كفوا عن استخدام الدين فى السياسة

حين أتى الإسكندر الأكبر إلى مصر، فى القرن الرابع قبل الميلاد، لم يتمكن من توطيد حكمه، وكسب ولاء المصريين إلا عندما أظهر الاحترام الكبير لدينهم، وذبح القرابين لآلهتهم، بل فعل أكثر من ذلك حين ذهب إلى معبد آمون فى سيوة، بقلب الصحراء الغربية، وأعلن نفسه ابناً لآمون، وعندها حصد ولاء المصريين وعطفهم، كما تمتع بإخلاص الكهنة ودعمهم.
الشىء نفسه فعله نابليون بونابرت حين غزا مصر فى عام 1798، فقد أصدر بياناً قال فيه إن «الفرنسيين أنصار النبى»، وطالب المصريين بأن يصدقوا أن رجال حملته «مسلمون»، كما وضع عمامة على رأسه، وأفهم قواده الأعيان والعلماء المصريين أنه اعتنق الإسلام.
لا يختلف هذا عما فعلته الدعاية النازية، فى مطلع الأربعينات من القرن الماضى، حين أفهمت المصريين أن هتلر أعلن إسلامه، وصار اسمه «محمد هتلر»، وهو الأمر الذى أجج المعارضة الوطنية للمحتلين البريطانيين، الذين كانوا يخوضون معركة مصيرية مع الألمان على أطراف الحدود الغربية للبلاد.
وبالطبع، فإن أسرة محمد على استغلت العواطف الدينية للمصريين استغلالاً واضحاً، حتى إن الملك فؤاد الأول سعى جاهداً لكى يعلن نفسه «خليفة للمسلمين»، رغم أنه لم يكن يجيد التحدث باللغة العربية.
أما الرئيس السادات فقد كان أكثر استخداماً للعواطف الدينية من سلفه الرئيس عبدالناصر، حيث لقب نفسه بـ«الرئيس المؤمن»، وأدخل تعديلات على الدستور جعل فيها «الإسلام دين الدولة»، وأسبغ على عصره الكثير من مظاهر التدين الشكلى، وأتاح الفرص للجماعات الدينية للعب أدوار سياسية واسعة، بعدما تم أقصاؤها عن المشهد فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى بقسوة. لكن ما فعله محمد مرسى كان أكثر من ذلك بكثير، إذ سعى الرجل إلى تحويل مصر إلى «دولة ولاية فقيه سنية»، خصوصاً عبر دستوره الذى أصّل للحكم الدينى، وخطابه الذى أفرط فى الاستخدام المسىء للعاطفة الدينية للمصريين. تشير تلك الوقائع، وغيرها الكثير، إلى الدور المركزى للتصور الدينى فى حكم مصر، وإلى محاولة معظم القادة؛ سواء كانوا محتلين أو وطنيين، توظيف هذا الدور لتوطيد أركان حكمهم وكسب الأنصار.
لقد أعطى المرشحان الرئاسيان اللذان يتنافسان على منصب رئيس الجمهورية الانطباعات بأنهما يسيران فى ذات الاتجاه، رغم كونهما أبعد ما يكون عن فكرة إقامة الدولة الدينية، أو إعطاء مكاسب سياسية لجماعات أو فئات بسبب الانتماء الدينى، كما يعلنان دوماً.
إذا حاولت قراءة البرنامج الانتخابى للمرشح الرئاسى حمدين صباحى، فستجد أن أولى الكلمات فى هذا البرنامج، هى الآية القرآنية الكريمة: «وَمَا النَّصْرُ إِلاّ مِنْ عِنْد اللهِ»، وتلك الآية نفسها تتكرر فى كل صفحة من صفحات البرنامج. وقد كان «صباحى» حريصاً على أداء الصلوات فى المساجد التى زارها ضمن جولاته الانتخابية، وقبل أسبوعين استغل زيارته لأحد المساجد فى الدلتا وألقى خطبة فى أنصاره.. أما الصورة التى تتصدر الموقع الإلكترونى لحملته الانتخابية فتظهره وهو يرفع يديه بالدعاء لله فى ميدان التحرير وسط حشود من مناصريه.
تبدو مسألة التوسل بالعواطف الدينية أكثر وضوحاً عند المشير عبدالفتاح السيسى، الذى التقى وفداً من رجال الأعمال قبل أسبوعين، فقال لهم «أعاهدكم أن أخشى الله فيكم»، بعدما كان التقى وفداً من أعضاء الطرق الصوفية، وقال لهم «يا رب يكون لنا أجر إن إحنا حمينا الناس فى مصر وحمينا الإسلام كمان»، قبل أن يتوقع للإعلاميين النزيهين «دخول الجنة» فى حوار تليفزيونى أخير.
الدين فى مصر يُخدم ويُصان على مر العصور، وهو فى أفضل المراتب وأعلاها، لكن لا يجب أبداً أن يكون وسيلة لحصد الأصوات أو كسب تأييد المواطنين.
أوقفوا استغلال الدين فى السياسة.

» السياسة الأمريكية تجاه مصر .
» السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية
» استخدام الحرارة المنبعثة من الأرض في توليد الكهرباء
» لطمة عنيفة على وجه السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط
» سيف الدين قطز