عندما .. بكى الطير وغنَّى

فيينا روضة من الجنة .. نغم فى الجو .. له رنة سمعها الطير بكى وغني: رامى والقصبجى وأسمهان .. فى ليالى الأنس.

بعثتها فى رواية قصيرة بديعة الكاتبة اللبنانية «سحر مندور» مواليد 1977 .. أب مصرى وأم لبنانية .. صحفية متميزة فى جريدة السفير: سأرسم نجمة على جبين فيينا .. عملها الأول صدر فى بيروت 7002 وفى القاهرة 3011 ـ صدر لها بعد ذلك 4 روايات .. أعلى مبيعات فى معرض بيروت للكتاب 2013«.

أخيرا .. قرأت العمل الأول .. كان حلما متحققا للرواية القصيرة .. الجديد فى الأدب العربى الذى أعرفه كما تواضعت الكاتبة الشابة ولم تطلق على عملها اسم رواية .. أنا لا أخشى من الإعجاب المبالغ فيه .. فقد حققت فيما يشبه الحلم نوعا من السرد الأدبى الموجز البليغ والمحكم .. ولم نلمح خلال الصفات الـ 05 التى تتابعت فى انسياب أى ملمح من الاصطناع أو التعمد .. بين الراوى والأنا المعترف.

استطاعت الكاتبة أن تقيم بين «فيينا» بطلة الرواية وبين القاريء علاقة حميمة كاشفة وصريحة إلى أكثر درجة ممكنة.

وأن تشمل هذه العلاقة عائلة فيينا الأب والأم والأخ .. ثم الزوج والعشاق والمجتمع البيروتى والعمل التليفزيونى وملامح الحرب الأهلية فى الخلفية والعائلات المسلمة والمسيحية وشباب الجامعة .. وأخيرا مجتمع الاسلاميين الجدد .. بل ورحلت بنا فى رحلة حج إلى مكة ثم زيارة سريعة إلى باريس!!

بعد أن قرأت الرواية للمرة الأولى .. لم أصدق أن هذه البطلة بحياتها السريعة الخاطفة المأساوية .. قد أصبحت قريبة ومعروفة لى هذا الحد .. عاودت القراءة وحاولت العثور على المفاتيح السحرية التى استعملتها الكاتبة للوصول إلى هذا الوضوح والشفافية والجمال .. من استقبال الفتاة ساعة الميلاد .. تفتح وعى غامض يكشف النفس والمجتمع فى بصيرة تقول عنها البطلة فى سخرية محببة مختفية وراء كل ألم وكل فكرة: أظن أننى أصلح لأن أكون فيلسوفة لا تقوم رواية فنية دون فكر .. ولكن إذا خرج الفكر عن لحم الفن وقعنا فى اللجاجة أو الشرح .. الفن الذى تحقق فى هذا العمل يقدم فكرا .. ورأينا فى المجتمع والدين والسياسية دون أن تفلت من الكاتبة كلمة مباشرة أو عالية النبرة.

الجمل القصيرة محكمة الصياغة مشحونة بالمعنى يكتشفه القاريء على مهل دون أن تقف المعانى فى حلقه أو تسد عليه الاستمتاع بالمتابعة.

الفتاة الجميلة جدا .. ذات الاسم الجميل والدم الخفيف شقت طريقها فى مجتمع مضاد للأنثى ومحاصر لها .. وأب وأم متطلبين بأن تحقق ما رسموه لها من صور .. فى الدراسة والعمل والزواج .. درست الآداب رغم أنهم أرادوا العكس .. وتزوجت طبقا لإرادتهم وفشل الزواج .. وعملت مذيعة فى التليفزيون .. فحققت نجاحا إعلاميا باهرا ولكنها ملت النجاح الأجوف .. لعل هذه الفقرة القصيرة التى اخترتها من وسط الرواية أن تحمل لك مذاق البلاغة المراوغة لسحر مندور:

تركت شعرى متهدلا فوق الكتفين كأنه غير مصفف، مع أنى أمضيت بعد الظهر كله عند الحلاق أحاول أن أضع يده على الجرح: اجعله مصففا من دون أن يبدو عليه ذلك. وعلى وجهى أرخيت ظلالا خضراء . كنت فعلا امرأة لاتقاوم وتصرفت وكأنه من الممكن مقاومتي. فبت حينها، وبكل تواضع، قنبلة جنية مرتخيه فوق حافة نهر.

منذ البداية اختارت فيينا شقيقها أحمد الذى صار جراحا شهيرا وظل حتى النهاية السند وشريك الروح وقالت عنه:

أحب أحمد شقيقى ذلك الرجل الخاص بي. أحمد الوحيد الثابت فى حياتى الوحيد الذى يضحكه وجودى ويسليه اكثر بكثير مما يشعر بضرورة التدخل فيه.

وعن شبح الحرب الأهلية التى عاشتها لبنان، لا تنسى الكاتبة أن تعلق على «الأحداث» كما يطلق عليها اللبنانيون فتقول: وقفت فيينا الطفلة فى شرفة الجيران، تطل على مهرجان الألوان المتبقى من الأحزاب التى انتصرت فى حربها للسيطرة على حينا، ثم انهزمت فى حربها للاستمرار فى السيطرة على حينا.

وفى اجتماع السيدات المحجبات حول التليفزيون لمتابعة برنامج حوارى لعمرو خالد عن «العرى فى الفن» : «زميلاتى فى الصف مغرمات بعمرو خالد خاصة بعد هذا التقدم الرشيق فى السن (هن يقلن ذلك: أنا لاعلاقة لى بذلك) نعم مغرمات..

لاأظن أن «تقبرنى هالطلة» أو «أه لومنى مزوجة وسبحان اللى خلقه. لسانه شو طيع، هى عبارات إعجاب فقهي.

دقت ساعة الحقيقة. هذه رواية جديدة. لا أريد أن أحكيها لك لا أحد قادر على حكايته كما تحكيها الكاتبة اللبنانية سحر مندور التى تشق بسرعة واقتدار طريقا جميلا جديدا للأدب العربي. خاصة الرواية القصيرr]

» بعض من وعود الطير
» بعض من وعود الطير
» (( ليس القلب مثل الطير رحّال ))
» عندما يرحل الحب
» عندما تكلمت دنيا زاد