نطاق الطهارة بالتيمم

أجمع الفقهاء علي أن التيمم يقوم مقام الوضوء في حال العجز عنه. ولكن هل يقوم التيمم مقام الاغتسال الواجب لرفع الجنابة في حال العجز عن الغسل بسبب انعدام الماء. أو خوف استعماله من مرض أو ضعف شيخوخة خاصة في فصل الشتاء؟ خلاف بين الفقهاء نجمله في مذهبين:
المذهب الأول: يري مشروعية التيمم بدلاً عن الاغتسال. وهو ما يسمي بالطهارة الكبري الواجبة علي الجنب والحائض وهذا مذهب أكثر أهل العلم. قال به الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية. وحجتهم من الكتاب والسنة والمعقول. "1" أما دليل الكتاب فمنه قوله تعالي:"وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا مساء فتيمموا صعيداً طيباً" "المادة:6" فجعل الله سبحانه التيمم عقب الحدثين الحدث الأكبر وهو الجنابة والحدث الأصغر وهو نقض الوضوء عند فقد الماء. فصح أن يكون التيمم نائباً عن الطهارتين: الطهارة الصغري وهي الوضوء والطهارة الكبري وهي غسل الجنابة.
"2" وأما دليل السنة فمنه ما أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين. قال: رأي النبي صلي الله عليه وسلم رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم. فقال:" يا فلان ما منعك تصلي مع القوم؟" قال: اصابتني جنابة ولا ماء. فقال النبي صلي الله عليه وسلم:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك".
"3" وأما دليل المعقول علي مشروعية التيمم بدلاً من الغسل عند فقد الماء فهو قياس الجنابة علي نقض الوضوء بجامع أن كلاً منهما حدث ولأن التيمم شرع لاستدراك مصلحة وقت الصلاة وهذا قدر مشترك بين الحدثين الأصغر والأكبر.
المذهب الثاني: يري عدم مشروعية التيمم عند انعدام الماء أو تعذر استعماله في الطهارة الكبري للجنب والحائض روي هذا عن عمر وابن مسعود. وهو قول النخعي وبعض أهل العلم. وحجتهم عموم الآية الكريمة:"وإن كنتم جنباً فاطهروا" "المادة:6" حيث أمر الله تعالي اصحاب الجنابة بالطهارة أما اصحاب الحدث الأصغر وهو عدم الوضوء فخصهم بالتيمم في قوله جل شأنه:" وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا مساء فتيمموا صعيداً طيباً" "المادة:6".
واعترض الجمهور علي هذا الدليل بأن الأمر بالطهارة للجنب بالاغتسال مقيد بحال وجود الماء والقدرة علي استعماله عقلاً أما عند عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله فينوب عنه التيمم للأدلة التي سبق ذكرها.
ولأن التيمم طهارة حكمية أو اعتبارية لتقديس الصلاة في مواقيتها. فيستوي في ذلك الوضوء والاغتسال.
وبهذا تظهر رحمة الشريعة الإسلامية في تكاليفها الشرعية فالأصل هو الوضوء مما ينقضه كالبول والغائط والاغتسال مما يستوجبه كالجنابة وانقطاع دم الحيض للمرأة فإذا لم يجد الماء أو لم يستطع استعماله توجه المسلم إلي التيمم بدلاً مؤقتاً عن الوضوء. وبدلاً مؤقتاً عن الاغتسال حتي يتمكن من الصلاة في مواقيتها. أو العبادة التي تستلزم الطهارة في وقتها المختار.