حيث محورين يعمل كليهما ضد بعض ولكن من اجل هدف واحد والمستفيد من وجهات النظر بين الفريقين هو التنظيمات الارهابية.
فالولايات المتحدة تسعى إلى إعادة بناء صفوف حلفائها وإحياء محور الاعتدال السني والذي يتمثل غفي دول الخليج، وإعادته إلى ممارسة دوره المعروف في مواجهة محور الهلال الشيعي الذي حقق نجاحات في عدة ساحات وآخرها اليمن، وكل ذلك يتم تحت شعار محاربة تنظيم «داعش»، رغم تصريحات كيري أن هناك دورا لإيران في "محاربة الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا، لأن تنظيم داعش يمثل كذلك تهديدا لإيران التي يحضر مندوبها معنا اليوم" .
تحالف خليجي:
دول الخليج لم تقف عند المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة "داعش"، لكن تسارع هذه الدول لتأسيس مشروع الجيش الخليجي الموحد، واتحاد غرف رئاسة الأركان في منظومة الخليجي،.
فقد رحب القادة الخليجيون خلال القمة التي اختتم بالعاصمة القطرية الدوحة، بالخطوات التي تحققت في بناء القيادة العسكرية الموحدة، وأقروا إنشاء جهاز شرطة موحد وإنشاء قوة بحرية مشتركة.
ويري المراقبون ان دول الخليج تسعي لوجود دائم لقاعدة عسكرية "عربية" دائمة، بأسحلة حديثة في السعودية، كمنتج سريع للمشروع العسكري الجديد، ويعتقد المراقبون ان الأنباء والتقديرات في هذا السياق تتزايد عن حلف عسكري عربي خليجي على غرار "الناتو"، قد يولد من رحم التفكير الحالي في مطابخ دول الخليج، مع وضع أساس للردع الاستراتيجي، وتشكيل منظمة عسكرية سياسية على ارفع درجات المهنية العسكرية، وباحدث اجهزة وانظمة المراقبة الأمنية والتسليح.
المشهد الحالي :
فيما يبدو ان سعي ايران لبناء تحالف اقليمي عبر حلفائها القدامي العراق وسوريا والتنظيمات والجماعات المسلحة في الدول العربية مثل لبنان وفلسطين واليمن والبحرين، الي بناء نسق قوي وتحالف تحت قياداة علي خامئني المرشد الاعلي للثورة الايرانية، فيما تسعي دول الخليج الي بناء نظام وتحالف خاص لها لمواجهة اي تحديات قد تطرا وايضا للعب دور قوي في مواجهة الطموحات الارهابية .
الاوضاع في الشرق الاوسط تشير الي اننا في اعادة لإنتاج المحاور المضادة التي تراجعت فترة من القوت سرعان ما عادت تحت شعار محاربة الارهاب ، فالجميع اجتمع حول «داعش»، واختلفوا على محاربته، اختلاف سيلقي بظلاله علي اشكال المواجهة القادمة، وربما يحرفها عن «داعش»، في الوقت الذي يستمر فيه التنظيم بالتمدد مستفيدا من صراعات المحاور التي تشهد عواصم الخليج والمنطقة العربية .